|
مــوقوف
|
رقم العضوية : 82629
|
الإنتساب : Apr 2016
|
المشاركات : 105
|
بمعدل : 0.03 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
اليمني الاول
المنتدى :
منتدى القرآن الكريم
بتاريخ : 20-07-2016 الساعة : 01:30 AM
الفصــــــل الثالث
..............................
قوله تعالى : ï´؟ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ï´¾.
......................................
الشطر الآخر من المقطع الثاني
قوله تعالى : ï´؟ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ï´¾.
نحن نجد ، بحكم المشاهدة ، أنّ الشطر الآخر أسلوب شرط ينقصه الجواب ؛ أي أنّ جملة جواب الشرط محذوفة.
ويقول علماء المعاني : إنّ معرفة المعنى المراد من أساليب الشرط يكمن في جملة الجواب ، فهي الأساس والعمدة ، لأنّه بجملة الجواب تتمّ الفائدة.
والسؤال البديهي ، أين جملة جواب الشرط ؟
قد يقول الكثيرون : جملة الجواب هي قوله تعالى : " فردّوه إلى الله والرسول ".
نقول : الجواب غلط للأسف.
لأنّ قوله تعالى : فردّوه إلى الله والرسول ؛ هي جملة الجواب لِفعل الشرط في قوله تعالى : " إن تنازعتم في شيء ".
يُقال : هي جملة الجواب للأسلوبينِ معاً ، لِأسلوب الشرط الموجود في الشطر الأوّل، وأسلوب الشرط الموجود في الشطر الآخر.
نقول : الجواب غير صحيح ؛ لأنّ النّظْم حينئذٍ ، سيكون على النّحو التالي :
" فإن تنازعتم في شيءٍ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فردّوه إلى الله والرسول "!.
هذا العجين ساقطٌ بلا شكّ ، لأنّ فيه تعقيداً لفظيّاً ومعنويّاً ، وضعف تأليف ، يخِلّ تماما بفصاحة الآية وبلاغتها.
إنّ النّظم المَحكِي تضمّنَ فعلينِ اثنينِ من أفعال الشرط ، وليس عندنا إلّا جواب شرط واحد، لا يصلح أن يكون إلّا لأحد الشرطين دون الآخر. فلا يُصارُ إلى ذلك الجواب لأنّه يفسد معنى الآية الشريفة.
يُقالُ : جواب الشرط يصح أن يكون للفعلين معاً إذا جعلنا فعل الشرط الثاني بدلاً من فعل الشرط الأوّل.
نقول : لا يصح ؛ بسبب وجود ضمير الغيبة في لفظ : " فردّوه " ؛
فالمعنى حينئذٍ ، سيكون على النّحو التالي :
" إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فردّوه إلى الله والرسول " !.
هذا المعنى منقوص، غير وافٍ بالمراد، ولا يفيد شيئاً، فالإشكال لا يزال قائماً ، لأن ضمير الغيبة ليس له عائد يفسره.
فما الّذي نرده إلى الله والرسول ؟
يُقال : يصح أن يكون جـواب الشرط للفعـلين معاً إذا جمعنا بين الشطــرين وِفــــق النظم التالي :
" فإن تنازعتم في شيءٍ وإن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فردّوه إلى الله والرسول ".
نقول : الجواب غلط للأسف ؛ وذلك للأسباب الآتية : ـ
* النظم المحكي تضمّنَ فعلين اثنين من أفعال الشرط : إن تنازعتم .. + إن كنتم تؤمنون ... ؛ وليس لدينا إلّا جواب شرط واحد ، لا يصح أن يكون إلّا لأحد الشرطين دون الآخر ، وفي هذه الحالة ، عُدنا إلى نقطة البداية ؛ أين جملة جواب الشرط المحذوفة ؟؟
* حرف العطف ( الواو ) المُستخدَم في النّظم المذكور غير موجود بين الشّطرين في الآية الشريفة ، فمِن أين جئتم به ؟.
* النّظم المحكي يعتبر تعسُّفاً ظاهراً، يُحمِّل النَّص القرآني ما لا يحتمل، ويفسد معنى الآية ؛ فلا يُصار إليه ؛ لا إكراهَ في الدِّين !.
ومن أراد أن يجعل قوله تعالى :
" فردّوه إلى الله والرسول " جواباً لفعل الشرط الموجود في الشطر الآخر يكون حاله مصداقاً لقول الشاعر :
أيها المُنكِحُ الثُريّـا سُهيــلاً
عَمرُكَ الله كيف يجتمعانِ
الثريا شآميّةٌ إذا ما استقلّت
وسهيـلٌ إذا استقـلّ يماني.
إنّ جملة " فردّوه إلى الله والرسول " مستقلّة تماماً عن الشطر الآخر، ولا يصح جعلها جواباً لفعل الشرط الوارد فيه ؛ بين الشطر الأوّل والشطر الآخر فصلٌ ، نوعُه ، كمالُ انقطاع ؛ والجمع بين الشطرين زواجٌ غير مشروع ، فلا تحلِّلوا ما حرّم الله.
نريد تزويج الشطر الآخر زواجاً محَلّلاً شرعيّاً، كي تنعم الأُمّة الإسلامية بذريّته الطيّبة المباركة ؛ ولا يتأتّى ذلك إلّا بمعرفة جواب الشرط المحذوف.
ولبيان ذلك بمشيئة الله ، نقول : إنّ جواب الشرط المحذوف هو قوله تعالى :
" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".
فيكون المعنى وفق النظم التالي :
" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " . أو :
" يا أيها الذين ءامنوا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".
هذا هو المعنى في الآية الشريفة.
صدر الآية يعتبر جواباً لفعل الشرط الموجود في قوله تعالى :
" إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ".
