الامام الرضا عليه السلام يرد الشبهات عن أنبياء الله عليهم السلام
بتاريخ : 28-09-2020 الساعة : 01:22 AM
اللهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب( 7 ) )
مقدمة :-
كما تعرفون اخوتي المؤمنين ان اعداء الله واعداء انبياء الله واوصياء الله صلوات الله وتعالى عليهم عندما يثيرون الشبهات ضد انبياء الله يتبعون الايات المتشابهات التى لايعلمها الا الله تعالى والراسخون بالعلم وهم محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين التى ظاهرها ان انبياء ارتكبوا المعصية والمعاذ بالله متجاهلين المحكمات الواضحة الدلالة وهي
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الايات المحكمات الواضحة الدلالة التى تبين العصمة الكاملة لانبياء الله واوصيائهم
قال تعالى ( وماينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى )
قال تعالى ( بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول وهم بامره يعملون )
قال تعالى ( وماارسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم )
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كيف رد اهل البيت عليهم السلام الشبهات التى اثارها من في قلوبهم مرض من خلال الايات المتشابهة
ما رواه أبو الصلت الهرويّ من ردّ الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام على أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئة، وسائر أهل المقالات، ومنهم عليُّ بن محمّد بن الجَهْم، الذي سأله: يا ابن رسول الله، أتقول بعصمة الأنبياء ؟ فأجابه عليه السّلام: نعم. فتساءل عن معصية آدم وغضبِ ذي النون وهِمّةِ يوسُف عليهم السّلام وغيرِهم، بما يراه أنّ ذلك قادحٌ ـ حاشاهم ـ بعصمتهم صلَواتُ الله عليهم.
فقال له الإمام الرضا سَلام الله عليه: وَيْحَكَ يا عليّ! إتَّقِ اللهَ ولا تَنسِبْ إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تَتأوَّلْ كتابَ الله برأيك؛ فإنّ الله عزّوجلّ قد قال: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللهُ والرّاسِخُونَ فِي العِلْم ( آل عمران: 7 ). وأمّا قولك عزّوجلّ في آدم عليه السّلام: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ( طه: 121 ) فإنّ الله عزّوجلّ خَلَق آدمَ حُجّةً في أرضه، وخليفةً في بلاده، لم يخلقه للجنّة، وكانت المعصيةُ مِن آدم عليه السّلام في الجنّة لا في الأرض، وعِصمتُه يجب أن تكون في الأرض لِيَتمَّ مقاديرُ أمر الله، فلمّا أُهبِط إلى الأرض وجُعِل حُجّةً وخليفةً عُصِم بقوله عزّوجلّ: إنَّ اللهَ آصطَفى آدمَ ونُوحاً وآلَ إبراهيمَ وآلَ عِمرانَ عَلَى العالَمين ( آل عمران:33 ).
وأمّا قولُه عزّوجلّ: وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيه ( الأنبياء: 87 )، وإنّما الظَّنُّ بمعنى استَيقَن أنّ الله لن يُضيِّقَ عليه رِزقَه، ألا تسمعُ قولَ الله عزّوجلّ: وأَمّا إذا مَا آبتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزْقَه ( الفجر: 16 ) أي ضَيّق عليه رزقَه، ولو ظنّ أنّ الله لا يَقْدِر عليه لكان قد كفر. وأمّا قوله عزّوجلّ في يوسف عليه السّلام: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها ( يوسف: 24 )، فإنّها هَمَّت بالمعصية وهَمَّ يوسُفُ بقتلها إن أجبَرَتْه؛ لِعِظم ما تَداخَلَه، فصَرَف عنه قتلَها والفاحشة، وهو قوله عزّوجلّ: كذلِكَ لِنصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والفَحْشاء ( يوسف: 24 )، يعني القتلَ والزِّنا. ( عيون أخبار الرضا عليه السّلام للشيخ الصدوق 192:1 ـ 195 / ح 1 ـ الباب 14، و 195:1 ـ 204 / ح 1 ـ الباب 15 ذكر مجلس آخر للرضا عليه السّلام عند المأمون في عصمة الأنبياء عليهم السّلام ).
وقد جاء في هذا الخبر تأثّر الإمام الرضا عليه السّلام ممّا سمعه في نسبة الفواحش إلى الأنبياء عليهم السّلام، حتّى أنّه ضربَ بيده على جبهته وقال: إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون!!
