تعتبر إسرائيل علاقاتها مع دول البلقان مهمة جدًّا في بناء شبكة علاقاتها
خارطة علاقة دول البلقان وشعوبها مع إسرائيل: حدودها وطبيعتها(2)
تناول الجزء الأول من هذه الدراسة علاقة إسرائيل بدول البلقان التي لم تكن جزءًا من الاتحاد اليوغسلافي السابق، أي بلدان منطقة جنوب شرق البلقان. ويتناول الجزء الثاني منها وهو الأخير، طبيعة العلاقات الإسرائيلية مع دول البلقان التي كانت منضوية تحت لواء الاتحاد اليوغسلافي السابق (ثم استقلت عنه)، والتي عاشت حقبًا تاريخية مشتركة عرفت خلالها الأوضاع البلقانية تطورات درامية وصراعات دامية خلّفت جراحًا وندوبًا في التاريخ يصعب محوها.
إسرائيل ودول البلقان المستقلة عن الاتحاد اليوغسلافي السابق
عرف مصير اليهود في البلدان التي كانت مستقلة عن الاتحاد اليوغسلافي مرحلتين مختلفتين تمامًا بل ومتناقضتين، فبينما لُوحق اليهود وشُرّدوا ورُحِّلوا قسرًا، وصودرت ممتلكاتهم، وسيق من سيق منهم إلى معسكرات الموت الألمانية النازية في كلٍّ من صربيا الأرثوذكسية وكرواتيا المسيحية، تمامًا كما كان الأمر بالنسبة لكل مسيحيي أوروبا في تعاملهم مع اليهود، فإن تاريخ اليهود مع شعوب البلدان البلقانية التي تغلب فيها ديموغرافيا المسلمين عرف وجهًا مشرقًا وحضاريًّا وإنسانيًّا يعترف به اليهود أنفسهم.
لكن ثمة مشكلة ما تجعل هذه الحقائق التاريخية تُنتج آثارًا عكسية، فما نشهده اليوم من علاقات متينة بين اليهود والبلدان المسيحية (التي أقامت لأجدادهم المحرقة وطردتهم من أراضيها ولاحقتهم وصادرت أموالهم) أمر يدعو إلى الاستغراب، خاصة إذا قارنّاه بحالة الحقد والكراهية الإسرائيلية المعلنة لكل ما هو مسلم، وهذا قدر عدد من دول البلقان.
فما هي طبيعة تلك العلاقات؟ وهل لها من تأثير على واقع ومستقبل الدول البلقانية؟
أولاً: مقدونيا
يعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين مقدونيا وإسرائيل إلى 7 ديسمبر/كانون الأول عام 1995، أي أربع سنوات بعد إعلان مقدونيا استقلالها عن الاتحاد اليوغسلافي. وبالرغم من أن دستور مقدونيا قد أعلن أن اسم البلاد الرسمي هو جمهورية مقدونيا، فإن إسرائيل أقامت علاقاتها الدبلوماسية مع مقدونيا باعتماد اسمها المؤقت المعتمد لدى الأمم المتحدة تحت اسم جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة (من المعروف أن اليونان طالبت من جانب واحد بضرورة تغيير مقدونيا لاسمها الدستوري واقترحت أن تُسمّى جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة، ورغم أن الخلاف لا يزال موضوع نظر الأمم المتحدة إلا أن إسرائيل بادرت إلى الاعتراف بجمهورية مقدونيا مما أثار غضب اليونان، ويبدو أن ذلك هو ما قصدته إسرائيل من وراء هذا الاعتراف).
تم تسجيل قدوم أعداد بسيطة من اليهود إلى المناطق الواقعة جنوب أرض مقدونيا في منتصف القرن الماضي، إلا أن وجودهم في مقدونيا يعود إلى نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، وكان ذلك على إثر عمليات الترحيل القسري التي طالت اليهود في إسبانيا واستقبلتهم سلطات الإمبراطورية العثمانية التي كانت الدولة الأوروبية المسلمة الوحيدة.
يعيش اليوم في مقدونيا حوالي 200 يهودي أغلبهم في العاصمة سكوبيا، بالإضافة إلى أسرتين في مدينة شتيب وهم من بقايا الأسر اليهودية المرحّلة. ينتظم هؤلاء اليهود في جماعة يهودية ناشطة في مجال مزيد من التقريب بين البلدين، كما يعملون على ربط علاقات قوية بين جماعتهم وجماعات اليهود الأخرى في باقي دول البلقان وأميركا. من جانبها قامت حكومة مقدونيا بتسوية وضعية ممتلكات اليهود العقارية التي ظلت دون وريث شرعي بعد موت أصحابها وأعادت ملكيتها إلى منظمة الجماعة اليهودية في مقدونيا، وهو إجراء قلّ نظيره في دول العالم، كما شيدت حكومة مقدونيا أحد أكبر المراكز في العالم خُصِّص لذاكرة الهولوكوست في نفس المكان الذي كان في ما مضى حيًّا يسكنه اليهود. التعاون الاقتصادي بين البلدين يتقدم ببطء على غير ما خُطّط له، ولم يتم تحويل الاستثمارات الإسرائيلية الموعودة لإنجاز جملة من المشاريع المعلنة منذ 2008 والمتعلقة باستصلاح الأراضي وإقامة نظام للريّ الزراعي، لكن النشاط الأكبر يسجَّل في قطاعي السياحة والتبادل الثقافي بين البلدين.
