قالَ عنه جعفر الخليلي: لقد احببت هذا العالم المجتهد كثيراً، احببته لانه كان اول من غامر وخاطر وضحى بمستقبله الروحاني الذي لو حافظ عليه لكان اليوم احد المراجع الكبرى ان لم يكن المرجع الذي ينفرد بالمرجعية.ولد السيد هبة الدين ظهيرة الثلاثاء 1884/5/20م بمدينة سامراء يوم كانت عاصمة علمية دينية وكعبة القصاد من اهل العلم. بعد ان انتقلت اليها المرجعية الدينية من النجف في نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر الهجري. بدأ بتعلم الفقه واصوله وعلوم الشريعة عندما قارب عمره الثماني سنوات وعندما بلغ عمره سبع عشرة سنة بدأ بدراسة الفلسفة والمنطق. انتقل السيد هبة الدين مع والده الى كربلاء بعد وفاة السيد محمد حسن الشيرازي 1895م كما عاد الكثير من رجال الدين الى كربلاء بعد وفاة الشيرازي بينما ذهب البعض الاخر الى النجف في هذه الحقبة الحساسة من حياته توفى والده سنة 1901م وله من العمر تسعة عشر عاماً فهاجر الى النجف حيث المرجعية الدينية لاستكمال تحصيله العلمي، لان النجف كانت مركزا لدراسة علوم الشريعة الاسلامية ومركز الاجتهاد الفقهي والافتاء كان ذلك عام 1903م وانكب على التحصيل العلمي هناك وبقي فيها خمسة عشر عاماً يقول عنه الدكتور حسين علي محفوظ: (السيد هبة الدين من اعلام الامة الكبار في القرن الرابع عشر الهجري وهو من رجال الفكر والاصلاح المشاهير في القرن الاخير اتيح له ان يلاقي افاضل العلماء من مشايخ مدينة العلم ولازم العديد من الفحول في تلك الايام واستفاد منهم) لقد كان رحمه الله مؤلفا مكثرا تعتز المكتبة العربية والاسلامية ببدائعه وروائعه ولاسيما كتاب (الهيئة والاسلام) وهو من عجائب التأليف ولاحت عبقريته في مجلة (العلم) ومجلة (المرشد) ومن مآثره (مكتبة الجوادين) التي اشتملت على النفائس من المطبوعات والمخطوطات في مختلف اقسام العلم انتفع الناس بها واستفادوا منها في اواسط القرن الماضي وحتى اليوم.وكانت منهلاً عذباً يزدحم عليه طلاب المعرفة وطلبة العلم ويرتاده الدارسون والمتعلمون ويقصده العلماء والفضلاء.ويقول عنه الدكتور عماد عبد السلام: ادركت الرجل لم يسبق زمانه او يتقدم على ابناء جيله فحسب وانما تجاوز عن وعي حدود مكانه ايضاً.برز هذا الشاب الطموح فمد بصره الى السماء كما فعل من قبل كبار النفوس فشغف بعلم الفلك واجال نظره فيما حوله من دول وحكومات فعرف قواعد علم السياسة حتى تبوأعن جدارة وزارة المعارف. في عهد كانت الصحافة تحبوا في العراق، عرف اهمية الصحافة مبكراً، سعى بكل جد الى توطيد اسس ادراك علمي سليم لما كان يجري في العالم من اختراعات واكتشافات ومنجزات فتتابع الخبر العلمي، فكان اصداره مجلته (العلم) يستهدف هذا كله حيث كانت رسالتها شاملة وقد حدد هو رسالتها بانها لن تختص بمبحث خاص او موضوع متفرد بل لها الخوض في كل علم وفن، في الدين وفي الفلسفة وفي التاريخ وسياسة البلد وفي سياسة الملك وسياسة العالم. وكذلك في الشعر والادب (كان العدد الاول السنة الاولى في 29 مارس 1910) خاض في مجلة العلم في حقائق الفلك، حيث عمد الى نشر ابحاث واخبار عن اكتشاف حركة جديدة للارض ليبلغ عدد حركاتها اثنتي عشرة حركة، وعن تعيين الارصاد الفلكية لنقطتي الشمالي والجنوبي كما استقرت قبل سنة واحدة من تاريخ صدور المجلة.كما قدم لقرائه معلومات محدثة عن صناعة انواع البارومترات والاسلحة المتطورة، وهن حركة المذنبات ومنها مذنب هالي الذي تصادف مروره بالارض في ذلك العام وعن تاثيره المتوقع على كوكب الارض. نقل هبة الدين لقرائه اخبار اخر المخترعات عن (تلغراف بلا سلك يوضع في الجيب) وقطع المحيط بالطائرات وفي مجال الطب قدمت العلم لقارئها معلومات جديدة عن طرق الوقاية من الامراض الوبائية، وغير ذلك من شؤون كانت جديدة على القراء في ذلك العهد.هو اول من طرح سؤال الى قراء العلم هو (لم سقطنا وبم نرتقي) وظلت المجلة تتلقى انواعاً من الاجابات التي سعى فيها اصحابها الى طرح وجهات نظر جادة حول كيفية نهوض الامة من تخلفها وعودتها لتؤدي دورها الحضاري في العالم من جديد.ونعتقد ان هبة الدين هو اول من جرؤ على اثارة مثل هذا السؤال في العراق. وشارك في تقديم حلول للازمة التي كانت تمر بها الامة قبل الحرب العالمية الاولى!وفي الواقع فان افق السيد كان لا يحده حد ولا يحجبه سقف فهو ان كان ابن النجف وربيب مدارسها فانه لم يجعل رسالته قاصرة على ابناء مدينته، بل خاطب كل المسلمين فلا تكاد تعرف لدعوته لونا ولا مذهبا ولم يتحيز لمدرسة معينة في الفقه او راي لعالم بذاته ولم يتعصب لفكرة محددة وانما كان في ارائه متفهماً لكل مدرسة او راي او فكرة يجد فيها ما ينفع قضية الانسان. بلغ من سبقه لعصره انه نبه بعد انتشار نبأ التسلح الذري الى خطورة هذه الاسلحة وحذر من نتائج تطورها، بل دعا الى انشاء سيطرة دولية على السلاح الذري! فكانت هذه الدعوة ارهاصاً بتأسيس منظمة الطاقة الذرية بعد حين من الدهر.وكان اول الداعين الى انشاء معسكر من الدول المحايدة! ليقف بين المعسكرين الشرقي والغربي بعد الحرب العالمية الثانية. فكانت دعوته هذه استشراقاً مبكراً لمنظمة دول عدم الانحياز.فيكفيه علوا ومنزلة علمية انه قبل اختراع القنبلة الذرية واكتشاف الذرة قال هذا البيت:فتش بطون اصغر الذرات، تجد شموساً بين سيارات هذا العالم الجليل الذي ظلمه وبخس حقه مجتمعه الجاهل فلم يعرف قدره وناله من ظلمهم وجهلهم ما ناله لانه وقف في وجه الجهلة واراد تنقية الدين من الخزعبلات والطقوس الفارغة، كما وافتى يجرمة نقل الجنائز لما يسببه من نقل للامراض وكلف لاهل الميت واساءة للميت نفسه فرحم الله الامام هبة الدين وعوضه عن جهلنا وظلمنا رحمة ومغفرة.
هبة الدين الشهرستاني
العرض العادي
