باب التيمم وقول الله تعالى { فلم تجدوا ماءً فتيمموا }
47- ... عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام لناس معه وليسوا على ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء ؟
فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال : حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء ؟
فقالت عائشة : فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء فأنزل الله أية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن الحضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ، قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب التيمم ، باب إذا لم يجد الماء ، وكتاب فضائل الصحابة ، باب قول النبي : لو كنت متخذاً خليلاً ، وكتاب التفسير ، باب { وإن كنتم مرضى } ، وباب { فلم تجدوا ماءً } وكتاب النكاح ، باب استعارة الثيـاب للعروس ، وكتاب اللباس ، باب استعارة القلائد ، وكتاب الحدود ، باب من أدب أهله .
يقول ابن حجر في شرحه :
قوله ( في بعض أسفاره ) قال ابن عبدالبر في التمهيد : يقال أنه كان في غزاة بني المصطلق ... وسبقه إلى ذلك ابن سعد وابن حبان ، وغزاة بني المصطلق هي غزوة المريسيع وفيها وقعت قصة الإفك لعائشة ... فإن كان ما جزموا به ثابتاً حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين لاختلاف القصتين كما هو مبين في سياقهما ! واستبعد بعض شيوخنا ذلك ، قال : لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل ، وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث ( حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش ) وهما بين المدينة وخيبر كما جزم به النووي .
... نقل ابن بطال أنه روى أن ثمن العقد المذكور كان اثنا عشر درهماً ، ويلتحق بتحصيل الضائع ... وفيه إشارة إلى ترك إضاعة المال .
ويقول ابن حجر : قد جنح البخاري في التفسير إلى تعددها حيث أورد حديث الباب في تفسير المائدة وحديث عروة في تفسير النساء ، فكان نزول آية المائدة بسبب عقد عائشة وآية النساء بسبب قلادة أسماء .
أقول :
أيعقل أن يتوقف الرسول الأكرم بجيشه بسبب ذلك العقد الذي يساوي اثنا عشر درهماً ؟!
وما قصة هذا العقد المشؤوم الذي هو دائماً في حالة ضياع ؟!
هذه الرواية التي تختلف عن رواية الإفك في أمور ومن عدة وجوه نذكر منها :
الوجه الأول : أن ضياع العقد ونوم الرسول الأكرم على فخذ عائشة ونزول آية التيمم ورؤية العقد تحت البعير يتبين لنا أن عائشة بعد رؤية العقد تحت البعير قد ركبت البعير ورجعت مع الرسول الأكرم إلى المدينة .
أما في الرواية الثانية فقد نسوا عائشة ورحلوا عنها إلى أن جاء صفوان السلمي وعاد بها إلى المدينة فتأمل ذلك .
الوجه الثاني : في الرواية الثانية بعد عودتها مع صفوان إلى المدينة أخذ المنافقون يوجهون التهم إلى عائشة حتى شاع الخبر بين أهل المدينة وأخذ الرسول الأكرم لا يدخل على عائشة كثيراً ولا يكلمها إلى أن نزلت آيات الإفك .
أما في الرواية الأولى فلا شيء من ذلك ، فلا يختلط الأمر عليك أخي القارئ ! وفي الرواية فضيلة لعائشة وتعظيم لها ببركة ذلك العقد ونزول آية التيمم وثناء أسيد بن حضير عليها ، كل ذلك تعظيماً لعائشة وتعظيم عائشة يعني تعظيم أبي بكر ، وسوف نوافيك بحقيقة الإفك لاحقاً إن شاء الله تعالى في
ج 1 ، ص 505 ، حديث 256 ، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً ، كتاب الشهادات .
باب الصعيد الطيب وضوء المسلم
48- ... عن عمران قال : كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها ، فما أيقظنا إلا حر الشمس وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان يسميهم أبو رجاء فنسي عوف ثم عمر بن الخطاب الرابع ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه ، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس وكان رجلاً جليداً فكبر ورفع صوته بالتكبير ، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم ، قال : لا ضير أو لا يضير ، ارتحلوا فارتحل فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس ... .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب المناقب ، باب علامات النبوة .
يقول ابن حجر :
قد اختلف العلماء هل كان ذلك مرة أو أكثر – أعني نومهم عن صلاة الصبح – فجزم الأصيلي بأن القصة واحدة .
ففي الطبراني :
... قال ذو مخبر : فما أيقظني إلا حر الشمس فجئت أدنى القوم فأيقظته وأيقظ الناس بعضهم بعضاً حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم .
ويقول ابن حجر :
وقد تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم إن عيني تنامان ولا ينام قلبي .
ويقول : فإن من ابتداء طلوع الفجر إلى حميت الشمس مدة طويلة لا تخفى على من لم يكن مستغرقاً لأنا نقول يحتمل أن يقال كان قلبه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقاً بالوحي .
أكتفي بما في شرح ابن حجر العسقلاني فأقول وباختصار شديد :
ان النبي الأكرم نام عن صلاة الصبح المفروضة فصلاها قضاءً بعد طلوع الشمس ، وهذا يناقض ما جاء في مسند أحمد بن حنبل ... عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : حبب إلى من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني الصلاة [1] .
أقول :
يا رسول الله تقول ما لا تفعل ولا تعمل بما تقول ، فهذه الصلاة التي هي قرة عينك نمت عنها وصليتها قضاءً .
راجع ج 1 ، ص 265 ، حديث 139 ، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل من كتاب التهجد لتقرأ ما كنت تبحث عنه .
باب التيمم ضربة
49- ... عن شقيق قال : كنت جالساً مع عبدالله وأبي موسى الأشعري فقال له أبو موسى لو أن رجـلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً أما كان يتيمم ويصلي ؟ فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة لمائدة { فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباًً } ؟
فقال عبدالله : لو رُخِّص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد ، قلت : وإنما كرهتم هذا لذا ، قال : نعم ، فقال أبو موسى ألم تسمع قول عمار لعمر بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرَّغت في الصعيد كما تمرغ الدابة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا ، فضرب بكفه ضربة على الأرض ثم نفضها ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه ، ثم مسح بهما وجهه .
فقال عبدالله : أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار وزاد يعلى عن الأعمش عن شقيق كنت مع عبدالله وأبي موسى فقال أبو موسى ألم تسمع قول عمار لعمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني أنا وأنت فأجنبت فتمعكت بالصعيد فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه ، فقال : إنما كان يكفيك هكذا ومسح وجهه وكفيه واحدة .
جاء في البخاري أن رجلاً أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماءً فقال لا تصل ... الحديث .
راجع ذلك في كتابنا هذا ج 1 ، ص 59 ، حديث 3 ، كتاب الإيمان ، باب تفاضل أهل الإيمان .
(146) ج3 ، ص168 و 199 و 285 ، ط دار الفكر العربي .
50- حدثنا يحيى بن بكير ... عن يونس عن ابن شهاب ... عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فَعَرَجَ بي إلى السماء الدنيا ، فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء افتح ! قال : من هذا ؟ قال : هذا جبريـل ، قال : هل معك أحد ؟ قال : نعم ، معي محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : أُرسل إليه ؟ قال نعم ، فلما فتح علونا السماء الدنيا فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة ، إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل يساره بكى ، فقال : مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح ، قلت لجبريل : من هذا ؟ قال : هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه ، فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار ، فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى ، حتى عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها : افتح ! فقال له خازنها مثل ما قال الأول ، ففتح ، قال أنس فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم صلوات الله عليهم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنـه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة ، قال أنس فلما مرَّ جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم بإدريس قال : مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح ، فقلت : من هذا ؟ قال : هذا إدريس ، ثم مررت بموسى فقال : مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح ؟ قلت من هذا قال هذا موسى ، ثم مررت بعيسى فقال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ، قلت من هذا قال هذا عيسى ، ثم مررت بإبراهيم فقال مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح ، قلت من هذا قال هذا إبراهيم صلى الله عليه وسلم .
قال ابن شهاب : فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام ، قال ابن حزم وأنس بن مالك قال النبي صلى الله عليه وسلم ففرض الله على أمتي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى مـررت على موسى فقال : ما فرض الله لك على أمتك ؟ قلت : فرض خمسين صلاة ، قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فراجعني فوضع شطرها ، فرجعت إلى موسى قلت وضع شطرها ، فقال : راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فراجعت فوضع شطرها ، فرجعت إليه فقال : ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فراجعته فقال : هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي ، فرجعت إلى موسى فقال : راجع ربك فقلت استحييت من ربي ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي ، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها حبايل اللؤلؤ وإذا ترابها المسك .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب التوحيد ، بـاب { وكلم الله موسى } .
من رواة هذه الرواية يحيى بن بكير المصري الذي ضعفه النسائي وقال فيه أيضاً : ليس بثقة [1] !
ومن الرواة أيضاً يونس بن يزيد الأيلي !
قال وكيع : رأيت يونس بن يزيد الأيلي وكان سيء الحفظ !
وكان أحمد بن حنبل يحمل على يونس وضعف أمره ! وقال فيه أيضاً : يونس كثير الخطأ عن الزهري !
وقال : في حديث يونس بن يزيد منكرات عن الزهري !
وقال فيه : روى أحاديث منكرة [2] !
وقال أبو حاتم الرازي : لقيت يونس وذاكرته بأحاديث الزهري المعروفة وجهدت أن يقيم لي حديثاً فما أقامه [3] !
أرجو أن لا يفوتك أيها القارئ فإن يونس يروي هذه الرواية عن محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري !! فتأمل .
أقول : لنا على هذا الحديث عدة ملاحظات :
أولاً : من كان نبياً وهو في صلب آدم ومن ولد مختوناً طاهراً من السهل على الله تعالى أن يجعل الحكمة والإيمان في صدر هذا النبي الكريم ومن دون فتح ذلك الصدر وغسله بماء زمزم وما إلى ذلك من حكايات العجائز التي يردها العقل ولا يقبلها أولو الألباب .
ثانياً : النبي موسى عليه السلام يشير على نبينا الأكرم أن يطلب من الله تعالى أن يخفف الصلاة على أمته !
أقول : اعلم أخي الكريم بأن شريعة موسى قد انتهت ونبينا أفضل الأنبياء وأكرمهم على الله تعالى ومنزلته أعلى منزلة من موسى ومن يكون قاب قوسين أو أدني فهو أفضل ممن أجيب بأنك { لن تراني } ، ولو أراد نبينا أن يستشير فجبريل هو المستشار .
يقول ابن تيمية في منهاج السنة :
واليهود قالوا افترض الله علينا خمسين صلاة وكذلك الرافضة [4] .
فبالله عليك أيها القارئ المنصف من القائل الآن بالخمسين صلاة ؟ نحن أم هذا الناصبي الكذاب ؟!
فراجع جميع كتب العامة الصحيح منها والسنن لترى ذلك وأن الصلاة فُرضت خمسين صلاة في بادئ الأمر ، ثم راجع كتبنا وما نعتقده فلن ترى من يصدق ويعتقد بهذه الرواية اليهودية ، فنحن ولله الحمد جميع فقهائنا وعلمائنـا
وعلى رأس هؤلاء من نعتقد بإمامتهم فإنهم يرفضون هذه الرواية جملة وتفصيلاً ويضربونها بِعُرض الحائط ، فاحكم بنفسك أيها القارئ على هذا الناصبي الذي يكذب في منهاجه كثيراً .
أعيد وأقول : ( يكذب كثيراً ) فراجع لترى صحة قولنا في ذلك .
وأخيراً :
من الذي يشبه في اعتقاده مع اليهود ، نحن أم هذا الناصبي ومن على منهجه واعتقاده ؟!
ثم ألا يعلم الله سبحانه وتعالى مقدار تحمل أمة محمد صلى الله عليه وآله حتى يكلفهم ما لا يطيقونه ؟!
