لما علم النبي أن ذلك النفر قد نجح بالحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج صمم على كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة ليسهل عملية الانتقال السلمي إلى خليفته الشرعي الذي اختاره الله وأعلنه رسوله ، وقبله الجميع وبايعه الجميع في غدير خم بما فيه أفراد ذلك النفر .
ومن المؤكد أن الرسول الأعظم قد ضرب موعدا لذلك ، ودعا إليه بعض الخلص من أصحابه ليشهدوا كتابة الوصية والتوجيهات النهائية ، ومن
المؤكد أن شخصا ممن كان يسكن مع النبي قد سمع بذلك ، ومن المؤكد أن ذلك الذي سمع كان متعاطفا مع ذلك النفر وضالعا معهم في المؤامرة ، فنقل الخبر إلى عمر بن الخطاب ( 1 ) ولأن عمر بن الخطاب رجل حازم فقد أطلع أركان حزبه على ما سمع واتفقوا على أن يجمعوا وبصمت أكبر عدد ممكن من أعوانهم ، وأن يدخلوا حجرة الرسول في الوقت الذي حدده لكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية ! ! حضر الذين اصطفاهم الرسول ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية وليلخص أمامهم الموقف للأمة ، جلست هذه الصفوة بين يدي رسول الله ! ! فجأة وبدون استئذان دخل عمر بن الخطاب ومعه أركان حزبه وعدد كبير من أعوانه الذين اتفق معهم على خطة تحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد كتابته ! ! ماذا يفعل النبي أمام هذه المفاجأة ! ! لم يلغ الموعد ، ويضرب موعدا جديدا لأن الموت يدركه ، بل مضى إلى حيث أمره الله متجاهلا وجود المتآمرين ونواياهم ! ! فقال للذين دعاهم ( إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ) ( 2 ) .
ما إن أتم الرسول جملته حتى تصدى له عمر بن الخطاب ، وقال متجاهلا طلبه ، ومتجاهلا وجود الرسول ، وموجها كلامه للصفوة التي اختارها الرسول : ( لا حاجة لنا بكتابه ، إن المرض قد اشتد به ، إن النبي يهجر ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ) ( 3 ) وما إن أتم عمر جملته حتى قال أعوانه بصوت واحد متجاهلين وجود الرسول وموجهين كلامهم للحضور :
( 1 ) في كتابنا المواجهة ص 503 - 506 كشفنا الذي سرب هذا الخبر وأثبتنا بأنه كان أحد المتآمرين .
( 2 ) حسب الروايات التي نقلها رواه القوم وثقاتهم ، فإن الرسول الأعظم لم يتلفظ سوى بجملة واحدة تحمل هذا المعنى ، وفي الفصول السابقة سقنا كافة هذه الروايات .
( 3 ) راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9 ، وصحيح مسلم آخر
القول ما قال عمر ، إن رسول الله يهجر ، ما له أهجر ! ! ما شأنه أهجر ! ! استفهموه إنه يهجر ) ( 1 ) .
صعقت الصفوة التي اختارها النبي من هول ما سمعت ، فقالت : إلا تسمعون رسول الله يقول : قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ! ! وكرر عمر أقواله السابقة وعلى الفور ضج أتباع عمر فرددوا اللازمة التي اتفقوا عليها قبل دخولهم إلى منزل النبي ( القول ما قال عمر إن الرسول يهجر . . . ) كان واضحا أن عمر وحزبه على استعداد لفعل أي شئ يحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد ، سمعت النسوة ، فقالت النسوة لعمر وحزبه : ( ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم . . . ) فصاح بهن عمر : ( إنكن صويحبات يوسف . . . ) . هنا تدخل الرسول فقال : ( دعوهن فإنهن خير منكم ) ( 2 ) دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع ( 3 )
لقد اكتفى الرسول بتأكيداته السابقة ، ورد على عمر وحزبه ردا يليق بجلال النبوة وطبيعة الظروف وهذا ما تمناه عمر وحزبه ، لقد تحققت غايتهم من اقتحامهم لمنزل الرسول ولم يعد هنالك ما يوجب بقاءهم ، وهكذا كسروا خاطر النبي الشريف ، وقصموا ظهر الدين والأمة معا ، وتركوا النبي يصارع الموت تحف بجنابه الأقدس ملائكة الرحمن . وقد فعل عمر وحزبه ذلك ( حتى لا يجعل الأمر خطيا لعلي بن أبي طالب ) فيؤكد تأكيداته اللفظية بتأكيد خطي ، وقد اعترف عمر بذلك ، لأنه كان يعتقد أن مصلحة الإسلام والمسلمين تقتضي أن لا يتولى الخلافة علي وأن اختيار الرسول للإمام علي كاختياره لأسامة عمل غير صحيح وغير مناسب ! ! فإنا لله وإنا إليه راجعون
كتاب الوصية ج 5 ص 75 وج 2 ص 16 ، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 94 - 95 ومسند أحمد ج 1 ص 355 ، وصحيح البخاري ج 4 ص 31 ، وتاريخ الطبري ج 2 ص 194 ، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320 ، وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 62 ، وسر العالمين ، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي .
( 1 ) المصدر السابق .
( 2 ) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 7 ص 114 الطبعة الأولى بيروت وج 2 ص 79 سطر 3 تحقيق محمد أبو الفضل مكتبة الحياة وج 3 ص 167 طبعة دار الفكر ، وكتابنا المواجهة ص 503 وما فوق .
( 3 ) المصدر السابق . ( * )
عبد الله بن محمد: أخبرنا أزهر: أخبرنا ابن عون، عن ابراهيم عن الأسود قال: ذُكِر عند عائشة: أنّ النبي(ص) أوصى إلى عليّ، فقالت: من قاله، لقد رأيتُ النبي (ص) و إني لمسندته إلى صدري، فدعا بالطست، فانخنث، فمات، فما شعرت، فكيف أوصى إلى عليّ؟!.
المصدر: صحيح البخاري- كتاب المغازي-باب83- حديث رقم 4459.