رد الامام الرضا عليه السلام على المأمون العباسي في عصمة الانبياء عليهم السلام
عن علي بن محمد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام فقال له المأمون : يا بن رسول الله أليس من قولك: إن الاَنبياء معصومون ؟
قال : بلى .
قال : فما معنى قول الله عزّ وجلّ : ( وعصى آدم ربه فغوى ) (۱) .
فقال عليه السلام : إنَّ الله تبارك وتعالى قال لآدم : ( اسكُن أنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّة وكُلا مِنهَا رَغَداً حيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هذهِ الشَجَرَة ـ وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ـ فَتَكونَا مِن الظالمين ) (۲) ولم يقل لهما : لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها وإنّما أكلا من غيرها ، لمّا أن وسوس لهما الشيطان وقال : ( مَا نَهاكُما رَبّكُما عن هذهِ الشَجَرةِ ) (۳) وإنّما ينهاكما أن تقربا غيرها ولم ينهكما عن الاَكل منها ( إلا أن تكُونا مَلكَينِ أو تكُونا من الخالدين ، وقاسمهُما إنّي لكُما لَمِنَ الناصحين ) (٤) ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذباً ( فَدَلاّهُما بغرُورٍ ) (٥) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار وإنّما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الاَنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبياً كان معصوماً لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله عزّ وجلّ : ( وَعَصى آدم رَبَّه فَغوى ، ثمَّ اجتباه رَبُّه فتابَ عليه وَهَدى ) (٦) وقال عز وجل : ( إن اللهَ اصطفى آدمَ ونُوحاً وآلَ إبراهيمَ وآل عمرانَ على العالَمين ) (۷) .
فقال له المأمون : فما معنى قول الله عز وجل : ( فَلمَّا آتاهُما صالِحاً جَعلا له شُركاء فيما آتاهُما ) (۸) ؟
فقال له الرضا عليه السلام : إن حواء ولدت لآدم خمسمائة بطن ذكراً وأنثى وإن آدم عليه السلام وحواء عاهدا الله عز وجل ودعواه وقالا : ( لئن آتَيتَنا صالِحاً لنكوننَّ من الشاكرينَ ، فلمَّا آتاهما صالحاً ) (۹) من النسل خلقاً سوياً برياً من الزمانة والتامة وكان ما آتاهما صنفين صنفاً ذكراناً وصنفاً إناثاً ، فجعل الصنفان لله تعالى ذكره شركاء فيما آتاهما ولم يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل ، قال الله تبارك وتعالى: ( فَتَعالى اللهُ عمّا يُشرِكون ) (۱۰) .
فقال المأمون : أشهد أنك ابن رسول الله حقّاً فأخبرني عن قول الله عز وجل في حقِّ إبراهيم عليه السلام : ( فَلَمَّا جَنَّ عليهِ الليلُ رأى كَوكباً قال هذا رَبّي ) (۱۱)
فقال الرضا عليه السلام : إن إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه ( فَلَمَّا جَنَّ عليهِ الليلُ ) فرأى الزهرة، قال : ( هذا رَبّي ) على الاِنكار والاستخبار ( فلمَّا أَفَلَ ) الكوكب ( قال لا أُحِبُّ الآفِلين ) (۱۲) لاَنّ الاَُفول من صفات المحدَث لا من صفات القدم ( فَلمّا رأى القمرَ بازِغاً قالَ هذا رَبّي ) (۱۳) على الاِنكار والاستخبار ( فلمّا اَفَلَ قال لئن لم يهدِني رَبّي لاَكوننَّ مِنَ القومِ الضَّالِّين ) (۱٤) يقول : لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين فلما أصبح و ( رأى الشمسَ بازغةً قالَ هذا رَبّي هذا أكبر ) من الزهرة والقمر على الاِنكار والاستخبار لا على الاِخبار والاِقرار ( فَلمَّا أَفَلت ) قال للاَصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس : ( يا قَوم اِنّي بَريءٌ مما تُشركون ، إنّي وجَّهتُ وجهي لِلذي فَطَرَ السماواتِ والاَرض حنيفاً وما أنا من المُشرِكين ) (۱٥) وإنّما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبيّن لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم أن العبادة لا تحقّ لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس وإنّما تحقّ العبادة لخالقها وخالق السماوات والاَرض ، وكان ما احتجَّ به على قومه مما ألهمه الله تعالى وآتاه كما قال الله عز وجل : ( وتِلكَ حُجّتُنا آتيناها إبراهيم على قومهِ ) (۱٦) .