وأيضاً لا ننسى أن اليهود وعن طريق كعب الأحبار يريدون أن يجعلوا لنبيهم موسى عليه السلام الفضل على نبينا الكريم وعلى الأمة الإسلامية قاطبة ويريدون أن يقولوا للمسلمين نحن لنا الفضل عليكم في أمور كثيرة منها قد خفف نبينا موسى عنكم الصلاة وإلا لكان صلاتكم خمسين صلاة بدل خمسة .
باب الصلاة في الثوب الواحد
51- ... عن أبي النضر مولى عمر بن عبيدالله أن أبا مُرَّة مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول : ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره ، قالت : فسلمت عليه فقال : من هذه ؟ فقلت أنا أم هانئ بنت أبي طالب ، فقال مرحباً
بأم هانئ ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد ، فلما انصرف قلت يا رسول الله زعم ابن أمي أنه قاتل رجلاً قد أجرته ، فلان ابن هبيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ، قالت أم هانئ : وذاك ضحى .
أقول :
لقد ذكرت في الصفحات السابقة أن فاطمة عليها السلام هي التي كانت تقوم بشؤون أبيها دون نساءه ، وكما قال أبو هريرة لعائشة : يا أمَّه ، طلبتها وشغلك عنها المرآة والمكحلة وما كان يشغلني عنها شيء .
راجع : ج 1 ، ص 107 ، حديث 33 ، من كتابنا هذا باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه من كتاب الوضوء .
باب كراهية التعرِّي في الصلاة
52- ... حدثنا عمرو بن دينار قال : سمعت جابر بن عبدالله يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره ، فقال له العباس عمه يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلت على منكبيك دون الحجارة ، قال : فحلَّه فجعله على منكبيه فسقط مغشياً عليه ، فما رؤي بعد ذلك عرياناً صلى الله عليه وسلم .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب الحج ، باب فضل مكة ، وكتاب
مناقب الأنصار ، باب بنيان الكعبة .
يقول ابن حجر – نقلاً عن ابن اسحاق في السيرة - : أنه صلى الله عليه وسلم تعرّى وهو صغير عند حليمة ، فلكمه لاكم فلم يعد يتعرّى !
أقول :
ألا يعلم الرسول الأكرم بأنه إذا حل إزاره ووضعه على منكبيه فما الشيء الذي سوف يستره غير ذلك الإزار الذي حله ؟!
فكيف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكل بساطة ينقاد إلى رأي عمه ويحل إزاره ويكشف عن عورته ؟!
ألا يدلنا ذلك على جهل النبي الأكرم !
قد يقول قائل : إن ذلك كان قبل البعثة !
فأقول :
أولاً : أنت تريد أن تسلب العصمة من النبي !
ثانياً : مسألة ستر العورة من الفطرة ، فعامة البشر ملتزمون به ، ومن القبح أن ننسب ذلك لنبينا الأكرم .
جاء في صحيح مسلم : ... عن المسور بن مخرمة قال : أقبلت بحجر أحمله ثقيل وعلي إزار خفيف قال : فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغت بـه إلى موضعه ، فقـال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع إلى
ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة [5] .
لاحظ التناقض الجلي بين الروايتين .
باب ما يستر العورة
53- ... حميد بن عبدالرحمن بن عوف أن أبا هريرة قال بعثني أبا بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان قال حميد بن عبدالرحمن ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فأمره أن يؤذن ببراءة قال أبو هريرة : فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان .
ورد ذكر هذا الحديث في كتاب التفسير ، باب { فسيحوا في الأرض } وباب { وأذان من الله } .
لاحظ أخي القارئ وتمعن في الرواية ، فإن هذا الدوسي قلب الجملة فبدلاً من أن يقول ( فَأَذّّنَّا مع علي ) قال : ( فأذن معنا علي ) !! في حين أن الإمام كان هو المبعوث على رأس هؤلاء .
يقول أحمد بن شعيب النسائي :
... عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ببراءة إلى أهل مكة مع أبي بكر ثم اتبعه بعلي فقال له : خذ الكتاب فامض به إلى أهل
مكة قال : فلحقته وأخذت الكتاب منه فانصرف أبو بكر وهو كئيب فقال يا رسول الله أنزل في شيء ؟ قال : لا إلا أني أمرت أن أبلغه أنا أو رجل من أهل بيتي [6] .
على ضوء هذه الرواية كان على أبي هريرة أن يقول فأذنت مع علي في أهل منى يوم النحر لأن الزعيم والأمير والنائب للرسول الأكرم هو علي عليه السلام وهو الذي أمره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤذن ببراءة ، ولكن هذا الدوسي يقول : فأذن ( معنا ) علي ، أراد بذلك أن يُهمَّش علياً عليه السلام في النداء أو الأذان ببراءة .
إن أيادي بني أمية وتبنِّيهم هذا الدوسي هي التي جعلته ينتقص علياً عليه السلام وفي الرواية حميد بن عبدالرحمن بن عوف القرشي الزهري ... أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أخت عثمان بن عفان لأمه ... روى عن ... عبدالله بن عمر بن الخطاب وعبدالله بن عمرو بن العاص ... وأبيه عبدالرحمن بن عوف ... وخاله عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان وأبي هريرة ... [7] .
فهو أموي حتى النخاع ، أي أنه ينصب العداء لأهل البيت عليهم السلام ، فتأمل .
(147) تهذيب الكمال للمزي ، ج31 ، ص403 ، ترجمة 6858 ، ط1/1413هـ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
(148) نفس المصدر السابق ، ج32 ، ص554-555 ، ترجمة 7188 ، بتصرف .
54- ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم : الفخذ عورة ، وقال أنس : حَسَرَ النبي صلى الله عليه وسلم عن فخذه ، وحديث أنس أسند وحديث جرهـد أحوط ، حتى يخرج من اختلافهم ، وقال أبو موسى غطّى النبي صلى الله عليه وسلم ركبتيه حين دخل عثمان وقال زيد بن ثابت أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي .
لاحظ أن البخاري صاحب الصحيح يقول : ( ويُروى عن ابن عباس ) !!
أين السند الموصل لابن عباس ؟!!
قال ابن حجر في شرحه :
قوله ( وقال أبو موسى ) أي الأشعري ... وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعداً في مكان فيه ماء انكشف عن ركبتيه أو ركبته ، فلما دخل عثمان غطاها ، وعرف بهذا الرد على الداودي الشارح حيث زعم أن هذه الرواية المعلقة عن أبي موسى وَهْم وأنه دخل حديث في حديث واشار إلى ما رواه مسلم من حديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه الحديث ، وفيه فلما استأذن عثمان جلس ، انتهى .
يريد الرواة أن يرفعوا شأن عثمان عندما غطى النبي فخذه حين دخوله . واعجباً لهؤلاء ! كيف تغافلوا عن عقائدهم في هذه الرواية وهي أنهم دائماً يقدمون أبا بكر ثم عمر على عثمان ، ( هذا ما عَوَّدونا عليه ) ! فكيف بعثمان هنا علا على الشيخين ؟! ثم أليس الفخذ من العورة ؟!
نعم ، فأهل العامة لا يعنيهم تعري الرسول الأكرم ! وإنما يعنيهم عثمان واختلاق فضيلة له ولو كان ذلك على حساب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم !!
أرجو من القارئ مراجعة ما يلي :
1- ج 2 ، ص 200 ، حديث 380 ، باب صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتاب المناقب .
2- ج 2 ، ص 251 ، حديث 402 ، باب حدثنا الحميدي من كتاب المناقب .
3- ج 2 ، ص 267 ، حديث 414 ، باب مناقب عثمان من كتاب فضائل الصحابة .
4- ج 3 ، ص 81 ، حديث 713 ، باب من لم يواجه الناس بالعتاب من كتاب الأدب .
باب إذا صلى في ثوب له أعلام
55- ... عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظـر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني .
ورد هذا الحديث في كتاب الأذان ، باب الالتفات في الصلاة ، وكتاب اللباس ، باب الأكسية والخمائص .
باب إذا صلى في ثوب مصلَّب أو تصاوير
56- ... عن أنس كان قِرَام لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أميطي عنّا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب اللباس ، باب كراهية الصلاة في التصاوير .
باب من صلى في فرّوج حرير ثم نزعه
57- ... عن عقبة بن عامر قال : أُهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرّوج حرير فلبسه فصلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له وقال : لا ينبغي هذا للمتقين .
ورد هذا الحديث في البخاري ، كتاب اللباس ، باب لبس جبة الصوف .
نستنتج من الأحاديث السابقة أن الرسول صلى الله عليه وآله كان يلبس في صلاته خميصة لها أعلام وفيها تصاوير وكان يلبس أيضاً فروج حرير ، أي أنه يأتي بالمحرم والمكروه في الصلاة ثم بعد ذلك يرتدع وينزع ذلك الثوب .
وسوف نوافيك أيضاً أيها القارئ بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لبس خاتماً من ذهب ثم نزعه بعد ذلك وطرحه أرضاً فإنه صلوات الله عليه وآله أتى بجميع المحرمات والمكروهات في الشريعة وأخذ حقه ونصيبه من تلك الملذات الدنيوية ثم رماها بعد ذلك .
ونحن الآن في زماننا هذا عند استعمالنا لأي شيء من هذه الزينة والزخارف مثلاً نمل بعد فترة تلك الأشياء وبخاصة مع كبر السن حتى لو كان ذلك الشيء محرماً مثلاً أو مكروهاً ومع مرور الوقت فإننا لا نعير ذلك الشيء أي اهتمام وكأننا تساوينا مع الرسول في الأخذ من الملذات الدنيوية .
باب الصلاة في السطوح والمنبر
58- ... عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط عن فرسه فجُحِشَت ساقه أو كتفه وآلى من نساءه شهراً فجلس في مشربة له درجتها من جذوع فأتاه أصحابه يعودونه فصلى بهم جالساً وهم قيام فلما سلم قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإن صلى قائماً فصلوا قياماً ، ونزل لتسع وعشرين فقالوا يا رسـول الله إنك آليت شهراً فقال : إن الشهر تسع وعشرون .
ورد ذكر هذا الحديث في البخاري في كتاب الأذان ، باب إنما جعل الإمام ليؤتـم به ، وباب إيجاب التكبير ، وباب يهوى بالتكبير ، وكتاب تقصير الصلاة ، باب صلاة القاعد .
إنما جعل الإمام ليؤتم به أي أن على المصلين أن يتابعوا الإمام ويتبعوه في تكبيرة الإحرام وفي الركوع والسجود وعليهم عدم التواني في ذلك كونهم مأمومين حال الصلاة ، فيجب عليهم أن يتابعوا الإمام في كل صغيرة وكبيرة في الصلاة وسنوافيك بالمزيد في كتاب الأذان باب إمامة المفتون والمبتدع .
باب الصلاة على الحصير
59- ... عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال : قوموا فلأصلِي لكم ، قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبس فنضحته بماء فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت واليتيم وراءه والعجور من ورائنا ، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف .
ورد هذا الحديث في البخاري ، في كتاب الأذان ، باب وضوء الصبيان .
أقول :
الحصير والخمرة كل ذلك يصنع من سعف النخل وما أشبه ، والفرق بين الحصير والخمرة أن الحصير يكون كبيراً والخمرة تكون على قدر وجه الإنسان ويديه تقريباً ، أي قطعة حصيرة صغيرة ، وهذه الحصيرة أو الخمرة من الأشياء الجائز السجود عليها كونها من الأرض وهذا ما نعتقد به نحن الشيعة .
يقول ابن تيمية في كتابه الفتاوى الكبرى :
أما الصلاة على السجادة بحيث يتحرَّى المصلي ذلك فلم تكن هذه سنة السلف من المهاجرين والأنصار ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانوا يصلون في مسجده على الأرض لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها وقد روي أن عبدالرحمن بن مهدي لما قدم المدينة بسط سجادة فأمر مالك بحبسه فقيل له : إنه عبدالرحمن بن مهدي ، فقال : أما علمت أن بسط السجادة في مسجدنا بدعة ؟!
ويقول أيضاً :
فكان مسجده من جنس الأرض وربما وضعوا فيه الحصى كما في سنن أبي داود .
