|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 50367
|
الإنتساب : May 2010
|
المشاركات : 299
|
بمعدل : 0.06 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
رئاسة الوزراء العراقية أب قائد أم أم حنون؟
بتاريخ : 02-06-2012 الساعة : 05:57 PM
رئاسة الوزراء العراقية أب قائد أم أم حنون؟
د. حامد العطية
الأب القائد والأم الحنون نموذجان، لكل منهما مدلولات، استعملا في السياسة، لوصف نوعين من أنماط القيادة، واستعيرهما هنا لتقريب المقاصد والمعاني إلى الأذهان.
لم يكن الطاغية صدام حسين أول الأباء القادة في تاريخ العراق الحديث، وقد لا يكون آخرهم، فقد كان سلفه احمد البكر "اباً قائداً" بشهادة أتباعه، ومن قبلهما كان عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم وحتى نوري السعيد من هذا الصنف، أو هم تشبهوا به، واظهروا بعض خصائصه، وتصرفوا وفق مقتضياتها، ومن أهم هذه الخصائص التفرد بالسلطة، والهيمنة على عمليات صنع القرار السياسي، سواءً بالاستئثار بالقوة كما في حالة الحاكمين البعثيين وقاسم وعارف الأول أو من خلال استعمال الوسائل السياسية مثل الصفقات والمكر كما نجد في سيرة نوري السعيد.
الأم الحنون مصطلح تعارف بعض اللبنانيين من جيل أواسط القرن الماضي على اطلاقه على فرنسا، توصيفاً وتثميناً لدورها في رعاية النظام اللبناني الطائفي وحماية سيادته واستقلاله، وسقط عملياً عند دخول قوات الكيان الصهيوني العاصمة اللبنانية.
يكون القائد السياسي أماً حنوناً عندما ينجح من خلال الحوار والتراضي - ومن دون استعمال للقهر والعنف أو التلويح بهما - في بلورة التفاهم والتآلف والتعاون بين الفئات الاجتماعية والسياسية المؤثرة، بدرجة كافية لضمان السلم الأهلي ودرء مخاطر النزاع وحل الخلافات وتنفيذ المخططات الإنمائية.
لا يوجد في تاريخ العرق السياسي الحديث قائداً تمثلت فيه صفات "الأم الحنون"، وكان أسلوب عبد الرحمن عارف في الحكم ليناً بالتأكيد، لكنه لم يكن من هذا الصنف.
كانت النظم السياسية السابقة بيئة ملائمة لظهور الأب القائد قائداً أوحداً ومتسلطاً، يتخذ القرارات ويوزع المكرمات ويجني الفخر لوحده. ثم جاء المحتلون، ووضع الدستور العراقي الجديد ليكرس نظاماً سياسياً، يعتمد التعددية السياسية على أساس مباديء الفدرالية والمحاصصة الطائفية والإثنية والتوافق وتوزيع الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث، مما يمنع – نظرياً على الأقل - ظهور أب قائد، وأفضل ما يسمح به هذا النظام رئيس وزراء يطبق نموذج الأم الحنون في ارضاء كافة الطوائف والإثنيات ويوفق بين جميع الفئات السياسية، وهو هدف صعب التحقيق، إن لم يكن مستحيلاً، كما يتأكد من مراجعة وتقييم العملية السياسية خلال السنوات المنصرمة منذ اقرار الدستور.
إن محاولة رئيس وزراء عراقي – سواءً الحالي أم غيره - التشبه بنموذج الأب القائد محكوم عليها سلفاً بالفشل، فهي مخالفة لقواعد اللعبة السياسية المطبقة، والتي أوصلت رئيس الوزراء إلى سدة السلطة، ولا يمكن أن يشهد العراق أباً قائداً من جديد إلا بالإنقلاب على النظام التعددي الحالي أو تحويله إلى مجرد هيكل خاو أشبه بنظام الرئيس المصري مبارك - يتلاعب بالانتخابات، ويقايض النصرة بالمنافع، ويتقوى بالفاسدين والمنافقين، ويهمل مطالب الناس بالخدمات والوظائف والتنمية.
النتيجة هي أن النظام السياسي الحالي لا يسمح بحلول أب قائد، في منصب رئيس الوزراء، وفي الوقت نفسه يبدو أن ظهور أم حنون بعيد المنال ، فهل من مخرج من هذا الوضع المحير؟
المشكلة كما كتبت مسبقاً ومراراً كامنة في النظام السياسي، فهو عقيم بالولادة، وتأكد عجزه نتيجة التطبيق، ومادام هذا النظام قائماً ومستمراً، ستبقى العملية السياسية في العراق تراوح مكانها، عاجزة عن انتاج السياسات والخطط والقرارات اللازمة، وسيستمر الوضع العراقي متأزماً وهشاً، قابلاً للإنفجار من الداخل، وفاقد للمناعة ضد التدخلات الخارجية، فالنظام الحالي ناتج عن تصور سلبي للوضع العراقي، يفترض أن العلاقات بين طوائفه وكياناته مشوبة وللأبد بالظلم والشك وسوء الظن والخوف من الغدر، لذا أسس للفدرالية لحماية الأكراد من ظلم العرب وللمحاصصة الطائفية لضمان حقوق الأقليات الطائفية والتوافق منعاً للتهميش، وبالنتيجة يشجع هذا النظام على استمرار وتعميق سوء الظن والحذر بين كل الطوائف والمكونات، ويضع الأصفاد في أيدي الجميع.
المطلوب تغيير سياسي جذري، يؤسس لنظام جديد مبني على نظرة إيجابية للوضع العراقي، تعتمد امكانية الثقة المتبادلة وحسن الظن والتعاون بين الجميع، وعندما يتأكد العراقيون بأنهم سيعاملون جميعاً بعدالة وإنصاف وعلى أساس العمل والجدارة لا الانتماء الطائفي والإثني أو المحسوبية فستضمحل الخلافات فيما بينهم ويقبلوا على المشاركة في بناء دولة مؤسسات حديثة وراقية، ولو لم يحدث ذلك فسيكون مستقبل العراق نسخة أكثر مأساوية من تاريخ لبنان منذ الاستقلال أو النكوص للدكتاتورية واحتمال التقسيم.
2 حزيران 2012م
|
|
|
|
|