ومن شعره في أمر الصحيفة التي سنوقفك على قصتها قوله:
ألا أبلغا عني على ذات بينها * لويا وخصا من لوي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * رسولا كموسى خط في أول الكتب
وأن عليه في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحب
وأن الذي رقشتم في كتابكم * يكون لكم يوما كراغية السقب ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا * أواصرنا بعد المودة والقرب
وتسجلبوا حربا عوانا وربما * أمر على من ذاقه حلب الحرب
فلسنا وبيت الله نسلم أحمدا * لعزاء من عض الزمان ولا كرب
ولما تبن منا ومنكم سوالف * وأيد أترت بالمهندة الشهب
بمعترك ضنك ترى كسر القنا * به والضباع العرج تعكف كالشرب كأن مجال الخيل في حجراته * ومعمعة الأبطال معركة الحرب
أليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا * ولا نشتكي مما ينوب من النكب
ولكننا أهل الحفائظ والنهى * إذا طار أرواح الكماة من الرعب
سيرة ابن هشام (1 / 373)، شرح ابن أبي الحدبد (3 / 313)، بلوغ الأرب (1 / 325)، خزانة الأدب للبغدادي (1 / 261)، الروض الأنف (1 / 220)، تاريخ ابن كثير (3 / 87)، أسنى المطالب (ص 6، 13)، طلبة الطالب (ص 10)
وقال ابن أبي الحديد في شرحه (5) (3 / 315)
بعد ذكر جملة من شعر أبي طالب: فكل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر، لأنه إن لم تكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك وهو تصديق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومجموعها متواتر كما أن كل واحدة من قتلات علي عليه السلام الفرسان منقولة آحادا ومجموعها متواتر يفيدنا العلم الضروري بشجاعته، وكذلك القول فيما روي من سخاء حاتم وحلم الأحنف ومعاوية وذكاء أياس وخلاعة أبي نواس وغير ذلك. قالوا: واتركوا هذا كله جانبا، ما قولكم في القصيدة اللامية التي شهرتها كشهرة قفا نبك ؟ وإن جاز الشك فيها أو في شيء من أبياتها جاز الشك في قفا نبك وفي بعض أبياتها.
يقول العلامة الأميني رحمه الله بعد نقله جملة من اشعاره عليه السلام:
قال الأميني: أنا لا أدري كيف تكون الشهادة والاعتراف بالنبوة إن لم يكن منها هذه الأساليب المتنوعة المذكورة في هذه الأشعار ؟ ولو وجد واحد منها في شعر أي أحد أو نثره لأصفق الكل على إسلامه، لكن جميعها لا يدل على إسلام أبي طالب. فاعجب واعتبر !
هذه جملة من شعر أبي طالب عليه السلام الطافح من كل شطره الإيمان الخالص، والإسلام الصحيح، قال العلامة الأوحد ابن شهرآشوب المازندراني في كتابه متشابهات القرآن عند قوله تعالى: (ولينصرن الله من ينصره)
إن أشعار أبي طالب الدالة على إيمانه تزيد على ثلاثة آلاف بيت يكاشف فيها من يكاشف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويصحح نبوته. ثم ذكر جملة ضافية ومما ذكر له قوله في وصيته:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
أحسنتم مولاي .....
سلام الله على مؤمن قريش ابو طالب عليه السلام فلقد اخفى اسلامه حفاظا على رسول الله
والادلة كثيره على ايمانه ....
واكتفي بدليلن عقلين
1- حينما مات ابو جهل لعنه الله وقف رسول الله على جثته في بدر وقال والله لقد كان اعتى من فرعون في عين ان الرسول يترضى عن عمه الثاني ابو طالب واسمى عام وفاتة ووفاة امنا خديجه الكبرى سلام الله عليها عام الاحزان
ولا يجوز لرسول الترضي على الكفار فاذا كان كافر فلماذا رسول الله يترضى عن ابو طالب ؟؟؟؟؟
2- لماذا لم يفرق رسول الله بين ابو طالب وبين زوجته ؟! والمسلمه لا ينكحها الا المسلم ؟؟؟؟؟؟
وحديث الضحضاح حديث باطل واه برجاله ومتنه
فسلام الله على ابو طالب يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا
أما ما ناء به سيد الأباطح أبو طالب سلام الله عليه من عمل بار وسعي مشكور في نصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلاءته والذب عنه والدعوة إليه وإلى دينه الحنيف منذ بدء البعثة إلى أن لفظ أبو طالب نفسه الأخير، وقد تخلل ذلك جمل من القول كلها نصوص على إسلامه الصحيح، وإيمانه الخالص، وخضوعه للرسالة الإلهية، فإلى الملتقى. روى القوم:
1 ـ قال ابن إسحاق: إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرا، فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير هب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال: يا عم إلى من تكلني لا أب لي ولا أم لي ؟ فرق له أبو طالب وقال: والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا. قال: فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وتهيأ راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة راهب إليه يصير علمهم من كتاب فيهم كما يزعمون يتوارثونه كائنا عن كائن، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون عليه قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يتعرض لهم، حتى إذا كان ذلك العام نزلوا به قريبا من صومعته فصنع لهم طعاما كثيرا وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة تظله صلى الله عليه وآله وسلم من بين القوم. ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة وتهصرت، يعني تدلت أغصانها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم، فقال له رجل منهم: يا بحيرا إن لذلك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمر بك كثيرا، فما شأنك اليوم ؟ فقال له بحيرا: صدقت قد كان ما تقولون، ولكنكم ضيوف فأحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة.
فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرفها وهي موجودة عنده، فقال: يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا، فقالوا: يا بحيرا ما تخلف عنك أحد ينبغي أن يأتيك إلا غلام هو أحدث القوم سنا تخلف في رحالهم، قال: فلا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم، فقال رجل من قريش: والات والعز أن لهذا اليوم نبأ. أيليق أن يتخلف ابن عبد الله عن الطعام من بيننا؟ ثم قام إليه فاحتضنه ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم. فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظاً شديداً وينظر الى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام بحيرا فقال له: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما اسألك عنه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تسلني باللات والعزى شيئاً قط، فقال بحيرا: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه.
فقال: سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من نومه وهيئته وأموره ورسول الله يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر الى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.
الحديث.
فقال ابو طالب في ذلك:
إن ابن آمنة النبي محمداً * عندي يفوق منازل الأولاد لما تعلق بالزمام رحمته * والعيس قد قلصن بالأزواد
فارفض من عيني دمع ذارف * مثل الجمان مفرق الافراد
راعيت فيه قرابة موصولة * وحفظت فيه وصية الأجداد
وأمرته بالسير بين عمومة * بيض الوجوه مصالت أنجاد
ساروا لأبعد طية معلومة * فلقد تباعد طية المرتاد
حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا * لا قوا على شرك من المرصاد
حبراً فأخبرهم حديثاً صادقاً * عنه ورد معاشر الحساد
قوم يهود قد رأوا لما رأى * ظل الغمام وعن ذي الأكباد ثاروا لقتل محمد فنهاهم * عنه وجاهد أحسن التجهاد
فثنى زبيراً من بحيرا فانثنى * في القوم بعد تجاولٍ وبعاد
ونهى دريساً فانتهى عن قوله * حبر يوافق أمره برشاد
وقال أيضاً:
ألم ترني من بعد هم هممته * بفرقة حر الولدين حرام بأحمد لما أن شددت مطيتي * برحلي وقد ودعته بسلام
بكى حزناً والعيس قد فصلت بنا * وأخذت بالكفين فضل زمام
ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة * تجود من العينين ذات سجام
فقلت: ترحل راشداً في عمومة * مواسير في البأساء غير لئام فجاء مع العير التي راح ركبها * شآمي الهوى والاصل غير شآم
فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا * لنا فوق دور ينظرون جسام
فجاء بحيرا عند ذلك حاشداً * لنا بشراب طيب وطعام
فقال اجمعوا أصحابكم لطعامنا * فقلنا جمعنا القوم غير غلام
يتيم فقال ادعوه إن طعامنا * كثير عليه اليوم غير حرام
فلو لا الذي خبرتم عن محمد * لكنتم لدينا ا ليوم غير كرام
فلما رآه مقبلاً نحو داره * يوقيه حر الشمس ظل غمام
حنا رأسه شبه السجود وضمه * إلى نحره والصدر أي ضمام
وأقبل ركب يطلبون الذي رأى * بحيرا من الاعلام وسط خيام
فثار اليهم خشيةً لعرامهم * وكانوا ذوي بغي لنا وعرام
دريس وتمام وقد كان فيهم * زبير وكل القوم غير نيام
فجاؤوا وقد هموا بقتل محمد * فردهم عنه بحسن خصام
بتأويله التوراة حتى تيقنوا * وقال لهم رمتم أشد مرام
أتبغون قتلاً للنبي محمد * خصصتم على شؤم بطول أثام
وإن الذي نختاره منه مانع * سيكفيه منكم كيد كل طغام
أخرج ابن عساكر في تاريخه في تاريخه عن جلهمة بن عرفطة قال: قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش: يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم واستسق. فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابه قتماء وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بإصبعه الغلام، وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا، واغدق وأغدودق، وانفجر له الوادي، وأخصب البادي والنادي، وفي ذلك قول أبو طالب:
وأبيض يستسقى الغمم بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشمٍ * فهم عنده في نعمة وفواضل
وميزان عدل لا يخيس شعيرةً * ووزان صدق وزنه غير هائل
ذكر الشهرستاني في الملل والنحل ) بهامش الفصل (3 / 225) سيدنا عبد المطلب وقال: ومما يدل علي معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة أن أهل مكة لما أصابهم ذلك الجدب العظيم، وأمسك السحاب عنهم سنتين، أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو رضيع في قماط، فوضعه على يديه واستقبل الكعبة رماه إلى السماء وقال: يا رب بحق هذا الغلام. ورماه ثانياً وثالثاً وكان يقول: بحق هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هاطلاً. أن يلبث ساعة طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد، وأنشد أبو طالب ذلك الشعرالامي الذي منه:
ثم ذكر أبياتاً من القصيدة، ولا يخفى على الباحث أن القصيدة نظمها أبو طالب عليه السلام أيام كونه في الشعب كما مر.
فاستسقاء عبد المطلب وابنه سيد الأبطح بالنبي الأعظم يوم كان صلى الله عليه وآله وسلم رضيعاً يافعاً يعرب عن توحيدهما الخالص، وإيمانهما بالله، وعرفانهما بالرسالة الخاتمة، وقداسة صاحبها من أول يومه، ولو لم يكن لهما إلا هذان الموقفان لكفياهما، كما يكفيان الباحث عن دليل آخر على اعتناقهما الإيمان.