العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتدى القرآن الكريم

منتدى القرآن الكريم المنتدى مخصص للقرآن الكريم وعلومه الشريفة وتفاسيره المنيرة

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

اليمني الاول
مــوقوف
رقم العضوية : 82629
الإنتساب : Apr 2016
المشاركات : 105
بمعدل : 0.03 يوميا

اليمني الاول غير متصل

 عرض البوم صور اليمني الاول

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي هل الإمامة أصل من أصول الدّين؟؟
قديم بتاريخ : 20-07-2016 الساعة : 01:15 AM


الإمامة من منظور الشريعة الإسلامية

من مواضيع : اليمني الاول 0 ما معنى قوله تعالى : { أكاد أخفيها }
0 فحوصات تهم المرأة الحامل
0 فصائل الدم
0 { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ...... }.
0 هل الإمامة أصل من أصول الدّين؟؟

اليمني الاول
مــوقوف
رقم العضوية : 82629
الإنتساب : Apr 2016
المشاركات : 105
بمعدل : 0.03 يوميا

اليمني الاول غير متصل

 عرض البوم صور اليمني الاول

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : اليمني الاول المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 20-07-2016 الساعة : 01:17 AM


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله ربّ العالمين وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى.

الوِلاية أو الإمامة ، رئاسة عامّة في شؤون الدّين والدّنيا.

والإمامة تُعَدّ أمّ المسائل الخلافية بين المسلمين ، تنازع فيها النّاس ماضياً وحاضراً، منذ اللّحظات الأولى لرحيل الرسول صلى الله عليه وآله وحتّى يومنا هذا. إنّها أصل الحكاية.

ملأَت الدّنيا وشغَلَت النّاس ، ضُرِبت من أجلها الأعناق ، وسُفِكت الدّماء ، في الماضي والحاضر، فلا غرابةَ إن كثُرَ حولها الكلام وتصاولت فيها الأقلام، وتفاوتت فيها الأفهام.

يقول التأريخ الإسلامي : " إنّ أعظم خِلاف وقعَت فيه الأمّة هو الخلاف في الإمامة، فإنّه ما سُلّ سيفٌ في الإسلام على قاعدة دينية كما سُلّ على الإمامة ".

فهل هو صحيحٌ حقّا ، كما يروّجُ البعضُ ، أنّ الدِّين الإسلامي اكتفى بأن عَلَّمَ أتباعه الخرأة ! ، وأغفلَ قضيةً كبرى ومسألة عظمى لا يزال أتباع الإسلام يقتتلون بسببها حتى اليوم ؟ وهي مسألة الإمامة.

هل أنّ الله عزوجل ورسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم أغفلوا ولاية أمر المسلمين ، وتركوا أبناء الإسلام في الجهل يتخبّطون ، وفي الظلمات يعمهون ؟.

أم أنّ للشريعة الإسلامية الغرّاء رأيٌ ووجهة نظر ، ومنهاج واضح في مسألة الإمامة؟.

" الإمامة من منظور الشريعة الإسلامية " موضوع حديثنا في هذا الكتاب.

لقد تركْنا كلامَ المخلوقين وراء ظهورنا ، واعتصمنا بكتاب الخالق ، عُدنا إلى وثيقة السماء الخالدة ، القرآن العظيم ، ومِن خلاله نستبين الرّشد من الغي.

وبعد طول تأمّل وتدبّر في آي الذِّكر الحكيم ، وجدنا آيةً ؛ هي أعظم وأحكم ، ولو لم يكن لأتباع الإسلام إلّا تلك الآية لكانت لهم شفاء ودواء، فإنّ فيها الحقّ المنير والبرهان المستنير.

قال عزوجل : " يا أيها الّذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ".

إنّها الآية رقم 59 من سورة النّساء.
وقد سمَّيناها آيـــــة الإطـاعــــــة.

حديثنا في هذا الكتاب يتمحور حول ( آية الإطاعة ) وبيان ما جاء فيها بياناً شافياً إن شاء الله تعالى.

يتألّف هذا الكتاب من تسعة فصول : ـ

الفصل الأوّل : تفسير وبيان معنى قوله تعالى :
" يا أيها الّذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".

الفصل الثاني : تفسير وبيان معنى قوله تعالى :
" فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ".

الفصل الثالث : تفسير وبيان معنى قوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ".

الفصل الرابع : تفسير وبيان معنى قوله تعالى : " ذلك خير وأحسن تأويلا ".

الفصل الخامس : عوداً على بــدء + الخلاصة.

الفصل السادس : الإمامة خِلافةً عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويتألّف من ثلاثة مقامات :
المقام الأوّل : مفهوم الإمامة.
المقام الثاني : وجوب الإمامة من النّاحية الشرعية والعقلية.
المقام الثالث : الصفات الواجب توفّرها في خليفة الرسول ص.

الفصل السابع : معرفة وليّ الأمر الأوّل بعد الرسول ص بلا فصل.

الفصل الثامن : شبهات وردود.

الفصل التاسع : عدد أولي الأمر الّذين أوجب اللهُ طاعتهم في الآية الشريفة، ومعرفة كلّ واحدٍ منهم بإسمه.
..................................

( ملاحظة : سوف نتناول هنا، في صفحة هذا المنتدى المبارك، الفصل الأول والثاني والثالث ).

" وقد وافيناكم بالفصل السابع والثامن - أنظر آية الولاية ".


المنهج المُعتمَد في تأويل الآية الشريفة :
نفس المنهجية المعتمدة في آية الولاية.

من مواضيع : اليمني الاول 0 ما معنى قوله تعالى : { أكاد أخفيها }
0 فحوصات تهم المرأة الحامل
0 فصائل الدم
0 { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ...... }.
0 هل الإمامة أصل من أصول الدّين؟؟

اليمني الاول
مــوقوف
رقم العضوية : 82629
الإنتساب : Apr 2016
المشاركات : 105
بمعدل : 0.03 يوميا

اليمني الاول غير متصل

 عرض البوم صور اليمني الاول

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : اليمني الاول المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 20-07-2016 الساعة : 01:18 AM


بسم الله العالي مولى الولاية والوليّ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبـه توفيـقي وثـقـتي

" آيــة الإطــاعـــة "

قال جلّ شأنه :ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَظ°لِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ï´؟ظ¥ظ©ï´¾ .

إنّ المتأمِّل لآي الذكر الحكيم يجد أنّ هذه الآية الشريفة هي الآية الوحيدة التي أوجب الله تعالى فيها الطاعة لأولي الأمر.
ولاشكّ أنّ أوّل مسألة تتبادر إلى الذّهن، عند تدبُّــر آية الإطــاعة، هي مسألة مَن هم أولوا الأمر الذين أوجب الله لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول صلى الله عليه وآله.
وهذا التساؤل منطقي ومشروع ، غير أنّ هناك مسائلَ عددا ومعارفَ شتّى في الآية الكريمة ينبغي معرفتها قبل معرفة من يكون أولوا الأمر هؤلاء.

إنّ في آية الإطـــاعة عِلماً جمّــا، وآخر تلك المسائل هي مسألة من هم أولـوا الأمر الذين وجبت طاعتهم شرعاً.

لقد تضمنت هذه الآية الشريفة جميع المسائل الأصولية، العقائدية في الدين الإسلامي الحنيف.

وتيسيراً لفهم الآية المباركة ومعرفة ما جاء فيها ، فإنّنا سوف نقسّمها إلى مقاطع ثم نقوم بتأويل كلّ مقطعٍ على حِدَة، وتوضيح علاقته بالمقطع الآخر، وبيان ما جاء فيه.
من ثم سنقوم في نهاية المطاف بعمل خلاصة موجزة لمجموع المعارف والمسائل التي تضمنتها الآية المباركة، ومن بعد ذلك سوف نناقش مسألة الإمــامة.

الآية الشريفة تنقسم إلى ثلاثة مقاطع : ـ

صدر الآية أو المقطع الأول :

قوله تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ï´¾.

المقطع الثــاني :

قوله تعالى :
ï´؟ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ï´¾

المقطع الثاني يتألف من شطرين :
الشطر الأول : قوله تعالى :ï´؟ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ ï´¾

الشطر الآخر : قوله تعالى :ï´؟ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ï´¾ .

المقطع الثالث والأخير :

قوله تعالى : ï´؟ ذَظ°لِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ï´¾.

وقبل الخوض في التفاصيل أودُّ لفت نظر القارئ الكريم إلى مسألة مهمة، وهي :
ينبغي أن يضع القارئ الكريم هذا التقسيم في الاعتبار، لأنّ مُسَمَّيات التقسيم ستتكرر كثيراً في صفحات الكتاب.

هذا البحث تُحفَــةٌ نفيســـة ، أتقــدَّمُ بــه إلى عُشّاق الحـقّ والفضيلــة، راجياً بذلك وجــهَ الله تعالى وشفــاعةَ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
..............................

نبدأ الحكاية بمشيئة الله تعالى....

من مواضيع : اليمني الاول 0 ما معنى قوله تعالى : { أكاد أخفيها }
0 فحوصات تهم المرأة الحامل
0 فصائل الدم
0 { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ...... }.
0 هل الإمامة أصل من أصول الدّين؟؟

اليمني الاول
مــوقوف
رقم العضوية : 82629
الإنتساب : Apr 2016
المشاركات : 105
بمعدل : 0.03 يوميا

اليمني الاول غير متصل

 عرض البوم صور اليمني الاول

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : اليمني الاول المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 20-07-2016 الساعة : 01:19 AM


الفصل الأول

قوله تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ï´¾ .
.....................................

المقطع الأول أو صدر الآية

قوله تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ï´¾.

إنّ الفائدة الجليلة التي جاء بها هذا النّص القرآنيّ الشريف هي إيجاب فرض الطاعة لأولي الأمر.

ومعنى أولي الأمر ، لغةً وشرعاً وعُرفاً : الحُكّام أو الأئمّة.

هذا هو الحُكم الشرعي الّذي أفادت به الآية المباركة، أمّا طاعة الله وطاعة الرسول فنحن نعلم حكم وجوبها من آيات أُخَر غير هذه الآية، فهناك عشرات، بل مئات الآيات في الكتاب العزيز توجب على المكلفين طاعة الله وطاعة الرسول صلىالله عليه وآله.
غير أنّ المهم ها هنا والّذي يجب أن يؤخَذ في الحسبان هو وجوب طاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر في سياق واحد.

فالنّص القرآني بحكم المشاهدة أوجب طاعتين اثنتين : طاعة لله جلّ وعلا وطاعــة أخرى للرسول وأولي الأمر ، وهذا النّظم القرآني له الكثير من المعاني والدلالات ؛

أولاً : طاعة الرسول وأولي الأمر

الآية المباركة أوجبت للرسول وأولي الأمر طاعة واحدة، قال : " أطيعوا الرسول وأولي الأمر" ولم يقل : أطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر ؛ وهذا التلازم الحاصل بين طاعة الرسول وأولي الأمر يطرح تساؤلاً مهماً ، هو : لماذا أوجب الشرع طاعة الرسول ؟
والجواب السريع القريب إلى الذهن هو : لأنّه نبيّ الله.

لكن، إذا تأمّلنا هذا الجواب وجدناه منقوصا، غير سليم ، لأنّه لو صح أنّ طاعة الرسول واجبة لكونه نبيّا على وجه الخصوص لما كان هناك وجهٌ صحيح لإيجاب الطاعة نفسها لأولي الأمر، لأنّنا نعلم أنّ أولي الأمر ليسوا أنبياء حتى تجب لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول ، فالنبوّة قد خُتِمت ولا نبيَّ بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله.
وذلك معلوم لكلّ مَن دان بشريعة الإسلام.

قال تعالى : ï´؟ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـظ°كِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ï´¾.

وما دام هذا هو الواقع، يتضح جلياً أنّ طاعة الرسول واجبة لأجل أمر آخر، ولا خصوصيةَ في كونه نبياً صلى الله عليه وآله وسلم.
إنّ طاعة الرسول، وفقا ًلمقتضى النّصّ القرآني، واجبة لكونه وليّ أمر معصوما، والعديد من آي الذكر الحكيم تؤكد هذا المعنى.

قال تعالى : ï´؟ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىظ° يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ النَّبِيُّ أَوْلَىظ° بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ï´¾.

هذه الآيات ونظائرها الكثير في القرآن الكريم تثبِت للرسول صلى الله عليه وآله مقام الولاية وخاصية العصمة.
وبناءً على البيان المذكور، تتضح أهمية التلازم بين طاعة الرسول وأولي الأمر، ويظهر الغرض الداعي لإيجاب طاعة واحدة للرسول وأولي الأمر.

إنّ هذا يعني التشريك بين الرسول وأولي الأمر في جميع المراتب والخصائص والصفات إلا ما خرج بالدليل ، إلا النبوة.

أولوا الأمر معطوفٌ على الرسول، وبالتــالي يثبت لأولي الأمـر كلّ ما ثَبتَ للرسول من الولاية والعصمة والفضائل والكمالات.

والآية الشريفة أوجبت الطاعـــة وجـــوبا مطلقاً، وهذا يؤكد عصمة أولي الأمر المخصوصين بالذكر في آيــة الإطـــاعة، وأنّ ولايتهم على المسلمين نفس ولاية الرسول صلى الله عليه وآله.
إنّ الشرع الحكيم لا يوجب الطاعة وجوبا مطلقا لِمن يجوز عليه الخطأ والظّلم، والانحراف عن مبادئ الحقّ والعدل.

قال تعالى في شأن الوالدين :ï´؟ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىظ° أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ï´¾.
تأمّل كيف أنّ الشرع وضع حداً وقيدا لطاعة الوالدين ، ولم يوجِبْ لهما الطاعة وجوبا مطلقا، لأنّ الآباء والأمهات غير معصومين، وصدور الظلم والخطأ منهم غير مستبعد، بل هو جائزٌ مُتوقَّع ، لهذا وضع الشرع قيدا لطاعتهم.

على العكس من ذلك تماما ، نجد أنّ الشرع قد أوجب الطاعة للرسول وأولي الأمر وجوباً مطلقا، وهذا يؤكّد عصمتهم في القول والعمل.
وأعلم، أخي الكريم، أنّ ثبوت العصمة لأولي الأمر في هذه الآية الشريفة يفيد ما يلي :
1 - أنّهم حكّام استثنائيون، ليسوا كباقي ولاة الأمر العاديين الذين يجوز عليهم الظلم والانحراف عن مبادئ الحقّ والعدل، ولا يصح مطلقاً جعل هذه الآية دليلا على وجوب طاعة الحكام بصورة عامة.
أولوا الأمر في الآية الشريفة حكّامٌ مخصوصون لأنّ الشرع أوجب لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول صلى الله عليه وآله.

2 - أولوا الأمر الذين وجبت لهم الطاعة في هذا النّص القرآني ينبغي أن يكونوا معروفين بأعيانهم وصفاتهم وأسمائهم حتى يتمكن المكلّفون من أداء فرض الطاعة.
فكما أنّ الرسول معروفٌ لدى المسلمين فكذلك يكون أولوا الأمر، وإلّا استحال أن يتمكن المكلفون من أداء واجب الطاعة.

3 - عصمة أولي الأمر تفيد أنّ جميع أقوالهم وأفعالهم حُجّةٌ كأقوال الرسول صلى الله عليه وآله وأفعاله، يجب اتّباعهم والأخذ منهم والإقتداء بهم، فمن أطاعهم فقد أطاع اللهَ ورسولَه ومن عصاهم كان عاصيا لله ورسوله.

فإذا قيل : طاعة أولي الأمر مقيدٌ بما دلّ على أنّـــه :
" لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق أو لا طاعة بمعصية الله ".
نقول : ذلك مردود لوجهين :-

الأول : الآية أوجبت لهم الطاعة وجوبا مطلقاً لا يقبل التقييد والتخصيص ، والوجوب ظاهر في الشمول والعموم ، ويدلّ على أنّ قول : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأشباهه من الأقوال غير ناظرة إلى مثل طاعة الرسول وأولي الأمر، لأنّ طاعتهم عينُ طاعة الخالق.

الثاني : التلازم الحاصل بين طاعة الرسول وأولي الأمر ، فطاعتهم واحدة ، واللّفظ الواحد لا يكون مطلقا ومقيدا في نفس الوقت ، وهذا يؤكد عصمة أولي الأمر، تماما كعصمة الرسول صلى الله عليه وآله.

فكما أنّه لا يصح القول : لا طاعة للرسول في معصية الله ، كذلك لا يصح القول : لا طاعة لأولي الأمر في معصية الله ، لأنّ الآية أوجبت لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول، فلا تصدر منهم المعصية ولا يأمرون بها.

إنّ الدلالة المعنوية لإيجاب طاعة واحدة للرسول وأولي الأمر هي إثبات العصمة لأولي الأمر، كعصمة الرسول تماما، ومعلوم شرعاً أنّ الرسول صلى الله عليه وآله معصوم.
هذا هو المعنى المستفاد من " آية الإطاعة " وفقاً لعلم المعاني.

قال : " أطيعوا الرسول وأولي الأمر " ولم يقل : أطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر.
النّصّ أوجب للرسول وأولي الأمر طاعة واحدة، والمعنى في غاية الوضوح والجلاء لكلّ مَن تحرر من قيود العصبية وحبائل التقليد.