وفي المسند أيضاً عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لَأن يمسك أحدكم يده عن الحصاة خير له من مائة ناقة كله سود الحدق .
ويقول : فهذا بيِّن أنهم كانوا يسجدون على التراب والحصى .
ويقول أيضاً : وهذا بين أنهم لم يكونوا يصلون على سجادات بل ولا على حائل .
وفي صحيح مسلم عن خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكونا ... وسبب هذه الشكوى أنهم كانوا يسجدون على الأرض فتسخن جباههم وأكفهم وطلبوا منه أن يؤخر الصلاة زيادة على ما كان يؤخرها ويبرد بها فلم يفعل .
ويقول :
ولا نزاع بين أهل العلم في جواز الصلاة والسجود على المفارش إذا كانت من ( جنس الأرض ) كالخمرة والحصير ونحوه .
ويقول أيضاً :
إن هؤلاء يفترش أحدهم السجادة على مُصلَّيات المسلمين من ( الحصر والبسط ) ونحو ذلك مما يفرش في المساجد فيزدادون بدعة على بدعتهم ، وهذا الأمر لم يفعله أحد من السلف ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون دليلاً بل يعللون أن هذه الحصر يطؤها عامة الناس ... [1] .
(154) الفتاوى الكبرى لابن تيمية ، ج2 ، ص33 و34 و36 و 39 و 44 ، المسألة السابعة ، ط دار المعرفة ، بيروت .
60- ... عن عبدالله بن شداد عن ميمونة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة .
الخمرة تعتبر سجـادة يسجد عليهـا المصلي وتطلق على ما زاد على قدر الوجه وسمِّيت خمرة لأنها تغطي الوجه ، وتصنع من سعف النخل .
راجع ما قبله .
باب الصلاة على الفراش
61- ... عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته ، فإذا سجد غمزني ، فقبضت رجلَيَّ ، فإذا قام بسطتهما ، قالت : والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح .
ورد هذا الحديث في البخـاري في كتاب الصلاة ، باب الصلاة خلف النائم ، وباب التطوع خلف المرأة ، وباب هل يغمز الرجل امرأته ، وكتاب العمل في الصلاة ، باب ما يجوز من العمل في الصلاة .
أقول :
إن العامة تستشكل على الإمام علي عليه السلام بتصدقه بالخاتم حال الركوع في الصلاة كما في الآية الكريمة { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } المائدة / 55 .
ويقولون : إن انصرافه والتفاته إلى السائل يعتبر خدشاً ونقصاً في صلاته وعبادته ، هذا من إشكالات العامة على التصدق بالخاتم حال الصلاة .
فأقول :
إن علياً عليه السلام كان في حالة عبادة أثناء صلاته ، وعندما تصدق بالخاتم حال الركوع كان في حالة عبادة أيضاً ، أي إنه تكررت عبادته بإيتاء الزكاة حال الصلاة فجمع بذلك الصلاة والزكاة معاً وفي آن واحد .
وأقول أيضاً :
أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان في حالة عبادة أثناء صلاته كما مر علينا في حديث عائشة ، والذي ذكرناه ، وقد أتى بعمل أقل شأناً مما جاء به الإمام عليه السلام في تصدقه بالخاتم .
فالفرق واضح وجلي بين التصدق بالخاتم حال الصلاة وبين غمز رجل عائشة حال الصلاة .
الخلاصة :
أقول للعامة ، لو كان هناك طعن في تَصَّدُق الإمام علي عليه السلام حال الصلاة فالطعن في النبي الأكرم أولى !
62- ... عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي بينه وبين القبلة على فراش أهله اعتراض الجنازة .
63- ... عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه .
جاء في صحيح مسلم :
... عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل ، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود ، قلت يا أبا ذر ، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال : يا ابن أخي ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال : الكلب الأسود شيطان [1] .
وفي سنن الترمذي باب 253 حديث رقم 338 ، ما جاء أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب والحمار والمرأة .
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
والسؤال هنا : كيف نوفق بين هذه الروايات المتناقضة ؟
عائشة كانت تنام في قبلة الرسول الأكرم معترضة اعتراض الجنازة ، وفي رواية مسلم والترمذي أن المرأة تقطع الصلاة .
خلاصة قول النووي في ذلك : أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشيـاء وليس المراد إبطالها ومنهم من يدعي نسخه بالحديث الآخر ( لا يقطع صلاة المرء شيء ) .
ويقول النووي في آخر شرحه للحديث :
مع أن حديث ( لا يقطع صلاة المرء شيء ) ضعيف [2] !
لم يزد النووي أن فسر الماء بعد الجهد بالماء !
هذا هو دأب هؤلاء فالحديث صحيح على رواية الترمذي وضعيف على رأي النووي ، فبأي الرأيين نأخذ ؟ أم نصحح الحديث لأن الذي رواه صحابي عدل لا يجوز الطعن فيه وإن كان الحديث يتعارض مع العقل ، فهذا ليس من شأنك أيها الباحث بل عليك إيجاد العذر واللف والدوران لإيجاد الحل لذلك الحديث أو لذلك الصحابي العدل .
أقول :
جاء الإسلام وكرم المرأة بعد أن كانت مسلوبة الحقوق ومهدورة الكرامة وأُخرجت من تلك الظلمات إلى نور الإسلام ، ويأتي هذا ويساويها بالحمار والكلب !
والأسئلة التي تطرح نفسها هنا :
أولاً : هذه المرأة التي تقطع الصلاة إن كانت متزوجة تقطع الصلاة أم عازبة ؟!
ثانياً : هل يشمل ذلك البنت الصغيرة السن أم لا ؟!
ثالثاً : المرأة الكبيرة السن والتي انقطع عنها الحيض هل يشملها قطع الصلاة أم هي خارجة عن تلك الدائرة المشؤومة ؟!
رابعاً : المرأة إذا مرت أمام إمرأة تصلي فهل تقطع الصلاة ؟ أم هذا حكم لصلاة الرجل فقط ؟!
خامساً : ما دامت هذه المرأة إذا مرت أمام المصلي تقطع صلاته فكيف بها وهي تصلي ، فمن الأولى أن تقطع صلاتها على نفسها !
وأخيراً أقول :
إن مثل هذه الروايات ذريعة لأعداء الإسلام لضرب الدين وتعاليمه .
باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام
64- ... عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا ، قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله تعالى .
لاحظ أبا أيوب الأنصاري كيف انحرف عن القبلة حال التخلي مع وجود ساتر ، وهذا خلاف ما تعتقد وتعمل به العامة كما قلنا وأشرنا في الصفحات السابقة فراجع إن شئت ج 1 ، ص 92 ، حديث 19 ، كتاب الوضوء ، باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول .
باب التوجُّه نحو القبلة
65- ... عن علقمة قال : قال عبدالله صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابراهيم لا أدري زاد أو نقص فلما سلم قيل له يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : وما ذاك ؟ قالوا : صليت كذا وكذا ، فَثَنَى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم ، فلما أقبل علينا بوجهه قال : إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكِّروني ، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ، فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين .
ورد هذا الحديث في البخاري ، كتاب الصلاة ، باب التوجه نحو القبلة ، وكتاب السهو ، باب إذا صلى خمساً ، وكتاب الإيمان والنذور ، باب إذا حنث ناسياً ، وكتاب أخبار الآحاد ، باب ما جاء في خبر الواحد .
أقول :
بما أن الرسول الأكرم زاد أو نقص في صلاته إذن فالصحابة الذين أخبروه بذلك كانوا أشد خشوعاً في صلاتهم من الرسول الأكرم !
هذا حال من يقول حُبِّبَ إلي من دنياكم ثلاث ... وقُرّة عيني الصلاة !
قرة عينك يا رسول الله ! ويتشتّت فكرك وأمام الصحابة وفيهم المنافقون ! وأنت بنسيانك هذا كنت قد ساعدت المنافقين وما أضمروه لك ولنا أيضاً من عداء واستهزاء بأحكام الله وبالمؤمنين إلى يومنا هذا !
والسؤال هنا :
بما أن النبي الأكرم ينسى في فرض من فروض الدين وعمود الدين أيضاً وهي الصلاة وهو رسول مسدد من قبل الله تعالى فالصحابي أيضاً ينسى وهو أولى بالنسيان .
ولكن أهل العامة قد سلبوا العصمة من النبي الأكرم ونسبوها للصحابة ! فالصحابي لا يخطئ كالرسول وإن أخطأ فله أجر !
وحاشا رسول الله أن ينسى كم صلى ، وكل ما يقال في ذلك فهو لتبرير ما صدر من الحكام الذين كانوا يصلون وهم سكارى ولا يدرون كم صلوا !
جاء في سير أعلام النبلاء للذهبي ، ترجمة الوليد بن عقبة بن أبي معيط :
وقال حُضين بن المنذر :
صلى الوليد بالناس الفجر أربعاً وهو سكران ! ثم التفت وقال : أزيدكم ؟! فبلغ عثمان فطلبه وَحَدَّهُ [3] .
وهذا هو دأب أهل العامة الطعن في النبي الأكرم وذلك لإخراج أمثال الوليد من وحل التاريخ .
راجع ج 3 ، ص 191 ، حديث 771 ، باب إذا حنث ناسياً في الإيمان ، من كتاب الإيمان والنذور .
باب ما جاء في القبلة ومن لم ير الإعادة
66- حدثنا هشيم ... عن أنس قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : فقلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى ، فنزلت { واتَّخِذوا من مقام ابراهيم مُصَلَّى } ، وآية الحجاب قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البَرُّ والفاجر ، فنزلت آية الحجاب واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغَيرة عليه فقلت لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن ، فنزلت هذه الآية .
ورد هذا الحديث في كتاب التفسير ، باب { واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى } وباب { لا تدخلوا بيوت النبي } وباب { عسى ربه إن طلقكن } .
في هذه الرواية هشيم بن بشير الواسطي أبو معاوية ، وقد ضعفه ابن عدي في كتابه الكامل في ضعفاء الرجال وقال : أنه نسب إلى التدليس ، وقال فيه أيضاً : يوجد في بعض أحاديثه منكر [4] !
أقول :
إن مثل هذه الروايات وضعت لرفع شأن عمر ، وإنه كان مشاركاً بالرسالة مع النبي الأكرم ، وإلا فكيف جاءت هذه الموافقات من دون أن يكون لصاحب الرسالة أي دور وكأنه كان يلهم بذلك ، ومما زاد الطين بلَّة أن عمر أصبح مُشَرَّعاً أيضاً ! وأخذ يتدخل بشؤون البيت النبوي الشريف وشيئاً فشيئاً إلى أن قالت العامة وصدَّقت هذه الرواية ( لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ) [5] !
هذا الذي سجد لأكثر من نصف عمره للأصنام يحتمل أن يبعثه الله نبياً !!
يقول الحاكم :
هذا حديث صحيح الإسناد ! ويقول الألباني : وهذا سند حسن ، رجاله كلهم ثقات [6] !
والغريب أيضاً أن الآيات كانت تطابق ما لفظ به عمر ! فكيف يصح أن نسمي القرآن بعد هذا معجزاً ؟!
هذا بالإضافة إلى أنه كان يُنبِّه الرسول ويُصَوِّبه أيضاً !
وأقول :
إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما أخذ برأي أسامة بن زيد في حادثة الإفك فقال أسامة يا رسول الله أهلك وما نعلم إلا خيراً ، ودعا بعد ذلك بريرة فقالت : لا والله والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتـأتي الداجن فتأكله إن أسامة وبريرة برَّأوا عائشة من كل ما قيل فيها ، فلماذا لا تقول العامة بأنهم وافقوا ربهم بعد نزول الآيات التي برَّأت ساحة عائشة ؟!
ولماذا لم يدوِّن ويصرِّح أصحاب الحديث بتلك الموافقات ؟!
ولكن شتان ما بين عمر وهؤلاء فإن عمر هو المقصود في رفع شأنه ومنزلته !
67- ... عن علقمة عن عبدالله قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً فقالوا : أَزِيدَ في الصلاة ؟! قال : وما ذاك ؟ قالوا : صليت خمساً فَثَنَى رجليه وسجد سجدتين !
