العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الفقهي

المنتدى الفقهي المنتدى مخصص للحوزة العلمية والمسائل الفقهية

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية ابو غدير الساعدي
ابو غدير الساعدي
عضو برونزي
رقم العضوية : 64616
الإنتساب : Mar 2011
المشاركات : 324
بمعدل : 0.06 يوميا

ابو غدير الساعدي غير متصل

 عرض البوم صور ابو غدير الساعدي

  مشاركة رقم : 31  
كاتب الموضوع : ابو غدير الساعدي المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-03-2011 الساعة : 02:14 AM


الجمعة الخامسة والعشرون 10جمادي الثاني1419
الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا اله الا هو الملك الحق المبين المدبر بلا وزير، ولا خلق من عباده يستشير الاول الاول غير مصروف، والباقي بعد فناء الخلق العظيم الربوبية نور السموات والارض وفاطرهما ومبتدعهما بغير عمد خلقهما وفتقهما فتقا فقامت السماوات بامره، واستقرت الارضون باوتادها فوق الماء ثم على ربنا في السماوات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى، فانا اشهد بانك انت الله لا رافع لما وضعت، ولا واضع لما رفعت، ولا معز لمن اذللت، ولا مذل لمن اعززت، ولا مانع لما اعطيت، ولا معطي لما منعت، وانت الله لا اله الا انت كنت اذ لم تكن سماء مبنية، ولا ارض مدحية، ولا شمس مضيئة، ولا ليل مظلم، ولا نهار مضيء، ولا بحر لجي، ولا جبل راس، ولا نجم سار، ولا قمر منير، ولا ريح ولا سحاب يسكب، ولا برق يلمع، ولا رعد يسبح، ولا روح تتنفس، ولا طائر يطير، ولا نار توقد، ولا ماء يضطرب كنت قبل كل شيء، وكونت كل شيء، وقدرت على كل شيء، وابتدعت كل شيء، واغنيت، وافقرت، وامت، واحييت، واضحكت، وابكيت، وعلى العرش استويت، فتباركت يا الله، وتعاليت انت الله الذي لا اله الا انت الخلاق المعين العليم امرك غالب وعلمك نافذ وكيدك غريب ووعدك صادق وقولك حق وحكمك عدل وكلامك هدى ووحيك نور ورحمتك واسعة وعفوك عظيم وفضلك كثير وعطاءك جزيل وحبلك متين وامكانك عتيد وجارك عزيز ووبأسك شديد ومكرك مكيد. فصل اللهم على محمد وال محمد خير خلقك الداعي الى حقك وعلى اله الطيبين الطاهرين الاخيار الاكرمين وعجل فرجهم واجعل فرجنا بفرجهم انك على كل شيء قدير وبالاجابة جدير.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
لا زلنا بين مناسبتين من المناسبات المنسوبة للزهراء (سلام الله عليها). كانت قبل ذلك وفاتها ويأتي بعد ايام ذكرى ولادتها (سلام الله عليها، فيحسن ان نستمر بالحديث عن بعض الشؤون التي ترتبط بها فلنفتح الحديث الان عما هو مبتلى به اجتماعيا وهو حرية المرأة. فهل للمراة حق الحرية كما تريد بعض المذاهب والمسالك الدنيوية التي تدعي الحرية والديمقراطية ومساواة الرجل مع المراة ؟ هل هذا صحيح، ام ليس لها الحرية في ذلك؟
وفكرة الحرية اساسا جعلها الدعاة لها مجملة، وغامضة لكي يرغب بها الناس، ويكون من المستطاع الدخول الى عقولهم وقلوبهم عن طريقها. ولكننا اذا اردنا الدقة في الفهم امكن تفسير الحرية بعدة تفسيرات، نذكر منها اربعة تفسيرات، اثنان منها تدعيها الدول الراسمالية التي تدعي الديمقراطية. واثنان منها تدعيها الدول الراديكالية او الثورية التي تدعي الخروج عن ربقة الاستعمار.
اما المعنيين الاولين فكما يلي:
المعنى الاول: الحرية من الافكار المسبقة المفروضة على الفرد والمجتمع من الخارج كاحكام العقل واحكام الدين. فلا حاجة حسب مدعاهم الى ان تحكمهم اية فكرة او نظام خارج قناعاتهم ومصالحهم الدنيوية من اي دين من الاديان ومن اي عقل من العقول. وهذا هو الذي اسّف بهم نحو الرذيلة والظلم والتسافل الاخلاقي والاجتماعي. فمثلا قلنا في بعض الخطب السابقة انه من الاكيد ان الزنا واللواط والسفور وشرب الخمر محرم في اديانهم كما هو محرم عندنا، وهي من الوصايا العشر التي يسير عليها اليهود والنصارى معا. مع انهم عاصون لكل تلك الاحكام ومهملون لكل تلك الوصايا.
المعنى الثاني: الحرية بمعنى تساوي فرص العمل الاقتصادي للمجتمع. وهذا موجود عندهم من الناحية النظرية فقط، والا فمن الواضح ان الاقوى والاذكى هو الذي يمكنه ان يستغل هذه الفرصة وهذه الحرية، ويدع ملايين الناس يدورون على لقمة عيشهم ومكان مسكنهم. اذن، تكون من الناحية العملية لا حرية موجودة الا للقلة المتننفذة والمسيطرة على المجتمع، ويكون الباقون كلهم مظلومون من هذه الناحية ولا يوجد تكافئ فرص حقيقي للجميع اطلاقا.
وهذا هو الحاصل في دولهم فعلا، وفي نظام شعوبهم حقيقة، ولذا نرى الاحتجاجات والمظاهرات واساليب الارهاب متفشية فيهم جدا. وذلك حينما يدافع المظلومون عن حقوقهم.
واما المعنيين الاخرين للحرية والتي تتبناه كشعار الدول الراديكالية الثورية، ولعل اكثر الدول فيما يسمى بالعالم الثالث هي كذلك اي تتبنى مثل هذا الشعار. وهذان المعنيان كما يلي:
المعنى الاول: الحرية من الاستعمار، حيث تكون الدولة الحديثة قد سيطرت على ارضها وشعبها واخرجت الحكم الاستعماري والقوة الاستعمارية من بلادها. وهذا الى هنا جيد جدا وقد احسنت به صنعا، كما قال تعالى: ((ما جعل للكاغرين على المؤمنين سبيلا)). الا انه من الناحية الواقعية والتطبيقية لم يكن الامر كذلك بكل تاكيد، فان عامة الدول الراديكالية تخضع بكل وضوح للسيطرة الاستعمارية وليس فيها حرية من الاستعمار حقيقة. فلو حملنا كلامها او شعارها على الصحة قلنا: انها حرية من الاستعمار بشكله القديم، ورضا وقناعة بالاستعمار بشكله الجديد. او نقول انه حرية من الاستعمار بشكله الصريح وقبول بالاستعمار بشكله المبطن والمكتوم. او نقول انه حرية من الاستعمار بمعنى الحكم المباشر من قبل المندوب السامي كما كانوا يعبرون. بحيث تعتبر اراضي الدولة الاخرى من جملة اراضي الدوله المستعمرة، كما كان مطبقا في اغلب دول افريقيا، وهو مطبق الان في كندا واستراليا وغيرهما.
فالمهم ان عددا كبيرا من الدول تحررت من الاستعمار المباشر، الا انها لم تتحرر من الاستعمار غير المباشر وهو اطاعة الدول الاستعمارية، وتطبيق مناهجها ومخططاتها واهدافها. اذن، فالحرية من الاستعمار عمليا غير موجودة في الدول الراديكالية.
المعنى الثاني: الحرية الداخلية، وهي حرية ابداء الراي وحرية الصحافة وانهم يدعون ان لكل شخص ان يتكلم بما يريد بدون حسيب او رقيب. وهذا هو الذي جعلته الدول الراسمالية من مفاخرها وادعت الدول الراديكالية السير على نفس الطريق ايضا.
الا انه من الواضح ان هذا غير مكفول حقيقة في الدول الراسمالية نفسها فضلا عن الدول الراديكالية وذلك لانه يواجه عدة نقاط ضعف:
النقطة الاولى: ما قلناه فيما سبق ان هذه الفكرة وان كانت موجودة شكليا، الا انها غير موجودة حقيقة لانها لاتشمل النظام الاساسي للدولة، او اسرارها او مسلماتها وكل من يخرج على ذلك يعاقب بالعقاب الاليم. وبالتالي لا حرية له.
النقطة الثانية: ان وسائل الاعلام كلها في الدول الراسمالية وغيرها عمليا هي بيد الدولة، ولا يمكن اخراجها من قبضتها وليس لكل احد ان يتكلم من خلالها ما يشاء حقيقة، الا اذا كان موافقا مع الخط العام للدولة لا محالة. اذن، فالحرية من هذه الجهة مفقودة.
النقطة الثالثة: اننا لو فرضنا انه وجدت فرصة محدودة لبعض الافراد والجماعات ان يبرزوا رايهم ويقولون كلمتهم، كما قد يحصل احيانا، اوضمن الصحف وضمن الاحتجاجات والمظاهرات، فانما هو مجرد راي لايسمع ولا ينفذ، بل يلقى الاذن الصماء لا محالة. كانهم يقولون ان لك ان تقول ما تشاء، الا لنا ان نترك قولك ايضا ونهمله ونحتقره فان الحرية موجودة للطرفين. ومن ثم لا يكون الاحتجاج والمناقشة مؤثرة قليلا ولا كثيرا.
اذن، فهذه الحريات غير مكفولة لا للرجل ولا للمراة، لا في الدول الراسمالية، ولا في الدول الراديكالية. او قل لا في الدول الغنية، ولا في الدول الفقيرة. واذا كانت هي غير مكفولة للرجل فهي بالنسبة الى المراة اسوء واردئ، لانها كانت ولا زالت الجانب الاضعف بطبيعة الحال في العالم كله.
فان اولئك الذين ينادون بالمساواة بين الجنسين في دولهم لم يكفلوا ذلك عمليا للمرأة فضلا عن غيرهم من الدول ولا زالت نسبة النساء عندهم كمذيعات مثلا او صحفيات او مدراء عامين او وزراء او رؤساء وزراء او ملكات او رئيسات جمهورية، لا زالت هي النسبة الاقل جدا في كل العالم ولم تحصل المساواة بكل تاكيد بين الرجل والمرأة، ولن تحصل انشاء الله تعالى ما دام العالم مليئا بالظلم والفساد ولم يمتليء قسطا وعدلا. بل الامر عندهم يمكن ان يتعدى ذلك اي عدم المساواة بين الرجل والمرأة حتى الى الاعمال البسيطة نسبيا كالموظفات والعاملات في الشركات والرياضيات والمعلمات وغير ذلك فانه لا زالت نسبتهن اقل وان كان المستوى الاول اوضح من هذه الجهة.
الان نأتي الى الرأي الديني اسلامي في ذلك. فاول خطوة اننا نقدم بعض الاطروحات، بعد الالتفات الى نقطة ضرورية وهي ان الدين لم يكفل حرية المرأة من جميع الجهات بطبيعة الحال بل ولا حرية الرجل من جميع الجهات بل اعتبره عصيانا وتسيبا ولا انسانية انه الانسان يكتسب حريته امام الله سبحانه وتعالى، ويؤدي ذلك الى فشل الفرد والمجتمع بل من المستطاع القول ان العقوبات الدنيوية الشديدة التي جاءت على بعض المجتمعات قبل الإسلام، كالطوفان والخسف والقذف وغيرها انما حصلت لان افراد المجتمع اتخذوا الحرية في اعمالهم حسب مشتهياتهم ورغباتهم ولم يطيعوا دينهم وعقلهم ومن ثم قيل الحرية هي التقيد بالنظام، وليس بكل نظام بل بالنظام التكاملي الحقيقي والانساني. ومن ثم يكون سلبا للحرية الشخصية بالمعنى المتسيب بطبيعة الحال. وانما الحرية الحقيقية هي الحرية من النفس الامار بالسوء ومن الشهوات والمظالم والتمحض بطاعة الله سبحانه، بخلاف المسالك الدنيوية في فهم الحرية من حيث انها اتباع للمصلحة الخاصة والرغبات وبالتالي اطاعة النفس الامارة بالسوء فيكون ذلك مصداقا وتطبيقا لقوله تعالى ((جعل الهه هواه واضله الله على علم)).
وانما الحرية الحقيقية هي الحرية من المئاثم والمظالم. وفي الرواية ان الامام الكاظم موسى بن جعفر (عليه السلام) كان يمر في بعض الطرقات اذ خرجت جارية من احد المنازل وكان منزلا فخما بهيا لتلقي القمامة في الطريق وكأنما في هذه القمامة ما يدل على انها مخلفات خمر ومجون والعياذ بالله، فسألها الامام (عليه السلام): من صاحب هذا البيت ؟ قالت: مولاي بشر (وهو الذي سمي ببشر الحافي بعد ذلك). قال لها: مولاك حـر ام عبد. قالت: حر. قال: نعم لو كان عبدا لما عصى مولاه. فدخلت الدار فقال لها بشر مولاها: اين كنت ؟ فذكرت له كلام الامام (عليه السلام) بدون ان تعرفه طبعا. فقال لها: صدق (سلام الله عليه) ثم خرج الى الطريق يركض ليلحق بالامام ثم انه تصدق بكل ماله واصبح من الزاهدين ولقب بشر الحافي لانه كان يسير بدون نعلين.
اذن فالمطلوب الحقيقي، هو ان يكون الانسان حرا من النفس الامارة بالسوء وعبدا لله عز وجل، لا العكس وهو ان يكون حرا من اطاعة الله تعالى والعياذ بالله وعبد لنفسهه وشهواته وهواه.
اذن فلا توجد في الدين لا على المستوى الشرعي ولاعلى المستوى الاخلاقي ولا على المستوى العقلي حرية دنيوية بهذا المعنى بل هي الفساد بعينه ولم تعطى لا للرجل ولا للمرأة وحديثنا اصلا عن المرأة، اذن فلم تعط المرأة الحرية الكاملة وانما اعطيت بعض الحرية فكما لم يعط الرجل الحرية الكاملة وانما اعطي بعضها فبالنسبة الى المرأة يمكن ان نطرح الاطروحات التالية:
الاطروحة الاولى : ان الاسلام كفل حرية المرأة اخرويا، ولم يكفلها من الناحية الدنيوية.
الاطروحة الثانية : ان الاسلام كفل حرية المرأة نسبيا الا انه لم يؤمن بتساوي الرجل والمرأة في ذلك، بل قال من اول الامر وبصراحة ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله)).
الاطروحة الثالثة : ان الاسلام كفل الحرية الاقتصادية للمرأة اي عمل المرأة بمقدار حرية الرجل الا انه من الناحية الاخلاقية ليست كذلك من حيث ان القيود الموضوعة على المرأة اكثر مما هي على الرجل من هذه الناحية.
ولا بد من النظر الان بالمقدار الذي يناسب الحال في هذه الاطروحات من حيث اسبابها اعني ادلتها الاسلامية ومن حيث نتائجها ومعلولاتها.
اما الاطروحة الاولى فقد كفل الاسلام اخرويا كما قال تعالى في هذه الاية اللطيفة وكل ايات القران لطيفة: ((ان المسلمين والمسلمات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما)).
ثم يتعرض القرآن الكريم بعد ذلك مباشرة في الاية التي تليها بان الحرية المسحوبة عن الرجل ايضا هي مسحوبة عن المرأة وهي الحرية في العصيان والتمرد على الحق والعدل فانه ليس في مصلحتهما ذلك بكل تاكيد ولا يجوز لاي منهما ذلك بكل تاكيد، قال الله تعالى: ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة (اي الاختيار والحرية) من امرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)). فالرجل والمرأة كما هما متساوون بالمغفرة والرضوان كذلك هما متساوون في تحمل مسؤولية العصيان. وقل هما سواء في الثواب والعقاب معا. وقال تعالى: ((ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد * فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض * فالذين (يعني الذكر والانثى) هاجروا واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لاكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب)). وقال تعالى: ((ومن يعمل من الصالحات من ذكر او انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا)). وقال: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)). وقال: ((يا ايها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خير منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنبازوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون)).
ومن الممكن القول ان سياق هذه الايات الكريمات هو اخروي اكثر منه دنيويا وخاصة حينما يقول ((القانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والصائمين والصائمات)) او يقول ((اني لا اضيع عمل عامل من ذكر وانثى)). اذن فالذكر والانثى متساوون من الناحية الاخروية جزما اي من ناحية قبول العمل وامكان التكامل والحصول على الثواب ونحو ذلك. واما من الناحية الدنيوية فهما غير متساويين من حيث ان المرأة ممنوعة عن كثير من الامور الميسورة للرجال شرعا كالتقليد والقضاء وامامة الجماعة للرجال ونصف الحصة في الارث ((للذكر مثل حظ الانثيين)) وذلك ثابت في الاولاد والبنات والاخوة والاخوات والجدة والجدات والزوج والزوجة وكذلك الشهادة بالهلال وكذلك في اصل الشهادة يكون الاثنين من النساء كواحد من الرجال.
هذا من حيث الاسباب ونتعرض الى النتائج في الخطبة التالية انشاء الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم

الجمعة الخامسة والعشرون 10 جمادي الثاني1419
الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الهي لو دعوت غيرك لاخلف رجائي، وانت ثقتي ورجائي ومولاي وخالقي وبارئي ومصوري. ناصيتي بيدك تحكم في كيف تشاء لا املك لنفسي ما ارجو ولا استطيع دفع ما احذر اصبحت مرتهنا بعملي، واصبح الامر بيد غيري. اللهم اني اصبحت اشهدك وكفى بك شهيدا واشهد ملائكتك وحملة عرشك وانبيائك ورسلك على ان اتولى من توليته واتبرء ممن تبرأت منه واومن بما انزلت على انبيائك ورسلك فافتح مسامع قلبي لذكرك حتى اتبع كتابك واصدق رسلك واومن بوعدك واوفي بعهدك فان امر القلب بيدك. اللهم اني اعوذ بك من القنوط من رحمتك، واليأس من رأفتك فاعذني من الشك والشرك والريب والنفاق والرياء والسمعة، واجعلني في جوارك الذي لا يرام، واحفظني من الشك الذي صاحبه تيهان. اللهم وكلما قصر عنه استغفاري من سوء لا يعلمه غيرك فعافني منه واغفره لي فانك كاشف الغم ومفرج الهم يا رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما فامنن علي بالرحمة التي رحمت بها ملائكتك ورسلك واوليائك من المؤمنين والمؤمنات. اللهم رب هذا اليوم وما انزلت فيه من بلاء او مصيبة او غم او هم فاصرفه عني وعن اهل بيتي وولدي واخواني ومعارفي ومن كان مني بسبيل من المؤمنين والمؤمنات. اللهم اني اصبحت على كلمة الاخلاص وفطرة الاسلام وملة ابراهيم ودين محمد صلواتك عليه واله. اللهم احفظني واحيني على ذلك وتوفني عليه وابعثني يوم تبعث الخلائق فيه واحعل اول يومي هذا صلاحا واوسطه فلاحا وآخره نجاحا برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن المجتبى والحسين الشهيد بكربلاء وصل على الائمة التسعة بعد الحسين السجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والحجة المهدي صاحب الزمان ائمتي وسادتي وقادتي بهم اتولى ومن اعدائهم اتبرأ في الدنيا والاخرة.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نعود الان الى الفروق الشرعية بين الرجل والمرأة وكون المرأة اكثر قيودا من الرجل فلماذا حصلت هذه الظاهرة بعد الالتفات الى ان الدين قد اعطى فرصة العمل للمرأة اعني العمل الاقتصادي والكسب او نقول العمل خارج المنزل كما اعطى هذه الفرصة للرجل، طبعا مع الالتزام بسائر الواجبات والكف عن سائر المحرمات والتي من اوضحها وجوب الحجاب وكذلك التقيد في الكلام طبقا لقوله تعالى ((ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)). ومعنى العمل يشمل ضمن هذه القيود كثير من النشاطات والحقول بما فيها التعليم والطب والتجارة والصحافة والمزارعة والحدادة والبناء وغير ذلك.
ولا يخطر في بالكم ان لبس العباءة مناف مع العمل فانه ان كان منافيا مع بعض الاعمال كالزراعة والبناء فانه ليس منافيا مع كثير من الاعمال الاخرى كالتعليم والطب والتجارة وغيرها فانها تستطيع ان تقوم باعمالها ضمن حجابها وعبائتها، مضافا الى اننا نعرف وتعرفون ان المطلوب شرعا هو الحجاب وهو ستر ما يجب ستره من جسم المرأة واما اسلوب الحجاب ونوعيته اونوعية الساتر فلم يقل به الشارع الاسلامي المقدس بشيء.
اذن فيمكن ان يكون باي طريقة متيسرة وهذا هو الذي يسمى بالحجاب الشرعي اذا كان مضبوطا من ناحية وغير مثير غالبي ونوعي للغريزة كما لو كان جميلا جدا او ملونا او مشغولا باشكال التطريز، فهذا لا يجوز. فتلبس المرأة بما يسمى جبة بسيطة وربطة بسيطة ولكنها مضبوطة وتعمل.
ولكننا مع ذلك لا ننصح النساء اللابسات للعباءة ان يبدلن الى ذلك الزي لان العباءة على اي حال هي الاحوط استحبابا والانسب بالاتجاه الاخلاقي الا ان هذا لا ينبغي ان يؤدي الى القول بان الدين منع عن العمل المنافي للبس العباءة.
نعم من كان من الفقهاء من يوجب ولو بالاحتياط الوجوبي ستر الوجه للمرأة كأية الله الخوئي (قدس سره) وغيره لا تكون النتيجة عنده نفس النتيجة لوضوح ان ستر الوجه منافي مع العمل الا نادرا. ومعه يكون الدين كانه قد منع المرأة عن العمل غير ان هذا الاشكال يرتفع فيما اذا قلنا كما هو الصحيح بجواز كشف الوجه والكفين لها ويكون العمل ميسورا لها بهذه الطريقة.
ولكنا هنا ايضا نقول اننا لاننصح للملتزمات بستر الوجه بـ(البوشية) ونحوها ان يكشفن وجوههن لانه اولا: لان الستر اي ستر الوجه احوط استحبابا وثانيا: لان الكشف فيه مظنة الفتنة والاثارة الجنسية وخاصة اذا كانت المرأة حسناء نسبيا. واما اذا حصل الاطمئنان بوجود الاثارة حرم كشف الوجه عليها لا محالة.
اذن فينبغي ان ينحصر عمل المرأة مع حاجتها او اقتضاء المصلحة العامة لذلك او امر الولي العام العادل به ونحو ذلك وكل هذه الموارد كثيرة وحترمة شرعا واجتماعيا، واما بدون ذلك فالافضل للمرأة ان تتكفل بيتها واسرتها كما في الحكمة (جهاد المرأة حسن التبعل)).
واما ما يفعله النساء في هذا العصر سواء المحجبات نسبيا منهن او غير المحجبات من الاختلاط والتبرج والخلاعة والغناء والرقص والتبسط في الكلام مع الرجال الاجانب وكذلك الرضا والتجاوب مع الفرق الغنائية الواردة الينا من خارج الحدود فكله فساد وافساد وجناية على الفرد وعلى المجتمع ولا يؤدي الا الى غضب الله المنتج لبلاء الدنيا وبلاء الاخرة وانا لله وانا اليه راجعون.
نعود الان الى شرح السبب الممكن ادراكه وبيانه في فوارق الاحكام بين الرجال والنساء. ايضا بعد الالتفات الى ان مقتضى الادب الحقيقي اما الله سبحانه ترك السؤال عن اسباب الاحكام ووجوه الحكمة فيها وان مثل هذه الاسئلة تمثل جرأة على الله تعالى وسوء ادب امام عظمته واما الفرد المؤمن من رجل او امرأة اذا احرز بالحجة الشرعية حكمه الشرعي فعليه الطاعة والامتثال ليعود على نفسه وغيره بالخير والسعادة في الدنيا والاخرة وكما تقول الحكمة (ان الفرد يجب ان يكون تجاه طاعة الله تعالى، كالميت بين يدي الغسال) يقلبه كيف يشاء، ويكون الفرد على مستوى التسليم بالاحكام والقبول لها والرضا بها لا على مستوى التمرد عليها والمناقشة لها.
ومن هنا قلنا انه في منطق الدين طبق ولا تناقش، فان هذا النقاش انما يكون تجاه المخلوق ممكنا لا تجاه الخالق. وانما جاءت بامثال هذه النقاشات الاتجاهات الاستعمارية الظالمة الغاشمة التي تستهدف اضلال المسلمين وتشكيكهم في دينهم.
لاحظوا .. ان السياسة الغربية مهما اتجهت الى الدنيا، وهذا اكيد وصريح الا انها تشعر في داخل نفسها بشيء من العاطفة الدينية التي تفهمها وهي الديانة المسيحية ويدلنا على ذلك امران على الاقل:
الامر الاول: الحروب الصليبية، فانها كانت قائمة على اساس ديني بعنوان ان بيت المقدس قد اعتدى عليه المسلمون، واحتلوه فيجب في نظرهم تخليصه من يد المسلمين، واعادته الى السيطرة المسيحية اذن فالحروب الصليبية مبنية على اساس ديني سواء من قبل الجيش الصليبي المسيحي المهاجم وكذلك من قبل الجيش الاسلامي المدافع.
الامر الثاني: انهم اتفقوا في القرن الميلادي الثامن عشر وما بعده ان يسموا احزابهم باسماء ذات صفة دينية بالرغم من انها من الدين براء ولكنهم حرصوا على اي حال ولو على مجرد الاسم فكانت الاسماء هكذا الحزب الديمقراطي المسيحي الالماني، الحزب الديمقراطي المسيحي الفرنسي، الحزب الديمقراطي المسيحي الايطالي وهكذا. فانهم كان يمكنهم حذف لفظ المسيحي لكنهم تركوه، لماذا ؟ لانهم في باطن نفوسهم يشعرون بشيء من الاهمية لدينهم. ولا زالت هذه الاحزاب على ذلك وهي يمينية باصطلاحهم. ومعنى صفة الديمقراطية في قولهم الديمقراطي هو الاهتمام بالدنيا، ومعنى صفة المسيحية حينما يقولون المسيحية الاهتمام بالدين ولو اسميا.
وحسب فهمي، ان الاهتمام بالديمقراطية يختص بسياساتهم الداخلية لشعوبهم، والاهتمام بالمسيحية يختص بمخاصمة ومواجهة الشعوب المستعمرة غير المسيحية من شعوب مسلمة او بوذية او غير ذلك لردها عن دينها واخراجها عن مسؤوليتها وخاصة الاسلام وخاصة المذهب الجعفري الشيعي الاثنى عشري وولاية امير المؤمنين (عليه افصل الصلاة والسلام). وكانت من جملة ذلك ان بثوا التساؤل واشاعوه عن الحكم والاسباب للاحكام الشرعية وهم يعرفون ان اغلب الناس والعوام لا يستطيعون الجواب عليها فيكفي ان تبقى الشبهة في النفس للطعن بحكمة الله وقدرته ومن ثم تسبب الشبهات ارتداد الفرد والمجتمع عن دينه فنكون اسوأ حالا من شعوبهم بكل تاكيد. فانهم قد يتمسكون بدينهم ولو من الناحية الشكلية واما نحن فتكون النتيجة اننا براء من الدين واقعيا وشكليا حقيقة والعياذ بالله.
ويدعم هذه الفكرة، ما سمعته من الثقات انهم سموا الحرب الامريكية الاخيرة في العراق بحرب مريم العذراء، وهو اسم ديني مسيحي في نظرهم وان كانت مريم العذراء منه براء، ولكنهم لم يعلنوا ذلك وسموا تلك الحرب من الناحية السياسية الظاهرية بعاصفة الصحراء.
وانا اعتقد انه لم يكن المستهدف منها الجانب السياسي بمقدار ما كان الهدف منها ضرب الدين والمتدينين الموجودين في العراق، وقتل الكثير منهم، وتعجيزهم عن هداية الاخرين، والهائهم بمشاكلهم الشخصية من اسرة وطعام وشراب في ظل ما يعلمونهم ويعملونه ويستهدفونه من غلاء الاسواق وقطع الكهرباء وضرب المعامل وتهديم البيوت وغير ذلك كمضاعفات للحرب.
اذن فينبغي ان نكون على مستوى المسؤولية الحقيقية من عصيان هؤلاء الكفار وافشال اهدافهم الدنيئة والتمسك بديننا واهدافنا ومجتمعنا فانهم بالرغم من عظمتهم الظاهرية لا يستطيعون ان يقدموا للمجتمع والبشرية اي نفع او اي عدالة حتى لو ارادوا ذلك فانهم لا يملكون لا في دينهم ولا في دنياهم اي اهداف حقيقية واي اعمال عادلة سوى طمعهم بالسيطرة على الشعوب وسلب خيراتها وتجويعها وتمرير السياسات الظالمة عليها.
فالمهم، انهم لا يمكنهم ان يقدموا اي هدف حقيقي، او اي عمل عادل وانما الهدف الحقيقي عندنا في الاسلام وفي ولاية امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام). يكفي ان نلتفت الى ان المسيحية اصلا او الدين المسيحي اصلا ليس فيه تعاليم شرعية، وليس فيه فقه اطلاقا لان المسيح نفسه (عليه افضل الصلاة والسلام) كان في عصره في تقية مكثفة من الدولة البيزنطية التي كانت ملحدة في حينه، وناصرة لليهود في حينه، فلم يستطيع ان يؤدي للناس والمجتمع اية تعاليم وتشريعات، والانجيل بشكله الموجود خال من ذلك تماما اي من التعاليم والتشريعات التي نسميها باللغة الاسلامية الفقه والتشريع، لاتوجد اطلاقا. وانما اقتصر على بعض البيانات الالهية المربوطة بعظمة الله ووصف ما يسمى بعالم الملكوت اوعالم الجبروت وذكر بعض النصائح الاخلاقية المبسطة لا اكثر.
في حين ان دين الاسلام جاء بما اصطلح عليه بعض المفكرين، بالاطروحة العادلة الكاملة فهو يكفل بتعاليمه كل مكان، وكل زمان وكل طبقة وكل مجتمع وكل ثقافة حتى كان ذلك من معجزات النبي (صلى الله عليه واله)، كما قلنا في بعض الخطب السابقة وحتى ان اهمية التعاليم الشرعية الفقهية وفروع الدين لا تقل اهمية عن اصول الدين بالرغم من اهمية اصول الدين وقدسيتها. فعلى المسلمين جميعا وعلى المؤمنين خصوصا من رجال ونساء ملاحظة دينهم الكافل لخيرهم وسعادتهم وكمالهم في الدنيا والاخرة والحذر من دسائس الاخرين ومخططاتهم ما اوتي الفرد الى ذلك سبيلا.
وعلى اي حال فهل من الانصاف ان يلتفتوا هم _اي الغربيون_ الى دينهم ولو قليلا ولا نلتفت الى ديننا ولو قليلا ! تلك اذن قسمة ضيزى كما تقول الاية الكريمة. وهم يشعرون بشيء من الاهمية لدينهم ولا نشعر بشيء باية اهمية لديننا ! هم اعطوا الرجال الحرية في التصرف ولا نعطي الرجال في ديننا الحرية في التصرف ! هم يقدسون رجال دينهم ويخضعون لهم ويطيعونهم في امور دينهم ونحن نحتقر رجال ديننا ونعصيهم ونبعدهم عن امورنا الشخصية والاجتماعية ! هل هذا خير ؟! مع ان اكثر رجال دينهم عصاة لدينهم يشربون الخمر وياكلون لحم الخنزير ويسرقون ويمكرون مع ان الصفة العامة للحوزة الاسلامية الشيعية طبعا ولرجال الدين عندنا هو الاخلاص وقول الحق والتفاني في سبيل الغير ونفع الاخرين دينيا ودنيويا فاي قياس بين رجال دينهم ورجال ديننا. فهم اجتمعوا على باطلهم وتفرقنا عن حقنا.
وخطابي هذا ليس لهذه الوجوه الطيبة اذ لولا شعوركم بالمسؤولية لما حضرتم الى صلاة الجمعة جزاكم الله خيرا وانما الخطاب الى عامة الناس وكل المجتمع وخاصة اولئك الذين يعتبرون الكلام اي كلام الشريعة وكلام الله ورسوله كانه ليس معهم وانهم غير مشمولين اصلا بتعاليم الدين والعياذ بالله فاذا قلت له شيئا قال لك: (تصير برأسي متشرع) ! كانه يسخر منك. وهؤلاء خسروا انفسهم في الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين. يكفي ان نلتفت انني دعوت عدة فئات للتوبة من هنا وهم السالكون والعشائر والسدنة. اما السالكون فقد تاب كثير منهم جزاهم الله خيرا اي التائبين جزاهم الله خيرا واما الذي لم يتب لا جزاه الله خيرا واذاقه حر الجحيم. واما العشائر والسدنة فلم نجد منهم اي اثر الى هذه اللحظة. وما ذلك الا لانهم يفضلون دنياهم على دينهم وهذا ليس سوء للحوزة اطلاقا وانما هو سوء لهم وضرر لانفسهم ومسؤولية لهم امام الله تعالى في الدنيا والاخرة وانما نصحناهم بما فيه خيرهم ورضاء ربهم عنهم كما يقول الشاعر:
على المرء ان يسعى بمقدار جهده وليس عليه ان يكون موفقا
وعلى اية حال لا زالت الفرصة موجود لهم الى الان بان يتوبوا الى الله سبحانه وتعالى وليس الى السيد محمد الصدر طبعا. وستبقى مفتوحة لهم باستمرار ما دام المرء في هذه الحياة وما دام النفس يصعد وينزل.
ولا زال الحديث عن المرأة موجودا ونعود اليه في الجمعة الاتية انشاء الله تعالى اذا بقيت الحياة.
بسم الله الرحمن الرحيم
انا انزلناه في ليلة القدر * وما ادراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من الف شهر * نتزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر * سلام هي حتى مطلع الفجر *
صدق الله العلي العظيم