ثانيًا: الجبل الأسود (مونتينيغرو)
مباشرة على إثر إعلان استقلال الجبل الأسود في يونيو/حزيران 2006، اعترفت إسرائيل رسميًّا بالدولة الجديدة في 13 يونيو/حزيران من نفس السنة، وبعد شهر واحد من ذلك التاريخ وبسرعة غير معهودة سارعت إسرائيل إلى تكليف سفيرها في العاصمة الصربية بلغراد بالقيام بأعمال السفير الإسرائيلي في الجبل الأسود في 19 سبتمبر/أيلول عام 2007. أما الجبل الأسود فقد افتتح قنصلية فخرية لتمثيله في تل أبيب بداية من العام 2009. وخلال هذه الفترة قام وزيرا خارجية البلدين بتبادل عدد من الزيارات بين عامي 2009 و2010، في حين قام، ميلو دجوكانوفيتش، رئيس وزراء الجبل الأسود بزيارة رسمية إلى إسرائيل.
التعاون الاقتصادي بين الجانبين لا نظير له من حيث تسارع نموّه كمًّا ونوعًا في أيٍّ من بلدان منطقة البلقان كلها، فإلى جانب شراء أسهم شركة الطيران التابعة للجبل الأسود، فإن إسرائيل تضخ أموالاً هائلة في البنية التحتية السياحية وبناء النزل الفاخرة والمرافق السياحية العصرية على شواطئ جمهورية الجبل الأسود. لم يُسجَّل في الماضي أي أثر لوجود الجالية اليهودية في الجبل الأسود، وقد تم ترحيل من عُثر عليهم من اليهود على أرض الجبل الأسود، إثر خضوعها للاستعمار الفاشي الإيطالي والنازي الألماني الذي تواصل من سبتمبر/أيلول 1943 إلى فبراير/شباط 1944.
بالرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية تفيد عن أعداد اليهود في جمهورية الجبل الأسود اليوم، فإنه لا شك لدينا في أن عددهم ضئيل جدًّا، وقد لا يتعدى عدد أصابع اليدين. لكن ومع ذلك فإن كل الإمكانات وُضِعت بين أياديهم لبناء روابط بينهم وبين باقي الجاليات اليهودية، في البلقان، ومن ذلك أنهم أسسوا جماعتهم الخاصة في الجبل الأسود. في يناير/كانون الثاني من العام 2012 وقَّعت حكومة الجبل الأسود معاهدة مع الجماعة اليهودية المقيمة على أراضيها تضبط العلاقة الثنائية بينهما، (هذه هي أقل الجماعات اليهودية عددًا في العالم)، واعترفت حكومة جمهورية الجبل الأسود باليهودية دينًا رسميًّا فيها.
ثالثًا: صربيا
كما هي الحال في كامل منطقة البلقان، فإن تاريخ هجرة اليهود إلى الأراضي الصربية يعود إلى العام 1492 عندما تم تهجيرهم قسرًا من إسبانيا، فكانت الإمبراطورية العثمانية الدولة الأوروبية الوحيدة حينها التي استقبلت عددًا غير محدود من اليهود المهجَّرين، وقد تأسس هذا الموقف المنفتح آنذاك على مبادئ الإسلام التي قامت عليها الإمبراطورية العظمى. إن الإمبراطورية العثمانية بصفتها دولة إسلامية كانت الدولة الوحيدة التي بإمكانها قبول ذلك العدد الهائل من أشخاص مهجَّرين ينتمون إلى دين آخر (الدين اليهودي) دون أن تؤدي تلك الهجرة الجماعية الكبرى إليها إلى التساؤل عن أصول الوافدين وديانتهم. هذا الموقف لم يكن في تعارض مع المبادئ الاجتماعية والسياسية التي تحكم نظام الدولة العثمانية الأوروبية المسلمة، بل على العكس من ذلك فقد كان تأكيدًا واقعيًّا لتلك المبادئ وذلك التسامح الذي عزّ نظيره.
في إطار نفس هذا المنطق في التعامل مع أصحاب الديانات المخالفة، لا يجب أن نستغرب في المقابل من أن هذا الوضع الآمن الذي عاشه اليهود على أرض البلقان، وعلى أرض صربيا في حدودها الحالية، وما عرفوه من تطور كان قد توقف وانقلب إلى نقيضه بمجرد انتهاء الحكم الإسلامي في كامل هذه المنطقة.
