جلست لتنظيف السمك في البيت معاونة لوالدتي ، وأثناء التنظيف تناثرت قطعة لحم من السمك على الحائط فهممت بتنظيفها فنادت علي والدتي ونسيت أن أنظف هذه القطعة من السمك لضآلة حجمها ونسياني لها، وفي اليوم التالي مررت على حوض التنظيف في المطبخ فشاهدت شيئا أحمر على الحائط، اقتربت منه ودققت فيه فرأيت دودة حمراء اللون تأكل من قطعة السمك التي نسيت تنظيفها، فقلت سبحان الله الذي صرفني عن تنظيفها لتأتي هذه الدودة إليها لتتغذى عليها مصداقا لقول الله تعالى: "َمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{6} " (هود 6)، وقوله تعالى: "وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{60} " (العنكبوت 60).
والدابة : كل ما يدب على الأرض ومنها الإنسان والحيوان والنبات والكائنات الحية الدقيقة وغيرها.
والدب والدبيب: مشي خفيف ويستعمل ذلك في الحيوان، وفي الحشرات أكثر، ويستعمل في الشراب والبلى ونحو ذلك مما لا تدرك حركته الحاسة، ويستعمل في كل حيوان وان اختصت في التعارف بالفرس قال تعالى: "وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{45}" (النور 45) مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، كتاب الدال.
والرزق: يقال للعطاء الجاري تارة دنيويا وتارة أخرويا، ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به .
والرزق : كل ما يجري على الإنسان من الغذاء والدواء والكساء والتنفس، والهدم والبناء (الأيض) والعلم والقوانين والمركبات الكيميائية والحيوية والفيزيائية وسوف نقصر حديثنا في هذا المقال بإذن الله على الغذاء وآليات الحصول عليه في الكائنات الحية الدابة على الأرض التي تقع تحت مجال بحثنا العلمي وإدراك حواسنا المجردة أو بالآلة والأداة والتحاليل الكيميائية والفيزيائية والحيوية.
وتحصل الكائنات الحية على الأرض على الطاقة من غذائها على شكل مركبات عضوية (وغير عضوية) معقدة التركيب.
وتقسم الكائنات الحية من حيث أساليب وطرائق حصولها على الغذاء إلى كائنات حية ذاتية التغذية Autotrophic organisms كالنبات والطحالب الخضراء المزرقة وبعض أنواع البكتيريا.
وكائنات حية غير ذاتية التغذية Nontrophic organisms كالإنسان ومعظم الحيوان والفطريات وهي تحصل على غذائها من الكائنات الحية ذاتية التغذية.
وكائنات مترممة Saprophytic organisms وتحصل على غذائها من الكائنات الميتة أو بقاياها.
وكائنات متكافلة مع بعض الكائنات الحية الأخرى للحصول على غذائها.
وتقسم الكائنات الحية عادة إلى الأوليات كالبكتيريا والطلائعيات، والفطريات والمملكة الحيوانية والمملكة النباتية والإنسان.
وتحتاج جميع الكائنات الحية السابقة إلى المواد الكربوهيدراتية للحصول على الطاقة، والمواد الدهنية والمواد البروتينية لبناء خلاياها، والفيتامينات والمعادن والأملاح علاوة على الماء.
وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بأرزاق المخلوقات وقدر في الأرض أقواتها وما يصلح معايش الكائنات الحية عليها كما قال تعالى: "قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ{9} وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ{10} " (فصلت 9- 10).
ففي النبات: الكائن الحي الرئيس للتغذية الذاتية على الأرض تكفل الله سبحانه وتعالى برزقه حيث أمده سبحانه وتعالى بضوء الشمس والطاقة الضوئية والحرارية والإشعاعية المفيدة له، وأمده بالماء بخصائصه الحيوية والفيزيائية والكيميائية المعجزة والفريدة بين سوائل الحياة، وأمده بثاني أكسيد الكربون الجوي الذي يبني منه هيكله الكربوني، وخلق له البلاستيدات الخضراء المعجزة والفريدة وخلق فيها الكلوروفيل القادر على تثبيت الطاقة الضوئية وتحويلها إلى طاقة كيميائية في الروابط بين المركبات النباتية، وهيأ الورقة النباتية لاستقبال الضوء بالكميات المناسبة وخلق له الساق القادرة على رفع الأوراق ووضعها في الوضع الأمثل لاستقبال الضوء، وجعل الثغور في الورقة لتبادل الغاز بين الوسط الخارجي والخلايا النباتية في الورقة. وينتج النبات السكر (sugar) والأكسجين (oxygene)، ويتم تحويل السكر داخل النبات إلى باقي المواد الكربوهيدراتية والدهون والبروتين والفيتامينات والخشب والأحماض العضوية والصموغ والراتنجات وغيرها.
أنشأ الله تعالى للنبات الجذور الممتصة للماء والمعادن والأملاح وبعض المغذيات العضوية من الوسط المحيط، وهيأ هذه الجذور لوظيفتها حيث أنشأ سبحانه أوعية التوصيل المعجزة من الخشب واللحاء.
وخلق لبعض النباتات المتطفلة الممصات التي يدخلها في أنسجة العائل للحصول على رزقه منها.
وأوجد سبحانه آليات هوائية ومائية وحيوانية وذاتية لانتقال الثمار والبذور والحبوب والجراثيم لكي تحصل على رزقها في أرض الله الواسعة ولا تتكدس في مكان محدود.
فمن خلق الشمس؟
ومن خلق التربة الزراعية وشقها؟
ومن خلق الماء سائل الحياة المعجز؟
ومن خلق الخلايا والتراكيب النباتية؟
ومن هيأ كل هذه المخلوقات والتراكيب لتوفير الغذاء للنبات؟ إنها كما قال تعالى: " َمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا
توقيع اشراقه