فقال المأمون : لله درّك يا بن رسول الله فأخبرني عن قول إبراهيم عليه السلام : ( رَبِّ أَرني كيفَ تُحيي المَوتى قال أوَ لَم تُؤمِن قال بلى ولكن ليَطمئِن قلبي ) (۱۷) .
قال الرضا عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام إنّي مُتخذ من عبادي خليلاً إن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل فقال : ( رَبِّ أَرني كيفَ تُحيي المَوتى قال أوَ لَم تُؤمِن قال بلى ولكن ليَطمئِن قلبي ) على الخلّة ( قال فَخُذ أَربَعةً من الطّيرِ فصُرهُنَّ إلَيكَ ثُمَّ اجعَل على كُلِّ جبلٍ منهُن جزءً ثُمَّ ادعُهُن يأتينَك سعياً واعلم أَنَّ اللهَ عزيزٌ حكيم ) (۱۸) فأخذ إبراهيم عليه السلام نسراً وطاووساً وبطاً وديكاً ، فقطعهن وخلطهن ثمّ جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت عشرة منهن جزء وجعل مناقيرهن بين أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبّاً وماءً فتطايرت تلك الاَجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الاَبدان ، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم عليه السلام عن مناقيرهن فطرن ثمّ وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحبّ، وقلن : يا نبي الله أحييتنا أحياك الله ، فقال إبراهيم : بل الله يحيي ويميت وهو على كلِّ شيء قدير.
قال المأمون : بارك الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( فَوَكَزَهُ موسى فَقَضى عليهِ قالَ هذا مِن عمل الشَّيطان ) (۱۹) .
قال الرضا عليه السلام : إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء ( فَوَجدَ فيها رجُلين يَقتتِلان هذا من شيعتِه وهذا مِن عَدوِه فاستَغاثَهُ الذي من شيعَتِهِ على الذي من عَدوهِ ) (۲۰) فقضى موسى على العدو ، وبحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات ( قالَ هذا مِن عَمَلِ الشَّيطان ) يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعل موسى عليه السلام من قتله ، إنه ـ يعني الشيطان ـ عدو مضل مبين .
فقال المأمون : فما معنى قول موسى : ( ربّ إنّي ظَلَمتُ نَفسي فاغفر لي ) (۲۱) .
قال : يقول : إنّي وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلونني ( فَغَفَرَ لهُ إنَّه هُوَ الغفُورُ الرَّحيم ) (۲۲) قال موسى عليه السلام : ( رَبّ بِما أنعمتَ عَليَّ ) من القوة حتى قتلت رجلاً بوكزة ( فَلَن أكونَ ظهيراً للمُجرمين ) (۲۳) بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى رضى فأصبح موسى عليه السلام في المدينة خائفاً يترقب فإذا الذي استنصره بالاَمس يستصرخه على آخر قال له موسى إنّك لغويٌ مبين قتلت رجلاً بالاَمس وتقاتل هذا اليوم لاَودبنّك وأراد أن يبطش به ( فَلَمّا أن أراد أن يبطشَ بالذي هوَ عَدوٌّ لهما ) وهو من شيعته ( قال يا موسى أتُريدُ أن تَقتُلَني كَما قَتَلتَ نَفساً بالاَمسِ إن تُريدُ إلاّ أن تَكون جبّاراً في الاَرض وما تُريد أن تكونَ مِنَ المُصلحين ) (۲٤) .
قال المأمون : جزاك الله عن أنبيائه خيراً يا أبا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون : ( فَعَلتُها إذاً وأنا من الضّالّين ) (۲٥) .
قال الرضا عليه السلام : إن فرعون قال لموسى لما أتاه : ( وفَعَلتَ فعلتَكَ التي فَعَلت وأَنتَ مِنَ الكافرين ) (۲٦) ، قال موسى : ( فَعَلتُها إذاً وأَنا من الضالين) عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك ( فَفَررتُ مِنكُم لَما خِفتُكم فَوَهَبَ لي رَبّي حُكماً وجَعَلَني مِنَ المُرسَلين ) (۲۷) وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وآله : ( ألَم يَجِدكَ يتيماً فآوى ) (۲۸) يقول : ألم يجدك وحيداً فآوى إليك الناس ( وَوَجَدكَ ضالاً ) (۲۹) يعني عند قومك فهدى ، أي هداهم إلى معرفتك ( وَوَجدكَ عائِلاً فأَغنى ) (۳۰) يقول : أغناك بأن جعل دعاءك مستجاباً.
