94- ... عن أبي سلمة قال : سألت أبا سعيد الخدري فقال : جاءت سحابة فمطرت حتى سال السقف وكان من جريد النخل فأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين ، حتى رأيت أثر الطين في جبهته .
ورد هذا الحديث في البخاري ، في كتاب الأذان ، باب السجود على الأنف ، وباب من لم يمسح جبهته ، وكتاب التراويـح ، باب التماس ليلة القدر ، وباب تحري ليلة القدر ، وكتاب الاعتكاف ، باب الاعتكاف في العشر الأواخر ، وباب من خرج من اعتكافه .
هذه الرواية تبين لنا أن الرسول لم يسجد إلا على الأرض .
جاء في المصنف في الأحاديث والآثار : أول من ألقى الحصى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب .
كان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم ، فأمر بالحصى فجيء به من العقيق فبسط في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم [1] .
لاحظ أن الصحابة أيضاً لم يقبلوا بفرش المسجد بالسجادة مثلاً ، بل فرشوه بما يجوز السجود عليه فتأمل .
راجع ج 1 ، ص 145 ، حديث 59 ، باب الصلاة على الحصير من كتاب الصلاة .
باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة
95- عن أبي موسى قال : مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، قالت عائشة : إنه رجل رقيـق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس ، قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فعادت فقال : مري أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
96- عن عائشة ... أنها قالت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه مروا أبا بكر يصلي بالناس ، قالت عائشة : قلت : إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يُسمِع الناس من البكاء ، فَمُر عمر فليصل للناس ، فقالت عائشة : فقلت لحفصة قولي له إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل للناس ، ففعلت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَهْ ! إنكن لأنتنَّ صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصل للناس ، فقالت حفصة لعائشة : ما كنت لأصيب منك خيراً
97- ... عن حمزة بن عبدالله أنه أخبره عن أبيه قال : لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قيل له في الصلاة فقـال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، قالت عائشة : إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء ، قال : مروه فيصلي فعاودته ، قال : مروه فيصلي إنكن صواحب يوسف
أقول :
دار نقاش بين عالم سني وآخر شيعي فقال العالم السني للعالم الشيعي : إمامة وخلافة أبي بكر ثابتة وذلك عندما أمر الرسول الأكرم فقال مروا أبا بكر يصلي بالناس .
فأجابه العالم الشيعي فوراً وبلا تردد وقال : إن النبي ليهجر !
راجع ج 1 ، ص 201 ، حديث 92 ، باب حد المريض أن يشهد الجماعة من كتاب الأذان وكذلك : ج 3 ، ص 495 ، حديث 896 ، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة .
باب من دخل ليؤم الناس
98- عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس فأقيم ؟ قال نعم ، فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فَتَخلَّص حتى وقف في الصف فصفَّق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك فرفع أبو بكر (رض) يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلما انصرف قال : يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق ؟ من رابه شيء في صلاته فليُسبِّح فإنه إذا سبَّـح التُفِت إليه وإنما التصفيق للنساء
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب العمل في الصلاة ، باب ما يجوز من التسبيح ، وباب رفع الأيدي في الصلاة ، وكتاب السهو ، باب الإشارة في الصلاة ، وكتاب الصلح ، باب ما جاء في الإصلاح ، وكتاب الأحكام ، باب الإمام يأتي قوماً .
يقول ابن تيمية في منهاج السنة :
فهذا من أصح حديث على وجه الأرض [2]
يقول ابن حجر في شرحه :
... عن أبي حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : اذهبوا بنا نُصلح بينهم .
فحانت الصلاة – أي صلاة العصر - ... أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم ... ، وأما قوله لأبي بكر أتصلي للناس فلا يخالف ما ذكر لأنه يحمل على أنه استفهمه هل يبادر أول الوقت أو ينتظر قليـلاً ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ورجح عند أبي بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة
نلاحظ أن الذي أمر أبا بكر بالصلاة هو بلال كما في الرواية ، أي أن الصحابة تصرَّفوا من تلقاء أنفسهم ، أقول : إن الصحابة أيضاً تصرفوا من تلقاء أنفسهم أثناء مرض الرسول الأكرم وقدَّموا أبا بكر إماماً للصلاة فيهم ، فكما أن الرسول الأكرم خرج من بيته أثناء مرضه ونحى أبا بكر عن إمامته وصلى بالناس فكذلك هنا أيضاً جاء يمشي في الصفوف يشقها شقاً ونحَّى أبا بكر عن إمامته للصلاة ، وكونه كان إماماً – أي أبي بكر – ومن كثرة التصفيق التفت فرأى الرسول وهو يشق الصفوف كان من واجبه أن لا يلتفت بعد تكبيرة الإحرام ، أي أنه قطع صلاته وهذا غير جائز وهو مأثوم أيضاً .
جاء في البخاري كتاب الأذان باب الالتفات في الصلاة عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة ، فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد – الاختلاس : الاختطاف بسرعة
وأبو بكر لم يلتفت وإنما قطع صلاته أي أن الشيطان أخذ صلاته برمَّتها !
باب إنما جعل الإمام ليؤتم به
99- عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال : دخلت على عائشـة فقلت : ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت بلى : ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أَصَلَّى الناس ؟ قلنا لا هم ينتظرونك ، قال : ضعوا لي ماءً في المخضب ، قالت : ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق ، فقال صلى الله عليه وسلم : أَصَلَّى الناس ؟ قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله ، قال : ضعوا لي ماءً في المخضب ، قالت : فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق ، فقال : أَصَلَّى الناس ، قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله ، فقال : ضعوا لي ماءً في المخضب فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال : أَصَلَّى الناس ، فقلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله ، والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي عليه السلام لصلاة العشاء الآخرة ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رجلاً رقيقاً يا عمر صلِّ بالناس ، فقال له عمر أنت أحق بذلك ، فصلى أبو بكر تلك الأيام ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خِفَّة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يتأخر ، قال : أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر قال : فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد ، قال عبيدالله فدخلت على عبدالله بن عباس فقلت له : ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض النبي صلى الله عليه وسلم : قال : هات : فعرضت عليه حديثها فما أنكر منه شيئاً غير أنه قال : أَسَمَّت لك الرجل الذي كان مع العباس ؟ قلت لا ، قال : هو علي
أقول :
الرسول الأكرم يأمر أبا بكر بالصلاة فيقول أبو بكر لعمر : يا عمر صَلِّ بالناس !
إعلم أن أمر الرسول واجب الاتباع ، فكونه أمر أبا بكر بالصلاة فالواجب إطاعة الأمر والعمل به ، أما أن يقدم عمر ليصلي بالناس فهذا مخالف لما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله
ثم أليس خروج النبي صلوات الله عليه وآله على تلك الحالة الصعبة وقيامه بتنحية أبي بكر عن مقامه دلالة واضحة على رفضه لإمامته ؟ أليس من المحتمل أنه قد أُخبر بأن أبا بكر يصلي بالناس وكما جاء في بعض الروايات أنه نحى الستر أو الحجاب ليتأكد من ذلك فرآه بأم عينيه وهو يصلي بالناس فطلب من العباس والإمام علي عليه السلام أن يخرجاه إلى المسجد ليقوم بإمامة المسلمين بنفسه !
100- عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصُرع عنه فجُحش شِقِّه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعوداً فلما انصرف قال : إنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون ، قال أبو عبدالله : قال الحميدي : قوله ( إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً ) هو في مرضه القديم ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جالساً والناس خلفه قياماً لم يأمرهم بالقعود وإنما يؤخذ بالآخِر فالآخِر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم
أقول :
جُعل الإمام ليكون متبعاً في جميع حركاته وسكناته ، فلو كبر فمن واجب المؤمنين التكبير وإذا ركع أو سجد أيضاً يجب اتباعه في ذلك ، ولا يجوز التأخير عن ركوع الإمام أو سجوده ، بل على المأمومين أن يأتوا بالركوع والسجود بعد الإمام مباشرة
جاء في البخاري كتاب الأذان باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام :
أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أما يخشى أحدكم أو لا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار ؟ أو يجعل الله صورته صورة حمار !
أي يجب اتباع الإمام في جميع حركاته وسكناته وسنوافيك بالمزيد
باب إمامة المفتون والمبتدع
101- عن عبيدالله بن عدي بن خِيار أنه دخل على عثمان بن عفان (رض) وهو محصور فقال : إنك إمام عامة ونزل بك ما نرى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج ، فقال : الصلاة أحسن ما يعمل الناس ، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم
وقال الزبيدي : قال الزهري : لا نرى أن يصلى خلف المخنث إلا من ضرورة لابد منها .