أقول :
حاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يسهو وينسى وإن هذا غير جائز وغير مقبول من الرسول الكريم ، فإذا أخطأ في الركعات فمن الذي يصحح له خطأه ؟! ولو صَحَّحَ له جبريل مثلاً فماذا يكون موقفه أمام الصحابة الذين رأوه وقد أخطأ ؟
فنحن لا نقبل بتصحيح جبريل له ، فكيف نقبل بتصحيح الصحابة له ؟
باب هل تُنبش قبور مشركي الجاهلية
68- ... لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهـود اتخذوا قبـور أنبيـائهم مساجـد وما يكره من الصلاة في القبور ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر فقال القبر القبر ولم يأمره بالإعادة .
يقول ابن حجر شارحاً لهذا الحديث :
بينما أنس يصلي إلى قبر ناداه عمر القبر القبر فظن أنه يعني القمر !
وأقول :
لاحظ التلاعب بالألفاظ ، ونلاحظ أيضاً أن عمر لم يأمر أنساً بإعادة صلاته ، وكأن في ذلك تأكيداً على أن الصلاة في المساجد التي تضم قبوراً ليست مُحرَّمة .
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم
جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً
69- ... حدثنا جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ، نُصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس كافة ، وأُعطيت الشفاعة .
يقول ابن حجر :
المراد جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وجعلت لغيري مسجداً ولم تجعل له طهوراً لأن عيسى كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة ... وقيل إنما أبيحت لهم موضع يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة ، فأبيح لها في جميع الأرض إلا فيما تيقنوا نجاسته [7] ، انتهى .
أقول :
السجود هو أن تضع جبهتك على الأرض وذلك تعظيماً لله تعالى ولا يصح ذلك إلا على الأرض وما أنبتت من غير الملبوس والمأكول .
واعلم أن أرخص وأحقـر ما في الوجود هو هذا التراب الذي يداس بالأقدام .
فمثلاً : لو قدَّم لك شخصاً ما حفنة من التراب وقال خذ هذا وأعطني المبلغ الفلاني مثلاً ، فهل تقبل بذلك ؟ طبعاً كلا وألف كلا ! لأن باستطاعتك أخذ هذه الحفنة بيدك ومن تحت رجليك ومن دون مقابل ، وهذا التراب من حقارته أنك تدوسه برجليك ليل نهار .
واعلم أيضاً أن أشرف وأفضل موضع في بدن الإنسان هي الجبهة ، لذا ترى العلماء يبرزون جباههم عند وضع العمامة .
إن الله تعالى يقول لك يا عبد ! ضع أفضل موضع في بدنك على أحقر ما في الوجود أثناء السجود شئت أم أبيت ذلك ، فالسجود على الأرض يكون طاعة وتعظيماً لأمر الله عز وجل بخلاف من يسجد على سجادة عجمية مثلاً وسعرها آلاف الدنانير ، فالخضوع والخشوع عند وضع الجبهة على الأرض يكون تواضعاً أكثر من وضع الجبهة على تلك السجادة العجمية .
روي عن جابر بن عبدالله قال : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفي أُبرِّده ثم أحوِّله في كفي الأخرى فإذا سجدت وضعته لجبهتي [8] .
وفي السنن الكبرى لأحمد بن الحسين البيهقي في الجزء الثاني :
قال أبو سعيد : فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أنفه وجبهته أثر الماء والطين صبيحة إحدى وعشرين [9] .
إذن فالرسول الأكرم لم يسجد إلا على الأرض وكذلك الصحابة ، ونحن نقتدي بالرسول الكريم ، يقول الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } الأحزاب:21 .
وكما جاء في البخاري حيث قال : صلّوا كما رأيتموني أصلي ، باب الأذان للمسافرين من كتاب الأذان .
فنحن نقتدي برسول الله في ذلك وهو الذي أمر بالسجود وبيَّن لنا على ماذا يصح السجود .
راجع ج 1، ص 145، حديث 59 ، باب الصلاة على الحصير من كتاب الصلاة .
(155) كتاب الصلاة ، باب قدر ما يستر المصلي .
(156) شرح صحيح مسلم للنووي ، ج4 ، ص474 ، كتاب الصلاة ، باب قدر ما يستر المصلي .
(157) ج3 ، ص414 ، ترجمة 67 ، ط11/1419هـ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
(158) ج7 ، ص138 ، ترجمة 2051 ، ط3/1409هـ ، دار الفكر ، بيروت .
(159) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ، ج3 ، ص85 ، بيروت .
(160) سلسلة الأحـاديث الصحيحة ، المجلد1 ، القسم 2 ، ص646 ، حديث 327 ، ط1415هـ ، الرياض .
(161) فتح الباري ، ج1 ، ص546 ، كتاب التيمم ، باب التيمم .
(162) السنن الكبرى لأحمد بن شعيب النسائي ، ج1 ، ص227 ، كتاب التطبيق ، باب تبريد الحصى للسجود عليه ، ط1/1411هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
(163) ص436 ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء في السجود على الأنف ، ط1/1416هـ ، بيروت.
70- ... عن عكرمة قال لي ابن عباس ولابنه علي انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه ، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى ذكر بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول ويحَ عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار . قال : يقول عمار أعوذ بالله من الفتن .
ورد هذا الحديث في كتاب الجهاد ، باب مسح الغبار عن الرأس .
يقول ابن حجر العسقلاني في شرحه للحديث :
( يدعوهم ... ) قتلته ، كما ثبت من وجه آخر ، تقتله الفئة الباغية يدعوهم ... .
فإن قيل : كان قتله بصفين وهو مع علي والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار ؟
فالجواب : أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم !
فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك وكانوا وهم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم !
ونقول :
إن هؤلاء يحرفون الكلم عن مواضعه ، فأرجو أن لا يؤثر ذلك عليك حيث أن هؤلاء هذا دأبهم في التلاعب بالألفاظ ، ولكن !
أقول :
إن الحديث واضح وجلي ، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، أي أن عماراً يدعو قاتله إلى الجنة ويقول له التحق معنا وكن بجانب علي عليه السلام ويدعو قاتل عمار ويقول يا عمار التحق بجيش معاوية واترك علياً ، أي أنه يدعوه إلى النار .
والسؤال هنا : إن من يدعو إلى النار هل يكون من أهل الجنة أم من أهل النار ؟!
وأيضاً : كيف نوفق بين هذا الحديث وبين حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ؟!
يقول ابن تيمية في منهاجه :
... إن أهل بيعة الرضوان في الجنة وإن أهل بدر في الجنة ... وقد دخل في الفتنة خلق من هؤلاء المشهود لهم بالجنـة ، والذي قتل عمار بن ياسر هو أبو الغادية ... فنحن نشهد لعمار بالجنة ولقاتله ... بالجنة [1] .
أقول :
إن ابن تيمية يقول : كل من بايع تحت الشجرة فلن يدخل النار وأبو الغادية كان ممن بايع تحت الشجرة وهو الذي قتل عمار بن ياسر ، وأبو الغادية هذا كان يدعو عماراً إلى النار كما جاء في الحديث فكيف نوفق بين هذه الروايات المتضاربة ؟!
نعم ، إن العامة بعد أن قالت بعدالة الصحابة وأنهم عدول جاؤوا بهذه القاعدة حتى ينقذوا الصحابة المنحرفين ويخرجوهم من ورطتهم ، هذا باختصار ما أرادوا قوله ولكن !
عثمان بن عفان لم يبايع تحت الشجرة ، فأوجدوا له حلاً فقالوا بأن الرسول الأكرم بايع نيابة عنه ، وقالوا أيضاً : أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة .
وأقول : إن من شارك في قتل عثمان في الجنة وذلك لأنه بايع تحت الشجرة ومنهم عبدالرحمن بن عديس !
يقول ابن الأثير الجزري في أسد الغابة في معرفة الصحابة :
عبدالرحمن بن عُديس ... له صحبة وشهد بيعة الرضوان وبايع فيها وكان أمير الجيش القادمين من مصر لحصر عثمان بن عفان ... فلما كانت الفتنة كان ابن عديس ممن أخذه معاوية في الرهن فسجنهم بفلسطين فهربوا من السجن فاتبعوا حتى أدركوا فأدرك فارس منهم ابن عديس فقال له ابن عديس ويحك اتق الله في دمي فإني من أصحاب الشجرة فقال : الشجر بالخليل كثير فقتله[2].
والآن .. احكم بنفسك أيها القارئ وانظر اعتقاد العامة في الصحابة وهذه الأحاديث المتناقضة والمتضاربة التي يتداولونها في كتبهم المعتبرة .
عمار بن ياسر قتله أبو الغادية ، كلاهما من أهل الجنة !
القاتل والمقتول !
وكذلك عثمان بن عفان وابن عديس فهؤلاء أيضاً عند العامة مشهود لهما بالجنة !
وقاتل ابن عديس هو معاوية .. أيضاً كلهم في الجنة !
وهكذا إلى ما لا نهاية لهذه الدعوى .
والشيء بالشيء يذكر .
هب أن معاوية تأول في حربه علياً عليه السلام في صفين ، فلو أخذنا بقول أهل السنة في ذلك فبعد مقتل عمار بن ياسر تبين للجميع ومن جملتهم معاوية بأنه كان على الباطل في حربه ، فلماذا لم يوقف الحرب من جانبه ؟! ولماذا لم يذعن للحق ويقول إننا كنا على الباطل في تأويلنا وذلك لأن عماراً قتل مع الإمام علي ؟!!
ولماذا استمر في القتـال ؟ ولماذا دائماً وأبداً المتـأول يكون نداً لعلي عليه السلام ؟!
نستنتج من ذلك أن معاوية كان يقاتل من أجل الملك وكان حريصاً على الدنيا في قتاله ! والتاريخ يشهد على قولنا ، ولم يكن في ذلك منطلقاً من الشرع لنقول أنه تأول ، بل كان منطلقاً من مجرد شهواته في الملك !
الحاصل :
المغالطات والتناقضات واضحة في هؤلاء الصحابة والأحاديث التي رويت في صحيح البخاري بأن الصحابة وأنهم سيرتدّون على أدبارهم القهقرى وسنذكرها في حينها ، وقد قال النبي الأكرم عن هؤلاء الصحابة مُحذِّراً إياهم من الارتداد وتغيير سنته وأنه سيدخلون النار فيقول للرب جل وعلا : أصحابي أصحابي ! فيأتيه الرد من الله تعالى : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك !
فمن هؤلاء الصحابة الذين سوف يدخلون نار جهنم ؟ ومن هؤلاء الصحابة الذين غيّروا وبدّلوا سنة النبي الأكرم ؟!
هذا ما ستقرأه لاحقاً .
باب أصحاب الحراب في المسجد
71- ... عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني برداءه أنظر إلى لعبهم .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب الصلاة ، باب أصحاب الحراب ، وكتاب العيدين ، باب الحراب والدُرَّق ، وباب إذا فاته العيـد ، وكتاب النكاح ، باب حسن المعاشرة .
يقول ابن حجر :
وفي الحديث جواز النظر إلى اللهو المباح ، وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله ، وكرم معاشرته وفضل عائشة وعظيم محله عنده .
هذه الروايات تناقض خلق النبي صلى الله عليه وآله وهذا التناقض يقودنا إلى الشك فيها بحيث أن المسلم يكون في حيرة من أمره ، وقد يحاول بعض الفقهاء أن يؤول ويبرر ولكن يبقى المسلم متحيراً لأن هذا العمل منبوذ من عامة الناس وضد الفطرة السليمة ، فكيف بالرسول ؟!