مباشرة على إثر سقوط مملكة يوغسلافيا عام 1941، تأسست على أرض تلك المملكة دولتان جديدتان، كلتاهما مبنيتان على أسس الغطرسة والقوة المفرطة، وهما: دولة كرواتيا المستقلة ودولة صربيا، وقد كانت حكومة دولة صربيا التي تشكّلت على إثر انهيار المملكة اليوغسلافية تتعاون مع النظام الفاشي الألماني، لكنها وفي نفس الوقت استمرت في ضغطها على بقايا رجال النظام الملكي المنهار مما دفع ولي العرش اليوغسلافي إلى اللجوء إلى لندن. هذا التعاون كان يعني، على مستوى التطبيق، قبولاً بمخطط ترحيل اليهود الذين كانوا يعيشون على أرض صربيا إلى معسكرات الموت الألمانية، أما على مستوى القناعات والإيمان لدى الحكومة الصربية المؤقتة فقد تُرجم بإقامتها معسكرًا لتجميع يهود البلقان في منطقة بانيتسي بالقرب من بلغراد.
تم ترحيل ما يقرب من 10 آلاف و500 يهودي، وهو عدد اليهود المسجلين في الدفاتر الرسمية لمدينة بلغراد بعد إلقاء القبض عليهم وسجنهم في معسكر بانيتسي، ويضاف إلى هؤلاء حوالي 500 يهودي كانوا يعيشون في كوسوفا. ولم يلقَ أغلب هؤلاء اليهود الموت في محرقة الهولوكوست في المعسكرات الألمانية، ومن نجا منهم من الأسر هاجر لاحقًا إلى إسرائيل. علينا هنا أن نذكر أن عددًا من اليهود الذين انضموا إلى قوات "البارتيزان" (المقاومة للاستعمار الألماني وللحكومة الصربية الفاشية آنذاك)، بقيادة يوسيب بروز تيتو، أصبح أغلبهم فيما بعد من وجهاء الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية، وخاصة الاقتصادية لصربيا حيث يعيش اليوم حوالي 1700 يهودي أغلبهم في العاصمة بلغراد.
من المثير هنا (وكذلك من الأمور التي تحمل دلالات قوية) الإشارة إلى أن المصادر والوثائق الحكومية الصربية فيما يتعلق بالعلاقات الصربية-اليهودية لا تذكر إطلاقًا فترة الهجرة المكثفة لليهود نحو الأرض الصربية أيام كانت تخضع للحكم الإسلامي للإمبراطورية العثمانية!! هذا الموقف الصربي المستغرب يبدو أكثر وضوحًا إذا علمنا أن بلغراد بدأت بإقامة علاقاتها الدبلوماسية في 31 يناير/كانون الثاني من العام 1992، وهي الفترة ذاتها التي كانت تُعدّ فيها صربيا لعدوانها على البوسنة والهرسك، مُعلنة أنها تخوض حربًا لحماية أوروبا من الإسلام الذي يتهددها، حتى تحصل بذلك على مباركة ودعم تل أبيب.
هذه السياسة الصربية الداخلية المعلنة المعادية للإسلام تمثل اليوم ركيزة أساسية ودافعًا مهمًّا لسياستها الخارجية أيضًا. إن طبيعة العلاقات الصربية-الإسرائيلية ترتكز بالأساس على موقفيهما من قضيتين ذواتي أهمية خاصة لكليهما، وهما قضية وضع كلٍّ من كوسوفا وفلسطين القانوني على المستوى الدولي، فبعد تبني مجلس الأمن الدولي للقرار رقم 1244 للعام 1999 الذي وضع كوسوفا تحت وصاية الأمم المتحدة على إثر إعلانها استقلالها وسيادتها على أراضيها في العام 1998، فإن صربيا لا تزال تعلن رفضها القاطع للاعتراف باستقلال كوسوفا وتتمسك بها كجزء من أراضيها، وذلك على الرغم من الضغوط الدولية المتواصلة عليها من أجل انتزاع اعترافها بسيادة كوسوفا. وفي هذا الإطار فإن عدم اعتراف إسرائيل باستقلال كوسوفا تُرجم صربيًّا على أنه دليل على دعم تل أبيب لبلغراد وتعبير عن صداقتها لها.
لكن صربيا لم ترد المعاملة بالمثل فيما يتعلق بقضية الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة، وكان ذلك بالتعبير عن دعم بلغراد لهذا المقترح وتأكيدها على عدم ممانعتها قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على أراضيها إذا ما طُرح هذا المقترح أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. من الواضح أن خلفية مثل هذه المواقف "وإشارات الدعم المتبادل" تصدر عن تقييم دقيق لآثار وتبعات موقفي الجانبين تجاه أحدهما الآخر من القضايا ذات الأهمية الإستراتيجية لكليهما. فإسرائيل رفضت الاعتراف بسيادة جمهورية كوسوفا واستقلالها حتى لا تكون في تناقض مع موقفها المُنكر لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، أما من الجانب الصربي فإن اعترافها بحق الفلسطينيين في دولة سيدة مستقلة نابع من تقدير لما قد تكون عليه الأوضاع مستقبلاً من إبقاء الباب مفتوحًا أمام تحقيق مخطط انفصال "ريبوبليكا صربسكا" ومن ثم التحاقها بدولة صربيا.
