|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77449
|
الإنتساب : Feb 2013
|
المشاركات : 320
|
بمعدل : 0.07 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الرحيق المختوم
المنتدى :
المنتدى العام
استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام 14
بتاريخ : 14-06-2014 الساعة : 09:04 AM
من نام لم ينم عنه
برأيكم لماذا يقوم الإرهابيون في سوريا بتسجيل جرائمهم الشرسة وبثها في وسائل الإعلام، مع أنهم يعرفون أن هذه اللقطات التي يبثونها سوف تنفّر الناس منهم بلا فرق بين السنة والشيعة؟ فلعل السبب هو أنهم يريدون أن يبثوا الرعب والخوف بين الناس. ولكن مهما كانت دواعيهم من بثّ هذه اللقطات الفضيعة، إن انتشار هذه اللقطات هي من الألطاف الخفية الإلهيّة، لكي نعرف تكليفنا في هذا الزمان وننظّم حياتنا على أساس مقتضيات هذا الزمان.
إن ظروفنا وأجواء حياتنا تشبه ظروف اللاعب الذي يعيش حالة الاستعداد قبل بدء المباراة، أو كالجندي الذي يعيش حالة التأهب قبل الحملة. فلن نخسر إن نظمنا حياتنا على أساس التأهّب لمباراة نهائية مع العدوّ. أما إذا عشنا غافلين عن العدوّ فسوف يشملنا قول أمير المؤمنين(ع) إذ قال: «وَ لَا تَثَّاقَلُوا إِلَى الْأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ وَ تَبُوءُوا بِالذُّلِّ وَ یَکُونَ نَصِیبُکُمُ الْأَخَسَّ وَ إِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْأَرِقُ وَ مَنْ نَامَ لَمْ یُنَمْ عَنْه»[نهج البلاغه/نامه 62].
يودّ بعض المساكين أن يقضوا على الروحيّة الثوريّة. فهم يدعوننا في النشاطات الثقافية إلى التسالي والتوافه، ويحاولون أن يلفتوا أنظارنا عن الجهاد الرئيس في حياة الإنسان. بينما ينبغي للإنسان أن يحظى بروح التأهب للدفاع والجهاد. وأساسا ما السبب من وجود روح المنافسة المودعة في الأطفال والتي تتبلور في حب المصارعة وحبّ البندقية والسلاح؟ لأنه يجب على الإنسان أن يعيش كل عمره في أجواء الصراع والجهاد. وحتى بعد ظهور الإمام الحجة(عج) حيث يقضى على إبليس والأعداء طبقا لمفاد بعض الروايات، يبقى صراع الإنسان قائما مع نفسه الأمارة بالسوء ولن ينفك عن هذا الصراع إلى آخر لحظة من حياته. سئل الإمام الصادق(ع): أَیْنَ طَرِیقُ الرَّاحَةِ فَقَالَ ع فِی خِلَافِ الْهَوَى قِیلَ فَمَتَى یَجِدُ عَبْدٌ الرَّاحَةَ فَقَالَ ع عِنْدَ أَوَّلِ یَوْمٍ یَصِیرُ فِی الْجَنَّةِ. [تحف العقول/ص370]
لابدّ أن ننظر إلى ظاهرة معاداة النبي(ص) كأحد أهم محاور تاريخ الإسلام
حتى وإن لم يكن زماننا في هذا الزمان، وكنا بصدد دراسة تاريخ الإسلام، أيضا كان لابدّ لنا أن ننظر إلى ظاهرة معاداة النبي(ص) كأحد أهمّ محاور تاريخ السلام، أما الزمان الذي نعيشه الآن فبات يدعونا إلى دراسة هذا الموضوع بمزيد من التأكيد.
لماذا قد تناولنا إيجابيات عرب الجاهليّة في مطلع هذا البحث؟ لأننا أردنا أن نعرف هذا العدوّ بشكل جيّد، إذ لابدّ أن نأخذ إيجابيات العدوّ بعين الاعتبار إلى جانب سلبيّاته إن أردنا أن نكون على معرفة جيدة به. إن بعض المخرجين وكتّاب القصص والروايات أثناء ما يبلورون شخصية سلبية في قصّتهم، لا يسوّدونها تماما، بل يُبقون فيه ملامح من الإيجابيات والفضائل وهذا هو الأقرب إلى الواقع، إذ حتّى مجرمي التاريخ كانوا يحظون ببعض الخصائص الإيجابيّة. فعلى سبيل المثال إن إبليس كان قد عبد الله ستة آلاف سنة وهذا ما يحكي عن شيء غير قليل لا يستهان به. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه الإيجابية تحدّد نوعية شقائه وترشدنا إلى كشف صفته السلبيّة بدقّة.