أخي الكريم لاحظ الجملة الأخيرة وهي ( فضل عائشة وعظيم محلها عند الرسول الأكرم ) ، كل ذلك الشرح لهذه الجملة لبيان فضل عائشة ، ومعنى ذلك تضخيم أبي بكر وبيان فضله ، وإلا نبي من أولي العزم يستر امرأته لترى لعب الأحباش فنحن عوام الناس نخجل من عمل وفعل ذلك مع زوجاتنا ، هذا بالإضافة إلى أن نفس الإنسان محسوب عليه فيجب أن لا يخرج هذا النَفَس إلا مع ذكر الله تعالى ، هذا على أقل التقادير يعني بذلك الزفير والشهيق لأن أنفاسنا معدودة وليس أن نعبث بذلك النَفَس باللهوات وما أشبه ، فكيف بالنبي صلى الله عليه وآله ؟
باب كنس المسجد والتقاط الخرق
72- ... عن أبي هريرة أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء كان يَقُمُّ المسجد فمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا مات ، قال : أفلا كنتم آذنتموني به ، دلوني على قبره ، أو قال : قبرها ، فأتى – قبره - قبرها فصلى عليها .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب الصلاة ، باب الخدم للمسجد ، وكتاب الجنائز ، باب الصلاة على القبر .
باب الخدم للمسجد
73- ... عن أبي هريرة أن امرأة أو رجلاً كانت تَقُمُّ المسجد ولا أُراه إلا امرأة فذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبره .
النبي صلى الله عليه وآله عاتب الصحابة بعدم إعلامه بموت الرجل فقال : أفلا كنتم آذنتموني ؟ أي : أعلمتموني بموته ؟ فقالوا له : مات من الليل ، فكرهنا أن نوقظك ، وفي رواية يقول ابن حجر ( فحقروا شأنه ) ، فقال الرسول الأكرم إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم ، فأتى قبرها فصلى عليها .
إذن .. فكيف تقول العامة لا يجوز الصلاة على القبر أو عند القبر ؟!
باب الأسير أو الغريم
74- ... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن عفريتاً من الجن تَفَلَّتَ علي البارحة - أو كلمة نحوها – ليقطع على الصلاة فأمكنني الله منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان : { ربِّ هب لي مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } قال روح فردَّه خاسئاً .
ورد هذا الحديث في صحيح البخاري في كتاب العمل في الصلاة ، باب ما يجوز من العمل ، وكتاب بدء الخلق ، باب صفة إبليس ، وباب { ووهبنا لداود سليمان } وكتاب التفسير ، باب سورة ص .
يقول ابن حجر في شرحه فتح الباري :
جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ... فأخذته فصرعته ، فخنقته حتى وجدت لسانه على يدي .
وجاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضُراط حتى لا يسمع التأذين [3] .
هذه حال الشيطان إذا سمع الأذان فكيف يتجرأ على الرسول الأكرم وهو في حال الصلاة ؟!
يقول تعالى في محكم كتابه : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } [4] .
ويقول عز من قائل : { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولَّونه والذين هم به مشركون } [5] .
ويقول أبو هريرة إن النبي كريم قال : فذكرت قول أخي سليمان { رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } !
أي أن النبي الأكرم ترك الشيطان ولم يقيده بسبب دعوة النبي سليمان وطلبه من الله تعالى أن يهب له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، ولكن ملك سليمان لم يكن مقتصراً على الشياطين فقط ، بل كانت الريح طوع أمره والجن عملوا بين يديه ما شاء من محاريب وتماثيل وكذلك كان يعلم لسان الحيوان والطير ، فاستشهاد النبي الأكرم بالآية ليس في محله !!
رائحة وضع أستاذ أبي هريرة كعب الأحبار اليهودي واضحة في هذا الحديث ، هذا الذي كان يبحث عنه أبو هريرة إلى أن التقى به بتلك الكيفية التي مرت عليك في الصفحات السابقة ، ج 1 ، ص 111 ، حديث 36 ، باب من اغتسل عرياناً وحده من كتاب الغسل .
وأقول :
إن النبي الكريم لا حظ للشيطان فيه ، من يوم ولادته إلى وفاته صلوات الله عليه وآله لا من قريب ولا بعيد .
(164) منهاج السنة ، المجلد2 ، ج3 ، ص179 ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت .
(165) ج3 ، ص469-470 ، ترجمة 3358 ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت .
75- ... حدثنا فليح قال حدثنا النضر ... عن أبي سعيد الخدري قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله ، فبكى أبو بكر (رض) فقلت في نفسي ما يُبكي هذا الشيخ، إن يكن الله خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد وكان أبو بكر أعلمنا قال يا أبا بكر لا تبك إن أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر ولكن أُخوَّة الإسلام ومودته لا يبقيَّن في المسجد باب إلا سُدَّ إلا باب أبي بكر .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب فضائل الصحابة ، باب قول النبي سُدُّوا الأبواب إلا باب أبي بكر ، وكتاب مناقب الأنصار ، باب هجرة النبي .
أقول :
من رواة هذه الرواية فليح بن سليمان الخزاعي أبو يحيى مديني وقد ضعفه العقيلي وقال :
حدثنا عبدالله بن أحمد قال سمعت يحيى بن معين يقول : كان يقال ثلاثة يتقى حديثهم ، طلحة بن مصرف وأيوب بن عتبة وفليح بن سليمان !
... حدثنا عباس قال : سمعت يحيى وذكر فليح بن سليمان فلم يقوِّ أمره .
عثمان بن سعيد قال : سمعت يحيى يقول : فليح بن سليمان ضعيف [1] .
وقال فيه النسائي : ليس بالقوي [2] .
وقد عده ابن الجوزي من الضعفاء والمتروكين [3] !
وفي الكامل في ضعفاء الرجال قال ابن عدي :
... عثمان بن سعيد سألت يحيى بن معين عن فليح فقال : ضعيف .
وقال : ما أقربه من أبي أويس[4] !
لمزيد من التفصيل راجع الحديث القادم .
76- ... عن عكرمة عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصب رأسه بخرقة فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنه ليس من الناس أحد أمنّ علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن خلة الإسلام أفضل سُدُّوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر .
اعلم بأن من رواة هذه الرواية عكرمة مولى ابن عباس .
يقول ابن الجوزي في كتابه الضعفاء والمتروكين :
قال ابن عمر لنافع : لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس .
ويقول :
وقد كذبه مجاهد وابن سيرين ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس [5] .
ويقول الذهبي :
عن الصلت بن دينار : سألت ابن سيرين عن عكرمة فقال : ... كذّاب !
وقال فيه يحيى بن سعيد : كان كذّاباً !
وقال فيه ابن أبي ذئب : رأيت عكرمة وكان غير ثقة .
وكان مالك سيء الرأي في عكرمة ، قال : لا أرى لأحد أن يقبل حديثه .
وقال في موضع آخر : أنه يرى رأي الخوارج .
قال أحمد بن حنبل : عكرمة مضطرب الحديث !
يحيى بن سعيد يقول : حدثوني والله عن أيوب أنه ذُكر له عكرمة لا يُحسن الصلاة ، قال أيوب : وكان يصلي ؟!
رشيد بن كريب قال : رأيت عكرمة أقيم قائماً في لعب النرد [6] !!
قال ابن حجر في شرحه :
جاء في سد الأبواب التي حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب ، منها حديث سعد بن أبي وقاص قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي ، أخرجه أحمد والنسائي وإسناده قوي .
وفي رواية للطبراني في الأوسط : رجالها ثقات من الزيادة ، فقالوا : يا رسول الله سددت أبوابنا ! فقال : ما أنا سددتها ولكن الله سدها .
وعن زيد بن أرقم قال : كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سدوا هذه الأبواب إلا باب علي ، فتكلم ناس في ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكن أُمرت بشيء فاتبعته . أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات .
وعن ابن عباس قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبواب المسجد فسدت إلا باب علي . وفي رواية : وأمر بسد الأبواب غير باب علي . فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره . أخرجها أحمد والنسائي ورجالها ثقات .
وعن جابر بن سمرة قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب كلها غير باب علي ، فربما مر فيه وهو جنب . أخرجه الطبراني .
وعن ابن عمر قال : كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... لقد أعطى علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر . أخرجه أحمد وإسناده حسن .
وفي رواية : قد سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه . ورجاله رجال الصحيح .
ويقول ابن حجر : هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها !
وأيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنباً غيري وغيرك ، والمعنى أن باب علي كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره ، فلذلك لم يؤمر بسده !! ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي ... أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي بن أبي طالب لأن بيته كان في المسجد ، ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين [7] !!
لاحظ أن ابن حجر لم يجد مخرجاً لتضعيف الأحاديث التي وردت في الإمام علي عليه السلام والتي ذكرها ابن حجر بنفسه آنفاً !! فقال بأن ذلك وقع مرتين !! وذلك ليعطي فضيلة لأبي بكر !! فنسأل ابن حجر : لماذا لم تدقق ولم تحقق في أسانيد الأحاديث التي وردت في سد الأبواب إلا باب أبي بكر وخوختـه ؟! ولماذا التدقيق دائمـاً يكون في الأحاديث التي تذكر فضائل أهل
البيت عليهم السلام وذلك لمحاولة تضعيفها .
يقول ابن حجر :
( إن أمنَّ الناس ... ) قال النووي : قال العلماء معناه أكثرهم جوداً لنا بنفسه وماله .
أقول :
هل يكون الجود بالنفس إلا في ساحات القتال وهو المعروف عنه ( جليس العريش ) ؟!
أم جوده بنفسه يوم فراره ورجوعه عاجزاً عن فتح خيبر ؟!
أم يوم الخندق عندما برز عمرو بن عبد ود العامري وقال الرسول الأكرم من لهذا وأنا أضمن له الجنة فما كان منه إلا طأطأة الرأس ؟! هذا أولاً .
ثانياً : هذا التأريخ بين أيدينا فراجع إن شئت ذلك ، إن خديجة أم المؤمنين رضوان الله تعالى عليها هذه العزيزة على قلب خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله هي التي بذلت جميع ما كانت تملك من أموال وتجارة في سبيل الله تعالى .
قال تعالى مخاطباً نبيه الكريم : { ووجدك عائلاً فأغنى } الضحى:8 .
لقد يسر جل وعلا لنبيه الزواج من أم المؤمنين خديجة سلام الله عليها التي عاش في كنفها مصون الكرامة غير محتاج إلى أموال أحد من الناس .
نعم .. أم المؤمنين خديجة سلام الله عليها جعلت جميع أموالها تحت تصرف زوجها النبي الكريم وكان النبي صلى الله عليه وآله يتصرف بها كيفما شاء فيعطي هذا ويغدق على ذاك ، فهذه الثلاث عشرة سنة في مكة والحال هكذا ، أما في المدينة فلم نَرَ في التأريخ ما يثبت لابن أبي قحافة ذلك وأنه بذل أموالاً في سبيل الله ، بل هاجر مثل بقية المسلمين وجاء إلى المدينة صفر اليدين .
نعم .. قبل الهجرة اشترى ناقتين له وللنبي الكريم فلم يقبل منه النبي الناقة بل قال أقبله بالثمن فكرَّر ذلك إلى أن قبل الرسول الأكرم بالثمن وأعطى ثمن الناقة لأبي بكر فكأن لسان حال الرسول يقول : لا أريد مِنَّة أحد علي في هجرتي .
نعم ، وبعد الهجرة وبدء الحروب والغزوات فرض الله عز وجل لنبيه نصيباً معلوماً من الغنائم وأعطاه حق التصرف في الأنفال ، قال تعالى : { يسألونك عن الأنفـال قل الأنفال لله والرسول } الأنفال:1 ، وكذلك الخمس ، قال تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } الأنفال:41 ، فأين أموال أبي بكر ؟!!
وهذا التأريخ حكم بيننا .
راجع البخاري ، كتاب البيوع ، باب إذا اشترى متاعاً أو دابة .
ثالثاً : يقول النبي كما في الرواية ( ولكن خلة الإسلام أفضل ) .
فلو أراد النبي الأخوة الإسلامية المطلقة فلا فرق بين ابن أبي قحافة وغيره من المسلمين ، ولو أراد الأخوة الخاصة ، فإن النبي الأكرم آخى بينه وبين علي .
جاء في المستدرك على الصحيحين :
لما ورد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة آخى بين أصحابه ، فجاء علي رضي الله عنه تدمع عيناه فقال : يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تواخ بيني وبين أحد ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة [8] .
