يا أشباه الرجال ولا رجال، حُلوم الأطفال، وعقول رَبَّات الحِجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة حزت والله ندماً، وأعتبت صدماً... قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجَرَّعْتُموني نغب التهام أنفاسنا، وأفسدتم عَلَيّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب، ولكن لا رأي لمن لا يُطاع) نهج البلاغة 75، 71.
وقال لهم مُوَبِّخا: مُنِيتُ بكم بثلاث، واثنتين:
صُم ذَوو أسماعِ، وبُكْمٌ ذَوو كلام، وعُمْي ذوو أبصار، لا أحرارَ وصِدْقَ عند اللقاء، ولا إِخوانَ ثقةٍ عند البلاء... قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفَراجَ المرأة عن قُبُلِها) نهج البلاغة ص 142.
قال لهم ذلك بسبب تَخَاذُلِهِم وغَدرِهم ... وله فيهم كلام كثير
للرد على هذا الحديث
يرد الشيخ عليٌ آل محسن
والجواب عن ذلك أنا نقول:
إن هذه الكلمات وأمثالها إنما صدرت من أمير المؤمنين عليه السلام في مقام ذم من كان معه في الكوفة، وهم الناس الذين كان يحارب بهم معاوية، وهم أخلاط مختلفة من المسلمين، وأكثرهم من سواد الناس، لا من ذوي السابقة والمكانة في الإسلام.
ولم يكن عليه السلام يخاطب خصوص شيعته وأتباعه، ليتوجَّه الذم إليهم كما أراد الكاتب أن يصوِّر لقارئه أن من كان مع أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه الثلاثة إنما هم شيعته.
ولو سلَّمنا بما قاله الكاتب فإن أهل السنة حينئذ أولى بالذم من الشيعة، وذلك لأنّا إذا فرضنا أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخاطب خصوص شيعته في الكوفة، وكان يذمّهم على تقاعسهم في قتال معاوية، فلنا أن نسأل:
إذا لم يكن أهل السنة مع أمير المؤمنين عليه السلام في قتال معاوية، فأين كانوا حينئذ؟
فإن حالهم لا يخلو من ثلاثة أمور:
إما أن يكونوا مع أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة، فيكون الذم شاملاً لهم كما شمل غيرهم.
وإما أن يكونوا مع معاوية وفئته الباغية، وحال هؤلاء أسوأ من حال أصحابه الذين ذمَّهم.
وإما أن يكونوا قد اعتزلوا عليًّا عليه السلام ومعاوية، وحينئذ فهم أولى بالذم ممن خاضوا معه حروبه الثلاثة وأبلوا فيها بلاءاً حسناً، إلا أنهم بسبب كثرة الحروب وطول المدة اعتراهم الملالة والسأم والضعف الذي جعل أمير المؤمنين عليه السلام يذمّهم ويوبِّخهم.
والحاصل أن أهل السنة إن كانوا مع أمير المؤمنين عليه السلام أو مع معاوية أو كانوا معتزلين، فالذم شامل لهم على كل حال، وأحسن القوم حالاً هم الذين كانوا معه عليه السلام في حروبه، وإن كانوا مقصِّرين في نصرته