أقول :
إنما جعل الإمام ليؤتم به ، هذا مضمون الأحاديث التي مرت علينا في الصفحات السابقة
وأقول : إن اصطفاف المصلين خلف الإمام في الصلاة كاصطفاف الجنود خلف قائدهم ، وأميرهم في ساحة القتال ، أي أن الإمام يعتبر القائد والمأمومين هم الجنود ، فإذا طلب وأمر القائد بإطلاق النار فعلى الجنود الاستجابة للأمر فوراً ، ويكون هذا القائد مسموع الكلمة والأوامر ، ومن لم يستجب للأمر سيحول إلى محاكمة عسكرية وما أشبه كما هو المتعارف في أيامنا هذه ، وكذلك إمام الجماعة حال الصلاة فإذا كبر الإمام تكبيرة الإحرام فعلى المأمومين أن يكبروا بعده مباشرة ، وكذلك إذا ركع وسجد فمن واجب المأمومين أن يتبعوه مباشرة من حيث الركوع والسجود بلا فصل ، ولو خالف شخص ما من المأمومين فإنه سوف يخرج من حال صلاة الجماعة شاء أم أبى ، وتكون صلاته فرادى ، وهذا عقاب أو جزاء لمخالفته اتباع القائد أو الإمام إن أردنا تسميته بذلك كالجندي المخالف لأوامر سيده القائد
فالإمام هو القائد والقدوة الذي يتبع في جميع حركاته وسكناته في الصلاة
واعلم أخي الكريم أن كلمة المخنَّث كما في الرواية لها معنيين :
المعنى الأول : الذي يتكسَّر في مشيه وكلامه وينثني ويتشبَّه بالنساء في جميع الحركات والميوعة أيضاً
المعنى الثاني : المراد به من يُؤتى في دُبُره - والعياذ بالله - فكيف تقبل على نفسك أيها المسلم أن يكون هذا المخنث قدوة لك وإماماً وقائداً مطاعاً حال الصلاة ؟!
ورد في البخاري أيضاً :
عن ابن عباس (رض) قال : لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال : أخرجوهم من بيوتكم ، وأخرج فلاناً وأخرج عمر فلاناً [3]
أقول :
إن النبي الأكرم أمر بإخراج ونفي من يتشبه بالنساء ، فهل من المعقول أن يأمرنا حال الضرورة أن نصلي خلف هذا المخنث ؟!!
فالرسول الأعظم عندما نفى هذا المخنث فكأن علاجه أصبح ميئوساً منه ، لذا تراه قد أمر بنفي هؤلاء وذلك لعزلهم عن المجتمع الإسلامي كي لا يصيب هذا الوباء الآخرين .
ثم لاحظ هذه الروايات أنها لا تنهضم بعد المضغ ! فترى المسلم الواعي الذي يبحث عن الحق يلفظ ويقيء أمثال هذه الروايات !
ثم أليس من الأفضـل لك أن تُصلِّي فُرادى طالما لم يتواجـد الكُفء للإمامة ؟!
(194) لعبدالله بن محمد بن أبي شيبة المتوفى 235هـ ، ج7 ، ص262 ، حديث 35897 .
(195) المجلد2 ، ج4 ، ص296 ، ط بيروت .
(196) كتاب الحدود ، باب نفي أهل المعاصي والمخنثين .
102- عن عائشة (رض) قالت : لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه أتاه يؤذنه بالصلاة فقال : مروا أبا بكر فليُصَلِّ ، قلت إن أبا بكر رجل أسِيفٌ إن يقم مقامك يبكي فلا يقدر على القراءة ، فقال : مروا أبا بكر فليصل فقلت مثله ، فقال في الثالثة أو الرابعة إنكن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصل فصلى وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يهادى بين رجلين كأني أنظر إليه يخط برجليه الأرض فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر فأشار إليه أن صَلِّ فتأخر أبو بكر (رض) وقعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه وأبو بكر يُسمع الناس التكبير
راجع تعليقنا في الصفحات السابقة باب حد المريض أن يشهد الجماعة ، كتاب الأذان ، ج 1 ، ص 201 ، حديث 92 .
باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط
103- عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير ، فرأى الناس شخص النبي صلى الله عليه وسلم فقام أُناس يصلون بصلاته ، فأصبحوا فتحدثوا بذلك فقام ليلة الثانية فقام معه أُناس يصلون بصلاته ، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثـاً حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخرج فلما أصبح ذكر ذلك الناس فقال : إني خشيت أن تُكتب عليكم صلاة الليل
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب الأذان ، باب صلاة الليل ، وكتاب الجمعة ، باب من قال في الخطبة ، وكتاب التهجد ، باب تحريض النبي على قيام الليل ، وكتاب صلاة التراويح ، باب فضل من قام رمضان ، وكتاب اللباس ، باب الجلوس على الحصير
باب صلاة الليل
104- عن عائشة (رض) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجره بالليل فثاب إليه ناس فصلَّوا وراءه
105- عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة قال : حسبت أنه قال من حصير في ررمضان فصلى فيها ليالي فصلى بصلاته ناس من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم فقال : قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة
يقول ابن حجر في شرحه في كتاب التهجد ، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل ، حديث رقم 1129 :
فلما أصبح تحدثوا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد من جوف الليل فاجتمع أكثر منهم ... فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا معه فأصبح النـاس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من الليلـة الثالثة ، فخرج فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله ... ولأحمد رواية معمر عن ابن شهاب ( امتلأ المسجد حتى اغتص بأهله )
قوله ( فلم يخرج ) ... حتى سمعت ناساً منهم يقولون الصلاة ... فقالوا ما شأنه ... ففقدوا صوته وظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم ... فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب [1]
قوله : فلما أصبح قال : قد رأيت الذي صنعتم ... فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهَّد ثم قال أما بعد فإنه لم يَخْفَ علي مكانكم ... شأنكم ... اكلفوا من العمل ما تطيقون ... أن الذي سأله عن ذلك بعد أن أصبح عمر بن الخطاب ... جابر قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ثمان ركعات ثم أوتر فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا حتى أصبحنا ... الحديث ، فإن كانت القصة واحدة احتمل أن يكون جابر ممن جاء في الليلة الثالثة ، فلذلك اقتصر على وصف ليلتين وكذا ما وقع عند مسلم من حديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان فجئت فقمت إلى جنبه فجاء رجل فقام حتى كنا رهطاً فلما أحس بنا تجوَّز ثم دخل رحله
قوله : إلا أني خشيت أن تُفرض عليكم ... فتعجزوا عنها ... أي تشق عليكم ... ( فصلوا أيها الناس في بيوتكم ) فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقاً عليهم ... وفي رواية سفيان بن حسين ( خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر ) ويقول ابن حجر في آخر كلامه وحديثه :
وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدَّم ندب قيام الليل ولا سيَّما في رمضان جماعة ، لأن الخشية المذكورة أمنت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جمعهم عمر بن الخطاب على أُبي بن كعب !
أقول :
هذه الصلاة التي خشي الرسول الأكرم أن تُكتب على أمته وهي صلاة التراويح فقد سنَّها عمر بعد ذلك وقال : نِعْمَ البدعة هذه وجمع الناس عليها وجعلها جماعة وهذه الصلاة يصليها العامة إلى يومنا هذا
ثم لماذا ظنوا أنه قد نـام ؟ أليس من المحتمل أنه يُوحَـى إليه كما زعموا ذلك ؟! فاقرأ معي أخي الكريم ما جاء في البخاري في كتاب التيمم ، باب الصعيد الطيب :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نـام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه
يقول ابن حجر :
أي من الوحي . كانوا يخافون من إيقاظه قطع الوحي ، فلا يوقظونه لاحتمال ذلك !
هذه الصلاة التي كسرت ظهور المسلمين ، والطامة الكبرى عند العامة أنهم إذا رأوا من الصحابي عملاً أو قولاً فذلك العمل والقول يكون فتوى بالنسبة لهم وتكون سنة وتعمل به ولو كان ذلك العمل مخالفاً لعمل وقول النبي الأكرم وما جاء به
باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة
106- عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فجُحِش شِقُّه الأيمن ، قال أنس (رض) : فصلى لنا يومئذ صلاة من الصلوات وهو قاعد ، فصلينا وراءه قعوداً ثم قال لما سلم : إنما جُعِل الإمام ليؤتمَّ به فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد
107- عن أنس بن مالك أنه قال خَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فجُحِش فصلى لنا قاعداً فصلينا معه قعوداً ثم انصرف فقال : إنما الإمام أو إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا
108- عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم إنما جُعِل الإمام ليؤتمَّ به ، فإذا كَبَّر فكبِّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون
تم التعليق على هذه الروايات عند تعليقنا على باب وإنما جعل الإمام ليؤتم به من كتاب الأذان ، ج 1 ، ص 212 ، حديث 100 وأشرنا وعلقنا هناك أيضا أنه كيف تقبل لنفسك أيها المسلم أن يكون إمامك مخنثاً ؟!