* الدليل العقلي أيضا يؤكد أنّ " أولي الأمر " في آية الإطاعة معصومون :

إن الآية الشريفة أوجبت الطاعـــة لأولي الأمر وجوباً مطلقاً، أوجبت لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا لا يخلو الحال من أحد امرين : -

إما أن يكونوا معصومين أو غير معصومين ؟؟

فإن لم يكونوا معصومين جاز عليهم الخطأ والظلم والوقوع في المعصية ؛
وفي هذه الحالة، إما أن تجب طاعتهم أو لا تجب ؟
فإن وجبت فهذا يعني - تعالى الله عن ذلك - أن إيجاب طاعتهم أمر بالفحشاء، وهو قبيح شرعاً وعقلاً ؛
قال تعالى : { إن الله لا يأمر بالفحشاء }.

والفحشاء : ما ينفر عنه الطبع السليم ويستنقصه العقل المستقيم.
( معجم التعريفات - علي الجرجاني ).

وإن لم تجب طاعتهم أدى ذلك إلى مخالفة الشرع الحكيم الذي أوجب لهم الطاعة مطلقاً، دائماً وأبداً، وجعل طاعتهم شرطاً واجباً من شروط الإيمان بالله واليوم الآخر.

فلم يبق إلا القول بعصمة أولي الأمر الذين أوجب الله طاعتهم في محكم التنزيل، وعلينا متابعتهم في جميع الأحوال، والإلتزام بجميع الأوامر والنّواهي الصادرة عنهم.

وهذا هو الحق المبين والصراط المستقيم.
........................

ثانياً : إقتران طاعة الرسول وأولي الأمر بطاعة الله

إذا كان التلازم بين طاعة الرسول وأولي الأمر قد أثبت لأولي الأمر كلّ ما هو ثابت للرسول إلّا النبوة، فإنّ اقتران طاعتهم بطاعة الله يفيد ما يلي :-

1 - أنّ الطاعة حقٌ مِن حقوق الله تعالى يفترضها لبعض الناس على بعض، فلا طاعةَ لأحدٍ إلّا بإذن الله، وقد أذِنَ اللهُ، في هذا النَّصّ الشرعي، بطاعة الرسول وأولي الأمر وجوباً مطلقاً، وقولا واحداً.

2 - توحيد الحاكمية والولاية التشريعية.
3 - منح الرسول وأولي الأمر الشرعية في ممارسة شؤون الحكم، فهم حكامٌ شرعيون يتمتعون بكامل الصلاحية.
وهذا يفيد أنّ الله قد جعل لهم حقاً بولاية الأمر.

4 - رفعة شأن الرسول وأولي الأمر، وجلالة قدرهم وعظيم منزلتهم، لأنّ مَن أطاعهم فقد أطاع اللهَ ومن عصاهم فقد عصى الله.
.................................

ثالثاً : طاعة الله جلّ وعلا

إيجاب الله تعالى، في هذا النّص القرآني، طاعة لِنفسهِ وطاعة أخرى للرسول وأولي الأمر لا يعني أنّ هناك فرقاً أو اختلافاً بين الطاعتين، لأنّنا نعلم أنّ طاعة الرسول وأولي الأمر عينُ طاعةِ الله لأنّ الله هو الّذي أوجب لهم الطاعة.
قال تعالى : ï´؟ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ }.
ومعلوم أنّ الرسول نبيّ ووليّ أمر، فيثبت لأولي الأمر حكم الطاعة الثابت للرسول لأنّ طاعتهم واحدة، متلازمة ، لا ينفكّ بعضها عن بعض ، فمن يطع أولي الأمر المخصوصين بالذكر في الآية فقد أطاع اللهَ ورسولَه.

قال صلى الله عليه وآله : { يا هؤلاء أليس تعلمون أنّي رسول الله ، أليس تعلمون أنّ الله أنزل في كتابه مَن أطاعني فقد أطاع الله ؛ مِن طاعةِ الله أن تطيعوني ، وإنّ مِن إطاعتي أن تطيعوا أئمّتَكم ، وإن صلّوا قُعُوداً فصلّوا قعوداً أجمعين }. (كنز العمال - المتقي الهندي - الجزء السادس).

التكرار الحاصل في ذِكْرِ الطاعة يسمّى ، من الناحية البلاغية ، إطنابا.
قال : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر" ولم يقل : أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر.
والإطناب في كلام الحكيم لا يكون إلا لفائدة ، فائدة في المعنى.
والإطناب الحاصل يفيد ما يلــي :-

1 - أنّ الولاية لله تعالى وحده، وحقّ من حقوقه، يجعلها لمن يشاء من عباده ومن نازع الله ملكه وسلطانه قصمه الله وكان من الخاسرين.

2 - التأكيد على أنّ الإلوهية حقّ لله تعالى وحده، ونفيها عن البشر أجمعين، فلا يتوهمنّ بعضُ الحمقى أنّ الرسول وأولي الأمر إلهٌ يُعبَد من دون الله.
إنّ الرسول وأولي الأمر عبادٌ مربوبون ، وبشرٌ مُكرَّمون، لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون ، ومن يعتقد فيهم الإلوهية فهم منه براء؛ المعصوم لا يدّعِي حقاً ليس له ولا يطلب لنفسه ما ليس له مستحقاً.

قال تعالى : ï´؟ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّـهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّـهِ ï´¾.

3 - كمال التباين والتغاير، وإثبات التضاد في الذّات بين الخالق والمخلوقين.
فالله جلّ وعلا أُحَدي الذات لا شبيهَ له ولا نظيرَ وليس كمثله شيء.
أمّا الرسول وأولوا الأمر فإنّهم بشرٌ، لهم آذانٌ يسمعون بها وقلوبٌ يبصرون بها وأعينٌ يرون بها وأرجل يمشون بها ... إلخ .
وكمال التباين والتغاير بين الإله والعباد يعني توحيده جلّ وعلا ونفي صفات المخلوقين عنه.
هذا هو المستفاد من الإطناب الحاصل في المقطع الأول.
...............................

المستفاد من المقطع الأول

1 - الآية الكريمة في مقام التشريع الواجب، وهذا التشريع يتمتّع بصفةِ الحُرمة والقَداسة، يُثابُ فاعِلُه ويُعاقَب تارِكُه.

2 - جوهر النّص القرآني، والمعنى المستفاد منه هو الولاية.
ولاية الأمر والتدبير، أي تنظيم أمور الناس وضبط شؤونهم، وحق الأمر والنهي، وهو المُسَمّى عُرفاً وشرعاً بالحكم.

3 - وجوب طاعة الوليّ الشرعي، الله والرسول وأولي الأمر دائماً وأبداً.

4 - الولاية واجبةٌ شرعاً، لأنّ الله أوجب الطاعة وجوباً مطلقاً، فلا وليّ بدون ولاية كما أنه لا نبيّ بدون نُبوّة، وما لا يتمّ الواجب مطلقاً إلا به فهو واجب.

5 - الآية ترسخ مبدأ عقائدياً أصيلاً في نفوس المسلمين وهو توحيد الحاكمية والولاية التشريعية.

6 - المقطع القرآني الشريف يؤكد أنّ الإلوهية حقّ لله تعالى وحده، وهو المتفرّد بالوحدانية.

7 - طاعة الرسول، وفق مقتضى النّص القرآني، واجبةٌ لكونه وليّ أمر معصوما ولا خصوصيةَ في كونه نبيا صلى الله عليه وآله.
8 - المقطع الأول من الآية يعتبر الدعامة الأصلية والأساس المتين الذي بُنِيَ عليه الخطابُ في بقية أجزاء الآية.
إنّه حجر الأساس وعليه البناء، وهذا من مميزات الكلام البليغ ولطائفه، فإنّ المعاني الشريفة اللّطيفة لا بد فيها من بناء ثانٍ على أوّل، وردّ تالٍ على سابق.
فليتنَبّهْ القارئ إلى هذا ويحرص عليه فإنّ فيه عِلْماً شريفاً وله ما بعده إن شاء الله.

..........................................

فائدة :

* أولوا : اسم جمعٍ ، ملحق بجمع المذكر السالم ، يستوي فيه المفرد والجمع ، أصله : أولون ، حُذِفَت النونُ بسبب الإضافة ، وليس له مفرد من لفظه ، له مفرد من معناه، مفرد أولوا ، ذو. أولي الأمر هو بمنزلة ذوي الأمر ، المعنى واحد.
* إذا اقترن اللفظ بالألِف واللّام تجردَ عن الإضافة ، وصار إسما موصولا "الأُلى".
* إذا تجرد من الألف واللام والإضافة صار إسم إشارة ، أولاء - بالمد - وأولى - بالقصر.
والواو في " أولوا " تُكتَبُ رسماً ، لكنّها غير ملفوظة ، يُلفَظ : ألوا ، ألاء ، ألى ؛ بدون واو.

و تستمر الحاية .........

من مواضيع : اليمني الاول 0 ما معنى قوله تعالى : { أكاد أخفيها }
0 فحوصات تهم المرأة الحامل
0 فصائل الدم
0 { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ...... }.
0 هل الإمامة أصل من أصول الدّين؟؟

اليمني الاول
مــوقوف
رقم العضوية : 82629
الإنتساب : Apr 2016
المشاركات : 105
بمعدل : 0.03 يوميا

اليمني الاول غير متصل

 عرض البوم صور اليمني الاول

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : اليمني الاول المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 20-07-2016 الساعة : 01:22 AM


الفصـــل الثاني
..............................

الشطر الأوّل من المقطع الثاني

قوله تعالى : ï´؟ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ ï´¾

إنّ المتأمل إلى أقوال المفسِّرين حول هذه الآية المباركة يجد العجب العجيب والطريف الغريب، حيث إنّهم لم يذكروا في تأويلاتهم ما يفيد الرد إلى أولي الأمر لا من قريب ولا من بعيد ؛ وخلاصة ما جاؤوا به :

الرد إلى الله يعني الرد إلى كتاب الله. وهذا صحيح ولا غبار عليه.
غير أنّ الإشكال وموضع العجب هو في معنى الرد إلى الرسول، حيث قالوا : الرد إلى الرسول يعني الرد إلى السنة النبوية ، وذَكَرَ بعضُهم أنّ الرد إلى الرسول في حال حياته والرد إلى سنّته بعد مماته.
ذلك مبلغهم من العلم في تفسير الآية ، ولكن العقل السليم والطبع المستقيم لا يتمكن من قبول هذا التفسير البارد، السطحي العشوائي، ولعمر الحقّ إنّ تأويلاتهم تبعث في النفس الكآبة والضجر ؛ ويمكن لأي أحد أن يورد العديدَ من المآخذ والإشكالات على تلك التفاسير :-

ظ، - أين صرّفتم أيّها المفسرون أولي الأمر، وأنّى غيّبتموهم ومدار الآية وجوهرها قائم على الولاية ووجوب طاعة أولي الأمر ؟

ظ¢ - أخبرونا ما الحكمة الشرعية من إيجاب طاعة أولي الأمر؟ وهل يعني ـ وفقاً لتأويلاتكم المسطورة ـ أنّ الله أوجبَ طاعةَ أولي الأمر لهواً وعبثا ؟

ظ£ - أخبرونا لماذا الرد إلى الرسول واجب؟ وما حال ولاية الأمر في السنّة عندكم؟ هل للدّين الإسلامي دورٌ ووجهة نظر في مسألة الإمامة ؟ أم أنّ الشرع اكتفى بأن علّمَ أتباعه " الخرأة " - كما يزعم فقهاء السوء وعلماء السلاطين - وأغفلَ قضيةً كبرى لا يزال المسلمون يقتتلون بسببها إلى اليوم ؟

ظ¤ - ألا تعلمون أنّ الإعتماد على تأويلكم المسطور وتصديقه معناه نسبة الظلم إلى الله ـ تعالى وجلّ عن ذلك ـ كونه قد تَعَبّدَ خلقَه بما لا مصلحةَ فيه ؟
فقد أوجب لأولي الأمر نفس الطاعة الواجبة للرسول، والمكلَّفون في هذه الحالة محاسبون ومسؤولون إن لم يؤدوا الطاعة الواجبة التي افترضها الله عليهم.
فإذا لم يكن الرد إلى أولي الأمر واجبا، كما تتوهمون، فكيف نطيعهم إذن؟

ظ¥ - ألا تعلمون أنّ أي تفسيرٍ للآية لا يفيد الرد إلى أولي الأمر يعني أنّ الخطاب القرآني عبثٌ ولهوٌ، وتصبح الآيـــة بلا فـائدة ، وفاقدة للحكم التشريعي الذي جاءت به ؟.
ألسنا معشر المسلمين نعلم أنّ الرد إلى كتاب الله والسُّنّة النبوية واجبٌ اعتمادا ًعلى العديد من آيات الذكر الحكيم غير آية الإطاعة ؟

قال تعالى : ï´؟ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّـهِ ï´¾
وقال تعالى : ï´؟ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ï´¾.

أليست هذه الآيات ونظائرها كافية شافية، واضحة الدلالة على وجوب تحاكم المسلمين إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله ؟

ظ¦ - يا مشائخ التفسير، ما الحكمة الشرعية من فرض طاعة أولي الأمر على المكلَّفين ؟.
هنا بيت القصيد في الآية الشريفة.

نحن نجزم أنّ أصحاب التفسير قد ارتكبوا خطيئة عندما قاموا بتأويل هذه الآية على النحو المسطور في كتب التفسير، فإن كانوا لا يعلمون فتلك مصيبة، وإن كانوا يعلمون فالمصيبة أعظم !.

وأنعِم بقول العلّامة عبدالقاهر الجرجاني بخصوص المفسرين :
( ومن عادة قومٍ ممن يتعاطى التفسير بغير علمٍ أن توهموا أبداً في الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل أنّها على ظواهرها فيفسدوا المعنى بذلك ويبطلوا الغرض ويمنعوا أنفسَهم والسامعَ منهم العلمَ بموضع البلاغة وبمكان الشرف، وناهيك بهم إذا أخذوا في ذكر الوجوه وجعلوا يكثرون في غير طائل! هناك تجد ما شئت من باب جهلٍ قد فتحوه وزند ضلالةٍ قد قدحوا به، ونسأل الله العصمة والتوفيق ).
(دلائل الإعجاز - عبدالقاهرالجرجاني ).

نعم، إنّ التّأويل الخاطئ لهذه الآية الشريفة يفتح باباً عظيماً من أبواب الضّلال والفُرقة بين المسلمين.

والتأويل الصحيح والسليم ، يرشد المسلمين إلى الحقّ المبين والمنهاج القويم الذي جاء به سيدُ المرسلين صلى الله عليه وآله وسلّم.
ونحن بحول الله وقوته، عازمون على إرشاد المسلمين، وكشف المعنى المراد، وإيضاح مكنون التبيان ، فإنّ الآية المباركة قد حوت من المعارف اللغوية والأحكام الشرعية ما ليس موجوداً في كلام، وهي بحقّ كنزٌ من كنوز الإعجاز.

أولاً : الرّد إلى الله

يعني : الرد إلى كتاب الله ، القرآن الكريم ؛ مجازٌ عقلي.

وذلك لمَّا ثبت أنّ الله هو وليُّنا بباهر قدرته وبالغ عدله وحكمته، ولَمّا لم يجز لنا مشاهدته وملامسته وإدراكه فإنّه أنزل الكتب السماوية المعبّرة عن عدله وجلاله وكماله.

والقرآن الكريم خاتمة الشرائع، الكتاب المُنزَل على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، وهو المعجزة الخالدة والمنظومة التشريعية المُثلَى.
ومعلوم أنّه ليس بمقدور كلّ أحدٍ أن يفهَمَ كتابَ الله ويُبيِّن ما جاء فيه على الوجه الأكمل المطابق لإرادة الله عزّ وجلّ ؛ ولأجل ذلك، فإنّ الله جلّت عظمته قد أرسل الرسل وأنزل معهم الكتاب، وجعلهم حكاماً على الناس قائمين على شؤون الدين والدنيا، يُعلِّمون العبادَ ويهدونهم سبيل الرشاد، ويقيمون الحقَّ والعدل في البلاد.

قال جلّ شأنه : ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ ï´¾.
وقال جل شأنه : ï´؟ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِï´¾.
وقال جل شأنه : ï´؟ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ ï´¾.

الله هو الوليّ، الحاكمية حقٌّ لله جلّ شأنه، يجعلها لمن يشاء من عباده في دار التكليف.

قال تعالى :
ï´؟ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ï´¾.

ثانياً : الرد إلى الرسول

الرّد إلى الرسول يعني : الرد إلى أولي الأمر واحدا بعد الآخر، كلّ في حال حياته وزمانه ؛ والرسول هو وليّ الأمر في حياته، فإن مات أو قُتِل انتقلت منه الولايةُ إلى أولي الأمر الذين أوجب الله لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول، واحداً بعد الآخر كلّ في حياته وزمانه.

هذا هو المعنى الذي لم يهتدِ إليه مشائخ التفسير، وكلّ ما في المسألة أنّه وقع في الشطر إيجاز قِصَرٍ من وجه، وإيجاز حذفٍ من وجهٍ آخر، والإيجاز في كلا الوجهين يفيد أنّ الرد إلى الرسول معناه الرد إلى أولي الأمر، ابتداءً بالرسول وانتهاءً بآخر ولي أمر وجبت له الطاعة في الآية الشريفة.
ونؤكِّد هذا المعنى بوجوه :

الوجه الأول : إيجاز قِصَر في لفظ ( الرسول )

الرسول، لفظٌ يسيرٌ فيه المعنى الكثير، إنه بمثابة صندوق مغلق ! عندما نقوم بفتحه نجد أنّه يحتوي على العديد من المعاني.
الرسول : نبيّ، وليّ أمر، حاكم، قاضي، معصوم، عالم ......... إلخ

أنت تجد أخي القارئ، أنّ ( وليّ الأمر ) معنى من المعاني المنطوية في لفظ ( الرسول ) والعبرة في المعنى وإن اختلفتِ الألفاظ.

والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كما هو معلوم شرعاً ، هو وليُّ الأمرِ في حال حياته ، فإن مات أو قُتِلَ صلى الله عليه وآله انتقلَتْ منه ولايةُ الأمر إلى أولي الأمر الذين أوجب اللهُ طاعتهم، واحدا بعد واحد، كلّ في عصره وزمانه.
فالرد إلى الرسول يعني الرد إلى وليّ الأمر.

هذا هو مفهوم إيجاز القِصَر من وجهة نظر علم المعاني، إيجاز القِصَر : لفظٌ يسيرٌ يتضمّن المعنى الكثير.

والإيجاز في هذا الموضع مستحسَنٌ مُساغ لأنّ المقام مقام أمر، وفيه تكثير الفائدة كون الرد إلى الرسول دلّ، في نفس الوقت، على معنىً آخرَ وهو الرد إلى أولي الأمر ولا خصوصية في كونه نبياً صلى الله عليه وآله.

يقول علماء البلاغة : ( الكلام الذي يوصف بالبلاغة هو الذي يدل بلفظه على معناه اللغوي أو العُرفي أو الشرعي، ثمّ تجد لذلك دلالة ثانية على المعنى المقصود الذي يريد المتكلِّمُ إثباته أو نفيه ).
(جواهر البلاغة - أحمد الهاشمي - باب علم المعاني ).

نقول : هذا الذي ذكره علماء البلاغة ينطبق تماما على الشطر القرآني موضع البحث، إذ أنّ " الرسول " لفظٌ دال على أكثر من معنى. فالرد إلى الرسول دلّ في نفس الوقت على معنىً آخر، وهو الرد إلى أولي الأمر، لأنّ (وليّ الأمر ) معنىً من المعاني المندرجة تحت لفظ الرسول. هكذا يكون الكلام البليغ.
خيرُ الكلامِ قليـــلُ
على الكثيرِ دليــلُ.

فالرّد إلى أولي الأمر واجبٌ تماماً، حُكْمُهُ حكمُ الردِّ إلى الرسول؛ الطاعة واحدة فالرد واحد، وتم ذِكر الرسول لكون ذكره الأصل ، وولاية أولي الأمر امتداد لولاية الرسول وفرع لها.

إنّ الولاية باقية ومستمرة بعد الرسول، أمّا النبوة فقد رُفِعَتْ وخُتِمت، فلا نبوةَ بعد خاتم النبيين صلىالله عليه وآله.

وعليه، تظهر الحكمة الشرعية من فرض طاعة أولي الأمر، وهي أنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله، يقومون مقامه ويؤدون وظيفته في جميع الأمور الدينية والدنياوية.

إنّ الآية أوجبت للرسول وأولي الأمر طاعة واحدة، فالرد واحد، وقد ذكرنا آنفا أنّ المقطع الأوّل من الآية يُعتَبر الأساس الذي انبنى عليه بقية الخطاب في الآية الشريفة.

الوجه الثاني : إيجاز حذف

المحذوف هو لفظ ( أولي الأمر ). محذوف لفظاً غير أنّه مرادٌ في المعنى.
والحذف في هذا الموضع أبلغ من الذكر وأفصح.

âک† القرائن الدالة على الحذف والمؤكِّدة للمعنى الّذي حكيناه

ظ، - قرينة لفظية : إيجاز القِصَر في لفظ الرسول، وتم ذكر الرسول كون ذكره الأصل ، فالرد إلى الرسول كافٍ لإثبات المقصود. تماما كما أوضحنا في آنفا.

ظ¢ - قرينة عهدية : الرد إلى أولي الأمر معهود بالذكر في القرآن الكريم ، حكمه حكم الرد إلى الرسول، وهذه القرينة، لوحدها، تعتبر دليلاً كافياً يؤكِّد وجوب الرد إلى أولي الأمر ؛ قال تعالى :
ï´؟ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىظ° أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ï´¾.
الرسول وأولوا الأمر المذكورون في هذا النّص القرآني ، هم الذين أوجب الله طاعتهم في آية الإطاعة - الآية 59 من سورة النساء.

فلو لم يكن الرد واجبا إلى أولي الأمر في آية الإطاعة لما كان هناك أي معنى أو فائدة لقوله تعالى : " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ..... ". لأننا نجد دلالة النّصّ الواضحة على التشريك بين الرسول وأولي الأمر في حكم الرد ، بحيث صار من المُسَلَّمات والثوابت الشرعية.
وفي النص القرآني من التأنيب والتعريض ما لا يخفى على مُتدبِّر.
فكيف يقال بعد هذا : إن الشرع لم يوجب الرد إلى أولي الأمر ؟!

ظ£ - قرينة عقلية : إنّ الله لا يأمر أو ينهى إلا لحكمة ، ولا يتعبد خلقه بما لا مصلحة فيه، الله جلّ وعلا لا يمزح !. الحكمة من فرض طاعة أولي الأمر هي أنّهم خلفاء الرسول، يقومون مقامه صلى الله عليه وآله بعد موته ، فيثبت لهم حكم الرد إلى الرسول لأنّ الطاعة واحدة.
ولو لم يكن الرد إليهم واجبا لما عرفنا كيف نطيعهم، ولما كان هناك حكمة أو فائدة من فرض طاعتهم شرعا ، وهذا يؤدي إلى جعل الحكم التشريعي في الآية لهواً وعبثاً . تعالى اللهُ عن ذلك.
فلم يبق إلا الحكم، عقلاً، بوجوب الرد إليهم، لأنّ هذا هو مقتضى العدل الإلهي واللطف الربّاني.

ظ¤ - قرينة حالية : مطابقة الكلام لمقتضى الحال

علمنا أنّ الغاية التشريعية والفائدة الجليلة التي جاءت بها آية الإطاعة هي إيجاب الطاعة لأولي الأمر؛ أما بالنسبة لطاعة الله وطاعة الرسول فنحن نعلم حكم وجوبها من آيات أخرى غير آية الإطاعة.
فلو لم يكن الرد إلى أولي الأمر واجباً لخرج الكلام عن مطابقته لمقتضى الحال ولأصبح التغريد خارج السرب ! وهذا يؤدي إلى فقدان قيمة الخطاب، ويحطّ تماماً من شأنه ، فيكون وجوده وعدمه سيّان.
فأنّى يكون ذلك والخطاب الذي بين أيدينا كلام الله عز وجل !.
هو في غاية الحسن والرفعة.

إنّ الرد إلى أولي الأمر واجبٌ، حكمه حكم الرد إلى الرسول، وما نَزَلتِ الآية إلّا من أجل خاطر عيون أولي الأمر !.

هذا هو المعنى المنسجم تماما مع قوانين الفصاحة وقواعد البلاغة.

ظ¥ - قرينة عُرفية : لابد للخلق من حكومة ؛

المحذوف في هذا الموضع مقصود حقيقة، لأنّ الرد لا يصلح إلا إليهم، إذِ المعنى : فإن اختلفتم في أمر من الأمور فارجعوا به إلى ولاة أمركم، أي حكّامكم ؛ وحُكّامنا هم الرسول وأولي الأمر الذين أوجب الله لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول ، واحدا بعد واحد كل في وقته وزمانه.
والفرق بين هؤلاء الحكّام وبين غيرهم، أنّ هؤلاء يتمتعون بالشرعية، اختارهم الله قادةً للبشرية ، فمَن أطاعهم فقد أطاع اللهَ وهُدِيَ إلى صراط مستقيم.

ظ¦ - قرينة نظمية :

إيجاز الحذف الواقع في الشطر نفسه، قال : " فردوه إلى الله والرسول " ولم يقل: فردوه إلى الله وردوه إلى الرسول ، وفقاً لِمَا عليه النظم المقرر في الطاعة، الوارد في صدر الآية. وهذا يفيد أنّ المعنى المراد هو : فردوه إلى مَن وجبت له الطاعة عليكم ؛ والطاعة قد وجبت لله وللرسول وأولي الأمر.
فالطاعة أصل والرد حكم مترتب عليها وفرع من فروعها، ولولا وجوب الطاعة لما وجب الرد أصلاً.

ظ§ - قرينة معنوية حرفية : حرف العطف (الفاء)

المقطع الثاني من الآية، بشطرَيهِ، معطوف على المقطع الأوّل، ولِحرف العطف دلالاته المعنوية في كلٍ من الشطرين.
الدلالة المعنوية لحرف العطف (الفاء) في الشطر الأول هي التشريك، والترتيب، والإيجاز ؛ أقصد التشريك بين قوله تعالى : " يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وبين قوله تعالى : " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ".
حرف العطف الفاء أفاد التشريك والترتيب والإيجاز : -

ظ،- التشريك :
أ - التشريك في الحكم : حكم الطاعة وحكم الرد
الرسول وأولوا الأمر مشتركون في حكم الطاعة ، طاعتهم واجبة، وهذا يستلزم التشريك بينهم في حكم الرد، فالرد إليهم واجب، وتم ذكر الرسول لكون ذكره الأصل.

كما أنّ الطاعة أصلٌ والرد فرع من فروعها وحكم مترتب عليها، فلا طاعة بدون رد لأنّ الرد هو التجسيد العملي للطاعة.
فإن لم يكن الرد إلى أولي الأمر واجباً يكون المكلف قد جهِل كيفية طاعتهم، وفي هذه الحالة لم تتحقق من المكلف طاعة أولي الأمر، وهذا باطل لأنّ الآية قد أوجبت لأولي الأمر نفس الطاعة الواجبة للرسول والمكلَّف مسؤول ومحاسَب على هذه الطاعة؛ فالرد إلى أولي الأمر واجب حكمه حكم الرد إلى الرسول صلىالله عليه وآله.
وبوجوب الرد يكون الله جلّ وعلا قد أخبرَنا كيفية طاعة الرسول و أولي الأمر.
ب - التشريك في المعنى : بين الطاعة وبين الرد

فالرد يعني إرجاع الشيء المتنازَع فيه إلى الحكام الشرعيين من أجل معرفة خبر ذلك الشيء والعلم بحكمه، ويترتب على هذا الرد وجوب الإتباع والتسليم لمن أوجب الله طاعته، فما بعد العلم والمعرفة إلا الإتباع ولزوم المهيَع الذي شرعه الله.
فالرد هو العمل، هو التجسيد العملي للطاعة ، طاعة الله وطاعة الرسول و أولي الأمر.
وبناءً على ذلك نعلم أنّ الرد معنى ً من معاني الطاعة. الطاعة هي العمل.
عرفتم فالزموا، فالمعرفة أو العلم تقتضي التنفيذ لمقتضاها، وإن لم يعمل العارفُ بما عَلِمَ عُـدّ جاهلاً ويُعامَل معاملة الجاهل.

ظ¢ - الترتيب : وضع كلّ شيءٍ في مرتبته

قوله تعالى : ( إن تنازعتم ) معطوف على ( يا أيها الذين ءامنوا ).
وقوله تعالى : ( فردّوه ) معطوف على ( أطيعوا )

فطاعة الله يترتب عليها الرد إلى كتاب الله، وطاعة الرسول وأولي الأمر يترتب عليها الرد إلى الرسول وأولي الأمر، بالترتيب والتعاقب، كلٌ في زمانه وحياته ، واحداً بعد الآخر.

هذا هو الذي يفيده حرف العطف، حرف العطف الفاء، يفيد الترتيب، وتم الحذف لأغراض بلاغية وتشريعية.
وحمل المعنى على خلاف الدلالة المعنوية لحرف العطف يستلزم أن يكون الحذف في هذا الموضع قبيحاً رديئاً، مخِلّاً بالنظم والبلاغة، مفسِداً لمعنى الخطاب، فيكون ذلك من أكبر المطاعن على القرآن الكريم، وذلك لا يقول به إنسان عرف أساليب اللغة العربية وفنونها، وعرف جلالة القرآن ومرامي أرباب الفصاحة والبيان.

ظ£ - الإيجاز أو الاختصار : نوعه إيجاز حذف وإيجاز قِصَر، إيجاز قصر في لفظ " الرسول " وإيجاز حذف في لفظ "أولي الأمر" ، ووقع الإيجاز لأنّ " أولي الأمر " قد تقدّم ذِكرُهم في مطلع الآية، واستخدام حروف العطف أسلوب يستعمله البلغاء عند إرادة الإيجاز والاختصار.
ولمّا كانت طاعة الرسول وأولي الأمر واحدة كان الرّد إلى أحدِهم كافياً لإثبات المقصود، وهذا النّوع من الحذف يسمّى حذف اكتفاء.
(أنظر معجم الكليات للكفوي).

والحذف في هذا الموضع أبلغ من الذِّكر وأفصح لأنّه تضمّنَ الكثير من الفوائد الشرعية والمعرفية.
ولو لم يتم الحذف في هذا الشطر لصار النظم على هذا النحو :

" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول وأولي الأمر منكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ".

ولا شك أنّ نظماً كهذا يستنكره اللّسان العربي والذوق السليم،
وذلك للأسباب التالية : -
*كونه إطناباً مملاً لا فائدةَ فيه ، وتم الحذف احترازاً من العبث، التطويل والحشو.
* كونه يُفقِدُ النصَّ القرآني َّ ما فيه من البهجة والحلاوة والطلاوة، وقد قيل : رب حذف هو قلادة الجيد وقاعدة التجويد.
* كونه يؤدي إلى فقدان الفوائد الجليلة للحذف، ونحن ذاكروها لك إن شاء الله.

ظ¨ - قرينة صرفية :

الرسول، من الناحية الصرفية ، لفظ يستوي فيه المفرد والجمع، ( رسول ) على وزن (فَعُول) ؛ من صيغ المبالغة.

قال تعالى : ï´؟ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾.
لم يقل : رُسُل ؛ لأنّ رسول على وزن فعول يستوي فيه المفرد والجمع.
قوله تعالى : ï´؟ آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ï´¾ هو بمنزلة : ï´؟ آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ ï´¾.
يجب الإيمان بجميع الرسل دون استثناء ، صلوات الله عليهم أجمعين.

وبناءً على ذلك، فإنّ الرد إلى الرسول = الرد إلى الرسل = الرد إلى أولي الأمر ؛ كلّ رسولٍ يعتبر وليَّ أمر القوم الذين بُعِث فيهم.
الرسل أنبياء ، وفي الوقت نفسه ، هم أولوا أمر.
و " أولوا الأمر " لفظ يستوي فيه المفرد والجمع.

وبالمحصلة ، فإنّ الرد إلى رسولنا = الرد إلى أولي الأمر منا.

" منكم " في الآية ، بيانية ، أي من المسلمين وليس من اليهود أو النصارى.
وأولوا الأمر منّا هم الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وأولوا الأمر الذين أوجب الله طاعتهم في الآية.

النبوة قد ختمت ولا نبوة بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله ، أمّا الولاية فإنّها باقية مستمرة بعد رحيل الرسول عن هذه الدنيا.

وسيّد المرسلين هو وليّ أمر المؤمنين في حال وجوده وحياته ، فإن مات أو قتل صارت الولاية لأولي الأمر المجعولين خلفاء للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفقاً لمقتضى الآية الشريفة.

ظ© - قرينة ترتيبية : والمقصود هنا الترتيب اصطلاحاً :
(جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد ، ويكون لبعض أجزائه نسبةً إلى البعض بالتقدم والتأخر )
(معجم التعريفات - علي الجرجاني ).

فالرسول لفظ واحد جُعِلَ فيه الكثير من الصفات الحميدة والمعاني الشريفة الدالة على أكثر من مقصود، وهو لفظ يستوي فيه الواحد والجمع ؛ كما أن أولي الأمر يستوي فيه الواحد والجمع، والعامل المشترك الجامع للرسول وأولي الأمر هو الولاية بخصائصها وصفات استحقاقها ؛
ولا اختلاف بينهم إلا في أن الرسول يتمتع بالمنزلتين معاً، منزلة النبوة ومنزلة الولاية، وفي أن ولايته متقدمة زماناً على ولاية أولي الأمر، فهو صلى الله عليه وآله إمام الحكام وولي الأمر في زمانه، فإن مات أو قتل انتقلت الولاية إلى أولي الأمر بالترتيب ، إمام بعد إمام كل في زمانه وحياته.

الترتيب في الاصطلاح يماثل مفهوم إيجاز القصر، غير أن الترتيب يتميز بأنّ المفرد والجمع فيه سواء.

وعليـــه، فإنّ الرد إلى الرسول معناه الرد إلى أولي الأمر، واحداً بعد واحد وفق الترتيب الذي رتبهم الله فيه.

ظ،ظ* - قرينة نحـويـــة : عِـلم النّحو،

الفعل " رَدّ " من أفعال التصيير أو التحويل، ينصب مفعولين.
ومن القواعد النحوية المتعلقة بهذه الأفعال أنه :
( يجوز حذف أحد المفعولين أو كليهما إذا اقترن الكلام بما يدل على الحذف )
(أنظر : مختصر النحو - د . عبد الهادي الفضلي).

ووفقاً لهذه القاعدة النحوية ، يتضح جلياً أنّ المعنى هو :

" فردّوه إلى الله والرسول وأولي الأمر منكم ".
وهو مؤلَّف من فعل التحويل + مفعولين.

فعل التحويل : " فردوا ". ينصب مفعولين.
" الواو " : ضمير متصل في محل رفع فاعل.
" الهاء " : ضمير مبني في محل نصب مفعولٌ به أوّل.
الضمير يعود على " شيء ".
" الله والرسول وأولي الأمر" : في محل نصب مفعولٌ به ثانٍ.
وتمّ حذف " أولي الأمر" لأنّ ذلك جائز مع أفعال التحويل إذا توفرت القرائن الدالة على الحذف ؛ والقرائن هاهنا موجودة ، وهي كلّ ما ذكرناه آنفاً.
فآية الإطاعة في غاية الحسن والفصاحة.

