8 ـ مساء الثلاثاء ليلة الأربعاء قام عليٌّ عليه السلام بدفن جنازة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد منتصف الليل ، وحضر مراسم الدفن بنو هاشم وبعض الأنصار ، ولم يحضرها أحد من قادة الحزب القرشي وجمهوره الطلقاء !
9 ـ في ليلة الخميس قام أمير المؤمنين ومعه فاطمة والحسنان عليهم السلام بجولة على بيوت الأنصار وطالبوهم بالوفاء ببيعتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وشرطه عليهم النصرة وأن يمنعوه وأهل بيته وذريته صلى الله عليه وآله وسلم مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم.. فاستجاب له منهم أربعة وأربعون رجلاً ، فطلب منهم أن يأتوه غداً محلقين رؤوسهم مستعدين للموت ، فلم يأته إلا أربعة !
ثم أعاد جولته على الأنصار وبعض المهاجرين ليلة الجمعة ثم ليلة السبت ! فلم يأته غير أولئك الأربعة: المقداد ، وعمار ، وأبو ذر ، وسلمان !
10 ـ في هذ المدة أرسل الحزب القرشي الى أسامة وهو في معسكره بالجرف خارج المدينة ، أن يغلق المعسكر ويأتي ومن بقي معه الى المدينة ، ويبايعوا أبا بكر لأن المسلمين بايعوه ، فاحتج عليهم أسامة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفي وأنا أمير على أبي بكر ، فأبو بكر ما زال جندياً تحت إمرتي !
قال الطبرسي في إعلام الورى:1/269: (فما كان بين خروج أسامة ورجوعه إلى المدينة إلا نحو من أربعين يوماً ، فلما قدم المدينة قام على باب المسجد ثم صاح: يا معشر المسلمين ، عجباً لرجل استعملني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتأمَّر عليَّ وعزلني ) ! انتهى .
11 ـ تخوف الحزب القرشي من علي عليه السلام أن يجد أنصاراً وينهض ضدهم ، لذا تتابعت اليه رسل أبي بكر بالحضور الى السقيفة ليبايعه ، فكان يتعلل بأنه مشغول بمراسم دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم بجمع القرآن . لكنهم واصلوا الضغط عليه ، وصعَّدوا تهديدهم ، وجاؤوا مسلحين في جمع من الطلقاء الى باب داره مرات ، فتلاسن معهم بعض أنصاره ، لكنهم تغلبوا عليهم واقتحموا البيت بالقوة ، وأخذوا علياً مقيداً الى السقيفة ، فحاججهم بقوة ، فسكتوا عنه ذلك اليوم .
وهذه الحادثة هي الهجوم الأول على بيت علي وفاطمة عليهما السلام ، وقد يكون وقتها يوم الأربعاء أو الخميس !
12 ـ اتفق اثنا عشر صحابياً من المهاجرين والأنصار على أن يخطبوا في المسجد النبوي في يوم الجمعة التي تلت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقيموا الحجة على أبي بكر وعمر ، فتكلموا جميعاً وبينوا وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام وبيعة المسلمين له يوم الغدير ، وأدانوا مؤامرة السقيفة ! ففي الإحتجاج للطبرسي:1/97: (عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام : جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلاً: من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص ، وكان من بني أمية ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر، وبريدة الأسلمي .
ومن الأنصار: أبو الهيثم بن التيهان ، وسهل وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وأبي بن كعب ، وأبو أيوب الأنصاري .
قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذاً أعنتم على أنفسكم ، فقد قال الله عز وجل: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ، فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين عليه السلام لنستشيره ونستطلع رأيه ، فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا: يا أمير المؤمنين تركت حقاً أنت أحق به وأولى به من غيرك ، لأنا سمعنا رسول الله يقول:علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيفما مال . ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا ؟ فقال أمير المؤمنين: وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حرباً ، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين.....
فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ، ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر ، وأبعد لهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا وردوا عليه .
فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان يوم الجمعة ، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار: تقدموا وتكلموا ، فقال الأنصار للمهاجرين: بل تكلموا وتقدموا أنتم ، فإن الله عز وجل بدأ بكم في الكتاب.....
فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص ، ثم باقي المهاجرين ، ثم بعدهم الأنصار.... فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص (ابن العاص الأموي) وقال:
إتق الله يا أبا بكر ، فقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ونحن محتوشوه يوم بني قريظة حين فتح الله له باب النصر ، وقد قتل علي بن أبي طالب عليه السلام يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم: يامعاشر المهاجرين والأنصار إني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم أمراً فاحفظوه:ألا إن علي بن أبي طالب أميركم بعدي وخليفتي فيكم بذلك أوصاني ربي . ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه ، اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم ، ووليكم أشراركم ! ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون لأمر أمتي من بعدي . اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي ، واجعل لهم نصيباً من مرافقتي يدركون به نور الآخرة . اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض ! فقال له عمر بن الخطاب: أسكت يا خالد ، فلست من أهل المشورة ، ولا ممن يقتدى برأيه ! فقال له خالد: بل أسكت أنت يا ابن الخطاب ، فإنك تنطق على لسان غيرك ! وأيم الله لقد علمت قريش أنك من ألأمها حسباً ، وأدناها منصباً ، وأخسها قدراً ، وأخملها ذكراً ، وأقلهم غناءاً عن الله ورسوله ، وإنك لجبان في الحروب ، بخيل بالمال ، لئيم العنصر ، مالك في قريش من فخر ، ولا في الحروب من ذكر ، وإنك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان: إِذْ قَالَ لِلإنسان اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرئٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِين . فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ !! فأبلس عمر ! وجلس خالد بن سعيد.....).الخ .
13 ـ من المرجح أن الهجوم الثاني وقع بعد احتجاج وجهاء الصحابة يوم الجمعة في المسجد ، وهو الهجوم الذي أشعلوا فيه النار حول البيت ، ثم دفعوا الباب على الزهراء عليها السلام ، وضربوها وأسقطوا جنينها ، ثم أخذوا علياً عليه السلام ثانيةً الى السقيفة وهددوه بالقتل إن لم يبايع أبا بكر !
14 ـ كان تأثير احتجاج الصحابة الإثني عشر في المسجد قوياً ، فقد أحدث موجة ضد مؤامرة السقيفة ، وضعف أبو بكر وانكسر أمام خطبهم ، ولزم بيته ثلاثة أيام ، وأخذ يلوم عمر على توريطه في الأمر ، حتى أنه وآخرون من الحزب القرشي فكروا أن يعيدوا الخلافة شورى بين المسلمين! لكن عمر وبخهم ودبَّر موجة لمصلحة الحزب القرشي ، فاتفق مع جماعة من البدو القريبين أن يدخلوا المدينة ويبايعوا أبا بكر! قال الطبري في تاريخه:2/458: (حدثني أبو بكر بن محمد الخزاعي أن أسلمَ أقبلت بجماعتها حتى تضايقت بهم السكك فبايعوا أبا بكر، فكان عمر يقول: ماهوإلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر)!
15 ـ في يوم الجمعة الثانية لوفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب علي عليه السلام في مسجد النبي خطبته البليغة القوية المعروفة بـ (خطبة الوسيلة) ! وكانت تأكيداً لإقامة الحجة على أهل السقيفة وغيرهم ، بيَّن فيها مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام عند الله ، ويوم القيامة ، وواجب الأمة تجاههم . وجاء في مقدمتها قول الإمام الباقر عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفي رحمه الله : إسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك إن أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه ، فقال: الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده ، وحجب العقول أن تتخيل ذاته ، لامتناعها من الشبه والتشاكل ، بل هو الذي لايتفاوت في ذاته ولايتبعض بتجزئة العدد في كماله...)الخ. وهي طويلة بليغة . ( الكافي:8 /18).
16– أما مجئ الصديقة الزهراء عليها السلام الى المسجد ، وخطبتها القوية المشهورة ، فوقتها بعد أحداث السقيفة وهجومهم على بيتها وضربها وإسقاط جنينها ! وبعد أن أجبروهم على البيعة ، وشنوا عليهم حرباً اقتصادية لإفقارهم ، فحرموهم الخمس الذي لهم ، وصادروا منهم أوقاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي سبعة بساتين وكانت بيدهم، وصادروا منهم مزرعة فدك التي أعطاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم للزهراء عليها السلام عندما نزل قوله تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) ، ومنعوها أن ترث من أبيها صلى الله عليه وآله وسلم أي شئ ، فرأت الصديقة الزهراء عليها السلام في ذلك مناسبةً لأن تخطب في المسجد ، وتؤكد إقامة الحجة عليهم ، وتفضح مؤامرتهم ، وقد تقدم ذلك !
17 ـ يبدو أن حادثة ضرب عمر للصديقة الزهراء عليها السلام كانت في الطريق بعد يوم أو أكثر من خطبتها في المسجد النبوي ، فقد ذهبت الى أبي بكر وكان وحده واحتجت عليه ، فكتب لها كتاباً بإرجاع فدك اليها ، فبلغ ذلك عمر ، فلحقها في الطريق وضربها وأخذ منها الكتاب ومزقه !