رابعاً : ( غير خوخة أبي بكر ) ! فهذا كذب وإليك الصحيح .
... عن زيد بن أرقم قال : كانت لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبواب شارعة في المسجد ، فقال يوماً : سدوا هذه الأبواب إلا باب علي ، قال : فتكلم في ذلك ناس فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أما بعد ، فإني أُمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي ، فقال فيه قائلكم : والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته [9] .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد .
وفي مسند أحمد بن حنبل :
... عن ابن عمر قال : كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم : رسول الله خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأَن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : زوَّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له ، وسدَّ الأبواب إلا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر [10] .
وأخيراً أقول :
فدع عنك ما لا يليق بصاحبك ، ولا يصدق عليه ذلك .
باب رفع الصوت في المساجد
77- ... عن السائب بن يزيد قال : كنت قائما في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال اذهب فأتني بهذين فجئته بهما ، قال : من أنتما أو من أين أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف . قال : لو كنتما من أهل البلـد لأوجعتكما ، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أقول :
أولاً : النبي الأكرم نهى عن الخذف وهو رمي الحصى على الغير وذلك خوفاً من أن تؤخذ عين الإنسان .
يقول البخاري : ... عن عبدالله بن مغفل المزني قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال : إنه لا يقتل الصيد ولا ينكأ العدو وإنه يفقأ العين ويكسر السن [11] .
ثانياً : يتبين لنا من ذلك الحصب الذي صدر من عمر لذلك الرجل بأن المسجد لم يكن مفروشاً بشيء وأن المسلمين كانوا يسجدون على تراب وحصى المسجد .
ثالثاً : يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } النحل/125 .
وعمر عمل بعكس هذه الآية فقام بالتهديد والوعيد كعادته .
78- ... عن ابن شهاب حدثني عبدالله بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك أخبره أنه تقاضى ابن أبي حَدْرَد دَيناً له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته ، فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سِجْفَ حجرته ونادى كعب بن مالك يا كعب ! قال : لبيك يا رسول الله ، فأشار بيده أن ضع الشطر من دَينك ، قال كعب : قد فعلت يا رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قم فاقضه .
أقول :
ألم يسمع هذا الصحابي كعب بن مالك قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } الحجرات / 2 ، وهذا أيضاً من الصحابة العدول الذين لا يجوز الطعن فيهم وهذا نموذج من نماذج الصحابة الذي سنأتي على ذكر أمثاله .
باب تشبيك الأصابع في المسجد
79- ... عن أبي هريرة قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي ، قال ابن سيرين : سمّاها أبو هريرة ولكن نسيت أنا ، قال : فصلى بنا ركعتين ثم سلم ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشَبَّك بين أصابعه ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى وخرجت السَّرَعـان من أبواب المسجد فقالوا : قصرت الصلاة ، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين ، قال يا رسول الله : أنسيت أم قَصُرَت الصلاة ؟ قال : لم أنس ولم تقصر ، فقال : أكما يقول ذو اليدين ، فقالوا : نعم، فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر فربما سألوه ثم سلم ، فيقول : نُبئت أن عمران بن حصين قال : ثم سلم .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب الأذان ، باب هل يأخذ الإمام ، وكتاب السهو ، باب إذا سلم في ركعتين ، وباب من لم يتشهد في سجدتي السهو ، وباب من يكبر في سجدتي السهو ، وكتاب الأدب ، باب ما يجوز من ذكر ، وكتاب أخبار الآحاد ، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد .
يا ترى هل كان ذو اليدين وغيره من الصحابة متوجهين خاشعين إلى ربهم حال الصلاة أكثر من النبي ؟!
ثم اعلم أن ذو اليدين وهو عبد عمرو بن نضلة الخزاعي قد استشهد في معركة بدر ، وكان أبو هريرة لا يزال يركع ويسجد لغير الله ذلك الحين !!
ونحن نعلم أيضاً أن أبا هريرة قدم على النبي الأكرم بعد الانتهاء من معركة خيبر التي كانت في السنة السابعة من الهجرة ، فكيف بهذا الدوسي يروي عن ذو اليدين الشهيد في بدر قبل أكثر من خمسة أعوام !! فتأمل .
راجع إن شئت ذلك أسد الغابة للجزري ، ج3 ، ص502 ، ترجمة 3424 ، وكذلك الإصابة لابن حجر ، ج4 ، ص315 ، ترجمة 5263 .
لقد شوهت هذه الرواية وأمثالها صورة النبي الأكرم في حين رفعت من قدر الصحابة ، فرواية هزيلة كهذه وضعها الدجالون ومنهم هذا الدوسي الذي لم يتورع في وضعه !!
راجع تعليقنا على ذلك في ج 1 ، ص 153 ، حديث 65 ، باب التوجه نحو القبلة من كتاب الصلاة .
باب هل يغمز الرجل امرأته عند السجود
80- ... عن عائشة (رض) قالت : بئسما عدلتمونا بالكلب والحمار ، لقد رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة ، فإذا أراد أن يسجد غمز رجلَيَّ فقبضتهما .
جاء في صحيح مسلم :
عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قام أحدكم ...
فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود ... [12] .
راجع ج 1 ، ص 148 ، حديث 61-62-63 ، باب الصلاة على الفراش، كتاب الصلاة ، من كتابنا هذا
(169) كتاب الضعفاء ومن نسب إلى الكذب ووضع الحديث ، لمحمد بن عمرو العقيلي ، المتوفى 322هـ ، ج3 ، ص1151-1152 ، ترجمة 1525، ط1/1420هـ ، دار الصميعي .
(170) كتاب الضعفاء والمتروكين ، ص197 ، ترجمة 510 ، ط1/1407هـ ، مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت .
(171) كتاب الضعفاء والمتروكين ، ج3 ، ص10 ، ترجمة 2731 ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت.
(172) ج6 ، ص30 ، ترجمة 1575 ، ط3/1409هـ ، دار الفكر ، بيروت .
(173) ج2 ، ص182 ، ترجمة 2334 ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت .
(174) سير أعلام النبلاء ، ج5 ، ص25-27 ، ترجمة9 ، ط11/1419هـ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
(175) فتح الباري لابن حجر ، ج7 ، ص19-20 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر ، حديث 3654 .
(176) ج3 ، ص14 ، كتاب الهجرة ، ط بيروت ، ذكره أيضاً ابن عبدالبر في الاستيعاب ، ج3 ، ص202-203 ، ترجمة 1875 ، علي بن أبي طالب ، أسد الغابة لابن الأثير الجزري ، ج3 ، ص481 ، ترجمة 3372 ، عبدالرحمن بن عويم بن ساعدة .
(177) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ، ج3 ، ص125 ، كتاب معرفة الصحابة ، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه .
(178) ج2 ، ص26 ، مسند عبدالله بن عمر بن الخطاب ، ط دار الفكر العربي .
81- ... قال الوليد بن العَيْزار أخبرني قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول حدثنا صاحب هذه الدار وأشار إلى دار عبدالله قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله ؟ قال الصلاة على وقتها ، قال : ثم أي ، قال ثم بِرَُ الوالدين ، قال : ثم أي : قال الجهاد في سبيل الله ، قال : حدثني بهن ولو استزدته لزادني .
ورد هذا الحديث في البخـاري في كتاب الجهاد والسير ، باب فضل الجهاد ، وكتاب الأدب ، باب البر والصلة ، وكتاب التوحيد ، باب وسمّى النبي الصلاة عملاً .
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أحب العمل إلى الله عز وجل الصلاة ثم بر الوالدين ومن ثم يأتي الجهاد ، وعمر بن الخطاب قام بحذف وإلغاء حي على خير العمل من الأذان لماذا ؟ كي لا يتكاسل المسلمون عن الجهاد !
جاء في نيل الأوطار للشوكاني : وقد صح لنا أن حي على خير العمل كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن بها ولم تُطرح إلا في زمن عمر [1] .
أخرج البيهقي في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن عبدالله بن عمر أنه كان يؤذن بـ (حي على خير العمل ) ، وروى فيها أيضاً : عن علي بن الحسين أنه كان يقول في أذانه ( حي على خير العمل ) ويقول : هو الأذان الأول [2] .
قال الشيخ المظفر :
قال القوشجي – وهو من متكلمي الأشاعرة – في أواخر مبحث الإمامة من شرح التجريد :
إن عمر بن الخطاب صعد المنبر وقال : أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهي عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن ! وهي متعة النساء ومتعة الحج وحي على خير العمل ! واعتذر عنه – أي القوشجي – بعدما أرسله إرسال المسلمات ! بأن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع ، انتهى !!
وهذا العذر من الغرائب ، إذ جعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعمر مجتهدين !! وسوغ لعمر مخالفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ! ومعه لا يبقى أثر للرسالة [3] !!
أضيف وأقول :
إن القوشجي لم يفند ما قاله عمر بأن حي على خير العمل لم تكن على زمن النبي مثلاً ، بل حاول أن يعتذر وأن يجد مخرجاً لعمر ، ففي قوله ذلك يؤكد بأن عمر قال ما ذكرناه .
كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر ينادى فيه حي على خير العمل ، فقـال عمر بن الخطاب : إني أخاف أن يتكاسل الناس على الصلاة إذا قيل حي على خير العمل ويَدَعوا الجهاد ، فأمر أن يطرح حي على خير العمل [4] !!
إذن، خاف عمر أن يتكل الناس على الصلاة إذا قيل في النداء حي على خير العمل ويدعوا الجهاد في سبيل الله ، فأمر أن تطرح هذه الشعيرة من الأذان!
أقول :
أليس من المحتمل أن ابن الخطاب حذف هذه الشعيرة لفترة مؤقتة بسبب كثرة الفتوحات في عهده ، وذلك خوفاً من أن يتكاسل المسلمون عن الجهاد ؟!
فلو قبلنا هذا العذر لعمر ، فلماذا ألغى القوم هذه الشعيرة من فصول الأذان وإلى الأبد ؟!
ثم لاحظ أخي القارئ كيف يتصرف هذا في أذان المسلمين ويطرح منه ما شاء ويتلاعب في النصوص سواء نصوص الحديث أو السنة والفصل الذي أسقطه عمر من الأذان كان على زمن الرسول الأكرم ولا يحق لأي كان أن يتصرف في السنة ، فالصلاة خير الأعمال .
والجهاد أيضاً له رجاله (!) ومن يقرأ السيرة يعلم بأن عمر لا ذكر له في الجهاد والغزوات ولو كان الرسول مثلاً أسقط حي على خير العمل من أجل الجهاد في زمنه لرأيت عمر يرفض ذلك لأن الجهاد له رجاله كما ذكرنا .
أما عندما استلم زمام الحكم قام بإصدار هذا العمل المشين وهو حذف حي على خير العمل وذلك لأنه لن يجاهد ولن ينزل ساحات الوغى ولأنه الحاكم وعليه إرسال الجيوش للقتال ولا شيء عليه فهو في أمن وأمان .
باب تضييع الصلاة عن وقتها
82- ... عن أنس قال : ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قيل الصلاة : أليس ضيَّعتم ما ضيَّعتم فيها ؟!
83- ... عن عثمان بن أبي رواد أخي عبدالعزيز قال : سمعت الزهري يقول : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت ما يبكيك فقال لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضُيِّعت .
سبحان الله ! إذا الصلاة التي هي عمود الدين قد ضيعوها فكيف بالسنن ؟!
يقول ابن حجر العسقلاني في شرحه :
قوله : ( قيل الصلاة ) أي قيل له الصلاة هي شيء مما كان على عهده صلى الله عليه وسلم وهي باقية فكيف يصح هذا السلب العام ؟
فأجاب بأنهم غيروها أيضاً بأن أخرجوها عن الوقت .
... ثابت البناني قال : كنا مع أنس بن مالك فأخَّر الحجاج الصلاة فقام أنس يريد أن يكلمه فنهاه إخوانه شفقة عليه منه فخرج فركب دابته فقال في مسيره ذلك والله ما أعرف شيئاً مما كنا عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهادة أن لا إله إلا الله فقال الرجل فالصلاة يا أبا حمزة ! قال : قد جعلتم الظهر عن المغرب أفتلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
ويقول :
إطلاق أنس محمول على ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصة .
أقول :
إن ابن حجر العسقلاني يكذب في ذلك محاولاً الدفاع عن الصحابة ولكن هيهات !
فالذين ضيعوا الصلاة ليسوا أمراء الشام والبصـرة فقط كما يدَّعي ابن حجر ، بل المسلمون جميعاً ضيعوا الصلاة من جميع جوانبها أعني بذلك تأخيرها عن وقتها ، والتغيير في كيفية السجود والركوع والقراءة أيضاً ، وقد حدث هذا التغيير في المدينة والكوفة ، فاقرأ معي ما جاء في البخاري كتاب الأذان باب إتمام التكبير في السجود :
... عن مُطَرِّف بن عبدالله قال : صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنا وعمران بن حصين فكان إذا سجد كبر ، وإذا رفع رأسه كبر ، وإذا نهض من الركعتين كبـر ، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال : قد ذكَّرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم أو قال : لقد صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ...! قال ابن حجر في شرحه : فقد رواه أحمد من رواية سعيد ... بلفظ صلى بنا هذا مثل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم !
فكيف كانت صلاة الصحابة ؟ وكيف كان ركوعهم وسجودهم ؟ وهؤلاء كانوا قد صلوا ولمدة طويلة خلف النبي الأكرم ، ولهذا لاحظ هذا الصحابي وتذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فهل كان الإمام هو الوحيد الذي كان يصلي الصلاة الصحيحة كما أمر الله عز وجل ؟!!
ويقول أبو هريرة كما جاء في صحيح البخاري : أنه كان يصلي بهم فيُكبِّر كلما خفض ورفع ، فإذا انصرف قال : إني لأشبهكم صـلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم [5] .
ونحن نعلم أن أبا هريرة كان في المدينة وقوله هذا دليل على أن الصحابة كانوا يصلون خلاف صلاة أبي هريرة والتي هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ادَّعى هذا الدوسي ! فكيف كانت صلاة هؤلاء الصحابة ؟! وكيف كانت صلاة من كان ساكناً في مدينة الرسول من المسلمين ؟!
ألا تسأل نفسك أيها المسلم كيف كان يصلي من كان على دكة الحكم قبل الإمام علي عليه السلام وبعده ؟!
وعمران بن حصين هذا يقول قد ذكرني هذا صلاة محمد ، أي أن ذلك كان نسياً منسياً حتى تذكر بعد الصلاة خلف الإمام عليه السلام والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول : صلوا كما رأيتموني أصلي [6] ، فهؤلاء غيروا وبدلوا ومحوا معالم الدين وهذه الصلاة التي هي عمود الدين قد غيروها فماذا نقول في بقية العبادات والفرائض والسنن .
باب وقت الظهر عند الزوال
84- ... عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فقام على المنبر فَذَكَرَ الساعة فذكر أن فيها أمورا عظاماً ثم قال : من أحب أن يسأل عن شيء فليسـأل فلا
تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا ، فأكثر الناس في البكاء وأكثر أن يقول : سلوني ، فقام عبدالله بن حذافة السهمي ، فقال : من أبي ؟
قال : أبوك حذافة ، ثم أكثر أن يقول سلوني ، فَبَرَكَ عمـر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً فسكت ثم قال : عُرضت عليَّ الجنة والنار آنفاً في عُرْض هذا الحائط فلم أَرَ كالخير والشر .
أقول :
لقد قَصَّرَ الصحابة بعدم توجيه الأسئلة المهمة للرسول الأكرم حيث أنه كان يكرر كلمة ( سلوني ) أي أن الإجابات سوف تكون حاسمة ودقيقة لأنه مسدَّد من قبِلَ ِالله تعالى فكان من واجب المسلمين أن يُطيلوا من تلك الجلسة للاستفادة من الأجوبة النبوية ولكن عمر دائماً وأبداً إما معارضاً وإما صارخاً بأعلى صوته وهنا مسكتاً للرسول الأكرم .
راجع ج 1 ، ص 77 ، حديث 8 ، باب من برك على ركبتيه عنـد الإمام ، من كتاب العلم ، وكذلك راجع ج 3 ، ص 350 ، حديث 841 ، من كتاب الفتن باب التعوذ من الفتن .
باب تأخير الظهر إلى العصر
85- ... عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشـاء فقال أيوب لعله في ليلة مطيرة ، قـال عسى .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب مواقيت الصلاة ، باب وقت المغرب ، وكتاب التهجد ، باب من لم يتطوع بعد المكتوبة .
باب وقت المغرب
86- ... عن ابن عباس قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً .
يقول ابن حجر : وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقاً لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة ... واستدل لهم بما وقع عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال : فقلت لابن عباس لم فعل ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أحداً من أمته ... وما ذكره ابن عباس من التعليل بنفي الحرج ظاهر في مطلق الجمع .
وسنوافيك لاحقاً بتعليقنا على ذلك .
باب فضل صلاة الفجر
87- ... حدثنا قيس قال لي جرير بن عبدالله : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال : أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون أو لا تضاهون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ، ثم قال : فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها .
فيما يتعلق برؤية الله فسنوافيك إن شاء الله تعالى في حديث آخر مفصلاً ، وأما فيما يتعلق بالصلاة وتأكيد الرسول على أدائها في وقتها فأقول :
إن النبي الكريم يقول ما لا يفعل ولا يعمل به ولا يحرص عليه أيضاً وإليك الدليل من الكتاب الذي يأتي مباشرة بعد القرآن !
جاء في البخاري عن عبيدالله بن أبي قتادة عن أبيه قال : سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم لو عرَّست بنا يا رسول الله ! ... فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس !
أي أن النبي الأكرم صلى صلاة الصبح قضاءً وهذه الصلاة صلاة واجبة فكيف يوصي الصحابة بعدم التهاون فيها وهو القائل أيضاً حُبِّبَ إليَّ النساء والطيب وجعل قرة عيني الصلاة [7] .
باب الأذان بعد ذهاب الوقت
88- ... عن عبدالله بن أبي قتادة عن أبيه قال : سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم : لو عرَّست بنا يا رسول الله قال أخـاف أن تناموا عن الصلاة قال بلال : أنا أوقظكم فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس فقال : يا بلال أين ما قلت ؟
قال : ما أُلقيت علي نومة مثلها قط ، قال إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء ، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة ، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب التوحيد ، باب المشيئة والإرادة .
أقول :
إن الصلاة عمود الدين ومن حافظ على أدائها في وقتها فله الأجر والثواب على ذلك وقد حرص الرسول الأكرم على أدائها في وقتها وقد مر عليك في الصفحات السابقة كيف أن أنس بن مالك كان يتألم من ضياع هذه الصلاة بتأخيرها عن وقتها ويقول الرسول الأكرم إنها قرة عينه والشواهد على ذلك كثيرة ، من أن الرسول كان يقوم الليل لصلاة النوافل والمستحبات حتى تورَّمت قدماه من كثرة قيامه وهذه الصلوات صلوات مستحبة فكيف به ينام عن صلاة واجبة ؟! أفيدونا بذلك .
وهل كان الرسول الأكرم ينام من دون حراسة حيث أنه هو المطلوب من قِبَل المشركين والمنافقين وكيف يغفل النبي الأكرم عن ذلك وينام ومن دون مراقبة من الحرس والصحابة ؟! ألم يكن في الصحابة الذين معه منافقون ؟! ألم يكن يُخشى عليه من هؤلاء المنافقين ؟! وما الفرق بين هذا النبي وغيره من الصحابة من حيث أداء الأعمال والواجبات ؟!
فتراه ينام عن صلاة الصبح ويصليها قضاءً ! وينسى كم صلى أربعاً أو خمساً ! ويباشر نساءه في حيضهن ويُقَبِّل نساءه وهو صائم ! ويمص اللسان أيضاً وسيأتيك المزيد من هذه الترهات فابق معنا !
(181) المجلد1 ، ج2 ، ص19 ، ط 1973م ، دار الجيل ، بيروت .
(182) ج2 ، ص197 ، كتاب الصلاة ، باب ما روي في حي على خير العمل ، حديث 2031-2032-2033 ، ط1/1416هـ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، وذكره ابن أبي شيبة في المصنف ، ج1 ، ص195 ، حديث 2239 و2241 ، كتاب الأذان ، باب من كان يقول في أذانه حي على خير العمل ، وذكره أيضاً الصنعاني في مصنفه ، ج1 ، ص460 ، حديث 1786و1797 ، باب بدء الأذان ، وذكره أيضاً المتقي الهندي في كنز العمال ، ج8 ، ص342 ، حديث 3174 ، فصل في الأذان وأحكامه ، وابن حجر في لسان الميزان ، ج1 ، ص268 ، والسيرة الحلبية ، ج2 ، ص98 ، وابن كثير في البداية والنهاية ، ج11 ، ص270 ، والأندلسي في الإحكام في أصول الأحكام ، ج4 ، ص609 .
(183) دلائل الصدق للشيخ محمد الحسن المظفر قدس سره ، ج3 ، ص558 ، الصلاة خيـر من النوم ، ط1/1396 ، دار المعلم للطباعة .
(184) الصحيح من سيرة النبي للسيد جعفر العاملي ، ج4 ، ص294 ، سبب حذف هذه العبارة ، ط دار السيرة ، بيروت . باب الإيضاح لابن شاذان ، ص201-202 – الاعتصام بحبل الله المتين ، ج1، ص296 و299 و304-307 ، وكتاب العلوم ، ج1 ، ص92 ، نقلاً عن الصحيح من سيرة النبي – المؤلف - .
(185) كتاب الأذان ، باب إتمام التكبير في الركوع .
(186) صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب رحمة الناس والبهائم .
(187) مسند أحمد بن حنبل ، ج3 ، ص199 ، مسند أنس بن مالك ، ط دار الفكر العربي .
89- حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا ابن جريح قال أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادى لها فتكلموا يوماً في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى ، وقال بعضهم بل بوقاً مثل قرن اليهود ، فقال عمر : أَوَلا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بلال قم فناد بالصلاة
تقول العامة أن عبدالله بن زيد رأى الأذان في عالم الرؤيا بفصوله وتمامه ، وتقول أيضاً أن عمر عند سماعه الأذان جاء مسرعاً وقال : لقد رأيت مثل الذي رأى ابن زيد ويقولون أيضاً أن عمر كان قد رأى الأذان في عالم الرؤيا فكتمه عشرين يوماً ثم أخبر به النبي الأكرم فقال : ما منعك أن تخبرنا ؟ قال سبقني عبدالله بن زيد فاستحييت [1]
أقول :
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشاور أصحابه بكيفية النداء للصـلاة ويجلس متحيراً أياماً وليالي منتظراً من الصحابة المشورة إلى أن رأى ابن زيد الرؤيا بكيفية الأذان وفصوله !
عجباً والله لهؤلاء الذين يدعون بأنهم أهل العامة كيف قبلوا بهذا الحل الساذج ؟!
ألم يسألوا أنفسهم بأن الرسول طالما كان محتاراً بشأن الأذان فلماذا لم يَرَ الرؤيا بنفسه لأن رؤياه صادقة ويؤخذ بها شرعاً كما يقظته وهو ليس كبقية البشر ، ولماذا لم يخبره جبرئيل عليه السلام بكيفية الأذان وبيان فصوله ، وهل هذا سوى محاولة للتلاعب بالتشريع الإلهي
وما هذه المصادفة أن يرى ابن زيد الرؤيا ويرى عمر الرؤيا نفسها بالأسلوب نفسه من حيث فصول الأذان ؟!
ولماذا يأتي اسم عمر دائماً في التشريع ؟!
فمثلاً : وافقت ربي في ثلاث - مقام ابراهيم – فنزلت الآية ، الحجاب – فنزلت الآية ، أسارى بدر – وهنا الأذان
ألا تشك أيها المسلم من كثرة تكرار مشاركة عمر للنبي الأكرم في التشريع وأن ذلك كذب محض ؟!
