يعتبر السنة زيارة القبور عكوف على القبر كما يعكف المشركون على أصنامهم.
إذن : فالمسلمون جميعاً بلا استثناء مشركون وليس في الدنيا شخص غير مشرك لأن توجه المسلمين إلى الكعبة حال العبادة يشبه توجه عبدة الأصنام إلى أصنامهم حال عبادتهم غاية الأمر أن عبدة الأصنام يتوجهون حال العبادة إلى أصنامهم التي صنعوها بأيديهم والسنة تتوجه حال الصلاة إلى بيت مرتفع متخذ من حجر.
وياتيك فيلسوف ويقول هناك فرق كثير بين توجهنا نحو الكعبة وبين توجه عبدة الأصنام إلى أصنامهم؟ حينما أتوجه إلى الكعبة في الصلاة لا أعتبرها إلهاً أعبدها من دون الله والعياذ بالله بل نتوجه إليها لأن الله تعالى أمرنا بذلك وعبدة الأصنام يتوجهون إلى أصنامهم ـ في عباداتهم ـ متخذين من الأصنام آلهة يعبدونها من دون الله سبحانه فهم يتوجهون حال العبادة بقلوبهم إلى أصنامهم ونحن نتوجه بقلوبنا حال الصلاة إلى الله تعالى وعملهم ذاك شرك صريح.
وبذلك نحن الشيعة كذلك لا نقصد بالزيارة عبادة النبي أو عبادة الإمام أو عبادة ذلك الميت الصالح.. وكون هذه الزيارة تشبه عملاً من أعمال المشركين لو صح ذلك فإن التشابه لايجعل الزيارة محرمة وشركاً إذا لم يقصد منها العبادة . كما قال الحديث الشريف: (إنما الأعمال بالنيات).
صحيح البخاري: ج1 ص2 ط دار الفكر بيروت، سنن ابن ماجة: ج2 ص1413 ط دار الفكر بيروت، سنن أبي داود: ج1 ص49 ط دار الفكر بيروت، السنن الكبرى للبيهقي: ج1 ص41 ط دار الفكر بيروت.
فمثلاً: لو صليت في مكان وأمامك صنم منصوب فإن قصدت بالصلاة العبادة لذلك الصنم صرت مشركاً بهذه الصلاة وإن قصدت بالصلاة العبادة لله تعالى من دون قصد التوجه إلى الصنم بقلبك فصلاتك صحيحة وجائزة ولا تصير بذلك مشركاً.
فزيارة القبور ليست محرمة وهي جائزة أي مستحبة مؤكدة وتأكيد الاستحباب فيها شديد شديد. وتوجد أحاديث كثيرة بالإضافة إلى عمل الرسول صلى الله عليه وآله نفسه وسيرة المسلمين منذ فجر الإسلام حتى اليوم. وهذه بعض الادلة :
1: روي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله زار شهداء أحد.
في المستدرك على الصحيحين: ج3 ص331 ط دار الكتب العلمية بيروت ح4320: (حدثنا أبو بكر إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الفقيه بالري حدثنا محمد بن المغيرة السكري حدثنا عبد الرحمن بن علقمة المروزي حدثنا العطاف بن خالد المخزومي حدثني عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة عن أبيه أن النبي صلی الله علیه و آله زار قبور الشهداء بأحد فقال: اللهم إن عبدك ونبيك يشهد أن هؤلاء شهداء وأنه من زارهم وسلم عليهم إلى يوم القيامة ردوا عليه).
وجاء في تفسير الطبري: ج13 ص142 ط دار الفكر بيروت: بسنده قال: كان النبي صلی الله علیه و آله يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
وفي تفسير ابن كثير: ج2 ص512 ط دار الفكر: (وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلی الله علیه و آله كان يزور قبور الشهداء في رأس كل حول فيقول لهم: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
وفي مصنف عبد الرزاق: ج3 ص573 ط المكتب الإسلامي بيروت ح6716: (عبد الرزاق عن رجل من أهل المدينة عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: كان النبي صلی الله علیه و آله يأتي قبور الشهداء عند رأس الحول فيقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
وفي (مختصر المختصر) لأبي المحاسن الحنفي: ج2 ص349 ط عالم الكتب بيروت (عن أبي هريرة أن رسول الله صلی الله علیه و آله خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أني قد رأيت إخواننا قالوا يا رسول الله لسنا بإخوانك، قال بل أنتم أصحابي، وأخواني الذين يأتون من بعدي وأنا فرطهم على الحوض).