الرد إلى أولي الأمر واجب تماماً، حكمه حكم الرد إلى الرسول، فما ثبت للرسول من الأحكام الشرعية الخاصة بالولاية يثبت تماما لأولي الأمر المعصومين.

وقد ذكرنا آنفاً أنّ المقطع الأول يعتبر الأساس الذي انبنى عليه بقية الخطاب في الآية الشريفة.
" قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون ".

الوجه الثالث : قرينة معنوية بلاغية

التورية في لفظ الرسول . قال : " فردوه إلى الرسول " ولم يقل : فردوه إلى النبي؛ لأنّ " الرسول " لفظٌ له معنيان، الأول قريب إلى الذهن غير مراد وهو النبيّ، والآخر بعيد عن الذهن هو ولي الأمر وهو المعنى المراد.

إذاً، الرسول هو " النّبيّ " : المعنى غير المراد في الشطر.
الرسول هو " وليّ الأمر" : المعنى المراد في الشطر.

فمعنى الرد إلى الرسول هو : الرد إلى وليّ الأمر، كلّ في حال حياته وزمانه، ابتداءً بالرسول صلى الله عليه وآله وانتهاءً بآخر وليّ أمر أوجبَ اللهُ طاعته في آية الإطاعة.
تماماً كما أوضحنا ذلك بالأدلة المذكورة آنفاً.

وهذا الوجه البلاغي يوضح التغاير المعنوي بين لفظ " الرسول " ولفظ " النبي ".
أي أنّ الرسول نبيٌّ ووليُّ أمر، أمّا النبي فليس كذلك، النبي ليس وليّ أمر.
وسوف نؤكد هذا المعنى بمزيد من الأدلة :

ظ، - أوجب الشرع للرسول وأولي الأمر طاعة واحدة، فلو كانت طاعة الرسول واجبة لكونه نبياً على وجه الخصوص لما صحّ إيجاب الطاعة نفسها لأولي الأمر، لأنهم ليسوا أنبياء. لا نبوةَ بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله.

ظ¢ - القرآن الكريم عندما يذكر لفظ النبي، ويريد التعبير عن ولايته فإنّه يضيف كلمة أولى إلى لفظ النبي.

يقول تعالى : ï´؟ النَّبِيُّ أَوْلَىظ° بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ï´¾.
ويقول :
ï´؟ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـظ°ذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ï´¾.

" النبي أولى بالمؤمنين. هذا النبي أولى بإبراهيم ".
وهذا يفيد أنّ لفظ " النبي " لِوحده لا يدلّ على معنى الولاية.

ظ£ - إنّ الله أعطى إبراهيم عليه السلام الولاية، وجعله إماماً بعد أن كان نبياً، فلو كان عليه السلام وليّ أمر الناس حال نبوته لما كان هناك وجه صحيح لقوله تعالى : ï´؟ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ï´¾.
لأنّ هذه الآية الشريفة ـ إني جاعلك للناس إماما - أفادت أنّ الله جلّ شأنه آتى إبراهيمَ عليه السلام الحُكمَ، أي الولاية، فأكرمه الله بالمنزلتين معا : النبوة والإمامة.

وبالإمامة صار إبراهيم عليه السلام رسولاً نبياً، ولم يكن قبل ذلك كذلك ؛ كان نبياً فقط.

ظ¤ - القرآن الكريم يؤكد التغاير المعنوي بين الرسول والنبيّ :

قال تعالى : ï´؟ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىظ° إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ï´¾.
قال تعالى : ï´؟ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـظ°كِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ ï´¾.

نجد في هذه الآيات ونظائرها أنّ القرآن الكريم يأتي باللفظين معاً، الرسول والنبي، نظراً لوجود التغاير في المعنى بين اللفظين.
لأنّه لو كان معنى الرسول هو نفسه معنى النبي في الآيات المتضمنة للفظين معاً لأصبح معناها : وكان رسولاً رسولاً أو وكان نبياً نبياً !.
وهذا المعنى ضعيف ، يتعارض تماماً مع بلاغة اللسان العربي ، لأنّه ترادف لا معنى له ، وإطناب لا فائدة فيه.

إنّ القرآن العظيم يستوقف عقول المخاطبين وأذهانهم، وكأنّه ينادي : انتبهوا ودقّقوا في الدلالات، هناك فرق معنوي بين لفظ الرسول ولفظ النبي، ليجعل المخاطبَ اللبيب مدركاً للدلالات اللفظية . وهذا مما يؤكد التغاير في المعنى.

" الرسول " لفظ يدل على الرئاسة العامة والسيادة التامة.
الدلالة المعنوية للفظ الرسول هي ولاية الأمر.

ووفقاً لهذا المعنى الشريف، تكون آية الإطاعة قد حدّدت الضابط الرئيس والفرق الجوهري بين الرسول والنبي.
هذا الضابط هو الولاية ، الإمامة : الرئاسة العامة في الدِّين والدّنيا ، والأولوية في التصرف، وتدبير شؤون الحكم وحق الأمر والنهي.

فالرسول نبيّ ووليّ أمر، أي اجتمعت له المنزلتين معاً : النبوة والولاية.
وكلّ نبيٍّ ثبتت له الإمامة فهو رسول نبيّ ، مالم فإنّه يبقى نبيّاً وحسب.
لذلك يُقال : كلّ رسولٍ نبيّ وليس كل نبيٍّ رسولاً.

وبناءً على ذلك، يتضح أنّ الرد إلى الرسول محمد صلى الله عليه وآله، ولزوم الأخذ منه ، والخضوع لِحُكْمه ، واتّباعه في جميع أوامره ونواهيه ، واجبٌ في المقام الأول لكونه وليّ أمر معصوماً ، ولا خصوصية في كونه نبياً.
والرسول صلى الله عليه وآله هو وليّ الأمر منذ نزول القرآن وحتى رحيله عن الدنيا، وبوفاته تصير الولاية حقاً لأولي الأمر الذين أوجب الله طاعتهم في الآية المباركة.

إنّ النبوة قد رُفِعَت وخُتمَت، أما الولاية فإنها باقية، متواصلة بعد الرسول، تنتقل منه صلى الله عليه وآله إلى الأئمة الشرعيين الذين أوجب الله ولايتهم في محكم التنزيل.
إنّ الله جلّ شأنه حكيم عدل، لا يوجب الطاعة لأحدٍ لهواً وعبثاً، ولا يوجبها لمجهولين، تعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً.

وبناءً على كل ما سبق من الوجوه، والقرائن، والشواهد يتضح جلياً أنّ الرّد إلى الرسول يعني الرد إلى أولي الأمر، واحداً بعد الآخر وفق الترتيب الذي رتبهم الله فيه، ابتداءً بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وانتهاءً بآخر إمام وجبت له الطاعة في الآية.

فالمعنى المقصود في الخطاب القرآني هكذا :
" فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى وليّكم ". أي الأَولى بكم الذي وجبت له الطاعة عليكم ، الله والرسول وأولي الأمر المعصومين.
أو
" فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى إمامكم " : إلى كتاب الله والرسول والأئمة المعصومين ".

قال تعالى :
ï´؟ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىظ° إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَـظ°ذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىظ° لِلْمُحْسِنِينَ ï´¾.

القرآن الكريم إمام لأنّه متبوع ، مطاع في جميع أمره ونهيه وله الكلمة العليا، فهو كلام الله عزَّ وجلّ.
القرآن الكريم إمامٌ هادٍ له قائدٌ يهدي به وهو الرسول والأئمّة الذي أوجب الله طاعتهم.
...........................

يتبع ..........
الفوائـــد المترتبـة على الحذف ......

من مواضيع : اليمني الاول 0 ما معنى قوله تعالى : { أكاد أخفيها }
0 فحوصات تهم المرأة الحامل
0 فصائل الدم
0 { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ...... }.
0 هل الإمامة أصل من أصول الدّين؟؟

اليمني الاول
مــوقوف
رقم العضوية : 82629
الإنتساب : Apr 2016
المشاركات : 105
بمعدل : 0.03 يوميا

اليمني الاول غير متصل

 عرض البوم صور اليمني الاول

  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : اليمني الاول المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 20-07-2016 الساعة : 01:26 AM


الفوائد المترتبـة على الحـــذف

عندما تجد، أخي القارئ، الحذفَ واقعاً في كلام معهود بالبلاغة فعليك أن تعيره مسمعك، وتحضر له عقلك ولُبّك، فهناك تظهر دقائق البلاغة ومكنون بيانها، وعجيب أسرارها ؛ هناك تجد القولَ البليغ والمعنى الكثير.

إنّ الحذف الواقع في هذا النّصّ القرآني الشريف قد حوى من المعاني الشريفة والأحكام الشرعية ما لا تبلغه عقول الرجال. وسوف نذكر لك شيئاً من غرر تلك الفوائد :

ظ، - التنبيه على شرف الولاية وعظيم منزلتها، وخطورة أمرها ، ورفعة شأن المستحقين لها وجلالة قدرهم.

وقد جرت العادات ، ودلت الأعراف على أنّ الحَجب والإخفاء لا يكون إلا للشيء النفيس.

ظ¢ - إنزال أولي الأمر منزلة الرسول صلى الله عليه وآله ، حيث جعل ولاية الرسول قاعدةً لولايتهم ، ووجودهم في أوساط المكلفين بعد رحيل الرسول مساوياً لوجود الرسول نفسه ، فهم يماثلونه في الكمالات الإنسانية والفضائل الإيمانية.

وأعظم ما ثبت لأولي الأمر في هذا الإيجاز القرآني الشريف ، العصمة والأعلمية والاصطفاء وجلال المنزلة.

ظ£ - الإيجاز في هذا الموضع أسلوب حكيم دال على غاية اللطف والرفق في إرشاد المخاطبين وتأليف قلوبهم، فقد تم الحذف مراعاةً لأحوال المخاطبين ومشاعرهم.

إنّ الحذف في هذا النص القرآني الشريف فيه إيحاء إلى أن تكرار ذكر أولي الأمر قد يوقِعُ في نفس المخاطب الكراهية والضجر، فيكون ذلك سبباً لنفوره وإعراضه عن الخطاب والعمل بما جاء فيه ، نظراً لما في النفوس البشرية من غرائز حب الذات والطمع في الرئاسات والملك والسلطان.

أما سمعتم مقالة أولئك الذين قال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً ؟
انطلقوا إلى الآية رقم 247 من سورة البقرة لتجدوا مقالة أولئك القوم وكيفية تعاملهم مع البلاغ الذي جاء به نبيهم !.

الدنيا مليئة بالأحقاد والنوايا الشريرة إلا ما رحم ربي.


إنّ الحذف هنا مُستحسَن مقبول ، ووجه الحسن فيه أنه وجّهَ خطاباً منصفاً للجميع، للطرفين معاً الأئمة والمأمومين.

فمن ناحية ، ضمن عدم تكرار أولي الأمر في الخطاب تلطّفاً مع المخاطب وترغيباً له واستدعاء مودته ، وتأكيد المبالغة في نصحه.
ومن ناحية أخرى، أنزل أولي الأمر منزلة الرسول، تشريفاً لهم وتعظيماً لمقامهم ، فرفعهم مكاناً عليّاً.

ظ¤ - الحذف بيانٌ مكنون ومعنىً خفيّ محجوب ، لا يعقله إلا الراسخون في العلم، هو المصداق الأتمّ للأثر المشهور : ( إنّ من البيان لسحراً ).

يقول واضع علم المعاني ، العلّامة عبدالقاهر الجرجاني :

(الحذف باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنّك ترى به ترك الذكر، أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة، أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تُبِنْ، وهذه جملة قد تنكرها حتى تخبر، وتدفعها حتى تنظر ).
( دلائل الإعجاز - عبدالقاهرالجرجاني ).

نقول : إنّ الحذف الذي بين أيدينا هو أفضل مثال تطبيقي يؤكد صحة ما حكاه العلامة الجرجاني ؛ فاحرص عليه أخي القارئ الكريم.

إذ أنّه - الحذف - بلطيف مأخذه، ودقة مسلكه، وعجيب أمره، أفاد المقصود وزاد على الإفادة؛ أثبت لأولي الأمر من الفضائل والخصائص والمقامات ما لو تم تأليفه وتحقيقه لكان سِفراً خالداً ينهل منه الضامئون ويهتدي به الحائرون.
وقد قيل : رُبّ حذفٍ هو قلادة الجيد وقاعدة التجويد.

الحذف في هذا الموضع أبلغ من الذكر وأفصح، لأنّ دلالته المعنوية قد استغرقَت ثلث آيات القرآن الكريم تقريباً.

فالكثير من آي الذكر الحكيم الدالة على جلالة قدر الرسول صلى الله عليه وآله، وتعظيم منزلته، والإشادة بفضله ووجوب طاعته والتحاكم إليه......،

أمثال قوله تعالى : ï´؟ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىظ° يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ï´¾.
وقوله تعالى : ï´؟ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَï´¾.
وقوله تعالى : ï´؟ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ï´¾ . وقوله تعالى : ï´؟ وَاللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ ï´¾. وقوله تعالى : ï´؟ وَإِنَّكَ لَعَلَىظ° خُلُقٍ عَظِيمٍ ï´¾. ونظائرها من الآيات المباركات، تعتبر منطبقة تماماً على أولي الأمر، وخاصية من خصائصهم وشاهداً من شواهد فضلهم وعظيم منزلتهم.

هم في كل ذلك مع الرسول مشترِكون، ومعه مجموعون، وما ثبت له صلى الله عليه وآله يثبت لهم، إلا النبوة، والنبوة فقط ؛ وما عدا ذلك فحدِّث ولا حرج، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

هذا هو الإعجاز البلاغي ، هذه هي بلاغة الحذف، إيجاز استغرق ثلث آيات القرآن الكريم، والرقم مؤهل للزيادة، وما يعلم جنود ربك إلا هو.

ظ¥ - إثبات المنزلتين معاً للرسل الكرام، منزلة النبوة ومنزلة الإمامة، ولا يتحقق إيمان المرء إلا إذا ءامن بالمنزلتين معاً.

النبوة قد خُتِمَت لكن الولاية مستمرة بعد الرسول، تنتقل منه صلى الله عليه وآله إلى أولي الأمر المقصودين في الآية المباركة.
إنّ ولايتهم امتداد لولاية الرسول وفرع عليها، فمن جحد ولايتهم كان جاحداً لولاية الرسول الأمين، وجحود ولايته صلى الله عليه وآله كفرٌ برسالته.

قال جلّ شأنه : ï´؟ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَـظ°ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ï´¾. وقال تعالى : ï´؟ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىظ° يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ï´¾.

ومعلوم أنّ آية الإطاعة قد أوجبت لأولي الأمر نفس الطاعة الواجبة للرسول، وأنزلتهم منزلة الرسول، فلا إيمان لمن لم يحكّم أولي الأمر ويسلّم لحكمهم تسليماً.

لذلك أخي المسلم الكريم ، عندما تجد آياتٍ محكمات في ثنايا الكتاب العزيز، أمثال قوله تعالى :

ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىظ° رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ï´¾. .وقوله تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ï´¾.
ونظائرها من الآيات، فعليك أن تبحث في أعماق نفسك عمّا إذا كنت مؤمناً بالولاية أم لا ؟

فإن كنت بها من المؤمنين فاعلم أنك من الأتقياء السعداء؛ وإن لم تكن كذلك فاعلم أنك مدعو إلى اللحاق بركب المؤمنين والتسليم لشريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله.

ظ¦ - اختبار ذكاء المخاطب ومدى العقلانية التي يتمتع بها

العقل السليم والطبع المستقيم، يحكم بأنّ الشرع لا يوجب الأحكام عبثاً وجزافاً، بل لفائدة عظيمة النفع وحكمة جليلة الشأن.

ولمّا كانت طاعة أولي الأمر واجبة شرعاً، والطاعة لهم وللرسول صلى الله عليه وآله طاعة واحدة فإنّ العقل السليم يحكم بأنّ الرد إلى الرسول يعني الرد إلى أولي الأمر ، لأنّ الله لم يوجب طاعة أولي الأمر عبثاً.
ولو لم تكن الحال هي هذه، لكان ذلك مستقبَحاً عقلاً، ولاستلزمَ مفاسد عدداً، أقلّها وجود خلل بلاغي معيب وحذف رديء في كتاب الله ، وهذا لا يصح شرعاً وعقلاً ، فكتاب الله يتصف بالعصمة والكمال.

قاعدة : ما حكم به العقل السليم لا يتعارض والشرع الحكيم.

ظ§ - تعريف الرسول والنبي والإمام :

âک† الرسول : بشر آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة، يبلغ عن الله بغير واسطة بشرية. فالرسول نبيّ وإمام ، اي الجامع للمنزلتين معاً ، النبوة والإمامة.

âک† النبيّ : بشر آتاه الله النبوة وعلم الكتاب، ولم يؤته الحكم، يبلغ عن الله بغير واسطة بشرية.

âک† الإمام أو وليّ الأمر في الشرع : بشر آتاه الله الحكم وعلم الكتاب ، ولم يؤته النبوة، يقوم مقام الرسول صلى الله عليه وآله بالاستخلاف ، يبلِّغ عن الله بواسطة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

( كل رسولٍ نبيّ وليس كل نبيّ رسولاً ).
( كل رسولٍ إمام وليس كل إمامٍ رسولاً ).

الرسول لفظ حوى كل المحاسن وأوتي جوامع الكلم، فكانت له الرتبة العليا والمكانة التي لا تُسَامى.

