عضو فضي
|
رقم العضوية : 28390
|
الإنتساب : Jan 2009
|
المشاركات : 2,309
|
بمعدل : 0.40 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
محمد الشرع
المنتدى :
المنتدى العام
بتاريخ : 23-08-2010 الساعة : 10:05 AM
اه , ان الام الكبر , والام التفكير بالموت قد ظهرت اثارها علي , ولم اعد اتحمل شيئا ..
اه احبائي
لم تحضروا عندي عند بداية رقودي على سرير المنية , فقلت انكم بدأتم تعدون اموالي , وتحصون ما جمعت خلال سنين حياتي الطويلة , كي لا تتعبوا بتقسيمها بعد موتي ..
وكم هذا مؤلم حقا ان يفكر شيخ كبير السن بهذا ,
ولكن انتم ايها الحفدة البارين , قد بددت تلك المخاوف ..
احفادي وحفيداتي ,
لان ذاكرتي لم تعد قوية كما كانت , فربما اخلط في ترتيب احداث الوصية , فربما اتحدث عن ما قبل الميلاد , وبعد ذلك اتحدث عن القرن العشرين !!
وقد اذهب الى الغرب , ومن ثم اعود الى الشرق لاقفل راجعا الى هناك ..
فاعذروا كبر سني , وارذل عمري ..
في رحلة يوما ما الى روسيا القيصرية , عندما قررت ان اتاجر هناك , ببيع التمر العراقي ,
صادفتني قضية شائكة , بل وغامضة ,
يقف لها الانسان مذهولا , ولا يدري ,ايضحك ام يبكي ...
رأيت شابا اسمرا , مجعد الشعر , ذو شفتني غليظتين ,
لكن ملابسه ومكانته الاجتماعية تدل على انه من الطبقة الارستقراطية , وهذه الطبقة كانت تعتبر من حاشية القيصر , ويعتبرون موظفون كبار في الدولة ...
تعجبت لهذا المنظر , وخلال سنوات مكوثي هناك , ابيع واشتري التمر البرحي , بحثت في اصول هذا الشاب , واسمه ,
قيل لي ان امه حفيدة شخص اسمه ابراهيم هانيبال , وهانيبال هذا صبي حبشي اختطفه تجار الرقيق من الحبشة واشتراه السفير الروسي في تركيا .. فاهداه الى امبراطور روسيا بطرس الاكبر ,
فاعجب به بطرس وجعله من افراد حاشيته واطلق عليه اسم ابراهيم هانيبال وزوجه احدى بنات الارستقراطيين ,
ومن سلالة هذا الحبشي جاء الينا هذا الشاب ...
ولان الجميع كان ينظر اليه نظرة اجلال و اكبار في بطرسبرغ , فلقد دفعني الفضول الى ان اقيم معه صداقة قوية امتدت لسنوات حياته ...
انه الشاعر الكبير الكسندر بوشكين , شاعر روسيا الاكبر ,بل هو من اعظم شعراء الدنيا ,
وضعه الروس في نفس المكانة التي وضع فيها الانجليز الشاعر وليم شكسبير ..
ولكن الفرق بينهما , ان شكسبير كانت حياته هانئة سعيدة لا يوجد فيها منغصات , وكان على وفاق مع عصره , وكان يحبه الجميع حكاما ومحكومين , ولم تكن في حياته مأساة تذكر ...
اما صديقي المرحوم بوشكين (ابو عماروفيج !!) , فكان على النقيض من ذلك تماما , حيث كانت حياته مليئة في المشاكل والمنغصات , انتهت حياته بقتل متعمد ...
قد تقولون احفادي , وما دخلنا نحن بهذا الكلام , وما الذي يفيدنا من هذا الحشو التاريخي الذي لا فائدة منه تذكر ..
نعم صحيح وانا ايضا لا اود التركيز على تاريخه بقدر ما اريد ان اقول لكم , لا تساموا ولا تضجروا حتى لو وقف الدهر كله ضدكم , فديدن المبدعين والخالدين , ان يواجهوا المتاعب والمشاكل , ويجهل قدرهم وحقهم , ولكن سياتي يوم يشهد فيه الاخرون بالفضل لهم ..
بوشكين , كان شاعرا كبيرا في العشرين من عمره , وكان شعره يتداول بين اوساط المثقفين , وكان يتناول في شعره قضايا الحرية , ومع ان شعره كان مراقب فقد تداول الناس شعره سرا .. مما اغضب القيصر الروسي اسكندر الاول , فنفاه الى روسيا ,
ولانني على صداقة مع بوشكين فقد نفيت معه ايضا , وخربت تجارة التمر البرحي , وخسرت خسارة فادحة !!
كان بوشكين في منفاه يشعر بالحرية فانطلقت اجمل اشعاره هناك , وعندما رفع عنه النفي بعد خمس سنوات , طالت فيها لحانا , و(ترس) القمل شعرنا , وملأ الوسخ اجسامنا , حتى احتجت الى باخرة تايد كي انظف !!
بعد وفاة القيصر اسكندر الاول الذي اضطهده وطارده جاء اخيه قسطنطين ,
لم يعمر طويلا , فمات وجاء اخيه الثالث نيقولا ..
كان نيقولا هذا ضالما قاسيا لا يؤمن بالفكر والثقافة , بل بالحكم الحديدي القائم على الاستبداد والطاعة ...
في مرحلة نيقولا , عاش الصديق العزيز بوشكين اواخر حياته ,
حاك نيقولا المؤامرات ضد الشاعر بوشكين لانه كان يرى فيه خطرا على نظام حكمه ومقوضا له ,
بل كان بوشكين قيصرا ثانيا في قلوب الناس التواقة للحرية ..
اشرت على بوشكين في ان يتزوج وهو في عمره الثاني والثلاثين , فوافق فخطبت له بنت جميلة اسمها ناتاليا جاشاروفا , وهي من احدى العشائر الروسية الارستقراطية ,
وكان المهر ثلاثين بعيرا , و الفي دينار كويتي !!!
كانت السعادة بادية على وجه بوشكين ,
لكن نيقولا لم يدعه و شانه , فبدأ يطعن بعرض بوشكين و(يطلع) عليه الاشاعات , عبر ضابط لئيم زنيم وسيم اسمه دانتس استقدمه لهذا الغرض ,
اصبحت سمعة بوشكين في الوحل , مع ان زوجته كانت عفيفة شريفة لم تخنه يوما ما ..
عندها لم يجد المرحوم بوشكين بدا الا ان يبارز هذا الضابط مع ان المبارزة كانت ممنوعة قانونا ..
لكن نيقولا اعطى تعليمات بالشرطة الى عدم منع المبارزة ,
وهناك اصيب بوشكين باصابة توفي على اثرها لاحقا في احدى مستشفيات بلغراد ..
رحل بوشكين وترك ارثا ادبيا ضخما , يفيض بالقوة المتجددة والسحر الدائم ..
ترك ذكرى خالدة ,
واين نيقولا ؟؟؟
ذهب هو وحاشيته والمتامرين معه على بوشكين الى سلمة مهملات التاريخ ...
رحم الله من قرأ سفر التكوين من الكتاب المقدس على روح بوشكين !!
احفادي الاعزاء ,
هكذا يجب ان تكونوا انتم ,
منارات خالدة في سماء الذاكرة ,
لا علامات فارقة يتذكركم الناس فيها بالويل والثبور ...
اه تعبت ,
كانني ساخذ غفوة ...
يمكنكم الانصراف الان , قد اناديكم مجددا لاكمال وصيتي المملة عليكم ...
|