إنّ المجتمع الذي كان يعاصر زمن مبعث النبيّ الأعظم(ص)، لم يكن مجتمعا سلبيّا وأسودَ تماما. فلابدّ أن ندرس ذاك المجتمع ونعرف كيفية تبلور معاداة النبي(ص) في تلك الأجواء. إذا كانت ظاهرة العدوّ والعداء ظاهرة مهمّة في حياة الإنسان وتكامله، فلابد أن ندرس هذا العدوّ بشكل دقيق. نحن نجد في تاريخ النبي الأعظم(ص) أنه كان قد احتكّ بأناس لم يكونوا أعداءه من الأوّل، بل كانوا يحترمونه قبل مبعثه ويلقبّونه بالأمين.
كان الحسد هو السبب الأوّل لمعاداة النبي(ص)، وكان الاستهزاء هو العمليّة الأولى في العداء
لقد تطرقنا في الجلسة السابقة إلى سبب معاداة النبي(ص) الرئيس، وقلنا كان هذا العداء من قبيل الحسد. فلم يكن السبب هو تمسكهم بثقافة أسلافهم أو استئناسهم وتعودهم على الأصنام وصعوبة تغيير ما استأنسوا به وتعودوا عليه، وإن كانوا يتذرعون بأمثال هذه القضايا، ولكن كان السبب الرئيس خلف هذه الذرائع هو حسد النبيّ(ص) وإنما كان يغلّف بإحدى هذه الذرائع. حتى أن عامل حب اللذة والتمتّع بالمعاصي لم يكن عاملا رئيسا بالنسبة إلى الحسد، وإنْ تذرَّع أعداء النبي(ص) به أيضا. فقد قامت دعائم هذا العداء على أركان الحسد. طبعا وبالتأكيد كانت إلى جانب الحسد أسباب أخرى من قبيل الجهل وحب الدنيا وغيرها، ولكنها كانت أسباب هامشيّة، أما السبب الرئيس الذي كان يحشّد هذا العداء هو حسد النبيّ(ص)، وقد مرّت عليكم بعض النصوص والتعابير التي تحكي عن هذا العامل الرئيس.
طيّب؛ لنرى ماذا كان أوّل مبادرة أعداء النبي(ص) في معاملتهم معه. كانت المبادرة الأولى في مواجهة النبي(ص) هو «التمسخر» و «الاستهزاء». ولهذا بعد أن أمر الله النبي(ص) أن يعلن عن دعوته، قال له: (إِنّا كَفَيْناَكَ المُسْتَهْزِئِين)[الحجر/95].
يقول الله سبحانه وتعالى: (يا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ ما يَأتِيهِم مِنْ رِسولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهزِؤونَ)[يس/30]. لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن قصص الاستهزاء بالأنبياء بمختلف أشكالها. فعلى سبيل المثال راجعوا سورة المؤمنون. كما كانت ذرائع المستهزئين مختلفة. فعلى سبيل المثال عندما يؤمر النبيّ نوح(ع) أن يصنع الفلك بأرض يابسة نائية عن البحار والأنهار، كان هذا خير ذريعة للمستهزئين. (وَ یَصْنَعُ الْفُلْکَ وَ کُلَّمَا مَرَّ عَلَیْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ)[هود/38]
الاستهزاء هو أول حربة يستخدمها العدو في مواجهتنا، فإن عجزنا عن مواجهة هذه الحربة نصرع في بداية المعركة
وكذلك في أول صحفات القرآن عندما يتطرق الله إلى داخل المجتمع الديني ومواقف المنافقين فيه، يشير إلى أنهم يستهزئون بالمؤمنين. (وَ إِذَا لَقُواْ الَّذِینَ ءَامَنُواْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَ إِذَا خَلَوْاْ إِلىَ شَیَاطِینِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَکُمْ إِنَّمَا نحَْنُ مُسْتهَْزِءُونَ * اللَّهُ یَسْتهَْزِئُ بهِِمْ وَ یَمُدُّهُمْ فىِ طُغْیَانِهِمْ یَعْمَهُون)[بقره/14 و15]. إن ظاهرة الاستهزاء من الأهمية وسعة التأثير بمكان، بحيث حتى في زماننا نجد أن بعض الفتيات يخففن من حجابهنّ أو يتجنب بعض الشباب عن الذهاب إلى المصلّى وأداء الصلاة خوفا من استهزاء الآخرين. وكذلك من أهم الركائز التي تعتمد عليها الفضائيات هو الاستهزاء بالمقدسات والخط الإسلام الحنيف. واعلموا جيدا أن لن يلتفت المستزهؤون عن الإسلام الحنيف. طبعا لا يبقى عداء الكفّار للمؤمنين على مستوى الاستهزاء وحسب، بل حتى قد يصل في المراحل الآتية إلى حزّ رؤوس المؤمنين، كما نرى في زماننا هذا مثل هذه الأحداث.
