الشفاء بيد من ؟
مصطفى الهادي.
(إن الأمور لله ولكنها تجري على أيدي العباد).
الكتاب المقدس يُحاول جاهدا أن يصرف الإنسان عن خالقه، ويقوم بتوجيهه لعبادة الفرد، فهذا الكتاب يُصوّر الله على أنه فقط يُنزل العقوبات وينشر الأمراض ولا همّ لهُ إلا معاقبة خلقه والتفنن في عذابهم. ولكنهُ من طرف آخر يُوحي للإنسان بأن شفاء الأمراض وعلاجها او انزال الرزق بيد فئة معينة من الناس وأن الإنسان هو من يقف بوجه عقوبات الله ويرفعها عن الناس كما نقرأ في كثير من النصوص في هذا الكتاب المقدس ومنها ترسيخ مفهوم أن المسيح (الخروف) هو الشافي (1) وهو الرافع للخطايا والذنوب لأنه هو الله.
كما يقول يوحنا (لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك).(2) مع أن السيد المسيح قال لهم بأنه لا يملك لهم ضرا ولا نفعا وان كل ما يفعله هومن الله كما يقول : (فقال لهم يسوع: ولست أفعل شيئا من نفسي، بل أتكلم بهذا كما علمني الله). (3) إلا أنهم أبو واصروا على أن الشفاء بيده من دون الله ، لأنهُ هو الله .
وأما في التوراة فإن الله عندما يرمي منطقة بجائحة الوباء فإن هارون يقف حائلا بينه وبين الوباء فيذهب الوباء ففي سفر العدد نقرأ : (وإذا الوبأ قد ابتدأ في الشعب. ووقف ــ هارون ــ بين الموتى والأحياء فامتنع الوبأ).(4) وفي سفر العدد أيضا : (فلما رأى ذلك فينحاس أخذ رمحا بيده وطعن الرجل والمرأة في بطنها. فامتنع الوبأ). وبهذا اعتبروا أن تقديم تضحيات بشرية سيرفع الوباء عنهم.
أما لو رجعنا إلى القرآن فنراه يُلقن الناس بأن الله هو الشافي كما نقرأ : (الذى خلقنى فهو يهدين، والذى هو يطعمنى ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين والذى يميتنى ثم يحيين).فكل هذه الأمور بيد الله وليس لأي أحد غيره ان يقوم بها وما يجري على ايدي الناس هو أيضا من نعم الله علينا لأننا نقوم به بواسطة الادوات والحواس التي خلقها الله فينا والعقل العجيب الذي جُهّزنا به.
واما استخدام وسائل الشفاء الأخرى فالله هو السبب من خلال خلقه لوسائل الشفاء وتوفير موادها في الطبيعة، وما على الإنسان إلا أن يُعمل فكره ويستخلص وسائل الشفاء منها.وقد كان الرسول (ص) عندما يشفي مريضا فإنهُ يعقب ذلك بقوله : (بإذن الله).وحتى البركة الممنوحة لأولياء الله فهي بإذن الله، فلا ينفرد الامام او الولي بهذه الميزة من دون الله تعالى. (فقد أبى الله أن يُجري الأمور إلا بأسبابها).(5)
واليوم عدما يقف الطب عاجزا أمام اصغر مخلوق فإن ذلك رسالة بالعودة إلى الشافي الأول ومن بيده ازمة الخلق. صحيح ان الدعاء واللجوء إلى الله يرفع البلاء ، ولكن يجب اولا استخدام كل الوسائل الطبيعية ، وعند اليأس منها جميعا يلجأ إلى الله تعالى.
(حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء).(6)
المصادر :
1- انظر ترنيمة عن الله الشافي يسوع. أرشيف كلمات الترانيم المسيحية الأناشيد الروحية. موقع الأنبا تكلا هيمانوت: بوابة عامة عن عقيدة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مصر.
2- انظر سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 17: 14 و : 7 :17 .وحتى بعد رحيل السيد المسيح ترسخ هذا المفهوم عندهم بأن الشافي هو المسيح كما نقرأ في سفر أعمال الرسل 9: 34 (فقال له بطرس: يا إينياس، يشفيك يسوع المسيح).
3- إنجيل يوحنا 8: 28.
4- سفر العدد 16: 48.
5- راجع بحار الأنوار: ج3 ص67 .
6- سورة يوسف آية : 110.