2: وروى أنه صلى الله عليه وآله حضر لزيارة البقيع.
انظر صحيح مسلم: ج3 ص 64 ط دار الفكر، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن جبرئيل أتاني ... فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم) الحديث، المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج1 ص448 ج3 ص56 ط دار المعرفة، كتاب الموطأ للمالك: ج1 ص242 ط دار إحياء التراث العربي، تنوير الحوالك للسيوطي: ص249 ح575، مسند أحمد بن حنبل: ج3 ص488 وج6 ص92 ط دار صادر بيروت، سنن النسائي: ج4 ص93 وج7 ص73 ط دار الكتب العلمية، مجمع الزوائد للهيثمي: ج9 ص24 ط دار الكتب العلمية، المصنف للصنعاني: ج3 ص571 ط المجلس العلمي، مسند ابن راهويه: ج2 ص457 ط مكتبة الإيمان المدينة المنورة، السنن الكبرى للنسائي: ج1 ص656 ج5 ص288 ط دار الكتب العلمية، صحيح ابن حبان: ج16 ص46 ط مؤسسة الرسالة، المعجم الكبير للطبراني: ج22 ص347 ط القاهرة، كنز العمال: ج12 ص262 ح 34598 و34961 ط مؤسسة الرسالة، الطبقات الكبرى لابن سعد: ج2 ص203 ط دار صادر بيروت، تاريخ بغداد: ج8 ص217 ط دار الكتب العلمية، تاريخ دمشق لابن عساكر: ج4 ص299 ط دار الفكر، تهذيب الكمال: ج15 ص467 ط مؤسسة الرسالة.
3: في (سنن النسائي) و(سنن ابن ماجة) و(إحياء العلوم) للغزالي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة).
سنن ابن ماجة: ج1 ص500 ط دار الفكر بيروت، فتح الباري: ج3 ص118 ط دار المعرفة بيروت، المعجم الصغير للطبراني: ج2 ص43 ط دار الكتب العلمية، الجامع الصغير للسيوطي ج2 ص31 ح4572 و4573 ط دار الفكر، كنز العمال: ج15 ص646 ح42551 إلى 42559 ط مؤسسة الرسالة، فيض القدير للمناوي: ج4 ص88 و89 ط دار الكتب العلمية، تفسير ابن كثير: ج1 ص448 ط دار المعرفة، سنن النسائي: ج4 ص89-90 ط دار الفكر.
4: في نفس الكتاب عن أبي هريرة قال: زار النبي صلى الله عليه وآله قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: (… فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت).
سنن النسائي: ج4 ص90 ط دار الفكر، سنن ابن ماجة: ج1 ص501 ط دار الفكر، مسند أحمد بن حنبل: ج2 ص441 ط دار صادر، تحفة الأحوذي: ج4 ص136 ط دار الكتب العلمية، المصنف لابن أبي شيبة: ج3 ص223 ط دار الفكر، مسند ابن راهويه: ج1 ص245 ط مكتبة الإيمان المدينة المنورة، السنن الكبرى للنسائي: ج1 ص654 ط دار الكتب العلمية، صحيح ابن حبان: ج7 ص44 ط مؤسسة الرسالة.
5: وباب ما ورد في كيفية زيارة الأموات مليء بالأحاديث في جميع كتب الحديث، كالصحاح والسنن، ومن بين ذلك: أن الزائر متى خرج إلى البقيع ـ أو سائر المقابر ـ يقول:
(السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين…) الخ.