جاء في صحيح ابن خزيمة حدثنا بندار أخبرنا أبو بكر – يعني الحنفي – أخبرنا عبدالله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر : ان بلالاً كان يقول أول ما أذَّن أشهد أن لا إله إلا الله حي على الصلاة ، فقال له عمر : قل في أثرها أشهد أن محمداً رسـول الله ، فقـال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل كما أمرك عمر [2] .
يقول المحقق الدكتور محمد مصطفى : إسناده ضعيـف جداً والحديث باطل !!
لاحظ أخي الكريم هذه الرواية وكأن الأذان نزل نزولاً تدريجياً ، أي أنه لم يكن متكاملاً في بدء الدعوة والطامة الكبرى أن عمر دائماً يشير ويوجه الرسول الأكرم ويحاول أهل العامة أن يشركوه مع النبي في رسالته السماوية
وفيه أيضاً : قال أبو بكر في خبر عبدالله بن زيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة إنما يجتمع الناس إليـه للصلاة بحين مواقيتها بغير دعوة [3]
ويقول المحقق محمد مصطفى : إسناده معضل ! انتهى .
يعني بذلك أنه سقط من إسناده إثنان فصاعداً ، وبعبارة أخرى : هذا الحديث لا يصلح للاستشهاد به !
قال الحاكم في المستدرك على الصحيحين
عن سفيان بن الليل قال : لما كان من أمر الحسن بن علي ومعاوية ما كان قدمت عليه المدينة وهو جالس في أصحابه فذكر الحديث بطوله قالفتذاكرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنما كان بدء الأذان رؤيا عبدالله بن زيد بن عاصم ، فقال له الحسن بن علي إن شأن الأذان أعظم من ذاك ، أذَّن جبريل عليه السلام في السماء مثنى مثنى وعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقام مرة مرة فعلمـه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأذن الحسن حين ولي [4]
وهذا يفنِّد ما يدَّعيه أهل العامة في شأن الأذان ويتبين لنا أن الأذان شُرِّع يوم أُسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ونحن نعلم علم اليقين بأن الإسراء والمعراج كان في مكة المكرمة ، وقد شرع الأذان في ذلك الحين أي قبل الهجرة
يقول ابن حجر
وردت أحاديث تدل على أن الأذان شُرِّع بمكة قبل الهجرة [5]
وأقول :
من هو ابن زيد أو عمر حتى يُشرِّعوا هذه الشعيرة – الأذان – ويشيروا بها على رسولنا الأكرم عندما كان محتاراً في كيفية النداء للصلاة ، فمن يكون نبياً رسولاً وله رب حكيم قدير فإنه لن يحتار في أمر كهذا ولن يحتاج إلى مشورة الصحابة في ذلك .
باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعه
90حدثنا مالك أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَة متقاربون فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا ، فأخبرناه قال : ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب الأذان ، باب بدء الأذان ، للمسافرين ، وباب إثنان فما فوقهما ، وباب المكث بين السجدتين ، وكتاب الأدب ، باب رحمة البهائم ، وكتاب أخبار الآحاد ، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد
لاحظ عبارة ( وصلوا كما رأيتموني أصلي ) وأنس يقول : قد ضيعتم الصلاة ، وعمران بن حصين يقـول بعد أن صلى خلف الإمام علي عليه السلام : ( لقد ذكرني هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) كما مر عليك في الصفحات السابقة ، ولاحظ النبي الأكرم كيف يوصي هؤلاء قبل الرحيل وقبل أن يودِّعوا الرسول بالذهاب إلى أهليهم
نعم .. يوصيهم وصية خاصة ويقول ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) بدون زيادة ولا نقيصة وذلك لأهمية الصلاة فهي عمود الدين إن قُبِلت قُبِل ما سواها وإن رُدَّت رُدَّ ما سواها وهذا النبي الموصي بذلك لا يطبق قوله !! ينام عن الصلاة حتى تشرق الشمس ! ينسى كم صلى أربعاً أو خمساً متهاوناً وشارد الذهن عن القراءة ! يصلي وحين السجود يغمز رجل عائشة كي تقبضهما وإذا قام بسطتهما وهو في حالة القراءة وقبل الركوع والسجود يكون تفكيره بكيفية غمز رجل عائشة ! وسنوافيك بالمزيد في محله
باب إذا قال الإمام مكانكم
91- عن أبي هريرة قال : أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم وهو جُنُب ثم قال : على مكانكم فرجع فاغتسل ثم خرج ورأسه يقطر ماءً فصلى بهم .
يقول ابن حجر :
فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب . انتهى
نبي الأمة ينسى أنه جنب وينسى أنه لم يغتسل !
وأقول :
إن هذه الروايات وضعت ليُبَرِّروا ما صدر من بعض من يعتقدون فيهم من الصحابة من مخالفات للدين فقاموا بالطعن بشخص النبي الكريم من أجل عيون هؤلاء الصحابة ، وسوف نذكر لاحقاً وبالتفصيل ما يختص بهذا الموضوع
باب حد المريض أن يشهد الجماعة
92- ... عن إبراهيم قال الأسود قال : كنا عند عائشة (رض) فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها ، قالت : لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس فقيل له : إن أبا بكر أَسِيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس ، وأعاد فأعادوا له ، فأعاد الثالثة ، فقال : إنكن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فخرج أبو بكر فصلى فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج يُهادَى بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه ، قيل للأعمش : وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر فقال برأسه نعم
يقول ابن حجر :
قوله ( أسيف ) ... وهو شدة الحزن .
قوله ... ( إنكن صواحب يوسف ) ... المراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن ، ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط ، كما أن صواحب صيغة جمع والمراد زليخا فقط .
ويقول :
فقال له – أي بلال – إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس ، فقال أبو بكر – وكان رجلاً رقيقاً – يا عمر صل بالناس ، فقال له عمر : أنت أحق بذلك .
أقول :
يقول ابن حجر : إن أبا بكر كان رجلاً رقيقاً ، وفي رواية : لا يسمعه الناس من البكاء !!
عجباً والله لهؤلاء بادعائهم ذلك ! ألم يعلموا أن البكاء من الخشوع لا يبطل الصلاة ؟! بل هو مندوب إن كان خشية من الله تعالى .
النبي الأكرم يأمر أبا بكر بأن يصلي في الناس ، ثم يخرج بعد أن يجد من نفسه خِفَّة .
أليس من حق المسلم أن يبحث عن الحقيقة ، ولماذا كل ما ورد في كتب التأريخ الإسلامي أو كتب الحديث نأخذ به من دون تريث وتمحيص ؟!
وكأن الأمر من المسلمات لا يجوز النقاش فيه ؟
أليس من الممكن أن هؤلاء الصحابة أو عائشة هي التي أمرت أباها أن يصلي بالناس ؟!
ولهذا عندما علم الرسول الأكرم أن ابن أبي قحافة يصلي بالمسلمين خرج وهو في تلك الحالة الصعبة كي يُنَحِّيه جانباً وهذا ما حصل بالفعل
وإلا فكيف يأمره النبي ثم يخرج ليُنَحِّيه جانباً ، وتقول الرواية : فوجد النبي من نفسه خفة ! وفي الرواية نفسها ( رجليه تخطان من الوجع ) ! أي خِفَّة هذه ورجلاه تخطان الأرض !
إنما رأى الرسول الأكرم أن من واجبه تنحية أبي بكر وإن كان ذلك على حساب صحته
لماذا تؤخذ القضايا وكأنها من المسلمات ، ألا يجدر بنا أن نسأل مثل هذه الأسئلة ؟!
وفي الرواية أيضاً أن أبا بكر تنحى من مكانه وهذا يؤيد ما نقوله ، بأن سبب خروج الرسول الأكرم على تلك الحالة الصعبة ما كان إلا لكي ينحي ابن أبي قحافة ، وعلى فرض أن الرسول أمر أبا بكر بالصلاة في الناس – وهو طبعاً فرض محال ولكن ! – أقول : عندما بعث النبي الأكرم بسورة براءة ليقرأها على المشركين نزل جبرئيل عليه السلام وقال بأن الجليل يقرئك السلام ويقول إنه لا يؤدي ذلك إلا أنت أو رجل من أهل بيتك فبعث علياً عليه السلام فأخذ براءة من أبي بكر بأمر من النبي الأكرم الذي أمره الله بذلك .
وأقول :
بأن النبي أمر أبا بكر بالصلاة بالمسلمين ، فأمره الله أن ينحيه جانباً ففعل كما أمره الله تعالى ونحاه جانباً وصلى الرسول بنفسه بالمسلمين كما حدث عندما بعث علياً بسورة براءة كما ذكرنا ذلك .
93- ... عن الزهري قال : أخبرني عبيدالله بن عبدالله قال : قالت عائشة لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض وكان بين العبـاس ورجل آخر ، قال عبيدالله فذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة فقال لي وهل تدري من الرجل الذي لم تُسمِّ عائشة ؟ قلت : لا ، قال : هو علي بن أبي طالب
يصور لنا هذا الحديث أن هذا النبي لم يكن عادلاً بين زوجاته حتى آخر حياته وآخر رمق فيه ! نراه هنا يطلب من بقية زوجاتـه أن يمرض في بيت عائشة ، وعندما يطلب ذلك من نساءه فمن غير المعقول أن ترفض إحداهن ذلك ، لأنه طلب منهن والطلب هذا كالأمر ، وحتى إن كانت إحداهن غير راضية فسوف توافق على ذلك وعلى مضض ، وهؤلاء النسوة لم يكُنَّ قد أخذن حقوقهن كما كانت عائشة قد أخذت ذلك ، فاقرأ ما في البخاري ومسلم وبقية السنن لترى صحة قولنا في ذلك .
والله سبحانه وتعالى يطلب العدل بين الزوجات ويقول أيضاً : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا } أي في المحبة والميل القلبي ، ولكن لا يجوز أن يبين الزوج ذلك الميل والحب الزائد لبقية زوجاته ، وذلك لأن فيه عواقب سيئة ووخيمة .
جاء في البخاري :
... ثم إنهن – أي نساء النبي – دَعَوْنَ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول : إن نساءك يُنشدنك العدل في بنت أبي بكر ، فكلمته فقال : يا بنية ألا تحبين ما أحب ؟ قالت بلى ، فرجعت إليهن فأخبرتهن فقلن : ارجعي إليه فأبت أن ترجع ، فأرسلن زينب بنت جحش فأتته فأغلظت وقالت : إن نساءك يُنشدنك الله العدل في بنت أبي قحافة ... إلى آخر الحديث( 3)
راجع إن شئت ذلك أيضاً صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب في فضل عائشة
يتبين لنا من خلال قرائتنا للحديث أن الرسول الكريم لم يكن عادلاً لأنهن طلبن منه العدل بينهن ، فيا أخي الكريم هل يقبل عقلك السليم ويتقبل رواية كهذه الرواية ، وهل يعقل أن الرسول الأكرم العادل في جميع أموره وهو المُسدَّد من قِبَل الله تعالى أن يكون ظالماً لزوجاته ، فالنتيجة أن ذكر عائشة ومحبة الرسول لعائشة لا يكون إلا تضخيماً لأبي بكر ليس إلا وأيضاً عائشة لم تُطِق ذكر اسم الرجل الآخر وهو سيد الأوصياء والبطل الغالب علي بن أبي طالب عليه السلام وزوج البتول التي أنجبت له ريحانتـي الرسول وإن كانت هذه المحبوبة ! أي عائشة قد عقمت
(188) فتح الباري لابن حجر ، ج2 ، ص98 ، كتاب الأذان ، باب بدء الأذان
(189) ج1 ، ص188-189 ، كتاب الصلاة ، باب بدء الأذان والإقامة ، حديث 362 ، ط المكتب الإسلامي
(190) نفس المصدر السابق ، ص190 ، حديث 365
(191) ج3 ، ص171 ، كتاب معرفة الصحابة ، ط بيروت
(192) فتح الباري ، ج2 ، ص98 ، كتاب الأذان ، باب بدء الأذان