ظ¨ - وفقاً للنظم القرآني الفصيح والبليغ، الموجود بين أيدينا يتضح جلياً أنّ هذا الشطر من الآية يقوي ويؤكد المعنى المراد في المقطع الأول من الآية.

ظ© - الخطاب القرآني فصيح غاية الفصاحة، بليغ غاية البلاغة، مبرّأ من كل نقص وعيب.

( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ).
..........................
يتبع ................

من مواضيع : اليمني الاول 0 ما معنى قوله تعالى : { أكاد أخفيها }
0 فحوصات تهم المرأة الحامل
0 فصائل الدم
0 { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ...... }.
0 هل الإمامة أصل من أصول الدّين؟؟

اليمني الاول
مــوقوف
رقم العضوية : 82629
الإنتساب : Apr 2016
المشاركات : 105
بمعدل : 0.03 يوميا

اليمني الاول غير متصل

 عرض البوم صور اليمني الاول

  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : اليمني الاول المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 20-07-2016 الساعة : 01:26 AM


تعقيب توضيحي بخصوص تعريف الرسول والنبي والإمام
.........................................

âک† الرسول : هو النّبيّ الإمام، أي الجامع للمنزلتين معاً، النبوة والولاية، يبَلِّغ عن الله بغير واسطة بشريّة.

والرسل صنفان : -
أولوا العزم من الرسل ؛ وغير أولي العزم.

أولوا العزم : أصحاب الشرائع السماوية ، آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة.

غير أولي العزم : النبيّون الذين آتاهم الله الحكم والعلم، وليسوا أصحاب شرائع، إنّما يحكمون بشريعة أولي العزم.

وأولوا العزم من الرسل هم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين.

قال تعالى : ï´؟ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىظ° بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىظ° وَعِيسَىظ° أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ï´¾.

الرسول على وزن فعول، من صيغ المبالغة، يستوي فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث ، الجمع : رُسُل ونبيّون.

âک† النبي : بشر آتاه الله العلم وجعله نبيًا، ولم يؤته الحكم، يبلغ عن الله بغير واسطة بشرية ؛
الجمع : أنبياء، وهو على وزن فَعِيل بمعنى مفعول، يستوي فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث.

âک† الإمام : بشرٌ آتاه الله الحكم والعلم ولم يؤته النبوة، يقوم مقام الرسول بالاستخلاف، يبلّغ عن الله بواسطة الرسول، ويحكم بشريعة الرسول.

( إمام ) على وزن فِعَال، من صِيَغِ الآلة سماعاً، يستوي فيه المفرد والجمع والمُذكَّر والمؤنَّث ، الجمع : أئمّة، وأُمّة وأُمم.

قال تعالى :

ï´؟ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ï´¾.
قال : إماما ، ولم يقل : أئمّة ، لأنّ اللفظ يستوي فيه المفرد والجمع.

وقال تعالى : ï´؟ وَمِن قَوْمِ مُوسَىظ° أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ï´¾.

وقال تعالى : ï´؟ وَكَذَظ°لِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ï´¾.

(أمّة ) في الآيتين الكريمتين بمعنى أئمّة.

وقال تعالى : ï´؟ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّـهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ï´¾.
أي إماماً هادياً إلى الحق، جامعاً لمكارم الأخلاق.

الأُمّة : لفظٌ يطلق على الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث، وهو على وزن (فُـعـلَـة) وهذا الوزن يدل على المفعول مثل قُدوة وأُسوة.

ولهذا اللفظ معانٍ متعددة، ويتم تعيين المعنى المراد منه وتحديده وفقاً للسياق والقرائن ذات الصلة.

قوله تعالى : " إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتاً لله........ " الآية.
أمّة، هاهنا، بمعنى إماماً . بدليل ما يـلي :

* إبراهيم عليه السلام كان وليّ أمر، إماماً للنّاس ؛ قال تعالى :
ï´؟ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ï´¾.

واستخدام لفظ أمّة في الآية بدلاً من لفظ إِمام دلّ على تعدد معاني اللفظ، وجيء به لتكثير الفائدة، وعلى ضوئه يتمكن المسلم من معرفة معنى العديد من الآيات في القرآن الكريم.

الأمة، مأخوذ من ( الأَمّ ) - مفتوح الهمزة - بمعنى : القصد والوجهة.

ومأخوذ من ( الأُمّ ) - مضموم الهمزة - بمعنى : الأصل الذي يُعتمَد عليه
ويُرجَع إليه.
م€ٹ وكلّ شيءٍ انضمّت إليه أشياء فهو أُمّ لها، وبذلك سُمّيَ رئيس القوم أماً لهم م€‹.
(المزهر في علوم اللغة - السيوطي - الجزء الأول ).

وفي الحديث قوله صلى الله عليه وآله : { كيف أنتم إذا نزلَ فيكم ابنُ مريمَ وأُمّكم منكم }.
( صحيح مسلم - باب نزول عيسى عليه السلام ).
أُمّكم منكم، هو بمعنى : إمامكم منكم .

وكلا المعنيين، أي معنى الأمّ ومعنى الأمّ ـ بالفتح والضم ـ متحققان
في الإمام، وبهذه الدلالة المعنوية صار الإمام أمّةً.

"إنّ إبراهيم كان أمّـــة قانتاً..... " . أي إمــامـــا.

الإمام على وزن فِعَال، من صيغ الآلة سماعاً، مثل حِجَاب ورِداء......
وهو المُتّبَع والمؤتَم به، المُقتَدَى بقوله وفِعلِه، وهو الوسيلة الذي تتحصّل به المقاصد، كما أنّ الإمام أصلٌ يُعتمَد عليه في الأحكام ويُرجَع إليه في المعارف والعلوم، وهو الرئيس والقدوة لأتباعِه.

وبهذا البيان الوجيز، أخي القارئ، تتمكّن من معرفة المعنى المراد في قوله تعالى :

ï´؟ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ï´¾.

النبيّ الأمّيّ يعني : النبيّ الإمام ، منسوب إلى ( الأمّة ) وإلى ( الأُمّ )
بمعنى الإمام .

هذا هو المعنى الشريف للآية الكريمة، فدع عنك ترّهات الغافلين الذين يفسرون " الأمّيّ " هاهنا ، بمعنى الجاهل الذي لا يعرف القراءة والكتابة، أو الذي لا علمَ له بشيءٍ من المعارف، وما شابَهَ ذلك من المعاني المسيئة لمقام سيد الأنام ، الرسول محمد صلى الله عليه وآله.

الأمّيّ : إسمٌ منسوبٌ إلى أمّة بمعنى إمام، وحُذِفت تاء التأنيث بسبب النسبة.

وتمّ استعمال لفظ "الأمّيّ " بدلاً من لفظ " الأمّة " للدلالة على المبالغة في الوصف ، وبيان كمال الموصوف ، وأنّه صلى الله عليه وآله يتمتع بكافة مؤهلات الرئاسة العامة والسيادة التامة.

إنّ المفسّرِين يُصابون بالعمى ، ولا يكادون يفقهون حديثاً ، لاسيّما إذا كان متعلقاً بموضوع الإمامة.

أَلَيس من الزور والبهتان يا أهل العقول أن يُنسَب الجهل وقلّة المعرفة إلى مَن بعثه الله للعالمين نذيرا ؟
وَي وَي يا مشائخ التفسير ! لقد جئتم شيئاّ نُكرا

كيف يكون جاهلاً مَن علّمه شديد القُوى وأُوتيَ عِلم الأوّلين والآخرين ؟

كيف يكون جاهلاً مَن أَخبر عنه الذكر الحكيم بقوله :

وإنّك لَتهدي إلى صراطٍ مستقيم ؟
كيف يكون جاهلاً مَن أوجب الله اتّباعه، وجعله هادياً للبشرية جمعاء ؟

نبّئونا بعلمٍ إن كنتم صادقين ؟

إنّ الجهل وعدم المعرفة ، نقصٌ لا فضيلة ، والرسُل عليهم الصلاة والسلام منزّهون عن النقائص ، قد أكملَ اللهُ عقولهم وآتاهم حُكماً وعِلماً ، وجعلهم هُداةً للبشرية.

جاء في الذكر الحكيم :

ï´؟ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ï´¾.

وقال تعالى في شأن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم :
" واتّبعوه لعلّكم تهتدون ".

الهادي لا يكون إلّا عليماً.

قبيحٌ، شرعاً وعقلاً، أن يكون الجاهل متبوعاً في أيّ حالٍ من الأحوال.
نعوذ بالله من سُبات العقول.

ï´؟ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىظ° فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ ï´¾.

لا يصح أن يكون معنى الآية : فآمنوا بالرسول النبي الجاهل ! أو فآمنوا بالنبي الذي لا يعرف القراءة والكتابة !!.

معنىً فاحش وقبيح جداً ، لا يقول به إلّا شيطانٌ رجيم ، يريد أن يفسد عقيدة المسلمين بنيّهم العظيم صلى الله عليه وآله.

إنّ قوله تعالى : " النبيّ الأمّيّ " عبارة عن عطف بيان.

النّبيّ الأمّيّ : يعني النبي الإمام ؛ وهذا هو التعريف الشرعي للرّسول.

والإيمان بالرسول يستوجب الإيمان بالمنزلتين معاً ، النبوّة والإمامة.
فآمِنوا بالرسول النبيّ الأمّيّ ، النّبيّ الإمام.

إنّ محمّداً صلى الله عليه وآله كان أمّةً قانتاً هادياً إلى الصراط المستقيم.

أبو الزهراء صلوات الله عليهم إمامُ العالَمين وسيّدهم أجمعين.

حليمٌ رشيدٌ سيّدٌ وابنُ سيّدٍ
يؤولُ إليهِ العلمُ ليس بجاهلِ
( أبو طالب عليه السلام - ديوانه ).

.......................................

وتستمر الحكاية .............

من مواضيع : اليمني الاول 0 ما معنى قوله تعالى : { أكاد أخفيها }
0 فحوصات تهم المرأة الحامل
0 فصائل الدم
0 { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ...... }.
0 هل الإمامة أصل من أصول الدّين؟؟

اليمني الاول
مــوقوف
رقم العضوية : 82629
الإنتساب : Apr 2016
المشاركات : 105
بمعدل : 0.03 يوميا

اليمني الاول غير متصل

 عرض البوم صور اليمني الاول

  مشاركة رقم : 8  
كاتب الموضوع : اليمني الاول المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 20-07-2016 الساعة : 01:28 AM


عودة إلى الشطر الأوّل لاستكمال تأويله ومعرفة ما جاء فيه

قوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول }.

الشطر الأول عبارة عن جملة اطنابية استئنافية بيانية، إذ أنّ المعنى يمكن أن يتم بدونه على هذا النحو :

" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ".

والإطناب في كلام الحكيم لا يكون إلّا لفائدة ؛ فما المعنى المستفاد من الشطر الأول؟

الدلالات المعنوية للإطناب في الشطر الأول :

الفاء الواردة في قوله تعالى : " فإن " دلّت على عدة معانٍ، منها العطف والاستئناف.

الفاء الواردة في قوله تعالى : " فردّوه " دلّت على السببية ، لأنّها واقـعــة في جملة جواب الشرط ؛ بمعنى أنّ التنازع سبب للرّد.

قوله تعالى : " فإن تنازعتم " معطوف على قوله تعالى : " يا أيها الّذين ءامنوا ".

وهذا العطف أفاد التشريك، والترتيب.
التشريك بين المخاطبين في الصفة، صفة الإيمان وصفة التنازع.
مؤمنون متنازعون ؛ والتنازع ببساطة هو الإختلاف والتعارض.

معنى هذا أنّ المخاطَبين مختلِفون ، فليسوا جميعاً على قلب رجل واحد في الإيمان، إيمانهم مختلفٌ متعدد، وذلك يؤدي إلى اختلافهم في العِلم والعمل، فليسوا جميعاً على قلب رجل واحد في العقيدة والسلوك.

والترتيب أفاد تمييز المعنيين في الخطاب، وضع كل شيء في مرتبته.
" إن تنازعتم " معطوف على " يا أيها الذين ءامنوا " ؛
الخطاب هنا موجه لمن ؟

موجه للمأمورين بالطاعة، أي للطائعين، وهم أبناء الأمة الإسلامية جميعا، منذ نزول الآية وحتى قيام الساعة، أما الرسول وأولي الأمر فليسوا داخلين ضمن هذا الخطاب - إن تنازعتم في شيء - لأن الله قد أوجب لهم الطاعة مطلقاً، فهم مطاعون وليسوا طائعين، ولا يحل لأحد أن ينازع الرسول وأولي الأمر نظرا لعصمتهم في القول والعمل، ومن نازعهم فهو خارج عن الطاعة، عاص لأمر الله تعالى.
قال عزوجل : { أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم }.
فلا تحل منازعة من أوجب الله له الطاعة.

"إن" حرف شرط ، دال في هذا الموضع على الاحتمال ، الشرط غير قــطـــعي، بمعنى أنّ التنازع قد يقع وقد لا يقع.
والتنازع : اختلافٌ بين المتعارِضين
لإحقاق حقّ أو إبطال باطل.

وبناءً على ذلك ، يكون الإطناب في الخِطاب دالّاً على إمكانية وقوع التنازع بين المُكلَّفين، والإخبار عن وجود الاختلاف بينهم.

وهذا المعنى يفيد ما يلي :

ظ، - نفي العصمة عن أبناء الأمّة جميعا، فلا عصمة إلا لمن ثبتت له شرعا، الرسول وأولي الأمر .

نفي العصمة عن الأمّة ، فكلّ شيءٍ يصدر عنها قولاً أو فِعلاً يُحتَمل فيه الخطأ والفساد ، فلا يجب اتّباعها في شيء من الأشياء، نظراً لاختلاف الطبائع وتعدد الأهواء مما يفضي إلى الانحراف عن جادة الحق والصواب ؛
فلا صِحّةَ لِما يسمّى الإجماع ؛ والخطاب القرآني موجّه إلى كافة المسلمين ، إلى أمّة محمد أجمعين ، دون استثناء.

ومن أراد شرعنة الإجماع بحديث : { لا تجتمع أمّتي على خطأ } فعليه أوّلاً وقبل كل شيء، أن يضع تعريفاً مناسباً، ويحدد بالضبط من هي أمّة محمد صلى الله عليه وآله ، لأنّ الأمّة قد انقسمت أحزاباً شتّى، وفرقاً عدداً، وطرائق قِددا.

وكلٌّ يدّعي وصلاً بِليلَى
وليلَى لا تُقِرّ لهم بذاكَ

فليس من الحكمة أن يقوم بعض أفراد الأمّة بتنصيب أنفسهم خبراء في الإجماع، وناطقين بإسم الدين على حساب البعض الآخر.

ليس البعض أحقّ بالإجماع من البعض الآخر.
فإما أن يكون الإجماع من أبناء الأمة أجمعين وإلا فلا إجماع ولا هم يفرحون.
والحديث الشريف يعتبر حُجّةً على خبراء الإجماع أكثر مما هو حجة لهم ، ولكنهم لا يفقهون حديثاً.

الإجماع باطل، لا مشروعيةَ له ، وليس إلّا مسرحيةً هزلية للقفزِ على النصوص الشرعية الواضحة ، وتخديرِ العقول.

إنّ الشريعة الإسلامية الغرّاء ليست بحاجة إلى آراء الضالين وأهواء المبتدِعين حتى يحددوا لها الصحيح من السقيم.

للدِّين رجالُه وأعلامه ، فأتوا البيوتَ مِن حيثُ أمَركمُ اللهُ.

ظ¢ - انتفاء العصمة عن الأمّة يثبت عصمة الإمام عقلاً
الإمام الذي نقصده هنا هو الخليفة الشرعي للرسول ص، الذي أوجب الله طاعته؛ فلا يذهبن فكرك بعيدا أخي القارئ.

انتفاء العصمة عن الأمّة يثبت عصمة الإمام عقلاً

وترتيب ذلك، أنّ التنازع يقع بين الناس ونظراً لجهلهم وعدم عصمتهم.

فإمّا أن يكون وليّ الأمر معصوماً مأموناً من الخطأ وفعل القبيح أو غير معصوم ؟

فإن لم يكن معصوماً إحتاج إلى إمام آخر لحصول علّة الحاجة فيه، واتّصل ذلك بما لا نهاية له من الأئمّة ، وذلك مُحال وفاسد.

فلم يبقَ إلّا القول بعصمة الإمام، خليفة الرسول، وانتهاء الأمر المُتنازَع فيه إلى وليّ الأمر المعصوم ، وهو القائم مقام الرسول بوظيفة التّشريع وبيان أحكام الدِّين والدنيا.

ظ£ - وقوع التنازع بين الخلق يثبت وجوب الإمامة عقلاً.

وجود الاختلاف بين أبناء الأمّة مع وجود حاكم عادل ، يرجعون إليه في الأمر المُختلَف فيه ، يجعلهم من الصلاح أقرب وعن الفساد أبعد، وبذلك تنتظم شؤون البلاد والعباد.

وعليــه ، تكون الولاية لطفاً من الله بعباده في أداء الواجبات وتجنُّب المحرمات ، وارتفاع الفساد وانتظام شؤون الخلق في أمر دينهم ودنياهم.

قال ذوو العقول الرشيدة : ( لَمّا كانت الرعية ضروباً مختلفة وشعوباً مختلطة، متباينة الأغراض والمقاصد ، متفرقة الأوصاف والطّبائع ، افتقرت ضرورةً إلى ملكٍ عادل ، يقوِّم أودها ويقيم عمدها ، ويمنع ضررها ويأخذ حقها ويذبّ عنها، ومتى خَلت من سياسة تدبير الملك كانت كسفينةٍ في البحر اكتنفتها الرياح المتواترة والأمواج المتظاهرة، قد أسلَمَها الملّاحون واستسلم أهلها للموت ).
( النهج المسلوك في سياسة الملوك - عبد الرحمن الشيزري ).

ظ¤ - قوله تعالى : " في شيء " إطناب تتميمي ، دلّ على كمال الشريعة الإسلامية وتمامها، وشمولية أحكامها لكافة جوانب الحياة ، الدّينية والدُّنياوية.
فالشريعة الإسلامية تامة البنيان بالغة التمام.

ظ¥ - قوله تعالى : " فردّوه إلى الله والرسول " نَصُّ واضح يدل على وجوب تأسيس نظام قضائي يتولّى الفصل بين المتنازِعين ، أو بالأحرى، دعوة شرعية إلى إقامة دولة راشدة تعتمد على مبادئ الإسلام وقواعده.

ولا يقتصر دور الدولة الإسلامية على فض النزاعات بين المتخاصِمين وحسب كما قد يتوهّم البعض.
إنّ الهدف الأسمى للولاية هو إقامة الشرع وإعمار الأرض بما يحقق الخير، والعدل، والرفاهية للإنسانية جمعاء.

ظ¦ - الشطر الأوّل يُعتبر نظير قوله تعالى :
ï´؟ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّـهِ ï´¾.

أي إنِ اختلفتم في أيّ أمرٍ من الأمور، في صغير أو كبير في شأنٍ ديني أو دنياوي، فإنّ مردّ الحكم فيه إلى كتاب الله لأنّ العدل والكمال فيه دون غيره.

ولا شك أنّ المقصود من حكمه تعالى هو الحُكم الواقعي، وهو متوقِّف على إمكانية الأعلمية الشاملة بكتاب الله، والعصمة الكاملة في بيان الحكم ، ولا يتحقق ذلك إلّا عن طريق الحاكم القائم بوظيفة التشريع وبيان أحكام الدين، وهو الرسول صلّى الله عليه وآله وأولي الأمر العالِمون بحكم الله ، الملتزمون التزاماً كاملاً بجميع الأوامر والنّواهي الصادرة عن المولى عز وجل.

ولأجل ذلك ، نجد أنّ القرآن الحكيم قد أوجب طاعتهم ، وجعلهم حُكّاماً على النّاس ، قائمين بوظيفة التشريع وبيان أحكام الدين ، وأوجب ردّ الشيء المُتنازَع فيه إليهم ، ثمّ لزوم اتّباعهم في كل أمرٍ أو نهيٍ يصدر عنهم تجسيداً لِمبدأ الطاعة والولاء.

وبناءً على الدلالة المعنوية المُستفادَة من الشطر الأول ، يتضح أنّ الآية المباركة قد حددت مصادر التشريع الإسلامي، المتمثلة بِـ : ـ

القرآن الكريم : المصدر التشريعي الرئيس ، ومعرفة ما جاء في القرآن
الكريم من تشريعات وأحكام و ...... إلخ ، يتم عن طريق :
سُنّة الرسول صلى الله عليه وآله، الصحيحة الثابتة عنه.
سنة أولي الأمر المعصومين عليهم السلام الصحيحة الثابتة عنهم.

فإن قيل : حسبُنا كتاب الله كما قيل قديماً، أو لا داعي لِسنّة أولي الأمر ففي القرآن وسنة الرسول كفاية ومقنع ؟

نقول : ذاك قولٌ مردود، لوجـــــوه : ـ

الوجه الأول : علمنا أنّ أولي الأمر خلفاءُ الرسول ، قائمون مقامه ويؤدّون وظيفته ، أوجبَ لهم الشرع كلّ ما هو واجبٌ للرسول إلّا النبوّة ، وهذا يؤكد أنّ العلّة المقتضية لتنصيب الشرع للمسمَّى رسولاً موجودة في زمن ما بعد الرسول، وواقعةٌ في كل عصر ، إذ لا امتياز بين النبوّة والإمامة إلّا بكون
الواسطة في الأولى غير بشرية.

والآية المباركة أوجبت لأولي الأمر نفس الطاعة الواجبة للرسول، فلا بد من الأخذ بالتشريع الصادر عن الأئمّة الشرعيين ، وإلّا فكيف نطيعهم ؟!
إنّ ولايتهم تشريعية في المقام الأول ، ويجب اتباعهم في كلّ أمرٍ أو نهيٍ يصدر عنهم.

الوجه الثاني : إنّنا نعلم أنّ في القرآن متشابهاً ، وفي السنّة النبوية أحاديث تحتمل وجوهاً عِدّة، وأنّ العلماء من أهل اللغة قد اختلفوا في المراد بهما، ومالوا في مواضع إلى طريقة الظنّ ـ وإنّ الظن لا يغني من الحق شيئا ـ فلا بد إذاً من مبيِّن للمُجمَل ومترجِم للغامض ، يكون قولُه حجّةً كقول الرسول ، وهذا المُبيِّن المُترجِم ليس إلّا وليّ الأمر المعصوم الّذي أوجب الله طاعته في محكم التنزيل.

الوجه الثالث : إنّ شريعة الرسول صلى الله عليه وآله خاتمة الشرائع، تعم جميع البشر بعد وفاته كما هي لجميع البشر في حال حياته، ونظراً لوجود مواضع كثيرة من الكتاب والسنة النبوية قد أشكلت على كثيرٍ من العلماء وأعياهم القطع فيها على شيءٍ بعينه، فلا بد من الرجوع إلى حُكم المعصوم الّذي أوجب الشرع طاعته ، والاعتصام بسُنّته ، فهو المفزع عند الخلاف ، يفسّر المجمل ويبيِّن ما غمض من الأحكام ، ويكون من وراء النّاقلين للسّنّة، فمتى ما وقع منهم ما هو جائز عليهم من الخطأ في النقل والفهم أو الإعراض عن النقل ، يبيّن ذلك وكان قوله الحجةَ فيه.

الوجه الرابع : إنّ في الكتاب متشابهاً لا يُقطَع على المُراد به ، ولم يَثبُت من السنّة النبوية ما يكون مُبيِّناً لذلك وموضّحاً عنه.

والإنكار أو الرد لهذا القول ليس إلّا مكابرةً ظاهرةً ، ولو لم يكن هذا هو الواقع لَمَا تمّ ابتداع مصادر شتّى للتّشريع ما أنزل الله بها من سلطان ؛ كالقياس ، والإجماع ، والاستحسان، واجتهاد الرأي، ومذهب زُعَيط ومذهب مُعَيط ، ورأي فلان وقول علّان.

كلّ ما هو متشابهٌ في القرآن ، ومعجِزٌ للعقول والأفهام هو آياتٌ بيِّناتٌ في صدور الّذين أوتوا العلم ، الأئمّة المعصومون ، أعلام الدّين وورَثَة عِلم النّبيين.

وبناءً على ذلك ، يتضح أنّ للمؤمنين سُنّة جامِعة غير مفرِّقة ، سنة النّبي صلى الله عليه وآله، وسنة الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

سنّة جامعة للمؤمنين ، وعاصِمة لهم من التفرق والضلال ، يجب اتّباعها والأخذ بما جاء فيها ، واستنباط الأحكام ، والتشريعات ، والمعارف والعلوم منها.

ووفقاً لآية الإطاعة ، وبضميمة قوله تعالى :
ï´؟ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىظ° أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ï´¾.

يتم تمييز مصادر التشريع الإسلامي وتحديدها في :

ظ، - القرآن الكريم .

ظ¢ - السُّنّة المطهّرة : كلّ قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ ثبت صدوره عن المعصوم؛
الرسول والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين .

ظ£ - الاستنباط : الاجتهاد العقلائي السليم في فهم النُّصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم ، والسنة المطهرة بُغيةَ استخراج الحُكم الشرعي وفقاً للقواعد العلمية والمنطقية.

إنّ الشريعة تخاطب العقول ، وليس فيها شيءٌ من الأوهام والخرافات.

ظ¤ - العقل : لازم من لوازم المعرفة والتديُّن ، ومن لا عقلَ له لا دِينَ له.

من مواضيع : اليمني الاول 0 ما معنى قوله تعالى : { أكاد أخفيها }
0 فحوصات تهم المرأة الحامل
0 فصائل الدم
0 { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ...... }.
0 هل الإمامة أصل من أصول الدّين؟؟

اليمني الاول
مــوقوف
رقم العضوية : 82629
الإنتساب : Apr 2016
المشاركات : 105
بمعدل : 0.03 يوميا

اليمني الاول غير متصل

 عرض البوم صور اليمني الاول

  مشاركة رقم : 9  
كاتب الموضوع : اليمني الاول المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 20-07-2016 الساعة : 01:30 AM


الفصــــــل الثالث
..............................

قوله تعالى : ï´؟ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ï´¾.

......................................

الشطر الآخر من المقطع الثاني
قوله تعالى : ï´؟ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ï´¾.

نحن نجد ، بحكم المشاهدة ، أنّ الشطر الآخر أسلوب شرط ينقصه الجواب ؛ أي أنّ جملة جواب الشرط محذوفة.

ويقول علماء المعاني : إنّ معرفة المعنى المراد من أساليب الشرط يكمن في جملة الجواب ، فهي الأساس والعمدة ، لأنّه بجملة الجواب تتمّ الفائدة.

والسؤال البديهي ، أين جملة جواب الشرط ؟

قد يقول الكثيرون : جملة الجواب هي قوله تعالى : " فردّوه إلى الله والرسول ".

نقول : الجواب غلط للأسف.
لأنّ قوله تعالى : فردّوه إلى الله والرسول ؛ هي جملة الجواب لِفعل الشرط في قوله تعالى : " إن تنازعتم في شيء ".

يُقال : هي جملة الجواب للأسلوبينِ معاً ، لِأسلوب الشرط الموجود في الشطر الأوّل، وأسلوب الشرط الموجود في الشطر الآخر.

نقول : الجواب غير صحيح ؛ لأنّ النّظْم حينئذٍ ، سيكون على النّحو التالي :

" فإن تنازعتم في شيءٍ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فردّوه إلى الله والرسول "!.

هذا العجين ساقطٌ بلا شكّ ، لأنّ فيه تعقيداً لفظيّاً ومعنويّاً ، وضعف تأليف ، يخِلّ تماما بفصاحة الآية وبلاغتها.

إنّ النّظم المَحكِي تضمّنَ فعلينِ اثنينِ من أفعال الشرط ، وليس عندنا إلّا جواب شرط واحد، لا يصلح أن يكون إلّا لأحد الشرطين دون الآخر. فلا يُصارُ إلى ذلك الجواب لأنّه يفسد معنى الآية الشريفة.

يُقالُ : جواب الشرط يصح أن يكون للفعلين معاً إذا جعلنا فعل الشرط الثاني بدلاً من فعل الشرط الأوّل.

نقول : لا يصح ؛ بسبب وجود ضمير الغيبة في لفظ : " فردّوه " ؛
فالمعنى حينئذٍ ، سيكون على النّحو التالي :

" إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فردّوه إلى الله والرسول " !.

هذا المعنى منقوص، غير وافٍ بالمراد، ولا يفيد شيئاً، فالإشكال لا يزال قائماً ، لأن ضمير الغيبة ليس له عائد يفسره.
فما الّذي نرده إلى الله والرسول ؟

يُقال : يصح أن يكون جـواب الشرط للفعـلين معاً إذا جمعنا بين الشطــرين وِفــــق النظم التالي :

" فإن تنازعتم في شيءٍ وإن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فردّوه إلى الله والرسول ".

نقول : الجواب غلط للأسف ؛ وذلك للأسباب الآتية : ـ

* النظم المحكي تضمّنَ فعلين اثنين من أفعال الشرط : إن تنازعتم .. + إن كنتم تؤمنون ... ؛ وليس لدينا إلّا جواب شرط واحد ، لا يصح أن يكون إلّا لأحد الشرطين دون الآخر ، وفي هذه الحالة ، عُدنا إلى نقطة البداية ؛ أين جملة جواب الشرط المحذوفة ؟؟

* حرف العطف ( الواو ) المُستخدَم في النّظم المذكور غير موجود بين الشّطرين في الآية الشريفة ، فمِن أين جئتم به ؟.

* النّظم المحكي يعتبر تعسُّفاً ظاهراً، يُحمِّل النَّص القرآني ما لا يحتمل، ويفسد معنى الآية ؛ فلا يُصار إليه ؛ لا إكراهَ في الدِّين !.

ومن أراد أن يجعل قوله تعالى :
" فردّوه إلى الله والرسول " جواباً لفعل الشرط الموجود في الشطر الآخر يكون حاله مصداقاً لقول الشاعر :

أيها المُنكِحُ الثُريّـا سُهيــلاً
عَمرُكَ الله كيف يجتمعانِ
الثريا شآميّةٌ إذا ما استقلّت
وسهيـلٌ إذا استقـلّ يماني.

إنّ جملة " فردّوه إلى الله والرسول " مستقلّة تماماً عن الشطر الآخر، ولا يصح جعلها جواباً لفعل الشرط الوارد فيه ؛ بين الشطر الأوّل والشطر الآخر فصلٌ ، نوعُه ، كمالُ انقطاع ؛ والجمع بين الشطرين زواجٌ غير مشروع ، فلا تحلِّلوا ما حرّم الله.

نريد تزويج الشطر الآخر زواجاً محَلّلاً شرعيّاً، كي تنعم الأُمّة الإسلامية بذريّته الطيّبة المباركة ؛ ولا يتأتّى ذلك إلّا بمعرفة جواب الشرط المحذوف.

ولبيان ذلك بمشيئة الله ، نقول : إنّ جواب الشرط المحذوف هو قوله تعالى :
" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".

فيكون المعنى وفق النظم التالي :
" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " . أو :
" يا أيها الذين ءامنوا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".

هذا هو المعنى في الآية الشريفة.

صدر الآية يعتبر جواباً لفعل الشرط الموجود في قوله تعالى :
" إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ".

وهذا تأكيدٌ قطعيٌّ وحاسم، يُضاف إلى الأدلّة السابقة، والّتي تؤكّد أنّ أولي الأمر الّذين وجبت طاعتهم في الآية هم أناسٌ مخصوصون، مقصودون بأعيانهم، طاعتهم كطاعة الله ورسوله ، والإيمان بولايتهم لازمٌ من لوازم الإيمان بالله واليوم الآخر ، تماماً كالإيمان بالرسول صلى الله عليه وآله.

إذاً ، الشطر الآخر مرتبط ارتباطاً معنويّاً مع صدر الآية ، ومستقل استقلالاً تامّا عن الشطر الأول ؛

ونؤكّد هذا المعنى بوجوه : ـ

الوجه الأوّل : حرف العطف ( الفاء )

ذكرنا آنفاً أنّ المقطع الثاني بِشَطرَيْهِ، معطوفٌ على المقطع الأوّل بواسطة حرف العطف الفاء ؛ ولِحرف العطف دلالات معنوية في كلّ من الشطرين ؛

الدّلالات المعنوية لحرف العطف في الشطر الأوّل هي التشريك، والترتيب، والإيجاز؛ وقد أوضحنا ذلك فيما تقَدّم.

الدلالات المعنوية لِحرف العطف في الشطر الآخر هي التعقيب، والتشريك، والإيجاز؛ وهي موضوع حديثنا في هذا الوجه ؛

أ ـ التـعـقـيب

قوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " عبارة عن جملة تعقيبية لا تستقلّ بإفادة المعنى المُراد لِوحدها ، ولا تستغني عمّا قبلها ، كونها جملة شرطية ناقصة الجواب.

وقد عرفنا أنّ جواب الشرط الموجود في الشطر الأوّل لا يصح أن يكون جواباً لفعل الشرط الموجود في الشطر الآخر . فماذا نعمل يا ربّنا إن كنّا نؤمن بالله واليوم الآخر؟

فكان الجواب : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".

وهذا التعقيب قد أفاد ما يلي :

* وجود الارتباط المعنوي بين الشطر الآخر وصدر الآية.
* تشويق المخاطَب إلى الإيمان.

* توضيح المعنى وتقريره في ذهن المخاطَب، والتأكيد على أنّ أولي الأمر الّذين أوجب الله لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول هم أناسٌ مخصوصون، مقصودون بأوصافهم وأعيانهم ؛ فلا يصح مطلقاً ، الاستدلال بآية الإطاعة على وجوب طاعة الحُكّام بصورة عامة.

* الاستدراك ، تنبيه المخاطَب على أنّ الإيمان المطلوب منه هو الإيمان الحقيقي، وهو مشروط ومحدد بمسألةٍ واضحة، وهي أداء واجب الطاعة لله وللرسول وأولي الأمر المخصوصين بالذكر في آية الإطاعة.
فطاعة الله والرسول وأولي الأمر المعصومين لازمٌ من لوازم الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لازم من لوازم الدّين، وإلّا فلا إيمان بالله ولا باليوم الآخر.

فليتنبّه المسلمون إلى هذا الأمر المصيري والخطير، ويستفيقوا من سُبَاتهم؛
لا إيمانَ للمرء إلّا إذا أطاع اللهَ وأطاعَ الرسولَ وأولي الأمر المعصومين.

ب - التشريـك

* التشريك في الحُكْم :
حكم الطاعة وحكم الإيمان،
الطاعة واجبة، والإيمان واجبٌ كذلك، فلا إيمانَ لِمَن لم يؤدِّ الطاعة المفروضة شرعاً، طاعة الله والرسول وأولي الأمر.

قال تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ï´¾.

وقال تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل
لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ï´¾.

ومعلومٌ أنّ الرسول نبيٌّ وإمام ، والإيمان به يستوجب الإيمان بالمنزلتينِ معاً، النبوّة والولاية.