إن موضوع الاستهزاء من الأهمية بمكان، بحيث عندما دعا رسول الله(ص) عشيرته في بداية دعوته العلنية؛ (وَ أَنْذِرْ عَشیرَتَکَ الْأَقْرَبین)[شعراء/214] مع أن التعصب العشائري كان مستفحلا بين القوم آنذاك، وكان المفترض بطبيعة الحال أن يكون تعامل عشيرة النبي(ص) معه تعاملا حسنا، ومع أن النبي(ص) أخذ يتحدّث معهم بمنتهى الرفق والرحمة، لكن بعد أن أعلن عن دعوته، كان ردّ فعلهم هو الاستهزاء والتمسخر، ولا سيّما بعد أن عرّف أمير المؤمنين(ع) وصيّا له وكان غلاما حدثا يومئذ، فزادهم هذا الحدث تمسخرا واستهزاء. [راجع تفسير الميزان والأمثل، ذيل الآية 214 من سورة شعراء]
الاستهزاء هو الحربة الأولى التي يستخدمها الأعداء في مواجهة المؤمنين، فإن لم نعرف هذه الظاهرة ولم نقدر على مقابلتها، نُصرَع في أوائل المعركة ولن نصل إلى الأشواط القادمة. إذا أردنا أن نعرف العدوّ، فلا ينبغي أن ننسى حسد العدو واستهزاءه. إن هذه النقطتين مهمتان جدا وجديرتان بالتأمل. أمّا كون الأعداء أغنياء والأغنياء بصدد نهب الفقراء، فهذا موضوع هامشي. أو كون الأعداء طالبي اللذة، ويهدفون إلى التمتع والالتذاذ عن طريق الفسق والفجور فهو موضوع هامشي كذلك. إن السبب الرئيس في عداء العدوّ، هو الحسد، ولا يزال هذا الحسد قائما إلى اليوم الآخِر.
فعلى سبيل المثال كان هذا الحسد هو السبب في سوء عاقبة الزبير وشقائه. بعد معركة الجمل ومقتل الزبير، كشف أمير المؤمنين عن سوء سابقة الزبير التي لم يكن يعرفها أحد فقال وهو ينظر في وجه الزبير: «أما والله لولا ما کان من أمر حاطب بن أبی بلتعة، ما اجترأ الزبیر على قتالی! [الجمل للمفید/389] ویشیر بأمر ابن بلتعة إلى رسالته إلى أهل مکة بعزم النبيّ على فتحها، بعث بها مع امرأة أخفتها فی شعرها، وأُخبر بها النبيّ فأرسل علیا والزبیر علیها فأنکرت وصدّقها الزبیر ورجع عنها فقال عليّ: یخبرنا النبي وأنت تقول: لا کتاب معها؟! واستخرجه منها، فحسده الزبیر علیها. [موسوعة التاریخ الاسلامی/4/ 620]
وبالمناسبة إن الزبير لم يكن يعرف كيف يتعامل مع المستهزئين، ولم يكن يملك القدرة على تحمل استهزاء الآخرين. إذ كان قد اقتنع بحديث أمير المؤمنين(ع) في معركة الجمل أن يكفّ عن الحرب، لأن أمير المؤمنين(ع) قد ذكّره بحديث رسول الله(ص) إذ حذّره من مثل هذا اليوم. ولكن بعد أن اتضح الحقّ للزبير وأراد أن يترك معركة القتال، رجع إليها مرة أخرى بتحريض ابنه. فكرّ كرّة مخافة أن يستهزئن به نساء قريش. إذ قال له ابنه: «کفّر عن يمينك، لئلا يتحدثن نساء قريش، أنك جبنت وما كنت بجبان. قال: صدقت...»[وقعة الجمل/ص130] يعني لم يستطع الزبير أن يتحمل استهزاء قومه، ولهذا السبب مات وهو خارج على إمام زمانه!
من المهمّ جدا لدى بعض الناس أن لا يُستهزأ ولا يسخر به في طريق دينه، ولهذا يعمل بدينه بالنحو الذي لا يسمع طعنة أو كلمة من أحد! ولكن عندما نجد رسول الله(ص) لاقى ما لاقى من المستهزئين، هل من الصحيح أن نفرّ من الاستهزاء بأي طريقة ووسيلة؟!
صلى الله عليك يا أبا عبد الله
لقد عانى الأنبياء والأولياء من استهزاء أعدائهم وشماتتهم على مرّ الدهور ولكنّ أكثرها فجعة وأعزّها على الفؤاد هو ما لاقته الحوراء زينب(س) في الكوفة والشام وفي مجلس عبيد الله بن زياد ومجلس يزيد، من شماتة واستهزاء. يا قلب زينب كم قاسيت من محن/ فيك الرزايا وكل الصبر قد جمعا/ يكفيك صبرا قلوب الناس كلّهمُ/تفطرت للذي لاقيته جزعا.
|
|
|
|
|