قسمت اتفاقيات دايتون أرض دولة البوسنة إلى كيانين منفصلين لكنهما يشكّلان معًا دولة البوسنة والهرسك، وهذان الكيانان هما: فيدرالية المسلمين والكروات وتشمل 51% من مساحة البوسنة وتعيش فيها أغلبية مسلمة وكرواتية، و"ريبوبليكا صربسكا" التي تحتل 49% من مساحة البلاد وتعيش فيها أغلبية صربية ساحقة).
لكن أزمة الاعتراف الصربي بإمكانية قيام دولة فلسطينية لم تؤثر سلبًا على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وبحسب تصريحات رئيس الوزراء الصربي السابق بوريس تاديتش في الأول من فبراير/شباط 2012، بمناسبة مضي عشرين عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، جاء فيها أن الاستثمارات الإسرائيلية في مجال البنية التحتية الصربية قد بلغ بليون يورو، وهو رقم ضخم إذا ما قورن باستثمارات إسرائيل في باقي دول البلقان. أما في مجال التعاون المشترك فقد وقّع البلدان اتفاقًا في العام 2009 يقضي بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات. وانطلاقًا من ذلك التاريخ شهد التعاون بين البلدين في مجال السياحة تطورًا نوعيًّا حيث بلغ عدد السياح الصرب إلى إسرائيل في العام 2011 حوالي 4700 سائح مقابل 1400 سائح فقط عام 2009.\
رابعا: كوسوفا
العلاقات الكوسوفاوية-الإسرائيلية لا تشكو من ثقل تأثير الأحداث التاريخية فيها، ويعود ذلك بالأساس إلى أن أعداد اليهود المقيمين في كوسوفا لم تكن كبيرة، وكذلك لأن اليهود القلائل الذين سكنوا كوسوفا تمتعوا رسميًّا، وعلى امتداد قرون طويلة، بحقوقهم كمواطنين في الإمبراطورية العثمانية. إلا أن يهود كوسوفا، وبعد 30 عامًا فقط من رحيل السلطات العثمانية عن كوسوفا، لاقوا مصيرهم في أتون محرقة الهولوكوست، ولم يكن لسكان كوسوفا من الألبان أي دخل في تعرضهم لذلك المصير، فقد كان جزء من كوسوفا مستعمَرًا عام 1941 من قبل القوات الألمانية والإيطالية الفاشية التي نظمت عمليات تجميع حوالي 200 من اليهود الكوسوفاويين في معسكرات بانيتسي بالقرب من بلغراد، ومن ثم إرسالهم إلى المحرقة النازية الألمانية. أما الشعب الألباني، الذي كان حينها يسكن جانبي كوسوفا المحتلَّيْن، فقد بذل كل جهده في حماية اليهود ولم يسجل التاريخ أي خيانات أو معاملات قاسية من قبل الألبان تجاه اليهود، وهذا كان ديدن الألبان في علاقتهم باليهود في كل المناطق التي عمروها.
من الحقائق التي لا مراء فيها أن العدد الأقل من اليهود المقيمين في مناطق الألبان هو من لاقى مصير الترحيل إلى المعسكرات الألمانية بالرغم من بذل أقصى جهد في سبيل حمايتهم، وما يدلل على هذا هو أن ألبانيا التي كانت ترزح تحت الاحتلال الألماني الفاشي هي البلد الأوحد الذي زاد فيه عدد اليهود المقيمين فيه إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية عن أعدادهم في فترة بداية الحرب!
يبدو أن هذا المعطى ليس بغائب أو مجهول من طرف السلطات الإسرائيلية، من ذلك أن وزارة خارجيتها، وخلال محادثات خاصة في العام 2008 أبدت تفهمًا وتعاطفًا مع قضية كوسوفا، كما أن إسرائيل استقبلت في العام 1999 عددًا من اللاجئين الألبان الكوسوفاويين على أراضيها وشملتهم بالعلاج والإقامة. لكن كل هذا لم يكن كافيًا، فإلى اليوم لم تعترف إسرائيل باستقلال جمهورية كوسوفا، والسبب في ذلك يعود إلى تخوفها من استغلال الفلسطينيين مثل هذا الاعتراف للمطالبة بالاعتراف باستقلال دولتهم وهو ما ترفضه إسرائيل بقوة. في إبريل/نيسان عام 2009 صرّح أرثور كول سفير إسرائيل لدى صربيا بأن موقف بلاده من استقلال كوسوفا لم يتغير وأن في ذلك برهانًا على علاقات الصداقة الحميمة بين إسرائيل وصربيا، إلا أن أفيغدور ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل قلّل من هذا التصريح وقال في رد عليه: إن قضية الاعتراف باستقلال كوسوفا حساسة، مضيفًا أن بلاده ستدرس المسألة بعد أن تتخذ إسبانيا واليونان موقفًا واضحًا منها، وقد شكّل هذا التصريح ضربة موجعة لصربيا وهو ما قصده ليبرمان بالضبط من وراء تصريحاته تلك.
