ليس من الصعوبة عليك أن تؤمن بشيء ما؛ مادمت تخفيه في قرارة نفسك، ولكن من الصعوبة بمكان أن تؤمن، وتجهر بما تؤمن؛ وأنت مدرك سلفا بأن جهرك وإعلانك هذا سيجلب لك نقمة مَن حولَك من الناس!
وفي اتخاذك قرار الجهر والإعلان عمّا تؤمن به وتعتقد به؛ تكمن الشجاعة والبطولة، أما أن تكتم إيمانك وعقيدتك من دون وجود مبرر عقلائي لذلك؛ فإن ذلك معناه أنك جبان لا تملك الجرأة على التعبير عن نفسك والدعوة إلى دينك!
ولا يذهبنَّ الظن بك إلى أن "المبرر العقلائي" الذي يمكن به تعطيل الجهر، هو مجرد وقوع الضرر، أبدا؛ فإن مجرد وقوع ضرر عليك ليس عذرا يكفيك لأن تحبس لسانك عن النطق بالحق، والقول بالصدق. بل حتى وإن كان الضرر بليغا عليك، كالقتل مثلا، فإن الجهر والإعلان لا يسقطان عنك ما دام قتلك يصب في صالح الدين والمؤمنين، وليس لك – إذا كان مناك الدرجات العلا - أن تمتنع عن ذلك إلا إذا كان قتلك يؤدي إلى انكسار للدين وللمؤمنين. فليست دماؤك بأغلى من دماء مولاك الحسين عليه السلام، ولا أنت بأكرم منه على الله جل وعلا.
إن سيد الشهداء (أرواحنا له الفداء) كان يعلم مسبقا بأنه مقتول لا محالة، وكذلك من كان معه، ولكنه نظر في تقييم المرحلة وما تستوجبه، فرأى أن السيوف تأخذ نفسه الشريفة خير من أن يبقى على قيد الحياة، حتى يستقيم دين جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وكذلك ينبغي أن تكون أنت، مادمت تدعي أنك للحسين متََبِع، وللرسول مدين.
أيها الإنسان الشيعي!
انظر أنت الآن إلى خصوصيات مرحلتك والحقبة التي تعيش فيها، وستجد أن أهل هذا العالم من حولك لا يعرفون شيئا عن ولاية أهل البيت عليهم الصلاة والسلام! والسبب في ذلك ليس إلا لأنك أنت.. نعم أنت وأقرانك ممن يدينون بهذه الولاية.. لم تعملوا كما ينبغي لكم أن تعملوا، فالتزمتم بالإخفاء والتستر، والكتمان والانطواء، فحرمتم من حولكم من البشر من الاستنارة بنور محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين!
إن مَثَلكم مَثَل من يعيش وسط آلاف مؤلفة من المرضى الذين لا يشعرون بمرضهم، ورغم أنه يملك العلاج، إلا أنه يبخل به عليهم لأنه يتصوّر أنه إذا أظهره فإنهم سيعادونه، كونهم لا يحسّون أنهم مرضى!
قد يكون هذا صحيحا، ولكن جهلهم بمرضهم هذا هل يسمح لك بأن تحرمهم من العلاج؟! بالطبع لا.. فكيف تستمرئ أن يبقى كل هؤلاء البشر تائهين في ظلمات الجهل والشرك والنصب والإلحاد دون أن تذيقهم حلاوة ولاية علي عليه السلام؟!
ربما تسوّل لك نفسك انك معذور، لأنك "شيعي" والشيعي مأمور بالتقية!!
ألا فاعلم أن التقية لها شرائط ليست متحققة في هذا الزمان، بل عليك أن تعلم بأن التقية قد انتفت تماما في عصرنا هذا. واعلم أيضا أن هذه النفس التي تثبّطك عن الدعوة إلى الحق ليست سوى نفسك الأمّارة بالسوء! وكل ما يصدّك عن الصَّدْع بما تُؤْمَر ليس إلا وساوس الشيطان!