يتبع


توقيع : ابو غدير الساعدي
اللهم عجل لوليك الفرج
من مواضيع : ابو غدير الساعدي 0 عجيبة غريبة !!!!؟؟
0 هل أسم الأمام علي "ع" ثقيل على عائشة ؟؟
0 المخالفة الجلية في نصرة سبط خير البرية
0 الأثبات الكبير لظلامة السبط البشير "ع"
0 أين ذهبت ( حي على خير العمل ) من الآذان ؟؟

الصورة الرمزية ابو غدير الساعدي
ابو غدير الساعدي
عضو برونزي
رقم العضوية : 64616
الإنتساب : Mar 2011
المشاركات : 324
بمعدل : 0.06 يوميا

ابو غدير الساعدي غير متصل

 عرض البوم صور ابو غدير الساعدي

  مشاركة رقم : 32  
كاتب الموضوع : ابو غدير الساعدي المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-03-2011 الساعة : 05:46 PM


الجمعة السادسة والعشرون 17 جمادي الثاني1419
الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
لاطاعة الدين الاسلامي واحترامه الصلاة على محمد وال محمد: (اللهم صل على محمد وال محمد).
لاطاعة واحترام ولاية امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام)، الصلاة على محمد وال محمد: (اللهم صل على محمد وال محمد).
لاطاعة واحترام الحوزة الشريفة الصلاة على محمد وال محمد: (اللهم صل على محمد وال محمد).
لدحر واستنكار مكر الماكرين وعناد المعاندين، الصلاة على محمد وال محمد: (اللهم صل على محمد وال محمد).
لدحر واستنكار الاستعمار الظالم، الصلاة على محمد وال محمد: (اللهم صل على محمد وال محمد).
لدحر واستنكار اسرائيل الظالمة المجرمة، الصلاة على محمد وال محمد: (اللهم صل على محمد وال محمد).
بقي شيء قبل الخطبة اود ان ابينه لكم بسيط وليس بسياسي لان الجمعة الاتية انشاء الله هو الذكرى الاولى لاقامة صلاة الجمعة في وسط العراق وجنوبه فيحسن على من يستطيع منكم من اهل الفن والاختصاص ان يجعل لنا ويفكر لنا بوجود مجسمة رمزية تمثل صلاة الجمعة:
اولا: ان تكون فيها جهة دينية، وليس فيها عصيان للتعاليم الدينية من قبيل مجسمة ذوات الارواح.
ثانيا: ان يكون تجسيما بالذوق الحديث وليس بالذوق القديم.
ثالثا: انا نعطي جائزة الى ثلاثة من الفائزين الاول في مثل هذه المسابقة.
ونقبل الاعمال من الان الى نهاية شهر رجب، انشاء الله تعالى شأنه العزيز.
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
الهي لا تؤدبني في عقوبتك، ولا تمكر بي في حيلتك. من اين لي الخير ولا يوجد الا من عندك، ومن اين لي النجاة ولا تستطاع الا بك. لا الذي احسن استغنى عنك، ولا الذي اساء خرج من قدرتك. يا رب بك عرفتك، وانت دليلي ولولا انت ما دريت ما انت. الحمد لله الذي ادعوه فيجيبني، وان كنت بطيئا حين يدعوني. والحمد لله الذي اسأله فيعطيني، وان كنت بخيلا حين يستقرضني. والحمد لله الذي وكلني اليه فاكرمني، ولم يكلني الى الناس فيهينوني. والحمد لله الذي تحبب الي، وهو غني عني. اللهم لا اجد شافع اليك الا معرفتي بانك افضل من قصد اليه المضطرون، اسالك مقرا بان لك الطول والقوة والحول والقدرة، ان تحط عني وزري الذي قد خسأ ظهري، وتعصمني من الهوى المسلط على عقلي، وتجعلني من الذين انتجبتهم لطاعتك. اللهم اني ادين على طاعتك، وولاية محمد نبيك، وولاية امير المؤمنين حبيب نبيك، وولاية الحسن والحسين سبطي نبيك، وسيدي شباب اهل جنتك، وادينك يا رب بولاية علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، وسيدي ومولاي صاحب الزمان. ادينك يا رب بطاعتهم وولايتهم وبالتسليم بما فضلتهم راضيا غير متكبر على معنى ما انزلت في كتابك.
اللهم صل على محمد وال محمد وادفع عن وليك وخليفتك ولسانك والقائم بقسطك والمعظم لحرمتك والمعبر عنك والناطق بحكمك وعينك الناظرة واذنك السامعة واهد المجتهد في طاعتك واجعله في وديعتك التي لا تضيع وايده بجندك الغالب واعنه واعن عنه واجعلني ووالدي وما ولدت وولدني من الذين ينصرونه وينتصرون به في الدنيا والاخرة واشعب به صدعنا وارتق به فتقنا. اللهم امت به الجور ودمدم بمن نصب له واقصم به رؤوس الذلالة حتى لا تدع منهم على الارض ديارا.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نعود الان الى الحديث عن المرأة، لاننا بدأناه قبل جمعة او اكثر ولم ينتهي المطلب لحد الان. وكان السؤال الرئيسي الذي قلناه عن الفوارق الواضحة في احكام الرجل والمراة بحيث يبدوا ان احكام المراة اشد صعوبة من احكام الرجل، ويمكن الجواب على ذلك بعدة مستويات:
المستوى الاول: ان للرجل احكاما خاصة به اما تشريعا واما اجتماعيا واما اقتصاديا صعبة ايضا، قد وضها الله سبحانه وتعالى ورفعها عن المراة وهي غير مسؤولة عنها وانما المسؤول عنها هو الرجل وهي عديدة يمكن ان نمثل لها بعدة امثلة:
المثال الاول: الجهاد، فانه خاص بالرجل ولا يشمل المراة بضرورة الدين، والمفروض في الجهاد انه موجب للقتل او احتمال القتل وبهذا تحرز النساء سلامتهن من الموت وبقاءهن على قيد الحياة كما قال الشاعر:
كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جر الذيول
المثال الثاني: العمل او الكسب، فانه خاص بالرجال اجتماعيا، وعرفا وان لم يكن كذلك نظريا وتشريعيا. والعمل فيه مصاعب شتى، ومن جميع الجهات المحتملة الممكنة، حتى تعريض الحياة للخطر وقد سمعت من بعض اهل العمل يقول: (الحياة فداء للعمل)، اي العمل لله سبحانه وتعالى وهو باب ينفتح منه كثير من الابواب. واما التعرض الكثير للانواء الجوية كالحر والبرد والرياح وغير ذلك فهو الغالب للناس في حين ان المراة تكون في راحة من ذلك كله ياتيها رزقها رغدا ومجانا صباحا ومساءا.
المثال الثالث: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فانه خاص عمليا واجتماعيا بالرجال، وان لم يكن تشريعيا كذلك طبعا. ومن المعلوم ان هذه الوظيفة الشرعية المقدسة ليست سهلة دائما، بل فيها مصاعب واحراجات قد لا تكون متوقعة، بل قد تؤدي احيانا بالفرد الى الموت. والمرأة في راحة من كل ذلك، فانها ان امرت بالمعروف اونهت عن المنكر‏ في نطاق ضيق وسالم النتائج اطمانانا، فانها انما تفعل ذلك في نطاق سالم النتاءج بحسب الاطمئنان النفسي.
المثال الرابع: عدم جواز ضربها او قتلها عند الصراع والعناد، لااقل اجتماعيا ان لم يكن نظريا. فيقال عرفا عنها انها امرأة لايجوز فيها ذلك وهذا واضح عرفا. وهذا المعنى العرفي عام للنساء والرجال معا يعني كلا الجنسين لا يجوز ان يضرب المرأة او يقتلها لا الرجل يقتل المرأة ولاالمرأة تقتل المرأة، وهل رأيت طول الزمان امرأتان تتضاربان او امرأة تقتل امرأة او سمعنا بذلك ؟ لا يوجد. اذن فالنساء من هذه الناحية في حماية بقدر الله وقضائه وارادته.
المثال الخامس: التدخل في الامور الاجتماعية، فانه غالبا وعرفا للرجال وليس للنساء ولا يخفى ما فيه من احراجات وازعاجات حتى تؤدي الى السجن او التعويق او القتل او الغرق او الحرق .. في حين تضمن المرأة سلامتها من هذ الجهات والشارع المقدس حين اعفاها عن الرئاسة والولاية انما ضمن سلامتها من هذه الجهة وضمن الراحة لها في الحقيقة.
المثال السادس: عدم جواز التجمل الزائد للرجل، فالرجل يخرج متجملا بكثافة وكثرة لا يجوز اصلا لانه حرام. وذلك على مستويين اما ان يكون تجمله مثيرا للفتنة النوعية والغريزة الجنسية فيكون حراما واما ان يكون متشبها بلباسه بالنساء فيكون حراما ايضا. فالمهم ان التجمل الزائد من الرجل حرام وكذلك هو ممنوع اجتماعيا وعرفا في حين هو جائز للمرأة بل احيانا يكون مطلوبا ومستحبا لها وبالتالي فهي ريحانة لا قهرمانة واما الرجل فلا يصدق عليه ذلك بطبيعة الحال.
المثال السابع: ان نسبة الجمال وهو قلما يلتفت اليه وهو ان نسبة الجمال في الخلقة الالهية في النساء اعلى جدا منه في الرجال ونسبة القبح بالخلقة ايضا في الرجال اعلى جدا منه في النساء. يكفي ان نلتفت وهذا انا ملتفت اليه منذ زمان الى ان نسبة الصلع في الرجال كثيرة في حين لا توجد امرأة صلعا تقريبا او تحقيقا ولا واحدة فلم نسمع عن واحدة اصلا وهذا من الكرامات العالية والنعم الضافية على نوع المرأة حقيقة.
المثال الثامن: ان التربية الغالبة للاطفال انما هي بيد النساء وخارج عن طوق الرجال عمليا واجتماعيا وليس تشريعيا ولا نظريا وهذا وان كان صعبا نسبيا الا ان معناه ان الله تعالى حباها تكوينا بتحمل مسؤولية التربية الاساسية للانسان ومن ثم للبشرية وكانت هي الجانب الاهم فيها ومن المعلوم ان التربية الاساسية انما يكون في الصغر وما يتعلمه الفرد في صغره لا يستطيع ان يتخلى عنه في كبره ولذا نلاحظ انه لو كان الاب والام مختلفين في اللغة او في اللهجة او في اسلوب الكلام كان الاتجاه الغالب في الذرية او قل في الولد او قل في البنت كان الاتجاه الغالب فيهم هو اسلوب الام لكثرة المخالطة والمعاشرة بينهما بنسبة اعلى جدا من الرجل الاب.
المثال التاسع: ان الله تعالى ابتلى الرجل بمسؤولية الاجتهاد والفتوى بل قد يكون ذلك واجبا اما بالوجوب الكفائي او بالوجوب العيني احيانا. في حين يكون ذلك ساقطا عن ذمة المرأة اي ليس واجبا وان كان مستحبا ولكنه لا يحتمل فيه الوجوب اصلا. فاذا علمنا ان مسؤولية الفتوى عظيمة عند الله وانها مظنة الحرام والعقاب في الجحيم لانها اذا كانت بغير حق ماذا تكون نتيجتها غير الجحيم، عرفنا عندئذ ما حباه الله للمرأة من فراغ الذمة وعدم المسؤولية من هذه الناحية فلا مورد لها اي للفتوى بالنسبة الى النساء كي تبتلي بالعقوبة التي يمكن ان يبتلي بها الرجال. ويمكن ان نفهم اهمية الفتوى عدة مضامين:
منها: الحكم بان من افتى بغير علم اكبه الله على منخريه في النار.
ومنها: ما هو مروي عن العلامة الحلي يوسف بن المطهر (قدس الله روحه الزكية) انه قال لولده: لولا كتاب الالفين وزيارة الحسين لقصمت الفتوى ظهر ابيك نصفين. فهو يشعر باهمية الفتوى عند الله سبحانه وتعالى، وخطورتها عند الله سبحانه وتعالى وحتى خطورتها الدنيوية ايضا موجودة وكلنا نعلم ذلك.
ومنها: ماورد بمضمون ان الحاكمين او القضاة اربعة واحد منهم في الجنة قاض قضى بالباطل وهو يعلم انه باطل وقاض قضى بالباطل وهو لا يعلم انه باطل وقاض قضى بالحق وهو لا يعلم انه حق فهؤلاء كلهم في النار وقاض قضى بالحق وهو يعلم انه حق فهو في الجنة.
ولا فرق من هذه الناحية بين القضاء والفتوى وكما ان الله سبحانه اسقط الفتوى عن ذمة المرأة اسقط القضاء عن ذمتها ايضا فهذه نعمة وان حسبها اهل الشبهات وجملة من النساء نقمة عليهن بل هي نعمة عليهن في الحقيقة.
المثال العاشر: كشف الرجل رأسه في الحج فان ذلك واجب وجزء من الاحرام كما ثبت في الشريعة في حين ان هذا غير موجود للمرأة فلها ان تلف رأسها اعتياديا ويلحق بذلك عدم جواز التظليل للرجل ومعنى ذلك ان الرجل يجب ان يبقى رأسه تحت الانواء الجوية من حر او برد او رياح او شمس في حين ان المرأة سالمة من كل ذلك وهذا وان كان في سبيل الله والاطاعة لامر الله. والتضحية في سبيل الله امر جيد وقليل امام الله سبحانه وتعالى ولكن كما قال الامام في بعض الادعية (ولكن عافيتك اوسع لي) فالمرأة من هذه الناحية في عافية.
فهذه عشرة موارد يكون موقف الرجل فيها اشد واصعب اما عرفا واما شرعا والمرأة فيها جميعا مرتاحة وفارغة الذمة وكل هذه الموارد قاعدة عامة تنطبق على كل الرجال وهذا يعني ان لها مئات الملايين من التطبيقات في اجيال البشرية. ومن الممكن القول وهذا بمنزلة النتيجة انه اذا قيست مصاعب المرأة التي تشتكي منها هي بمصاعب الرجل فان مصاعب الرجل عموما اقوى وارجح من مصاعب المرأة وهذا من النعم الالهية بطبيعة الحال على المرأة. فهذا هو الكلام في المستوى الاول.
المستوى الثاني : ان ننظر الى الثواب الجزيل الذي وضعه الشارع المقدس الله سبحانه وتعالى المولى الحقيقي وضعه للمرأة اذا قامت بمسؤوليتها الشرعية واطاعت ربها حق الطاعة قال الله تعالى: ((اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى)) وقال تعالى: ((ان اكرمكم عند الله اتقاكم)) فلو كانت المرأة افضل في التقوى من اي واحد من الرجال كانت خير منه ولا نزاحم في ذلك ولا بأس به. وقال تعالى: ((لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)) فلو كانت المرأة اعلى درجة في العلم اي في العلم الحق في الحقيقة من اي واحد من الرجال كانت خيرا منهم. كما قال الشاعر:
ولو ان النساء كمن عنينا لفضلت النساء على الرجال
وقد ورد بمضمون: ان جهاد المرأة حسن التبعل وحسن تربيتها لاولادها وهو التعويض الذي عوضها الله سبحانه وتعالى به عن تحمل مسؤولية الجهاد للرجال. ومعنى ذلك وهو ايضا قلما يلتفت اليه ان لهن في العناية بالزوج والاولاد ثواب الجهاد فعلا وان التي تموت في هذا الصدد تموت شهيدة كالذي يموت في الجهاد فعلا ومن المعروف ان المرأة لو ماتت في الولادة وانتم تعرفوه وموجود في الارتكاز المتشرعي ومروي ان المرأة لو ماتت في الولادة فانها ممن تجب لها الجنة وقد كان الطب خلال مئات السنين السابقة ضعيفا ومن هنا كان موت الوالدات ظاهرة متكررة كثيرا، فاذا ماتت المرأة عند الولادة وهي بعقيدة سليمة دخلت الجنة لا محالة.
وقال تعالى: ((ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصاد قات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما)). وهذا واضح في تساوي الرجل والمراة من حيث الاهمية الدينية والثواب الاخروي كما قلنا في الجمعة السابقة. ولكن نريد ان نضيف الان بعض الاوصاف التي تكون بها المراة مصداقا وتطبيقا لهذه الصفات المذكورة في الاية:
اولا: المسلمات. فانما تكون المراة مسلمة بحسن العقيدة اولا، والمهم هو الثاني ان الاسلام ياتي بمعنين، بمعنى العقيدة التي جاء بها نبي الاسلام (صلى الله عليه واله)، والمعنى الثاني التسليم الحقيقي لله سبحانه وتعالى في قضاءه وقدره وعدم الاعتراض عليه بقليل او كثير فكذلك قد ينطبق على المرأة كما قد ينطبق على الرجل وهذا اصعب الفردين في الحقيقة.
واجعل لكم قرينة من الاية تدل على ذلك وهو السؤال ما الفرق بين المسلمين والمسلمات من ناحية والمؤمنين والمؤمنات من ناحية ؟ فاذا فسرناها بالعقيدة اذن يكون تكرار بمضمون الاية ! لا انا اقول ان المؤمنين والمؤمنات اي المؤمنين والمؤمنات بالعقيدة، والمسلمين والمسلمات هو التسليم لقضاء الله وقدره والصبر على حسن بلائه.
ثانيا: القانتات. والقنوت وان كان هو رفع اليد بالدعاء الا انه في الحقيقة اللغوية هو الخضوع والذلة امام الله سبحانه وتعالى والمفروض في الفرد المؤمن ان يستشعر الذلة امام الله سبحانه وتعالى باستمرار ما اؤتي الى ذلك سبيلا.
ثالثا: الصادقات. والصدق هو القول المطابق للواقع ومنه الفعل المطابق للواقع والوعد المطابق للواقع والعقيدة المطابقة للواقع فيقال هو صادق في قوله وهو صادق في فعله وهو صادق في وعده وهو صادق في عقيدته، وهذه صفات لا يفرق فيها بين الجنسين بطبيعة الحال. واذا كان المرء او المرأة كذلك كانوا في افضل الدرجات عند الله سبحانه وتعالى.
رابعا: الصابرات. والصبر هو حسن التحمل لبلاء الدنيا باحتساب الى الله سبحانه وتعالى ورضا بقضاءه والا فمع الاعتراض على قضاء الله وقدره لا يكون الصبر اطلاقا موجود ولا يحصل الثواب عليه بل يحصل العقاب هم بلاء الدنيا وهم بلاء الاخرة في الحقيقة. والمهم ان الشارع المقدس ياخذ المؤمنين بنظر الاعتبار من حيث تعرضهم لانواع البلاء الدنيوي ويأمرهم بالصبر ويعطيهم الثواب عليه. ويأخذ المؤمنات بنظر الاعتبار من حيث تعرضهن لانواع البلاء من الزوج والاولاد واهل الزوج والجيران مثلا فيأمرهن بالصبر ويعطيهن الثواب الجزيل عليه.
لاحظوا … واحد او واحدة تأتي وتقول انا صابرة ومحتسبة وهي تكذب لماذا ؟ لانها لا تملك لسانها. فانها تتكلم لماذا هذا الشيء هكذا ؟ ولماذا هكذا ؟ … مع ذلك تزعم انها صابرة ومحتسبة او الرجل كذلك يتكلم ضد القضاء والقدر الالهي ويزعم انه صابر ومحتسب ! خاب فالك وخسئت نفسك الامارة بالسوء. فالصبر لا يجوز ان يكون مع الكلام البذيء على المخلوق او على الخالق ثم يزعم الفرد انه صابر كلا بل هو فاجر وليس بصابر.
حتى لو تحمل الذلة من المخلوقين بالمقدار الممكن فانه سيكون عظيما عند الله وثوابه جليلا عند الله والذلة في الدنيا انما هي عزة الاخرة والعزة في الدنيا انما هي ذلة الاخرة. واما بالنسبة الى الله &
بسم الله الرحمن الرحيم
والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا * فاثرن به نقعا * فوسطن به جمعا * ان الانسان ربه لكنود * وانه على ذلك لشهيد * وانه لحب الخير لشديد * افلا يعلم اذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور * ان ربهم بهم يومئذ لخبير *
صدق الله العلي العظيم