وهذا تأكيدٌ قطعيٌّ وحاسم، يُضاف إلى الأدلّة السابقة، والّتي تؤكّد أنّ أولي الأمر الّذين وجبت طاعتهم في الآية هم أناسٌ مخصوصون، مقصودون بأعيانهم، طاعتهم كطاعة الله ورسوله ، والإيمان بولايتهم لازمٌ من لوازم الإيمان بالله واليوم الآخر ، تماماً كالإيمان بالرسول صلى الله عليه وآله.
إذاً ، الشطر الآخر مرتبط ارتباطاً معنويّاً مع صدر الآية ، ومستقل استقلالاً تامّا عن الشطر الأول ؛
ونؤكّد هذا المعنى بوجوه : ـ
الوجه الأوّل : حرف العطف ( الفاء )
ذكرنا آنفاً أنّ المقطع الثاني بِشَطرَيْهِ، معطوفٌ على المقطع الأوّل بواسطة حرف العطف الفاء ؛ ولِحرف العطف دلالات معنوية في كلّ من الشطرين ؛
الدّلالات المعنوية لحرف العطف في الشطر الأوّل هي التشريك، والترتيب، والإيجاز؛ وقد أوضحنا ذلك فيما تقَدّم.
الدلالات المعنوية لِحرف العطف في الشطر الآخر هي التعقيب، والتشريك، والإيجاز؛ وهي موضوع حديثنا في هذا الوجه ؛
أ ـ التـعـقـيب
قوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " عبارة عن جملة تعقيبية لا تستقلّ بإفادة المعنى المُراد لِوحدها ، ولا تستغني عمّا قبلها ، كونها جملة شرطية ناقصة الجواب.
وقد عرفنا أنّ جواب الشرط الموجود في الشطر الأوّل لا يصح أن يكون جواباً لفعل الشرط الموجود في الشطر الآخر . فماذا نعمل يا ربّنا إن كنّا نؤمن بالله واليوم الآخر؟
فكان الجواب : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".
وهذا التعقيب قد أفاد ما يلي :
* وجود الارتباط المعنوي بين الشطر الآخر وصدر الآية.
* تشويق المخاطَب إلى الإيمان.
* توضيح المعنى وتقريره في ذهن المخاطَب، والتأكيد على أنّ أولي الأمر الّذين أوجب الله لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول هم أناسٌ مخصوصون، مقصودون بأوصافهم وأعيانهم ؛ فلا يصح مطلقاً ، الاستدلال بآية الإطاعة على وجوب طاعة الحُكّام بصورة عامة.
* الاستدراك ، تنبيه المخاطَب على أنّ الإيمان المطلوب منه هو الإيمان الحقيقي، وهو مشروط ومحدد بمسألةٍ واضحة، وهي أداء واجب الطاعة لله وللرسول وأولي الأمر المخصوصين بالذكر في آية الإطاعة.
فطاعة الله والرسول وأولي الأمر المعصومين لازمٌ من لوازم الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لازم من لوازم الدّين، وإلّا فلا إيمان بالله ولا باليوم الآخر.
فليتنبّه المسلمون إلى هذا الأمر المصيري والخطير، ويستفيقوا من سُبَاتهم؛
لا إيمانَ للمرء إلّا إذا أطاع اللهَ وأطاعَ الرسولَ وأولي الأمر المعصومين.
ب - التشريـك
* التشريك في الحُكْم :
حكم الطاعة وحكم الإيمان،
الطاعة واجبة، والإيمان واجبٌ كذلك، فلا إيمانَ لِمَن لم يؤدِّ الطاعة المفروضة شرعاً، طاعة الله والرسول وأولي الأمر.
قال تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل
لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ï´¾.
ومعلومٌ أنّ الرسول نبيٌّ وإمام ، والإيمان به يستوجب الإيمان بالمنزلتينِ معاً، النبوّة والولاية.
النبوة خُتِمَت ، ولكنّ الولاية باقية متواصلة بعد الرسول صلى الله عليه وآله، والإيمان بها من لوازم الإيمان بالله واليوم الآخر.
فيا أيّها الّذين ءامنوا ءامِنوا.
* التشريك في المعنى الشرعي : بين الإيمان والطّاعة
الإيمان إقرارٌ وتصديق، والطّاعة كذلك ؛ الإيمان قولٌ وعمل والطّاعة قولٌ وعمل؛
قال تعالى : ï´؟ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَىظ° بِاللَّـهِ وَكِيلًا ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ï´¾.
فالطاعة اعتقادٌ وعمل، والإيمان اعتقادٌ وعمل ؛ فهما وجهان لعملة واحدة.
وبناءً على ذلك نعلم أنّ الطّــــــاعة هي الإيمــــــــــــان.
* التشريك في المعنى الدّلالي :
الشطر الآخر من الآية مرتبط ارتباطاً معنوياً مع المقطع الأوّل ؛ إذ
أنّ المقطع الأول يُعتَبر جواباً لفعل الشرط الموجود في الشطر الآخر.
جـ - الإيجــاز أو الاختصار
نوع الإيجاز الواقع في الشطر الآخر، إيجاز حذف ، والمحذوف هو جملة جواب الشرط : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".
وتمّ حذفها لأنّه قد تقدّم ذكرها في مطلع الآية.
ولو لم يتم حذف جملة جواب الشرط لصار النظم على النحو التالي :
" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ذلك خير وأحسن تأويلاً ".
ولاشكّ أنّ نظماً كهذا يستنكره اللّسان العربي، تمجُّه الأسماع وينفر منه الذوق السليم، كونه يتعارض كليّةً مع قوانين البلاغة ومحاسن الفصاحة.