أما اليوم، وفي الوقت الذي لا توجد فيه علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وكوسوفا، فيبدو أن موقف إسرائيل من استقلال كوسوفا ومستقبل إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، يبقى خيارًا إسرائيليًّا للابتزاز تضغط من خلاله على بلغراد من أجل دفع مستوى التعاون معها إلى أقصى درجاته الممكنة لصالح إسرائيل بالطبع.
خامسا: البوسنة والهرسك
حقيقة طبيعة العلاقات الإسرائيلية المتناقضة مع دول البلقان تظهر بجلاء في علاقة تل أبيب بالبوسنة والهرسك؛ فالبرغم من الحقائق التاريخية التي تشير إلى أن أكبر عدد من اليهود في البلقان تم ترحيلهم من صربيا (البلد الأكبر والأقوى في كل المنطقة)، بعد تجميعهم في معسكرات الاحتجاز التي أقيمت في بلغراد، فإن إسرائيل ساندت صربيا في عدوانها الوحشي على البوسنة والهرسك عام 1992، وزادت من تقوية علاقاتها الدبلوماسية مع بلغراد تحت حكم الرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش، وكان العنوان الأبرز لذلك الدعم هو أن ميلوشيفيتش سوّق لعدوانه على أنه معركة يقودها شخصيًّا من أجل الدفاع عن أوروبا من خطر الإسلام الداهم، واصفًا البوسنة والهرسك بأنها موطن المجاهدين والعرب الإرهابيين، وهو ما يتفق تمامًا مع موقف إسرائيل من المسلمين وبالأخص من العرب، وجاء في وقت كانت فيه منظمة بات يا أور Bat ya’or تشن حملة ضارية في الأوساط الفكرية ومراكز البحوث شبه العلمية معادية للإسلام والعرب، تدعمها في ذلك آلة إعلامية دولية ضخمة.
حقيقة أن اليهود كانوا يَلقَوْن، طيلة تاريخ إقامتهم في البوسنة، حسن المعاملة لم تشفع لشعب البوسنة لدى حكومة إسرائيل، وهذا التاريخ الذي شهد صفحات ناصعة من العيش المشترك والكريم لليهود بين ظهراني البوسنيين، وإن كان معتَرَفًا به ضمنًا من قبل إسرائيل، إلا أنّه تم تجاهله بالكلية من قبل القادة الإسرائيليين؛ حتى إن أول سفير إسرائيلي لدى البوسنة والهرسك، وفي معرض رده على سؤال: هل البوسنة والهرسك حالة خاصة بما أنه لم يكن يوجد في التاريخ أماكن كثيرة عاش فيها اليهود بأمان وفي صداقة حقيقية مع شعبها مثلما كان ذلك في البوسنة؟ قال السفير الإسرائيلي جويل ألون: "إنه من التواضع القول بأنه لا توجد دول كثيرة، لأنني ببساطة لا أعرف أي مكان آخر عاش فيه اليهود بأمان وفي صداقة مع شعبه مثل ما كان في البوسنة"، إلا أنه أضاف معقّبًا: "هذا دليل على أن الجماعات اليهودية لها من المرونة والذكاء ما يجعلها تعمل وتتحرك بسلاسة داخل مجتمعات غريبة عنها وتتمكن من المحافظة على عاداتها الدينية وعلاقاتها مع باقي الجماعات اليهودية في العالم".
يبدو أن هناك شيئًا ما غير واضح هنا، فإذا كانت علاقات المسلمين واليهود على أرض البوسنة بهذه النصاعة التي ذكرها السفير الإسرائيلي وعبَّر عنها بأنه لا يعرف أي مكان آخر في العالم عرف عيْشًا مشتركًا وآمنًا بين اليهود والمسلمين غير البوسنة، فإن التفسير الذي قدمه لذلك لا يبدو مقنعًا؛ إذ إنّ ما ذكره من قدرة اليهود على التعامل بمرونة وذكاء داخل مجتمعات غريبة عنها، دون أن يُرجع ذلك إلى الخصوصية الثقافية والأنثروبولوجية البوسنية، يجانب الحقيقة والواقع؛ إذ كيف يمكن إذن ألاّ تكون نفس تلك النتائج (العيش الآمن) وأسبابه (الذكاء والمرونة في التعامل) قد تحققت لليهود في أماكن أخرى من العالم خاصة في إسبانيا عام 1492، أو في ألمانيا وكل البلدان التي خضعت لسيطرتها خاصة في الفترة ما بين 1938 إلى عام 1945.
