كِتَابُ إِثْبَاتِ الْحَدِّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَبِأَنَّهُ قَاعِدٌ وَجَالِسٌ عَلَى عَرْشِهِ
تأليف
أبي محمد محمود بن أبي القاسم بن بدران الآنمي الدشتي رحمه الله
(المتوفى سنة661هـ)
تحقيق وتعليق
أبي عمر أسامة بن عطايا العتيبي
من موقع المحقق المجسم المذكور ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقتطفات تجسيمية مما جاء فيه ...
يقول (المصنف) في مقدمته:
فإن سائلاً سألني، وقال: أحب أن تجمع ما جآء في إثبات الحد لله تعالى، ويعني بذالك حدٌ لا يعلمه إلا الله، وأما من زعم أن لله عز وجل حداً يعلمه غيره فهو ضالٌ مضل مبتدع، فأجبت إلى ذالك، وجمعت في كتابي هذا شيئاً يسيراً من مذهب علماء السلف وأئمتهم، وما روي وصح عنهم، وما احتجوا في ذالك من الكتاب والسنة، وما ذكروه في كتبهم وتصانيفهم. ...
....أنبأنا الإمام الحافظ أبو القاسم عبدُالرحمن بنُ الحافظِ أبي عبدِالله بنِ مندهْ رحمه الله أنه قال: «ولا دين لمن لا يرى لله الحدَّ لأنه يُسْقِطُ من بينه وبين الله الحاجز والحجاب والإشارات والخطاب» وذكر ذلك في كتاب بيان الهدى ومعرفة أقاويل أهل الضلالة والردى تصنيفه.
قال الحافظ الدَّشْتِي: وقد وجدت في كتاب الإيضاح في أصول الدين للإمام أبي الحسن على بن الزاغوني رحمه الله أنه قال: «اعلم أن الدليل القاطع دل على وجود الباري، وثبوتِهِ ذاتاً بحقيقة الإثباتِ، وأنه لابُدَّ من فصل يكون بينه وبين خلقه، ويقتضي انفرادَهُ بنفسه، وهذا بعينه هو الحدُّ والنهايةُ، وإنما يَغْتَرُّ الأغمارُ الذين لا خِبْرَةَ عندهم بصعوبة إضافةِ الحدِّ والغَايَةِ والنهايةِ إليه تعالى، مع إقرارهم أنه متميزٌ بذاته، منفردٌ، مباين لخلقه، وهذا مُنَاقَضَةٌ منهم في العقيدة يُسْنِدُونَها إلى جهلٍ بالأمر، ووقُوفٍ مع الأُنسِ، وما هذا سبيلهُ لا يُعَوَّلُ على قائله، ولا يوثَقُ مِمَّنْ يرتكبُهُ.
قال أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله: «ولله عز وجل عرشٌ، وللعرش حملة يحملونه، والله عز وجل على عرشه، وله حدٌّ، والله أعلم بِحَدِّهِ، يتحرك، ويتكلم، وينظر، ويضحك، ويفرحُ».
فمن مذهب أصحاب الحديث الذين هم أهل السنة وأئمةُ المسلمين وعلماءُ بيانٍ يعتقدون ويشهدون: أن من قال: "ليس لله تعالى حدٌّ" يعني بذلك: أن الله في كل مكان، أو ليس هو على العرش استوى كما تقرر في قلوب العامة،
أو ليس سبحانه «شخص»
ولا «شيء»،
أو ليس لله جهة،
ولا له مكانٌ؛
فقد ارتد عن دين الإسلام، ولحق بالمشركين، وكفر بالله وبآياته وبما جاء به رسولهr، تعالى الله عما يقول خصومنا عُلُوًّا كبيراً.
..وبه قال عبدالله: حدثني أبي ثنا أبو المغيرة ثنا عبدة بنتُ خالد بن معدان عن أبيها خالد أنه قال: «إنَّ الرحمن جل وعز سبحانه ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون، حتى إذا قام المُسَبِّحُونَ خُفِّفَ عن حملة العرش».
و به قال عبدالله: حدثني أحمد بن سعيد أبو جعفر الدارمي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت خارجة بن زيد يقول: «الجهمية كفار، بلغوا نساءهم أنهن طوالق، وأنهن لا يحللن لأزواجهن، لا تعودوا مرضاهم، ولا تشهدوا جنائزهم، ثم تلا: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} إلى قوله: {الرحمن على العرش استوى}، وهل يكون الاستواء إلا بجلوسٍ».
حماد بن سلمه عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن عبدالله أنه قال: {الرحمن على العرش استوى} قال: «جالس».
وفيه: عن عباد بن منصور قال: سألت الحسن وعكرمة عن قوله: {الرحمن على العرش استوى} قالا: «جالس».
قال الخلال: أخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت عبدالوهاب يقول: {الرحمن على العرش استوى} قال: «قعد».
عن أنس ثنا رسول الله r قال: ((يأتوني حتى أمشي بين أيديهم، حتى نأتي باب الجنة، فأستفتح، فيؤذن لي، فأدخل على ربي فأجده قاعداً على كرسي العزة، فأخر له ساجداً)) .
عن عبدالله بن حُنَيْنٍ قال: بينا أنا جالس إذ جاءني قتادة بن النعمان [فقال لي: انطلق بنا يا ابن حنين إلى أبي سعيد الخدري، فإني قد أخبرت أنه قد اشتكى. فانطلقنا «حتى دخلنا» على أبي سعيد فوجدناه مستلقياً رافعاً رجله اليمنى على اليسرى، فسلمنا، وجلسنا. فرفع قتادة بن النعمان يده إلى رِجْلِ أبي سعيد فَقَرَصَهَا قَرْصَةً شديدةً فقال أبو سعيد: سبحان الله يا بن آدم! لقد أوجعني! فقال له: ذلك أردت. فقال: إن رسول الله r قال: ((إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى فوضع إحدى رجليه على الأخرى، وقال: لا ينبغي لأحد من خلقي أن يفعل هذا)) فقال أبو سعيد: لا جرم، والله لا أفعله أبداً] .
وأخيراً ....
أنشدنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي بن خليل الحافظ المفيد من لفظه أنبا أبو القاسم بن بوش ، أنبا أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش، أنشدنا أبو طالب محمد بن على الحربي، أنشدنا الإمام أبو الحسن على بن عمر الدارقطني، رحمه الله قال:
حديثُ الشَّفَاعَةِ في أحمدَ ... إلى أحمدَ المصطفى نُسْنِدُهْ
فَأمَّا حديثٌ بإقعادِهِ على ... العرشِ أيضاً فلا نجحَدُهْ
أَمِرُّو الحديثَ على وجْهِهِ ... ولا تُدْخِلُوا فيهِ ما يُفْسِدُهْ
وَتُنْـكِرُوا أنَّهُ قـاعـد ... ولا تَجْحَدُوا أنَّهُ يُقْعِدُهْ
!!
يقول صاحب الكتاب :
يعني: تعالى معبودهم عن التنزيه (من الحد والمكان والجهة والتحرك والتكلم والنظر والضحك والفرح والجلوس والقعود والاستلقاء على الظهر ووضع رجل على رجل ..) علواً كبيراً !
|