فأنَّى يكون ذلك وقد حُقَّت للقرآن العظيم الكلمة العليا.
وقد قيل، وقولهم غير مردود، : البلاغة هي الإيجاز، وإنّ حذف الجمل كثير الورود في القرآن الكريم، إذ هو الغاية في الفصاحة والنهاية في مراتب البلاغة.
الوجه الثاني : الفصل بين الشطر الأول والشطر الآخر في الآية المباركة؛
أي بين قوله تعالى : " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "
وبين قوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ".
الفصل عكس الوصل. الفصل : عدم استعمال حرف العطف ( الواو ) للوصل بين الجُمل ؛ والوصل : استخدام حرف العطف " الواو " للربط بين الجُمل.
يقول علماء البلاغة بخصوص الفصل والوصل : ( العلمُ بمواقعِ الجُمَلِ والوقوفُ على ما ينبغي أن يُصنَع فيها من العطفِ والاستئناف والتهدِّي إلى كيفية إيقاع حروف العطف في مواقعها، أو تركها عند عدم الحاجة إليها صعبُ المسلكِ، لا يُوفَّق للصواب فيه إلّا مَن أوتي قسطاً وافراً من البلاغة، وطُبِع على إدراك محاسنها ورُزِق حظّاً من المعرفة في ذوق الكلام، وذلك لغموض هذا الباب ودِقّة مسلكه، وعظيم خطره وكثير فائدته، يدلّ لهذا أنّهم جعلوه حداً للبلاغة، فقد سُئل عنها بعضُ البُلغاء فقال :
هي معرفة الفصل والوصل، فالوصل عطف جملة على أخرى بالواو ونحوها والفصل ترك هذا العطف ؛ والّذي يتكلّم عنه علماء المعاني في باب الفصل والوصل هو العطف بالواو خاصة دون بقية الحروف).
(جواهر البلاغة - أحمد الهاشمي ).
نقول : إنّ الشطر الآخر ، بحكم المشاهَدة ، مفصولٌ عن الشطر الأول.
دواعي الفصل بين الشطرين
ظ، - الاختلاف المعنوي بين أداة الشرط المستخدمة في الشطرين ؛ فأداة الشرط في الشطر الأول " إن تنازعتم " تفيد الاحتمال وعدم الجزم بوقوع الشرط، بمعنى أنّ التنازع قد يقع وقد لا يقع.
بينما " إن " في الشطر الآخر تفيـد الجزم بوقــوع الشرط أو انتفائه ؛ والشرط هو الإيمان، فمن أطاع اللهَ والرسولَ وأولي الأمر فهو مؤمنٌ ومَن لم يُطِع انتفى عنه الإيمان.
ظ¢ - تم الفصل لأجل عدم التشريك في المعنى الدَّلالي : أي أنّ العطف بين الشطرين متروك حتى لا يُتوهَّمُ أنّ ثبوت الإيمان أو انتفائه متعلِقٌ بأسلوب الشرط الأول، فيصير الإيمان من مظنونات التنازع والرّد ، والأمر ليس كذلك.
إنّ الجملة الشرطية في الشطر الآخر مستقلة تماماً عن الشطر الأول، فهي تعقيبية ، أفادت الاستدراك وتنبيه المُخاطَبين على أنّ الإيمان المراد منهم إيمانٌ مخصوص، محدّد بأمرٍ مُعَيّن وهو الطاعة ؛ فإن كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر حقّ الإيمان فليؤدّوا ما فرض الشرعُ عليهم أداءه.
ظ£ - تمّ الفصل بقصد عدم التشريك في الحُكْمِ :
الشطر الآخر لا يصح عطفه على جملة ( إن تنازعتم ) لاقتضائه مشاركة الإيمان للتنازع في التقييد بالحال، فيكون الإيمان مُقيّد بحال وجود التنازع ؛ وليس الأمر كذلك ؛
إنّما الإيمان مقيد بأداء فرض الطاعة، فلو حصلَت وتحقّقَت من المُكَلَّفين لانتفى أصل النّزاع، خصوصاً إذا علمنا من كتب التاريخ وأخبار السير، أنّ أوّل وأعظم نزاع وقعت فيه الأُمّة هو النزاع في ولاية الأمر، الإمامة ؛ ولا زال النّزاع على الكرسي باقياً حتى يومنا هذا والسّلام على من اتّبع الهُدى.
ظ¤ - لا يصح عطف الشطر الآخر على جملة " فَردّوه " ولا يصح جعلها جواباً له لأنّ الرد مُقيَّد بحال حصول التنازع ، وفي حال عدم تحقق الشرط ينتفي تحقق الجواب، بينما الإيمان بالله واليوم الآخر قطعيّ الثبوت أو الانتفاء؛ يثبت بأداء الطاعة وينتفي بعدم أدائها ؛ ومعلوم أنّ الآية الشريفة قد أوجبت الطاعة لله تعالى وللرسول ولأولي الأمر وجوباً مطلقاً ، دائماً وأبداً من غير تقييد بأي شرط أو حال من الأحوال. هذا من ناحية.
من ناحية ثانية ، وجود حرف الهاء في قوله تعالى : " فردّوه " يمنع مِن أن تكون هذه الجملة جواباً لفعل الشرط الوارد في الشطر الآخر.
من ناحية ثالثة ، عَلِمْنَا أنّ الطاعة أصلٌ والرد فرعٌ من فروعها وحُكْمٌ مُترتِّبٌ عليها ، وحمل الإيمان على ما هو أصلٌ أَوْلَى وأحرى.
وبناءً على الدلالة المعنوية للفصل، يتضح أنّ الإيمان بالله واليوم الآخر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطاعة ؛ طاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر المعصومين.
