إن الله يبغض كثرة النوم، و كثرة الفراغ
الإمام الصادق
يأخذ النوم من عمر الإنسان النصف تقريبا، و قد نسب لأمير المؤمنين أنه قال :
إذا عاش الفتى سبعـين عـامـا
فنصف الـعمر محقــة الليالي
و نصف النصف من سهو
و لهـو و لا يـدري يمينا عن شمالي
و نصف الربـــع آمــال و حـرص
و شــغـل بالمكاسب و العيـال
و باقي العمـر آمـال و شــــــيــب
تـــــدل علـى زوال و انتقــال
فحـب المـرء طـول الـدهـر جهـــل
و قسـمــه على هــذا المثـــال
( الكشكول للبحراني /ج1،ص17) .
إن الناس ينامون نصف أعمارهم تقريبا، و بديهة أن هذه الأوقات التي تذهب في النوم هي محسوبة –لحظة بلحظة – من عمر الإنسان، و لا يمكن له أن يسترجع دقيقة أو لحظة مضت من نومه .
و يتحول النوم إلى فراغ إن لم يكن من أجل استعادة النشاط و القوة، و كلنا يعلم أن النوم ضروري، و أنه لا يمكن لأي إنسان أن يلغي النوم من حياته، و ذلك لأن النوم حاجة ضرورية بيولوجية لجسم الإنسان، و الله – سبحانه و تعالى – يقول:
(( و جعلنا نومكم سباتا ))، ( النبأ/9)، و السبات هو الراحة و الدعة .
لا تكثر النوم
إن النوم قوة تسيطر على الإنسان و عقله ، و به يفقد الشعور و الإحساس، و يعيش اللا إرادية، و لكن هذه القوة جعلت من أجل إعادة الإنسان إلى نشاطه، و الانطلاق من جديد في العمل، لا من أجل إضاعة أوقاته، أو فناء عمره، و ما وراء كثرة النوم إلا الفقر في الآخرة و الأولى .
قال رسول الله وسلم :
(( إياكم و كثرة النوم فان كثرة النوم يدع صاحبه فقيرا يوم القيامة )) ، بحار الأنوار (ج76،ص180) .
انك إذا نمت كثيرا فانك ستجد نفسك حينها تستيقظ أنك لم تقدم عملا تتزود به في دنياك لأخرتك، و هل هناك أشد فقرا من هذا الفقر ؟!
و يروى عن الإمام الباقر أنه قال :
(( قال موسى : يا رب، أي عبادك أبغض آلتيك ؟ قال : جيفة الليل و بطال بالنهار)) ، بحار الأنوار (ج76،ص180) .
و هذه الرواية توضح أن الإنسان الذي يكثر من النوم يتحول إلى جيفة، فالجيفة لا قيمة لها، و ترمى في القمامة , و أكثر من ذلك أنها تؤدي الآخرين و عليه فليس من الصحيح أن يحول الإنسان نفسه – و هو أشرف المخلوقات – إلى ما يشبه الجيفة التي لا قيمة لها .
ثم أن النوم و كثرته لا تصنع الحضارة، إذ الحضارات لا تصنع إلا بمزيد من السعي و العمل و العطاء، فهل سمعت أن شعبا نواما صنع الحضارة ؟!
و هل سمعت أن أمة فارغة أقامت تقدما ؟!
قال الإمام الصادق :
(( إن الله يبغض كثرة النوم،و كثرة الفراغ )) بحار الأنوار (ج76،ص180) .
و يقول - أيضا - :
(( كثرة النوم مذهبة للدين و الدنيا )) ، بحار الأنوار (ج76، ص180) .
إن القاعدة في الحياة أن الأمور الدنيوية لا تحرز إلا بالنشاط و العطاء و كذلك الأمور الدينية، و عليه فلن يعطي الإنسان الفوز بالآخرة و بجنانها و هو نائم .
يقول الإمام الكاظم :
(( إن الله يبغض العبد النوام الفارغ )) ( الكافي /ج5،ص84)
و يقول الإمام علي :
(( ما أنقض النوم لعزائم اليوم )) ، نهج البلاغة /حكمة 440).
فمن شاء النوم الزائد أنه ينقض عزائم الإنسان، و يلغي طموحه، لحالة التناقض بين حالة النوم و حالة العزم، فقد يقرر المرء عمل شيء ما في يومه، فينام، فيعمل النوم على إلغاء ذلك العمل، و من هنا لكي ينجز الطموحات و العزائم،لا بد أن يتخلص من عقبة النوم الزائد .
يقول الشاعر :
من طلب العلا سهر الليالي
يغوص البحر من طلب اللآلي
و يقول الإمام علي :
(( بئس الغريم النوم يفني قصير العمر، و يفوت كثير الأجر )) ، ( غرر الحكم ) .
فالنوم هو المحبوب الذي من سماته إفناء العمر المحدود، و تفويت كثرة الأجر على الإنسان، إذ مع كثرة النوم، الحرمان من الأجر و الثواب .
يقول الإمام علي :
(( من كثر في ليلة نومه، فاته من العمل مالا يستدركه في يومه ))، ( غرر الحكم ) .
و كلنا قد جرب ذلك، فما من إنسان إلا و جرب كثرة النوم، و رأى أن كثرته تضيع النشاط و الحيوية منه، و إذا ما كان المرء ذا أهداف نبيلة و كبيرة، و كثر نومه، سيجد نفسه يراوح في مكانه، بينما أهدافه لم تلامس التحقيق، و من هنا تنبع ضرورة تجنب إضاعة أوقات العمر في النوم الكثير