الاحتجاج ينبغي أن يحمل عنصرين مهمّين:
الأوّل ـ المعرفة المتكاملة بالدليل والبرهان والشواهد الواضحة.
الثاني ـ الأخلاق الطيّبة التي تتضمّن: الصبرَ على المخالف المجادل، والحرصَ على هدايته، والرغبةَ في نجاته، والمحبّةَ الداعية إلى إعانته على الأوبة إلى الحقّ وإلى الله تبارك وتعالى.
وتلك أخلاق إلهيّة، وقد كان الله جلّ وعلا أوّلَ مَن حاجج عباده، أفراداً وأقواماً
والعنصر الثاني ـ الضوابط الأخلاقيّة، وقد تجلّت في احتجاجات الأنبياء والأوصياء والأولياء سلام الله عليهم، فعُرِف عنهم الصبر والتَّوْءدة والحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، والموعظة الحسنة، بأدبٍ رفيع ونيّةٍ خالصةٍ لله تبارك وتعالى، وحرصٍ إنسانيّ ورغبة عميقة في هداية الناس ونجاتهم وفوزهم بمرضاة الله ونعيمه.. بعيداً عن الرياء والمراء، والسُّخرية والاستهزاء، والتحقير والانتقام. وتلك آية الحقّ وصيّةً من الله جلّ وعلا إلى حبيبهِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله: اُدْعُ إلى سبيلِ ربِّكَ بالحِكمةِ والمَوعظةِ الحَسنة وجادِلْهُمْ بالّتي هيَ أحسَنُ.. ( سورة النحل: 125 )، قال الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام:
ذُكِر عند الصادق عليه السّلام الجدالُ في الدِّين، وأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السّلام نَهَوا عنه، فقال الصادق عليه السّلام: لم يَنْهَ مطلقاً، ولكنّه نهى عن الجدال بغيرِ التي هي أحسن، أمّا تسمعون قوله تعالى: ادْعُ إلى سبيلِ ربِّكَ بالحِكمةِ والموعظةِ الحسَنةٍ وجادِلْهُم بالّتي هيَ أحسن ، فالجدال بالتي هي أحسن قد قَرَنه العلماءُ بالدِّين، والجدال بغير التي هي أحسن محرّم، حرَّمَه اللهُ على شيعتنا. وأمّا الجدال بالتي هي أحسنُ فهو ما أمر الله تعالى به نبيَّه أن يُجادِلَ به مَن جَحَد البعثَ بعد الموت وإحياءه له، فقال الله حاكياً عنه: وضَرَب لنا مَثَلاً ونَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَن يُحْيي العِظامَ وهيَ رميم ؟! ، فقال اللهُ في الردّ عليه: قُلْ ـ يا محمّد ـ: يُحْيِيها الّذي أنشَأها أَوّلَ مَرّةٍ وهُوَ بكُلِّ خَلْقٍ عَليمٌ ( سورة يس: 78 ـ 79 ). ( تفسير نور الثقلين للحويزي العروسي 95:3 / ح 266 ـ عن: كتاب الاحتجاج للطبرسي ).