إليك ملخّص الجلسة الثالثة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ الأستاذ بناهيان في جلسات هيئة الشهداء المجهولين في طهران في موضوع «استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام»
في مسار دراسة التاريخ، لابدّ من تسليط الأضواء على دور «العدو» المهم جدا في حياة الإنسان
لقد أوصانا أهل البيت(ع) أن نكون على معرفة بالكفر، وأساسا لا يمكن معرفة الإيمان والقرآن إلا أن نعرف الكفّار ومنكري القرآن. وعلى مرّ الدهور هناك جهتان متقابلتان في الساحة التي نعبّر عنها بالحقّ والباطل أو الخير والشرّ، وحتى قد خلق الباطل قبل خلق الإنسان. إن شخصية إبليس ـ لا شخصه بالذات ـ شخصية ذات أسرار ورموز وقد خلق إبليس قبل خلق آدم بستة آلاف سنة أو أكثر؛ «وَ كَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ لَا يُدْرَى أَ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَوْ مِنْ سِنِي الْآخِرَة»[نهج البلاغة/خ192]. وقد جهّز بأدوات العداء لبني آدم منذ خلق آدم(ع). ولعلّ الله سبحانه أراد أن يعرفنا على مدى أهمية دور العدو في حياة الإنسان الدنيوية. ومن هذا المنطلق لابدّ أن ننظر إلى هذا الموضوع في دراستنا التاريخيّة بشكل خاص.
إحدى الحقائق التي لابدّ أن نعرفها في علاقة ظاهرة العدو بحياة الإنسان وسعادته، هي أنه إذا أريد للإنسان أن يتقرب إلى الله وينتج قيمة في مسار حركته نحو الله سبحانه، لابدّ أن يكون هذا التكامل في خضمّ صراع وعداء. ففي الواقع إن هذا العداء يمثل أرضية يتكامل الإنسان فيها. ولهذا إن التغافل عن موضوع «العداء» هو من مكائد إبليس وقد خدع البعض مع الأسف بهذا الكيد، فهم يعيشون دون التفات إلى العدوّ ولا الشعور بتواجد العدو ولا يشعرون بالعداء تجاهه.
من أهمّ أدوار أولياء الله هو كشف حقيقة العدوّ
لقد كانت رسالة أولياء الله في موضوع العدو رسالة عظيمة. فقد كان لهم الحظ الأوفر في مواجهة العدو وتلقّي الصدمات والمظالم من قبله. وباعتبار أن إولياء الله هم قدوتنا في سلوكهم إلى الله، لابدّ أن يكونوا قدوتنا أيضا في جهادهم للعدو وفي تحمل المصائب والمظالم في خضمّ حربهم معه.
عندما ننظر إلى عمل أولياء الله ونشاطهم الرسالي، نجدهم أحيانا يهدفون إلى كشف حقيقة العدو أكثر من إظهار أنفسهم. ولا شك أن مشاهدة العدو وإدراك جبهة الباطل أبسط وأسهل من مشاهدة الله ومعرفة حقيقة أولياء الله وحقائق العالم الأصيلة، إذ إن العدو سافل ويمثل ظاهرة أرضيّة، بيد أن حقيقة أولياء الله من عليّين فليس معرفتهم بأمر هيّن. فالعدوّ أسهل إدراكا ومعرفة من الله سبحانه وأوليائه عليهم السلام. وكذلك يمكن مشاهدة العداء الذي يحمله العدوّ تجاه الله وأوليائه ولا يحتاج فهمها إلى إيمان قويّ بالغيب أو رياضة النفس.
حتى إذا ننظر إلى ما أنجزه الإمام الحسين(ع) في كربلاء، نجد أن الإمام لم يكن بصدد إظهار نفسه ومنهجه بقدر ما كان يريد أن يفضح حقيقة جبهة الباطل ومدى انحطاطها. ولهذا نرى أولئك الذين اصطفوا أمام الحسين(ع) وقاتلوه كانوا ذات خصائص متميّزة. فيبدو أن كربلاء هي محل تجسد الأشقياء أكثر من كونها محل تجلي الأولياء وإن فهم حقيقة كربلاء مرهون بمعرفة حقيقة جبهة الباطل أكثر من أيّ شيء آخر.
