نظرة الإسلام للمرأة
إنّ الإسلام نظر إلى الإنسان على أنّه مكوّن من روح ومادة ، والإنسان رجل وامرأة ، فالمرأة أيضاً تتكون من روح ومادة .
والروح : لا امتياز فيها بين الرجال والنساء ، وهي التي تتكامل بالمعارف والعلوم والأخلاق والمزايا الفاضلة التي تتلخص كلّها في التقوى . وهذه الامتيازات للروح
تكون بمثابة الملك لها ، لا يمكن سلبها عنها إذا حصلت عليها الروح ، قال تعالى : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات وَنَهَر * فِي مَقْعَدِ صِدْق عِندَ مَلِيك مُّقْتَدِر}(1) .
وقال تعالى : {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}(2) .
والمكافاة لهذه الامتيازات الروحية هي الجنة التي هي مقسّمة حسب مراتب هذا التفاضل ، فالأكثر إيماناً وعلماً وعقيدة (أي الأكثر تقوى) له مراتب أعلى من غيره الذي هو عالم مؤمن متقي .
وأمّا المادة : وهو الجسم ، فليس له إلاّ التنفيذ .
وفي المادة توجد امتيازات وتوجد فوارق ، إلاّ أنّها ليست من باب الكمال وإن كانت فضيلة ومزية ، إلاّ أنّها ليست معياراً للتفاضل ، فتأتي هنا قضية قواميّة الرجل على المرأة التي قلنا سابقاً : إنّها فضيلة القوة ، بينما تحوز المرأة فضيلة العاطفة والرحمة والرقة (المتمثلة في جمال المرأة) التي قال عنها الإسلام إنّها ريحانة وليست قهرمانة .
وقد أراد الله تعالى أن يسخّر المجتمع لعواطف المرأة ورقتها ورحمتها ، بمعنى أنّه أراد للمجتمع أن يتربّى على العواطف والرحمة ، فإدخلها إلى المجتمع مع الحجاب والعفة ليستفيد من عاطفتها ورقتها ولطفها وصفائها ووفائها .
فالتفاضل موجود في جسم الإنسان (الرجل والمرأة) ولكنّه ليس هو التكامل المنشود ، فالرجل عادةً وغالباً فيه امتياز على جسم المرأة بالقوة ، وجسم المرأة عادة وغالباً فيه امتياز على جسم الرجل باللين والعاطفة ، وأراد الإسلام أن يمزج
____________
1- القمر : 54 ـ 55 .
2- الفجر : 27 ـ 30 .
بين القوة واللين أو بين العقل والعاطفة ; ليتم صرح بناء المجتمع من مادة لينة ومادة صلبة ، فيكون بناء المجتمع بناء محكماً وقوياً .
ولكن إذا نظرنا إلى المرأة على أنّها مادة فقط خُلقت لاشباع الغريزة الجنسية فقط ، فقد سلبنا من المرأة لينها وعاطفتها ورقتها (جمالها) وتربّت على غير وظيفتها ، فتحوّل المجتمع كلّه إلى صرح كلّه قوّة وكلّه حجر وكلّه صلابة ، والصرح لا يقوم على الصلابة من دون مادة ليّنة ، فيكون عرضة للسقوط .
إذاً الإسلام أراد من الامتيازات بين جسم الرجل وجسم المرأة تقسيم المناصب التنفيذية ، والمناصب التنفيذية هي أمانة ، فالرجل له مناصب معينة ينفذها ، والمرأة لها مناصب معينة تنفذها ، ولا حقّ للاعتراض على تقسيم هذه المناصب حسب الامتيازات البدنية ; لأنّه ليس شيئاً يكون فارقاً بين الرجل والمرأة في الفضيلة .
وهذه المناصب التنفيذية تقابلها مسؤوليات .
فإذا ثبت أنّ الرجل له هذا المنصب الخاص ، والمرأة لها هذا المنصب الخاص ، فلا يوجب هذا تفاضلاً ، بل هو من تقسيم المسؤوليات حسب اختلاف الأجسام .
وكمثال على ذلك إعطاء القيمومة للرجل على زوجته ، وهذه القيمومة هي عبارة عن تنظيم اُمور المرأة ورعايتها ، ممّا فضّل الله الرجل على المرأة في قوة البدن ، وبما أنفق من ماله لترتيب المسكن الذي يوجب سكناً لهما ، فلا اعتراض على ذلك ; لأنّه وظيفة يقابلها مسؤولية ، كما أنّ المرأة لها وظيفة الرضاعة والحضانة والرعاية والقيام بشؤون الأولاد ، وهذا يقابله مسؤولية على المرأة في وظيفتها ، فلا يعتبر هذا فارقاً في التفاضل .
هذا كلّه في الوظائف الخاصة بكلّ منهما ، أمّا الأعمال العامة في المجتمع فهي مشتركة بينهما إذا وجدت المؤهلات اللازمة لها ، وكان هناك وقت كافي بعد إنجاز المهام الخاصة بكلّ واحد منهما .