النبوة خُتِمَت ، ولكنّ الولاية باقية متواصلة بعد الرسول صلى الله عليه وآله، والإيمان بها من لوازم الإيمان بالله واليوم الآخر.
فيا أيّها الّذين ءامنوا ءامِنوا.

* التشريك في المعنى الشرعي : بين الإيمان والطّاعة

الإيمان إقرارٌ وتصديق، والطّاعة كذلك ؛ الإيمان قولٌ وعمل والطّاعة قولٌ وعمل؛

قال تعالى : ï´؟ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَىظ° بِاللَّـهِ وَكِيلًا ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ï´¾.

فالطاعة اعتقادٌ وعمل، والإيمان اعتقادٌ وعمل ؛ فهما وجهان لعملة واحدة.
وبناءً على ذلك نعلم أنّ الطّــــــاعة هي الإيمــــــــــــان.

* التشريك في المعنى الدّلالي :
الشطر الآخر من الآية مرتبط ارتباطاً معنوياً مع المقطع الأوّل ؛ إذ
أنّ المقطع الأول يُعتَبر جواباً لفعل الشرط الموجود في الشطر الآخر.

جـ - الإيجــاز أو الاختصار

نوع الإيجاز الواقع في الشطر الآخر، إيجاز حذف ، والمحذوف هو جملة جواب الشرط : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".
وتمّ حذفها لأنّه قد تقدّم ذكرها في مطلع الآية.

ولو لم يتم حذف جملة جواب الشرط لصار النظم على النحو التالي :

" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ذلك خير وأحسن تأويلاً ".

ولاشكّ أنّ نظماً كهذا يستنكره اللّسان العربي، تمجُّه الأسماع وينفر منه الذوق السليم، كونه يتعارض كليّةً مع قوانين البلاغة ومحاسن الفصاحة.

فأنَّى يكون ذلك وقد حُقَّت للقرآن العظيم الكلمة العليا.
وقد قيل، وقولهم غير مردود، : البلاغة هي الإيجاز، وإنّ حذف الجمل كثير الورود في القرآن الكريم، إذ هو الغاية في الفصاحة والنهاية في مراتب البلاغة.

الوجه الثاني : الفصل بين الشطر الأول والشطر الآخر في الآية المباركة؛
أي بين قوله تعالى : " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "
وبين قوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ".

الفصل عكس الوصل. الفصل : عدم استعمال حرف العطف ( الواو ) للوصل بين الجُمل ؛ والوصل : استخدام حرف العطف " الواو " للربط بين الجُمل.

يقول علماء البلاغة بخصوص الفصل والوصل : ( العلمُ بمواقعِ الجُمَلِ والوقوفُ على ما ينبغي أن يُصنَع فيها من العطفِ والاستئناف والتهدِّي إلى كيفية إيقاع حروف العطف في مواقعها، أو تركها عند عدم الحاجة إليها صعبُ المسلكِ، لا يُوفَّق للصواب فيه إلّا مَن أوتي قسطاً وافراً من البلاغة، وطُبِع على إدراك محاسنها ورُزِق حظّاً من المعرفة في ذوق الكلام، وذلك لغموض هذا الباب ودِقّة مسلكه، وعظيم خطره وكثير فائدته، يدلّ لهذا أنّهم جعلوه حداً للبلاغة، فقد سُئل عنها بعضُ البُلغاء فقال :
هي معرفة الفصل والوصل، فالوصل عطف جملة على أخرى بالواو ونحوها والفصل ترك هذا العطف ؛ والّذي يتكلّم عنه علماء المعاني في باب الفصل والوصل هو العطف بالواو خاصة دون بقية الحروف).
(جواهر البلاغة - أحمد الهاشمي ).

نقول : إنّ الشطر الآخر ، بحكم المشاهَدة ، مفصولٌ عن الشطر الأول.

دواعي الفصل بين الشطرين

ظ، - الاختلاف المعنوي بين أداة الشرط المستخدمة في الشطرين ؛ فأداة الشرط في الشطر الأول " إن تنازعتم " تفيد الاحتمال وعدم الجزم بوقوع الشرط، بمعنى أنّ التنازع قد يقع وقد لا يقع.

بينما " إن " في الشطر الآخر تفيـد الجزم بوقــوع الشرط أو انتفائه ؛ والشرط هو الإيمان، فمن أطاع اللهَ والرسولَ وأولي الأمر فهو مؤمنٌ ومَن لم يُطِع انتفى عنه الإيمان.

ظ¢ - تم الفصل لأجل عدم التشريك في المعنى الدَّلالي : أي أنّ العطف بين الشطرين متروك حتى لا يُتوهَّمُ أنّ ثبوت الإيمان أو انتفائه متعلِقٌ بأسلوب الشرط الأول، فيصير الإيمان من مظنونات التنازع والرّد ، والأمر ليس كذلك.

إنّ الجملة الشرطية في الشطر الآخر مستقلة تماماً عن الشطر الأول، فهي تعقيبية ، أفادت الاستدراك وتنبيه المُخاطَبين على أنّ الإيمان المراد منهم إيمانٌ مخصوص، محدّد بأمرٍ مُعَيّن وهو الطاعة ؛ فإن كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر حقّ الإيمان فليؤدّوا ما فرض الشرعُ عليهم أداءه.

ظ£ - تمّ الفصل بقصد عدم التشريك في الحُكْمِ :
الشطر الآخر لا يصح عطفه على جملة ( إن تنازعتم ) لاقتضائه مشاركة الإيمان للتنازع في التقييد بالحال، فيكون الإيمان مُقيّد بحال وجود التنازع ؛ وليس الأمر كذلك ؛
إنّما الإيمان مقيد بأداء فرض الطاعة، فلو حصلَت وتحقّقَت من المُكَلَّفين لانتفى أصل النّزاع، خصوصاً إذا علمنا من كتب التاريخ وأخبار السير، أنّ أوّل وأعظم نزاع وقعت فيه الأُمّة هو النزاع في ولاية الأمر، الإمامة ؛ ولا زال النّزاع على الكرسي باقياً حتى يومنا هذا والسّلام على من اتّبع الهُدى.

ظ¤ - لا يصح عطف الشطر الآخر على جملة " فَردّوه " ولا يصح جعلها جواباً له لأنّ الرد مُقيَّد بحال حصول التنازع ، وفي حال عدم تحقق الشرط ينتفي تحقق الجواب، بينما الإيمان بالله واليوم الآخر قطعيّ الثبوت أو الانتفاء؛ يثبت بأداء الطاعة وينتفي بعدم أدائها ؛ ومعلوم أنّ الآية الشريفة قد أوجبت الطاعة لله تعالى وللرسول ولأولي الأمر وجوباً مطلقاً ، دائماً وأبداً من غير تقييد بأي شرط أو حال من الأحوال. هذا من ناحية.

من ناحية ثانية ، وجود حرف الهاء في قوله تعالى : " فردّوه " يمنع مِن أن تكون هذه الجملة جواباً لفعل الشرط الوارد في الشطر الآخر.

من ناحية ثالثة ، عَلِمْنَا أنّ الطاعة أصلٌ والرد فرعٌ من فروعها وحُكْمٌ مُترتِّبٌ عليها ، وحمل الإيمان على ما هو أصلٌ أَوْلَى وأحرى.

وبناءً على الدلالة المعنوية للفصل، يتضح أنّ الإيمان بالله واليوم الآخر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطاعة ؛ طاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر المعصومين.

وهذا يؤكّد الارتباط المعنوي بين الشطر الآخر من الآية وصدر الآية.

قاعدة : الطاعة والإيمان أمران متلازمان إذا انعدم أحدهما انعدم الآخر .

نعم ؛ وهل الدِّين إلا الطاعة والتسليم ؟.

الوجه الثالث :

الشطر الآخر من الآية يعتبر جملة إطنابية استئنافية بيانية، إذ المعنى يمكن أن يتم بدونه على هذا النحو :

" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ذلك خير وأحسن تأويلاً ".

ومعلوم أنّ الإطناب في كلام الحكيم لا يكون إلا لفائدة في المعنى ؛

فما الفوائد الشرعية التي تَضمّنَهَا هذا الشطر الإطنابي المبارك ؟
ما المعاني الشريفة التي تضَمّنها هذا النَّص القرآني المظلوم مِن قِبَلِ أبناء الإسلام ؟

ذلك ما سنُبَيّنُه في السطور التالية إن شاء الله تعالى.

فسوف يُجِيبُكم عنه حســـامٌ
يصوغ المُحكماتِ كما يشاءُ.

الأسلوب الذي نعتمده في هذا الشأن هو بيان الصورة الإطنابية في الشطر ثم ذكر الفائدة المترتبة على كل صورة.

ظ،- التكرار

ذِكْرُ الشيءِ أكثر من مرةٍ لأغراض يريدها المُتكَلّمُ ؛ والتكرار حاصلٌ في :
ضمير المخاطب، والإيمان، وحرف الشرط " إن ".

* تكرار ضمير المخاطب : أفاد لفت انتباه المخاطَبِين واستدعاء حواسهم ومداركهم حتى يعقلوا ما جاء في الخطاب القرآني ويدركوا أهميّته وخطورة شأنه .
التنويه بشأن المخاطب والتأكيد على أهمية دور المخاطبين في دعم ومساندة ولي الأمر الشرعي، لأنّ ولاء الجماهير للقائد يعتبر مصدراً من مصادر قوة السلطة.

* تكرار الإيمان : بقوله تعالى : " الذين ءامنوا " وقوله تعالى : " تؤمنون ".
أفاد التنبيه على أنّ الإيمان المراد هو الإيمان الحقيقي، لا الإيمانَ المُزيَّف، وتحقّقه مرهونٌ بالطاعة.
زيادة الترغيب إلى الإيمان والتأكيد على رفعة المؤمنين الصادقين وجزيل ثوابهم.

* التكرار الحاصل دلّ على الارتباط المعنوي بين الشطر الآخر وصدر الآية.

* تكرار حرف الشرط ( إن ) :

دلّ على التغاير المعنوي بين حَرفَيْ الشرط الواردين في الآية الكريمة،
الحرفان متحدان لفظاً مختلفان معنى ؛ فحرف الشرط في الشطر الأول يدل على الاحتمال وعدم الجزم بوقوع الشرط ، بمعنى أنّ التنازع قد يقع وقد لا يقع ؛ أما حرف الشرط ( إن ) في الشطر الآخر فإنّه يدل على الجزم بوقوع الشرط أو انتفائه ، والشرط هو الإيمان.

وحرف الشرط ( إن ) المُستعمَل في الشرط المقطوع بثبوته أو انتفائه يدل على أغراض يريدها المُتكلِّم ؛

âک† الدلالات المعنوية لحرف الشرط في الشطر الآخر

أ - التوبيخ والتجهيل : حيث إنّها جعلت المخاطَبَ العالِمَ بمنزلةِ الجاهل نظراً لمخالفة الخطاب مُقتضَى عِلْمِ المخاطب.

فالآية المباركة في بادئ الأمر وجّهَت الخطاب بشكل عام لقومٍ وُصِفُوا بالإيمان ، وأوجبت عليهم الطاعة لله وللرسول وأولي الأمر، ولكنّ تمّ التعقيب على الخطاب بقوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون ..."

وهذا يدل على أنّ المخاطَبين في صدر الآية ليسوا جميعاً مؤمنين حقّ الإيمان، بل منهم المؤمنون ومنهم غير ذلك ، فلا يَظنّن أحّد أنّ المخاطبين كلّهم أجمعين مؤمنون إيماناً حقيقياً، ولا إيمانَ لهم إلّا بتجسيد الطاعة عملياً ، ولا يتحقّق ذلك إلّا بالرد إلى مَن أوجب الله طاعته ، الله والرسول وأولي الأمر؛ فلا يتوهمنّ أحد أنّ الآية لم توجِب الرد إلى أولي الأمر، ومن يعتقد ذلك فإنّ الآية تنزله منزلة الجاهل، وتقول له : لا يا غبي ليس الأمر كما تتوهم، إنّ الرد إلى أولي الأمر واجبٌ تماماً كالرد إلى الرسول ؛ وليس هذا فحسب، بل لا إيمانَ للمرء إلا بلزوم طاعة أولي الأمر المعصومين واتّباع جميع أمرهم ونهيهم وإنّ الرد إليهم هو التجسيد العملي لطاعتهم.

وطاعتهم لازم من لوازم الإيمان بالله واليوم الآخر، فاعلموا هذا جيداً أيّها المخاطبون واحذروا أن تكونوا جاهلين .

إنّ الحقّ بَيّنٌ ، في غاية الوضوح والجلاء ، فلا معذرةَ لذوي الجهل.
احذروا على دينكم من التهاون بطاعة أولي الأمر المعصومين حتى لا يكون ذلك حسرةً ووبالاً عليكم يوم القيامة.

ï´؟ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ï´¾.

إنّ القرآن الكريم خاطب المكلَّفين وفقاً لعقولهم ولِما يعتقدونه في أنفسهم من إيمان، على الرغم أنّهم لم يبلغوا درجة الإيمان الحقيقي والكامل ؛ ووجه الحكمة والحُسن في هذا الخطاب هو أنّ المقام مقام ترغيبٍ وإرشاد واستجلاب مودّة ، يتطلّب دعوة المخاطَبين بالحكمة والموعظة الحسنة، وتهيئتهم نفسيّاً حتى يتقبّلوا ما جاء في الخطاب القرآني ، ويؤدّوا ما فرض
الله عليهم أداءه.

في القرآن الكريم أدبٌ جمٌّ ، ودروسٌ أخلاقية رفيعة ؛ ولكن أين العقول !.

وعليـــه، نعلم أنّ المُخاطَبين بِـ " يا أيها الّذين ءامنوا " ليسوا جميعاً مؤمنين حقّ الإيمان كما يظنّ البعض ؛
وهذه الدّلالة المعنوية لحرف الشرط ( إن ) قد أفادت ما يـلـــي :

* تأكيد الارتباط المعنوي بين صدر الآية والشطر الآخر.

* الشطر الأول والشطر الآخر متفقان في اللّفظ مختلفان في المعنى ؛
"إن" في الشطر الأول تفيد الاحتمال ، و "إن" في الشطر الآخر
تفيد الجزم ؛ وهذا يدلّ على أنّ المُعَوّل عليه في مسألة الفصل
والوصل هو المعنى لا اللّفظ.
ونظراً لوجود الإختلاف المعنوي بين الشطر الأول والشطر الآخر
فقد وجب الفصل بين الشطرين.

* توبيخ من يعتقد أنّ الرّدّ إلى أولي الأمر ليس واجباً، أو أنّ الخطاب القرآني بـِ " يا أيها الّذين ءامنوا " يدلّ على إيمان جميع المخاطبين حقيقةً ، فمن يعتقد ذلك لا يعتبر جاهلاً وحسب، بل يعاني من جهلٍ مركّب.

* التعريض بغباء المخاطب الّذي لم يفهم معنى الخطاب ، وتنزيله منزلة الجاهل ؛ وبهذا نكتشف أنّ نسبة 99% من المفسرين أغبياء.

* الدّعوة إلى أن يكون المُنتَمي لأمّة القرآن إنساناً واعياً ، مُتميِّزاً بالعقلانية، متثبِّتاً من صحة عقيدته وسلامة تَدَيُّنِه.

ب - تغليب غير المتصف بالإيمان على المتصف به :
وفي هذه الحالة يكون الخطاب في قوله تعالى :
" إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " موجهاً بالدرجة الأولى إلى غير المتصفين بالإيمان الحقيقي ؛ لأنّ حالهم وقتئذٍ لن يخلوا من أحد الأمور التالية :

* أنّهم منافقون : آمَنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبُهم، فعصوا جحوداً وتكذيباً بالحق لمّا جاءهم ، والنفاق في الحقيقة هو الكفر البواح ؛ فيكون معنى الخطاب الموجه إليهم تهديداً ووعيداً ؛
قال تعالى :
ï´؟ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ï´¾.

* أنّهم فاسقون : عرفوا الحقّ والهدى لكنّهم عصوا بغياً وشقاقاً، وسلكوا سبيل الغيّ والظَّلال ؛ فيكون الخطاب الموجه إليهم تعريضاً وتحذيراً، فإن انتهوا ورجعوا إلى سبيل الرُّشد بأداء واجب الطاعة فبها ونعمت ، ما لم فإنّهم
لاحِقون بإخوانهم المنافقين ؛
قال تعالى :
ï´؟ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ï´¾.

* أنّهم مؤمنون ضالون : أي لم يبلغوا درجة الإيمان الحقيقي ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ؛ فيكون الخطاب الموجّه إليهم دالّاً على معنى التوبيخ والتعجب ؛
أمّا التوبيخ فلأنّ عدم الإيمان الصادق في هذه الحالة يُنْبِئ عن الإنهماك في الجهل والغفلة ، والسّبات العميق ، فالمقام مشتمِلٌ على ما يجعل المكلّفَ مؤمناً إيماناً حقيقياً فائزاً برضا الرحمن وهو طاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر في جميع الأحوال والأزمان.

أمّا التعجب فلأنّ عدم الإيمان مع توفر الأسباب إليه وقيام الحجة عليه يعتبر مظنّة تعجب ؛
وما مَنَعَ الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ؟!.

وهذا الغرض لحرف الشرط ( إن ) قد أفاد ما يـلــي :

* تأكيد الإرتباط المعنوي بين صدر الآية والشطر الآخر منها.