الجمعة السادسة والعشرون17 جمادي الثاني1419
الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
اللهم لك الحمد حمدا دائما مع دوامك خالدا مع خلودك. ولك الحمد حمدا لا امد له دون مشيتك ولك الحمد زنة عرشك ورضا نفسك ولك الحمد حمدا لا اجر لقائله دون رضاك. ولا حول ولا قوة الا بالله قوة كل ضعيف ولا حول ولا قوة الا بالله عز كل ذليل ولا حول ولا قوة الا بالله غنى كل فقير. ولا حول ولا قوة الا بالله عون كل مظلوم. ولا حول ولا قوة الا بالله ملجأ كل مهموم. ولا حول ولا قوة الا بالله كهف كل مغموم. ولا حول ولا قوة الا بالله فكاك كل اسير. ولا حول ولا قوة الا بالله مؤنس كل وحيد. ولا حول ولا قوة الا بالله دافع كل بلية. ولا حول ولا قوة الا بالله عالم كل خفية. ولا حول ولا قوة الا بالله كاشف كل كربة. لولا حول ولا قوة الا بالله صاحب كل سريرة. ولا حول ولا قوة الا بالله موضع كل رزية. ولا حول ولا قوة الا بالله الفعال لما يريد. ولا حول ولا قوة الا بالله رازق العباد. لا حول ولا قوة الا بالله عدد ما خلق. ولا حول ولا قوة الا بالله غاية كل طالب. ولا حول ولا قوة الا بالله سرمدا ابدا لا ينقطع ابدا. ولا حول ولا قوة الا بالله عدد الشفع والوتر.
اللهم اني اسألك بحرمة هذا الدعاء وبحرمة هذا اليوم المبارك ان تصلي على محمد وال محمد وان تغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما ابديت وما اخفيت وما انت اعلم به مني وان تقدر لي خيرا من تقديري لنفسي وتكفيني ما يهمني وتغنيني بكرم وجهك عن جميع خلقك عن جميع خلقك وترزقني حسن التوفيق وتصدق علي بالرضا والعفو عما مضى والتوفيق لما تحب وترضى وتيسر لي من امري ما اخاف عسره وتفرج عني الهم والغم والكرب وما ضاق به صدري وعيل به صبري فانك تعلم ولا اعلم وتقدر ولا اقدر وانت على كل شيء قدير برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وال محمد اوليائك على خلقك وحججك على عبادك صلاة كثيرة دائمة.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نكمل الان ما بدأنا به في الخطبة الاولى.
خامسا: من الصفات المأخوذة في الاية الشريفة الخاشعين والخاشعات. وهو الشعور بالذلة والضآلة امام العظيم المطلق جل جلاله وقد يخطر في الذهن اننا فسرنا القانتين والقانتات بنفس التفسير تقريبا فما هو الفرق بينهما فكلاهما يعني الذلة امام الله سبحانه وتعالى اذن كانه لا فرق بينهما ؟ جواب ذلك ان المعنى في الشعور بالذلة امام الله تعالى مشترك بين اللفظين القانت والخاشع ولكن يتميز احدهما عن الاخر ببعض الصفات والخصوصيات منها ان يكون القنوت هو الدعاء بذلة امام الله تعالى يعني الشعور بالعجز عن نفع النفس وعن قضاء حوائج المرء ومن هنا يدعو الله تعالى لينفعه ويقضي حاجته وييسر اموره.
واما في الخشوع فليس للدعاء وانما هو لمجرد العاطفو ويرجع ذلك في الحقيقة الى ان القنوت انما يكون هو الذلة لتصور قدرة الله تعالى عليه وضعف الانسان تجاه خالقه. واما الخشوع فتصور عظمة الله تعالى وذلة الانسان تجاه عظمته تبارك وتعالى والله تعالى عظيم ولا نهائي من سائر الجهات والانسان حقير وذليل تجاهه من سائر الجهات.
سادسا: المتصدقين والمتصدقات ولعلك تقول اني حين اعطي فقير او المتطلب شيء من المال فقد تصدقت عليه وهذا صحيح الا ان هذا الاسلوب ليس هو الفرد المنحصر والطريقة الوحيدة للصدقة اذ من الواضح ان الطلب لا دخل له في الصدقة بل هي مطلق قضاء حاجة المحتاج سواءا طلب منك شيئا او لم يطلب بل هي عند عدم الطلب اولى بالصحة واكثر ثوابا بالمبادرة اليه لقضاء حاجته قبل ان يطلب قضاء حاجته. كما انها غير منحصر بالمال القليل فلو قضيت حاجته بمال كثير فهو صدقة ايضا. كما انها غير منحصر بالجانب الاقتصادي فلو قضيت للمؤمن اي نحو من انحاء الحاجة والضرورة فقد تصدقت عليه.
الا ان الفرد الاكمل والافضل من كل ذلك هو الصدقة بالنفس على الله سبحانه وتعالى وذلك ببذل النفس في سبيله بكل صورة يعني اطاعته والتذلل امامه في كل حكم مهما قل وكثر حتى لو لزم في ذلك القتل والتنكيل. الم تسمع قوله تعالى ((ويقبل الصدقات)) فماذا يعني ((يقبل الصدقات)) ؟ يعني ان الله تعالى يقبل الصدقات هو بنفسه يقبل الصدقات وليس ان الفقير يقبلها. وفي الرواية ان الصدقة تقع في يد الله سبحانه قبل ان تقع في يد الفقير، وليس انه سبحانه محتاج اليها لكنه قابل لها وشاكر عليها جل جلاله.
والخطوة الاخرى اذا كانت الصدقة بالنفس لم يكن غيره هو الذي يتقبل العمل نعم يمكن ان تفدي نفسك في سبيل غير الله سبحانه وتعالى. ولكن الاسلام يقول ان النفس ثمينة جدا بحيث لا يجوز بذلها في سبيل المخلوق بل يجب بذلها فقط في سبيل الخالق جل جلاله. وقال تعالى ((لا ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم)). فالجهة المادية وهو الاكل والاستهلاك تكون للجهة المادية وهو الفقير مثلا او صاحب الحاجة او اي شيء اي للبطون الجائعة لا انها تصل الى الله لانه غني عن العالمين والجهة المعنوية وهي التقوى هي التي تصل اليه سبحانه وتعالى ويتقبلها من عبده كما قال ((ولكن يناله التقوى منكم)). وايضا هو لا يستفيد منها، هل هو يستفيد من تقواي او تقواك ؟ ايضا هذا لا يفيده وانما المستفيد هو العبد نفسه وكل ذلك جعله الله من اجل فائدة البشرية وتكامل البشرية.
سابعا: الصائمين والصائمات. والصوم معروف وهو الامساك عن المفطرات مع النية يعني قربة الى الله تعالى. الا ان المفطرات تختلف باختلاف مستويات الفهم ويكون معنى الصوم مناسيا لها. فمرة تعتبر المفطرات هي المفطرات الفقهية الاعتيادية، ويكون الصوم عنها هو الصوم الواجب او المستحب. واخرى نفهم من المفطرات امورا اخرى كالشهوات وحب الدنيا وغير ذلك مما ينبغي الامساك عنه والصوم عنه كما قال تعالى: ((واما من خاف مقام امر ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى)). وفي الحديث القدسي (الصوم لي وانا أُجزى به) لانك لاتصوم عن شهواتك في سبيل اي شيء الا لله سبحانه وتعالى. وكذلك فان الصوم هو العبادة الوحيدة التي ليس لها مظهر خارجي وبذلك تكون بعيدة عن الرياء ما لم يصرح به صاحبه انه انا صائم انا صائم. وحين يكون بعيدا عن الرياء يتمحض لله سبحانه وتعالى فيكون هو الذي يُجزي به.
ومن هنا ورد ما مضمونه: انه اذا سئلت انك صائم او انك صليت صلاة الليل؟ فلا تقل لا، لانك تكون كاذبا وانما تقول الله تعالى رزقني ذلك. يعني ان الفرد لاجل دفع احتمال الرياء يميل ان يقول لا فيكذب، فيقع فيما هو اشد حرمة وهو الكذب. ولذا يعلمه المعصومون ما هو الجواب الصحيح وهو ان يقول الله رزقني ذلك ووفقني له.
ثامنا: والحافظين فروجهم والحافظات. يعني عن الزنا والشبهة مع حسن الالتفات والتدقيق في مثل هذه الامور جيدا وعدم اهمالها او التسامح بها كما يفعل جماعة من غير المتفقهين او غير المتورعين فان الاحتياط في الدماء والفروج واجب باجماع الفقهاء جيلا بعد جيل. ويمكن ان يشمل هذا التوجيه القرآني الكريم امرين آخرين:
الامر الاول: صيانة سائر الجسد من الحرام الجنسي حتى العين والاذن وكله من الزنا ولذا سمي بزنا النظر فانه حرام سواء كان من قبل الفاعل وكذلك المنفعل اذا كان ملتفتا ومتعمدا، يعني الناظر والمنظور اليه. فكما ان الطرفين هو زاني بالزنا الحقيقي والفعلي احيانا فكذلك الطرفان زانيان بزنى النظر او بزنى البسمع او بزنى اللمس وغيرها. ومن هنا كانت السافرة والمكشفة زانية بهذا المعنى الا انه زنا ليس عليه حد بل حده التوبة والاستغفار.
الامر الثاني: الصداقة مع من لا يستحق او بدون مبرر شرعي مرضي لله سبحانه او التعلم عند من لا يستحق وهكذا … فان الزنا الاعتيادي انما يكون بدون مبرر شرعي اذن فكل علاقة بين اثنين بدون مبرر شرعي بل لمجرد الشهوة النفسية وحب الدنيا والمصلحة الشخصية فهو من الزنا بالمعنى المعنوي. وانما تحفظ فرجك كما امرك الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في ما اذا لاحظت علاقاتك واصدقائك من جميع الجهات وحصرت ذلك كله برضا الله سبحانه وتعالى خدمة له وتضحية في سبيله.
تاسعا: الذاكرين والذاكرات. قال الشاعر: والذكر للانسان عمر ثاني. يعني اذا تعذر الاتصال بالشخص بالمباشرة كان الذكر نوعا من الاتصال. والله تعالى يتعذر اصالنا به بالمباشرة فيكون ذكرنا له نوعا من الاتصال به. والذكر قد يكون من الواجبات وقد يكون من المستحبات كما قد يكون قليلا مقتصرا على الصلاة فقط وقد يكون كثيرا كما قال تعالى: ((اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة واصيلا)) اي صباحا ومساءا. كما ان الذكر ينبغي ان يكون مع الاخلاص والحب ومعه يكون طريقا واضحا وضروريا لزوال المستويات المتدنية لدى الانسان كالمحرمات والاسفاف والتسامح في الدين وترك الورع ونحو ذلك. بل يكون الذاكر لله سبحانه ملاحظا لنفسه معتنيا باقواله وافعاله فان صدرت منه طاعة حمد الله عليها وان صدرت منه سيئة بادر الى الاستغفار عنها. ومن الطبيعي ان امثال هؤلاء سواء من الرجال او من النساء يكونون مشمولين لوعد الله سبحانه بالاجر والثواب وهو قوله تعالى ((اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما)) وهو في نهاية هذه الاية هكذا يقول. ويستاهلون الله يجزيهم بالخير.
اذن فالاجر والثواب على كل مصاعب الدنيا مع حسن الصبر والاخلاص وعلى طاعة الله سبحانه ايضا مع الصبر والاحتساب موجود لكل البشر اي لمن كان كذلك منهم ويهتم بذلك منهم وكل من يكون كذلك في المستقبل فان الله خير لا يريد لنا الا الخير و لا يعطينا الا الخير وهذا امر مشترك بين الرجل والمرأة. بل ان تصورنا ان المرأة اصعب في امورها الدينية وقد ادت ذلك باخلاص كان ثوابها اكثر من ثواب الرجل لا محالة الا من ندر ولذا سمعنا قول الشاعر: لفضلت النساء على الرجال.
ولكن من تكون وكيف تكون هذه المرأة التي تجرد كل ذاتها وتصرفاتها وكلامها وسكوتها وعلاقاتها وتجندها في سبيل الله تعالى وترضى بكل ما يقضي ويقدر ؟ والمفروض بجميع النساء ان يكن كذلك.
المستوى الثالث : عن اختلاف احكام الرجل عن احكام المرأة. اننا نعلم ان الله تعالى عادل مطلق وحكيم مطلق يضع كل شيء في موضعه المناسب له ماديا او معنويا او عقليا او نفسيا او اي شيء آخر ومن حيث المهم لنا الان انه يعطي لكل فرد ولكل مجموعة من الاحكام والاوضاع والحالات افضل ما يتصور له وانسب ما يكون به. كذلك خص الرجال ببعض الاحكام التي تناسبهم وتكون اوفق بحالهم وخص النساء ببعض الاحكام التي تناسبهن وتكون اوفق بحالهن كل ما في الامر اننا لا نعرف ما هو المناسب للرجل وما هو الموافق مع المرأة، لماذا ؟ لاننا جاهلون بالحقائق وبعيدون عن الواقعيات والنفس الامارة بالسوء هنا موجودة. والله تعالى يجعل المناسب حسب علمه وحكمته لا حسب علمنا وشهواتنا والنفس الامارة بالسوء التي بين جنبينا بطبيعة الحال.
ومن الواضح ان الحكم الالهي من الدقة والعمق بحيث لا تصله عقولنا ولا تحيط به افهامنا كما قال تعالى ((ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء)) فما شاء من العلم اعطانا جل جلاله وما شاء من العلم منعنا جل جلاله. ومن الواضح ايضا ان الفروق في الاحكام بين الرجل والمرأة لا منشأ لها ولا سبب لها الا الاختلاف الحقيقي والتكويني بين الرجل والمرأة فباعتبار اشتراكهما في الانسانية جعل الله لهم احكام مشتركة وباعتبار اختلافهما في الحال والتفاصيل والخلقة جعل الله لكل منهما احكام تخصه. والذي ينفعنا الان هو التعرض الى بعض جهات الاختلاف الحقيقية بينهما لكي نعرض بعض وجوه الحكمة في الاختلاف من الاحكام:
اولا: انه من الواضح ان المرأة لها فترات حمل وولادة وحيض واستحاضة ونفاس ورضاع وهي امور مهما قلنا فيها فهي اقرب الى معنى المرض منه الى معنى الصحة كما انها اقرب الى معنى الوسخ والقذارة منه الى النظافة والنزاهة وهذه الامور مركوزة في خلقة جسد المرأة لا يمكن لها التخلص منها بحال. ومن هنا كانت لها الاحكام الخاصة بها ومن الواضح انه كلما كان الوسخ اكثر كان تنظيفه اصعب سواء من الناحية المادية او من الناحية المعنوية.
ثانيا: ان عاطفة المرأة اقوى من عاطفة الرجل. وهذا يؤدي الى عدة نتائج:
الاولى: ان نسبة عاطفتها او قوة عاطفتها إلى عقلها تكون اكثر من نسبة عاطفة الرجل الى عقله.
الثانية: ان هذه العاطفة تكون مؤيدة للنفس الامارة بالسوء لدى المرأة ما لم تكن ورعة حقيقة. وخاصة وقد اعطاها الله تعالى نسبة من الجمال والرقة ما لم يعط الرجل وهذا طريق كما يمكن صرفه في الحق كذلك يمكن صرفه في الباطل والعياذ بالله. كما حصل في اغلب النساء مع شديد الاسف.
الثالثة: ان هذه العاطفة تكون مؤيدة لحب الدنيا بما فيها من راحة ورفاه ومال وبنين وكذلك للغيرة من غيرها من النساء ومن الاسر وهذا بطبعه كما يمكن صرفه بالحق كذلك يمكن صرفه بالباطل بل سيكون سببا للباطل لا محالة الا من عصم الله.
الرابعة: انها سوف تفضل مصلحة نفسها على مصلحة غيرها ويكون من الصعب عليها التضحية في سبيل الاخرين مع ان التضحية ستكون مع قوة القلب وقلة العاطفة كما في الرجل اسهل منها في المرأة.
الخامسة: انها سوف تفضل مصالحها الخاصة على المصالح العامة ولا تدرك او لا تحاول ان تدرك ان هناك مصالح عامة يجب التضحية لها والتطبيق لاحكامها بل كانها تعيش لوحدها هي الامرة الناهية.
السادسة: ان قوة العاطفة سوف تصرف نفسها ووقتها الى تطبيقات هذه العاطفة وهي امور دنيوية في الغالب بل هي امور دنيوية دائما وتختلف باختلاف طبع المرأة وتطلعات المرأة. والمهم ان ذلك سوف يسيطر عليها ويمنعها من التفكير الجاد في مستقبلها ومجتمعها وآخرتها وبالتالي يصعب عليها اكثر من الرجل التدقيق العقلي في العلوم واستيعاب المصطلحات المعمقة بل ستأخذ الحياة بشكل ساذج وبسيط نسبيا.
ثالثا: من الفروق بين الرجل والمرأة انه يمكن ان يقال ان الكيان المعنوي للمرأة او الروحي او الباطني اضعف من كيان الرجل وهذا هو السبب الرئيسي حسب فهمي للحكم شرعا بان ((الرجال قوامون على النساء)) وان العمل خارج البيت للرجال لان امثال هذه الاعمال وهي كثيرة ومعقدة وخطرة احيانا تحتاج الى عمق عقلي وقوة قلب وسيطرة على الارادة اكثر مما تتحمله المرأة. وهذا معناه ان المرأة وان كان يجوز لها العمل خارج المنزل باي حقل من الحقول المناسبة للشريعة والمجتمع الا انها لا يمكن ان تصل في نجاحها وضبطها الى مستوى الرجل الا من عصم الله.
ومن اعظم ذلك امام الله سبحانه مسؤوليات القضاء والفتوى او التقليد ومسؤوليات الرئاسة والولاية فانها كلها مسؤوليات ضخمة لا تطيقها المرأة او قل انه لا يناسب مع الكيان المعنوي والباطني للمرأة وان الله تعالى رحم المرأة بابعادها عن هذا وغيره مما لا يناسبها وافرغ ذمتها منها. ومن هنا قيل خاب قوم حكمتهم امرأة وقال امير المؤمنين (عليه السلام): (يا اشباه الرجال ولا رجال) اي ولستم برجال (وعقول ربات الحجال) اي النساء. لان الحرب تحتاج الى عقل وصبر وتحمل لم ترزق المرأة مثله وانما هو خاص بالرجل ومن هنا سقطت مسؤولية الجهاد عن المرأة.
والظاهر ان جملة من الاحكام انما وضعت لمنع الاختلاط المتزايد بين الجنسين وفرض الحد والحشمة والجدية في العلاقة بينهما ولا اقل ان العلاقة ان وجدت فليست بامضاء ورضاء الله سبحانه وتعالى بما في ذلك منع المرأة من امامة الجماعة للرجال وكذلك الشهادة بالهلال في اول كل شهر فان امثال هذه الامور فيها اهتمام وازدحام وازعاجات كفى الله تعالى المرأة عن تحمل مسؤولياتها ومضاعفاتها.
بسم الله الرحمن الرحيم ا
لحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين *
صدق الله العلي العظيم


توقيع : ابو غدير الساعدي
اللهم عجل لوليك الفرج
من مواضيع : ابو غدير الساعدي 0 عجيبة غريبة !!!!؟؟
0 هل أسم الأمام علي "ع" ثقيل على عائشة ؟؟
0 المخالفة الجلية في نصرة سبط خير البرية
0 الأثبات الكبير لظلامة السبط البشير "ع"
0 أين ذهبت ( حي على خير العمل ) من الآذان ؟؟

الصورة الرمزية ابو غدير الساعدي
ابو غدير الساعدي
عضو برونزي
رقم العضوية : 64616
الإنتساب : Mar 2011
المشاركات : 324
بمعدل : 0.06 يوميا

ابو غدير الساعدي غير متصل

 عرض البوم صور ابو غدير الساعدي

  مشاركة رقم : 33  
كاتب الموضوع : ابو غدير الساعدي المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-03-2011 الساعة : 05:48 PM