إن الشيعي هو الذي يقول: "مولاي علي"! وعلي (عليه السلام) كان بطلا فارسا شجاعا مغوارا لا يهاب في قول الحق أحدا. إن كنت كذلك فأنت شيعي حقا، أما إن لم تكن، وكنت منكفئا تلتمس لخوفك وجبنك الأعذار، فأنت كالذين "مولاهم عمر" الهارب في كل معركة إلى جحر من الجحور! فهل تقبل على نفسك أن تكون كذلك؟! أم تكون كالرجل الذي ذاب حبا في هوى علي (عليه السلام) وهو مولانا أبو ذر الغفاري (رضوان الله تعالى عليه) الذي عاش حياته كلها ثائرا؛ ناطقا بالحق؛ مرشدا إلى الولاية، حتى قضى نحبه شهيدا وحيدا غريبا، لكنه نال وساما يغبطه جميع الخلق عليه، وهو قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذر! أنت منا أهل البيت"! فهل تضيّع على نفسك فرصة أن تغدو من أهل بيت نبيك؟!
أيها الإنسان الشيعي!
لقد خدعوك إذ قالوا: "اكتم واستر نفسك"! بل إن عليك أن تجهر وتعلن وتبلغ دين ربك للناس. اعمل على أن ترشدهم إلى طريق الحق، ولو قاومك بعضهم وحاربك؛ فعليك أن تفهم أن هذا أمر طبيعي، فهل تظن أنك ستجد درب الحق سهلا بسيطا؟! كلا وألف كلا.. إن طريق الحق مملوء بالأشواك، مكتظ بالوحوش، مغمور بالوعورة.
ولا يفيدك أن تبقى هكذا مؤمنا مستترا، مادام في مقدورك القيام بوظيفتك في التبليغ والهداية، فإن هذه الوظيفة ستُحاسَب عليها يوم القيامة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر هو من أعظم الجهاد. فأين المجاهدون اليوم في الشيعة؟! إنهم يغطون في سبات عميق! لأنهم تربّوا في مجتمعات عوّدتهم على الخنوع والخضوع والاستسلام للأمر الواقع!!
أنت بنفسك اتخذ قرار التغيير، وقُل: "لا للانهزامية.. لا للتراجع.. لا للانكفاء". وأنت - أيها المؤمن الشجاع - يمكن لك أن تكون نموذجا في زمن الخوف هذا، فيقتدي بك أمثالك من أهل الولاء. وكن على ثقة بأن الله تعالى ومولانا حجة الله (عجل الله فرجه الشريف) وآباؤه الأطهار (صلوات الله عليهم) سيكونون معك. وليس المطلوب منك سوى أن تنزع عنك لباس الخوف، وتطلق لنفسك العنان، وتصدح بأعلى صوتك: "أيها الناس! قولوا (علي ولي الله) تفلحوا"..
ولئن أصابتك في هذا الأمر مصيبة، أو وقعت عليك بلية، فاعلم أن البلاء سمة المؤمنين الصادقين. فكن منهم، واتخذ لنفسك مقاما عند أئمتك وسادتك (سلام الله عليهم) واجعل الزهراء (صلوات الله عليها) تستبشر بك جنديا ثائرا من أجلها، منتقما لها ممن ظلمها وقتلها..
كن على ثقة بأنه لا مكان في التشيّع اليوم للجبناء! وأن الخدّام قد بدؤوا يدشنون عصرا جديدا من الشجاعة والإقدام والبطولة، ولا يهولنّك ما قد يصيبك وإياهم، فإننا جميعا لا نكون من شيعة علي (عليه السلام) حقا إلا إذا كان الوصف الذي وصف به شيعته ينطبق علينا.
أَوَ تدري ما قال؟! إنه قال: "إن لنا محبين لو قطّعنا الواحد منهم إربا إربا ما ازدادوا إلا حبا"!!
كن من هؤلاء فإنك عما قريب ستلاقيهم عليهم السلام، وانظر لنفسك هل أنك ستلاقيهم بلباس الفارس الشجاع، أم بلباس الخائف الجبان؟!
من كلام لشيخ ياسر الحبيب حفظه الله ورعاه وسدد خُطاه