صحيح مسلم: ج3 ص64 و65 ط دار الفكر، السنن الكبرى للبيهقي: ج4 ص79 ط دار الفكر، مسند أحمد بن حنبل: ج5 ص353 وج6 ص221 ط دار صادر، سنن ابن ماجة: ج1 ص494 ط دار الفكر، سنن النسائي: ج4 ص93 و94 ط دار الفكر، مجمع الزوائد للهيثمي: ج3 ص60 وج9 ص299 ط دار الكتب العلمية، فتح الباري: ج11 ص4 ط دار المعرفة، المصنف للصنعاني: ج3 ص576. السنن الكبرى للنسائي: ج1 ص656 ط دار الكتب العلمية، صحيح ابن حبان: ج16 ص46 ط مؤسسة الرسالة، الدعاء للطبراني: ص372 ط دار الكتب العلمية، المعجم الأوسط للطبراني: ج3 ص177 وج6 ص142 ط دار الحرمين، المعجم الكبير: ج2 ص46 ط مكتبة ابن تيمية القاهرة، كنز العمال: ج13 ص301 ح36866 ط مؤسسة الرسالة، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج10 ص310 ط دار الفكر، سير أعلام النبلاء: ج18 ص434 ط مؤسسة الرسالة بيروت.
6: وفي استحباب زيارة الصلحاء والمؤمنين، والأمر بها والترغيب فيها.
وهناك روايات في زيارة قبر الوالدين أيضا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من زار قبر والديه أو أحدهما يوم الجمعة فقرأ عنده يس غفر له) وقال صلى الله عليه وآله: (من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة مرة غفر الله له وكتب برّا)، الجامع الصغير: ج2 ص605-606 ح8717 و8718.
وأما ما يخص زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله فكثير جداً نذكر منها:
1: روى (الدارقطنى) و(الغزالي) و(البيهقي) وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (من زارني وجبت له شفاعتي).
الجامع الصغير للسيوطي: ج2 ص605 ح8715 ط دار الفكر، وانظر أيضاً السنن الكبرى للبيهقي: ج5 ص245 ط دار الفكر، وفيه (من زار قبري كنت له شفيعاً)، سنن أبي داود: ص13 دار الحديث، المصنف للصنعاني: ج9 ص267 ط المجلس العلمي وفيه: (من زارني كان في جواري).
2: وروى أنه صلى الله عليه وآله قال: (من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة).
الجامع الصغير: ج2 ص605 ح8716 ط دار الفكر بيروت.
3: عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (من حج ولم يزرني فقد جفاني).
كنز العمال: ج5 ص135 ح12369 ط مؤسسة الرسالة، كشف الخفاء: ج2 ص244 ط دار الكتب العلمية، الكشف الحثيث لسبط بن العجمي: ص267 ط مكتبة النهضة العربية.
4: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآلهقال: (من زارني بعد موتي فكأنما زارني حياً).
انظر كنز العمال: ج5 ص135 ح12372 ط مؤسسة الرسالة، كشف الخفاء للعجلوني: ج 2 ص251 ط دار الكتب العلمية، الدر المنثور: ج1 ص237 ط دار المعرفة، ميزان الاعتدال: ج3 ص348 وج4 ص285 ط دار المعرفة.
5: عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله: (من حج وقصدني في مسجدي كانت له حجتان مبرورتان).
كنز العمال: ج5 ص135 ح12370 ط مؤسسة الرسالة، ميزان الاعتدال: ج3 ص310 ح6554 ط دار المعرفة.
وهناك أحاديث كثيرة غير هذه تدل على شدة الندب وتأكيد استحباب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وزيارة قبور الصالحين من المؤمنين. أفليس قوله صلى الله عليه وآله: (فقد جفاني) دالاً على شدة استحباب زيارته؟. أو ليس قوله صلى الله عليه وآله: (وجبت له شفاعتي) دالاً على كثرة الندب فيها. أو ليس قوله صلى الله عليه وآله: (زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة) أمراً بالزيارة والأمر هنا إن لم يدل على الوجوب فلا شك أنه للاستحباب؟.
فيجب على الإنسان أن يفحص عن الحقيقة ليصل إليها ولا يظل عاكفاً على أقوال بيئته فلعلهم كانوا على خطأ فليدرس هو وليتتبع هو وليقرأ هو حتى يعيش في عقيدته وأعماله وأقواله كما أراد الله تعالى.
نكمل غدا بأذن الله
اللهم العن الجبت والطاغوت