شهدت الأسابيع القليلة الماضية مظاهرات واحتجاجات من الأهالي حول "مشروع التصميم الحضري" لمدينة كربلاء، التي تبعد بنحو 130 كم إلى الجنوب من العاصمة العراقية بغداد.
وثار الجدل حول جزء من المشروع خاص بتطوير مركز المدينة المقدسة، أو ما يعرف بالمدينة القديمة التي تضم اثنين من أهم المزارات الدينية المقدسة لدى المسلمين الشيعة، وهما ضريح الإمام الحسين وأخيه العباس ابني الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
ويقصد الضريحين، أو "الحرمين" في تسمية أخرى، مئات آلاف الزائرين سنويا من دول أخرى مثل إيران والهند وباكستان ولبنان وبعض دول الخليج عدا عن الزيارات المليونية الداخلية في المواسم الدينية.
وقال المهندس حيدر الأسدي مدير فرع المركز العالمي للأبحاث الفنية، وهو المركز الذي نظم مسابقة بين العديد من الشركات الهندسية العالمية لاختيار التصميم الأفضل لمركز المدينة أن "هناك توسعة ستجري للأرض المحيطة بالعتبات المقدسة، وستنشأ ثلاث إلى أربع ساحات بمحاذاة الحرمين بالإضافة إلى إنشاء ساحة مركزية ومسجد ومبان أخرى دينية وخدمية".
وأوضح الأسدي: " أن "الهدف من هذه الساحات هو استيعاب أكبر عدد من الزائرين حيث تضيق بهم المدينة القديمة أيام المناسبات الدينية الهامة لدى الشيعة، خاصة زيارة العاشر من محرم، والأربعين والنصف من شعبان"، مشيرا إلى أن التصميم الجديد الخاص بمركز المدينة ينتظر أن تصادق عليه وزارة البلديات خلال الأيام القليلة المقبلة.
التصميم الفائز المقدم من شركة إيرانية تدعى "الكوثر" أثار حفيظة المواطنين، فهو يوصي بإزالة مئات الفنادق والمنازل والمحال التجارية المحيطة بالحرمين، وتحويل الأرض التي شيدت عليها المباني إلى أرض فضاء تشيد عليها أبنية خدمية وحدائق.
وقد احتج أهالي كربلاء وتحديدا من يسكنون مركز المدينة ومن يملكون الفنادق والمحال التجارية على مشروع التطوير، ويقول خضير اللاوندي وهو صاحب محل لبيع التحف والشرقيات في محيط الحرمين إن "كربلاء ليست بحاجة لمتنزهات على حساب تاريخها وهويتها الدينية" ويعتقد اللاوندي أن "كل أبناء كربلاء ممن يسكنون مركز المدينة يرفضون إزالة بناياتهم ودورهم".
غير أن علي سعود وهو تاجر مفروشات يقع محله مقابل ما يعرف بـ "باب قبلة العباس" قال إن اعتراضات كثيرين من التجار تدور حول "مدى قدرة الجهات التنفيذية على إيجاد بدائل لمحلاتهم وليس حول مشروع التطوير نفسه".
وبالطبع لا تمثل وجهة نظر المعترضين على تطوير مركز مدينة كربلاء، الوحيدة، فمن المواطنين من يعتقد بأهمية تطوير المدينة وإن تسبب هذا التطوير بإزالة أبنية ومنشآت مقامة منذ عشرات السنين، ويقول سلام عبد الأمير إن" تطوير كربلاء سيخلق فرص عمل إضافية" بينما قال المواطن حميد جواد إن "الكثير من الأبنية المتهالكة بحاجة للإزالة لتكون كربلاء أجمل".
ويعتقد سكان كربلاء أن حركة الزائرين باتجاه مدينتهم يمكن أن تنعكس بالإيجاب على تحسين ظروفهم المعيشية، خصوصا أن الكثير من سكان المدينة يعملون في السوق.
وسعت الحكومة المحلية السابقة في كربلاء إلى تنشيط الاستثمار الأجنبي في المدينة في مجال السياحة والفندقة لمواكبة الإقبال الكبير نحو زيارة المدينة، غير أن كربلاء القديمة تعاني من قدم فنادقها وضيق شوارعها ولم تعد تتسع لملايين الزائرين ممن يقصدونها.
المعترضين وبهدف تأكيد رفضهم لمشروع التطوير تظاهروا أكثر من مرة رافعين لافتات ترفض مشروع التطوير وتصفه بأنه "مشروع عشوائي" وقال المحامي صباح ضياء الدين أحد المتظاهرين إن "مشروع تطوير مركز كربلاء يوصف بالعشوائي لأنه وضع في شهرين بينما يستغرق وضعُ تصميم لفندق واحد حديث ستة أشهر على الأقل".
ويعتقد ضياء الدين أن "هذا المشروع ليس ناضجا ويتسبب بخسائر كبيرة مادية ومعنوية لمدينة كربلاء". موضحا أن المسابقة بدأت منذ كانون الثاني 2007 وسلم التصميم لوزارة البلديات في 8 آذار 2009.
وقال متظاهر آخر من أبناء المدينة القديمة ويدعى علي جسام إن "كل دول العالم تحافظ على إرثها الثقافي والحضاري وتحتفظ بمعالم مدنها وكربلاء القديمة إرث حضاري" ويضيف علي أن"الأزقة الضيقة والمحلات الصغيرة والمباني القديمة تحمل رائحة الزمن" ويرى أنه ليس من السهولة "التفريط" بهذه المعالم التي تشكل ملامح المدينة وتحمل تاريخها.
وبالرغم من أن المنطقة، تعد أكثر المناطق قداسة لدى شيعة العالم، إلا أن الجدل المثار حول تطويرها بقي بعيدا عن التجاذبات الدينية. فقد أيد الشيخ عبد المهدي الكربلائي وهو معتمد لدى أبرز مراجع الشيعة "آية الله العظمى علي السيستاني" تطوير كربلاء القديمة، وقال خلال خطبة صلاة الجمعة أقيمت قبل أسبوعين في حرم الإمام الحسين إن "مدينة كربلاء المقدسة بما لها من موقع ديني وسياحي تحتاج إلى التطوير والتوسعة لسد الاحتياجات المتزايدة لأبناء المدينة من حيث الخدمات المتعددة وتلبية احتياجات الزائرين".
لكن الكربلائي شدد على ضرورة المحافظة على الطابع التراثي والديني لبعض الأسواق والمواقع الدينية في المدينة. واقترح تشييد أسواق بديلة عن الأسواق التي سيطالها التهديم "على أن تكون قريبة من مركز المدينة" وأشار إلى أن ذات الأسماء التي حملتها الأسماء التي ستزال يمكن إطلاقها على الأسواق الجديدة.
من جهته قلل رئيس لجنة العلاقات العامة في مجلس كربلاء والمحافظ السابق عقيل الخزعلي، من أهمية الاعتراضات على مشروع تطوير مركز المدينة، وقال الخزعلي إن "هذا المشروع سينفذ بالقوة في حال مصادقة وزارة البلديات عليه مضيفاً "إنه سيصبح قانونا".
ولفت الخزعلي إلى أن أهمية التصميم الحضري لمركز كربلاء "تكمن في كونه أرضية للنهوض الاقتصادي والعمراني" مشيرا إلى أن كل من سيتضررون من مشروع التطوير سيحصلون على تعويضات مجزية.