راجع ج 1 ، ص 213 ، حديث 101 ، كتاب الأذان ، باب إمامة المفتون والمبتدع
باب وضع اليمنى على اليسرى
109- عن سهل بن سعد قال : كان الناس يُؤمَرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ، قال أبو حازم لا أعلمه إلا يَنْمِى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال إسماعيل : يُنمى ذلك ولم يقل يَنْمِي
السؤال الذي نسأله لسهل بن سعد : من الذي كان يأمر هؤلاء الناس بوضع اليد اليمنى على اليسرى ؟
لماذا لم يذكر سهل اسم النبي الأكرم حتى نعلم بأنه هو الذي أمر بذلك ؟
لاحظ أيضاً أن اسماعيل هذا يقول : ينمى – بضم أوله -
وإسماعيل هذا هو ابن أبي أويس الأصبحي !
قال فيه يحيى بن معين : أبو أويس وابنه ضعيفان !
وقال في موضع آخر : ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث ! مخلِّط ، وقال في أيضاً : يكذب !
وقال فيه النسائي : ضعيف !
وقال في موضع : ليس بثقة [2] !
يقول ابن حجر :
يُنمى ... بلفظ المجهول ... لأن أبا حازم لم يُعَيِّن من نماه له !
ويقول : أخرجه الدارقطني في الغرائب !
روى ابن أبي شيبة في مصنفه : عن عبدالله بن يزيد قال : ما رأيت ابن المسيب قابضاً يمينه في الصلاة كان يرسلها [3]
وفيه أيضاً : عن عبدالله بن العيزار قال : كنت أطوف مع سعيد بن جبير فرأى رجلاً يصلي واضعاً إحدى يديه على الأخرى ، هذه على هذه ، وهذه على هذه ، فذهب ففرق بينهما ثم جاء [4] وفي نيل الأوطار :
روى ابن المنذر عن ابن الزبير والحسن البصري والنخعي أنه يرسلهما ولا يضع اليمنى على اليسرى [5]
واعلم أن الأصل هو الإرسال ، وجميع روايات القبض ضعيفة لا يعتمد عليها ، فمن أراد المزيـد فليراجـع مصنف ابن أبي شيبة ، ونيل الأوطـار للشوكاني ، والتمهيد لابن عبدالبر القرطبي ، ج20 ، ص77
قال عبدالرزاق : رأيت ابن جريح يصلي في إزار ورداء مسدلاً يديه
قال القرطبي : وروى عن الحسن وإبراهيم أنهما كانا يرسلان أيديهما في الصلاة [6]
ومن أدلة السدل ما أخرجه الحاكم في مستدركه :
رفاعة بن رافع أنه كان جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاء رجل فدخل المسجد فصلى فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وعليك ، ارجع فصل فإنك لم تصل ! وذكر ذلك إما مرتين أو ثلاثة ، فقال الرجل : ما أدري ما عبت علي من صلاتي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنها لا تتم صلاة أحد حتى يسبغ الوضوء ، ويقرأ القرآن ما أذن الله له فيه ، ثم يكبر ، ويركع ، ويضع كفيه على ركبتيه حتى يطمئن مفاصله ويستوي ثم يقول : سمع الله لمن حمده ويستوي قائماً حتى يأخذ كل عظم مأخذه ثم يقيم صلبه ثم يكبر فيسجد فيمكِّن جبهته من الأرض حتى يطمئن مفاصله ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعداً على مقعدته ويقيم صلبه فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ ثم قال : لا يتـم صـلاة أحدكم حتى يفصل ذلك
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [7]
لاحظ أن النبي الأكرم قد عدد الفرائض والسنن وذكر كيفية الصلاة وبدقة وذكر للأعرابي كل فرض وسنة في جميع حركات وسكنات الصلاة بدءاً من الوضوء إلى آخر الصلاة ، ولم يذكر القبض – أي وضع اليمنى على اليسرى – فتأمل !
قال الإمام علي عليه السلام : لا يجمع المسلم يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عز وجل يتشبه بأهل الكفر – يعني المجوس - [8]
سئل الشيخ عن قبض اليدين في الفرض فأجاب :
... كره مالك وضع اليد اليمنى على اليسرى في الفريضة وقال : لا أعرفه في الفريضة ، ومعنى قوله (رض) لا أعرفه في الفريضة ، لا أعرف جريان العمل به من الصحابة والتابعين وأتبـاع التابعين في الفريضة ، والذي أعرف جريـان عملهم به فيها إنما هو السدل [9]
قال الشعراني : ... أن مشهور مذهب مالك كراهة القبض في صلاة الفرض [10]
فالتكتف في الصلاة ، الظاهر أن عمـر بن الخطاب هو الذي ابتدعه في زمنه ، وذلك عندما جيء بأسارى العجم وأدخلوهم عليه فوضعوا اليد على الأخرى ، فسأل عن ذلك فأجابـوه بأننا نعمل ذلك تواضعاً لملوكنا ، فاستحسن فعله مع الله تعالى في الصلاة ، ولا يبعد ذلك أن تكـون هذه البدعة قد حدثت في خلافته ، لأن دخول الفرس المجوس كأسارى واختلاطهم بالمسلمين كان على عهد عمر ! فكما أنه كان يجتهد مقابل النص في أمور كثيرة فكذلك اجتهد هنا أيضاً
باب الالتفات في الصلاة
110- عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة ، فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد
ورد هذا الحديث في البخاري ، في كتاب بدء الخلق ، باب صفة إبليس
راجع ج 1 ، ص 208 ، حديث 98 ، باب من دخل ليؤم الناس من كتاب الأذان
111- عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فقال : شغلتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية .
راجع ج 1 ، ص 142 ، حديث 55 ، باب إذا صلى في ثوب له أعلام من كتاب الصلاة .
باب إتمام التكبير في الركوع
112- عن عمران بن حصين قال : صلى مع علي رضي الله عنه بالبصرة فقال : ذكَّرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أنه كان يكبر كلما رفع وكلما وضع
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب الأذان ، باب إتمام التكبير في السجود ، وباب يكبِّر وهو ينهض
إذن ، كيف كان يصلي أبو بكر وعمر وعثمان ؟! ولابد أن هذا الصحابي قد صلى خلف هؤلاء ولم يجد صلاتهم مطابقة لصلاة الرسول والنبي الأكرم يقول صلوا كما رأيتموني أصلي [11]
راجع تعليقنا على ذلك في ج 1 ، ص 186 ، حديث 82-83 ، باب تضييع الصلاة عن وقتها من كتاب مواقيت الصلاة
113-. عن أبي هريرة أنه كان يصلي بهم فيكبر كلما خفض ورفع فإذا انصرف قال : إني لأَشْبَهَكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب الأذان ، باب التكبير إذا قام ، وباب يهوي بالتكبير حين السجود
لاحظ أخي الكريم أن أبا هريرة يشهد ويُزَكي نفسه ويقول : إني لأشبهكم صلاة برسول الله ، وهذا الدوسي يكذب في ذلك كما اتهمه جُل الصحابة حتى قالوا فيه : أكثر علينا أبو هريرة !
وأما الإمام علي عليه السلام فقد شهد له الصحابي عمران بن حصين عندما قال قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم
ونستنتج من ذلك أن كل فضيلة او منقبة كانت لأهل البيت عليهم السلام فقد جعلت العامة مقابل تلك الفضيلة والمنقبة حديثاً إما شبيهاً به أو مناقضاً له ، هذا إن لم يكذبوا تلك الفضيلة والشواهد على ذلك كثيرة منها هذه الرواية التي يرويها أبو هريرة ويزكي نفسه !
وأيضاً حديث الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة هذا الحديث المتواتر وضعوا في قباله هذا الحديث : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة وسنوافيك بالمزيد لاحقاً
باب إتمام التكبير في السجود
114- عن مطرِّف بن عبدالله قال : صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنا وعمران بن حصين فكان إذا سجد كبَّر وإذا رفع رأسه كبَّر ، وإذا نهض من الركعتين كبَّر ، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال : قد ذكَّرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم أو قال لقد صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم
راجع ما علقنا عليه في ج 1 ، ص 186 ، حديث 82-83 ، باب تضييع الصلاة عن وقتها من كتاب مواقيت الصلاة
باب يهوي بالتكبير حين يسجد
115-. أن أبا هريرة كان يُكبِّر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها في رمضان وغيره فيكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده ثم يقول ربنا ولك الحمد قبل أن يسجد ثم يقول الله أكبر حين يهوي ساجداً ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الاثنتين ويفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة ، ثم يقول حين ينصرف والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبهاً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا
يقول ابن حجر : كان ذلك ( حين استخلفه مروان على المدينة )
راجع التعليق على نفس الحديث ج 1 ، ص 227 ، حديث 113 ، باب إتمام التكبير في الركوع من كتاب الأذان
(197) النبي الأكرم نهى عن الخذف وهو الحصب خوفاً من أن تأخذ عين أو سن أحد .
116- ... عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريـرة أخبرهما أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنـا يوم القيامة ؟ قال هل تُمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئاً فليتَّبع فمنهم من يتَّبِع الشمس ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلابيب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان قالوا نعم قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قَدْرَ عِظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبَق بعمله ومنهم من يُخردل ثم ينجو حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يُخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفـونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة مقبل بوجهه قبل النار فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيقول : هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك فيقول لا وعزتك فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النار فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال يا رب قدمني عند باب الجنة ، فيقول الله له أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت ؟ فيقول يا رب لا أكون أشقى خلقك ، فيقول فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسأل غير ذلك فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة ، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول يا رب أدخلني الجنة فيقول الله ويحك يا ابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فيضحك الله عز وجل منه ثم يأذن له في دخول الجنة . فيقول تَمَنَّ فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته قال الله عز وجل من كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى لك ذلك ومثله معه .
قال أبو سعيد الخدري لأبي هريـرة (رض) إن رسول الله صلى الله عليـه وسلم قال قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله لك ذلك ومثله معه .
ورد هذا الحديث في البخـاري في كتاب الرقاق ، باب الصراط جسر جهنم ، وكتاب التوحيد ، باب { وجوه يومئذ ناضرة } .
يقول سيد عبدالحسين شرف الدين رحمة الله عليه :
... وهذا حديث مهول ألفت إليه أرباب العقول فهل يجوز عندهم أن تكون لله صور مختلفة ينكرون بعضها ويعرفون البعض الآخر ... وهل يجوز عليه الضحك وأي وزن لهذا الكلام ؟
ويقول :
أما رؤية الله عز وجل بالعين الباصرة فقد أجمع الجمهور على إمكانها في الدنيا والآخرة وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين والمؤمنات سيرونه يوم القيامة بأبصارهم وأن الكافرين والكافرات لا يرونه أبداً وأكثر هؤلاء على أن الرؤيا لا تقع في الدنيا وربما قال بعضهم بوقوعها أيضاً ثم إن المجسمة من هؤلاء زعموا أنهم سيرونه يوم القيامة باتصال الأشعة من أبصارهم بجسمه ماثلاً أمامهم فينظررون إليه كما ينظر بعضهم إلى بعض لا يمارون فيه كما لا يمارون في الشمس والقمر ليس دونهما سحاب على ما يقتضيه حديث أبي هريرة .
وأما غيرهم من الجمهور وهم المنزهون من الأشعرية فقد قالوا بأن الرؤيـة
قوة سيجعلها الله تعالى يوم القيامة بأبصار المؤمنين والمؤمنات خاصة لا تكون باتصال الأشعة ولا بمقابلة المرئي ولا بتحيُّزه ولا بتكيُّفه ولا ولا فهي على غير الرؤية المعهودة للناس بل هي رؤية خاصة تقع من أبصار المؤمنين والمؤمنات على الله عز وجل لا كيف فيها ولا جهة من الجهات الست ، وهذا محال لا يعقل ولا يمكن أن يتصور متصور إلا إذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر آخر لا تكون فيه خواص الابصار المعهودة في الحياة الدنيا على وجه تكون فيه الرؤية البصرية كالرؤية القلبية وهذا خروج عن محل النزاع في ظاهر الحال ولعل النزاع بيننا وبينهم في الواقع ونفس الأمر لفظي [1] .
أقول :
في الرواية فيضحك الله عز وجل منه .
يقول الألباني :
... حدثنا إسحاق بن منصور به إلا أنه زاد وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حتى تبدو لهواته وأضراسه [2] .
ومن العامة من يقول أن معنى الضحك - الرضا - فهذه الجملة التي ذكرناها آنفاً تُفنِّد ما تزعم به العامة فالضحك هو الضحك الذي نعرفه من حيث فتح الفم ورؤية الأضراس واللهاة كما ذكر الألباني .
باب السجود على الأنف والسجود على الطين
117- ... عن أبي سلمة قال انطلقت إلى أبي سعيد الخدري فقلت ألا تخرج بنا إلى النخل نتحدث فخرج فقال : قلت حدثني ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال : اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأُوَل من رمضان واعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً صبيحة عشرين من رمضان فقال : من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع فإني أُريت ليلة القدر وإني نُسِّيتُها وإنها في العشر الأواخر في وِتْرٍ وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء وكان سقف المسجد جريد النخل وما نرى في السماء شيئاً فجاءت قَزَعَة فأُمطِرنا فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته تصديق رؤياه .
هذا الحديث أيضاً يثبت أن المسجد لم يكن مفروشاً وكان المسلمون يسجدون على الأرض – التراب – تراب المسجد .
راجع تعليقنا على ذلك في ج 1، ص 158، حديث 69 ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً من كتاب الصلاة .
باب يكبر وهو ينهض من السجدتين
118- ... عن مطرِّف قال : صليت أنا وعمران صلاة خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان إذا سجد كبر وإذا رفع كبر وإذا نهض من الركعتين كبر فلما سلم أخذ عمران بيدي فقال لقد صلى بنا هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم أو قال : لقد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم .
راجع ج 1 ، ص 186 ، حديث 82-83 ، باب تضييع الصلاة عن وقتها من كتاب مواقيت الصلاة ، وقد تم التعليق على ذلك هناك .
باب من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى
119- ... عن ابي سلمة قال سألت أبا سعيد الخدري فقال رأيت رسول الله صلى الله عله وسلم يسجد في الماء والطين حتى رأيت اثر الطين في جبهته .
راجع تعليقنا في ج 1 ، ص 158 ، حديث 69 ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً من كتاب الصلاة .
(208) أبو هريرة للسيد شرف الدين ، ص ، 60-63 ، ط4 ، دار التعارف للمطبوعات بيروت .
(209) سلسلة الأحاديث الصحيحة لمحمد ناصر الدين الألباني ، المجلد6 ، القسم الأول ، ص575 ، ط1/1415هـ ، الرياض .
120- حدثنا إسماعيل قال : حدثني سليمان بن بلال ... عن عائشة (رض) قالت : دخل عبدالرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستنُّ به فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له أعطني هذا السواك يا عبدالرحمن فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مُستسند إلى صدري .
ورد هذا الحديث في البخاري ، في كتاب الخمس ، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي ، وكتاب المغازي ، باب مرض النبي .
من رواة هذه الرواية اسماعيل بن أبي أويس الأصبحي ، قال فيه يحيى بن معين : يكذب ! راجع تهذيب الكمال للمزي [1] .
انظر أخي الكريم رسول الله ورجل الدولة ! فبدلاً من أن يكون الصحابة حوله ورجال الأمة المخلصون وذلك كي يوصيهم ويعطيهم التعليمات المهمَّة لإدارة حياة المسلمين نراه يموت وحيداً فريداً على صدر زوجته !
ويريد البخاري أن يثبت بطلان الوصية لذا يقول إن الرسول الأكرم مات على صدر عائشة ويريد أيضاً أن يثبت قرب عائشة منه .
وكأن لسان حال عائشة يقول لو أن الرسول كان قد أوصى لعلي لكنت قد سمعت ذلك لقربي منه .
باب الأذان يوم الجمعة
121- ... عن السائب بن يزيد قال كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر (رض) فلما كان عثمان (رض) وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء .
باب المؤذن الواحد يوم الجمعة
122- ... عن السائب بن يزيد أن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان (رض) حين كثر أهل المدينة ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن غير واحد وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام – يعني على المنبر - .
يعني بذلك التأذين الثالث أي أن قبله يكون الأذان والإقامة ويعتبر هذا التأذين الثالث هو الثاني على الأصح .
الزوراء : حجر كبير على باب المسجد – ابن حجر .
أخي الكريم هذا أيضاً يدُلُّك على أن الصحابة غيروا في الأذان وزادوا فيـه وكما مر عليك في الصفحات السابقة بأنهم ضيعوا الصلاة وأخَّروها عن وقتها وأن علياً عليه السلام صلى فيهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله كل ذلك كان اجتهاداً من هؤلاء الصحابة العدول ! الذين غيروا وبدلوا دين الله وسنَّة نبيِّه .
باب الجلوس على المنبر
123- ... عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره أن التأذين الثاني يوم الجمعة أمر به عثمان بن عفان (رض) حين كثر أهل المسجد وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام .
راجع ما قبله ، وكذلك ج 1 ، ص 236 ، حديث 121 ، باب الأذان يوم الجمعة ، كتاب الجمعة .
باب الخطبة على المنبر
124- ... حدثنا أبو حازم بن دينار أن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي وقد امتَروا في المنبر مِمَّ عُودُه فسألوه عن ذلك فقال والله إني لأعرف مما هو ولقد رأيته أول يوم وضع وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة امرأة قد سماها سهل مُري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس فأمرته فعملها من طرفاء الغابة ثم جاء بها فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فَوُضِعت ها هنا ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد ، فلما فرغ أقبل على الناس فقال أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي .
يقول ابن حجر :
فعملها من طرفاء الغابة ... من أثلة الغابة ... والغابة ... موضع من عوالي المدينة جهة الشام ... وأصلها كل شجر ملتف .
قوله : ولتعلموا ... أي لتتعلموا .
