قوله تعالى : * ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) * الآية وجه الاستدلال إن الملائكة يستحيل عليهم الجهل المركب ، وقد حكموا بأن وجود غير المعصوم يشتمل على مفسدة ، فأجابهم الله تعالى بقوله : * ( قال إني أعلم ما لا تعلمون ) * معناه إن في وجوده من المصالح ما يقتضي ترجيح الوجود على العدم ، فإذا كان وجود غير المعصوم يشتمل على مفسدة ما فيكون تحكيمه وتمكينه مع عدم معصوم يقربه ويبعده محض المفسدة القبيحة التي يستحيل صدورها منه تعالى ، فلا يكون إماما ، لا يقال هذا يدل على نقيض مطلوبكم ، لأنه يدل على عدم عصمة آدم عليه السلام لأنه تعالى قال : * ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد ) * إلى آخرها ، والخليفة آدم ، وقولهم إشارة إليه وإذا لم يكن النبي صلى الله عليه وآله معصوما فالإمام أولى أن لا يكون كذلك ، لأنا نقول لا نسلم أنه يدل على عدم عصمة آدم عليه السلام ، فإن قولهم : * ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) * ليس إشارة إلى آدم وإنما هو إشارة من يلده آدم عليه السلام ، إذ آدم عليه السلام لم يوجد منه فساد في الأرض ولا سفك دماء وهو ظاهر ، ووجه الانكار أنهم عرفوا إن وجود آدم عليه السلام على وجه يحصل منه النسل والعقب المنتشر المتكثر مع عدم عصمة أكثرهم مستلزم للمفسدة وهذا مما يؤكد امتناع تحكيم غير المعصوم
غير المعصوم لا يمكن العلم بإمامته قطعا وكل من لا يمكن العلم بإمامته لا يكون إماما ينتج لا شئ من غير المعصوم يكون إماما بالضرورة أما الصغرى فلأن الإمام هو الذي يقرب من الطاعة ، ويبعد عن المعصية مع تمكنه دائما فكل من لم يعلم منه ذلك لا يعلم إمامته لتجويز خطئه وتعمده لارتكاب المعاصي والأمر بها وتجاوزه عن الأمر بالطاعة والعلم ينافي تجويز النقيض ، وإنما يعلم ذلك بعصمة الإمام وهذا ظاهر ، وأما الكبرى فلأنه إذا لم يمكن العلم بإمامته لو كان إماما لزم تكليف ما لا يطاق ، وأنه لا تجب طاعته لعدم العلم بالشرط وإلا لزم تكليف الغافل
غير المعصوم أما أن يكفي في تقريب نفسه من الطاعة وتبعيده عن المعصية أو لا يكفي
فإن كان الأول استغنى عن إمام مطلقا ولم يحتج إلى إمام
وإن كان الثاني ، فإذا لم يكف في تقريب نفسه فأولى أن لا يكفي في تقريب غيره ولا يصلح
الإمام يجب أن يخشى منه بالضرورة ولا شئ من غير المعصوم يجب أن يخشى منه . ينتج لا شئ من الإمام بغير معصوم بالضرورة . أما الصغرى فظاهرة فإنه لولا ذلك لانتفت فايدته ، ولقوله تعالى : * ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) * فأوجب طاعته وكل من أوجب الله طاعته وجب أن يخشى منه لقوله تعالى : * ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )
وأما الكبرى فلأن غير المعصوم ظالم لصدور الذنب منه
وقال تعالى : * ( فمنهم ظالم لنفسه )وكل ظالم لا يخشى منه لقوله تعالى : * ( إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم )
الإمام يزكيه الله تعالى قطعا يوم القيامة ولا شئ من غير المعصوم كذلك ، فلا شئ من الإمام بغير معصوم ، أما الصغرى فلقوله تعالى : * ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) * فقد زكاهم الله تعالى ويزكيهم الرسول والله يوم القيامة بقبول شهادتهم ، وذلك إنما هو لامتثال أمر الله تعالى ونهيه والطاعات ، فالإمام الذي هو مقرب لهم إلى الطاعة ، ومبعد لهم عن المعصية ، وهو لطف في التكليف وبه فعلوا ذلك أولى بذلك بل ينبغي أن يكون هو المراد بذلك لا غير ، وأما الكبرى فلقوله تعالى : * ( أن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) * وغير المعصوم يمكن أن يكتم ما أنزل الله ويشتري به ثمنا قليلا ، فليس مقطوعا بتزكية الله تعالى له يوم القيامة كما فعل عمربن الخطاب حيث امر باعدام السنة النبوية ومعاقبة كل من يدون حديثا عن رسول الله
( ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة ) * فيجب الاحتراز عن غير المعصوم
وامتثال قول غير المعصوم إلقاء باليد إلى التهلكة لجواز أمره بالمعصية والخطأ
فيكون منهيا عنه
وهذا ما حدث كثيرا في زمن الطواغيت الثلاثة حيث اخطاوا في كثير من الاحكام
فيجب إمام معصوم يمتثل قوله
( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) * وهو الاحتراز عن الشبهات فلا بد من طريق محصل للعلم بأوامر الله تعالى ونواهيه ، والمراد من خطابه حتى يحصل ذلك في كل عصر وليس ذلك إلا قول المعصوم ، لأن الكتاب والسنة غير وافيين بذلك عند المجتهد ولا المقلد ، فيجب المعصوم في كل عصر
امتثال قول غير المعصوم يشتمل على الخوف والشبهة لجواز أمره بالخطأ عمدا أو خطأ فلا يكون من باب التقوى ، وامتثال أمر الإمام من باب التقوى بالضرورة ، فلا شئ من غير المعصوم بإمام وهو المطلوب
الإمام يلزم من طاعته واتباعه عدم اتباع خطوات الشيطان وتركه لأن الله تعالى أمر بطاعة الإمام بقوله تعالى : * ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) * ونهى عن اتباع خطوات الشيطان بقوله تعالى : * ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) * وفاعل المأمور به لا يكون فاعلا للمنهي عنه من هذه الجهة لاستحالة تعلق الأمر والنهي بشئ واحد ، ولا شئ من غير المعصوم يلزم من طاعته واتباعه عدم اتباع خطوات الشيطان وهما ينتجان من الثاني لا شئ من الإمام بغير المعصوم وهو المطلوب وقد ثبت ان ابوبكر قال له شيطان يعترية