إن التاريخ في تسلسله يجدّد نفسه ويجدّد لنا العبر والدروس، فدعونا نلقي نظرة عليه.
حكى لنا التاريخ أن الله تعالى أرسل آدم (عليه الصلاة والسلام) ليؤسس جنسا بشريا يعبد الله وحده، ولكنه بعد أن توفي؛ نشب الصراع بين أبنائه، واستطاع أبناء اللعين قابيل – الذي قتل أخاه الصالح هابيل – امتلاك القوة بالإجرام والبطش، فقهروا الوصي الشرعي لآدم، وهو ابنه شيث هبة الله (عليه السلام) ونفوه وأبناءه المؤمنين الموحّدين الذين كانوا على دين أبيهم آدم إلى إحدى الجزر النائية وعزلوهم هناك! ثم أشاع أبناء قابيل في ما بينهم أن الله أمرهم بعبادة النار، فعبد أبناؤهم النار بدلا من الله تعالى!
وحكى لنا التاريخ أن المؤمنين القلائل الذين بقوا أوفياء لآدم واتبعوا أوصياءه الشرعيين؛ استمروا في الصبر والتحمّل والتحدي إلى أن أرسل الله نوحا (عليه الصلاة والسلام) ليصحّح المسيرة البشرية فيقضي على عبادة الأصنام الخمس ”ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر“، ومهما بذل نوح من جهود لهداية الناس قابلوه بالازدراء والتحقير، فأجرى الله فيهم الطوفان ليغرقهم وأصنامهم التي يعبدونها من دون الله. وأنجى الله نوحا ومن معه من المؤمنين القلائل، ولكن بمجرد أن توفي نوح (عليه السلام) لم تمضِ مدة طويلة حتى نشب الصراع في أبنائه وأحفاده، وأهمل الناس الوصي الشرعي لنوح، وهو ابنه سام (عليه السلام) فلم يأخذوا منه معالم دينهم، حتى عادوا بعد فترة وجيزة إلى عبادة الأصنام الخمس نفسها من جديد بعدما نقّبوا عنها بين الرمال وعثروا عليها بعد إذ أغرقها الطوفان!
وحكى لنا التاريخ أن المؤمنين القلائل الذين بقوا أوفياء لنوح واتبعوا أوصياءه الشرعيين؛ استمروا في الصبر والتحمّل والتحدّي إلى أن أرسل الله تعالى إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) ليصحح المسيرة البشرية وينقيها من الكفر والشرك، ولكنه بعدما توفي، نشب الصراع بين أحفاده فقام أبناء إسحاق (عليه السلام) الذين مالوا عن دين أبيهم وجدّهم بالبطش بالأوصياء الشرعيين لإبراهيم (عليهم السلام) فقتلوهم وأذاقوهم ألوان العذاب، وشرّدوهم في البلاد، ثم اخترعوا لهم دينا آخر يختلف عما جاء به إبراهيم وإن نسبوه إليه زورا!
وحكى لنا التاريخ أن المؤمنين القلائل الذين بقوا أوفياء لإبراهيم واتبعوا أوصياءه الشرعيين؛ استمروا في الصبر والتحمّل والتحدّي إلى أن أرسل الله تعالى موسى (عليه الصلاة والسلام) ليصحح مسيرة البشرية، سيما مسيرة ذرية إسحاق التي ضلّت وتاهت، ولكنه بعدما توفي، نشب الصراع بين أمته واستطاع المنافقون منهم جرّ زوجته صفوراء بنت شعيب لمحاربة وصيّه الشرعي، وهو يوشع بن نون (عليه السلام) ورغم أن يوشع انتصر عليهم إلا أنهم تحيّنوا فرصة موته لينقلبوا عليه وعلى دين موسى من جديد، وتم لهم ما أرادوا إذ بطشوا بأوصياء موسى وقتلوهم ونفوهم حتى اخترعوا لأنفسهم دينا آخر وأوهموا الناس أنه دين موسى نفسه، ثم جعلوا الحكومة بيد قبائلهم يتداولونها ويتلقّفونها تلقّف الكرة حتى أفسدوا العباد والبلاد وقتلوا من الأنبياء سبعين ألف نبي دون أن يهتزّ لهم جفن!