وعرف منه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر ليراه من قد يخفى عليه رؤيته إذا صلى على الأرض ويستفاد منه أن من فعل شيئاً يخالف العادة أن يبيِّن حكمته لأصحابه ، انتهى .
إن النبي الأكرم أراد من هذا الحديث أن يعلم الصحابة كيفية الصلاة ويعلمهم طريقة وكيفية الركوع والسجود وما إلى ذلك من أفعال الصلاة .
هذه الصلاة التي كان الرسول الأكرم يحرص عليها ويقول عنها إنها عمود الدين وإنها قرة عينه وقال فيها صلوا كما رأيتموني أصلي وقد نهى عن أداء النوافل جماعة وقد مر عليك في الصفحات السابقة أن الصحابة غيَّروا في الصلاة وبدَّلوا فيها وزادوا فيها وأخَّروها عن وقتها وكما يقول أنس إنهم ضيَّعوها
باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة
125- ... جابر بن عبدالله قال : بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت عير تحمل طعاماً فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً فنزلت هذه الآية { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً } .
ورد هذا الحديث في البخـاري في كتاب البيوع ، باب {وإذا رأوا تجارة} وباب { رجال لا تلهيهم } ، وكتاب التفسير ، باب { وإذا رأوا تجارة } .
يقول ابن حجر في شرحه :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وكانت لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والسمن فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه وكان لهم لهو يضربونه فنزلت ... أنهم كانوا إذا نكحوا تضرب الجواري بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً فنزلت هذه الآية .
في قوله { انفضوا إليها } ... أن اللهو لم يكن مقصوداً لذاته ، وإنما كان تبعاً للتجارة ... وقال الزجاج : أعيد الضمير إلى المعنى أي انفضوا إلى الرؤية ، أي ليروا ما سمعوه .
ونقول :
أين كان بقية الصحابة أثناء الخطبة؟! وخطبة من ؟! خطبة الرسول الأكرم!
وماذا يقول في خطبته ؟!
يقول ما لا أُذُنٌ سمعت أبداً بذلك البيان البليغ الجامع ، نعم .. هؤلاء الذين تركوا النبي الأكرم أيضاً كانوا من الصحابة العدول ! الذين لا يجوز الطعن في واحد منهم ، هؤلاء الذين تركوه كلهم عدول ! وهؤلاء العدول لماذا تركوا الرسول وهو يخطب ؟! تركوه لأجل تجارة قدمت من الشام وقد جلبت بعض الزيت !
يقول الله تعالى في كتابه العزيز : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وَذَروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } الجمعة / 9 .
تبين هذه الرواية أن هؤلاء الصحابة الذين كانوا في زمن الرسول الأكرم وصدرت منهم المخالفات المتكررة لأوامره وإيثارهم لدنياهم على آخرتهم فلا نعجب مما نقرؤه في كتب التأريخ والسير والحديث من مخالفات وجرائم بعد وفاته صلى الله عليه وآله
(210) ج3 ، ص127-128 ، ترجمة 459 ، ط4/1415هـ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
126- ... عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال : دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال : تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه خـدي على خده وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة ، حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم ، قال : فاذهبي .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب العيدين ، باب سنة العيدين ، وباب إذا فاته العيد ، وكتاب مناقب الأنصار ، باب مقدم النبي .
يقول ابن حجر :
مزمارة الشيطان ... لأن المزمارة أو المزمار ... وهو الصوت الذي له الصَّفير ! ... وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها تلهي ، فقد تشغل القلب عن الذكر .
قوله : دعهما ... ففيه تعليل الأمر بتركهما وإيضاح خلاف ما ظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه صلى الله عليه وسلم لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه فظنه نائماً فتوجه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه مستصحباً لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو .
فبادر إلى إنكار ذلك قياماً عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مستنداً إلى ما ظهر له فأوضح له النبي صلى الله عليه وسلم الحال ، وعرفه الحكم مقروناً ببيان الحكمة بأنه يوم عيد ، أي يوم سرور شرعي .
( فلما غفل غمزتهما فخرجتا ) دلالة على أنها مع ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لها في ذلك رراعت خاطـر أبيها ، وخشيت غضبه عليها فأخرجتهما ... .
أقول :
بما أن أبا بكر نهر المغنيتين وعائشة ، فهناك سببان لذلك :
الأول : إما أن أبا بكر كان قد سمع من الرسول الأكرم حُرمة الغناء وما أشبه .
الثاني : وإما أنه رأى حرمة ذلك من تلقاء نفسه لما في ذلك من مفاسد لا تُحمد عقباها .
فإن قلنا بالسبب الأول ، فالنبي الأكرم يقول ما لا يفعل !
وإن قلنا بالسبب الثاني ، فكيف يحرم ذلك من تلقاء نفسه وبحضرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، طالما قال أبو بكر مزمارة الشيطان ونسب تلك المزمارة للشيطان ، وأن الشيطان هو الذي يستعمل تلك المزامير فالعقل فوراً يحكم بحرمة ذلك .
جاء في صحيح مسلم في كتاب العيدين ، باب الرخصة في اللعب :
... عن عائشة قالت : دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث ، قالت : وليستا بمغنيتين . قال أبو بكر : أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... .
فأقول :
نحن نعلم بأن المسلمين لم يحرموا ضرب الدف في الأعياد والأعراس بالنسبة للنساء فيما بينهن ، ولكن في هاتين الروايتين جاءت كلمة ( المزمار ) فلنقرأ ما يقوله ابن منظور في كتابه لسان العرب – وما معنى المزمار :
المزمار : غنى في القصب ، ويقال للقصبة التي يزمر بها : زمّارة . والمزمار والزمارة ما يزمر فيه – ويعني بذلك ( الناي ) في زماننا هذا - .
فحذارٍ حذار أيها القارئ أن تعتقد بأن المغنيتين كانتا تضربان على الدف فقط ! وكأن الفرقة قد اكتملت ! مغنيتان ! ودفوف ! ومزمارة !
وأيضاً : بعد أن أصدر النبي الكريم حكمه في الغناء قامت عائشة بغمز المغنيتين وأخرجتهما مراعاة لأبيها !
وكانت قد كسرت كلام وحكم النبي وأخذت برأي أبيها ! فتأمل ذلك .
ويقول لها الرسول الأكرم : أتشتهين تنظرين ؟ قلت : نعم ، فأقامني وراءه خدي على خده .
طالما كان هذا من النبي الكريم مع عائشة ، فلماذا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقلته إلى الآخرين ؟!
ولماذا أخبرت بذلك القاصي والداني وللصحابة وفيهم المنافق ؟!
وهذه الأمور .. أمور عائليـة وشخصية ولا يجوز أن تتناقله العامة هنا وهناك ، وإن كانت عائشة تريد أن تُبيِّن حكماً شرعياً مثلاً ، وأرادت أن تجيب على مسألة ما مثلاً ، فكان يجب عليها أن تجيب بلسانها ، ومن دون أن تضرب لذلك مثالاً .
باب سنة العيدين لأهل الإسلام
127- ... عن عائشة (رض) قالت : دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث ، قالت : وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر : أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا .
يقول ابن حجر :
قوله : وهذا عيدنا ، لإشعاره بالندب إلى ذلك ، وفيه نظر لأن اللعب لا يوصف بالندبية .
راجع ما قبله .
باب الخروج إلى المصلى بغير منبر
128- ... عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريـد أن يقطع بعثاً قطعه ، أو يأمر بشيء أمر به ، ثم ينصرف . قال أبو سعيد فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي ، فجبذت بثوبه فجبذني ، فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت له : غيَّرتم والله ، فقـال : أبا سعيد قد ذهب ما تعلم ، فقلت : ما أعلم والله خير مما لا أعلم ، فقال : إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة .
يقول ابن حجر :
قوله : فجبذته بثوبه ، أي ليبدأ بالصلاة قبل الخطبة على العادة .
وقوله : فقلت له غيرتم والله ... أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان .
أقول : لقد ضيعوا الصلاة وزادوا فيها ، وسَنُّوا التراويح التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك غَيَّروا في صلاة العيدين فجعلوا الخطبة قبل
الصلاة وحين قال أبو سعيد غَيَّرتُـم والله كانت الإجابـة الفورية من مروان :
( قد ذهب ما تعلم !! ) أي دع ثوبي ولا شأن لك في ذلك !
باب الخطبة بعد العيد
129- ... عن ابن عباس قال : شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان (رض) فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة .
يقول ابن حجر :
عن البراء بن عازب قال : خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة .
أقول :
نحن نأخذ بقول الرسول الأكرم وسنته وما صدر منه من عمل ، ولا شأن لنا بسواه ، فهؤلاء الثلاثـة ليسوا ميزان عدل أو سنة لنا ، فبما أن ابن عباس قال : شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كاف وشاف .