من نافلة القول أن إسرائيل أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع البوسنة والهرسك على مستوى تبادل السفراء دون أن يمنعها ذلك من التجاهل التام للمصالح الحيوية البوسنية في سبيل تحقيق مصالح تل أبيب الإستراتيجية. وفي هذا السياق لابد من التذكير بالدعم الواضح والصريح الذي قدمته إسرائيل لرئيس "ريبوبليكا صربسكا" ميلوراد دوديك ولتصريحاته المتكررة الداعية إلى الانفصال ونفيه العلني لحدوث مجزرة سربرينيتسا التي راح ضحيتها آلاف المسلمين البوسنيين ونفذتها قوات صرب البوسنة في يوليو/تموز من عام 1995.
تقارب دوديك مع كبار القادة الإسرائيليين وخاصة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان عبّر عنه رئيس "ريبوبليكا صربسكا" خلال حوار تليفزيوني طرح قضية هذا الكيان الصربي؛ حيث قال: "إن هناك حوالي تسعة أو عشرة بلدان مستعدة للاعتراف بدولة ريبوبليكا صربسكا لو أُعلن عنه الآن". ورأى محللون في ثنايا هذا التصريح إشارة واضحة إلى أن إسرائيل ستكون في مقدمة تلك البلدان، خاصة وأن دوديك يُروّج لدى الأوساط الإسرائيلية بأن الفيتو الذي استعملته "ريبوبليكا صربسكا" هو ما منع دولة البوسنة والهرسك من التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الدولي حول إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.
الواضح إذن أن علاقات إسرائيل بالبوسنة متعددة الأوجه والمستويات، وتتداخل تلك العلاقات بين تعامل إسرائيل مع دولة البوسنة والهرسك المعتَرَف بها دوليًّا، لكن دون أن يمنع ذلك تل أبيب من التعامل المباشر مع "ريبوبليا صربسكا"رغم أنها كيان لا شرعية دولية له، ولا يتمتع بأية استقلالية عن دولة البوسنة.
أما على مستوى التعاون الاقتصادي فيظل في أدنى درجاته ولم يتخطّ بعد مرحلة مناقشة المشاريع المحتمل تنفيذها بين الجانبين، في حين أن التوجه على مستوى العلاقات السياسية يشير إلى تصنيف إسرائيل لدولة البوسنة على أنها دولة ذات أغلبية مسلمة وذات توجه مساند للعرب ضد المصالح الإسرائيلية، في حين تنظر تل أبيب إلى "ريبوبليكا صربسكا" (بالرغم من أنها ليست دولة شرعية وتمثل جزءًا من دولة البوسنة) على أنها صديقة لإسرائيل وعدوّة لدودة لكل ما يحمل طابعًا إسلاميًّا.
في السياق البلقاني العام، يبدو من الواضح أن دولة صربيا تدفع بالكيان الصربي البوسني "ريبوبليكا صربسكا" إلى إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل في محاولة لاستغلال تلك العلاقات في تنفيذ أطماعها بضم الأراضي البوسنية التي أقيمت عليها "ريبوبليكا صربسكا"، وتتفق إسرائيل مع هذه اللعبة لأن صربيا يمكنها لعب دور المحترِم لحق الفلسطينيين في الحصول على دولة مستقلة، وبالتالي يمكنها أيضًا فعل نفس الشيء مع البوسنة (التي ترى فيها إسرائيل صديقًا مقربًا من العرب ومعاديًا لإسرائيل) فيما يتعلق بالمطالبة بحق "ريبوبليكا صربسكا" في الانفصال عنها.
سادسا: كرواتيا
العلاقات الإسرائيلية مع دول البلقان -كما رأينا- مليئة بالتناقضات، ويتجلّى أبرز تلك التناقضات في علاقة إسرائيل بدولة كرواتيا التي هي أقرب دول المنطقة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فعلى الرغم من قيام علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين منذ العام 1997 إلا أن التوتر هو ما يحكم علاقتهما التي لا تزال أسيرة للماضي. فتاريخ كرواتيا مرتبط بقربها من ألمانيا الفاشية خاصة خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب العالمية الثانية؛ حيث إن إقامة دولة كرواتيا الوطنية، على إثر انهيار مملكة يوغسلافيا في إبريل/نيسان من عام 1941، كان بمساعدة الرّايخ الألماني، وبذلك ظهرت للوجود دولة كرواتيا المستقلة ذات التوجه الفاشي المُعلَن. في تناغم تام مع نظرية هتلر بنقاء العرق الآري، نظمت حكومة دولة كرواتيا حملة واسعة لتطهير البلاد عرقيًّا من كل السكان الذين ينتمون لغير العرق الكرواتي، وكان من أولى أهداف تلك الحملة العنصرية تطهير البلاد من اليهود وترحيلهم إلى المعسكرات الألمانية.