وحكى لنا التاريخ أن المؤمنين القلائل الذين بقوا أوفياء لموسى واتبعوا أوصياءه الشرعيين؛ استمروا في الصبر والتحمّل والتحدّي إلى أن أرسل الله تعالى سليمان (عليه الصلاة والسلام) ليصحح مسيرة البشرية وليخلّصها من الانحراف بقوة الحكم والسلطان الذي سلبه المنحرفون عن الدين، ولكنه بعدما توفي، نشب الصراع بين قومه الذين انقلبوا على وصيه الشرعي آصف بن برخيا (عليه السلام) فعزلوه وأتباعه، ثم نصبوا لأنفسهم حاكما يدعى (رحبعام) كان بالأمس القريب ملعونا على لسان سليمان ومنفيا من قبله إلى مصر! فجعلوه خليفته بدلا من أوصيائه الشرعيين حتى عاث في الدين فسادا وأخربه من جديد!
وحكى لنا التاريخ أن المؤمنين القلائل الذين بقوا أوفياء لسليمان واتبعوا أوصياءه الشرعيين؛ استمروا في الصبر والتحمّل والتحدّي إلى أن أرسل الله تعالى عيسى (عليه الصلاة والسلام) ليصحح مسيرة البشرية ويعيدها إلى التوحيد والدين الحق، ولكنه بعدما رفعه الله إليه، نشب الصراع بين أتباعه الذين خذلوا وصيّه الشرعي شمعون الصفا (عليه السلام) واتبعوا أحد ألدّ أعدائه سابقا وهو (بولس) الذي تلطّخت يداه بدماء الشهداء من المؤمنين بعيسى! فكان في بادئ الأمر متعصبا لليهودية يقتل كل شخص آمن بالمسيح، ويضطهد أتباعه اضطهادا عظيما، ومع هذا التفّ الناس حوله بعد ثلاثين سنة من ارتحال عيسى للسماء واعتبروه خليفة عيسى بدلا من خليفته الشرعي لأنه تساهل مع أحكام شريعتهم وأباح لهم الكثير مما كان يحرّمه عليهم وصيه شمعون حتى صنع لهم دينا آخر منسوبا لعيسى وعيسى بريء منه!
وحكى لنا التاريخ أن المؤمنين القلائل الذين بقوا أوفياء لعيسى واتبعوا أوصياءه الشرعيين؛ استمروا في الصبر والتحمّل والتحدّي إلى أن أرسل الله تعالى محمدا خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) ليصحح مسار البشرية كافة ويعيدها إلى عبادة الله الواحد عبادة صافية نقية من كل رجس ودنس وانحراف، ولكنه بعدما استشهد مسموما، نشب الصراع بين قومه، فخذلوا وصيّه الشرعي وابن عمّه علي بن أبي طالب (عليهما الصلاة والسلام) ونصبوا بدلا منه أحد أكبر المنافقين وهو المدعو أبو بكر بن أبي قحافة ليكون خليفته! فقام وقرينه المدعو عمر بن الخطاب وأشياعهما بتحريف الدين الذي جاء به هذا النبي الخاتم. ثم استعان المنافقون بزوجته عائشة بنت أبي بكر لمحاربة الوصي الشرعي علي، ورغم أنه انتصر عليهم إلا أنهم تحيّنوا فرصة مقتله فاضطهدوا أبناءه الأوصياء الشرعيين من بعده وقتلوا أتباعهم ونكّلوا بهم أيما تنكيل، وأصبحت خلافة هذا النبي وميراثه بيد أعدائه بالأمس كبني أمية وآل أبي سفيان!
وحكى لنا التاريخ أن المؤمنين القلائل الذين بقوا أوفياء لمحمد (صلى الله عليه وآله) واتبعوا أوصياءه الشرعيين؛ استمروا في الصبر والتحمّل والتحدّي ومازالوا كذلك حتى يأذن الله لخاتم هؤلاء الأوصياء - وهو المهدي من آل محمد - بالظهور والنهوض لاستلام القيادة الإسلامية العالمية وإعادة البشرية من جديد إلى دين الله الحق وتنقيته من شوائب الانحراف التي علقت به.
منقووول من بيان لشيخ ياسر الحبيب ايده الله ورعاه
التعديل الأخير تم بواسطة أبوبخيت ; 12-12-2007 الساعة 05:02 PM.