الجمعة السابعة والعشرون 24 جمادي الثاني 1419
الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
حياكم الله جميعا والشكر من الله لكم وليس مني لانكم تجشمتم الصعوبة في سبيل اقامة شعائر الله والدفاع عن الحق فجزاكم الله خير جزاء المحسنين.
انا انصحكم، انه بعد الصلاة تبقون في اماكنكم، لا يغادر احد حتى تصلو ركعتين، شكرا لله على نهاية السنة الاولى لصلاة الجمعة، وبدأ السنة الثانية لصلاة الجمعة. فان انتهت صلاة الشكر، فتفرقوا جزاكم الله خيرا.
وانا سوف افتتح السنة الثانية لصلاة الجمعة المقدسة، بدعاء الافتتاح، كما فعلت في مناسبة سابقة. وانتم بعد كل فقرة قولوا يا الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اني افتتح الثناء بحمدك (يا الله)، وانت مسدد للصواب بمنك (يا الله). وايقنت انك انت ارحم الراحمين (يا الله)، في موضع العفو والرحمة (يا الله)، واشد المعاقبين (يا الله)، في موضع النكال والنقمة (يا الله)، واعظم المتجبرين (ياالله)، في موضع الكبرياء والعظمة (يا الله). اللهم اذنت لي في دعائك ومسألتك (يا الله)، فاسمع يا سميع مدحتي (يا الله)، واجب يا رحيم دعوتي (ياالله)، واقل يا غفور عثرتي (يا الله)، فكم يا الهي من كربة قد فرجتها (ياالله)، وهموم قد كشفتها (يا الله)، وعثرة قد اقلتها (يا الله)، ورحمة قد نشرتها (يا الله)، وحلقة بلاء قد فككتها (يا الله) .
الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا (يا الله)، ولم يكن له شريك في الملك (يا الله)، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا (يا الله). الحمد لله بجميع محامده كلها (يا الله)، على جميع نعمه كلها (يا الله)، الحمد لله الذي لا مضاد له في ملكه (يا الله)، ولا منازع له في امره (يا الله)، الحمد لله الذي لا شريك له في خلقه (يا الله)، ولا شبه له في عظمته (يا الله). الحمد لله الفاشي في الخلق امره وحمده (يا الله)، الظاهر بالكرم مجده (يا الله)، الباسط بالجود يده (يا الله)، الذي لاتنقص خزائنه (يا الله)، ولا تزيده كثرة العطاء الاجودا وكرما (يا الله)، انه هو العزيز الوهاب (يا الله).
اللهم صل على محمد عبدك، ورسولك، وامينك، وصفيك، وحبيبك، وخيرتك من خلقك، وخليلك من خلقك، وحافظ سرك، ومبلغ رسالاتك، افضل واحسن واجمل واكمل وازكى وانمى واطيب واطهر واسنى، واكثر ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على احد من خلقك وانبيائك ورسلك وصفوتك واهل الكرامة عليك من خلقك. اللهم وصل على علي امير المؤمنين، ووصي رسول رب العالمين، عبدك ووليك واخي رسولك وحجتك على خلقك، وايتك الكبرى والنبأ العظيم. وصل على الصديقة الطاهرة، فاطمة الزهراء، سيدة نساء العالمين. وصل على سبطي الرحمة، وامامي الهدى الحسن والحسين، سيدي شباب اهل الجنة . وصل على ائمة المسلمين، علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والخلف الهادي المهدي، حججك على عبادك، وامنائك في بلادك، صلاة كثيرة دائمة. اللهم وصل على ولي امرك القائم المؤمل، والعدل المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وايده بروح القدس يا رب العالمين. اللهم اجعله الداعي الى كتابك، والقائم بدينك، استخلفه في الارض كما استخلفت الذين من قبله، مكن له دينه الذي ارتضيته له، ابدله من بعد خوفه امنا، يعبدك لا يشرك بك شيئا. اللهم اعزه واعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا يسيرا، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا. اللهم اظهر به دينك، وسنة نبيك حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة احد من الخلق. اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة، تعز بها الاسلام واهله، وتذل بها النفاق واهله، وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك، والقادة الى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة. اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه، وما قصرنا عنه فبلغناه.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
طبعا هذا اليوم هو الذكرى السنوية الاولى لحصول صلوات الجمعة في وسط العراق وجنوبه، وانتشارها بهذا المقدار المركز الشريف واللطيف، وذلك كله بفضل الله سبحانه وتعالى، وهمة المؤمنين المخلصين، جزاهم الله خير جزاء المحسنين.
ونحن بالرغم من اننا قاصرون عن اداء شكر الله حق شكره، وحمده حق حمده، وطاعته حق طاعته، واداء حقه حق اداءه. ولكن لا بد من اداء البعض اذ كان الجميع متعذرا. فنؤدي حمده وشكره مع الاعتراف بالقصور والتقصير، وبالتضييع والتبذير، والاعتراف بانه جل جلاله اعطانا اكثر من استحقاقنا، ومنّ علينا اكثر من توقعنا، وقد قال جل جلاله: ((لئن شكرتم لازيدنكم وان كفرتم ان عذابي لشديد)) ونحن نتوقع المزيد من مننه، والكثير من الطافه الخاصة والعامة جل جلال المعطي.
فله الحمد عدد ما في علمه، وزنة عرشه، ومليء كونه، ومداد قلمه، وعدد ما احاط به علمه، ووسعته قدرته، وشملته ارادته. وله الحمد عدد الحصى والنوى، وعدد ما في الدنيا والعلى. وله الحمد عدد انفاس الخلائق، وعدد اوراق الشجر، وعدد ضياء الشمس والقمر، وعدد كل شيء، وملء كل شيء، وزنة كل شيء. وله الحمد والشكر اكثر مما احصاه العادون، واحاط به الاولياء والعالمون. حمدا يدوم ببقاءه، ويتصل آخره باتصال ملكه، حمدا عدد نعمه التي لا تحصى، والائه التي لا تجارى، وافضاله الذي لا يبارى، حمدا لا ينقطع عدده، ولا يفنى امده، ولا يحصى رفده، جل جلاله، ودام افضاله، ولا حد لسلطانه، ولا محصي لنعمه والائه.
الان نحاول ان نستفيد العبرة من هذه التجارب الدينية والاجتماعية، التي حصلت من خلال صلاة الجمعة في هذا العام، فان لكل شيء عبرة وموعظة، مهما كان قليلا او كثيرا، كما قال تعالى ((وكأين من اية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون)). واذا كان الامر مهما، كانت عبرته اكثر وتجاربه اعمق لا محالة، وكان اولى بالتذكر والاعتبار. ولئن جعلنا هذه التجارب مرقاة وانشاء الله نجعلها مرقاة، الى رضاء الله تعالى، ومقدمة للمزيد من عبادته، كان افضل مما اذا اخذنا الفائدة الدنيوية فقط، والتي لعل فيها خسران الدنيا والاخرة ((ذلك هو الخسران المبين)). فما هي العبرة ؟
اولا: العزة والشرف والرفعة الاجتماعية والدينية. التي حصلت للمذهب في كل العالم عامة، وفي العراق خاصة. ورفع ما كان من ذلة وقنوط، وخنوع واقتصار على الملاذ الشخصية، والارزاق التجارية والاسرية.
ومن هنا يمكن ان نلاحظ ان ما حصل هنا، (بهذه صلاة الجمعة الملتزمون بها جميعا انشاء الله) ما لم يحصل على مدى التاريخ لاي احد. وامامنا الان ايران، فانهم حين اقاموا صلاة الجمعة، نعم ما فعلوا، ولكن لم تكتسب اقامتها هذه الاهمية التي رايناها هنا في العراق، بالرغم من وجود دولتهم وحوزتهم، وانما نظر اليها العالم هناك كعبادة اعتيادية حصلت قناعة اعتيادية من قبلهم باقامتها.
واما هنا فكانت فتحا مبينا لا مثيل له، كما قال تعالى: ((انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تاخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ولله جنود السموات والارض وكان الله عليما حكيما ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما (القرآن ينطبق دائما. افهموه من زاوية ما هو موجود الان) ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم واعد لهم جهنم وساءت مصيرا ولله جنود السموات والارض وكان الله عزيزا حكيما انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما)).
ولك ان تفهم هذه الايات الكريمات كما شئت، ولكني اقول انها تنطبق على مقامنا هذا انطباقا عاليا وجليلا، فله الحمد والمنة.
ثانيا: ان الذي حصل خلال هذه السنة المباركة، هو ما قلته خلال هذه السنة عدة مرات، والفضل لله سبحانه وحده، يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ولكن إذا نظرنا الى الاسباب، فقد فتحت افواه جماعة من الخطباء (قد يصلون الى السبعين من خطباء الجمعة) في الموعظة والارشاد والترغيب والترهيب والتذكير بالامور الدينية والفقهية، بشكل يجب على الاخرين حظورها والاصغاء اليها. وهذا مما لا يحدث في سائر المواعظ، إذ قد لايتيسر للكثيرين مجرد الحضور، وقد لا يستمعون الكلام، اما عمدا، أو غفلة في اي خطبة، أو قصيدة، أو تعزية، أو حفلة، وانواعها وغيرها بخلاف صلاة الجمعة من هذه الناحية، نظيفة من جميع الجهات.
وتكون نتيجة ذلك هو زيادة الموعظة، والتثقيف الديني، والدخول إلى النفوس والقلوب. فحيا الله خطباء الجمعة، الذين جاهدوا وافادوا. وحيا الله الحاضرين المخلصين في كل مكان وزمان. وليس عليّ شكرهم، بل على الله الحليم الكريم.
ثالثا: انه قالت جماعة من الحوزة، ولعلها لازالت تقول: (ان اقامة صلاة الجمعة فتنة). وانما الفتنة هم الذين فتحوها، باصرارهم على عدم الحضور، ولو حضروا، لكان الانتصار اكثر، واتحاد الحوزة والمذهب اكثر. حتى انني قلت، انه بغض النظر عن السلاح، فاننا نستطيع عندئذ من الناحية المعنوية ان نواجه اسرائيل نفسها، (هناصاح المصلون اللهم صل على محمد وال محمد)، ونقول لها كلا ثم كلا، ارجعي من حيث اتيت.
فهم بعدم حضورهم، قد القحوا الفتنة، واوجدوها ونصروا اعداء الدين والمذهب، مع شديد الاسف، من حيث يعلمون أو لا يعلمون.
ويوجد هناك نص واضح في ان صلاة الجمعة ليست فتنة في مصدر رئيسي من مصادرهم، وهو احد اجزاء كتاب المستند للشيخ مرتضى البروجردي (قدس الله روحه)، وهو من تقريرات اية الله الخوئي (قدس الله روحه)، انقل لكم بعض عباراته التي تخص هذا الامر باختصار:
قال في الجزء الاول ص 32 بلسان من ينفي صلاة الجمعة، فيورد على ذلك عدة ادلة بعنوان نفي صلاة الجمعة، ويردها ويناقشها. يقول: (الرابع: انه يقول الخصم _لو صح التعبير_ ان ايجاب مثل هذا الحكم في زمن الغيبة مثار للفتنة وموجب للهرج والمرج، فلا يظن بالشارع الحكيم تشريعه). إلى ان يقول: (بل موجب لاختلال النظام، لتشاح النفوس في طلب الرئاسة والتصدي لمقام الامامة، فربما يؤدي إلى التشاجر والنزاع بين المسلمين، لانتصار اهل كل محلة لامامها، وقد ينجر إلى القتل).
ويجيب على هذا الوجه بعدة ايرادات، منها: (ان هذا التقرير على تقدير تسليمه، فانما يجدي لنفي العينية (يعني القول بالوجوب العيني لصلاة الجمعة) لا اصل المشروعية ولو تخييرا (يعني بينها وبين صلاة الظهر)، فان الوجوب التخييري لا الزام، فيه فلا يتضمن الفتنة لامكان التخلص منها لوجود المندوحة).
ومنها: (ان الفتنة ممنوعة من اصلها حتى على القول بالوجوب العيني، فان من قدم للامامة اما ان يرى غيره اهلا لاستجماعه للشرائط، اولا. فعلى الاول يجب عليه الائتمام به ولا حزازة فيه، وان كان دونه في المقام، فقد حث الشارع على التواضع ومجاهدة النفس، وحذر عن الانانية والكبر. وقد شاهدنا بعض زهاد العصر يأتم خلفه جم غفير من الجهابذة والاساطين وهم افقه منه واعظم شانا بمراتب غير قليلة …) إلى اخر ما قال.
والمهم انه إذا كانت مصادرهم الرئيسية تقول بعدم تحقق الفتنة، فماذا ولماذا هم يقولون بها ؟
رابعا: من النتائج التي حصلت والعبر التي حصلت بصلاة الجمعة، الشجاعة التي حصلت في الحوزة الشريفة من ناحية، وفي كثير من طبقات الناس جزاهم الله خير جزاء المحسنين، بل يمكن القول انها وجدت حتى في خصوم السيد محمد الصدر. وقد وصلت اليهم هذه الشجاعة من حيث لا يعلمون وكثير من هذه الامور وصلت اليهم وهم لا يعلمون. امثل لكم بمثالين:
المثال الاول : انه كان الاسلوب الاساسي هو التقليل من الدرس في الحوزة، واعتبار اكثر ايام السنة عطل، حتى لا يكاد يصل عدد ايام الدراسة الى ثمانين او تسعين يوم في السنةكلها، ولكن حينما جاء السيد محمد الصدر الى المرجعية، واصر على تكثير عدد الدروس، وجدنا ان سائر المراجع يكثرون من دروسهم، حتى انه كان المتعارف عدم البدء يوم السبت بعد التعطيل. وهذا كانه من الضروريات في الحوزة، ربما ان جملة منكم لم يسمع به، فكان ممنوعا في الحوزة الى عهد قريب الشروع يوم السبت بعد العطلة، والذي الغاه السيد محمد الصدر. فالان نجد ان كل المراجع او اغلبهم قد الغوه.
المثال الثاني : اني قبل حوالي اربع سنوات، وضعت لوحة للاعلانات في البراني، موجودة الى الان، وقد اثار ذلك في حينه موجة من الاحتجاج، حتى من قبل بعض خاصتي في ذلك، الحين وليسوا هؤلاء، بل كان غيرهم، على انه لا توجد عند المراجع، وغير مناسبة لك، واصررت على استمرارها. والمهم انني بعد عدة سنوات، زرت احد المراجع، فوجدت لوحة اعلانات معلقة على جداره في برانيه.
اذن فكثير من الامور من المصالح التي يراها المجتمع ضرورية وحيوية بعد ان كانت منسية ومطمورة ومنها الشجاعة، وانه لا حاجة للتقية المكثفة، والخوف المتزايد، بعد وضوح ان كثيرا من الامور فيها مصالح اكيدة، وليس فيها نقاط ضعف من هذا القبيل اكيدا، اذن فلا يرفضها، او يتجنبها، الا المدخول في عقله، ولوكانت للمصلحة الشخصية، اذن لبادر اليها واسرع اليها، ولكن المصلحة العامة لا يهتم بها مع شديد الاسف.
ومن بوادر الشجاعة، ما حصل هنا في مسجد الكوفة وغيره، من الهتافات والاهازيج، وكنت انا اعتبرها بصراحة نصرا للدين، وعزا للمذهب، كما هي كذلك جزى الله قائليها خيرا، الا اننا حينما ظهر لنا ان مضاعفاتها المحتملة، التي قد تعود بالمفسدة على الحوزة والدين كثيرة مع الاسف، وما يسمى بـ(الاصطياد بالماء العكر)، كنا مضطرين للاعتذار عنها على اية حال، وانما الاعمال بالنيات، والله تعالى يعلم ما في قلوب المخلصين، واستعدادهم للتضحية علىمختلف المستويات، وهذا كاف جدا جزاكم الله خيرا. واذا كانت هناك شجاعة انشاء الله تعالى، فاصرفوها بحذر وبشكل مدروس، وبالاساس مع الاستئذان من الحوزة العلمية الشريفة، وليس باتخاذ عمل او قرار بالاستقلال عنها، ومن دون الاستئذان منها والعياذ بالله.
خامسا: الوعي الدين والاجتماعي الذي حصل لكافة الناس، الذي حصل في داخل الحوزة الشريفة، وفي خارجها، ولم يكن ذلك ممكنا ان يكون بدون هذا النشاط الديني الشريف، اعني صلاة الجمعة المقدسة. ويمكن ان نضرب له عدة امثلة:
المثال الاول : ان الناس عرفوا بوضوح ان عدد من الحوزوين والوكلاء واضرابهم الذين كانوا يحسبونهم كجبرائيل (عليه السلام)، او ابو ذر (عليه الرضوان)، في السداد والصلاح، وكانوا يحملونهم على الصحة في كل اقوالهم وافعالهم وينخدعون بمظاهرهم.
اما الان فقد اصبح بكل وضوح، ان الاسلوب القديم قائم على القصور والتقصير، وعلى الاسفاف والتبذير، وعلى السكوت الشائن على المحرمات، مع انه ورد (الساكت عن الحق شيطان اخرس) وورد ما مضمونه: انه اذا كثر الفساد في المجتمع، فعلى العالم ان يظهر علمه، والا فعليه لعنة الله.
مع انه ليس في الاسلوب القديم شيء من ذلك، كما قال بعضهم، وانا نقلته سابقا لكنه لا بأس به للتذكير، انه لدينا امور اربعة: الاستخارة، والدرس، وصلاة الجماعة، وقبض الحقوق، فان كنت تسأل عن واحد منها فاهلا وسهلا، والا فأدر ظهرك واذهب، واهمها بطبيعة الحال _في نظرهم طبعا- قبض الحقوق التي تصل باذن الله للتوزيع في المجتمع وقضاء حاجة المحتاجين، لكن هم لا يوزعونها في المجتمع ولا يقضون بها حاجة المحتاجين الا بنسبة ضئيلة، جدا ونحو ذلك. فقد انكشف للمؤمنين الصديق من العدو، والناصح من الفاضح، بحسن توفيق الله سبحانه وتعالى.
المثال الثاني : ان عددا من الفروع الفقهية، لم يكن لها وجود في السنين السابقة، ولم تسجل في رسالة عملية، ولا استفتاء، منها قبض مجهول المالك، وان الصلاة في مجهول المالك، او في الاموال غير المخمسة باطلة، وان القاء الاموال في اضرحة المعصومين (عليهم السلام) حرام، وان تصليح الراديو والتلفزيون اعانة على الاثم، وان العمل بالمصارف ذات القطاع الخاص حرام، وان اخت الزوجة حرام، وان اخو الزوج حرام، وان زوجة الاخ حرام، وهكذا، الى فروع كثيرة خارجة عند حد الاحصاء، مما كان الجيل السابق في الحوزة ساكت عنه مع شديد الاسف.
المثال الثالث : ان اكثر الناس اصبحوا يهتمون فعلا بالمصالح الدينية والاجتماعية، ويفضلونها فعلا على مصالحهم الشخصية والاسرية، بل يتمنون الشهادة في سبيل الله تعالى، وهم بالمئات الان على ما اعتقد، او اكثر، والحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ونودوا ان تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون.
المثال الرابع : انهم عرفوا اثر الاستعمار الاكيد والشديد في المجتمع المسلم، منذ صدر الاسلام والى العصر الحاضر، حتى انه يمكن ان يقال بوضوح ان الذي قتل رسول الله (صلى الله عليه واله)، وقتل الزهراء (سلام الله عليها)، وقتل الحسين (عليه السلام)، وتسبب الى غيبة الامام المهدي (عليه السلام)، هو الاستعمار، باياديه الخفية المبثوثة في هذا المجتمع المسلم، وكذلك ما حصل بعده من الحروب الصليبية، ومعاهدة الخلافة العثمانية مع المانيا، وغزو الانكليز للعراق، وغزو الفرنسيين لمصر، وكذلك الغزو الثلاثي لمصر، وتاسيس اسرائيل عليها اللعنة والعذاب، وغير ذلك كثير، ومظالم الاستعمار عامة لكل مكان وزمان، ومنتشرة على وجه الارض، وفي كل دهر، وانا لله وانا اليه راجعون.
ومن ذلك كمثل ونموذج مقتل عدد من المؤمنين، ورجال الدين، باستمرار على طول السنين، والى العصر الحاضر، ومن اشهرهم الشهيد الاول، والشهيد الثاني، والقاضي نور الله التستري، والشيخ فضل الله النوري، وكثير غيرهم، حتى الف جناب الشيخ عبد الحسين الاميني (قدس سره)، كتاب شهداء الفضيلة، بمقدار ما استطاع ان يحصي منهم، اي من الشهداء، وممن وصل اليه خبرهم، وما خفي عليك اكثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم

الجمعة السابعة والعشرون 24 جمادي الثاني 1419
الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمدا يصعد اوله ولا ينفد آخره. اللهم لك الحمد حمدا تضع لك السماء كتفيها، وتسبح لك الارض ومن عليها. اللهم لك الحمد حمدا سرمدا ابدا، لا انقطاع له ولا نفاد، ولك ينبغي واليك ينتهي، في وعلي ولدّي ومعي وقبلي وبعدي وامامي وفوقي وتحتي، واذا مت وبقيت فردا وحيدا ثم فنيت. ولك الحمد اذا نشرت وبعثت يا مولاي. اللهم ولك الحمد ولك الشكر، بجميع محامدك كلها، على جميع نعمائك كلها، حتى ينتهي الحمد الى ما تحب ربنا وترضى. اللهم لك الحمد على كل اكلة وشربة وبطشة وقبضة وبسطة، وفي كل موضع شعرة. اللهم لك الحمد حمدا خالدا مع خلودك. ولك الحمد حمدا لا منتهى له دون علمك. ولك الحمد حمدا لا امد له دون مشيتك. ولك الحمد حمدا لا اجر لقائله الا رضاك. ولك الحمد على حلمك بعد علمك. ولك الحمد على عفوك بعد قدرتك. ولك الحمد باعث الحمد. ولك الحمد وارث الحمد. ولك الحمد بديع الحمد. ولك الحمد منتهى الحمد. ولك الحمد مبتدع الحمد. ولك الحمد مشتري الحمد. ولك الحمد ولي الحمد. ولك الحمد قديم الحمد. ولك الحمد صادق الوعد، وفي العهد، عزيز الجند، قائم المجد. ولك الحمد رفيع الدرجات، مجيب الدعوات، منزل الايات من فوق سبع سماوات، عظيم البركات، مخرج النور من الظلمات، ومخرج من في الظلمات الى النور، مبدل السيئات حسنات، وجاعل الحسنات درجات.
اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن المجتبى، والحسين الشهيد بكربلاء، وعلى الامام السجاد، والامام الباقر، والامام الصادق، والامام الكاظم، والامام الرضا، والامام الجواد، والامام الهادي، والامام العسكري، والامام الحجة المهدي، ائمتي وسادتي وقادتي، بهم اتولى، ومن اعدائهم اتبرأ، في الدنيا والاخرة.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نستمر بذكر بعض النقاط الضرورية للايضاح:
اولا: اننانسمع ان بعض صلوات الجمعة يكون عددها كثيرا اولا، ثم يقل عددها ويتضائل، وهذا معناه ان بعض من حضر فعلا، واقتنع بصحتها وصلاها، انه تركها واعرض عنها، لماذا هكذا يحدث حبيبي .. ؟ مع العلم اننا حين نتكلم عن المجتمع ككل، فانه لا يحتمل ان يكون كل هؤلاء التاركين لصلاة الجمعة معذورين فيها، وانما معناه انهم تركوها تسامحا وتساهلا. وهذا هو الذي اريد ان اؤكد واركز عليه الان، من حيث ان هذا التسامح والتساهل انما هو تسامح في الدين، وتساهل في ولاية امير المؤمنين، بعد اتضاح المعاني الاساسية لهذه الصلاة المقدسة، وما فيها من مصالح وعبر وجلالة، والمفروض بكل فرد ان يطيع امر الولاية، ويذهب الى الصلاة، وكذلك باعتبار اجتماع العدد المعتبر في وجوب صلاة الجمعة، وهو متوفر وكثير بحمد الله فتكون الصلاة واجبا تعيينيا، ولا تبقى واجبا تخييريا على فتاوى الاعم الاغلب من الفقهاء، كما هو الصحيح ايضا.
وانما يعود ترك بعض الناس للصلاة في هذا المورد الى عدة امور محتملة، اما الى الشك في عدالة امام الجماعة، واما الى الشك في قدرته على الاداء الصحيح للمعاني الدينية، واما لانه _اي هذا الفرد_ سأم من التكرار في بعض المطالب التي يقولها خطيب الجمعة، وليس لديه شيء جديد ربما، واما لانه رأه يخطأ كثيرا في الاعراب، او في الفاظه، او في مشتقاته، ونحو ذلك.
فهل يستلزم كل ذلك ترك الجمعة وعصيان الامر الشرعي بحضورها ؟ كلا طبعا. ان هذا من الممكن ان يحدث، لو كان الشعار الديني مستحبا، واما لو كان واجبا، كان تركه حراما لا محالة، ولا يعذر فيه انسان. فان كان راجعا الى الشك في العدالة، فهذا له جوابان:
اولا: انني حين اكلف اي شخص لاقامة صلاة الجمعة، فانني اشهد بعدالته، بمعنى قيام حجة شرعية كافية عندي في ذلك، فاعتبروني احد الشهود بعدالته، مضافا الى المشرفين العامين على صلاة الجمعة فانهم ايضا ثقات، وشهادتهم حجة، فيمكنك ان تصلي خلفه على ذمتنا، مالم تعلم منه الحرام والعياذ بالله، ولا اعتقد انه يوجد واحد منهم كذلك، بحيث تعلم منه الحرام.
ثانيا : ما قلته في موارد متعددة، من انك يمكنك اعادة الصلاة ظهرا، وهذا وارد دائما، كل ما في الامر ان الاحتياط استحبابي فيه، وربما يكون عند بعض المجتهدين احتياطا وجوبيا، والا فانه لا ينافي وجوب الحضور لصلاة الجمعة بطبيعة الحال. بل حتى لو كانت صلاة الجمعة مستحبة او تخييرية، وقبلنا ذلك تنزلا، فاننا نعرف الان ضرورتها وشعاريتها، وعزة الاسلام القائمة بها، فهل ترضى ان يكون عملك ضد عزة الإسلام، وشعار الاسلام اين كان منشأ هذا العمل ؟!
ويمكننا ان نتصور النتيجة لمثل هذا الاتجاه الخطر، وهو ان الامر قد ينتج ترك بعض الجمعات، او الغاء صلاة الجمعة بالمرة، فما الذي سوف يحدث من الذلة والقنوط، والتسافل بالعزة الدينية والاجتماعية، الى حد يكون مجرد ذكره، او خطوره في البال سوءا شديدا، وموجبا للقشعريرة والانفعال، فضلا عن حدوثه والعياذ بالله، كما هو واضح سبحان الله ..
ولاجل هذا قلت اكثر من مرة، استمروا على صلاة الجمعة حتى لو مات السيد محمد الصدر، لانه لا يجوز لكم، ان تجعلوا موت السيد محمد الصدر سببا وذريعة لذلة الإسلام والتشيع، وتفرق الكلمة وكثرة المشاكل. بل الحوزة الشريفة تبقى بعون الله، وجملة من المراجع يبقون بعون الله. فتمسكوا بالحوزة، واستمروا على شرفكم، وعزتكم الدينية، وشجاعتكم القلبية، وعنايتكم بالمصالح العامة. ولا يجوز ان يحول دون ذلك اي شيء، حتى موت هذا العبد الخاطئ، الذي هو السيد محمد الصدر. وكذلك يوجد فيكم الكثير ممن يخطب على حد تعبير الروايات، ومن هوصالح لامامة الجماعة والجمعة، وليس انه حين يموت السيد محمد الصدر، يموت الكل اعوذ بالله اولا وبكم من ذلك.
وبالاساس فان الحوزة هي التي تستطيع ان تبادر إلى ذلك، والمرجع الجديد _لو صح التعبير_ وان لم يكن متفقا مع السيد محمد الصدر بكل التفاصيل، الا ان المهم فيه، هو الاتجاه نحو العدالة الاجتماعية، وانصاف الناس من نفسه، كما قيل في الحكمة: (قل الحق ولو على نفسك) وادراك المصالح العامة. فان وجدتموا شخصا من هذا القبيل فتمسكوا به، والافدعوه إلى غيره. فان الانانية في المرجعية، هي العنصر الغالب مع الاسف جيلا بعد جيل، وهذا هو المضر حقيقة في الحوزة خاصة، وفي المجتمع عامة. فاتبعوا شخصا من المجتهدين ليس له مثل هذا الطبع، بل له اتجاه التضحية في سبيل الاخرين، وبذل النفس والنفيس في سبيل دينه ومذهبه. وهذا امر يطول فيه الحديث وليس الان محل الاستمرار فيه.
ثانيا: ان من النقاط المهمة والجليلة، التي حصلت بصلاة الجمعة المواجهة المباشرة بين الحوزة والمجتمع، وبين المرجعية والمجتمع. بينما كان الانفصال التام او الغالبي قبل ذلك، موجودا مع شديد الاسف، ولا زال هذا الانفصال موجودا بالنسبة الى المراجع الاخرين، من حيث اتصالهم بالمجتمع. فعن طريق صلاة الجمعة حصل المجتمع على الوعي، وحصل على الشجاعة، وحصل على العزة، وحصل على الثقافة الدينية، وعرف ما هي الحوزة، وما هو نفعها، وما هو اثرها، وما هو مقدار علمها وتعليمها.
كما استطاعت الحوزة من ناحيتها، ان تثبت نفسها امام الاخرين، وتوصل صوتها وكلماتها ومواعظها واوامرها ونواهيها إلى المجتمع. وان تعرف المجتمع بكثير من الامور الضرورية والراجحة، وتفتح عينه على مصالحه ومفاسده واعدائه واصدقائه وواجباته ولوازمه، وغير ذلك كثير، كل ذلك بنعمة من الله وفضل. والله تعالى هو المسبب الحقيقي والموفق لكل ذلك. ولكن عندنا الوعد القرآني بالنصر كقوله تعالى ((ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم)). وقوله تعالى ((ان الله لا يضيع اجر المحسنين)). وقوله تعالى ((اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى)). وقوله في الدعاء (انك اكرم من ان تضيع من ربيته، او تشرد من آويته، او تبعد من ادنيته، او تسلم الى البلاء من كفيته ورحمته). وكذلك قوله ((العاقبة للمتقين)). وقوله ((ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)) وغير ذلك كثير.
وهذه الوعود، غير موجودة لغيرنا، ولا تتمثل لسوانا، وانما يتمثل لهم الظلم والشيطان. كما قال تعالى ((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله)). وقوله تعالى ((وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير (اي الهيون ومتقون) فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (ماذا كانت النتيجة ؟) فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة والله يحب المحسنين)). ثم يقول الله تعالى بعد ذلك مباشرة ((يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)).
واما اذا كان الفرد مناوئا للحق, ومعارضا لعزة الدين والمذهب، فسيكون مشمولا لقوله تعالى، وايضا بعد تلك الايات مباشرة، وقلت لكم بان القرآن كله له معاني على طول الاجيال، جل جلال الله سبحانه وتعالى، لانه هو المتكلم، معانيه لا متناهية لانه هو لا متناهي جل جلاله.
فاذا كان الفرد مناوئا للحق، ومعارضا لعزة الدين والمذهب، فسيكون مشمولا لقوله تعالى، بعد تلك الايات مباشرة ((سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وماواهم النار وبئس مثوى المتكبرين)).
ثالثا: من النقاط التي وددت الاشارة اليها بهذا الصدد، ان للحوزة عدة اساليب للاتصال بالمجتمع ككل: صلاة الجماعة، وصلاة الجمعة، والمواعظ، وبيان الاحكام الشرعية، والاستفتاءات، وتأليف الكتب ونشرها، وكذلك تأسيس القضاء الشرعي، فانه من اساليب واسباب اتصال الحوزة بالمجتمع، وفي حدود فهمي ان القضاء الشرعي ليس محكمة بالمعنى المتعارف، لوضوح انه ليس دائرة رسمية، وليس له راتب قضائي، بل ان اخذ الراتب على القضاء محل اشكال وحرام، وانما نعطيه شيئا من الراتب باعتباره واحدا من الحوزة، لاباعتباره قاضيا، كما انه ليس له بناية مستقلة، ولا كاتب عدل مثلا، ولا معاونين قضائين، وبالتالي يختلف كثيرا عن المحاكم المتعارفة، ومن هنا لانستطيع ان نسميه محكمة بهذا المعنى، وانما هو قاضي شرعي، او نعتبره عالما ومتفقها، او مفتيا يتصدى للفتوى بين الناس في الامور الصعبة لا اكثر.
ومن الواضح ان كثيرا مما يقوم به القاضي الشرعي، ليس من القضاء الشرعي، كعقد النكاح، او الطلاق، او الطلاق بالولاية، او القيمومة، او الفتوى الاعتيادية في الامور العبادية والمعاملية. وانما القضاء الحقيقي هو المرافعة في قضية فيها مدعي ومنكر، وهو موجود، الا انه لا يستوعب كل الامور التي يقوم بها القاضي الشرعي، بل لعله يمثل القسم الاقل من عمله. وانما العلماء استمروا على النظر في سائر مشاكل الناس بما فيها المشاكل القضائية، والدليل المعتبر من السنة الشريفة، قائم على ذلك، وهذا الحاصل الان مصداق وتطبيق من ذلك بعونه سبحانه.
وانما الفرق الرئيسي بين المحاكم العرفية من ناحية، والقضاء الشرعي الموجود فعلا من ناحية اخرى، امران رئيسيان يعتبر كل منهما نقطة قوة في احدهما ونقطة ضعف في الاخر.
اما نقطة القوة في القضاء الشرعي، فهو الحجية الشرعية، فكل ما يقوله ويحكم به نافذ شرعا ومجزي ومبريء للذمة، بخلاف الانواع الاخرى من القضاء الدنيوي، او العرفي بطبيعة الحال، بما فيها القضاء الذي تقيمه العشائر بين المتخاصمين.
واما نقطة الضعف في القضاء الشرعي، فمن حيث ان سائر المحاكم لها قوة اجرائية او تنفيذية لتطبيق الحكم، من شرطة وسجون ونحوها، فانها مخولة بذلك بطبيعة الحال. في حين ان القضاء الشرعي اعزل من هذه الامور، غير ان التعويض الرئيسي بهذا الصدد مهم جدا ولطيف جدا، وهو خوف الله سبحانه وتعالى. فان عقاب الاخرة اهم من عقاب الدنيا، وغضب الخالق اعلى واقسى من غضب المخلوق، كما قال في الدعاء: (وهذا لا يكون الا من غضبك وانتقامك وسخطك وهذا ما لا تقوم له السماوات والارض فكيف بي وانا عبدك الفقير المسكين المستكين الحقير الذليل المهين). فالمهم ان المتخاصمين، انما جاءا الى القاضي الشرعي، لانهما يخافان الله سبحانه، ويريدان باخلاص حل مشكلتهما حلا شرعيا مبرءا للذمة، فيكون خوف الله سبحانه هو السند، والرصيد الاساسي للقضاء الشرعي.واما من لا يخاف الله سبحانه، فانه لا يأتي الى القضاء الشرعي، بل يحاول ان يظلم خصمه، ويتسلط عليه بكل صورة.
رابعا: من النقاط التي وددت الاشارة اليها هنا، اني اوجه كلامي الى المؤمنين الذين الى الان لم يناصروا السيد محمد الصدر، ولم يكونوا معه سواء في داخل الحوزة، او في خارجها، اهلا بكم وسهلا بين هذا الجمع الحافل بالتقوى والشرف والفضائل، وان من احسن الكلمات التي قالها الاسلام والقرآن، وكل كلماته حسنة ((انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله)) ولا حاجة الى استمرار التباعد والتباغض، وتبادل التهم والاشكالات، بل تعالوا نتفق ونتصاحب ونتصافى ونتحابب في الله، وفي ولاية امير المؤمنين، وفي المذهب، وفي الدين، وبابي مفتوح، وقلبي مفتوح لكم جميعا، مهما كنتم الان واينما كنتم، ولا اريد منكم شيئا الا الاخوة في الله، وفي رسوله، وفي ولاية امير المؤمنين، وتبقى التفاصيل الاخرى ثانوية، يمكن المناقشة فيها بالتدريج.
يكفي الا ان يكون اختلافاتنا وانشقاقتنا فيها خدمة للعدو المشرك لاسرائيل والاستعمار، ولكل من هو بعيد عن الله وعن رسوله. فما دمنا تجمعنا الروابط الحقيقية المقدسة، فلماذا لا نتحد ولا نتآخى ولا نتقارب ؟ ولماذا ننصر عدو الله وعدو رسوله من حيث نعلم او لا نعلم ؟!
فما دامت هذه الحياة موجودة عندي، والنفس يصعد وينزل، فاني ارحب بكم بكل قلبي، واعذركم عن كل ما حصل منكم، وتعذروني ان كان حصل بعض الشيء مني، او ممن يرتبط بي، او ينتسب الي، ونفتح تاريخا جديدا، كما قال الشاعر، وهذه الابيات احفظها من زمان وهي لطيفة:
من اليوم تعارفنا ونطوي ماجرى منا
فلا كان ولا صار ولا قلتم ولا قلنا
وما احسن ان نرجع الى الود كما كنا
اخص من هنا، وهذا منبر مقدس، بالذكر ال الحكيم قدس الله ارواح الماضين منهم، وحفظ الباقين. تلك الاسرة الطيبة المتفقهة الشريفة. فلماذا يكون _لو صح التعبير_ بينها وبين ال الصدر اي خلاف ؟ ولماذا نزغ الشيطان بيننا ؟ وخاصة وان الفرصة مواتية بعد ان زال سبب الخلاف واسترجعت الوديعة. وبالتاكيد فان دوام الخلاف واستمراره، لا يخدم الا الاستعمار ولا يضر الا الحوزة والمذهب، وليكن زمام المبادرة بيدي واني قد ابرأت ذمتي، وارضيت ضميري بهذا العرض الدال على حسن النية.
وانا لست طامعا بخيرهم من اية جهة، ولا خائفا منهم من اية جهة أيضاً، وانما ذلك محضا لذات الله، ونصرة دينه الحنيف، وهذه يد الصلح والمصافحة امدها اليهم، فهل منهم من يمد يد المصافحة نحوي ؟ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين *
صدق الله العلي العظيم