باب ما يُكره من حمل السلاح
130- ... عن سعيد بن جبير قال : كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه ، فلزقت قدمه بالركاب فنزلت فنزعتها وذلك بمنى فبلغ الحَجَّاج فجعل يعوده فقال الحَجَّاج لو نعلم من أصابك ، فقال ابن عمر أنت أصبتني قـال وكيف قـال حملت السلاح في يوم لم يكن يُحمل فيه وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم .
131- ... عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال : دخل الحَجَّاج على ابن عمر وأنا عنده فقال : كيف هو ؟ فقال صالح ، فقال : من أصابك ؟ قال : أصابني من أَمَرَ بحمل السلاح يوم لا يحل فيه حمله – يعني الحجاج .
قال ابن حجر :
قوله : أخمص قدمه ... باطن القدم وما رقَّ من أسفلها .
قوله : بالركاب ، أي وهي في راحلته .
قوله : فبلغ الحجاج : أي ابن يوسف الثقفي وكان إذ ذاك أميراً على الحجاز وذلك بعد قتل عبدالله بن الزبير .
قوله : لو نعلم ما أصابك ... عن اسحاق بن سعيد فقال فيه : لو نعلم من أصابك عاقبناه .
( وفي رواية ) قال : لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه .
قوله : ( أنت أصبتني ) فيه نسبة الفعل إلى الآمر بشيء يتسبب منه ذلك الفعل .
... أن عبدالملك لما كتب إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر شق عليه فأمر رجلاً معه حربة ... كانت مسمومة ، فلصق ذلك الرجل به فأمَرَّ الحربة على قدمه فمرض منها أياماً ثم مات .
قوله : حملت السلاح ، أي فتبعك أصحابك في حمله .
قوله : أصابني من أمر ، هذا فيه تعريض بالحجاج .
ويقول ابن حجر : أن الحجـاج دخل على ابن عمر يعوده لما أصيبت رجله ، فقال له : يا أبا عبدالرحمن ، هل تدري من أصاب رجلك ؟ قال : لا ، قال : أما والله لو علمت من أصابك لقتلته ، قال : فأطرق ابن عمر فجعل لا يكلمه ولا يلتفت إليه ، فوثب كالمغضب ... ثم عاوده فصرَّح .
قال الواقدي في طبقاته :
إن ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صلّى خلفه وأدَّى إليه زكاة ماله [1] .
ويقول أيضاً : كان ابن عمر يقول : لا أقاتل في الفتنة ، وأصلي وراء من غَلَب [2] .
ويقول : أن عبدالله بن عمر قال لرجل إنا قاتلنا حتى كان الدين لله ، ولم تكن فتنة ، وإنكم قاتلتم حتى كان الدين لغير الله ، وحتى كانت فتنة [3] .
يعني بذلك أنه لم يبايع الإمام علياً عليه السلام من أجل أن هناك فتنة ! أي حروب بين الإمام وعائشة ، وبين الإمام ومعاوية في صفين ، ويعني بذلك أيضاً أن الأمة لم تجتمع كلمتها على خليفة ، ودارت الحروب فيما بينها ، فاعتزل المجتمع ، وكان جليس بيته .
وأقول :
عندما بايع عمر أبا بكر أيضاً كانت هناك حروب كما تدعي أهل العامة وتسميها حروب الردة !
وأيضاً بنو هاشم بأجمعهم وعلى رأسهم الإمام علي عليه السلام لم يبايعوا أبا بكر ، وكذلك الزبير والمقداد وعمار ومن على شاكلتهم ، فلماذا لم يعتزل ابن عمر ولِمَ بايع وذلك لأن هناك فتنة كما ادعى ذلك في غيره ؟!
قال البخاري في صحيحه :
لما بايع الناس عبدالملك ، كتب إليه عبدالله بن عمر : إلى عبدالله عبدالملك أمير المؤمنين ، إني أُقِرُّ بالسمع والطاعة لعبدالله عبدالملك أمير المؤمنين ، على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت ، وإن بني قد أَقَرُّوا بذلك [4] .
يقول ابن عمر إنه بايـع لعبدالملك بن مـروان ! لأن الأمة اتفقت على خلافته ! وأجمعت على البيعة له ! كما بايع لمعاوية بن أبي سفيان من قبله وبايع لابنه يزيد ! وذلك لإجماع الأمة على خلافته ! كما يدعي أهل العامة ذلك .
وقد بايع كل من هو على خلاف نهج الإمام علي عليه السلام .
ولما بويع يزيد ، قال ابن عمر لما بلغه : إن كان خيراً رضينا ، وإن كان بلاءً صبرنا [5] .
ويقول عبدالله بن عمر : إنما مَثَلُنا في هذه الفتنة ، كمثل قوم يسيرون على جادة يعرفونها ، فبينا هم كذلك إذ غشيتهم سحابة وظلمة فأخذ بعضهم يميناً وشمالاً فأخطأ الطريق ، وأقمنا حيث أدركنا ذلك ، حتى جلا الله ذلك عنا ، فأبصرنا طريقنا الأول فعرفناه ، فأخذنا فيه . إنما هؤلاء فتيان قريش ، يقتتلون على هذا السلطان وعلى هذه الدنيا ، ما أبالي أن لا يكون لي ما يَقتُل عليه بعضهم بعضاً بنعلَّي هاتين الجرداوين [6] .
لاحظ ما يقوله ابن عمر كيف أنه لا يهتم بأمور المسلمين !
فبعد هجوم جيش يزيد بن معاوية على المدينة في واقعة الحرَّة ، وبعد أن أباح المدينة لجيشه ثلاثة أيام ، وهتك الحُرمات وسبى النساء ، حتى ولد ألف مولود من سِفاح ! إلى آخر ما هنالك من جرائم ، وابن عمر جالس في داره ، ولا يتعرض له أحـد حيث أنه من دعائم الحكم الأموي وهو غير مهتم بما يجري .
قال الواقدي في طبقاته :
إن ابن عمر لما ابتُز أهل المدينة بيزيد بن معاوية وخلعوه دعا عبدالله بن عمر بنيه وجمعهم فقال : إنا بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الغادر يُنصب له لواء يوم القيامة فيقول : هذه غدرة فلان ، أو إن من أعظم الغدر إلا أن يكون الشرك بالله أن يبايع رجل رجلاً على بيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم ينكث ببيعته ، فلا يخلعنَّ أحد منكم يزيد ولا يُسرعنَّ أحد منكم في هذا الأمر فتكون الصَّيلم [7] بيني وبينه [8]
نلاحظ هنا أيضاً أنه يُهدِّد أبناءه ويتوعَّدهم ، وكانوا هؤلاء مطيعين لوالدهم ، وقد رباهم على طريقته ونهجه أيضـاً ، أي الخضوع والتذلل للحاكم .
جاء في الطبقات :
قال ابن عمر عند الموت لسالم : يا بني ، إن أنا مت فادفنّي خارجاً من الحرم ، فإني أكره أن أدفن فيه بعد أن خرجت منه مهاجراً .
فقال : يا أبه ! إن قدرنا على ذلك .
فقال : تسمعني أقول لك ! وتقول إن قدرنا على ذلك ؟
قال : أقول الحجاج يغلبنا فيصلي عليك . قال : فسكت ابن عمر [9] .
لاحظ أخي الكريم إجابة الولد لوالده ومحاولة رفض طلب والده خوفاً من الحجاج .
فأقول :
احصد ما زرعت فأنت الجاني على نفسك وعلى أبناءك أيضاً ، فهذا يوم الحسرة والندامة .
روى مسلم في صحيحه :
... عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلّا ووصيته عنده مكتوبة ، قال عبدالله بن عمر : ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي [10] .
أقول : ما فائدة هذه الوصية التي عندك ؟! وما فائدتها وقد كتبتها منذ سنوات طويلة ؟!
فهذا ابنك سالم وأنت توصيه شفهياً يرد عليك ويقول : إن الحجَّاج يغلبنا فيصلي عليك ! هذا القول يقوله والحال أنك لا زلت على قيد الحياة ، فما ظنك بعد هلاكك ؟!
فحتماً ستكون وصيتك التي كنت قد كتبتها ، ووضعتها تحت رأسك طيلة هذه السنوات ، وكنت تنقلها معك في حلك وترحالك ، فإن ابنك سالماً سوف يضعها جانباً ولا يُعير لها أي اهتمام .
جاء في الاستيعاب لابن عبدالبر القرطبي :
عن ابن عمر أنه قال حين حضرته الوفاة : ما أجد في نفسي من أمر الدنيا شيئاً إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب [11] .
أقول :
إن هذا التخاذل الذي كان منك عندما كنت تتهرب من الدخول في الفتن! كما كنت تسميها ، ها قد جاء الأوان وقد ندمت على تخاذلك عن اللحاق والاشتراك مع أهل الحق .
وأخيراً ندمت لعدم مشاركتك بمعركة صفيـن ، وهذا يوم لا ينفع فيه الندم ، قال تعالى : { ويوم يَعُضُّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً ، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جائني وكان الشيطان للإنسان خذولاً } الفرقان:27-29 .
باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين
132- ... عن عائشة أن أبا بكر (رض) دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تُدفِّفان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم مُتَغشٍّ بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر ! فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى وقالت عائشة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم أَمْناً بني أرفدة – يعني من الأمن - .
يتبين لنا من هذه الرواية ما يلي :
أولاً : أبو بكر ينتهر الجاريتين ويستنكر ما يرى ويسمع .
ثانياً : عمر أيضاً ينتهر ويستنكر ويزجر الأحباش مما يرى ويسمع .
أترى هؤلاء اجتهدوا في رأيهم ؟! أم أنهم كانوا قد سمعوا ذلك من الرسول الأكرم بأن مثل هذه الأعمال تجر المسلم إلى ما لا يُحمد عقباه ؟!
وإن فيها من المفاسد الكثيرة ، وإلا فاحكم أنت بنفسك هل تقبل ذلك لأهلك ؟! وفي منزلك أيضاً ؟!
والطامة الكبرى أن بيت النبي الكريم ملاصق للمسجد ، أليس من المحتمل أن صحابياً كان يصلي النوافل مثلاً في المسجد ؟!
أو كان الصحابة في حلقة درس في المسجد ؟!
ألم يكن ذلك الصوت المشين يصل إلى أسماع هؤلاء فيزعجهم ذلك ؟!
(211) الطبقات الكبرى لابن سعد الواقدي ، ج4 ، ص110 ، ط1322هـ ، برلين .
(212) نفس المصدر السابق .
(213) نفس المصدر السابق ، ص111 .
(214) كتاب الأحكام ، باب كيف يبايع الإمام الناس .
(215) سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج3 ، ص225 ، ترجمة45 ، عبدالله بن عمر .
(216) نفس المصدر السابق ، ص237 . الجرداوين ، أي : الخلقين الباليين .
(217) الصيلم : القطيعة المنكرة .
(218) الطبقات الكبرى للواقدي ، ج4 ، ص134، عبدالله بن عمر ، ط 1322هـ .
(219) نفس المصدر السابق ، ص138 .
(220) كتاب الوصية ، باب حدثني أبو خيثمة .
(221) ج3 ، ص83 ، ترجمة 1630 ، عبدالله بن عمر ، ط1/1415هـ ، بيروت .
133- ... حدثنا عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن أبيه قال : سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه ثِمال اليتامى عصمة للأرامل وقال عمر بن حمزة حدثنا سالم عن أبيه ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يَستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه ثِمال اليتامى عصمة للأرامل وهو قول أبي طالب .
يقول ابن حجر :
قال السهيلي : إن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبدالمطلب ، حيث استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وسلم معه غلام .
ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه ، وإن لم يشاهد وقوعه .
ويقول : ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير من الأخبار .
راجع ج 1، ص 311، حديث 174 ، باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله من كتاب الجنائز ، فمطلبك أخي القارئ هناك .
134- ... عن أنس أن عمر بن الخطاب (رض) كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، قال فيسقون .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب فضائل الصحابة ، باب ذكر العباس بن عبدالمطلب .
أقول :
إن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أخرج معه فاطمة وعلياً والحسن والحسين عليهم السلام لمباهلـة نصـارى نجران ، ولم يأخـذ معه إلا هؤلاء ، وذلك لمنزلتهم الرفيعة عند الله تعالى ، وطلب منهم وقال : إذا دعوت فأمِّنوا .
يقول الله تعالى في محكم كتابه وفصل خطابه : { فمن حاجَّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا نَدعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين } آل عمران:61 .
يقول ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير في علم التفسير :
لما نزلت هذه الآية { تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : ( اللهم هؤلاء أهلي ) .
قوله تعالى : { وأنفسنا ... } يُراد علي بن أبي طالب ... .
قدم وفد نجران فيهم السيد والعاقب ... فدعاهما إلى الملاعنة ، فواعداه أن يفادياه فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه ، فأقرا له بالخراج .
فقال : والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهم ناراً [1] .
ألم يكن من الأفضل بعمر أن يتوسل بهؤلاء ؟!
وأين العباس وأين علي بن أبي طالب ؟!
مناقب وفضائل الإمام علي عليه السلام لا تقاس مع أحد أبداً ، وإن جئت بالقياس فتكون كأنك تقول : من الأفضل .. النبي الأكرم أم العباس ؟!
وذلك لأن علياً عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوسل عمر بالعباس لنزول الغيث مخالف لما تعتقده العامة في التوسل
كتاب سجود القرآن
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
135- ... عن عبدالله (رض) قال : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم بمكة ، فسجد فيها ، فسجد من معه غير شيخ أخذ كفاً من حصى أو تراب ، فرفعه إلى جبهته وقال : يكفيني هذا ، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً .
ورد هذا الحديث في البخـاري ، كتاب سجود القرآن ، باب سجدة النجم ، وكتاب مناقب الأنصـار ، باب ما لقى النبي وأصحابه ، وكتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل، وكتاب التفسير، باب {فاسجدوا لله واعبدوا} .
باب سجود المسلمين مع المشركين
136- ... عن ابن عباس (رض) أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم ، وسجد معه المسلمون والمشركون ، والجن والإنس .
سنوافيك بالتعليق على ذلك في ج 2 ، ص 584 ، حديث 593-594 ، باب فاسجدوا لله واعبدوا من كتاب التفسير .
كتاب تقصير الصلاة
باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء
137- ... عن سالم عن أبيه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جد به السير وقال إبراهيم بن طهمان عن الحسين المعلِّم عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس (رض) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء ... أنس بن مالك (رض) قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في السفر .
يقول ابن حجر :
ومن الدليل على أن الجمع رخصـة ، قول ابن عبـاس : أراد أن لا يحرج أمته .
يقول السيد محمد ابراهيم القزويني في كتابه السجود على التربة والجمع بين الصلاتين :
في القرآن الكريم آيات متعددة تشير إلى أوقات الصلاة وتحددها في ثلاثة :
1- قوله تعالى : { أقم الصلاة لدُلوك الشمس إلى غَسَقِ الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً } [2] .
في هذه الآية الكريمة يأمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ، أولاً : بإقامة الصلاة ، والمقصود منها الفرائض اليومية الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، والصبح كما اتفق المفسرون .
ثم بيَّن الله تعالى أوقات هذه الصلوات ، ويحددها في ثلاثة : الظهر ، الليل ، الفجر .
فيقول سبحانه : { لدلوك الشمس } ، وهو الظهر ، ودلوك الشمس يعني زوالها عن دائرة نصف النهار ، والوقت مشترك بين الظهر والعصر إلى المغرب ، إلا أن الظهر قبل العصر .
{ إلى غسق الليل } ، وهو انتهاء الوقت لصلاة المغرب والعشاء ، والغسق هو : تراكم الظلمة وشدتها في نصف الليل كما هو المروي ، فيكون المعنى أن وقت صلاة المغرب والعشاء ينتهي في نصف الليل ، والوقت مشترك بينهما إلا أن المغرب قبل العشاء .
قال الإمام الرازي في تفسير الآية :
إن فسرنـا الغسق بظهور أول الظلمـة ، كان الغسق عبارة عن أول المغرب... وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر ، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين هاتيـن الصلاتين ، وأن يكـون أول المغرب وقتاً للمغرب والعشاء ، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين .
قال : فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء مطلقاً . أي في جميع الأحوال في السفر وغيره .
ويقول السيد القزويني :
{ وقرآن الفجر } وهو وقت صلاة الصبح ، { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار [3] .
2- قوله عز وجل : { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } [4] .
ذكر الفقهاء والمفسرون أن الصلاة المأمور بها في الآية ، إنما هي الفرائض الخمسة اليومية . والآية كما ترى تحدد أوقات الصلاة في ثلاثة فقط وهي : طرفي النهار ، أي الطرف الأول ، وهو أول النهار ، والطرف الثاني وهو آخر النهار ، فيكون وقت صلاة الصبح في الطرف الأول من النهار ، ووقت صلاة الظهر والعصر معاً في الطرف الثاني منه ، ويبتدئ من زوال الشمس ظهراً وينتهي بغروبها .
{ وزلفاً من الليل } هذا هو الوقت الثالث .. وهو وقت مشترك بين صلاتي المغرب والعشاء ، ويمتد من المغرب الشرعي إلى نصف الليل ، وصلاة المغرب تصلى قبل العشاء .
3- قوله سبحانه : { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود } [5] .
ذكر افقهاء والمفسرون أن التسبيح الذي أمر الله تعالى به في الآية ، هي الصلوات الخمس الواجبة ، وأن الله سماها تسبيحـاً ، لأنها تقديس له سبحانه... ، والآية كما ترى تبين للصلاة أوقاتاً ثلاثة .
قبل طلوع الشمس وهو وقت صلاة الصبح ، ويبتدئ من طلوع الفجر وينتهي بطلوع الشمس .
وقبل الغروب وهو وقت للظهر والعصر مشتركاً بينهما ، وهو بيان لآخره.