إن معاداة السامية التي كانت موجودة لدى المسيحيين منذ بدايات القرن الماضي، تصاعدت حدتها أكثر واتخذت طابع الكراهية المعلنة التي تُرجمت إلى حملات من الملاحقة والمطاردة لليهود، ثم بلغ الأمر حد التخطيط لإنهاء وجودهم بشكل كامل، فكان الهولوكوست في كرواتيا هو الأكثر فتكًا باليهود في كل منطقة البلقان.
ضمت دولة كرواتيا المستقلة أكبر معسكرات الاعتقال في منطقة البلقان على الإطلاق، واسمه ياسينفتسو؛ حيث لقي عشرات الآلاف (تتحدث بعض المصادر عن إعدام 700 ألف شخص) من غير الكروات مصرعهم فيه، كان ربعهم من اليهود. وعلى إثر هزيمة جيش دولة كرواتيا المستقلة ذات التوجهات الفاشستية المعلنة أواخر عام 1943، قامت دولة كرواتيا المُعلنة على إثر انهيار الاتحاد اليوغسلافي بدايات التسعينيات من القرن الماضي، وقد تم إعادة بنائها ليس فقط على أسس قومية متطرفة، بل أيضًا على إيقاظ المشاعر الشوفينية المبالغة في العداء للآخر والتي تشمل أيضًا معاداة السامية. وحتى الرئيس الكرواتي، فرانيو تودجمان، الذي كان معارضًا للتوجه الكرواتي الفاشي في فترة الحرب العالمية الثانية، وبمجرد اعتلائه كرسي الرئاسة كشف عن ميل صريح نحو أقصى اليمين وتصرف كواحد من أعتى المتطرفين القوميين الكروات.
أدى هذا التوجه إلى ردود فعل قوية وهجوم مفتوح على سياسة كرواتيا وتوجيه اتهامات صريحة لها بتجديد عهدها مع الفاشية وانتهاجها سياسة معادية للسامية. ولم تفلح محاولات الرئيس تودجمان في إصلاح الأوضاع، حتى إنّ الندوة الصحفية التي عقدها لتهدئة الأمور بين تل أبيب وزغرب، انقلبت إلى ضدها وفُسّر كثير من كلامه على أنّ فيه عداءً مفضوحًا للسامية، وهو ما أدى إلى إلغاء تل أبيب لزيارة كانت مقررة لتودجمان إلى إسرائيل، وهو ما عُدّ سابقة تاريخية لأنها كانت ستكون أول زيارة على هذا المستوى في تاريخ البلدين. بعد هذا البرود الذي طبع العلاقات بين البلدين، عادت الحرارة إلى تلك العلاقات بداية العام 2010 لتتعمق أكثر بزيارة رئيسة الوزراء الكرواتية، يادرانكا كوسور، إلى إسرائيل لتعلن في تصريح مشترك مع نظيرها الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن العلاقات بين البلدين ممتازة. إلا أنّ جلّ المحادثات بين الجانبين تمحور حول المعطى الاقتصادي فقط.
البرلمان الكرواتي، من جانبه، وخلال مداولاته عبّر عن رغبته في تحسين العلاقات مع إسرائيل وجعلها بناءة في أكثر من توصية صادرة عنه في العام 2012، وهذا ما يشير إلى أن "العلاقات الممتازة" التي أعلنها وزيرا خارجية البلدين لم تكن كذلك حقيقةً، وهو ما ظهر بوضوح أكثر عندما لم تلقَ زيارة الرئيس الكرواتي، إيفو يوسيبوفيتش، في 14 فبراير/شباط 2012 أي ترحيب رسمي وإعلامي من قبل إسرائيل، وعوملت الزيارة على هامش الأخبار، أما الصحيفة الوحيدة التي علقت على هذه الزيارة، فكانت صحيفة هآرتس، التي استغلت الزيارة لإحياء الذاكرة اليهودية وما حل باليهود في ظل الدولة الكرواتية الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية، والتذكير بتصريح تودجمان المعادي وكذلك تحميل حكومة يوسيبوفيتش مسؤولية امتناعها عن التصويت في قضية الاعتراف بدولة فلسطين.
