لا يهمنا من أنتم لأننا نُعاملكم كونكم بشراً لكم حقوق وعليكم واجبات..فالحقوق مُقدمة على الواجبات، وبدون الحقوق فلن يكون للواجب معنى، إذا ارتأيتم أن الدين هو حِصانكم لتبلغوا مآربكم فالحق والعقل هو سلاحنا للدفاع عن أنفسنا..لا ننقدكم لذواتكم بل لأعمالكم..واسألوا أنفسكم كم من غيركم –على منهجكم ومذهبكم- لا نقربه بنقدنا..إن الدين عند الله هو العدل فأيما كان العدل فهو دين الله..الإسلام في أذهانكم يختلف بطرائق أفكاركم فانتبهوا..فكل واحدٍ منكم له دين يختلف عن الآخر..لا تفصلوا بين الفكر والسلوك وبين الدين..فأفكاركم قابلة للنقد وللدحض..ولا تخافوا من النقد فهو شيمة الأنبياء والمُصلحين..فما من نبيٍ بعثه الله إلا وكانت تعتريه نزعة النقد والتمرد على كل واقعٍ سلبي.. وفكرةً لا تصلح إلا لشريعة الغاب ومملكة الحيوان..
إن اليقين لن يأتي إلا من باطن الشك...وإلا فأنتم مُفسدون..فشُكّوا في أنفسكم وأفعالكم ولو لدقيقة..ولا تركنوا إلى اطمئنانكم لأنفسكم ولأعمالكم..فهو الشيطان قد زين لكم ما تكسبون..فالدين كالبئر العميق لن يعلم أغواره إلا من كان له دلواً يهبط به إلى القاع..فلا يكفيَ النَظَر من فوق سطح البئر لنعلم حقيقة وجود الماء..لابد من التجربة، فاليقين هو الماء..والشك هو الدلو الذي تهبطون به إلى اليقين...واعلموا أن الإنسان ينزع إلى الإيمان والعمل الصالح دوماً، فلا تجعلوا أنفسكم أوصياء على الناس لئلا ينقلب هذا العمل إلى حقد وحسد وانتقام..فتكونون ممن حق القول عليهم أنهم يُفسدون في الأرض من حيث أرادوا الإصلاح.
نعلم أن مفهوم التجارة بالدين هو غريبُ عليكم وأن عقولكم لا تستوعب معناه، والحق أنكم تشعرون بأن الاتهام يأتي من مُقصّرين يكرهون "القيود" الدينية، ولو شككتم في أنفسكم قليلاً لوجدتم أن تلك القيود ما أنزل الله بها من سُلطان، وأنها صناعتكم الرديئة، وأن ميلكم إلى القيد والوصاية هو منبع تلك التجارة..قد تكون مشاكلكم مع العقل هي السبب..أو كمن قال من أسلافكم.."من تمنطق فقد تزندق"..وهذا قول بِدعُ يرفضه الدين والعقل سواء...وإلا فاسألوا أنفسكم لو كنتم من السائلين...هل يجوز على الله أن يُشرّع لعباده ديناً يُخالف عقولهم؟!..فإذا قلتم نعم يجوز فقد كفرتم بعد إيمانكم..لأنكم تعتقدون في معبودكم أنه يتعامل معكم كحيوانات لا تعقل وليس لها إلا الطعام والشراب والنكاح..وإذا قلتم لا يجوز فاهتدوا بعقولكم إلى الله..فإن أرواح الناس وعقولهم لا يُمكن لها إلا أن تتكامل.
كل إنسان منا له طبيعة خاصة يرى بها الحق والعدل وينفر بها عن الباطل والظلم، فهو كائن مُنسجم مع نفسه حتى أنتم..فليس بمجرد انسجامكم مع أنفسكم أنكم على الحق..حتى إرادتكم لا تمتلكونها لأنها خاضعة لتأثير الآخرين..فالشيخ والأستاذ والقائد والإعلام جميعهم سلبوا منكم إرادتكم واستطاعوا تشكيلها حسب رؤاهم وطبائعهم..وإلا فانظروا للرأي الآخر ستجدون شيئاً من الحق يهدم به مزاعم هؤلاء..هم يريدونكم طوعاً لهم بدعوى أن ما ينطقون به هو الحق، لِذا فهم يكرهون التجديد وينظرون للشك في أقوالهم بأنه عين الشك في الدين..ولو أنهم ارتأوا في أعمالكم القلق والمُراجعة وأن طبائعكم وانسجامكم مع أنفسكم يفرض عليكم أن تُعيدوا النظر..وقتها سيُطالبونكم بالتوبة، وبأن ما وصلت إليه عقولكم هو عين الضلال..فإذا جادلتموهم فلن يبقى منهم إليكم إلا الطرد من رحمة الله، ومن شذّ فيشذّ إلى النار ولا يأكل الذئب من الغَنم إلا القاصية!
وقتها سيتبين لكم أن ماضيهم معكم قد غالَبَه السوء والمُنكر من القولِ والعمل..وليس كما توهمتموه في السابق بأنهم قومُ صالحين يدعون إلى الرُشد..وقتها ستعلمون أنهم كانوا يزرعون فيكم العِصمة فيهم وفي أنفسكم..وإن إنكاركم للعِصمة لم يكن إلا قولُ ينقصه العمل..كونوا أحراراً وخلّصونا وخلّصوا أنفسكم من الخطر الدهيم..فهؤلاء لا يعلمون عن العدل إلا اسمه..وقلوبهم ملئ بالكِبر والحقد والحَسد ..ولتكن هي المفاصلة التي تُعلنون فيها للعالم بأنكم أحرار ولستم عبيد.