السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد أجمع علماء الشيعة على اسلام أبي طالب (رضوان الله عليه) تبعاً لأئمتهم (عليهم السلام) .
والأحاديث الدالة على ايمانه ، والواردة عن أهل بيت العصمة كثيرة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة ، وكان من الكتب الأخيرة : ( منية الراغب في ايمان ابي طالب ) للشيخ الطبسي .
وقد ألّف في اثبات ايمانه الكثير من الكتب من السنة والشيعة على حد سواء ، وقد انهاها بعضهم الى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : ( أبو طالب مؤمن قريش للاستاذ عبد الله الخنيزي ) .
هذا عدا البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخص بالذكر هنا ما جاء في (الغدير / للعلامة الأميني «قده» ج7 و 8) .
وقد نقل العلامة الاميني عن جماعة من أهل السنة : أنهم ذهبوا الى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في اثبات ذلك ، كالبرزنجي في (أسنى المطالب / 6 , 10) والاجهوري ، والاسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب شهاب الاخبار ، والتلمساني في حاشية الشفاء ، والشعراني ، وسبط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم .
بل لقد حكم عدد منهم ـ كابن وحشي والاجهوري ، والتلمساني بأن من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر [ راجع : الغدير 7 / 382 وغير ذلك ] .
بعض الأدلة على ايمان أبي طالب :
1- ما روي عن الائمة (عليهم السلام) والنبي ( صلى الله عليه وآله ) مما يدل على ايمانه ، وهم أعرف بأمر كهذا من كل احد .
2- نصرته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وتحمله تلك المشاق والصعاب العظيمة ، وتضحيته بمكانته في قومه ، وحتى بولده ، اكبر دليل على ايمانه .
3- استدل سبط ابن الجوزي على ايمانه بانه لو كان أبو طالب كافراً لكان شنّع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعدائه ( عليه السلام ) ، [ أبو طالب مؤمن قريش /272 , عن تذكرة الخواص ] .
4- تصريحاته وأقواله الكثيرة جداً ، فانها كلها ناطقة بايمانه واسلامه ومنها اشعاره التي عبر عنها ابن ابي الحديد المعتزلي بقوله : ان كل هذه الاشعار قد جاءت مجيء التواتر ، من حيث مجموعها . (شرح النهج 14 / 78) .
5- قد صرح أبو طالب في وصيته بأنه كان قد اتخذ سبيل التقية في شأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وان ما جاء به الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قد قبله الجنان وانكره اللسان ؛ مخافة الشنآن . واوصى قريشاً بقبول دعوة الرسول ومتابعته على امره ، ففي ذلك الرشاد والسعادة [ الروض الأنف 2 / 171 ـ ثمرات الاوراق / 94 ـ تاريخ الخميس 1 / 300 ـ السيرة الحلبية 1 / 352 ـ البحار 35/ 107 ـ الغدير 7 / 366 عن مصادر أخرى ] .
6- ترحّم النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليه ، واستغفاره له باستمرار ، وحزنه عليه عند موته [ تذكرة الخواص 8 ] وواضح أنه لا يصح الترحم إلاّ على المسلم .
7- وبعد كل ما تقدم نقول :
إن اسلام أي شخص أو عدمه ، إنما يستفاد من أمور أربعة :
أ ـ من مواقفه العملية ، ومواقف أبي طالب ، قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على اخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين .
ب ـ من اقراراته اللسانية بالشهادتين ، ويكفي أن نشير إلى ذلك القدر الكثير منها في شعره في المناسبات المختلفة .
ج ـ من موقف ممثل الاسلام ورائد الحق النبي الاعظم ( صلى الله عليه وآله ) منه (ص) المرضي ثابت منه (ص) تجاه أبي طالب على أكمل وجه .
د ـ من إخبار المطلعين على أحواله عن قرب وعن حس ، كأهل بيته ، ومن يعيشون معه . وقد قلنا : انّهم مجمعون على ذلك .
بل إن نفس القائلين بكفره لما لم يستطيعوا إنكار مواقفه العملية ، ولا الطعن بتصريحاته اللسانية ، حاولوا : أن يشبهوا على العامة بكلام مبهم لا معنى له ؛ فقالوا : (( إنه لم يكن منقاداً !! )) [ سيرة دحلان 1 / 44 , 47 ـ الاصابة 4 / 116 , 119 ] .
ومن أجل أن نوفي أبا طالب بعض حقه ، نذكر بعض ما يدل على إيمانه ، ونترك سائره ، وهو يعد بالعشرات ، لأن المقام لا يتسع لأكثر من أمثلة قليلة معدودة ، وهي :
1- قال العباس : يا رسول الله ، ما ترجو لأبي طالب ؟ قال : كل الخير أرجوه من ربي [ الاذكياء / 128 ـ شرح النهج للمعتزلي14 / 68 ـ طبقات ابن سعد 1 /79 ـ البحار 35 / 151 , 109 ] .