وهذا يؤكّد الارتباط المعنوي بين الشطر الآخر من الآية وصدر الآية.
قاعدة : الطاعة والإيمان أمران متلازمان إذا انعدم أحدهما انعدم الآخر .
نعم ؛ وهل الدِّين إلا الطاعة والتسليم ؟.
الوجه الثالث :
الشطر الآخر من الآية يعتبر جملة إطنابية استئنافية بيانية، إذ المعنى يمكن أن يتم بدونه على هذا النحو :
" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ذلك خير وأحسن تأويلاً ".
ومعلوم أنّ الإطناب في كلام الحكيم لا يكون إلا لفائدة في المعنى ؛
فما الفوائد الشرعية التي تَضمّنَهَا هذا الشطر الإطنابي المبارك ؟
ما المعاني الشريفة التي تضَمّنها هذا النَّص القرآني المظلوم مِن قِبَلِ أبناء الإسلام ؟
ذلك ما سنُبَيّنُه في السطور التالية إن شاء الله تعالى.
فسوف يُجِيبُكم عنه حســـامٌ
يصوغ المُحكماتِ كما يشاءُ.
الأسلوب الذي نعتمده في هذا الشأن هو بيان الصورة الإطنابية في الشطر ثم ذكر الفائدة المترتبة على كل صورة.
ظ،- التكرار
ذِكْرُ الشيءِ أكثر من مرةٍ لأغراض يريدها المُتكَلّمُ ؛ والتكرار حاصلٌ في :
ضمير المخاطب، والإيمان، وحرف الشرط " إن ".
* تكرار ضمير المخاطب : أفاد لفت انتباه المخاطَبِين واستدعاء حواسهم ومداركهم حتى يعقلوا ما جاء في الخطاب القرآني ويدركوا أهميّته وخطورة شأنه .
التنويه بشأن المخاطب والتأكيد على أهمية دور المخاطبين في دعم ومساندة ولي الأمر الشرعي، لأنّ ولاء الجماهير للقائد يعتبر مصدراً من مصادر قوة السلطة.
* تكرار الإيمان : بقوله تعالى : " الذين ءامنوا " وقوله تعالى : " تؤمنون ".
أفاد التنبيه على أنّ الإيمان المراد هو الإيمان الحقيقي، لا الإيمانَ المُزيَّف، وتحقّقه مرهونٌ بالطاعة.
زيادة الترغيب إلى الإيمان والتأكيد على رفعة المؤمنين الصادقين وجزيل ثوابهم.
* التكرار الحاصل دلّ على الارتباط المعنوي بين الشطر الآخر وصدر الآية.
* تكرار حرف الشرط ( إن ) :
دلّ على التغاير المعنوي بين حَرفَيْ الشرط الواردين في الآية الكريمة،
الحرفان متحدان لفظاً مختلفان معنى ؛ فحرف الشرط في الشطر الأول يدل على الاحتمال وعدم الجزم بوقوع الشرط ، بمعنى أنّ التنازع قد يقع وقد لا يقع ؛ أما حرف الشرط ( إن ) في الشطر الآخر فإنّه يدل على الجزم بوقوع الشرط أو انتفائه ، والشرط هو الإيمان.
وحرف الشرط ( إن ) المُستعمَل في الشرط المقطوع بثبوته أو انتفائه يدل على أغراض يريدها المُتكلِّم ؛
âک† الدلالات المعنوية لحرف الشرط في الشطر الآخر
أ - التوبيخ والتجهيل : حيث إنّها جعلت المخاطَبَ العالِمَ بمنزلةِ الجاهل نظراً لمخالفة الخطاب مُقتضَى عِلْمِ المخاطب.
فالآية المباركة في بادئ الأمر وجّهَت الخطاب بشكل عام لقومٍ وُصِفُوا بالإيمان ، وأوجبت عليهم الطاعة لله وللرسول وأولي الأمر، ولكنّ تمّ التعقيب على الخطاب بقوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون ..."
وهذا يدل على أنّ المخاطَبين في صدر الآية ليسوا جميعاً مؤمنين حقّ الإيمان، بل منهم المؤمنون ومنهم غير ذلك ، فلا يَظنّن أحّد أنّ المخاطبين كلّهم أجمعين مؤمنون إيماناً حقيقياً، ولا إيمانَ لهم إلّا بتجسيد الطاعة عملياً ، ولا يتحقّق ذلك إلّا بالرد إلى مَن أوجب الله طاعته ، الله والرسول وأولي الأمر؛ فلا يتوهمنّ أحد أنّ الآية لم توجِب الرد إلى أولي الأمر، ومن يعتقد ذلك فإنّ الآية تنزله منزلة الجاهل، وتقول له : لا يا غبي ليس الأمر كما تتوهم، إنّ الرد إلى أولي الأمر واجبٌ تماماً كالرد إلى الرسول ؛ وليس هذا فحسب، بل لا إيمانَ للمرء إلا بلزوم طاعة أولي الأمر المعصومين واتّباع جميع أمرهم ونهيهم وإنّ الرد إليهم هو التجسيد العملي لطاعتهم.
وطاعتهم لازم من لوازم الإيمان بالله واليوم الآخر، فاعلموا هذا جيداً أيّها المخاطبون واحذروا أن تكونوا جاهلين .
إنّ الحقّ بَيّنٌ ، في غاية الوضوح والجلاء ، فلا معذرةَ لذوي الجهل.
احذروا على دينكم من التهاون بطاعة أولي الأمر المعصومين حتى لا يكون ذلك حسرةً ووبالاً عليكم يوم القيامة.
ï´؟ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ï´¾.
