بالنسبة الى لفظة (حي على خير العمل) و كيف تم حذفها من الآذان ؟
نقول: انه بحسب التحقيق ثبت من طرق عدة انّ من أمر بحذفها هو عمر بن الخطاب بعد أنْ كانت هذه اللفظة ثابتة على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أيام أبي بكر و شطراً من خلافة عمر, و قد عمل بها جملة من الصحابة و التابعين منهم الامام امير المومنين علي (عليه السلام) و عبد الله بن عمر بن الخطاب و ابو محذورة و زيد بن أرقم و زين العابدين (عليه السلام) و أبو امامة بن سهل بن حنيف و غيرهم.
فقد ذكر غير واحد من المحققين منهم (سعد الدين التفتازاني في حاشية شرح العضدين) و القوشجي في أواخر مبحث الامامة في كتاب (شرح التجريد) انّ عمر بن الخطاب قال و هو على المنبر: ((ثلاث كنَّ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) و انا أنهى عنهن و أحرمهن و أعاقب عليهن.... و ذكر منهن حي على خير العمل ))!!
جاء في روايات أخَر بأنّ تنحية لفظة (حي على خير العمل) من الآذان بأمر عمر جاء لكي لا تثبط هذه اللفظة المسلمين عن الجهاد اذا ظل المنادي ينادي بأنها خير الاعمال !
و ماذكر ليس بكاف لتنحية لفظة من الفاظ الأذان , لا سيما و أنّ المسلمين لم يتثبَّطوا عن الجهاد حينما كان يؤذن بها أيام النبي (صلى الله عليه و آله) , بل صح عن الرسول (صلى الله عليه و آله) انه قال (خير أعمالكم الصلاة), و مع هذا فقد ظل جملة من الصحابة يؤذنون بها , حتى أنه روي عن عبد الله بن عمر, الخطاب انه كان يؤذن بـ ((حي على خير العمل)), فيقال له: إن عمر قد أزالها من الأذان ! فيقول لهم : رسول الله (صلى الله عليه و آله) أحق أنْ يتبع.
و لكنّ تنحيتها بأمر عمر و إخلاء الأذان الرسمي للدولة منها جعلها تختفي شيئاً فشيئاً , و بذلك توارثت الاجيال الاذان الخالي منها, و جاء عصر تدوين الحديث فتحير كبار المحدثين في مسألة الأذان , فما يسمعونه من الأذان الموروث المبتور منه ((حي على خير العمل)) شيء و ما يروى من طريق الثقات المعول عليهم في النقل شيء آخر.
لكن الغريب في الأمر ان كثيراً من روايات أهل السنة في مسألة مشروعية الأذان محل نظر و تأمل , فأكثرها قد استند الى أحلام و رؤى بعض الصحابة لنصوص الاذان في المنام مع اختلاف شديد في ألفاظ الروايات منها :
أولاً: أن النبي (صلى الله عليه و آله) اهتم للصلاة كيف يجمع الناس لها . فقيل له انصب راية فاذا رأوها آذن بعضهم بعضاً فلم يعجبه ذلك فذكروا له القبع يعني الشبور أي شبور اليهود فلم يعجبه ذلك و قال هو من أمر اليهود , فذكروا له الناقوس فقال هو من أمر النصارى..... إلى أنْ انصرف عبد الله بن زيد و هو مهتمٌ لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأريَ الأذان في منامه قال فغدا على رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأخبره فقال له يا رسول الله اني لبين نائم و يقظان إذ أتاني آتف فأراني الاذان . قال و كان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً ثم أخبر به النبي (صلى الله عليه و آله) فقال ما منعك أنْ تخبرني ؟ قال سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت . فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) يا بلال , قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله قال فاذن بلال (الحديث).
ثانياً: في رواية اخرى تقول أنّ جبرئيل أذن في سماء الدنيا فسمعه عمر و بلال , فسبق عمر بلالاً فأخبر النبي (صلى الله عليه و آله) ثم جاء بلال فقال له سبقك بها عمر.
و ثالثاً: تقول ان سبع من الانصار رأوه و قيل اربعة عشر و رواية تقول ان بلالاً كان يؤذن فيقول اشهد ان لا إله إلا الله حي على الصلاة, فقال له عمر اشهد أن محمداً رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال له النبي (صلى الله عليه و آله) يابلال قل كما قال عمر. إلى غير ذلك.
فراجع المصادر التالية سنن ابي داود (1/ص335) والمصنف لعبد الرزاق (1/455ـ 465) و الموطأ مع شرح الزرقاني (1/120ـ 125) و سنن الترمذي (1/358ـ 361) و مسند أحمد (4/42) و سنن ابن ماجه (1/124) و سيرة ابن هشام (2/154) و فتح الباري (2/63ـ 66) و سنن الدارقطني (1/241ـ 42) و غيرها.
و مثل هذه الروايات لا شك في أنها مردودة لانّ أحلام غير الانبياء (صلوات الله عليهم) لا يترتب عليها أثر شرعي و إنّ أجاب عن ذلك بعض أهل السنة بأن ذلك من قبيل ان روى عبد الله بن زيد احتمال انْ تكون مقارنة للوحي أو تنويها بشأن الأذان و رفعا لذكره ! فإنما هي اجابات لا تسمن و لا تغني من جوع لو أنصفوا, لأنه لو صح مثل هذا التأويل لوجب أنْ يكون تشريع الصلاة و الأدعية و إيجاب الشهادتين و غير ذلك على لسان غيره تنويها لهذه الامور و تفخيماً لها على أنّ أهل البيت (عليهم السلام) قد ذموا مثل هذه الروايات و كذبوها و قالوا إن دين الله أعز من أنّ يرى في النوم. (انظر وسائل الشيعة (4/612ـ 613) .
و للفائدة أكثر راجع (الصحيح من السيرة للسيد جعفر مرتضى العاملي ج4).
و قد روي عن ابن عباس أنه سئل لأي شيء حذف من الآذان حي على خير العمل قال: ((أراد عمر بذلك ألا يتكل الناس على الصلاة و يدعوا إلى الجهاد فلذلك حذفها من الآذان)).
و كذلك أضاف عمر (الصلاة خير من النوم).
ففي (موطأ مالك ج1 ص 72): (( أنه بلغه أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً فقال : الصلاة خير من النوم . فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح)).
التعديل الأخير تم بواسطة ** مسلمة سنية ** ; 22-01-2010 الساعة 07:23 PM.