الطموح والقناعة
لاشكّ أن لكل منا العديد من الأمنيات والآمال ومن الكثير من الطموحات, ولاشكّ أيضًا بأنّ كلًا منا يتطلع نحو الأفضل ويسعى للحصول على أكثر مما لديه, فهذه هي طبيعة جميع البشر. وهي الفطرة التي تظهر بجلاء بشكل أو بآخر حتى في مرحلة الطفولة وتتجلى في حبّ الطفل للاقتناء، حيث بإمكاننا أن نلاحظ بما لدى الطفل منذ نعومة أظفاره من حبّ الاقتناء؛ لذا فهو يطالب والديه بما لدى غيره من الأطفال سواء أكان ذلك من الألعاب، أو الملابس، أوالنزهات، أو غير ذلك من وسائل اللهو والترفيه. وبأنه قد يُظهر بعض الغيرة أو قد يتولد لديه شعور بالقهر إن لم يحقق له والداه ذلك.
ونادرًا ما قد نصادف من ليست لديهم أية آمال أو طموحات حتى ممن تقدمت بهم سنين العمر، صحيح أن الزمن لابدّ أن يُقلّص جميع ما قد يكون لدينا من آمال ومن طموحات, وصحيح أن طموحاتنا وآمالنا قد تتضاءل وتصبح أقل إلحاحًا مع مرور السنوات وبأنّ حماسنا وسعينا لتحقيقها قد يتناقص، لكن الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن لكل منا وفي كل مرحلة من مراحل الحياة، طموحاته وأمنياته.
ومما لاشكّ فيه أن تطلّع المرء وسعيه لتحقيق طموحاته حق طبيعي ومشروع, وبأنه الأمر الذي يُبرّر وجودنا وما يمنح لحياتنا قيمتها ومعناها فليس هناك من بإمكانه أن يعيش على هامش الحياة. لكن الأمر الأكثر أهمية، هو أن على كل منا أن يحرص من خلال سعيه نحو تحقيق أهدافه وطموحاته, على ألا يتعدّى على حقوق الآخرين وبأن عليه ألا يتعثّر ويسقط في بؤرة الطمع والفساد. أليست القناعة كنز لا يفنى؟ أليس الرضى من الإيمان؟
والأمر الهام الآخر هو أن تكون تلك الطموحات في حدود إمكانيات المرء؛ لكيلا يؤدي عدم تحقيقها إلى شعوره بالقهر وإلى استسلامه لليأس وإلى أن تهتز ثقته بنفسه وبالعالم. لذا، فإن على المرء أثناء سعيه الحثيث لتحقيق مطامحه, أن يتوقف عند محطة هامة جدًا هي الرضى والقناعة. قد نصادف من تحوّلت طموحاتهم إلى أطماع غير محدودة جعلتهم يتخلون عن مُثلهم العليا وعن مبادئهم، والأخطر من ذلك أنهم قد لا يتوانون عن الاعتداء على حقوق الآخرين وهم بذلك يتعثرون ويقعون في بؤرة الفساد. وقد نصادف أيضًا بعض من كانت تطلعاتهم وطموحاتهم أكثر مما تتيحه لهم إمكانياتهم وهو الأمر الذي يجعلهم يشعرون بعدم الرضى ويستسلمون لليأس رغم أنهم لو اقتنعوا بما لديهم وبما حصلوا عليه، لكانوا أسعد حالا وأهدأ بالًا. ولكن، لا يعني كل ما ذكرناه أن على المرء أن يتخاذل أو أن يتقاعس عن السعي نحو الأفضل, وإنما علينا أن نجعل طموحاتنا في حدود الإمكانيات المتاحة لنا وفي حدود عدم التعدّي على حقوق الآخرين والإضرار بمصالحهم.ولابدّ لنا هنا أن نشير إلى أن تحقيق مثل هذا التوازن لا يكون إلا عندما يتحلّى المرء بالإيمان والرضى، وبالقناعة بأن كل منا مُيسّر لما خُلِق له، وبأن علينا أن نؤمن بما قُدّر لنا وأن نضع ثقتنا بحدود إمكانياتنا الشخصية وأن نحرص على عدم الفصل بينهما.