* الآية المباركة توضح أنواع الإيمان ، والإيمان هو الطاعة :

ظ، - الإيمان المعصوم : إيمان الرسول وأولي الأمر.
ظ¢ - الإيمان المقبول : إيمان المخلصين الصادقين.
ظ£ - الإيمان الموهوم : إيمان المسلم الضال.
ظ¤ - الإيمان المشروط : إيمان الفاسقين.
ظ¤ - الإيمان المكذوب : إيمان المنافقين.

ظ¢ - الاحـــتراس

صورة من صور الإطناب ؛ ويُقصَد به الإتيان بكلامٍ بعد كلام يوهم خلاف المقصود دفعاً للظّنّ أو التوهُّم الّذي قد يحصل لَدى السامع أو المخاطب.

يعني أنّ الاحتراس يوجد حينما يأتي المُتكلِّمُ بِخطاب يمكن أن يُدخِل عليه لوماً أو احتجاجاً ، فيفطن المتكلمُ لذلك ويأتي بما يخلّصه ؛

وعليـــــه ، فإنّ قوله تعــالى : " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " يعتبر خطاباً احتراسياً استدراكياً، تمّ فيه دفع الظنّ الذي قد يحصل لدى المخاطب من قوله تعالى :
" يا أيها الذين ءامنوا " ؛

وهذا يؤكد أنّ المخاطبين في صدر الآية ليسوا في الحقيقة مؤمنين جميعاً حقّ الإيمان، فلو كان الإيمان متحققاً فيهم، ثابتاً في قلوبهم أجمعين لما كان هناك معنىً سليمٌ لقوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون " ؛ لأنّ المعنى حينئذٍ سيلتبس ويصير تَعمِيةً وإلغازاً، كونَ الآية أثبتت الإيمان في وجهٍ من وجوه الخطاب ثم جعلته مشروطاً في وجهٍ آخر منه، فيكون المعنى الحاصل جمع النقيضين ، إيمان لا إيمان.
وهذا الاختلاف غير جائز في كتاب الله، بل لا يصدر عمّن لديهِ مسكة من عقل، ولا يقع من أقلّ الناس شأناً فكيف بِربّ الأرباب الحكيم العليم ؟.

إذاً ، لا يستقيم المعنى ولا يصح إلا بالقول إنّ المخاطبين بوصف الإيمان ليسوا في الحقيقة مؤمنين جميعاً حقّ الإيمان، منهم المؤمنون ومنهم دون ذلك، وهذا هو المعنى المستفاد من الاحتراس .
وبالتــالي ، ليس لأحَدٍ أن يحتجّ أو يَدّعي ثبوت صفة الإيمان لكافة المخاطبين دون استثناء ؛ وقد ذكرنا أنّ الخطاب أجرى على المخاطبين وصف الإيمان عموماً لِنَكْتةٍ مؤدّاها مخاطبة الناس على قدرعقولهم ، والنزعة النفْسيّة المتسلِّطة عليهم ، كونَ مقام الخطاب يقتضي ذلك، كما أنّهم يقرّون بالإيمان على الظاهر.

قال جلّ شأنه : ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ï´¾.

الإيمانُ معرفةٌ وعمل، وليس مجرد كلام يتردد على الأَلسِنَةِ، والطاعة هي الدليل على صدق الإيمان، هي التجسيد العملي للإيمان، طاعة الله والرسول وأولي الأمر، التمسّك بهم واتّباع أمرهم ونهيهم.

وعليـــه ، لا عَجبَ ولا استغرابَ أن نجد آياتٍ محكماتٍ في ثنايا الكتاب العزيز من قبيل : " يا أيها الذين ءامنوا ءامِنوا .." أو " يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وءامِنوا برسوله ... " ، ونظائرها من الآيات.

وذاك الاحتراس القرآني المُقَدّس قد أفاد ما يلي :

* تحديد الضابط الرئيس للإيمان الحقيقي، ألا وهو طاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر المعصومين، فطوبى للمؤمنين الصادقين.

* انتفاء صفة الإيمان عمّن لا يلتزم الطاعة المفروضة شرعاً.

* تأكيد الارتباط المعنوي بين الصدر والشطر الآخر من الآية.

ظ£ - الاعتراض

صورة من صور الإطناب ؛ ويقصَد به الإتيان في أثناء الكلام، أو بين كلامين متصلين في المعنى، أو في آخر الكلام بجملة معترضة أو أكثر لا محل لها من الإعراب وذلك لغرضٍ يرمي إليه المتكلمُ، غير الإيضاح أو دفع التوهم. الجملة الاعتراضية في آية الإطاعة هي قوله تعالى :
" إن كنتم تؤمنون ..."
وقد أفادت ما يـــــلي :

* تخصيص أحّد المَذكورَينِ بزيادة التأكيد في أمرٍ عُلِّقَ بهما

فقوله تعالى : " يا أيها الذين ءامنوا " وصفٌ إيماني عام، وتمّ تخصيص
الإيمان وتوكيده بقوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون ..." حيث إنّ الجملة الاعتراضية جعلت حكم الإيمان معلَّقاً بأمر الطاعة ؛ وبهذا تم إخراج صفة الإيمان من العموم إلى الخصوص، فيكون الإيمان وصفاً ثابتاً لِمَن أدّى فرض الطاعة منفيّاً عمّن عداه.

* التنبيه على سبب أمرٍ فيه غرابة

فقوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون " مثير للدهشة والعجب، كون الآية المباركة مُصدَّرة بخطاب يُجري على المكلَّفين وصف الإيمان، فكيف يمكن المطابقة بين الخِطابَين ؟

والجواب : إنّ الغاية من هذا الأسلوب الحكيم هو التنبيه على سبب الإيمان والسبيل إليه ، وذاك مذكور في الآية الكريمة وهو ( الطاعــــة ).

فالمعنى المراد هكذا :
يا أيها الذين ءامنوا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر حقّ الإيمان فأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.

* التخيير : المقصود بالتخيير هنا، هو عدم الجبر والإكراه على الطاعة أو الإيمان.

قال تعالى : ï´؟ قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىظ° يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ï´¾.

لِلنّاس حريّة الاختيار في أداء ما ألزمهم به الشرع أو تركه، فالعباد في دار التكليف ملزمون شرعاً، غير أنّهم مُخيَّرون بأفعالهم، مع الأخذ في الاعتبار مبدأ الثواب والعقاب المترتبان على الوجوب التشريعي.

ووفقاً لمبدأ الاختيار كان الثواب أو العقاب مُستحسَناً عقلاً وشرعاً.

ومبدأ الاختيار يفيد أنّ الإنسان ليس مجبوراً ولا مفوَّضَاً، بل ملزَمٌ شرعاً وحرٌّ عملاً.
وعلى الله حساب العباد يوم المعاد، فنعمَ أجرُ العاملين وخسر هنالك المبطلون.

والاختيار مبدأ عقائدي مهم ينبغي على جميع المؤمنين معرفته.

* تأكيد الارتباط المعنوي بين الشطر الآخر وصدر الآية.


ظ¤ - ذكر الخاص بعد العام

إنّه وبعد أن ذُكِرَ الرسولُ وأولوا الأمر في مطلع الخطاب القرآني، تم ذكر " الله " على وجه الخصوص، قال جلّ ذكره : " تؤمنون بالله " وهذا التخصيص أفاد ما يلي :

* التأكيد على كمال التبيان والتغاير بين الله وبين الرسول وأولي الأمر؛ وأنّ المخصوص بالذكر ليس من جنس البشر، تنزيلاً للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات.
الله : هو الإله المعبود المتصف بالوحدانية والفردانية.

والرسول وأولي الأمر، على الرغم من جلالة قدرهم، وعظيم منزلتهم، وكمالهم الإنساني إلا أنّهم مخلوقون، مربوبون، عبادٌ لله، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

وكمال التغاير والتباين بين الخالق والمخلوقين يعني توحيده جلّ وعلا، ونفي صفات المخلوقين عنه.

* تأكيد الارتباط المعنوي بين الشطر الآخر وصدر الآية.

* تخصيص الإيمان " بالله " بالذكر
أفاد :
الشمول والاستيعاب، حيث إنّ الإيمان بالله يستلزم الإيمان بكلّ ما جاء من عند الله؛ فلا فرقَ بين الإيمان بالله والإيمان بالرسول وأولي الأمر، لأنّ الله أوجب طاعتهم وذلك يستلزم الإيمان بهم.

قال جلّ شأنه : ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ï´¾.
وقال جلّ شأنه : ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَظ°لِكَ سَبِيلًا ï´؟ظ،ظ¥ظ*ï´¾ أُولَـظ°ئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ï´؟ظ،ظ¥ظ،ï´¾ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُولَـظ°ئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ï´؟ظ،ظ¥ظ¢ï´¾.

وقد علمت أخي الكريم أنّ الإيمان بالرسل يستوجب الإيمان بنبوتهم وولايتهم معاً؛
النبوة قد خُتمَت، أمّا الولاية فإنّها باقية متواصلة بعد النبي الخاتم (، تنتقل من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أولي الأمر الذين أوجب الله طاعتهم، فمن فرّقَ بين طاعة الرسول ص وطاعة أولي الأمر المعصومين عليهم السلام فهو كافرٌ حقّا، مستحقٌ للعذاب المهين.

ظ¥ - الإيغـــال

صورة من صور الإطناب؛ ويقصد به ختم الكلام بما يفيد نَكْتَة يتم المعنى بدونها، من أجل غاية يريدها المتكلم.

قوله تعالى : " تؤمنون بالله " وافٍ بالمقصود، لكن هذا الشطر من الآية مختوم بقوله تعالى : " واليوم الآخر ".
وهذا الاختتام أفـــاد ما يـــــلي :

* أنّ المرجع والمعاد إلى الله تعالى، وسيُجزَى كلّ على عمله.

* التهويل : اليوم الآخر هو يوم القيامة؛ وهذا اللفظ يوحي بهول المشهد وفظاعة الشأن.

* الوعد للمؤمنين الصادقين بالثواب الجزيل وحسن العاقبة.

* الوعيد للمنافقين والفاسقين بالعذاب المهين والخسران المبين.

* التلازم بين الإيمان بالله واليوم الآخر يفيد تأكيد أصالة حق الولاية لله تعالى في الدنيا والآخرة، يجعلها في دار التكليف لمن يشاء من عباده؛ والطاعة المفروضة للرسول وأولي الأمر ليست في الحقيقة إلا طاعة لله عز وجل، لأنّ الله هو الذي أمر بطاعتهم.

* تأكيد الارتباط المعنوي بين صدر الآية وبين الشطر الآخر من الآية.

* التكميل : ختم الخطاب القرآني بذكر اليوم الآخر أفاد أنّ الآية المباركة قد تضمّنَت كامل أصول الدين، التي لا يكمل ولا يتحقق إيمان المرء إلا بها، ويجب على المكلفين معرفتها والنظر بأدلتها، معرفة يقينية راسخة لا يخالطها شك أو ارتياب، حيث إنّها تشكل المنظومة العقائدية والفكرية لدى الإنسان المؤمن، وعلى ضوئها يتحدد السلوك العملي؛ وهذه الأصول هي :

ظ، - الإلوه.
ظ¢ - النبوة.
ظ£ - الولاية أو الإمامة.
ظ¤ - المعاد.

هذه هي أصول الدين الإسلامي الحنيف، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر حقّ الإيمان فعليه الالتزام بهذه الأصول التي شرعها الله.

تلكم هي صور الإطناب وفوائدها، والتي كانت متضمَّنَة في الشطر الآخر، وقد أكّدَت الارتباط المعنوي بين صدر الآية وبين الشطر المذكور؛
أي بين قوله تعالى :
" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "
وبين قوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ".

حيث إنّ صدر الآية يعتبر جواباً لفعل الشرط الموجود في الشطر الآخر من الآية.

هل وجدت أخي القارئ الكريم كيف أنّ الشطر الآخر أنجبَ ذريّة طيبة وصالحة عندما زوَّجناه زواجاً شرعيا !.

هل عرفتَ كيف أنّ ذلك الشطر الإطنابي الجليل أفاد المعنى الكثير بأسلوب حكيم، بليغ لطيف، متفرد بحسنه وعذوبته.

هل علمت كيف أن الإمامة أصل من أصول الدين.

" كتابٌ مكنون لا يُدركُ قعره ، ولا تنقضي عجائبه ولا تُبلَغ آماده ".

وليس ذلك وحسب ؛ هناك المزيد ؛

الوجــه الرابع :

الوجه الرابع من الوجوه المؤكِّدة للارتباط المعنوي بين صدر الآية والشطر الآخر منها يتضح من خلال إجراء مقارنة بين الشطر الآخر وبين المقطع الأول " صدر الآية ".

يقول علماء البلاغة : إنّه قد يوصف الكلام بالإطناب والإيجاز معاً، باعتبار مقارنته بكلام آخر مساوٍ له أو مرتبط معه في أصل المعنى .

نقول : إن الشطر الآخر من الآية المباركة، والذي نحن بصدد توضيحه وبيان ما جاء فيه، يعتبر انموذجا من نماذج الكلام الموصوف بالإطناب والإيجاز معاً؛

إنّ آية الإطاعة تتميز بهندسة فريدة بديعة، مذهلة حقاً.

ووجه الحسن في هذا الخطاب وأمثاله هو إبراز الكلام في معرض المساواة والاعتدال، نظراً لإطنابه من وجه وإيجازه من آخر؛ فالإطناب قد بيناه آنفاً.

أما الإيجاز فهو متحقق في المواضع التالية :

* إيجاز في ضمير المخاطب، تكرر في الشطر الآخر مرتين، بينما في صدر الآية تكرر أربع مرات.

* إيجاز في لفظ الجلالة، نوعه إيجاز قِصَر : لفظٌ جمعَ كلّ الفضائل والمحاسن، وانطوى تحته كل دقيق وجليل، وقد أفاد الشمول والاستغراق والتفصيل، حيث إنّ الإيمان بالله هو الأصل الأصيل، والعقد الفريد الذي تنتظم فيه سائر أصول الدين وعقائده، وجميع فروعه وشؤونه ؛

فالإيمان بالله يستلزم معرفة الله عز وجل بصفاته الكمالية والجلالية، وتوحيده جل في علاه.

الإيمان بالله يستوجب الإيمان بالنبوة، ومعرفة النبي ومقام النبوة، وكل ما يتعلق بالنبوة من الخصائص والصفات .

الإيمان بالله يستوجب الإيمان بالولاية ومعرفة الولي ومقام الولاية، وكل ما يتعلق بالإمامة من الخصائص والصفات .

الإيمان بالله يستوجب الإيمان باليوم الآخر، ومعرفة كل ما يتعلق به من شؤون.

* إيجاز حذف؛ حذف جملة جواب الشرط، والجملة المحذوفة هي قوله تعالى :

" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".

فوائــد الحــذف

* التشويق إلى الإيمان والإرشاد إلى الطريق المثلى .

* الاختصار، كون المحذوف مذكور في صدر الآية، فلو تم ذكره مجدداً لكان إطناباً لا فائدة فيه؛ وتم تقديم جواب الشرط على فعل الشرط نظراً لأهميته، فهو الغاية التي لأجْلها شُرِعَت الآية، واللّسان العربي يقدِّم الذي بيانه أهم وشأنه أعم وأعظم.

* الدلالة على أنّ صدر الآية هو العمدة في الكلام، والأساس الذي يقوم عليه بقية الخطاب في الآية المباركة؛ كما أنّ التقديم والتأخير أفاد زيادة في المعنى، مع تحسين اللفظ وجودة الصياغة، وتناسق السبك، وذلك هو الغاية الأسمى وإليه المرجع في فنون البلاغة.

* الدلالة على أنّ المحذوف، وهو " الطاعة " مفهومٌ لا يحيط به وصف أو معنى، وللمخاطَب أن يذهب في تعريفها كل مذهب، ويُعبِّر عنها بكل معنىً شريف ووصف جميل.

الطاعة : هي التسليم لأمر الله والانقياد لشرعه .
الطاعة : هي الولاية : الولاء المطلق للوليّ الشرعي، الله والرسول وأولي الأمر المعصومين، واتّباعه في جميع أمره ونهيه.
الطاعة : هي الإيمان، هي العقيدة والمعرفة.
الطاعة : هي العمل، هي الأداء.

الطــّـــــــــــاعة : هي الدِّين كــلّه .

الطاعة هي الدين،في الشرع واللغة معا.

قال الشاعر :

أَنُقْتَلُ فيكم إن قَتَلْنَا عدوَّكم
على دِينِكم والحربُ بادٍ قتامُها
( الفرزدق - ديوانه ).

على دينكم : أي على طاعتكم.

* الإيجاز أفاد أنّ الطاعة لفظ جامع لمحاسن الفصاحة ومعاني البلاغة، وعناصر التأثير والقوة والجمال، فهو إيجاز حذف من وجه وإيجاز قصر من وجه آخر.

* الخطاب القرآني وفق هذا النظم الإعجازي المتمثل بالإيجاز والإطناب، والتقديم والتأخير أبلغ قولاً وأفصح منطقا.

ذلك هو الإعجاز الذي أقْعَدَ العربَ وخارت له قواهم، وأوجفَتْ له قلوبُهم.

هل علمت أخي العربي، كيف أنّ حذف الجُمَل هو الغاية في الفصاحة والنهاية في مراتب البلاغة.

يا قومنا إنّا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربـّنا أحدا.

ربـّنـا ءامَنـّـا بما أنزلتَ فاكـتبنا مع الشاهدين .
.......................
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

من مواضيع : اليمني الاول 0 ما معنى قوله تعالى : { أكاد أخفيها }
0 فحوصات تهم المرأة الحامل
0 فصائل الدم
0 { بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ...... }.
0 هل الإمامة أصل من أصول الدّين؟؟
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 02:19 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية