يتداول بكثرة على الألسن، وفي المؤلّفات، مقولة يعبّرون عنها بالحديث القدسي، يقول: «كنتُ كنزاً مخفيّاً فأحببتُ أن أُعرف فخلقتُ الخلق لكي أُعرف».
لكنه لا أصل له، وليس له سند صحيح ولا ضعيف، ولم يرد في كتب الحديث والمجاميع الروائية الشيعية والسنيّة، وإنّما من أحاديث المتصوّفة التي انتقلت بواسطة بعض الكتب المتأخّرة. ويبدو -والله العالِم- أن أقدم كتاب وردت فيه العبارة هو رسائل إخوان الصفا الذين كانوا في القرن الرّابع الهجري، حيث جاء فيها ما لفظه: «حكي في بعض الأخبار أن نبيّاً من أنبياء الله تعالى قال في مناجاته مع ربّه: ياربّ لم خلقت الخلق بعد أن لم تكن خلقته؟ فقال له ربّه على سبيل الرمز: كنتُ كنزاً مخفيّاً من الخيرات والفضائل، ولم أكن أُعرف فأردتُ أن أُعرف»، [رسائل إخوان الصفا وخلّان الوفا، ج ٣، ص ٣٥٦].
وبعد رسائل إخوان الصفا، ظهر في القرن الخامس الهجري في رسالة بالفارسية منسوبة للشيخ الرئيس ابن سينا، [در حقيقت و كيفيت سلسله موجودات وت سلسل اسباب ومسببات، ص ٥٩]. وفي القرن السادس أورده الغزالي (ت ٥٠٥ هـ) بتعبير: وهي قوله كنتُ كنزاً.. [الأربعين في أصول الدين، ص ١٣]. وبعد ذلك صار يتناقل في كتب التصوّف والأخلاق السنيّة بزيادات وتعابير مختلفة. كما في الفتوحات لابن عربي (ت ٦٣٨)، الذي عبّر عنه في موضع بعبارة: روي عن رسول الله! [الفتوحات المكيّة، ج ١٤، ص ٤٠٩].
وفي كتب سنّية متأخرة أخرى أوردوه بلفظ: «كنت كنزاً لا أعرف فأحببت أن أُعرف فخلقت خلقاً فعرّفتهم بي فعرفوني»، [الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة، السيوطي، ص١٢٦. الأسرار المرفوعة، علي القاري، ص٢٧٣. تذكرة الموضوعات، الفتني، ص ١١].
أما عند الشيعة، فقد نقله الحافظ رجب البرسي (ت ٨١٣ هـ) دون نسبته لمعصومٍ (ع)، [مشارق أنوار اليقين، ص ٣٩]. وصاحب البحار الشيخ المجلسي (ت: ١١١٠ هـ) في موضعين: الأول في شرحه لرواية نقلها عن أمالي الطوسي والفقيه للصدوق، حيث قال: قال الوالد قدّس سرّه.. كما قال سبحانه: كنت كنزاً.. والثاني في شرحه لبعض المطالب ذكر عبارة: كما روي.. [بحار الأنوار، ج ٨٤، ص١٩٩، ٣٤٤]. والغريب أن محقّق كتاب مشارق الأنوار للبرسي خرّج في الهامش العبارة بإرجاعها إلى البحار، والحال أن صاحب البحار متأخّر عن البرسي، وتعرّض له في مقدمة البحار عند الحديث عن مصادره، وقال إنه لا يعتمد ما يتفرّد بنقله لاشتماله على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع. وهذا الخطأ في التخريج موجود في كتب أخرى كما نجده في كتاب الكلمات المكنونة للفيض الكاشاني، فقد أرجع محقّق الكتاب إلى بحار المجلسي! والحال أن المجلسي تلميذ الفيض!
هذه أقدم كتب وردت فيها العبارة عند الشيعة، ويحتمل جداً أن كتاب مشارق الأنوار للبرسي هو واسطة انتقال المقولة من كتب الصوفية.
وقد يرد في بعض الكتابات التعبير عن المقولة بالحديث المعروف والمشهور، ولكن لا يراد من هذين الوصفين المعنى الفنّي المصطلح في علم الحديث والدراية؛ إذ كيف يكون مشهوراً والحال هو لا وجود له من أصل في كتب الأخبار والمجاميع الحديثية! وإنما يراد من ذلك كثرة تداوله على الألسن والكتابات في الحقب المتأخرة، والتي بدورها ليست ذات اعتبار، ولا يُعوّل عليها.
وأما صحّة المضمون، فمع صرف النظر عن صحة المضمون، ولكن لو سلّمنا بذلك فصحة المضمون لا تصحح الصدور، ولا تُجيز النسبة إلى المعصوم بما يوهم الثبوت