إن دراسة أسباب عداء أعداء النبي(ص) وأساليبهم في العداء، تمثّل قضية محورية جدا
كما أن وجود عدوّ لدود باسم إبليس في قصّة النبي آدم(ع) هو محل استلهام دروس عظيمة، وكما في الصراع الذي وقع بين «هابيل وقابيل»، يبدو معرفة عداء قابيل أمرا مهمّا جدّا. كذلك عندما نصل إلى زمن النبي الأعظم(ص) ونعمد إلى دراسة تاريخ مكة، من المهمّ جدا أن نعرف من كان أعداء النبي(ص) وما هي أسباب عدائهم وكيف أظهروا عداءهم؟ إذن معرفة أعداء النبي(ص) والذين لم يؤمنوا برسالته أمر مهمّ جدا في دراستنا، ولا سيّما في هذا الزمان الذي أصبح عداء جبهة الباطل لنا أوضح وأجلى من أيّ زمان آخر.
إن ما نعيشه من عدم الاستقرار في منطقتنا ناشئ من ارتباك العدوّ وعدم استقراره، وهو الآن من خلال كشف اللثام عن عدائه، يساهم ـ شاء أم أبى ـ في ازدياد بصيرتنا برجسه وقذارته. حتى قد يمكن القول بأنّ أوج الاستعداد لظهور إمام العصر والزمان(عج) يتمثّل في أوج معرفة العالم البشري بأعداء الحقّ. إذن أكثر من أن نهتمّ بمعرفة شخصية الإمام الحجة(عج) علينا أن نعرف عدوّ الإمام. فإن تكاملنا في معرفة العدوّ في هذا الزمان عند ذلك نستطيع أن نرتقي معرفيا ونصل إلى مستوى الموطئين لظهور الإمام(عج) أو أنصار الإمام الحجّة.
إن حدث الظهور هو بمعنى فتح صفحة جديدة في تاريخ الإنسان، فكل التاريخ الذي مضى قبل الظهور ينطوي في فصل واحد بالنسبة إلى العالم بعد الظهور. ويبدو أن من أهم ما سوف يتغير وضعه بعد الظهور هو العدوّ. وكذلك يبدو أن تاريخ الإنسان ينطلق من عدوّ يعاديه، وينتهي هذا التاريخ إلى زمن يعرف فيه الإنسان عدوّه ويقدر عليه. إذن من الطبيعي جدا لهذا العدوّ الخطر أن يصل في آخر أيّام حياته إلى الذروة والقمة في عدائه.
منذ أن خلق الله آدم(ع) إلى زمن مبعث الرسول(ص) وإلى يومنا هذا كانت ظاهرة الأعداء من أهم أركان تاريخ حياة الإنسان. ولهذا إذا أراد الإنسان أن يكون إنسانا واعيا، فلابدّ له من معرفة عدوّه، وإذا أراد أن يعيش حياة طيّبة، فلابدّ أن يحقق هذه الحياة في خضمّ عداء ومواجهة، وإذا أراد أن يأخذ بيد المجتمع البشري إلى شاطئ سعادتها المتمثل بعصر ظهور المهدي(عج)، فلابدّ أن يجتاز من مانع هذا العدوّ التاريخي اللدود؛ يعني أن يذبح ويهلك إبليس وحزبه من شياطين الإنس في جميع أرجاء العالم. ولا شك في أن لا سبيل إلى تحقيق هذا الأمر بلا معرفة وبدون استعداد. فلابدّ أن يقضى على هذا العدو العريق والمخضرم للإنسان بالنحو الذي لا يرجع بعد ذلك أبدا.
فإذا صحّ هذا الكلام، وإذا أردنا أن تكون حياتنا أكثر عقلانية ومعنوية وعشقا وعرفانا، فلابدّ أن نرسم حياتنا على أساس جهاد متواصل ومواجهة دائمة للأعداء. وهذا ما يسمّى بالحياة الثوريّة، وهي حياة المجاهدين وحياة غير الغافلين وحياة غير البهائم. فهذا هو منطلق الحياة الثورية والروحية الثورية. وهنا يتبلور العرفان والمعنوية الحنيفة والأصيلة التي نحتاجها اليوم. لابدّ لنا أن نعيش هذا الصراع إذ نحن بصدد إنهاء هذا الصراع لصالح جبهة الحق.
يتبع إن شاء الله...