إنّ القرآن الكريم خاطب المكلَّفين وفقاً لعقولهم ولِما يعتقدونه في أنفسهم من إيمان، على الرغم أنّهم لم يبلغوا درجة الإيمان الحقيقي والكامل ؛ ووجه الحكمة والحُسن في هذا الخطاب هو أنّ المقام مقام ترغيبٍ وإرشاد واستجلاب مودّة ، يتطلّب دعوة المخاطَبين بالحكمة والموعظة الحسنة، وتهيئتهم نفسيّاً حتى يتقبّلوا ما جاء في الخطاب القرآني ، ويؤدّوا ما فرض
الله عليهم أداءه.
في القرآن الكريم أدبٌ جمٌّ ، ودروسٌ أخلاقية رفيعة ؛ ولكن أين العقول !.
وعليـــه، نعلم أنّ المُخاطَبين بِـ " يا أيها الّذين ءامنوا " ليسوا جميعاً مؤمنين حقّ الإيمان كما يظنّ البعض ؛
وهذه الدّلالة المعنوية لحرف الشرط ( إن ) قد أفادت ما يـلـــي :
* تأكيد الارتباط المعنوي بين صدر الآية والشطر الآخر.
* الشطر الأول والشطر الآخر متفقان في اللّفظ مختلفان في المعنى ؛
"إن" في الشطر الأول تفيد الاحتمال ، و "إن" في الشطر الآخر
تفيد الجزم ؛ وهذا يدلّ على أنّ المُعَوّل عليه في مسألة الفصل
والوصل هو المعنى لا اللّفظ.
ونظراً لوجود الإختلاف المعنوي بين الشطر الأول والشطر الآخر
فقد وجب الفصل بين الشطرين.
* توبيخ من يعتقد أنّ الرّدّ إلى أولي الأمر ليس واجباً، أو أنّ الخطاب القرآني بـِ " يا أيها الّذين ءامنوا " يدلّ على إيمان جميع المخاطبين حقيقةً ، فمن يعتقد ذلك لا يعتبر جاهلاً وحسب، بل يعاني من جهلٍ مركّب.
* التعريض بغباء المخاطب الّذي لم يفهم معنى الخطاب ، وتنزيله منزلة الجاهل ؛ وبهذا نكتشف أنّ نسبة 99% من المفسرين أغبياء.
* الدّعوة إلى أن يكون المُنتَمي لأمّة القرآن إنساناً واعياً ، مُتميِّزاً بالعقلانية، متثبِّتاً من صحة عقيدته وسلامة تَدَيُّنِه.
ب - تغليب غير المتصف بالإيمان على المتصف به :
وفي هذه الحالة يكون الخطاب في قوله تعالى :
" إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " موجهاً بالدرجة الأولى إلى غير المتصفين بالإيمان الحقيقي ؛ لأنّ حالهم وقتئذٍ لن يخلوا من أحد الأمور التالية :
* أنّهم منافقون : آمَنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبُهم، فعصوا جحوداً وتكذيباً بالحق لمّا جاءهم ، والنفاق في الحقيقة هو الكفر البواح ؛ فيكون معنى الخطاب الموجه إليهم تهديداً ووعيداً ؛
قال تعالى :
ï´؟ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ï´¾.
* أنّهم فاسقون : عرفوا الحقّ والهدى لكنّهم عصوا بغياً وشقاقاً، وسلكوا سبيل الغيّ والظَّلال ؛ فيكون الخطاب الموجه إليهم تعريضاً وتحذيراً، فإن انتهوا ورجعوا إلى سبيل الرُّشد بأداء واجب الطاعة فبها ونعمت ، ما لم فإنّهم
لاحِقون بإخوانهم المنافقين ؛
قال تعالى :
ï´؟ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ï´¾.
* أنّهم مؤمنون ضالون : أي لم يبلغوا درجة الإيمان الحقيقي ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ؛ فيكون الخطاب الموجّه إليهم دالّاً على معنى التوبيخ والتعجب ؛
أمّا التوبيخ فلأنّ عدم الإيمان الصادق في هذه الحالة يُنْبِئ عن الإنهماك في الجهل والغفلة ، والسّبات العميق ، فالمقام مشتمِلٌ على ما يجعل المكلّفَ مؤمناً إيماناً حقيقياً فائزاً برضا الرحمن وهو طاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر في جميع الأحوال والأزمان.
أمّا التعجب فلأنّ عدم الإيمان مع توفر الأسباب إليه وقيام الحجة عليه يعتبر مظنّة تعجب ؛
وما مَنَعَ الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ؟!.
وهذا الغرض لحرف الشرط ( إن ) قد أفاد ما يـلــي :
* تأكيد الإرتباط المعنوي بين صدر الآية والشطر الآخر منها.
* الآية المباركة توضح أنواع الإيمان ، والإيمان هو الطاعة :
ظ، - الإيمان المعصوم : إيمان الرسول وأولي الأمر.
ظ¢ - الإيمان المقبول : إيمان المخلصين الصادقين.
ظ£ - الإيمان الموهوم : إيمان المسلم الضال.
ظ¤ - الإيمان المشروط : إيمان الفاسقين.
ظ¤ - الإيمان المكذوب : إيمان المنافقين.
ظ¢ - الاحـــتراس
صورة من صور الإطناب ؛ ويُقصَد به الإتيان بكلامٍ بعد كلام يوهم خلاف المقصود دفعاً للظّنّ أو التوهُّم الّذي قد يحصل لَدى السامع أو المخاطب.
