لا تأمن الموت في طرف ولا نفس*** ولـو تـمنعــت بــالحجـاب والحـــرس
وأعـلـم أن ســهــام المــوت نـافـذة*** فــي كــل مـــدرع مــنـــا ومـتـــــرس
مــا بــال ديـنـك تـرضى أن تدنسه ***وثــوب نـفســك مغسـول مـن الدنـــس
تـرجوا النجاة ولـم تسلك مساليكها*** إن السـفيـنـة لا تـجـري عـلـى اليبـــس
وقال (عليه السلام) :ــ
هـل يـدفـع الـدرع الحصين منيـة*** يـومـا إذا حـضـــرت لــوقــت ممـاتي
أنــي لا أعــلم أن كــــــل مجمــع*** يـومـا يـؤول لـفـــــــــــرقة ونـجــــاة
يا أيهــا الـداعي النـذيــر ومن به*** كـشــف إلالــه رواكـــــد الظـلمـــات
أطـلـق فـديتـــك لأبن عمك أمره*** وأرم عـداتــك منــــــــه بـــالجمــرات
إنّ الموت حسب ما يصفه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أوّل منزلٍ من منازل الآخرة وآخر منزل من منازل الدنيا
الموت في اللغة والقرآن
الموت حسب ما يقوله صاحب المقاييس ولسان العرب
عبارة عن ذهاب القوّة في الشيء. وبمناسبة هذا المعنى ، استعمل لفظ الموت في موارد كثيرة يظن انّها معاني مختلفة له ، بل الحقّ أنّ المعنىٰ واحد وهذه مصاديق لهذا الجامع ، ولو كانت هناك خصوصيات تميّز كلّ واحد عن الآخر ، فإنّما هي من لوازم تلك المصاديق لا من خصوصيات المعنى.
ولذلك يستعمله القرآن الكريم تارة في الأرض الجرداء القاحلة ويقول :
( وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ المَيْتَةُ ).
وأُخرى في الأصنام الفاقدة للحركة ،
ويقول : ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ).
وثالثة في مراحل الخلقة التي يمرّ بها الإنسان قبل ولوج الروح ويقول :
( وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ).
ورابعة في الإنسان المنزوع عنه الروح ، قال سبحانه :
( ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ).
وهذه المراحل تشترك في المعنى الجامع للموت ، وهو ذهاب القوّة عن الشيء ، فيكون اللفظ مشتركاً معنوياً له مصاديق متنوعة
ب. هل الموت أمر عدمي ؟؟؟؟؟؟
إذا كان المراد من الموت هي الحالة العارضة على الإنسان بعد نزع روحه
وذهاب قواه فهو أمر عدمي بلا شك ، لأنّ مرجعه إلىٰ فقدان القوىٰ ، وهو أمر غير وجوديّ ، وعلى الرغم من ذلك يمكن تناول الموت من منظار آخر :
. 1 _أخذ القوى والطاقات ، فلا شكّ انّه أمر وجودي ، لأنّه فعل وحركة وإن كانت نتيجته عروض حالة عدمية على الإنسان.
2 _ الموت لا بما انّه نهاية الحياة الدنيوية بل بما انّه انتقال من مرحلة إلىٰ مرحلة أُخرى ، ومن حياة دانية إلىٰ حياة عالية ، فهو بهذا المعنى ليس أمراً عدميّاً ،
قال علي عليهالسلام : « أيّها الناس إنّا وإيّاكم خلقنا للبقاء لا للفناء ، لكنّكم من دار إلى دار تنقلون ».)
وقال الإمام الحسين سيّد الشهداء عليهالسلام لأصحابه يوم عاشوراء عند ما رأى استعدادهم للتضحية والفداء في سبيل الحق وخاطبهم بقوله :
« صبراً بني الكرام ، فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسع والنعيم الدائمة ، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ؟ وما هو لأعدائكم إلاّ كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب ، انّ أبي حدثني عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : انّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ، ما كذبت ولا كُذبت ».
. ربما يضاف الموت إلى البدن وأُخرى إلى الروح ، ففي الإضافة الأُولى يكون الموت أمراً عدمياً ، لأنّ البدن يفقد الحركة والانتقال، ولكنّه في الإضافة الثانية أمر وجودي ، وهو عبارة عن انتقاله من عالم إلى آخر ، ولا يفقد الروح شيئاً ، ولأجل ذلك نرى أنّ الموت أُضيف في القرآن إلى البدن دائماً لا إلى الروح.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنّ القرآن يعدّ الموت مخلوقاً لله كالحياة ويقول :
(الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ )
، والخلق والجعل لا يتعلّق بأمر عدمي وإنّما أُضيف إليه باعتبار بعض المعاني التي ذكرنا أنّ الموت فيها أمر وجودي.
وهناك وجه آخر لبيان تعلّق الجعل بالموت ، وهو أنّ الموت عبارة عن تقدير الحياة في النشأة الأُولى ، ونفس التقدير أمر وجودي ، قال سبحانه : ( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ).)
وأمّا تذييل الآية بقوله : ( وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) لغرض بيان أنّ موت الإنسان ليس معلولاً لقدرة أُخرى حتى تسبق قدرةَ الله سبحانه ، وإنّما ذلك سنّة إلهية جارية في الأحياء ، فلم يُكتب علىٰ حيّ في هذه النشأة الخلود والدوام