توقيع : ابو غدير الساعدي
اللهم عجل لوليك الفرج
من مواضيع : ابو غدير الساعدي 0 عجيبة غريبة !!!!؟؟
0 هل أسم الأمام علي "ع" ثقيل على عائشة ؟؟
0 المخالفة الجلية في نصرة سبط خير البرية
0 الأثبات الكبير لظلامة السبط البشير "ع"
0 أين ذهبت ( حي على خير العمل ) من الآذان ؟؟

الصورة الرمزية ابو غدير الساعدي
ابو غدير الساعدي
عضو برونزي
رقم العضوية : 64616
الإنتساب : Mar 2011
المشاركات : 324
بمعدل : 0.06 يوميا

ابو غدير الساعدي غير متصل

 عرض البوم صور ابو غدير الساعدي

  مشاركة رقم : 34  
كاتب الموضوع : ابو غدير الساعدي المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-03-2011 الساعة : 05:51 PM


الجمعة الثامنة والعشرون 2 رجب 1419
الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قفوا جميعا رجاءا … وجوهكم الى القبلة رجاءا …
انا سوف اقرء الدعاء، وقولوا بعد كل فقرة، يا كريم يا رحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
يا من تحل به عقد المكاره (يا كريم يا رحيم)، ويا من يفثأ به حد الشدائد (يا كريم يا رحيم)، ويا من يلتمس منه المخرج الى روح الفرج (يا كريم يا رحيم)، ذلت لقدرتك الصعاب (يا كريم يا رحيم)، وتسببت بلطفك الاسباب (يا كريم يا رحيم)، وجرى بقدرتك القضاء (يا كريم يا رحيم)، ومضت على ارادتك الاشياء (يا كريم يا رحيم)، فهي بمشيئتك دون قولك مأتمرة (يا كريم يا رحيم)، وبارادتك دون نهيك منزجرة (يا كريم يا رحيم)، انت المدعو للمهمات (يا كريم يا رحيم)، وانت المفزع في الملمات (يا كريم يا رحيم)، لا يندفع منها الا ما دفعت (يا كريم يا رحيم)، ولا ينكشف منها الا ما كشفت (يا كريم يا رحيم)، وقد نزل بي يا ربي ما قد تكأدني ثقله (يا كريم يا رحيم)، والم بي ما قد بهضني حمله (يا كريم يا رحيم)، وبقدرتك اوردته علي (يا كريم يا رحيم)، وبسلطانك وجهته الي (يا كريم يا رحيم)، فلا مصدر لما اوردت (يا كريم يا رحيم)، ولا صارف لما وجهت (يا كريم يا رحيم)، ولا فاتح لما اغلقت (يا كريم يا رحيم)، ولا مغلق لما فتحت (يا كريم يا رحيم)، ولا ميسر لما عسرت (يا كريم يا رحيم)، ولا ناصر لمن خذلت (يا كريم يا رحيم)، فصل على محمد واله (يا كريم يا رحيم)، وافتح لي يا رب باب الفرج بطولك (يا كريم يا رحيم)، واكسر عني سلطان الهم بحولك (يا كريم يا رحيم)، وانلني حسن النظر فيما شكوت (يا كريم يا رحيم)، واذقني حلاوة الصنع فيما سألت (يا كريم يا رحيم)، وهب لي من لدنك رحمة وفرجا هنيئا (يا كريم يا رحيم)، واجعل لي من عندك مخرجا وحيا (يا كريم يا رحيم)، ولا تشغلني بالاهتمام عن تعاهد فروضك (يا كريم يا رحيم)، واستعمال سنتك (يا كريم يا رحيم)، فقد ذقت بما نزل بي ذرعا (يا كريم يا رحيم)، وامتلأت بحمل ما حدث علي هما (يا كريم يا رحيم)، وانت القادر على كشف ما منيت به ودفع ما وقعت فيه (يا كريم يا رحيم)، فافعل بي ذلك وان لم استوجبه منك (يا كريم يا رحيم)، يا ذا العرش العظيم (يا كريم يا رحيم)، ويا ذا المن القديم (يا كريم يا رحيم)، وانت قادر لرحمتك يا ارحم الراحمين (يا كريم يا رحيم).
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
الهي اصبحت وامسيت عبدا داخرا لك، لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا الا بك، اشهد بذلك على نفسي، واعترف بضعف قوتي وقلة حيلتي، فانجز لي ما وعدتني، وتمم لي ما آتيتني، فاني عبدك المسكين المستكين الضعيف الضرير الحقير المهين، والفقير الخائف المستجير. اللهم صل على محمد واله، ولا تجعلني ناسيا لذكرك فيما اوليتني، ولا غافلا لاحسانك فيما ابليتني، ولا آيسا من اجابتك لي وان ابطأت عني، في سراء كنت او ضراء، او شدة او رخاء، او عافية او بلاء، او بؤس او نعماء، او جدة او لئواء، او فقر او غنى. اللهم صل على محمد واله، واجعل ثنائي عليك ومدحي اياك وحمدي لك في كل حالاتي، حتى لا افرح بما آتيتني من الدنيا، ولا احزن على ما منعتني فيها، واشعر قلبي تقواك، واستعمل بدني فيما تقبله مني، واشغل بطاعتك نفسي عن كل ما يرد علي، حتى لا احب شيئا من سخطك، ولا اسخط شيئا من رضاك. اللهم صل على محمد واله، وفرغ قلبي لمحبتك، واشغله بذكرك، وانعشه بخوفك، وبالوجل منك، وقوه بالرغبة اليك، وامله الى طاعتك، واجر به في احب السبل اليك، وذللـه بالرغبة فيما عندك ايام حياتي كلها، واجعل تقواك من الدنيا زادي، والى رحمتك رحلتي، وفي مرضاتك مدخلي، واجعل في جنتك مثواي، وهب لي قوة احتمل بها جميع مرضاتك، واجعل فراري اليك، ورغبتي فيما عندك، والبس قلبي الوحشة من شرار خلقك، وهب لي الانس بك وباوليائك واهل طاعتك، ولا تجعل لفاجر ولا كافر عليّ منة، ولا له عندي يدا، ولا بي اليهم حاجة، بل اجعل سكون قلبي وانس نفسي واستغنائي وكفايتي بك وبخيار خلقك. اللهم صل على محمد واله، واجعلني لهم قرينا، واجعلني لهم نصيرا، وامنن عليّ بشوق اليك، وبالعمل لك بما تحب وترضى، انك على كل شيء قدير، وذلك عليك يسير.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
غدا يوم الذكرى السنوية لاستشهاد الامام الهادي (عليه السلام)، فيحسن جدا ان لا ننسى بعض مآثره وفواضله في هذه الجمعة.
اذكر لكم الان حادثة اشخاصه الى سامراء، مع شيء من التحليل. سامراء التي بقي فيها إلى ان قتل مظلوما مسموما. وفيها مدفنه، ومدفن ولده الامام الحسن العسكري (عليهما السلام)، وغيبة حفيده الإمام المهدي (عليه السلام).
وشى عبد الله بن محمد، الذي كان يتولى الحرب والصلاة بمدينة الرسول المنورة، وشى بالامام الهادي (عليه السلام)، وكان يقصده بالاذى (لانه رجل ناصبي ووالي على المدينة من قبل الدولة العباسية). فبلغ الإمام (عليه السلام) وشايته، فكتب إلى المتوكل العباسي يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه وكذبه فيما سعى به. فنرى كيف ان عبد الله بن محمد هذا يمثل خط الدولة يومئذ من الفزع من نشاط الإمام (عليه السلام) وتصرفاته، وكيف وصل به الحال إلى ان يرسل إلى المتوكل العباسي (الذي كان في ذلك الحين عصر خلافته). يوصل الى المتوكل العباسي بخبره بعنوان كونه حريصا على مصالح الدولة، ومنتبها إلى مواطن الخطر بها، ومتقربا إلى الدولة بذلك. كما نرى الحال باستمرار على ذلك.
ولعله التفت إلى بعض النشاطات المهمة التي كان يقوم بها الإمام (عليه السلام)، بعيدا عن اعين الدولة والسلطات، فاوجس منها خيفة حدت به إلى هذه الوشاية. الا ان المتوكل العباسي كان يعلم بكل وضوح عدم امكان الحصول على اي مستند ضد الإمام (عليه السلام). فان الائمة المعصومين (عليهم السلام) كان لهم اساليب من الرمزية والاخفاء يمكنهم خلالها ـ وبتاييد من الله سبحانه ـ القيام بجملة من جلائل الاعمال بدون ان يعرف احد، كما تدل عليه سياقات كثيرة من الروايات. ولعل اهم اساليب الاخفاء هو تصديه إلى تكذيب الخبر الذي وشى به عبد الله بن محمد برسالة يرسلها إلى المتوكل العباسي نفسه، يكذب فيها التهمة وينفي عن نفسه صفة التآمر ضد الدولة، فان نشاطه كان مقتصرا في الدفاع عن مواليه وقواعده الشعبية وشيعته وتدبير امورهم الدينية والدنيوية، وليس له ضد الدولة اي عمل، باعتباره غير مجدي ومخالف للحكمة والمصلحة في ذلك الحين، وان كان قد اوجب عمله توهم عبد الله بن محمد بذلك.
والمتوكل العباسي هو من عرفه الجميع بموقفه المتزمت ضد الإمام (عليه السلام)، وكل من يمت اليه بنسب أو عقيدة. وهو الذي قام بالامر بحفر قبر الحسين (عليه السلام)، وتسليط الماء عليه لاجل اخفاءه بعنوان جعله مزرعة اعتيادية. غير ان الله سبحانه وتعالىكشف تلك المؤامرة النجسة، حيث ان الماء حينما وصل إلى قرب قبر الحسين (عليه السلام)، حار ودار حوله، ولم يدخل فيه ولم يغطه، وبقيت منطقة في الوسط جافة. وسمي من ذلك الحين بالحائر الحسيني، واصبح مشمولا لحكم معين في الشريعة وهو جواز الصلاة تماما للمسافر في تلك المنطقة. وهذا يفتون به والى الان.
وهذا الحال موجود إلى الان بالنسبة إلى المياه الباطنية، وتستطيعون ان تسالوا اهل المعرفة والاختصاص. فان المياه الباطنية بالرغم من سيطرتها على منطقة كربلاء كلها، لاتصل إلى قبر الحسين ولا إلى قبر العباس (عليهما السلام). بل نجد ان منطقة القبر جافة تماما ومن الممكن التاكد من ذلك.
اذن ماذا نتوقع ان يكون موقف المتوكل العباسي من الإمام الهادي (عليه السلام)، ومن كل من ينتمي اليه من نسب أو سبب الا شيء من هذا القبيل طبعا. وما كان استقدامه واشخاصه إلى سامراء الا تطبيقا لمؤامرة قديمة طبقت من قبل الخلفاء العباسيين السابقين على جملة من المعصومين السابقين، اشهرها تطبيق المأمون العباسي لنفس الفكرة على الإمام الرضا (عليه السلام)، حيث استقدمه إلى بلدته التي كان يسكن فيها وجعل له دارا إلى جنب داره، وكان بين الدارين باب يمكن للخليفة نفسه ان يدخله في اية لحظة من ليل أو نهار. وكل ذلك للتقليل من نشاط الإمام (عليه السلام)، وفصله عن قواعده الشعبيه ومواليه، وجعله تحت الرقابة المكثفة. ليس من قبل الجلاوزة والموظفين فقط، بل من قبل الخليفة نفسه بعنوان المزيد من الصداقة والصلة. وانا لله وانا اليه راجعون.
كل ما في الامر من الفرق ان المأمون كان في خراسان فاستدعى الامام الرضا (عليه السلام) الى خراسان ايضا لوشاية لحقت به من قبل بعض النواصب المتزلفين للدولة آنئذ. فكذلك الحال في الامام الهادي (عليه السلام) من حيث ان الوشاية هي نفسها او بمنزلتها، غير ان البلدة كانت خراسان والان هي سامراء وكلاهما (سلام الله عليهما) بقيا في البلدة بقية حياتهما الى ان قتلا مظلومين ودفنا في نفس تلك البلدة. فاصبحت بذلك خراسان عتبة مقدسة مباركة وجليلة كما اصبحت سامراء عتبة مقدسة مباركة وجليلة، مع فرق واحد وهو ان المعصوم المدفون في خراسان واحد، والمعصوم المدفون في سامراء اثنين. ومن هنا اكتسبت منطقة وسط العراق وجنوبه اهمية دينية عالية جدا، لانها مسكن ومدفن لسبع من الائمة المعصومين (عليهم السلام)، هم امير المؤمنين (عليه السلام)، والحسين (عليه السلام)، والكاظم والجواد (عليهما السلام)، والهادي والعسكري (عليهما السلام)، ومحل غيبة الامام المهدي (سلام الله عليه وعجل الله فرجه). وهو فخر للمنطقة لم تنله اية منطقة في العالم كله، بل لعله في الكون كله. فاذا اضفنا الى ذلك ان هذه المنطقة عموما والكوفة خصوصا، هي منطقة الحكم الرئيسي والمباشر لاثنين من المعصومين المبسوطي اليد والمتمكنين اجتماعيا، وهما الامام امير المؤمنين في الماضي والامام المهدي (سلام الله عليه) في المستقبل. اذن نعرف الفضل للمنطقة التي تسكنون فيها، والتي نسكن فيها. ونعرف النعمة من الله سبحانه في انه جعلنا بها، وجعل الحوزة الشريفة فيها. فينبغي من هذه الناحية ان نكون على مستوى المسؤولية من طاعة الله سبحانه وتعالى، واداء حق المعصومين (عليهم السلام) مهما كان.
وعلى اية حال يرسل المتوكل العباسي الى الامام جواب رسالته بكل لباقة وتلطف ظاهري، من حيث ان الرسالة تحتوي على اجلاله واعظام منزلته. ويعترف بها المتوكل ببراءة الامام (عليه السلام) من التهم وبصدق نيته، ويوعز فيها بعزل عبد الله بن محمد عن منصبه بالمدينة. ويدعي المتوكل العباسي في الرسالة الاشتياق الى الامام ويدعوه ان يشخص الى سامراء مع من اختار من اهل بيته ومواليه. وهذا الطلب وان صاغه المتوكل بصيغة الرجاء، الا انه هو الالزام بعينه. فان الامام (عليه السلام) اذ لم يذهب حيث امره، يكون قد اثبت تلك التهمة على نفسه واعلن العصيان ضد الخلافة، وبالاصطلاح الحديث ضد الدولة. وكلاهما مما لا تقتضيه سياسة الامام (عليه السلام) وقناعته في ذلك الحين.
واما عام سفره فهذا قد ذكر في الارشاد للشيخ المفيد (قدس الله روحه الزكية) ان الرسالة مؤرخة بجمادي الاخرة سنة ثلاث واربعين ومائتين للهجرة طبعا. واعطى المتوكل رسالته هذه الى احد صنايعه وموظفيه يحيى بن هرثمة، ليسلمها الى الامام (عليه السلام) في المدينة المنورة، وامره باستقدامه الى سامراء. فاسمعه يقول في روايته للحادثة: (فلما صرت اليها (يعني المدينة المنورة)، ضج اهلها وعجوا ضجيجا وعجيجا ما سمعت مثله. فجعلت اسكنهم واحلف لهم اني لم اؤمر به بمكروه. وفتشت بيته فلم اجد فيه الا مصحفا ودعاءا وما اشبه ذلك).
لاحظ .. هذا الشوق والاشتياق الذي يدعيه مع انه منضم الى قضية تفتيش البيت ! انها عداوة صريحة. فنعرف من ذلك مدى اخلاص اهل المدينة المنورة لامامهم (عليه السلام)، وحرصهم الشديد عليه، ومدى تأثيره الحسن فيهم. ولم يكن هذا الضجيج الكبير منهم، الا لمعرفتهم بوضوح سوء نية السلطات تجاه الإمام، وابتغائها الدوائر ضده. فكان تأسفهم وتأوههم ناشئا من امرين حسب فهمنا :
الامر الاول : انقطاعهم عن الامام وفراقهم له اذا تركهم وذهب الى سامراء، وحرمانهم بالتالي من ارشاداته والطافه ونشاطه الاسلامي البناء. وهذا ما اراده المتوكل فعلا، وقد حصل بالفعل بسفر الامام (عليه السلام)، فانه لم يعد الى المدينة المنورة بعد ذلك اطلاقا الى ان توفي.
الامر الثاني : مخافتهم على حياته، لاحتمال قتله عند وصوله الى العاصمة العباسية. وهذا هو الذي فهمه يحيى بن هرثمة من الضجيج، وحاول ان لا يفهم معنى غيره اي معنى آخر. فحلف لهم انه لم يؤمر فيه بمكروه اي بقتل. ولم يثن الضجيج هذا الرجل الجلواز عن غرضه السياسي بالتجسس، ففتش دار الامام (عليه السلام) بالمقدار الذي حلى له وليس له دين ولا ورع، لان ذلك يكون من تصرفه باموال غيره بدون رضاه. اذن فمن البداية هي خطوة واضحة للعداوة، فلم يجد فيه اية وثيقة تدل على التمرد او الخروج عن النظام العباسي. وبذلك يكون المتوكل قد فقد اي مستمسك يؤيد ما سمعه عنه او خاف منه. واستطاع الامام (عليه السلام) ان يحافظ على الكتمان وعلى السلبية الظاهرية.
وخرج الامام الهادي (عليه السلام) مصاحبا لولده الامام العسكري (عليه السلام) وهو صبي طبعا، وعائلته ايضا معه مع ابن هرثمة متوجها الى سامراء. وحاول ابن هرثمة في الطريق اكرام الامام واحسان عشرته، وكان يرى منه الكرامات والحجج التي تدل على توليه طرف الحق. وهذا فيه روايات ولكن انا اختصارا حذفتها. وتوضح لهذا الرجل الجلواز جريمته بازعاج الامام وزعزعته والتجسس عليه وجريمة من امره بذلك ايضا.
ويمر الركب ببغداد في طريقه الى سامراء فيقابل ابن هرثمة والي بغداد، لان الخلافة كانت قد انتقلت الى سامراء فيضعون واليا على بغداد. فيقابل ابن هرثمة واليها اي الوالي الذي على بغداد، وهو يومئذ اسحاق بن ابراهيم الطاهري. وهو بمقتضى منصبه محل الثقة الكبرى من قبل المتوكل، بحيث جعله واليا على عاصمته الثانية وقائما مقامه فيها. فنرى اسحاق الطاهري يوصي ابن هرثمة بالامام مستوثقا من حياته قائلا له: يا يحيى تعلم ان هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلى الله عليه واله) والمتوكل من تعلم. وان حرضته على قتله، كان رسول الله (صلى الله عليه واله) خصمك. فيجيبه يحيى: والله ما وقفت له الا على كل امر جميل.
ونحن حين نسمع هذا الحوار بين هذين الرجلين الذين يمثلان السلطات نفسها ويعيشان على موائدها، نعرف كم وصل الحقد والتمرد على النظام القائم يومئذ. وكيف انه تجاوز القواعد الشعبية الى الطبقة العليا الخاصة من الحكام مواضع ثقة الخليفة، ومنفذي امره ايضا يحقدون عليه ويعرفون حقيقته. كما نعرف مدى اتساع الذكر الحسن والصدى الجميل لافعال الامام (عليه السلام) واقواله بين جميع الطبقات حتى طبقة الحكام انفسهم. وماذا يستطيع والي بغداد من موقعه الرسمي ان يقول اكثر مما قال (يا يحيى ان هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلى الله عليه واله) والمتوكل من تعلم. وان حرضته على قتله، كان رسول الله (صلى الله عليه واله) خصمك. اي يوم القيامة طبعا.
وواضح ان قوله (والمتوكل من تعلم) اختصار لتفاصيل كثيرة مطمورة في النفوس من المظالم العظيمة للمجتمع، قد ارادها المتوكل واسلافه للناس، والحقد المتزايد على خط المعصومين (عليهم السلام) ومواليهم.
وحين يصل الركب الى سامراء، يبدأ ابن هرثمة بمقابلة وصيف التركي، وهو احد القواد الاتراك المنتفعين بالوضع القائم، ويبدو انه اعظمهم واشهرهم. والاتراك في ذلك الحين كانوا هم المسيطرون على المجتمع الى حد يستطيعون ان يعزلوا الخليفة، وينصبوا غيره، ويناقشوه في اعماله. حتى قال الشاعر، وهي ابيات معروفة الى حد ما :
خليفة في قفص بين وصيف وبغى .... يقول ما قالا له كما تقول الببغاء
ويظهر من التاريخ، ان وصيفا هذا كان هو الامر رسميا على ابن هرثمة. ومن هنا جعل مروره عليه بمجرد وصوله من السفر. وقال له وصيف: والله لئن سقطت من شعر هذا الرجل شعرة، لا يكون المطالب بها غيري. يقول ابن هرثمة: فعجبت من قولهما. يعني والي بغداد ووصيف، من حيث انه لم يكن متوقعا لذلك، من معرفتهما للامام في الجملة، وحرصهما على حياته بالرغم من مواقعهما العليا في الدولة. وهذه النماذج موجودة في الدول في كثير من الازمان والاجيال، ان لم تكن هي الاكثر من حيث تعلم الدولة او لا تعلم، ومن حيث تريد او لا تريد. يقول: وعرفت المتوكل ما وقفت عليه وسمعته من الثناء عليه، فاحسن جائزته واظهر بره وتكرمته. وقد عرفنا فيما سبق ان هذا الكرم الحاتمي على الامام (عليه السلام) لم يكن من اجل حفظ حق الامام (عليه السلام)، وانما كان تغطية للمنهج السياسي الذي يريد المتوكل اتباعه. وهو عزل الامام (عليه السلام) عن نشاطه وقواعده الشعبية، والحذر مما قد يصدر منه من قول او فعل.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحد ربك واستغفره * انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم

الجمعة الثامنة والعشرون 2 رجب 1419
الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم يا من لا يصفه نعت الواصفين. ويامن لا يجاوزه رجاء الراجين. ويا من لا يضيع لديه اجر المحسنين. ويا من هو منتهى خوف العابدين. ويا من هو غاية خشية المتقين. هذا مقام من تداولته ايدي الذنوب، وقادته ازمة الخطايا، واستحوذ عليه الشيطان، فقصر عما امرت به تفريطا، وتعاطى ما نهيت عنه تغريرا، كالجاهل بقدرتك عليه، او كالمنكر فضل احسانك اليه. حتى اذا انفتح له بصر الهدى، وتقشعت عنه سحائب العمى، احصى ما ظلم به نفسه، وفكر في ما خالف به ربه، فرأى كبير عصيانه كبيرا، وجليل مخالفته جليلا. فاقبل نحوك مؤملا لك، مستحيا منك. ووجه رغبته اليك ثقة بك. فأمك بطمعه يقينا، وقصدك بخوفه اخلاصا. قد خلى طمعه من كل مطموع فيه غيرك. وافرخ روضه من كل محذور منه سواك. فمثل بين يديك متضرعا. وغمض بصره الى الارض متخشعا. وطأطأ راسه الى لعزتك متذللا. وابثك من سره ما انت اعلم به منه خضوعا. وعدد من ذنوبه ما انت احصى لها خشوعا. واستغاث بك من عظيم ما وقع به في علمك، وقبيح ما قبحه في حكمك، من ذنوب ادبرت لذاتها فذهبت، واقامت تبعاتها فلزمت. لا ينكر يا الهي عدلك ان عاقبته، ولا يستعظم عفوك ان عفوت عنه ورحمته. لانك الرب الكريم الذي لا يتعاظمه غفران الذنب العظيم. اللهم فها انا ذا قد جئتك مطيعا لامرك فيما امرت به من الدعاء، متنجزا وعدك فيما وعدت به من الاجابة اذ تقول ((ادعوني استجب لكم)). اللهم صل على محمد واله والقني بمغفرتك كما لقيتك باقراري، وارفعني عن مصارع الذنوب كما وضعت لك نفسي، واسترني بسترك كما تأنيتني عن الانتقام مني. اللهم وثبت في طاعتك نيتي، واحكم في عبادتك بصيرتي، ووفقني من الاعمال لما تغسل به دنس الخطايا عني، وتوفني على ملتك وملة نبيك محمد عليه واله افضل الصلاة والسلام اذا توفيتني.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
لاحظوا .. لو كان المتوكل العباسي الناصبي يريد حقا اكرام الامام الهادي (عليه السلام) واحترامه لما كان هذا عمله.
اولا: لتركه في المدينة المنورة يمارس عمله الاعتيادي مهما كانت نتائجه.
ثانيا: انه حين استقدامه إلى سامراء، يخرج لاستقباله استقبالا رسميا ـ لو صح التعبير ـ بصفته الزعيم الرئيسي والاكبر لطائفة معتد بها من المسلمين، ولم يفعل.
ثالثا: انه حين استقدمه إلى سامراء ولم يخرج لاستقباله، فلا اقل ان يبادر بالامر لادخاله عليه والترحيب به، ولم يفعل. وانما امر ان يحجب عنه الإمام يوما كاملا زيادة في الاذلال والتنكيل.
رابعا: انه حين استقدمه إلى سامراء ولم يستقبله، فلا اقل انه كان اعد له مكانا يأوي اليه ودارا معتدا بها يكون فيها واسرته، ولم يفعل. بل تركه في الشارع زيادة في الاذلال والتنكيل. ولجأ الإمام (عليه السلام) إلى مكان متواضع جدا يدعى بخان الصعاليك، فقام فيه يومه هو واسرته طبعا وليس وحده.
وفي الروايات ما يدل على ان الدولة هي التي اجبرته وانزلته فيه. ويدل من اسمه على انه بناء فيه غرف ينزل فيه الصعاليك، وهو جمع صعلوك، وهو الفقير المفلوك الذي لا يجد بيتا ولا اسرة ولا طعاما ولا شرابا. وهم اقل الناس قدرا من الناحية الاجتماعية. فقد جعلت الدولة الإمام (عليه السلام) مع امثال هؤلاء زيادة له في الاذلال التنكيل.
خذ مثلا اليك احد فضلاء الحوزة، او احد التجار، او احد المراجع، ينزل مثل هذا المنزل الان او غدا فهل يصير هذا ؟ سبحان الله ..
ومر عليه وهو في هذا الخان احد محبيه ومقدري فضله، صالح بن سعيد، فاحزنه حال الامام (عليه السلام)، فقال له : جعلت فداك في كل الامور ارادوا اطفاء نورك والتقصير بك حتى انزلوك في هذا الخان الاشنع خان الصعاليك. ويسمع الامام (عليه السلام) ما قال فيجيب، وكأنه قد التفت اليه بعد استغراق تفكير وانشغال بال، وقال له: هاهنا انت يا بن سعيد. ثم يريد الامام (عليه السلام) الاحاديث ان يفهم هذا المشفق بان الحالة الدنيوية وان كانت قد وصلت به نتيجة للظلم والغدر الى هذا الحد المنحدر، الا ان ذلك مما يرفعه عند الله قدرا، ويزيده جهادا، ويضيف الى فضائله فضيلة. فهو لم يخسر شيئا، وانما الامة الاسلامية هي التي خسرت. وانه يعيش في الحقيقة في الانوار الروحية واللذائذ العلمية والنفحات القدسية، فكأنه في رياض الجنان. قال صالح بن سعيد كما في الرواية : ثم اومأ بيده (طبعا الامام عليه السلام) فاذا بروضات انيقات، وانهار جاريات، وجنات فيها خيرات عطرات، وولدان كأنهم اللؤلوء المكنون، واطيار وضباء وانهار تفور، فحار بصري، وكثر تعجبي، فقال لي عليه افضل الصلاة والسلام : حيث كنا فهذا لنا. وفي رواية اخرى: حيث كنا فهذا لنا عتيد، يا بن سعيد نحن هنا لسنا في خان الصعاليك.
وقد علق الشيخ المجلسي في البحار الجزء الخمسين صفحة 133 على هذه الرواية بقوله: لما قصر علم السائل وفهمه عن ادراك اللذات الروحانية، ودرجاتهم المعنوية. وتوهم ان هذه الامور (يعني السكنى في خان الصعاليك) مما يحط من منزلتهم. ولم يعلم ان تلك الاحوال مما يضاعف منازلهم ودرجاتهم الحقيقية، ولذاتهم الروحانية، وانهم اجتنبوا لذات الدنيا ونعيمها. وكان نظره (يعني السائل) مقصورا على اللذات الدنية الفانية، اراه الامام (عليه السلام) ذلك، لانه كان مبلغه من العلم كما يقول تعالى ((ذلك مبلغهم من العلم)).
قال اي المجلسي: (واما كيفية رؤيته لها، فهي محجوبة عنا. والخوض فيها لايهمنا. لكن خطر لنا بقدر فهمنا وجوه وهي اربعة).
اذكر لكم الان اثنين من اهمها في الحقيقة الثالث والرابع :
الوجه الاول : وهو الثالث بحسب تقسيمه. انه اراه صورة اللذات الروحانية التي معهم دائما بما يوافق فهمه، فانه كان (اي هذا الرجل) في منام طويل وغفلة عظيمة عن درجات العارفين ولذاتهم، اراها له كما يرى النائم العلم بصورة الماء الصافي واللبن اليقق والمال بصورة الحية وامثالها. وهذا على مذاق الحكماء والمتألهين.
اقول: على هذا فهو كشف صوري برزخي تنزلي. اما كونه صوريا فلأنه مرأي بالبصر، او هو صورة تراها العين. واما كونه برزخيا، فلأنه دون العالم الاعلى الحقيقي المليء بالحقائق والانوار، والمستغني عن كل هذه اللذات. واما كونه تنزليا، فلأن الحكماء قالوا ان الفرد اذا بلغ الى درجة عليا من درجات اليقين، بحيث يستطيع بها ان يرى الحقيقة على حالها الاصلي فهو المطلوب، وان لم يستطع ذلك فقد يكشفها الله له في المنام او في اليقظة على شكل صور من هذا القبيل، وهي المناسبة لحاله وفهمه. وثانيا هي مناسبة مع الحقيقة التي تعبر عنها، فيرى العلم بحرا، والرحمة مطرا، والعدو افعى، وهلم جرا …
الوجه الثاني : مما قاله الشيخ المجلسي في البحار ما حققته في بعض المواضع وملخصه : ان النشئات مختلفة، والحواس في ادراكها متفاوتة. كما ان النبي (صلى الله عليه واله) كان يرى جبرئيل (عليه السلام)، وسائر الملائكة والصحابة لم يكونوا يرونهم. وامير المؤمنين (عليه السلام) كان يرى الارواح في وادي السلام، وحبة العرني وغيره لا يرونهم. وفيها رواية انه خرج مع حبة العرني فقال له : لو رأيتهم حلق حلق كذا وكذا يتكلمون. وهذا معناه ان امير المؤمنين يراهم يتكلمون الا ان حبة العرني لم يرهم طبعا. فيمكن ان تكون جميع هذه الامور في جميع الاوقات حاضرة عندهم (يعني المعصومون عليهم السلام) ويرونها ويتلذذون بها. لكن لما كانت اجساما لطيفة روحانية ملكوتية لم يكن سائر الخلق يرونها، فقوى الله بصر السائل باعجازه (عليه السلام)، اي بتسبيب من الامام الهادي (عليه السلام) حتى راها.
اقول : فيكون الفرق بين هذا الوجه وسابقه، هو ان هذه الصورة التي راها هذا الرجل صورة خيالية مؤقتة تزول بزوال شعوره بها طبقا للوجه الاول. ولكنها صورة ثابتة وحقيقية ومستمرة لعالم من عوالم الخلق طبقا للوجه الثاني. ولا نريد التعمق في ذلك لكي لا نتجاوز الاسرار الالهية. وانما فقط اريد التعليق على ما قاله المجلسي في نقطتين:
النقطة الاولى : ان ظاهر كلامه (رحمة الله عليه) وهو المشهور أيضاً، ان من مفاخر النبي (صلى الله عليه واله) انه يرى جبرئيل ويسمعه ويتلقى منه القرآن. وهذا أمر وان كان عظيما جدا، الا ان النبي (صلى الله عليه واله) بحقيقته وروحه العليا اعلى حتى من هذه المرتبة. لاننا حين نعتبره خير الخلق على الاطلاق، واول الموجودات على الاطلاق، واقربها الى الله على الاطلاق، اذن فهو خير من جبرئيل ومن القرآن. فلا يكون من مفاخره رؤيتهما والعلم بهما. نعم هي من صفاته، ولكن ذلك بالنسبة اليه امر بسيط ومفروغ الوجود.
النقطة الثانية : ان ظاهر كلام المجلسي، وهو المرتكز ايضا في اذهان المتشرعة، ان مثل هذه الكشوفات البسيطة نسبيا خاصة بالمعصومين. وانا اعتقد ان في ذلك تنزيل من شأنهم وليس اعلاء لحقهم. اليس سمعنا قبل قليل ان من يرى الحقائق فهو مستغني عن رؤية صورها التنزلية. وانما تكون هذه الصور لمن يعجز عن نيل تلك الحقائق العليا. ومن المعلوم ان المعصومين (عليهم السلام) اولى واحق من يرى تلك الحقائق والمدارك الجبروتية، ومعه يكونون مستغنين عن هذه الكشوف الصورية. وانما يحصل ذلك لطبقة اقل من الاولياء والصالحين ،باعتبار ان هذا هو المناسب لهم، ومدرك علمهم، ومبلغ علمهم، على اية حال. كما ان ظاهر كلام المجلسي (عليه الرحمة) وكذلك اعتقاد طبقة من المتشرعة ان المعصومين (عليهم السلام) يتلذذون بهذه الصور المكشوفة، وانها هي باقية عندهم باستمرار لاجل ان يتلذذوا بها. وهذا الكلام مؤسف بطبيعة الحال. فانه وان صدق في بعض المتقين والصالحين، لا يمكن ان يصدق على المعصومين بحال:
اولا: لما عرفناه من انهم مطلعون على الحقائق العليا النورانية رأسا وبكل صراحة ووضوح. اذن فهم لا يعولون على هذه الصور ولا يحتاجونها، بل تكون بالنسبة اليهم حجابا عن المعرفة وقطعا للطريق وحاشاهم.
ثانيا: انه في المستوى العالي جدا من درجات اليقين، لا يكون الالتذاذ الا بالله وذكره وطاعته. والالتذاذ بهذه الامور، انما هي التذاذ بالمخلوق دون الخالق. وهو من الشرك الخفي وحاشاهم عنه. ومن هنا ورد : (الاخرة حرام على اهل الدنيا، والدنيا حرام على اهل الاخرة، والدنيا والاخرة حرام على اهل الله). والمعصومون اولى البشر اجمعين، بل الخلق اجمعين، ان يكونوا من اهل الله سبحانه وتعالى. يكفينا في ذلك ان سكينة بنت الحسين (عليه السلام) خطبها الى ابيها خاطب، فقال له ما مضمونه : انها لا تصلح للزواج لانها مستغرقة في الله سبحانه.
وما ذلك الا لانها تربية ابيها الحسين (سلام الله عليه)، وجدها امير المؤمنين (سلام الله عليه)، فكيف بالمعصومين انفسهم ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *
صدق الله العلي العظيم


توقيع : ابو غدير الساعدي
اللهم عجل لوليك الفرج
من مواضيع : ابو غدير الساعدي 0 عجيبة غريبة !!!!؟؟
0 هل أسم الأمام علي "ع" ثقيل على عائشة ؟؟
0 المخالفة الجلية في نصرة سبط خير البرية
0 الأثبات الكبير لظلامة السبط البشير "ع"
0 أين ذهبت ( حي على خير العمل ) من الآذان ؟؟

الصورة الرمزية ابو غدير الساعدي
ابو غدير الساعدي
عضو برونزي
رقم العضوية : 64616
الإنتساب : Mar 2011
المشاركات : 324
بمعدل : 0.06 يوميا

ابو غدير الساعدي غير متصل

 عرض البوم صور ابو غدير الساعدي

  مشاركة رقم : 35  
كاتب الموضوع : ابو غدير الساعدي المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-03-2011 الساعة : 05:52 PM


الجمعة التاسعة والعشرون 9 رجب 1419
الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
يا من لا يخفى عليه انباء المتظلمين. ويا من لا يحتاج في قصصهم الى شهادة الشاهدين. ويا من قربت نصرته من المظلومين. ويا من بعد عونه عن الظالمين. قد علمت يا الهي ما نالني من فلان بن فلان (نتنياهو) مما حضرت، وانتهكه مني مما حجزت عليّ بطرا في نعمتك عنده، واغترار بنكيرك عليه. اللهم فصل على محمد واله، وخذ ظالمي وعدوي عن ظلمي بقوتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا فيما يليه، وعجزا عما يناويه. اللهم صل على محمد واله، ولا تسوغ له ظلمي، واحسن عليه عوني، واعصمني من مثل افعاله، ولا تجعلني في مثل حاله. اللهم صل على محمد واله، واعدني عليه عدوا خاضره تكون من غيضي به شفاءا، ومن حنقي عليه وفاءا. اللهم صل على محمد واله، وعوضني من ظلمه لي عفوك، وابدله بسوء صنيعه بي رحمتك، فكل مكروه جلل دون سخطك، وكل مرزئة سواء مع موجدتك. اللهم فكما كرهت لي ان أُظلم، فقني من ان اظلم. اللهم لا اشكو الى احد سواك، ولا استعين بحاكم غيرك حاشاك. فصل على محمد واله، وصل دعائي بالاجابة، واقرن شكايتي بالتغيير. اللهم لا تفتني بالقنوط من انصافك، ولا تفتنه بالامن من انكارك فيصير على ظلمي ويحاصرني بحقي، وعرفه كما قليل ما وعدت الظالمين، وعرفني ما وعدت في اجابة المضطرين. اللهم صل على محمد واله، ووفقني لقبول ماقضيت لي وعلي، ورضني بما اخذت لي ومني، واهدني للتي هي اقوم واستعملني بما هو اسلم. اللهم وان كانت الخيرة لي عندك في تأخير الاخذ لي وترك الانتقام ممن ظلمني الى يوم الفصل، ومجمع الخصم فصل على محمد واله، وايدني منه بنية صادقة، وصبر دائم واعذني من سوء الرغبة، وهلع اهل الحرص، وصور في قلبي مثال ما ادخرت لي من ثوابك، واعددت لخصمك من جزائك وعقابك، واجعل ذلك سببا لقناعتي بما قضيت، وثقتي بما تخيرت. آمين رب العالمين. (كلكم قولوا آمين رب العالمين) انك ذو الفضل العظيم وانت على كل شيء قدير.
اللهم صل على المصطفى محمد، والمرتضى علي والزهراء فاطمة والمجتبى الحسن والشهيد الحسين والسجاد علي والباقر محمد والصادق جعفر والكاظم موسى والرضا علي والجواد محمد والهادي علي والعسكري الحسن والمهدي المنتظر (عجل الله فرجه) ائمتي وسادتي وقادتي بهم اتولى، ومن اعدائهم اتبرأ في الدنيا والاخرة.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نستمر في ذكر بعض الاهداف التي بدأنا بذكرها في الجمعة السابقة مما سعى اليه الامام الهادي (سلام الله عليه)، وهو موقفه من غيبة حفيده محمد بن الحسن بن علي الحجة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه). وذلك ان ان هذه الغيبة باتت قريبة نسبيا (في زمانه طبعا) ولابد من تحضير الذهنية العامة لدى قواعده الشعبية ومواليه لذلك (اي لفكرة الغيبة). لاجل تقبل فكرة الغيبة عموما، لانها اذا جاءت بشكل فجائي فانه يسبب انكار المجتمع لها، واستبعاده اياها، ومن ثم قد يوجب ارتداد الكثير من الناس عن المذهب الحق. واما مع التمهيد والتبليغ والتعويد للناس، فان امثال هذه النتائج الوخيمة ستكون غير متحققة، وكان موقفه من ذلك بالمقدار الذي نستطيع ادراكه يتلخص بامرين:
الامر الاول: التبشير بوجوده ووروده وظهوره، غير ان هذا التبشير والتبليغ كان خاصا بموالي الامام المعتقدين به، ومقتصرا على اصحابه، ولم يكن يعم الاخرين، لانهم لم يكونوا يؤمنون بتسلسل خط الائمة الاثنى عشر (عليهم السلام). اذن فيكون تبليغهم بذلك تبليغا بلا موضوع.
ويلاحظ في تبليغ الامام الهادي (عليه السلام) ضمناً، التخطيط لحماية الحجة المهدي (سلام الله عليه) عند غيبته. فنرى ان كلام الامام حوله محاط بهالة من القدسية والغموض، ومشفوع في التاكيد المتزايد على انه لا يحل لاحد ذكر اسمه. وذلك توصلا الى عدم تسربه الى الجهاز الحاكم. كما ورد في الرواية: (اذا وقع الاسم وقع الطلب).
وقد وردت عن الامام الهادي (عليه السلام) بهذا الصدد عدة احاديث، نقتصر على بعضها، فمن ذلك قوله في كلام له:. قال الراوي: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي ؟ قال: (لانه لايرى شخصه ولا يحل ذكر اسمه حتى يخرج فيملء الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا). ومن غامض قوله (عليه السلام) في ذلك: (اذا رفع علمكم من بين اظهركم فتوقعوا الفرج من تحت اقدامكم) والمفهوم من رفع العلم حصول الغيبة ومن توقع الفرج حصول الظهور بطبيعة الحال. وكذلك قوله (عليه السلام): (فانى لكم بالخلف بعد الخلف) والخلف للامام الهادي هو الامام الذي بعده وهو الامام العسكري (عليه السلام) والخلف بعد الخلف هو الامام الذي بعد العسكري وهو الحجة المهدي (سلام الله عليه). (ومن بعدي ابني الحسن فكيف للناس بالخلف من بعده)
الامر الثاني: هو اتخاذ الامام الهادي (عليه السلام) مسلك التخفي والابتعاد عن المجتمع، تمهيدا للغيبة التي تحصل لحفيده المهدي (سلام الله عليه)، لما قلناه من ان حصولها المفاجئ مما يسبب ارباكا وتشكيكا في العقيدة. فلابد من التدرج النسبي في التخفي، بحيث يراه الناس ويعهده المجتمع (التخفي طبعا) ويرى في الامكان الاستفادة من الامام المعصوم بدون حصول رؤيته مباشرة. وهذا هو التخطيط الذي بدأه الامام الهادي (عليه السلام)، واتمه وركز عليه الامام العسكري (عليه السلام). ثم تم وجوده حقيقة وعلى الوجه الكامل بيد الامام المهدي (سلام الله عليه). ومن هنا نرى ان هذا التخطيط قد مرّ باربعة مراحل:
المرحلة الاولى: تلك التي بداها الامام الهادي (عليه السلام)، حيث انه بدا بالتخفي الجزئي او القليل والابتعاد عن المجتمع تدريجا.
المرحلة الثانية: ما حصل من الامام العسكري (عليه السلام) بعد ابيه من التخفي والابتعاد، ولكن بشكل اكثر من ابيه. حتى انه كان لايدخل عليه الا بعض خاصة اصحابه. ولا يتصل بشيعته مباشرة وانما يتصل بهم عن طريق المراسلة. وهذا ما تدل عليه روايات عديدة.
المرحلة الثالثة: الغيبة الصغرى التي بداها الامام المهدي (عليه السلام) بعد ابيه مباشرة وهي تتمثل بزيادة في التخفي في الامامين السابقين. فكان بحيث لايراه احد الا حسب المصلحة الاكيدة والضرورية. والغالب انها لمجرد اثبات وجوده (سلام الله عليه) ضد المشككين طبعا. وتتميز هذه المرحلة بنصب السفراء او الوكلاء الاربعة، عثمان بن سعيد عليه الرحمة، ومحمد بن عثمان عليه الرحمة، والحسين بن روح عليـه الرحمـة، وعـلي بن محمد السمري رحمة الله عليه. وهذا معناه انه لا يراه بالتزام وفي كل وقت او في اي وقت الا واحد هو السفير الموجود منهم في زمانه.
المرحلة الرابعة: الغيبة الكبرى (وهي الفترة التي نعيشها في هذه الايام وفي هذا الدهر كله الى ان يأمر الله سبحانه وتعالى بالظهور اللهم عجل فرجه سهل ومخرجه واجعلنا من اصحابه وانصاره انك على كل شيء قدير واهدنا بهداه وارزقنا رضاه) التي ارادها الله تعالى وتسبب لها المهدي نفسه بقطع سلسلة السفراء بالحديث الوارد عنه الى السفير الرابع ( رحمة الله عليه) ونصه: (بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري عظم الله اجر اخوانك فيك فانك ميت ما بينك وبين ستة ايام. فاجمع امرك ولا توصي الى احد فيقوم مقامك بعد وفاتك. فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور الا باذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الامد وقسوة القلوب وامتلاء الارض جورا. وسياتي لشيعتي من يدعي المشاهدة. الا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
وبهذا نجد ان هذه المراحل متدرجة في التخفي والابتعاد عن المجتمع. وان الغيبة الكبرى التي نعيشها الان قد خطط لها المعصومون (عليهم السلام) بثلاثة مراحل مقدمة لها، حتى ان الغيبة الصغرى تعتبر من هذه الناحية مقدمة للغيبة الكبرى، لاجل استساغة الناس لها، وحسن تلقيهم اياها، وعدم حصول المضاعفات بمفاجئتهم بها. فنرى الامام المهدي (عليه السلام) قد ركز واكد في هذا البيان على عدة امور :
الامر الاول : اخباره بموت الشيخ السمري السفير الرابع (رحمة الله عليه) في غضون ستة ايام، وهو من الاخبار بالغيب الذي نقول بامكان حصوله للامام (عليه السلام) بتعليم من الله ورسوله. ولم يشك احد يومئذ في صدق هذا الخبر. وقد غدى عليه اصحابه بعد ستة ايام فوجوده محتضرا يجود بنفسه. وهذا موجود في النقل التاريخي والروايات.
الامر الثاني : نهي الامام المهدي (سلام الله عليه) اياه (اي للسمري) عن ان يوصي الى احد ليقوم مقامه، او يطلع بمهام السفارة بعد وفاته. وبذلك يكون هو (اي السمري) آخر السفراء، ولا سفير بعده، ويكون خط السفارة قد انقطع، ويكون عهد الغيبة الصغرى قد انتهى.
الامر الثالث : انه لا ظهور الا بأذن الله تعالى ذكره. وهذا معناه الاغماض في تاريخ الظهور، وايكال علمه الى الله وحده، وارتباطه باذنه جل جلاله ((ولا يظهر على غيبه احدا)). ولهذا الاغماض عدة فوائد، اهمها اثنان:
الفائدة الاولى : بقاء قواعده الشعبية ومواليه منتظرة له في كل حين، متوقعة ظهوره في اي يوم. وهذا الشعور اذا وجد لدى الفرد، فانه يحمله على السلوك الصالح، وتقويم النفس، ودراسة واقعه المعاش، ومعرفة تفاصيل دينه جهد الامكان، ليحظى في لحظة الظهور بالزلفى لدى المهدي (عليه السلام)، والقرب منه. ولا يكون من المغضوب عليهم لديه والمبعدين عن شرف ساحته. بل ان الفرد ليشعر وهو في حالة انتظار امامه في اي يوم، ان انحرافه وفسقه قد يؤدي به الى الهلاك والابتعاد كليا عن العدل الاسلامي العظيم، الذي يسود العالم يومئذ تحت قيادة الامام المهدي (سلام الله عليه). فان الامام المهدي (عليه السلام)، بعد ظهوره سيكون حديا في تطبيق العدل الاسلامي، وسيذيق كل منحرف عقائديا او سلوكيا اشد الوبال. فانه لا مكان للانحراف في مجتمع العدل المطلق، كما ورد في بعض الروايات : (انه يضع السيف يقتل هرجا لا يرحم احدا). وفي رواية اخرى : (انه يقتل حتى يقال انه ليس من اولاد فاطمة لو كان من اولاد فاطمة لرحم).
الفائدة الثانية : للاغماض قي موعد ظهوره، حماية المهدي (عليه السلام) من اعدائه بعد ظهوره او عند ظهوره. فان الاغماض في التاريخ يوفر محض المفاجئة والمباغتة للعدو على حين غرة. وهذا من اقوى عناصر النصر واسبابه، وان لم يكن هو اهمها واقواها على الاطلاق، حيث توجد هناك عناصر اقوى منه. على حين لو كان الموعد معينا، لكان بالامكان تماما للاعداء ان يجمعوا امرهم ويهيئوا اسلحتهم قبيل الموعد المحدد. حتى ما اذا آن موعد الظهور قاتلوه واستأصلوه قبل ان يفهم به الناس، ويجتمع حوله الاعوان والاخوان. وبذلك تفشل حركته فشلا ذرعا. وحاشا لله من ذلك بطبيعة الحال.
لا يفرق في ذلك في اعداء المهدي (عليه السلام) بين من يعتقد بظهوره وبين من لا يعتقد. فان الموعد لو كان محددا طيلة هذا الزمان، لكان امرا مشهورا، ولأوجد في اذهان الاعداء احتمالا على الاقل بظهوره، وهو مساوق مع احتمال استئصال الاعداء واجتثاثهم. وهذا الاحتمال بنفسه يكفي للتألب عليه واعلان التعبئة العامة وحالة الطواريء باللغة الحديث ضد الامام المهدي (عليه السلام).
والان، ـ والظاهر انكم تعلمون بذلك ولكن هذا محل بيانه ـ يوجد من الاخبار ما يكفي من ان امريكا قد اسست منذ عدة سنوات، ربما عشرة سنين، ما يسمى بقوات التدخل السريع تحسبا لظهور المهدي (عليه السلام) وليس لشيء آخر. كما انها افتعلت حرب الخليج لاجل ان تملء بالبوارج الحربية، تحسبا لظهور المهدي (عليه السلام). كما ان من الاكيد ان له في البنتاغون ملفا كاملا وضخما عن اخباره التي تستطيع امريكا جمعها، حتى قالوا انه يفتقر فقط الى الصورة الشخصية له، وطبعا هي مفقودة. ولا شك ايضا انها تأخذه بنظر الاعتبار في كومبيوتراتها السياسية كاحد اهم المحتملات التغير الاجتماعي الممكن حصوله في الشرق المسلم طبعا، مع التعتيم التام على كل هذه الامور.
وعلى اي حال فيكون من الحكمة الالهية اخفاء موعد ظهور المهدي، وبقاء الموعد غامضا مجهولا منوطا بأذن الله سبحانه وتعالى.
الامر الرابع : الاشارة في التوقيع الشريف (الذي صدر إلى السمري)، الى ان امد الغيبة التامة الكبرى سوف يكون طويلا ومديدا. وانما ينص المهدي على ذلك حسب فهمنا، ليجعل الفرد المؤمن مسبوقا ذهنيا بطول الغيبة، ومتوقعا لتماديها في الزمان، فلا يأخذه اليأس ولا يتلبسه الشك، مهما طالت او تمادت وان اصبحت الاف السنين او الملايين. فانه ما دام المؤمن عارفا بانها ستطول، وانها منوطة باذن الله عز وجل عند تحقق المصلحة للظهور وتهيأ البشرية لتلقي الدعوة الاسلامية الكبرى. فان الفرد يعرف عند تأخر الظهور ان المصلحة بعد لم تتحقق، وان الاذن الالهي لم يصدر. وهذا السبق الذهني (يعني احتمال طول المدة)، لا ينافي باي حال، حال الانتظار وتوقع الظهور في كل يوم وكل شهر وكل عام. فان طول الامد الموعود به في كلام المهدي (عليه السلام)، لفظ عام ينطبق على السنين القليلة والسنين الطويلة والكثيرة على حد سواء. بل لو كان الامام المهدي (عليه السلام) قد ظهر بعد الغيبة الصغرى بقليل، لكان قد ظهر بعد طول الامد. لان السبعين عاما (التي هي طول الغيبة الصغرى تقريبا) مع الشعور بالظلم وحالة الانتظار، تكون امدا طويلا بحسب الجو النفسي للفرد والمجتمع لا محالة. هذا فضلا عما اذا تاخر الامام المهدي (عليه السلام) في ظهوره عشرات السنين او مئات السنين او الالاف، فان طول الامد يكون قد تحقق باوضح صوره واصعب انحائه. ومعه يكون الفرد متوقعا لانتهاء هذا الامد الطويل في كل ساعة وفي كل يوم ولصدور الاذن الالهي بالظهور.
الامر الخامس : مما يشير اليه الامام (عليه السلام) بالتوقيع الشريف الاشارة الى قسوة القلوب. والمراد به ضعف الدافع الايماني، وقلة الشعور بالمسؤولية، والمشارفة على الانحراف، او الوقوع في الانحراف فعلا، بل سقوط افراد او اغلب افراد المجتمع فيه، ولربما اكثر المجتمعات. وذلك لان الفرد يواجه امتحانا الهيا صعبا خلال الغيبة الكبرى من جهات ثلاثة يكون واجبا عليه امام الله ان يخرج منه ناجحا ظافرا في رضا الله سبحانه وتعالى. والخروج منه ليس باكل التمن والقيمة، فالخروج منه بنجاح يحتاج الى عمق في الايمان والاخلاص والارادة لا يتوفر الا في القليل من الناس.
الجهة الاولى : موقف الفرد تجاه شهوات نفسه ونوازعه الغريزية، التي تتطلب الاشباع باي شكل من الاشكال، وكما قالوا ان الغرائز لا عقل لها. فعلى الفرد ان يلاحظ ذلك فيكفكف من غلواء شهواته ويزعها بعقله وايمانه عن الحرام الى الحلال.
الجهة الثانية :موقف الفرد تجاه الضغط الخارجي الذي يعيشه، وما يتطلبه من تضحيات في سبيل دينه وايمانه ضد الفقر والمرض والسلاح والحرج الاجتماعي ونحو ذلك، من المصاعب التي تصادف الفرد في طريقه الايماني الطويل. فان كان الفرد شاعرا بالمسؤولية، قوي الارادة استطاع تذليل هذه الصعوبة ةالتضحية في سبيل الايمان.
الجهة الثالثة : موقف الفرد المؤمن تجاه الاعتقاد بامامه الغائب وقائده المحتجب (سلام الله عليه)، فانه بعد ان عرفه بالدليل القطعي لاينبغي ان تثبطه الشكوك، ولا ان تزعزعه الاوهام، ولا ان يؤثر في زحزحة اعتقاده طول الامد. وفي الحديث (ان الله علم ان اوليائه لا يشكون). ولو علم انهم يشكون لما غيب عنهم وليه طرفة عين. وعلى اية حال فاذا كان الفرد ناجحا من سائر الجهات في الدين واليقين، كان من الاقلين عددا المرتفعين شأنا الواعين لدينهم وسوف لن يبتلي بقسوة القلب التي اشارلها المهدي (عليه السلام) في بيانه وكلامه، تلك القسوة التي يبتلي بها الاكثرون الذين لا يكونون على المستوى المطلوب من الاخلاص والايمان.
الامر السادس : مما هو مبين في التوقيع الشريف: الاشارة في التوقيع الشريف الى امتلاء الارض جورا، وفيه تطبيق واضح للكلام النبوي الشريف حسب الرواية الستفيضة، بل المتواترة المنقولة عن النبي (صلى الله عليه واله) ما مضمونه: ان الامام يظهر فيملء الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. وهو الحديث المستفيض الذي رواه عدد من علماء الاسلام والمحدثين العظام من مختلف المذاهب وليس في مذهبنا فقط.
الامر السابع : اثبات حدوث السيفاني والصيحة، وهو امر يحصل التنبوء به قبيل ظهور الامام (عليه السلام) بصفتهما احدى العلامات القريبة وان كانت كثير من هذه الامور قابلة لتعلق البداء بها في الحقيقة الذي نؤمن بامكانه لله عز وجل، مثلا يظهر الامام والسفياني لا يظهر او يظهر الامام ولا توجد صيحة او لا يوجد خسف فهذا ممكن. والسفياني موصوف في الاخبار تفصيلا وليس هنا محل ذكره كما ان الصيحة مذكورة في الاخبار، ما هي الصيحة ؟ هي النداء من قبل جبرائيل الامين (سلام الله عليه) باسمه واسم ابيه وانه قد حصل ظهوره ووجب اتباعه ليأخذ له المؤمنون اهبتهم ويتوجهوا الى نصرته. وفي بعض الروايات انه نداء يسمعه كل اهل لغة بلغتهم وفي بعضها ما مضمونه انه من الوضوح والارتفاع بحيث يفزع الناس ويخرج العذراء من خدرها حيث يكون الظهور لدى وقوعه صريحا واضحا علنيا تدعمه المعجزة وتؤيده الارادة الالهية لا يستطيع المؤمنون التخلف عنه ولا يطيق الاعداء دحره وافشاله.
بسم الله الرحمن الرحيم
* سبح اسم ربك الاعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي اخرج المرعى * فجعله غثاءا احوى * سنقرئك فلا تنسى * الا ما شاء الله انه يعلم الجهر وما يخفى * ونيسرك لليسرى * فذكر ان نفعت الذكرى * سيذكر من يخشى * ويتجنبها الاشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيى * قد افلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والاخرة خير وابقى * ان هذا لفي الصحف الاولى * صحف ابراهيم وموسى *
صدق الله العلي العظيم

الجمعة التاسعة والعشرون 9 رجب 1419
الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
الهي لا تشمت بي عدوي، ولا تفجع بي حميمي وصديقي. الهي هب لي لحظة من لحظاتك تكشف عني ما ابتليتني به، وتعيدني الى احسن عاداتك عندي. واستجب دعائي ودعاء من اخلص لك دعاءه، فقد ضعفت قوتي وقلة حيلتي واشتدت حالي وآيست مما عند خلقك فلم يبقى الا رجاؤك. الهي ان قدرتك على كشف ما انا فيه كقدرتك على ما ابتليتني به، وان ذكر عوائدك يؤنسني، والرجاء في انعامك وفضلك يقويني، لاني لم اخلُ من نعمتك منذ خلقتني، وانت الهي، ومفزعي وملجأي، والحافظ لي والذاب عني، المتحنن عليّ الرحيم بي، المتكفل برزقي في قضائك، كان ما حل بي، وبعلمك ما صرت اليه، فاجعل يا وليي وسيدي مما قضيت وقدرت عليّ وحتمت عافيتي، وما فيه صلاحي وخلاصي مما انا فيه، فاني لا ارجوا لدفع ذلك غيرك، ولا اعتمد فيه الا عليك، فكن يا ذا الجلال والاكرام عند احسن ظني بك، وارحم ضعفي وقلة حيلتي، واكشف كربتي، واستجب دعوتي، واقلني عثرتي، وامنن علي بذلك، وعلى كل داع لك امرتني يا سيدي بالدعاء، وتكفلت بالاجابة ووعدك الحق الذي لا خلف فيه، ولا تبديل فصل على محمد نبيك، وعبدك وعلى الطاهرين من اهل بيته، واغثني فانك غياث من لا غياث له، وحرز من لا حرز له، وانا المضطر الذي اوجبت اجابته، وكشف ما به من سوء فاجبني، واكشف عني، وفرج همي، واعد حالي الى احسن ما كانت عليه، ولا تجازني بالاستحقاق، ولكن برحمتك التي وسعت كل شيء يا ذا الجلال والاكرام صل على محمد واله، واسمع واجب يا عزيز جل جلالك، وعم افضالك، ودام مجدك ولا اله غيرك. لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم، وكذلك ننجي المؤمنين.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
لاحظوا بدقة انكم تسمعون مني في كل جمعة تقريبا، وفي هذه الجمعة ايضا، وفي كل جمعة مكررا شيء لا تفهموه، او المظنون ان اكثركم لم يفهموه، وهي قوله تعالى ((اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون)) وهي اية كريمة واقعة في سياق قرآني للنصائح والمواعظ، وكل القرآن نصائح ومواعظ ونصائح القرآن دائما مؤثرة وصحيحة، فنسمع الان بعضا من هذا السياق. اقرأ لكم جملة من الايات، مع محاولة فهمها والالتفات والانتباه الى مضامينها بطبيعة الحال.
قال تعالى: ((قل يا اهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وانتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم ايات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واؤلئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واؤلئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فاما الذين اسودت وجوههم اكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين)).
ويمكن شرح الفقرة التي نتحدث عنها وهي قوله تعالى ((اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون)) في عدة خطوات:
الخطوة الاولى : انها وقعت في خطاب الذين امنوا، لانه تعالى قال ((يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون)) لوضوح ان من لم يكن من الذين امنوا، لا يناسب ان تطلب منه التقوى. وانما يطلب منه ان يكون اولا من الذين امنوا، فاذا كان منهم، كانت التقوى منه مطلوبة لان الايمان درجات ولا يمكن ان يطلب من الفرد درجتين او اكثر فورا، وانما تطلب بالتدريج طبعا، تطلب الاسبق ثم التي بعدها ثم التي بعدها وهكذا. وفي الحديث ما مضمونه القريب: (ان الاسلام عشر درجات اقصاها الايمان. والايمان عشر درجات اعلاها التقوى. والتقوى عشر درجات اعلاها اليقين. والناس تمسكوا من الاسلام باقل درجاته) وهي هذه الفضيحة.
ومن هذا الحديث، يتضح ان درجات التقوى بعد درجات الايمان مباشرة، ودرجات الايمان بعد درجات الاسلام مباشرة. ومن هنا صح ان يكلف بالتقوى او يخاطب بها المؤمنون خاصة دون من كان اقل منهم.
الخطوة الثانية: ان التقوى اصلها اللغوي من اتقاء الشر، وفي حدود فهمي ان الشر الذي يتقيه الإنسان، ان كان شرا دنيويا فهو التقية، قال الله تعالى: (الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه). وان كان شرا اخرويا فهو التقوى. اي اتقاء غضب الله وعقابه بالاقتصار على الطاعة وترك المعاصي والصبر على البلاء والرضا بالقضاء.
الخطوة الثالثة: انني وجدت حسب اطلاعي القاصر، ان اعظم من وعد بالاجر والثواب والمقامات العالية في القران الكريم هو عنوانين او مجموعتين: المتقون والصابرون، ونتحدث الان عن المتقين وليس عن الصابرين.
قال تعالى: ((وتزودو فان خير الزاد التقوى)). وقال: ((والعاقبة للمتقين). وقال: ((والعاقبة للتقوى)). وقال: ((والله ولي المتقين)). وقال: ((وازلفت الجنة للمتقين)). وقال: ((ان للمتقين مفازا )). وقال: ((واتقوا الله واعلموا ان الله مع المتقين)). وقال: ((وان للمتقين لحسن مآب)).
حتى انه من الممكن القول ان النجاة الحقيقية والعاقبة الحقيقية، انما هي للمتقي. ومالم يصل الفرد الى درجات التقوى تبقى نفسه غير صافية واخرته غير صافية، ومن ثم لا يكون ((في مقعد صدق عند مليك مقتدر)).
الخطوة الرابعة : اننا اذا فسرنا التقوى على انها اتقاء المحرمات، واتقاء العذاب الاخروي الناتج منها، اذن لا يبقى بينها وبين الورع اي فرق. لان الورع هو اتقاء المحرمات، والتقوى هي ايضا اتقاء المحرمات. وفي الحديث: (لا دين لمن لا ورع له). وفي الحقيقة لا دين لمن لا ورع له لان الذي تراه يستهين بالمعاصي ويرتكبها فهو انما يستهين بامر الله سبحانه وتعالى كما انه يستهين بحقوق الاخرين طبعا ومن يكون كذلك فهو لا دين له حتى لو شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وان عليا ولي الله، والذي لا يرضى (يلبس الباب)، لانه لو كان له دين ولو كان يشعر باهمية دينه لحجزه عن معاصي الله سبحانه ولحصل لديه الورع عن المحرمات. فمن لا ورع له لا دين له حقيقة نقسم على هذا المصحف الشريف.
المهم ان الورع هو ترك المحرمات، والتحاشي عنها والحذر منها، فاذا فسرنا التقوى بذلك ايضا لم يبق فرق بين الورع والتقوى. وانا اشعر ان المتشرعة ليس لديهم اطروحة واضحة للفرق بين الورع والتقوى، بالرغم من انهم يشعرون بارتكازهم بوجود فرق بينهما وان التقوى هي بلا شك اعلى درجة من الورع. ولكن بأي شيء تختلف وبأي شيء تتصف فهذا مجهول عندهم.
الخطوة الخامسة : ان احسن ما يمكن بيانه كفرق بين التقوى والورع ان الورع هو ترك المحرمات، واما التقوى فهي ترك الشبهات او قل ترك موارد الشبهات. فاذا كان الفرد شاعرا بالمسؤولية تجاه الله تعالى بحيث يكون مجتنبا لموارد الشبهات، وكل ما يحتمل ان يكون فيه حرمة، او جرأة على الله سبحانه فانه يتركه من اجل رضاء الله سبحانه وتعالى والقرب له ونيل الزلفى لديه، فهو متقي. كما ورد في الدين ما مضمونه: (الامور ثلاثة امر بين رشده فيتبع وامر بين غيه فيجتنب وشبهات بين ذلك فمن اقتحم في الشبهات كاد ان يقع في المحرمات) (كول لا !). واما اذا لم يقتحم في الشبهات ووقف عندها واحتاط لنفسه فيها فهو المطلوب وعندئذ سيكون من المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وهذا معناه ان المؤمن يمنع نفسه على مستويين :
اولا: المحرمات الواضحة الفردية والاجتماعية، وكذلك الباطنية والظاهرية، كسوء النية والوسواس والاعتداء، واي شيء آخر من المحرمات. وهذا معنى قوله (امر بين غيه فيجتنب).
ثانيا: ان الفرد يترك كل ما هو محتمل ان يكون كذلك من الافعال والاقوال، ولا يحاول المشي في هذا الطريق المشبوه مهما امكنه، وانما يقتصر فقط على الطريق الواضح لرضاء الله سبحانه وتعالى ونيل ثوابه. وهو معنى قوله (امر بين رشده فيتبع) اي الطريق الواضح الذي يوصل الى رضاء الله سبحانه.
وهذا هو ايضا فرقه عن الورع، فان الورع هو ترك ما احرز الفرد كونه حراما وما علم الفرد كون حراما دون ان يترك الشبهات، فيكون ورعا ولو بعنوان ان الشبهات مما لم تثبت حرمتها، وكل ما لم يثبت حرمته فهو جائز باصالة البراءة عن الحرمة ونحو ذلك وهذا صحيح فقهيا. الا انه هذا النحو من السلوك والافعال، لا يصل به الى درجة التقوى ما لم يقف عند الشبهة، ويتجنب كل ما يحتمل ان يكون سببا لغضب الله سبحانه وتعالى.
ولكن من الواضح في هذه الدرجة من التفكير، ان احتمال السوء ينبغي ان يكون واضحا او معتدا به لكي يتجنبه، بالرغم من جريان اصالة البراءة في نفيه. واما اذا كان احتمال السوء ضعيفا مرجوحا جاز له عمله مع وجود اصالة البراءة في نفيه.
الخطوة السادسة : اننا الان وان عرفنا معنى الورع، ومعنى التقوى، الا اننا لم نصل الى معنى العبارة لانه تعالى يقول ((اتقوا الله حق تقاته)) وقد عرفنا اصل التقوى، ولم نعرف معنى كونها حق التقوى. مع الالتفات الى ان قوله ((اتقوا الله حق تقاته)) امر والامر ظاهر في الوجوب، والمخاطب به هو الذين آمنوا، وانشاء الله كلنا من الذين آمنوا فماذا ستكون النتيجة ؟ يكون من الواجب على الذين آمنوا ان يتقوا الله حق تقاته. فان قلت ان نيل درجة الورع وان كانت واجبة فقهيا لانها تعني الورع عن المحرمات الا ان نيل درجة التقوى مستحبة فضلا عن حق التقوى او التقوى الحقة التي تأمر بها الاية ولا يحتمل فيها الوجوب. قلنا نعم. هكذا الامر في الفقه لان الفقهاء يأخذون بنظر الاعتبار فقط ان لا يكون المسلم ممن يستحق العقاب فان لم يستحقه كان من الناجحين وهذا اكيد وما عليهم من درجات الكمال الاخرى. في حين ان القرآن الكريم يتكفل ذلك لا محالة وكل توجيهاته نصائح لاجل نيل الكمال البشري الحقيقي النوراني. اذن فمن المستطاع القول بحمل هذه الاية على الوجوب اخلاقيا او قل هي اشتراط لزومي بنحو الحكم الوضعي او الاثر الوضعي للتكامل اي لا يكون التكامل الا هكذا. بمعنى ان لم يصل الى التقوى لم يستطع التكامل الى حق التقوى طبعا لانها درجة بعدها واكبر منها بطبيعة الحال.
الخطوة السابعة : انه يمكن تفسير حق التقوى بتفسيرين:
التفسير الاول : الدقة في تطبيق التقوى وعدم محاولة التغافل والاهمال في اي شيء اذا كان من الشبهات، بحيث يحاول الفرد ان لا يكون فيه نسيان او اشتباه او تسامح مهما كان. يحاول على اية حال بمقدار ما هو متيسر. وعندئذ ستكون تقواه حقا وليست شكلية فقط، او معمقة وليست ضحلة.
التفسير الثاني : ان التقوى ما دامت هي اجتناب الشبهات كما فسرناها وحللناها. وقلنا قبل قليل ان الفرد المؤمن انما يجب ان يجتنب الشبهات الواضحة الراجحة دون غيرها وهذا كاف على مستوى التقوى. الا ان الفرد اذا اراد ان يصل الى مرتبة حق التقوى، فعليه ان يجتنب كل الشبهات، وان ضعف احتمالها ما لم يحصل الاطمئنان بالصحة ورضا الله سبحانه وتعالى فيكون له ان يفعل والا لم يجز له العمل والاقتحام. وهذا معناه الدقة والتوسع في الملاحظة والاجتناب ومحاولة اكتساب رضاء الله سبحانه ومن هنا قال اهل المعرفة بانعدام المباح للمؤمن الحق، وكذلك ما سبق ان سمعناه من (ان الدنيا حرام على اهل الاخرة) يعني الدنيا بكل تفاصيلها وكذلك قولهم (الدنيا والاخرة حرام على اهل الله سبحانه وتعالى).
الخطوةالثامنة : انه تعالى قال: ((اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون)). فما معنى مسلمون هنا ؟ مع الالتفات الى ان المخاطب هو الذين آمنوا، والذين آمنوا هم مؤمنين ومسلمين فيخاطبون بالاسلام لماذا ؟ فلو كان المراد به اصل الاسلام اي الدخول في الدين الاسلامي لم يصح لان ذلك مطلوب من الكفار لا من المؤمنين. ونحن نعرف ان كل مؤمن مسلم، فاذا كان مؤمنا ومسلما فهو حاصل على الاسلام فلا معنى لطلبه منه.
وكذلك مع الالتفات الى ان هذا المعنى من الاسلام في الاية قد جاء بعد طلب التقوى الحقة، قال ((واتقوا الله حق تقاته)) ثم قال ((ولا تموتن الا وانتم مسلمون)). اذن فهو يمثل مرحلة اعلى من ذلك كله وهو امر طويل المدى لا يأتي في ساعة او ساعتين او يوم او يومين وانما يأتي في طول السنين وبالتدريج البطيء ولذا قال تعالى ((ولا تموتن الا وانتم مسلمون)). واحسن تفسير ممكن لذلك هو التضحية في سبيل هذه النتائج واسلام النفس اي تسليم النفس والعقل والجسم لها بحيث لا يعيش في غيرها ولا يفكر في سواها. وهذه تضحية كبيرة في سبيل الله. كما قال في الحكمة: (ما ترك الحق لي من صديق). بل الامر اكثر من ذلك لان الفرد يشعر بوضوح ان عدوه موجود عنده وباستمرار متمثلا في نفسه الامارة بالسوء، اذن ما ترك الحق لي من صديق حتى نفسي.(كول لا !). كما قال في الحكمة: (اجعل نفسك عدوا تحاربه). وسلم بهذه التضحية الكبرى في سبيل الله تسليما كاملا ولاحظ ذلك طول عمرك ملاحظة مستمرة جزاك الله خير جزاء المحسنين.
بسم الله الرحمن الرحيم
والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الامين * لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم * ثم رددناه اسفل سافلين * الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير ممنون * فما يكذبك بعد بالدين * اليس الله باحكم الحاكمين *
صدق الله العلي العظيم


