لذا اذا أتينا الى معالجة الموضوع من الناحية الإسلامية وبعقيدتنا الشيعية – وهذا ما سنتركه جانبا – وما تحويه من أحاديث للنبي "ص" وأهل بيته عليهم السلام , فنحن اذا نتحدث عن مسألة مهمة جدا الا وهي " الإمامة " ..
* أليس في اعتقادنا ان لكل زمان حجة , اذا من هو إمام هذا الزمان , وهل من الممكن ان الله عز وجل ترك البشرية طوال تلك الأزمنة دون قائد ؟
**الان نأتي للمعالجة العقلية العلمية ..
مثال .. وهنا اقول " الأمثال تضرب ولا تقاس " ..
* لو افترضنا ان هناك شخص ما يريد اقامة مشروع ضخم على مستوى بلد ما , فما الذي يحتاجه قبل الشروع في التنفيذ ..
* التخطيط المناسب .. * المنفذ الكفؤ ..
* المواد الاساسية ..
* الايدي العاملة .. * الارضية المناسبة ..
* التوقيت المناسب للبدء ..
فكيف بنا بهذا المشروع الالهي الكبير , وهذا التدبير الرباني ..
وهل ان هذا المشروع استوفى كل تلك الامور ؟
وما الهدف من هذا المشروع الالهي الكبير ؟ ان الله سبحانه وتعالى خلق الكون كله والبشرية , لهدف معين الا وهو العبادة واقامة العدل ..
قال تعالى " وما خلقت الجــن والانس الا ليعبدون "
فلماذا بعث الله تعالى الانبياء وتحملوا المصائب ؟ وهل تحقق في زمن من الازمنة هذا المشروع على مستوى العالم كله ؟ ولا اعني النصرة المؤقتة للدين ..
اذا من الجانب الديني , العقل يقول بأنه لا بد من يوم يتحقق فيه هذا الوعد الالهي , فلو قلنا بعدم مجيء مثل ذلك اليوم , فكأنما نرى ان مسألة خلق البشر وارسال الانبياء انما هي مسألة عبثية , وتعالى الخالق عن ذلك ..
وإذا سلمنا بمجيء ذلك اليوم , فإذا من يكون القائد الذي على يديه , يتحقق المشروع ؟ ولماذا نعتقد بإن هذا القائد يتمثل في شخص الإمام الثاني عشر الحجة المنتظر "عج" , وليس سواه ؟
ولكي نثبت وجود الإمام الحجة , فهذا يترتب عليه حيثيات عدة منها ..
مسألة طول العمر , والغيبة , وعدم الظهور , وهذا ما سآتي عليــه تدريجيــا في هــذا الطرح , وهــو مفهوم فكــرة قــرأتهــا " للشهيد السيد محمد باقر الصدر" وهو عبارة عن بحث حول الامام "ع" طرحه الشهيد بشكل علمي منطقي فلسفــي شيق ألخصهــا فــي الآتي ..
يطرح السيد التساؤل الذي يطرحه المشككين , وهو إذا كان الإمام الحجة "ع" , قد عاصر كل تلك العصور الماضية والحاضرة , إلا أن يظهر , فكيف تأتى له هذا العمر الطويل ونجا من القوانين الطبيعية التي تحتم مرور الإنسان بمرحلة الشيخوخة التي تؤدي به في نهاية المطاف إلى الموت ؟! أليس ذلك مستحيلا ..
وبعدها يأتي لعملية الافتراض , وهو لو كان قانون الشيخوخة قانون صارم , فكيف اذا بالنبي نوح "ع" والذي عاش قرونا عديدة ؟ اذا من هذه الناحية تعتبر الحالة " معجزة " , وقد عطلت العمل بذلك القانون ..
* طرح لمثال ثاني ..
* النبي إبراهيم "ع" ونجاته من النار , فهذه المعجزة قد عطلت قانون الحالة الطبيعية للنار , وخرج من النار سالما , وذلك بالتدخل الإلهي للحفاظ على هذا النبي ورسالته , والكثير من حالات التدخل الإلهي , التي حافظت على سلامة الأنبياء والحفاظ على رسالاتهم ..
