الأخ المشرف العقائدي شكراً على ايضاحك للآية .. ولكن.. ماذا في تفسير ابن كثير لهذه الآية الا تؤمن بها ؟... كما أريد جواباً صريحاً بدون تحيز لأحد المذاهب !!! من هم المقربين جداً من الرسول ؟؟؟... من كان حول الرسول ؟
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
تفسير ابن كثير للآية المشار اليها اعلاه
يخبر تعالى عن محمد صلوات الله عليه ، أنه رسوله حقا بلا شك ولا ريب، فقال: ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ) ، وهذا مبتدأ وخبر، وهو مشتمل على كل وصف جميل، ثم ثنى بالثناء على أصحابه فقال: ( وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) ، كما قال تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة : 54] وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفًا على الكفار، رحيما برًا بالأخيار، غضوبًا عبوسًا في وجه الكافر، ضحوكا بشوشًا في وجه أخيه المؤمن، كما قال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة : 123]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى < 7-361 > منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسَّهر، وقال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه ، كلا الحديثين في الصحيح.
وقوله: ( تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ) : وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله، عز وجل، والاحتساب عند الله جزيل الثواب، وهو الجنة المشتملة على فضل الله، وهو سعة الرزق عليهم، ورضاه، تعالى، عنهم وهو أكبر من الأول، كما قال: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة : 72] .
وقوله: ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) : قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ ) يعني: السمت الحسن.
وقال مجاهد وغير واحد: يعني: الخشوع والتواضع.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطُّنَافسي، حدثنا حسين الجَعْفي، عن زائدة ، عن منصور عن مجاهد: ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) قال: الخشوع قلت: ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه، فقال: ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون.
وقال السدي: الصلاة تحسن وجوههم.
وقال بعض السلف: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.
وقد أسنده ابن ماجه في سننه، عن إسماعيل بن محمد الطَّلْحي، عن ثابت بن موسى، عن شريك، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كَثُرَتْ صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" والصحيح أنه موقوف.
وقال بعضهم: إن للحسنة نورا في القلب، وضياء في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الناس.
وقال أمير المؤمنين عثمان: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صَفَحَات وجهه، وفَلتَات لسانه.
والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله أصلح الله ظاهره للناس، كما روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته.
وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمود بن محمد المروزي، حدثنا حامد بن آدم المروزي، < 7-362 > حدثنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عبيد الله العَرْزَمي، عن سلمة بن كُهَيْل ، عن جُنْدَب بن سفيان البَجَلي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر"، العرزمي متروك.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة، لخرج عمله للناس كائنا ما كان".
وقال الإمام أحمد [أيضا]: حدثنا حسن، حدثنا زُهَيْر، حدثنا قابوس بن أبي ظَبْيَان: أن أباه حدثه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الهدي الصالح، والسمت الصالح، والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة" ورواه أبو داود عن عبد الله بن محمد النفيلي، عن زهير، به.
فالصحابة [رضي الله عنهم] خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم، فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم.
وقال مالك، رحمه الله: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون: "والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا". وصدقوا في ذلك، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نوه الله بذكرهم في الكتب المنـزلة والأخبار المتداولة ؛ ولهذا قال هاهنا: ( ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ) ، ثُمَّ قَالَ: ( وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ [فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ) : ( أَخْرَجَ شَطْأَهُ ] ) أي: فراخه، ( فَآزَرَهُ ) أي: شده ( فَاسْتَغْلَظَ ) أي: شب وطال، ( فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ) أي: فكذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الزرع، ( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) .
ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك -رحمه الله، في رواية عنه-بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء على ذلك. والأحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة ، ويكفيهم ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم.
< 7-363 >
ثم قال: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ ) "من" هذه لبيان الجنس، ( مَغْفِرَةً ) أي: لذنوبهم. ( وَأَجْرًا عَظِيمًا ) أي: ثوابا جزيلا ورزقا كريما، ووعد الله حق وصدق، لا يخلف ولا يبدل، وكل من اقتفى أثر الصحابة فهو في حكمهم، ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة، رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم ، وقد فعل.
قال مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه".