|
شيعي محمدي
|
رقم العضوية : 30624
|
الإنتساب : Feb 2009
|
المشاركات : 3,716
|
بمعدل : 0.64 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
تشرين ربيعة
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
بتاريخ : 03-10-2009 الساعة : 09:47 PM
الحلقة السابعة عشرة
رأينا فى الحلقه السابقه كيف أن العلاقه بين ناظم الطبقجلي والملائيين قد وصلت إلى طريق مسدود، وكيف أن تقارير الطبقجلي حول الأنشطه غير المشروعه للملائيين فى المنطقه الشماليه أخذت تترى لعبدالكريم قاسم والحاكم العسكري ومديرية الإستخبارات، وأن بعض هذه التقارير أخذت طريقها ليد الملائيين بصوره أو بأخرى، ومن ثم أعلن هؤلاء بدورهم الحرب على ناظم وأخذوا فى بث دعاياتهم الخبيثه وإعلان حربهم السافره ضده، وقد كثف الملا مصطفى البرزاني من جهوده لدى السلطات فى بغداد من أجل إبعاد الطبقجلي عن كركوك كي يتثنى له تنفيذ مخططاته نحو تكريد المدينه وتهجير التركمان وقضم الجزء الشمالي من البلاد.
وعارض الطبقجلي أن ينقل من كركوك بطلب من الملا ولإدراكه بحجم المخاطر التى ستحدق بالبلاد وبتركمان كركوك إذا ماترك المنطقه فى هذه الظروف، فالرجل كان على معرفة كامله بالملا وبنواياه الإنفصاليه ومدى مايكنه فى صدره من كراهيه للتركمان ورغبته الملحه فى إجلائهم عن كركوك وترحيلهم خارج البلاد و من ثم هدد بدوره بالإستقاله إذا ما رضخ قاسم لمطلب الملا، وقد ظلت العلاقه بين الطبقجلي والملا وأتباعه وحلفائه مابين شد وجذب دون ان يتغلب احدهم على الآخر، وعبدالكريم قاسم لم يكن يهدف من علاقته بجميع هذه الأطراف المتعارضه سوى توطيد أركان حكمه المستبد، وقد إستخدم الملائيين لتحقيق هذه الغايه، كما أن قاسم لم ينس جميل الطبقجلي الذى لزم الحياد في صراعه مع عبد السلام عارف، فما كان من قاسم إلا أن لزم الحياد فى صراع الملا والطبقجلي فلم يحزم أمرا أو يبت فى خصومه وترك جميع الأطراف تصارع بعضها البعض وهو فى موقف المتفرج.
وقد إنتهزت القوى الشعوبيه الإنفصاليه الحاقده والمتعاونه مع العناصر الشيوعيه والفوضويه هذه الفرصة السانحه فسارت في إتجاه بث الأفكار التى تدعو للكراهيه والعنصريه والإنفصال وإثارة الأحقاد تجاه القوميتين العربيه والتركمانيه والعمل على محو الشخصيه الإسلاميه للعراق، وصار الهتاف المفضل لدى القوى الديموقراطيه الخيره من البارتيين والشيوعيين هو. . "الموت لدعاة القوميه المزيفة" قاصدين بذلك القوميه العربيه، و"جبهة جبهة وطنية. .فلتسقط الطورانية" أى القوميه التركمانية، وصارت كلمات من قبيل: "تركماني طوراني. . متآمر. . رجعي. . خائن. . موتور. . لايحب الزعيم" تتردد على ألسنة هؤلاء الجهلاء فى كل مناسبه، وأشاع هؤلاء الفوضويون الفوضى فى طول البلاد وعرضها، وصاروا يطوفون على أماكن تجمعات التركمان ومقاهيهم وهم يشيرون إليهم ويهتفون: "يسقط الخونه المتآمرون على سلامة الزعيم التقدمي الديموقراطي. . يا. . وترد جوقة الجهلاء. . يسقط. . يسقط. . يسقط".
وأصبح إعتياديا أن يصرح هؤلاء العنصريون الإنفصاليون برغبتهم فى ترحيل التركمان عن كركوك فيقولون "سنحجز أموال (جولكة) ونرحلهم مثل اليهود" وكلمة (جولكة) تعنى اليهود باللغه الكرديه، وقد درج هؤلاء على تسمية التركمان باليهود، وأخذوا فى التجرؤ على الدين، وصاروا يطرحون على الناس التساؤل: "منو أشرف محمد لو خروشوف؟". . ويرددون: "وين أكو الله؟ الله ماخذ أجازه"، ويشيرون لكل من يخالفهم في الرأى: "هذا متآمر".
وهكذا إختلطت الأوراق وصار الملا الذى يروم إشاعة الفوضى فى العراق هو الذى يحدد من هو الوطنى ومن هو المتآمر ومن هو التقدمى ومن هو الرجعي، وأخذت أجهزته الإعلاميه في بث الدعايات السوداء وإذاعة الأخبار عن المؤامرات الملفقه بقصد السيطره على كريم قاسم المهووس بالسلطه وللتخلص من مناوئيه من القوميين العرب والتركمان والأكراد المعارضين لهيمنته، وفى وسط هذا الليل البهيم عزم بعض الضباط على القيام بتمرد طالما أن قاسم قد صم أذنيه عن الجرائم الشنيعة التى طالت الشرفاء من مختلف القوميات، وقاد هذا التمرد العقيد عبد الوهاب الشواف قائد لواء الموصل التابع للفرقه الثانيه التى يقودها ناظم الطبقجلي، ورغم أن ناظم الطبقجلي كان يتميز من الغيظ من تصرفات كريم قاسم وإطلاقه العنان للعناصر الشيوعية والبارتيه الحاقدة لتسيىء للعلاقات الأخويه بين القوميات وتعتدى على حرمة الدين، ورغم أنه أيضا كان معروفا بتوجهه القومي وتربيته الإسلاميه وهو مايتفق مع توجه العقيد الشواف إلا أنه أعلن وقوفه وتأييده الكامل لكريم قاسم وبعث برقية بذلك بثتها إذاعة بغداد أثناء حصول التمرد.
وكان الطبقجلي قد أدرك بحنكته أن إنضمامه لصفوف المتمردين يعني إعطاء الفرصة للملا وأتباعه لإرتكاب مجزره مروعه بحق أهل كركوك على نحو مافعلوا فى الموصل فيما بعد من قتل وسحل لنحو ثمانمائة إنسان لم يسلم فيها حتى النساء كالآنسه العفيفه (حفصة العمري) التى قام أشاوس الملا وحلفائه من الشيوعيين بعد أن قتلوها وسحلوها بتعليقها على جسر السكه الحديد عاريه من ملابسها على ملأ من الناس ودون ادنى مراعاه لحرمة الأموات أو الأحياء.
لقد كان الطبقجلي يدرك تماما بأن الملا يعد للتركمان ماهو أسوأ من ذلك ومن ثم فمن الحكمه إعلان التأييد لكريم قاسم حفاظا على أرواح الأهالي ولتفويت الفرصه على القتله أعداء الشعب، وعن الظروف الحالكه التى مر بها الشعب العراقي والتركمان فى كركوك وقت حدوث التمرد يقول العقيد الركن عزيز قادر فتح الله الذي كان أحد ضباط الكتيبه الرابعه التابعه للفرقه الثانيه مايلي:
"كان يوم ٨ آذار / مارس دواما رسميا، لذا كان جميع منتسبى الوحدات فى ثكناتهم ولم يسمح بالنزول بعد إنتهاء الدوام الرسمي لورود برقيه إنذار تشير بإختصار إلى حصول التمرد فى حامية الموصل. ولما كانت شقة الخلاف والتناحر عميقه وعلى أشدها بين الكتلتين (الشيوعيه / الكرديه) و (القوميه العربيه / التركمانيه)، قبل هذا الوقت، توقفت جميع الأعمال الرسميه، حال ورود خبر التمرد، وبدأت إجتماعات ضباط الكتلتين فى الغرف والقاعات واتصالاتهم بالجنود وضباط الصف كل على حده، لتقييم الوضع وإتخاذ تدابير الحيطه والحذر والتهيؤ للمنازله المسلحه إذا تطلب الأمر، كان الشيوعيون والأكراد أكثر عددا من الضباط القوميين العرب والتركمان، وكذلك الجنود الأكراد بنسبه كبيره، عدا ضباط الصف الذين كان القوميون فيهم أكثر، وكانت النسبه العدديه من الضباط والمراتب متماثله في جميع وحدات الفرقه تقريبا."
ويستطرد قائلا: "وبعد طعام العشاء توجه الضباط الشيوعيون والأكراد فى ركن والقوميون العرب والتركمان فى الركن المقابل والمسدسات محشوة (طلقة فى الحجرة) والأعصاب متوترة جدا والحديث مابين أفراد المجموعه يجري همسا، وحتى نظرات بعضهم إلى البعض كانت شزره تنم عن الحقد وتضمر العداء والوعيد، يحاول الجميع، كل من جانبه جاهدا، تحاشي إشتباك النظرات لئلا يتحول إلى المشاده وعندئذ تتكلم المسدسات المجرده من اغلفتها لسرعة الإستعمال.
وكانت الآذان مركزه نحو جهاز راديو قديم فى أحد أركان البهو لمتابعة الأخبار التى كانت تبثها إذاعة بغداد. صادف وقام أحد الضباط (الملازم غازي رمضان) بصوره تلقائيه بتبديل الموجه إلى القصيره وأدار ميل الراديو يمينا وشمالا. . وإذا ببيان الشواف يذاع من إذاعة الموصل. . وبعد لحظات من السكوت للإنصات إلى البيان. . صاح عليه العقيد محمد على الخافجى (الشيوعي المعروف) آمر البطاريه الثالثه بحده وغضب "ديره على إذاعة بغداد". ورد الملازم الأول صبيح الدارجي قائلا: "خلي نسمع ماهى مطاليبه" وهو يقصد مطاليب الشواف. . فردت عليه عدة اصوات من الضباط الشيوعيين والأكراد بأن: "شنو مطاليب هذا الحقير. . الخائن. . المتآمر" تمتم الضباط القوميون والتركمان الذين كانوا قله، وبرتب صغيره بالقياس إلى مناوئيهم، معترضين على كلمات (الحقير، الخائن، المتآمر). . كادت المسدسات أن تتكلم لولا أن أذيعت في تلك اللحظه لحسن حظ الجميع برقية قائد الفرقه (الطبقجلي) الذي أيد فيها الزعيم ولم يؤيد فيها حركة الشواف كما كان متوقعا بدرجه كبيره.
بذلك والحق يجب أن يقال، بغض النظر عما نشر عن تواطؤ المرحوم الطبقجلي مع الشواف ورفعت الحاج سري مدير الإستحبارات العسكرية والآخرين ممن صدرت الأحكام بحقهم، وما قيل عن تردد الطبقجلي وعدوله عن تأييد الشواف فى الساعات الأخيره، وما جاء فى إفادته أمام المحكمه التى نفى بها علاقته بالحادث أساسا، وإلى آخر الروايات، أنه بعدم تأييده لحركة الشواف والإنضمام إليها، أنقذ آلاف الأرواح البريئة وجنب أهالي مدينة كركوك (التركمان) التعرض إلى مجزره لكانت أفظع بكثير مما تعرضوا له فيما بعد فى (١٤ تموز / يوليو ١٩٥٩).
تخطت المدينه والتركمان الكارثه الكبرى هذه المره ايضا، وذلك بفضل حكمة الطبقجلي الذى باعتقادي قدر بإحساس عميق حجم الخسائر بالأرواح والممتلكات التى كانت ستترتب على إنضمامه إلى حركة التمرد، هذا بالإضافه إلى إجراءاته التى حالت دون تطور الأحداث التى سبقت الإشاره إليها وتحولها إلى مجزره عامة"
وهكذا تمكنت حكمة وحنكة الطبقجلي من تفويت الفرصه على من ينتظرون الفرص لإرتكاب مجزره مروعه ورهيبه بحق تركمان كركوك، وخلال يومين تم القضاء على حركة الشواف، وقد ترتب على القضاء على الحركة أن قويت شوكة الملائيين وزادت غطرستهم وتجبرهم، وبدأوا فى التفكير جديا في الإنتقام من الزعيم ناظم الطبقجلي الذي وقف كالعقبه الكؤود فى سبيل مخططاتهم التآمرية في شمال العراق، وفوت عليهم الفرص الكثيرة لإرتكاب مجازر بحق التركمان بهدف دفعهم للرحيل عن العراق، وكانت الخطه ألتى وضعها الملائيون وحلفاؤهم أن يقتل الطبقجلى سحلا حتى يكون عبره لكل من يقف فى طريق مخططاتهم التآمريه.
وكاد أتباع الملا أن ينفذوا خطتهم الإجراميه بحق الطبقجلي لولا يقظة وشهامة ونبل ضابط إستخبارات الفرقه الكردي النقيب الركن صلاح عبد القادر رشيد وما أكثر النماذج الطيبه فى الشعب الكردى من أمثال هذا الضابط الذى لم ينساق خلف الأفكار الملائيه العنصريه ولم يخدع بها، وقام بإبلاغ القائد بتفاصيل المؤامره ولما رأى القائد أن زمام الأمور قد أفلت من يديه ورأى تحكم البارتيين العنصريين فى مسار الأمور أضطر أن يطلب من رئيس أركان الجيش فى ١٥ / ٣ /١٩٥٩ مغادرة كركوك إلى بغداد ووافق قاسم، وقام ضابط الإستخبارات الكردي النبيل بأكبر عملية خداع لأتباع الملا، حيث أشاع على نطاق واسع بأن القائد سيسافر بالقطار مساء يوم ١٥ / ٣ إيهاما وتمويها للعناصر البارتية والشيوعية التى قررت قتل القائد وسحله بمحطة القطار فى حين جرى تسفيره فجر ذلك اليوم بالسيارة.
وهكذا طويت صفحة القائد النبيل الذي حال دون تنفيذ الملا لمؤامراته ضد التركمان وأصبح الجو بعد مغادرته لكركوك مهيئا تماما لوقوع المجزره الرهيبه.
وللحديث بقية
(وردت هذه الشهاده فى كتاب: التاريخ السياسي لتركمان العراق - عزيز قادر الصمانجي - دار الساقي - ط ١ - ١٩٩٩ الصحيفه ١٤٩، ١٥٠، ١٥١)
|
|
|
|
|