{ ومن الليل فسبحه } أي : صل بعض الليل ، والمراد منه صلاة المغرب والعشاء ، { وأدبار السجود } أي وصل لله بعد السجود الواجب ، والمراد منها نافلة المغرب ، أو العشاء ، أو نافلة الليل على اختلاف أقوال المفسرين .
ويقول :
... إن الجمع بين الصلاتين فيه راحة للناس ، وخاصة أهل الأشغال والأعمال ، وهم أكثر الناس ، حيث ان الأسهل للإنسان أن يصلي الصلاتين معاً ثم يتفرغ لأعماله وأشغاله مطمئناً من أداء الفريضة الشرعية .
بينما التفريق بين الصلاتين ، فيه بعض الصعوبة والعسر خاصة على أهل الأشغـال والأعمـال حيث أن الإنسان عليه أن يترك عمله ويذهب ويتنظَّف ويتطهر ويزيل الوسخ عن بدنه ، ويبدل ثيابه ثم يتوضأ ويصلي الظهر ثم يعود إلى عمله .. وما أن يشرع بالعمل ، إلا ويحين موعد صلاة العصر ، وهنا يلزم عليه أن يترك عمله ويقوم مرة أخرى لأداء صلاة العصر .. وهذا كما لا يخفى فيه صعوبة وعسر ، وقد قال الله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [6] .
وقال سبحانه : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } [7] .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لكي أوسِّع على أمتي ولكي لا أحرج أمتي [8] .
وكما قال ابن حجر وذكر قول ابن عباس : أراد أن لا يحرج أمته .
باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء
138- ... عن عبدالله بن عمر (رض) قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء قال سالم وكان عبدالله يفعله إذا أعجله السير ويقيم المغرب فيصليها ثلاثاً ثم يسلم ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء فيصليها ركعتين ثم يسلم ولا يسبح بينهما بركعة ولا بعد العشاء بسجدة حتى يقوم من جوف الليل .
يقول ابن حجر في شرحه : ... عن ابن عمر في قصة جمعه بين المغرب والعشاء ، فنزل فأقام الصلاة ، وكان لا ينادي بشيء من الصلاة في السفر ، فقام فجمع بين المغرب والعشاء .
راجع ما قبله .
كتاب التهجد
باب
تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل
139- ... عن الزهري قال أخبرني علي بن حسين أن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه السلام ليلة فقال ألا تصليان ؟ فقلت يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إلي شيئاً ثم سمعته وهو مولٍّ يضرب فخذه وهو يقول { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } .
ورد هذا الحديث في البخاري في كتاب الاعتصام ، باب { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } ، وكتاب التوحيد ، باب المشيئة والإرادة .
يقول ابن حجر :
... فعلي بن الحسين المذكور في إسناده هو زين العابدين .
وهذا من أصح الأسانيد ، ومن أشرف التراجم الواردة فيمن روى عن أبيه عن جده .
لاحظ ابن حجر ، وكأنه حصل على مبتغاه ! كي يطعن في الإمـام علي عليـه السلام ، وذلك لأن حفيـده هو راوي الحديث ، وستكون الضربة بالصميم .
أقول :
عندما طرق النبي الأكرم علياً وفاطمة ، وأمرهم بالصلاة وهي صلاة نافلة الليل ، فقال علي عليه السلام : يا رسول الله أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا .
أي : يا رسول الله ، النوم سلطان ! هذا باختصار .
فانصرف النبي الأكرم وضرب على فخذه وهو يقول : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } .
أي أنه لم يكن راضيـاً من علي في إجابته تلك ، وكان قد تضايق من ذلك . هذه مقدمة لما سيأتي .
جاء في البخاري كتاب مواقيت الصلاة باب الأذان بعد ذهاب الوقت :
... عن عبدالله بن أبي قتادة عن أبيه قال : سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم لو عرَّست بنا يا رسول الله ، قال : أخاف أن تناموا عن الصلاة ، قال بلال : أنا أوقظكم ، فاضطجعوا وأسند بلال رأسه إلى راحلته ، فغلبته عيناه فنام ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس فقال : يا بلال ، أين ما قلت ؟
قال : ما ألقيت علي نومة مثلها قط ، قال : إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء ، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة ، فتوضـأ فلما
ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى .
فأقول لابن حجر وصاحب الصحيح :
أولاً : إجابة الرسول الأكرم لبلال عندما قال :
إن الله قبض أرواحكم حين شاء ، وردها عليكم حين شاء .
فبالله عليك أخي المسلم ، ما الفرق بين هذا القول ! وما أجاب به الإمام علي عليه السلام حين قال : يا رسول الله أنفسنا بيـد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا .
ثانياً : صلاة الإمام علي عليه السلام كانت نافلة ، وأما صلاة الرسول الأكرم ، فكانت فرضاً ، وهي صلاة الصبح .
ثالثاً : أليس الرسول الأعظم هو القـائل عندما سئل أي العمل أحب إلى الله ، قال : الصلاة على وقتها ... ؟
فهذا الرسول يقول ما لا يفعل ! ولا يطبق قوله أيضاً .
رابعاً : جاء في البخاري كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده ، وكذلك في كتاب التهجد باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه .
... ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح ، قال : ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه ، أو قال في أذنه .
يقول القسطلاني في شرحه للحديث في كتابه إرشاد الساري ج7 ، ص211 ، ط دار الفكر ، بيروت :
ذاك رجل بال الشيطان ... إشارة إلى ثقل النـوم ، لأن المسـامع موارده
الانتباه بالأصوات ، وخص من بين الأخبثين ، لأنه مع خباثته أسهل مدخلاً في تجاويف الخروق والعروق ونفوذه فيها ، فيورث الكسل في جميع الأعضاء .
أقول :
فهل باب الشيطان في أذني الرسول الأكرم حتى تثاقل عن القيام لصلاة الصبح المفروضة ؟!
هذا بالإضافة لجميع الصحابة الذين بال الشيطان في آذانهم !
140- ... عن عائشة أم المؤمنين (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان .
راجع ج 1 ، ص 216 ، حديث 103-104-105، كتاب الأذان ، باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط .
باب الدعاء والصلاة من آخر الليل
141- ... عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له .
ورد هذا الحديث في البخاري ، في كتاب الدعوات ، باب الدعاء نصف الليل ، وكتاب التوحيد ، باب { يريدون أن يبدلوا كلام الله } .
قام ابن تيمية على منبر الجامع الأموي في دمشق يوم الجمعة خطيباً فقال :
( إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ! ونزل درجة من درج المنبر ) يريهم نزول الله تعالى نزولاً حقيقياً بكل ما للنزول من لوازم ، كالحركة والانتقال من العالي إلى السافل !
فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ، وأنكر عليه ما قال . فقامت العامة إلى هذا الفقيه ، وضربوه بالأيدي والنعـال ضرباً كثيراً ، فسقطت عمامته ... [9] !
أقول :
بما أن هذا الرب ينزل فلابد له من الصعود ! وإذا نزل خلا المكان منه ! وإذا صعد كذلك !
وفي الحديث ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا !
إذن فإن هذا الرب – أي رب العامة – لن يصعد أبداً ! وذلك لأن اليوم بأكمله ليل ! كيف ذلك ؟
عندما يكون في المشرق ليلاً فإنه يكون في المغرب – أعني بذلك مثلاً في الولايات المتحدة – نهاراً وهكذا العكس ، إذا كان عندهم ليل فعندنا نهار .
فلن يرى هذا الرب متسعاً من الوقت للصعود !
وأقول :
إن الحاكم الذي يحكم بلداً ما إذا أراد أن يعلم بأمر رعيته مثلاً ، فإن له من الوزراء والوكلاء والخدم والحشم ، فإنه سوف يقوم بإرسال أحد هؤلاء ليستطلع الأمر الذي يريده .
وكذلك الوزير في وزارته ، فإن له من الوكلاء الذين يُعلمونه أولاً بأول كل أمر .
فاقرأ معي هذا الحديث الذي يرويه أبو هريرة الدوسي ، والذي يناقض نفسه بنفسه !
يقول البخاري في كتاب الزكاة باب قول الله تعالى { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى } :
عن أبي هريرة (رض) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً .
فاحكم بنفسك هل هذا الرب العظيم ينزل بنفسه كل ليلة ؟!
أم يبعث هؤلاء الذين خلقهم من أجل ذلك ؟!
أيهما يتقبله عقلك ؟! نزول الرب أم الملكين ؟!
(222) ج1 ، ص324 ، ط1/1414هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
(223) الإسراء : 78 .
(224) ص47-49 ، ط لجنة أهل البيت عليهم السلام الخيرية ، الكويت .
(225) هود : 114 .
(226) ق : 39-40 .
(227) البقرة : 185 .
(228) الحج : 78 .
(229) السجود على التربة والجمع بين الصلاتين لمحمد ابراهيم القزويني ، ص49-53 .
(230) كتاب رحلة ابن بطوطة ، ص95، حكاية الفقيه ذي اللوثة ، ط دار صادر ، بيروت .