قال المأمون : بارك الله فيك يا بن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل : ( ولَمّا جاء موسى لميقاتِنا وكَلَّمَه رَبُّه قالَ رَبِّ أَرني أَنظرُ إِليكَ قال لَن تَراني ) (۳۱) كيف يجوز أن يكون كلم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أنَّ الله تبارك وتعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟
فقال الرضا عليه السلام : إنَّ كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أنّ الله تعالى أعز أن يرى بالاَبصار ، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجياً رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه ، فقالوا ( لَن نُؤمن لَكَ ) حتى نستمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمأة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفاً، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربهم فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه ، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لاَنّ الله عز وجل أحدثه في الشجرة وجعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : ( لَن نُؤمن لَكَ ) بأن هذا الذي سمعناه كلام الله ( حتّى نرى الله جهرة ) فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة ، فأخذتهم بظلمهم فماتوا.
فقال موسى : يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا : إنك ذهبت به فقتلتهم لاَنّك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة الله عز وجل إيّاك، فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنّك لو سألت الله أن يريك ننظر إليه لاَجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته ، فقال موسى : يا قوم إن الله تعالى لا يُرى بالاَبصار ولا كيفية له ، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى : يا ربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم، فأوصى الله تعالى إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى عليه السلام : ( رَبِّ أَرني أَنظرُ إِليكَ قال لَن تَراني ولكِن اُنظُر إلى الجبلِ فإِن استَقَرَ مَكانَه ) وهو يهوي ( فَسوفَ تراني فَلمّا تَجَلّى رَبُّه للجبلِ ) بآية من آياته ( جَعَلَه دَكّاً وخرَّ مُوسى صَعِقاً فَلمّا أَفاقَ قال سُبحانكَ تُبتُ إِلَيكَ ) (۳۲) يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وأنا أوّل المؤمنين منهم بأنك لا تُرى .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَلَقَد هَمَّت بهِ وهَمَّ بها لَولا أن رأى بُرهان رَبّهِ ) (۳۳) .
فقال الرضا عليه السلام : لقد همَّت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهمَّ لها كما همَّت به، لكنه كان معصوماً والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه ، وقد حدّثني أبي عن أبيه الصادق عليه السلام أنّه قال : همَّت بأن تفعل وهمَّ بأن لا يفعل .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَذَا النُّون إذ ذهبَ مُغاضباً فَظَنَّ أن لن نقدِرَ عليه ) (۳٤) .
فقال الرضا عليه السلام : ذاك يونس بن متى عليه السلام ذهب مغاضباً لقومه ، فظن بمعنى استيقن أن لن نقدر عليه ، أي لن نضيق عليه رزقه ، ومنه قوله عزّ وجلّ : ( وأمَّا إذا مَا ابتلاهُ فَقَدَرَ عليهِ رِزقهُ ) (۳٥) أي ضيق وقتر ( فَنَادَى في الظُّلماتِ) أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت : ( أن لا إله إلاَّ أنت سُبحَانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الظالِمين ) (۳٦) بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرّغتني لها في بطن الحوت ، فاستجاب الله له وقال عزّ وجلّ : ( فَلَولا أَنَّه كانَ مِن المُسبِّحين، للبِثَ في بَطنهِ إلى يوم يُبعَثُونَ ) (۳۷) .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( حتى إذا استيأس الرُّسُل وَظَنُّوا أنَّهُم قَد كُذِبوا جَاءهُم نَصرُنا ) (۳۸) .
فقال الرضا عليه السلام : يقول الله عز وجل : حتى إذا استيأس الرُّسُل من قومهم، وَظَنَّ قومهم ، أنَّ الرسل قَد كُذِبوا جَاء الرسل نَصرُنا .
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( لِيغفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وما تَأخّر ) (۳۹) .
قال الرضا عليه السلام : لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة أعظم ذنباً من رسول الله صلى الله عليه وآله لاَنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنماً ، فلمّا جاءهم صلى الله عليه وآله بالدعوة إلى كلمة الاِخلاص كَبُر ذلك عليهم وعظم وقالوا : ( أجعلَ الآلِهةَ إِلهاً واحِداً إنَّ هذا لشيءٌ عُجاب ، وانطَلَقَ المَلأ مِنهم أن امشُوا واصبِرُوا على آلِهتِكُم إنَّ هَذا لَشيءٌ يُرادُ ، ما سَمِعنا بِهذا في المِلَّةِ الآخِرةِ إن هذا إلاّ اختِلاق ) (٤۰) فلمّا فتح الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله مكة قال له : يا محمد ( إنَّا فَتَحنَا لَكَ ) ـ مكة ـ ( فَتحَاً مُبيناً ، لِيغفر لَكَ اللهُ ما تَقَدَّم مِن ذَنبِكَ وما تَأخّر ) (٤۱) عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر ، لاَن مشركي مكة أسلم بعضهم ، وخرج بعضهم عن مكة ، ومن بقى منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفوراً بظهوره عليهم.
فقال المأمون : لله درُّك يا أبا الحسن ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أذِنتَ لَهُم ) (٤۲) ؟
فقال الرضا عليه السلام : هذا ما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة ، خاطب الله عز وجل بذلك نبيه وأراد به أُمّته ، وكذلك قوله تعالى : ( لئِن أشركتَ ليَحبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِن الخاسرين ) (٤۳) وقوله عز وجل : ( وَلولا أن ثَبَّتناكَ لَقَد كِدتَ تركَنُ إليهم شَيئاً قَليلاً ) (٤٤) .
قال : صدقت يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( وإذ تَقولُ لِلَّذي أنعَم اللهُ عَليهِ وأنعَمت عَليهِ أمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ واتَّقِ اللهَ وتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبدِيهِ وَتَخشى النّاس واللهُ أحقُّ أن تخشاه ) (٤٥) .
قال الرضا عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده ، فرأى امرأته تغتسل فقال لها : سبحان الذي خلقكِ، وإنّما أراد بذلك تنزيه الباري عز وجل عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله فقال الله عز وجل : ( أَفأَصفاكُم رَبُّكُم بالبَنينَ واتَّخَذَ مِنَ المَلائكَةِ إِناثاً إِنَّكُم لَتَقُولون قَولاً عَظِيماً ) (٤٦) فقال النبي صلى الله عليه وآله لما رآها تغتسل : سبحان الذي خلقك أن يتخذ له ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال ، فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله لها : سبحان الذي خلقك ، فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال له : يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنَّ امرأتي في خلقها سوء وإنّي أُريد طلاقها ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ( أمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ واتَّقِ الله ) (٤۷) وقد كان الله عز وجل عرَّفه عدد أزواجه وأن تلك المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد ، وخشى الناس أن يقولوا : إن محمداً يقول لمولاه : إن امرأتك ستكون لي زوجة يعيبونه بذلك ، فأنزل الله عز وجل : ( وإذ تَقُولُ لِلَّذي أنعَمَ اللهُ عَليهِ )يعني بالاِسلام وأنعمت عليه يعني بالعتق ( أمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ واتَّقِ اللهَ وتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبدِيهِ وَتَخشى النّاس واللهُ أحقُّ أن تخشاه ) (٤۸) ثمّ إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه ، فزوّجها الله عز وجل من نبيه محمد صلى الله عليه وآله وأنزل بذلك قرآناً فقال عز وجل : ( فَلَمّا قَضَى زَيدٌ مِنها وَطراً زَوَّجناكَها لكي لا يَكُونَ عَلى المؤمِنينَ حَرجٌ في أزواجِ أدعيائِهم إذا قضوا مِنهُنَّ وَطراً وكانَ أمرُ اللهِ مفعُولاً ) (٤۹) ثمّ علم الله عز وجل أن المنافقين سيعيبونه بتزوجها فأنزل الله تعالى: ( ما كانَ عَلى النَّبي مِن حرجٍ فيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ ) (٥۰) .
فقال المأمون : لقد شفيت صدري يا بن رسول الله ، وأوضحت لي ما كان ملتبساً عليَّ ، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الاِسلام خيراً (٥۱) .