يعني أنّ الاحتراس يوجد حينما يأتي المُتكلِّمُ بِخطاب يمكن أن يُدخِل عليه لوماً أو احتجاجاً ، فيفطن المتكلمُ لذلك ويأتي بما يخلّصه ؛
وعليـــــه ، فإنّ قوله تعــالى : " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " يعتبر خطاباً احتراسياً استدراكياً، تمّ فيه دفع الظنّ الذي قد يحصل لدى المخاطب من قوله تعالى :
" يا أيها الذين ءامنوا " ؛
وهذا يؤكد أنّ المخاطبين في صدر الآية ليسوا في الحقيقة مؤمنين جميعاً حقّ الإيمان، فلو كان الإيمان متحققاً فيهم، ثابتاً في قلوبهم أجمعين لما كان هناك معنىً سليمٌ لقوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون " ؛ لأنّ المعنى حينئذٍ سيلتبس ويصير تَعمِيةً وإلغازاً، كونَ الآية أثبتت الإيمان في وجهٍ من وجوه الخطاب ثم جعلته مشروطاً في وجهٍ آخر منه، فيكون المعنى الحاصل جمع النقيضين ، إيمان لا إيمان.
وهذا الاختلاف غير جائز في كتاب الله، بل لا يصدر عمّن لديهِ مسكة من عقل، ولا يقع من أقلّ الناس شأناً فكيف بِربّ الأرباب الحكيم العليم ؟.
إذاً ، لا يستقيم المعنى ولا يصح إلا بالقول إنّ المخاطبين بوصف الإيمان ليسوا في الحقيقة مؤمنين جميعاً حقّ الإيمان، منهم المؤمنون ومنهم دون ذلك، وهذا هو المعنى المستفاد من الاحتراس .
وبالتــالي ، ليس لأحَدٍ أن يحتجّ أو يَدّعي ثبوت صفة الإيمان لكافة المخاطبين دون استثناء ؛ وقد ذكرنا أنّ الخطاب أجرى على المخاطبين وصف الإيمان عموماً لِنَكْتةٍ مؤدّاها مخاطبة الناس على قدرعقولهم ، والنزعة النفْسيّة المتسلِّطة عليهم ، كونَ مقام الخطاب يقتضي ذلك، كما أنّهم يقرّون بالإيمان على الظاهر.
قال جلّ شأنه : ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ï´¾.
الإيمانُ معرفةٌ وعمل، وليس مجرد كلام يتردد على الأَلسِنَةِ، والطاعة هي الدليل على صدق الإيمان، هي التجسيد العملي للإيمان، طاعة الله والرسول وأولي الأمر، التمسّك بهم واتّباع أمرهم ونهيهم.
وعليـــه ، لا عَجبَ ولا استغرابَ أن نجد آياتٍ محكماتٍ في ثنايا الكتاب العزيز من قبيل : " يا أيها الذين ءامنوا ءامِنوا .." أو " يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وءامِنوا برسوله ... " ، ونظائرها من الآيات.
وذاك الاحتراس القرآني المُقَدّس قد أفاد ما يلي :
* تحديد الضابط الرئيس للإيمان الحقيقي، ألا وهو طاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر المعصومين، فطوبى للمؤمنين الصادقين.
* انتفاء صفة الإيمان عمّن لا يلتزم الطاعة المفروضة شرعاً.
* تأكيد الارتباط المعنوي بين الصدر والشطر الآخر من الآية.
ظ£ - الاعتراض
صورة من صور الإطناب ؛ ويقصَد به الإتيان في أثناء الكلام، أو بين كلامين متصلين في المعنى، أو في آخر الكلام بجملة معترضة أو أكثر لا محل لها من الإعراب وذلك لغرضٍ يرمي إليه المتكلمُ، غير الإيضاح أو دفع التوهم. الجملة الاعتراضية في آية الإطاعة هي قوله تعالى :
" إن كنتم تؤمنون ..."
وقد أفادت ما يـــــلي :
* تخصيص أحّد المَذكورَينِ بزيادة التأكيد في أمرٍ عُلِّقَ بهما
فقوله تعالى : " يا أيها الذين ءامنوا " وصفٌ إيماني عام، وتمّ تخصيص
الإيمان وتوكيده بقوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون ..." حيث إنّ الجملة الاعتراضية جعلت حكم الإيمان معلَّقاً بأمر الطاعة ؛ وبهذا تم إخراج صفة الإيمان من العموم إلى الخصوص، فيكون الإيمان وصفاً ثابتاً لِمَن أدّى فرض الطاعة منفيّاً عمّن عداه.
* التنبيه على سبب أمرٍ فيه غرابة
فقوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون " مثير للدهشة والعجب، كون الآية المباركة مُصدَّرة بخطاب يُجري على المكلَّفين وصف الإيمان، فكيف يمكن المطابقة بين الخِطابَين ؟
والجواب : إنّ الغاية من هذا الأسلوب الحكيم هو التنبيه على سبب الإيمان والسبيل إليه ، وذاك مذكور في الآية الكريمة وهو ( الطاعــــة ).
فالمعنى المراد هكذا :
يا أيها الذين ءامنوا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر حقّ الإيمان فأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.
* التخيير : المقصود بالتخيير هنا، هو عدم الجبر والإكراه على الطاعة أو الإيمان.
قال تعالى : ï´؟ قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىظ° يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ï´¾.
وقال تعالى : ï´؟ قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ï´¾.
لِلنّاس حريّة الاختيار في أداء ما ألزمهم به الشرع أو تركه، فالعباد في دار التكليف ملزمون شرعاً، غير أنّهم مُخيَّرون بأفعالهم، مع الأخذ في الاعتبار مبدأ الثواب والعقاب المترتبان على الوجوب التشريعي.
ووفقاً لمبدأ الاختيار كان الثواب أو العقاب مُستحسَناً عقلاً وشرعاً.