عندها يطرح , لماذا الحرص على هذا الشخص , فتعطل القوانين من اجله ؟ ولماذا لا يكون هذا الشخص سيأتي مستقبلا ؟ وما الفائدة من الغيبة ؟
فالكثير لا يريد جوابا غيبيا كما يذكر الشهيد , ويعقب على إننا نحن الشيعة في اعتقادنا ان الأئمة الاثني عشر مجموعة فريدة لا يمكن التعويض عن أي واحد منهم .. وبعيدا عما نعتقده من مؤهلات الحجة "عج" فإن هذه القراءة في صفات القائد يذكرها الشهيد لاصحاب التساؤلات ..
ان عملية التغيير الكبرى لهذا العالم , تتطلب وضعا نفسيا فريدا لهذا القائد , فيجب ان يكون الوضع النفسي مناسب لعملية التغيير الكبرى , ولذا فإن البشرية تبحث عن قائد بذلك الشعور النفسي الكبير , فمن هنا يستحيل من شخص قد ولد في ظل حضارة معينة , ونشأ وهذه الحضارة قوية , الا يتأثر نفسيا بها , وتأخذه هيبتها , بعكس شخص قد عاش قبل نشوء تلك الحضارة , ورآها كيف تنشأ , والامور التي ترافقها , واخيرا كيف تتداعى تلك الحضارة ..
هنا يضرب السيد محمد باقر الصدر مثالا ..
" جان جاك روسو " , وهو من اكبر دعاة اصلاح الوضع السياسي في فرنسا , فهو لايتصور فرنسا بدون ملك , وذلك لانه قد ولد وعاش في ظل تلك الملكية , وتأثر بهيبتها ..
ان مواكبة الحضارت والنظر اليها لا من زاوية كتب التاريخ فحسب , وانما الرؤية الفعلية والآنية لها , لها تأثير كبير في عملية اعداد ذلك القائد , وذلك لما راى من نقاط القوة والضعف في جميع تلك الحضارات ..
** اخيرا .. اذكر هذا التعقيب الاخير لتتمة هذا الطرح ..
ان الاسلام هو الدين الذي سيظهره سبحانه وتعالى على جميع الاديان والتي نراها قد زيفت وحرفت , لانه الدين المتكامل من جميع النواحي , والاظهار هنا يقصد بالانتصار المادي للدين والغلبة , وهذا ما سنجده في التفاسير الموضوعة لهذه الكلمة , والتي يقبلها العقل , لا ما يريد البعض من ان يقلل من حجم هذه الكلمة ويأخذ بظاهرها فقط , أي ان شهادة " اشهد ان لا اله الا الله , واشهد ان محمدا رسول الله ", سوف تعلو في كل مكان في العالم , ودين الاسلام الذي سينتصر هو الاسلام الواقعي ..
فلا يدعي احدا بأن ما نراه من مخالفات وتكفير , ومغالطات , هو ما أمر به النبي وجاء به الإسلام , هو التطبيق السليم للإسلام , لذا في اعتقادي أن القائد الذي سوف يقود هذه المسيرة لا بد من ان يكون مرتبطا بالنبي صلى الله عليه وآله , والأئمة المعصومين , ولا يكون كل هذا الفاصل الطويل , لان يُؤتى بمثل هذا القائد , أو يولد بالمستقبل , لان ذلك الارتباط هو ما يجعله ان يأتي بالإسلام الواقعي , لا الظاهري ..
ختاما .. يجب علينا أن لا نكون كالماديين , الذين يرون في الدنيا ما هو مادي ومحسوس فقط , وان أي شيء لا نراه ننكره , وإنما نجمع بين هذا الجانب والجـانب الغيبــي , وان هــذه الأطروحــة " الإمام المنتظر "عج" " إنما هو من الأمور الغيبية , التي يعلم الله سبحانه وتعالى متى هو اليوم الموعود الذي يظهر فيه هذا القائد المنتظر ..
عذرا للاطالة .. شكرا لكم أخي الكريم على طرح هذا الموضوع , الذي يحتاج إلى بحوث عديدة , وليس قراءة سريعة تسلط الضوء على جزئية بسيطة حول الاعتقاد بالإمام الحجة
" عليه السلام " ..