الوقائع إذن تؤكد أن العلاقات بين الطرفين لا تزال تبحث عن طريقها، كما أنها لا تزال تبحث عن أجوبة لكثير من الأسئلة المفتوحة. فهل سيكون قبول كرواتيا في عضوية الاتحاد الأوروبي عاملاً مخففًا للتوتر بينهما؟ لا يمكن الآن الإجابة على ذلك بكل تأكيد. من الأكيد أن تتغير موازين القوى التي حكمت وتحكم العلاقات الإسرائيلية مع هذه الدول البلقانية الست إذا اكتمل التحاقها بعضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، واكتمل بناؤها كدول حديثة ذات سيادة كاملة واستقلال في القرار، وقد تصبح حينها إسرائيل مضطرة للتعامل مع هذه البلدان كجزء من الاتحاد الأوروبي وليست بلدانًا ما زالت تبحث عن تأكيد هويتها وكسب الأصدقاء والداعمين في عالم ما بعد الحرب الباردة، وعندها فإن طبيعة العلاقة ستتغير حتمًا وستكون ندية أكثر.
الخاتمة
في المجمل، يبدو واضحًا أن إسرائيل تعتبر علاقاتها مع دول البلقان مهمة جدًّا في بناء شبكة علاقاتها وإستراتيجيتها السياسية الدولية التي تبنيها تل أبيب على معطيين رئيسيين: الأول: هو خصوصية منطقة البلقان الجيوسياسية، والتي لكل بلد من بلدانه أهميته وموقعه الخاص فيها، والثاني: هو الطبيعة المتعددة للإثنيات والديانات والثقافات والقوميات التي تميز كل دولة من دول البلقان. وفي هذا الواقع البلقاني تُفتح الأبواب مشرعة أمام إسرائيل للعب دور دينامي نشط لتحقيق مصالحها واستغلال هذه العوامل في فرضها لنوع وحجم العلاقة التي تريدها من شعوب المنطقة يدعمها في ذلك وضعها الدولي القوي والمؤثر في مثل هذه الدول البلقانية.
إن تقسيم شعوب البلقان إلى مسلمة وكاثوليكية وأرثوذكسية يمثل معطى آخر يمكِّن إسرائيل من اللعب به كورقة رابحة تتغير تشكيلتها من وضع لآخر أثناء تعاملها مع شعوب المنطقة، وهو ما تفعله تل أبيب الآن في رسم علاقاتها مع دول البلقان دون تحفظ. مثل هذا النوع من العلاقات التي تقيمها إسرائيل مع مختلف بلدان البلقان على الساحة السياسية البلقانية يبدو واضح التأثير.
يجري التفاعل المتبادل بين دول البلقان ويُفسَّر أيضًا من خلال علاقات كل دولة منها مع إسرائيل التي باتت تلعب دور البوصلة الموجّهة والجاذبة، فكان من بعض الدول أن سارعت إلى تأكيد توجهاتها الداعمة للغرب (والتي عبَّرت عنها بشكل عملي من خلال تأكيدها على توجهاتها المعادية للإسلام والمسلمين). وإذا أخذنا في الاعتبار أن علاقة المسلمين باليهود، وعلى امتداد فترات تاريخ طويل لقرون عديدة على أرض البلقان، كانت من أكثر العلاقات تميزًا واحترامًا وحماية لليهود الذين كانوا حينها مستضعفين، فإننا نرى أنّه يمكن استغلال هذا المعطى على المستوى الدولي ليكون في صالح مسلمي المنطقة وبالتالي البلدان البلقانية المسلمة، طالما أن طبيعة العلاقة مع إسرائيل هي التي تحدّد موقف المجتمع الدولي من أي دولة في العالم ومنها دول البلقان. كما أن حضور العرب القوي في البلقان وتقوية علاقاتهم الثقافية والاقتصادية والسياسية مع بلدان المنطقة من شأنه أن يؤثّر بقوة في إعادة ترتيب مرتكزات ومستويات العلاقة بين إسرائيل ودول البلقان، والتي تميل كفتها اليوم لصالح إسرائيل.
إن مستقبل البلقان بالمعنى السياسي يرتبط في جانب منه دون شك بالعلاقة مع إسرائيل، علمًا بأن معطيات تلك العلاقة ليست هي المحددات الوحيدة ولا هي المحددات الأهم في رسم مستقبل دول البلقان. أما إذا أخذنا بالمعنى الجغرافي الصرف لمصطلح منطقة البلقان، فإن تركيا تكون جزءًا من المنطقة، وبالتالي فإن التصوّر العام للعلاقات البينية داخل البلقان لابد أن يستحضر قوة الدولة التركية وتأثيرها الإستراتيجي على المنطقة.
____
* النص بالأصل أعد لمركز الجزيرة للدراسات باللغة البوسنية، وترجمه إلى العربية الباحث المتخصص بشؤون البلقان كريم الماجري.
فريد موهيتش - محاضرا لمادّة الفلسفة بجامعة القديسين سيريل وميثوديوس بالعاصمة المقدونية سكوبيا. أستاذ زائر بالمعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلامية بكوالالومبور الماليزية. وأستاذ زائر في جامعة فلوريدا الحكومية وجامعة سيراكوز بنيو يورك، وجامعة السوربون الباريسية وعدد آخر من الجامعات الغربية والإسلامية.