ومبدأ الاختيار يفيد أنّ الإنسان ليس مجبوراً ولا مفوَّضَاً، بل ملزَمٌ شرعاً وحرٌّ عملاً.
وعلى الله حساب العباد يوم المعاد، فنعمَ أجرُ العاملين وخسر هنالك المبطلون.
والاختيار مبدأ عقائدي مهم ينبغي على جميع المؤمنين معرفته.
* تأكيد الارتباط المعنوي بين الشطر الآخر وصدر الآية.
ظ¤ - ذكر الخاص بعد العام
إنّه وبعد أن ذُكِرَ الرسولُ وأولوا الأمر في مطلع الخطاب القرآني، تم ذكر " الله " على وجه الخصوص، قال جلّ ذكره : " تؤمنون بالله " وهذا التخصيص أفاد ما يلي :
* التأكيد على كمال التبيان والتغاير بين الله وبين الرسول وأولي الأمر؛ وأنّ المخصوص بالذكر ليس من جنس البشر، تنزيلاً للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات.
الله : هو الإله المعبود المتصف بالوحدانية والفردانية.
والرسول وأولي الأمر، على الرغم من جلالة قدرهم، وعظيم منزلتهم، وكمالهم الإنساني إلا أنّهم مخلوقون، مربوبون، عبادٌ لله، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
وكمال التغاير والتباين بين الخالق والمخلوقين يعني توحيده جلّ وعلا، ونفي صفات المخلوقين عنه.
* تأكيد الارتباط المعنوي بين الشطر الآخر وصدر الآية.
* تخصيص الإيمان " بالله " بالذكر
أفاد :
الشمول والاستيعاب، حيث إنّ الإيمان بالله يستلزم الإيمان بكلّ ما جاء من عند الله؛ فلا فرقَ بين الإيمان بالله والإيمان بالرسول وأولي الأمر، لأنّ الله أوجب طاعتهم وذلك يستلزم الإيمان بهم.
قال جلّ شأنه : ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ï´¾.
وقال جلّ شأنه : ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَظ°لِكَ سَبِيلًا ï´؟ظ،ظ¥ظ*ï´¾ أُولَـظ°ئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ï´؟ظ،ظ¥ظ،ï´¾ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُولَـظ°ئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ï´؟ظ،ظ¥ظ¢ï´¾.
وقد علمت أخي الكريم أنّ الإيمان بالرسل يستوجب الإيمان بنبوتهم وولايتهم معاً؛
النبوة قد خُتمَت، أمّا الولاية فإنّها باقية متواصلة بعد النبي الخاتم (، تنتقل من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أولي الأمر الذين أوجب الله طاعتهم، فمن فرّقَ بين طاعة الرسول ص وطاعة أولي الأمر المعصومين عليهم السلام فهو كافرٌ حقّا، مستحقٌ للعذاب المهين.
ظ¥ - الإيغـــال
صورة من صور الإطناب؛ ويقصد به ختم الكلام بما يفيد نَكْتَة يتم المعنى بدونها، من أجل غاية يريدها المتكلم.
قوله تعالى : " تؤمنون بالله " وافٍ بالمقصود، لكن هذا الشطر من الآية مختوم بقوله تعالى : " واليوم الآخر ".
وهذا الاختتام أفـــاد ما يـــــلي :
* أنّ المرجع والمعاد إلى الله تعالى، وسيُجزَى كلّ على عمله.
* التهويل : اليوم الآخر هو يوم القيامة؛ وهذا اللفظ يوحي بهول المشهد وفظاعة الشأن.
* الوعد للمؤمنين الصادقين بالثواب الجزيل وحسن العاقبة.
* الوعيد للمنافقين والفاسقين بالعذاب المهين والخسران المبين.
* التلازم بين الإيمان بالله واليوم الآخر يفيد تأكيد أصالة حق الولاية لله تعالى في الدنيا والآخرة، يجعلها في دار التكليف لمن يشاء من عباده؛ والطاعة المفروضة للرسول وأولي الأمر ليست في الحقيقة إلا طاعة لله عز وجل، لأنّ الله هو الذي أمر بطاعتهم.
* تأكيد الارتباط المعنوي بين صدر الآية وبين الشطر الآخر من الآية.
* التكميل : ختم الخطاب القرآني بذكر اليوم الآخر أفاد أنّ الآية المباركة قد تضمّنَت كامل أصول الدين، التي لا يكمل ولا يتحقق إيمان المرء إلا بها، ويجب على المكلفين معرفتها والنظر بأدلتها، معرفة يقينية راسخة لا يخالطها شك أو ارتياب، حيث إنّها تشكل المنظومة العقائدية والفكرية لدى الإنسان المؤمن، وعلى ضوئها يتحدد السلوك العملي؛ وهذه الأصول هي :
ظ، - الإلوه.
ظ¢ - النبوة.
ظ£ - الولاية أو الإمامة.
ظ¤ - المعاد.
هذه هي أصول الدين الإسلامي الحنيف، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر حقّ الإيمان فعليه الالتزام بهذه الأصول التي شرعها الله.
تلكم هي صور الإطناب وفوائدها، والتي كانت متضمَّنَة في الشطر الآخر، وقد أكّدَت الارتباط المعنوي بين صدر الآية وبين الشطر المذكور؛
أي بين قوله تعالى :
" يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "
وبين قوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ".
حيث إنّ صدر الآية يعتبر جواباً لفعل الشرط الموجود في الشطر الآخر من الآية.
هل وجدت أخي القارئ الكريم كيف أنّ الشطر الآخر أنجبَ ذريّة طيبة وصالحة عندما زوَّجناه زواجاً شرعيا !.
هل عرفتَ كيف أنّ ذلك الشطر الإطنابي الجليل أفاد المعنى الكثير بأسلوب حكيم، بليغ لطيف، متفرد بحسنه وعذوبته.
هل علمت كيف أن الإمامة أصل من أصول الدين.
" كتابٌ مكنون لا يُدركُ قعره ، ولا تنقضي عجائبه ولا تُبلَغ آماده ".
وليس ذلك وحسب ؛ هناك المزيد ؛
الوجــه الرابع :
الوجه الرابع من الوجوه المؤكِّدة للارتباط المعنوي بين صدر الآية والشطر الآخر منها يتضح من خلال إجراء مقارنة بين الشطر الآخر وبين المقطع الأول " صدر الآية ".
يقول علماء البلاغة : إنّه قد يوصف الكلام بالإطناب والإيجاز معاً، باعتبار مقارنته بكلام آخر مساوٍ له أو مرتبط معه في أصل المعنى .
نقول : إن الشطر الآخر من الآية المباركة، والذي نحن بصدد توضيحه وبيان ما جاء فيه، يعتبر انموذجا من نماذج الكلام الموصوف بالإطناب والإيجاز معاً؛
إنّ آية الإطاعة تتميز بهندسة فريدة بديعة، مذهلة حقاً.
ووجه الحسن في هذا الخطاب وأمثاله هو إبراز الكلام في معرض المساواة والاعتدال، نظراً لإطنابه من وجه وإيجازه من آخر؛ فالإطناب قد بيناه آنفاً.
أما الإيجاز فهو متحقق في المواضع التالية :
* إيجاز في ضمير المخاطب، تكرر في الشطر الآخر مرتين، بينما في صدر الآية تكرر أربع مرات.
* إيجاز في لفظ الجلالة، نوعه إيجاز قِصَر : لفظٌ جمعَ كلّ الفضائل والمحاسن، وانطوى تحته كل دقيق وجليل، وقد أفاد الشمول والاستغراق والتفصيل، حيث إنّ الإيمان بالله هو الأصل الأصيل، والعقد الفريد الذي تنتظم فيه سائر أصول الدين وعقائده، وجميع فروعه وشؤونه ؛
فالإيمان بالله يستلزم معرفة الله عز وجل بصفاته الكمالية والجلالية، وتوحيده جل في علاه.
الإيمان بالله يستوجب الإيمان بالنبوة، ومعرفة النبي ومقام النبوة، وكل ما يتعلق بالنبوة من الخصائص والصفات .
الإيمان بالله يستوجب الإيمان بالولاية ومعرفة الولي ومقام الولاية، وكل ما يتعلق بالإمامة من الخصائص والصفات .
الإيمان بالله يستوجب الإيمان باليوم الآخر، ومعرفة كل ما يتعلق به من شؤون.
* إيجاز حذف؛ حذف جملة جواب الشرط، والجملة المحذوفة هي قوله تعالى :
" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".
فوائــد الحــذف
* التشويق إلى الإيمان والإرشاد إلى الطريق المثلى .
* الاختصار، كون المحذوف مذكور في صدر الآية، فلو تم ذكره مجدداً لكان إطناباً لا فائدة فيه؛ وتم تقديم جواب الشرط على فعل الشرط نظراً لأهميته، فهو الغاية التي لأجْلها شُرِعَت الآية، واللّسان العربي يقدِّم الذي بيانه أهم وشأنه أعم وأعظم.
* الدلالة على أنّ صدر الآية هو العمدة في الكلام، والأساس الذي يقوم عليه بقية الخطاب في الآية المباركة؛ كما أنّ التقديم والتأخير أفاد زيادة في المعنى، مع تحسين اللفظ وجودة الصياغة، وتناسق السبك، وذلك هو الغاية الأسمى وإليه المرجع في فنون البلاغة.
* الدلالة على أنّ المحذوف، وهو " الطاعة " مفهومٌ لا يحيط به وصف أو معنى، وللمخاطَب أن يذهب في تعريفها كل مذهب، ويُعبِّر عنها بكل معنىً شريف ووصف جميل.
الطاعة : هي التسليم لأمر الله والانقياد لشرعه .
الطاعة : هي الولاية : الولاء المطلق للوليّ الشرعي، الله والرسول وأولي الأمر المعصومين، واتّباعه في جميع أمره ونهيه.
الطاعة : هي الإيمان، هي العقيدة والمعرفة.
الطاعة : هي العمل، هي الأداء.
الطــّـــــــــــاعة : هي الدِّين كــلّه .
الطاعة هي الدين،في الشرع واللغة معا.
قال الشاعر :
أَنُقْتَلُ فيكم إن قَتَلْنَا عدوَّكم
على دِينِكم والحربُ بادٍ قتامُها
( الفرزدق - ديوانه ).
على دينكم : أي على طاعتكم.
* الإيجاز أفاد أنّ الطاعة لفظ جامع لمحاسن الفصاحة ومعاني البلاغة، وعناصر التأثير والقوة والجمال، فهو إيجاز حذف من وجه وإيجاز قصر من وجه آخر.
* الخطاب القرآني وفق هذا النظم الإعجازي المتمثل بالإيجاز والإطناب، والتقديم والتأخير أبلغ قولاً وأفصح منطقا.
ذلك هو الإعجاز الذي أقْعَدَ العربَ وخارت له قواهم، وأوجفَتْ له قلوبُهم.
هل علمت أخي العربي، كيف أنّ حذف الجُمَل هو الغاية في الفصاحة والنهاية في مراتب البلاغة.
يا قومنا إنّا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرّشد فآمنّا به ولن نشرك بربـّنا أحدا.
ربـّنـا ءامَنـّـا بما أنزلتَ فاكـتبنا مع الشاهدين .
.......................
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
|
|
|
|
|