2- قال المعتزلي : روي بأسانيد كثيرة ، بعضها عن العباس بن عبد المطلب ، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة : أن أبا طالب ما مات حتى قال : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله [ شرح النهج للمعتزلي 14 / 71 ، ـ الغدير 7 / 369 عن البداية والنهاية 3 / 123 ـ سيرة ابن هشام 2 / 87 ـ الاصابة 4 / 116 ـ عيون الاثر 1 / 131 ـ المواهب اللدنية 1 / 71 ـ السيرة الحلبية 1 / 372 ـ السيرة النبوية لدحلان بهامشها 1 / 89 ـ اسنى المطالب /20 ـ دلائل النبوة للبيهقي ـ تاريخ أبي الفداء 1 / 120 ـ كشف الغمة للشعراني 2 / 144 ] .
3- وكتب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) رسالة مطولة لمعاوية جاء فيها : (ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق) [ وقعة صفين لنصر بن مزاحم /471 ـ الفتوح لابن أعثم 3 / 260 ـ نهج البلاغة الذي بهامشه شرح الشيخ محمد عبده 3 / 18 الكتاب رقم 17 ـ شرح النهج للمعتزلي 15 / 117 ـ الامامة والسياسة 1 / 118 ـ الغدير 3 / 254 عنهم ، وعن : ربيع الابرار للزمخشري باب 66 ـ مروج الذهب 2 / 62 ـ مناقب الخوارزمي الحنفي /180 ] .
فإذا كان أبو طالب كافراً وأبو سفيان مسلماً ، فكيف يفضل الكافر على المسلم ثم لا يردّ عليه ذلك معاوية بن أبي سفيان ؟!
4- وورد عنه ( صلّى الله عليه وآله ) أيضاً قوله : إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي ، وأمي وعمي أبي طالب ، وأخ لي كان في الجاهلية [ ذخائر العقبى / 7 عن تمام الرازي في فوائده ـ الدرج المنيفة للسيوطي / 8 ـ مسالك الحنفا / 14 عن ابي نعيم وغيره وذكر أن الحاكم صححه ـ تفسير القمي 1 / 380 ـ تفسير البرهان 2 / 358 ـ تاريخ اليعقوبي 2 / 35 ـ تاريخ الخميس 1 / 232 ] .
5- وعنه ( صلّى الله عليه وآله ) : إن الله عز وجل قال له على لسان جبرئيل : حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك . أما الصلب فعبد الله ، وأما البطن فآمنة ، وأما الحجر فعمه، يعني أبا طالب ، وفاطمة بنت أسد . وبمعناه غيره مع اختلاف يسير [ أصول الكافي 1 / 371 ـ البحار 35 / 109 ـ التعظيم والمنة للسيوطي / 27 ـ روضة الواعظين / 139 ـ شرح النهج 14 / 67 ـ الغدير 7 / 378 عنهم ، وعن : كتاب الحجة لابن معد / 8 ـ تفسير أبي الفتوح 4 / 210 ] .
والذي نرويه في أبي طالب أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال على جنازته : (وصلت رحمك يا عم وجزيت خيرا فلقد ربيت وكفلت صغيرا ونصرت وآزرت كبيرا)، وتألم كثيراً على موته.
وروي عن الصادق (عليه السلام) انه قال: (يا يونس ما يقول الناس في ايمان أبي طالب، قلت: جعلت فداك يقولون: هو في ضحضاح من نار يغلي منها أم رأسه، فقال: كذب أعداء الله أن أبا طالب من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا).
ونروي أيضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام): انه كان جالسا في الرحبة والناس حوله فقام اليه رجل فقال له: يا امير المؤمنين انك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك معذب في النار؟ فقال له: (فضَّ الله فاك والذي بعث محمداً بالحق نبياً لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله، أبي معذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار! والذي بعث محمداً بالحق ان نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار نور محمد ونور فاطمة ونور الحسن والحسين ونور ولده من الأئمة ان نوره من نورنا خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عام).
ونروي أيضا عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): قيل له: ان الناس يزعمون ان أبا طالب في ضحضاح من نار؟ فقال : (كذبوا، ما بهذا نزل جبرائيل على النبي (صلى الله عليه وآله))، قلت: وبما نزل؟ قال: (اتى جبرئيل في بعض ما كان عليه فقال: يا محمد ان ربك يقرؤك السلام ويقول لك: ان أصحاب الكهف اسروا الإيمان واظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين وان أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فاتاه أجره مرتين وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة، ثم قال عليه السلام : كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب : يا محمد اخرج عن مكة فمالك بها ناصر بعد أبي طالب ) .