توقيع : ابو غدير الساعدي
اللهم عجل لوليك الفرج
من مواضيع : ابو غدير الساعدي 0 عجيبة غريبة !!!!؟؟
0 هل أسم الأمام علي "ع" ثقيل على عائشة ؟؟
0 المخالفة الجلية في نصرة سبط خير البرية
0 الأثبات الكبير لظلامة السبط البشير "ع"
0 أين ذهبت ( حي على خير العمل ) من الآذان ؟؟

الصورة الرمزية ابو غدير الساعدي
ابو غدير الساعدي
عضو برونزي
رقم العضوية : 64616
الإنتساب : Mar 2011
المشاركات : 324
بمعدل : 0.06 يوميا

ابو غدير الساعدي غير متصل

 عرض البوم صور ابو غدير الساعدي

  مشاركة رقم : 36  
كاتب الموضوع : ابو غدير الساعدي المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-03-2011 الساعة : 05:54 PM


الجمعة الثلاثون 16 رجب 1419
الخطبة الاولى

**الى طاعة الحوزة العلمية وانتصار الحوزة العلمية الشريفة الصلاة على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد).
الى طاعة القضاء الشرعي الحوزوي وانتصار القضاء الشرعي الحوزوي الصلاة على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد).
الى شجب واستنكار محاولات منع القضاء الحوزوي الصلاة على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد).
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم يا ذا المنن السابغة والالاء الوازعة والرحمة الواسعة والقدرة الجامعة والنعم الجسيمة والمواهب العظيمة والايادي الجميلة والعطايا الجزيلة. يا من لا ينعت بتمثيل ولا يمثل بنظير ولا يغلب بظهير . يا من خلق فرزق والهم فانطق وابتدع فشرق وعلى فارتفع وقدر فاحسن وصور فاتقن واحتج فابلغ وانعم فاسبغ واعطى فاجزل ومنح فافضل. يامن سما في العز ففات نواظر الابصار ودنى في اللطف فجاز هواجس الافكار. يا من توحد في الملك فلا ند له في ملكوت سلطانه وتفرد بالالاء والكبرياء فلا ضد له في جبروت شانه. يا من حارت في كبرياء غيبته دقائق لطائف الاوهام وانحسرت دون ادراك عظمته خفائف ابصار الانام. يا من عنت الوجوه لهيبته وخضعت الرقاب لعظمته ووجلت القلوب من خيفته. اسألك بهذه المدحة التي لا تنبغي الا لك وبما وأيت به على نفسك لداعيك من المؤمنين وبما ضمنت الاجابة فيه على نفسك للداعين. يا اسمع السامعين يا ابصر الناظرين واسرع الحاسبين ياذا القوة المتين صل على محمد خاتم النبيين وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين واقسمي لي في شهرنا هذا خير ما قسمت واحتم لي في قضائك خير ما حتمت واختم لي بالسعادة فيمن ختمت واحيني ما احييتني موفورا وامتني مسرورا ومغفورا وتولى انت نجاتي من مسائلة البرزخ وادرء عني منكرا ونكيرا وارِ عيني مبشرا وبشيرا واجعل لي الى رضوانك وجنانك مصيرا وعيشا قريرا وملكا كبيرا فصل على محمد واله كثيرا. (اللهم صل على محمد وال محمد).
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
قبل يومين تقريبا مرت الذكرى السنوية لولادة الامام امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) فلابد من التعرض الى بعض مناقبه وفضائله (عليه السلام) لنستلهم منها الهداية والعبرة والموعظة. وكيف نستطيع ان نتعرف عليه او نصل الى حقيقته، وانما هذا في عداد المستحـيل وخـاصة بعـد ان نسمـع الحـديث الـمروي عـن النـبي (صلى الله عليه واله): (ما عرف الله الا انا وانت، وما عرفني الا الله وانت، وما عرفك الا الله وانا). وكذلك الحديث الاخر: (يا علي انا ونت ابوا هذه الامة). وكذلك حينما نسمع قوله تعالى: ((فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الظالمين)). ولم يكن مصداق لهذه الاية من الرجال الا علي (عليه السلام)، ولا من النساء الا فاطمة (عليها السلام)، ولا من الابناء الا الحسن والحسين (عليهما السلام) باجماع علماء المسلمين واهل الحديث.
ولذا روي عن الجاثليق الذي هو الزعيم الديني للطرف المسيحي للمباهلة ما مضمونه: انه (يعني النبي (صلى الله عليه واله)) لو جاء مع جماعة كثيرة او كبيرة فباهلوه، واذا جاء مع اشخاص قليلين فلا تباهلوه فتهلكوا. وعنـد مجيئهم قـال: اني ارى وجوها لو باهلتـكم لاضطرم عليكم الوادي نارا.
اذن فلابد من الاقتصار على الجوانب الممكنة من وجوه التعرف عليه (سلام الله عليه) وهي ايضا فوق حد الاحصاء، حتى قال بعضهم بما مظمونه: ماذا اقول في رجل كتم اعدائه فضائله حقدا، وكتم محبوه فضائله خوفا، وظهر من بين هذا وهذا ما يملأ الخافقين. فاذا كانت فضائله تملأ الخافقين فما هو عمل او قول رجل ضعيف جاهل مسكين مستكين مثلي وامثالي.
وايضا نعود الى ذكر بعض ما هو ممكن من ذلك على اي حال واود الان ان اذكر لكم بعض الجوانب الذي تفرد بها امير المؤمنين بحيث لا يحتمل ان يضاهيه احد فيها اطلاقا من البشر اجمعين مهما كان دينه او مذهبه ومهما كانت مدعياته لنفسه من العلم والكمال، فانه لا يستطيع ان يصل الى درجة امير المؤمنين (عليه السلام)،حتى المعصومين من اولاده فكيف بغيرهم.
وقد ورد عن الامام السجاد (عليه السلام) الذي كان هو الاشهر من المعصومين (عليهم السلام) بكثرة العبادة، حتى سمي زين العابدين وسيد الساجدين والسجاد انه قال: (ومن يطيق عبادة علي بن ابي طالب).
اقول : وهذا هو بعض ما هو مفهوم من قول امير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبه: (ينحدر عني السيل ولا يرقى اليّ الطير). فانه يمثل نفسه بالجبل العالي الاشم، والقمة الشامخة جدا. ينحدر منها السيل وهو سيل العلوم والعطاء والمراحم على البشرية بمقدار استحقاق كل فرد منها فانهم (سلام الله عليهم) ابواب الله وخزان علمه واسباب رحمته. واولى من يكون كذلك منه هو جدهم واميرهم وامامهم علي بن ابي طالب (عليه الصلاة والسلام) .
( ولا يرقى اليّ الطير ) يعني (بحسب فهمي ولكل واحد فهمه): المتكاملين الصاعدين في درجات الكمال، يمثلهم بالطير الذي يستمر في صعوده. والمتكاملون من البشرية على اشكال مختلفة واتجاهات متباينة. فان كل ملكات اللانسان قابلة للتكامل على مختلف المستويات وباسباب مختلف العلوم، جسديا وعقليا ونفسيا وروحيا وغير ذلك. واعلاها واهمها هو الكمال النوراني في عالم الروح.
فهو (يعني امير المؤمنين) يمثل الصاعدين في هذا المجال بالطير. وانه لا يحتمل ان يرقوا اليه او يصلوا الى مرتبته. وانما غاية ما لديهم بكل تواضع ورغما على انافهم اي هؤلاء الذين يدعون الكمال الان انهم لا يتكاملون الا بحبه وولايته. ولا ياتيهم عطاء حقيقي الا بتسبيبه وشفاعته.
والمميزات التي انفرد بها امير المؤمنين (عليه السلام) كثيرة جدا دنيويا واخرويا. بل من الممكن القول انه انفرد بكل مميزاته وعالي بكل اوصافه. وان كانت هذه الاوصاف موجودة عند البشر الا انه بالنسبة الى مرتبته لا يماثله فيها احد. وخاصة اذا قصدنا مرتبة الكمال الحاصل عليها في اي حقل من حقول المعرفة بازاء الاشخاص الاخرين غير شخص رسول الله (صلى الله عليه واله). فان تلك المزية من الكمال هي ارقى من الجميع وقد انفرد بها اميرالمؤمنين (عليه السلام).
الان نعطي نقاط حول ذلك :
النقطة الاولى : اتفق كل اهل الفكر والعلم من البشرية اجمعين بمختلف اديانهم ومذاهبهم وطبقاتهم واختصاصاتهم على علو مرتبته وارتفاع منزلته بشكل لم يحصل مثل هذا الاتفاق على اي شخص غيره. يكفينا من ذلك اشهر المسيحين الذين كتبوا في فضله جورج جرداق وبولس سلامة وكتبهم موجودة على اية حال وربما راها اكثركم. واما الذين تركوا المسيحية الى الاسلام فهم كثيرون بطبيعة الحال وكان الفضل الاكبر لهم في ذلك هو حسن ظنهم بامير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام).
الخطوة الاخرى انه هل كل البشرية هكذا ؟ لا مع شديد الاسف. لا يستثنى من ذلك الا صنفين من الناس حدى بهم سوء توفيقهم وانفسهم الامارة بالسوء الى خلاف ذلك وهم:
اولا: بنو امية حين حكموا طبعا ما عدا عمر بن عبد العزيز منهم. فانهم لعنوا ابا تراب على المنابر في صلوات جمعاتهم طيلة مدة حكمهم وهذا هو احد تفاسير قوله تعالى ((ليلة القدر خير من الف شهر)) يعني الف شهر حصلت فيها هذه الجريمة الشنعاء وهو مدة ملك بني امية تقريبا وليس تحقيقا. ومن الملاحظ انهم لم يذكروه بمنقصة بصراحة وليس لهم ان يقولوا ذلك وانما لعنوه فقط حقدا عليه واخذا بمصالحهم الدنيوية الضائعة عنهم مع ولايته واخذا باحقاد بدر وحنين، كما قال يزيد الاموي:
ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
لاهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لعبت هاشم بالملك فلا خبرجاء ولا وحي نزل
قد قتلنا القرم من اسيادهم وعدلناه ببدر فاعتدل
لست من خندف ان لم انتقم من بني احمد ما كان فعل
واشياخه حين يقول (ليت اشياخي) هم المشركون الذين قتلهم امير المؤمنين (عليه السلام) في وقعة بدر الكبرى واحد وامثالها. فهو يقول مثل هذا الكلام الفاسد في حين ان جبرائيل (سلام الله عليه) يقول: (لا فتى الا علي لا سيف الا ذو الفقار). كما قال الشاعر:
جبريل نادى معلنا والنقع ليس بمنجلي
والمسلمون قد احدقوا حول النبي المرسل
لاسيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي
وكذلك كيقول النبي (صلى الله عليه واله) ما مضمونه: (ضربة علي في الخندق تعدل عمل الثقلين) يعني طاعات الانس والجن جميعا. (اللهم صل على محمد وال محمد). وحسب فهمي ان كل ضرباته هكذا وليس هذه الرواية فقط، فهذه الرواية ليس فيها مفهوم نافي ان الضربات الاخرى ليست هكذا.
ثانيا: اليهود. فانهم حيث خاصموا نبي الاسلام وعادوه واصبحوا الاعداء التقليدين للمسلمين لم يكن في الامكان ان نتوقع منهم اي كلام جيد او منصف في اي رجل من رجال الاسلام ايا كان. ولكن الملاحظ (وهي تشبه الملاحظة التي قلناها هناك) بالرغم من كل ذلك هو انهم لم يطعنوا برجال الاسلام الا من حيث اصل دينهم، لا من حيث علومهم وسلوكهم وافعالهم واقوالهم ونحو ذلك. وليسوا هم (اعني اليهود) مخولين بذلك بطبيعة الحال بعد ان كان رجال الاسلام مشهورين ومشهود لهم بالصدق والصحة والعظمة. اذن فمن ينتقدهم انما يؤدي اللى فشل نفسه وسقوط كلامه وعدم بلوغ مرامه.
والسبب الرئيسي للخلاف بين واليهود والمسلمين ونحن ينبغي ان نكون على بينة من ذلك تجاه اسرائيل وغير اسرائيل هو ان اليهود كانوا يبشرون بسيطرة دينهم على البشرية وكانوا ولا زالوا يعملون لذلك حيث يزعمون ان دينهم هو الذي يملء الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا بالتعبير الاسلامي. وان القائد العالمي المهدي منهم وان عاصمة هداية العالم هي اورشليم التي هي القدس. هكذا هم يقولون ولا زالوا ويعملون لذلك. وكثيرة من فقرات التوراة الرائجة الحالية تدل على ذلك. ومن هنا اخذهم الحماس في هذا المجال.
وحين جاء رسول الله (صلى الله عليه واله) وقال بالمضمون ولو بلسان حاله : (ان القسط والعدل العالمي المتوقع انما هو اسلامي وليس يهوديا وان المستقبل للحق المتمثل بالاسلام لا باليهودية ولا بغيرها). أبوا عليه ذلك وعاندوه واصبحوا ولا زالوا اعدائه التقليدين لانهم يطمعون بان يكون مستقبل الهداية العالمي لهم. ومن الممكن مناقشتهم في ذلك بنقطتين على الاقل:
النقطة الاولى : ان دعوتهم اليهودية في نظرهم وليس في نظرنا ليست عالمية بل هي عنصرية وطبقية تتحدد بالولادة. فعندهم اليهودي من الدرجة الاولى واليهودي من الدرجة الثانية (سبحان الله .. هل يوجد مسلم من الدرجة الاولى ومسلم من الدرجة الثانية ؟!). واليهودي من الدرجة الاولى وهم بنو اسرائيل اي بني يعقوب (عليه الصلاة والسلام) وهم شعب الله المختار. واليهودي من الدرجة الثانية هم سائر اليهود من الاصناف الاخرى من البشر. معنى ذلك ان كل من دخل الى اليهودية سيكون يهوديا من الدرجة الثانية ومحتقر من حيث يريد او لا يريد ولن يمكنه ان يكون عزيزا في مجتمعهم. والظاهر ان كتابهم الرئيسي الذي يكتمونه (التلمود) واضح وطافح في ذلك. ولذا يخفون نسخته عن الناس لان اعلانه يوجب فشل سياساتهم ومدعياتهم.
في حين ان الاسلام بريء من كل ذلك ويعتبر اولاد آدم كاسنان المشط كما في الرواية. وقال تعالى: ((وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)). وهذا النحو من الاتجاه هو الذي يستطيع ان يكرم البشرية وان يعدل فيها وان يرحمها وليس الاتجاه العنصري والطبقي.
النقطة الثانية : اننا نعرف وكثير من المفكرين يعرفون ان البشرية مجموعا او عموما هي في تكامل، وهم يمثلونها بالطفل والشاب حين ينمو ويترعرع ويتكامل ويتعلم. يمثلونها بشخص انسان يولد وهو اولا طفل ثم يصبح شابا ثم يصبح كهلا ثم يصبح شيخ ثم يموت والبشرية لها موعد موت طبعا.
ما هو السبب الرئيسي للتكامل ؟ ربما كنا نعرفه ولكن كلنا غافلين عنه. والسبب الرئيسي للتكامل البشري هو بعثة الانبياء. وكلما تربت البشرية على يد نبي، استحقت التربية على يد النبي الذي بعده وهكذا …
حتى اذا وصلت البشرية الى كامل استحقاقها لفهم المطالب الدقيقة والحقيقية في اصول الدين وفروعه وفي صفات الله واسمائه، بُعث نبينا نبي الاسلام (صلى الله عليه واله) وقدم اعمق فهم على الاطلاق لكل من اصول الدين وفروعه وقدم التجريد الكامل والحقيقي لاسماء الله وصفاته وذاته جل جلاله. وقد العدل الكامل القابل لحل كل المشاكل والمواكب للبشرية من صدر الاسلام الى يوم القيامة (كول لا !). اليس نسمع (حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرام محمد حرام الى يوم القيامة).
وهذا ينتج بوضوح ان البشرية التي تتكامل ولا زالت تتكامل على يد تعاليم الاسلام لا يمكن ان يحكمها او يكفي لانتشار العدل فيها دين سابق بسيط نسبيا يمثل مرحلة وحقبة معينة من تاريخ البشرية وليس هو الكل في الكل ولا يمثل الحقيقة حقيقةً.
يكفي ان نلتفت الى ان من حقنا ان نقول في الاسلام (ما من واقعة الا ولها حكم). في حين لا يستطيع اي دين آخر ان يقول ذلك (كول لا !) وليقل اليهود لا ! فأين هي الـ(ما من واقعة ولها حكم) في دين اليهودية او دين المسيحية او دين البوذية او اي دين آخر لا استثني منها شيئا. وهذه هي معجزة الاسلام الرئيسية.
ومعنى ذلك ان جملة من مشاكل البشرية الحثيثة ليس لها اي حكم في الاديان السابقة، وانما كان الدين السابق على الاسلام يعالج المشاكل الوقتية في زمانه فقط، مما يؤدي ان يملئها الحاكم برأيه الخاص وبالاهواء والمصالح غير المستندة الى قانون السماء كما يعبرون.
اذن فاليهودية بل اي دين آخر سابق على الاسلام فضلا عن الفكر البشري المنقطع عن السماء وعن تعاليم الله لن يستطيع ان يتكفل عدل البشرية العام في مستقبل الزمان، وانما الذي يملؤها قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا هو الاسلام المحمدي الحق وحده.
مضافا الى نقطة آخرى مهمة جدا وهي تحريف الاديان المتأخرة للدين السابق سواء في اليهودية او في المسيحية حتى صدر كتاب بعنوان المسيح ليس مسيحيا وانا رأيته ومترجم الى اللغة العربية، اي ليس على الاوضاع والمفاهيم التي يعيشها المسيحيون في القرون المتاخرة جيلا بعد جيل وحاشاه ان يكون كذلك بطبيعة الحال. فهؤلاء متسيبون فهل كان هو متسيبا في يوم ما ! بل هي ظلة وظنة في عقولهم.
وكذلك الحال في اليهود فليسوا هم احسن حالا من هذه الناحية. حتى قال الله تعالى: ((اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله)) وفسر في الروايات وهذا التفسير قريب الى فهمي جدا بانهم اطاعوهم في عصيان الله وليس ((اتخذوهم اربابا)) معناه عبدوهم، بل بمعنى اطاعوهم في عصيان الله فمثلا قالوا لهم اشربوا خمر فشربوا وقالوا لهم كلوا لحم الخنزير فاكلوا وقالوا لهم خذوا الربا اضعافا مضاعفة فاخذوه وهكذا وهكذا … لماذا ؟ لان النفس الامارة بالسوء هكذا تقول باختصار شديد.
ونحن نعلم باجماع المسلمين ان التوراة المتعارفة ليست هي التوراة الحقيقية وانما هي نسخة محرفة وضعها والفها اشخاص عديدون اسماءهم موجودة في التوراة مثل عزرا واشعيا وارميا ودانيال وآخرين وليس فيها من وحي الله شيء اطلاقا. وكيف يمكن ان نجد حوادث موت موسى (سلام الله عليه) وما بعد موته في التوراة المنزلة على موسى نفسه ؟! ان هذا لا يكون. اذن فاليهودية المعاصرة الان ليست هي دين موسى (عليه السلام) ولا التوراة هو كتابه ولا الوصايا العشر هي تعاليمه. اذن فليعطونا تعاليم موسى الحقيقية ومفاهيمه الحقيقية لكي نتبعها. ولو عرفناها حقيقة لرجعنا الى الاسلام، لاننا نعلم ان الانبياء جميعا دعاة للولاء الى الاسلام. كما قال الله تعالى : ((ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون ام كنتم شهداء اذا حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قال نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الها واحدا ونحن له مسلمون)). واما بالنسية للمسيحية فقوله تعالى : ((فلما احس عيسى منهم الكفرقال من انصاري الى الله قال الحواريون نحن انصار الى الله آمنا بالله واشهد بانا مسلمون)). &
انبيائهم وقادتهم الاوائل لكي يرشدوا ويتكاملوا ويحصلوا على الحق الصحيح والصريح دون العكس بطبيعة الحال.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين *
صدق الله العلي العظيم

الجمعة الثلاثون 16 رجب 1419
الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اني اسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك المأمونون على سرك المستبشرون بامرك الواصفون لقدرتك المعلنون لعظمتك. اسألك بما نطق فيهم من مشيتك فجعلتهم معادن لكلماتك واركان لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عافك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدئها منك وعودها اليه اعباد واشهاد ومناة واذواد وحفظة ورضوان فبهم ملئت سمائك وارضك حتى ظهر ان لا اله الا انت فبذلك اسألك وبمواقع العز من رحمتك وبمقاماتك وعلاماتك ان تصلي على محمد واله وان تزيدني ايمانا وتثبيتا يا باطنا في ظهوره وظاهرا في بطونه ومكنونه يا مفرقا بين النور والديجور يا موصوفا بغير كنه ومعروفا بغير شبه حاد كل محدود وشاهد كل مشهود وموجد كل موجود ومحصي كل معدود وفاقد كل مفقود ليس دونك من معبود اهل الكبرياء والجود يا من لا يكيف بشيء ولا يأين بأين يا محتجبا عن كل عين يا ديموم يا قيوم وعالم كل معلوم صل على محمد واله وعلى عبادك المنتجبين وبشرك المحتجبين وملائكتك المقربين والبهم الصافين الحافين وبارك لنا في شهرنا هذا المرجب المكرم وما بعد همن الاشهر الحرم واسبغ علينا فيه النعم واجزل لنا فيه القسم وابرء لنا فيه القسم باسمك الاعظم الاعظم الاجل الاكرم الذي وضعته على النهار فاضاء وعلى الليل فاظلم واغفر لنا ما تعلم منا وما لا نعلم واعصمنا من الذنوب خير العصم واكفنا ثواب في قدرك وامنن علينا بحسن نظرك ولاتكلنا الى غيرك ولا تمنعنا من خيرك وبارك لنا فيما كتبته لنا من اعمارنا واصلح لنا خبيئة اسرارنا واعطنا منك الامان واستعملنا بحسن الايمان وبلغنا شهر الصيام وما بعده من الايام والاعوام يا ذا الجلال والاكرام.
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نستمر الان في ذكر الخصائص والصفات الخاصة بامير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) وكثير منها اجمع عليها علماء الاسلام بمختلف مذاهبهم. وبطبيعة الحال لا نستطيع استيعابها، وانما نتعرف على ما يسع الوقت منها:
اولا: انه (عليه افضل الصلاة والسلام) رباه رسول الله (صلى الله عليه واله) في صغره حين مر ابو طالب (عليه الرضوان) بضائقة اقتصادية. فاقترحوا عليه ان يقسم اولاده بين اقاربه، فكان علي (عليه السلام) من حصة محمد (صلى الله عليه واله) وبقي بين يديه في خدمته وتحت تربيته طول حياته.
ولا يعدله في ذلك الا الزهراء (سلام الله عليها) فانها ايضا تربية رسول الله (صلى الله عليه واله) مع فارق في الجنس بطبيعة الحال وفارق في الزمن. فان المظنون ان رسول الله (صلى الله عليه واله) كفل عليا (عليه السلام) قبل ولادة الزهراء (عليها السلام) بمدة فتكون المدة التي قضياها معا اطول من المدة التي قضتها الزهراء (سلام الله عليها) مع ابيها. وطول المدة يؤثر بعمق التربية بطبيعة الحال وفي مستوى العلم بطبيعة الحال.
ثانيا: انه يلقب بامير المؤمنين (عليه السلام) وهو لقب خاص به ولا يحق لاي شخص اخر التلقب به. وورد النهي عن النبي (صلى الله عليه واله) في ذلك. والظاهر ان اول من خرج عن هذا التعليم الاسلامي المحمدي هو معاوية بن ابي سفيان (عليه اللعنة). ودوافعه في ذلك واطماعه الدنيوية معروفة. واستمر الحال عليه في كل ازمنة الخلفاء الذين جاءوا بعده.
ولكننا نسأل سؤالا بسيطا لاخواننا في المذاهب الاخرى، هل ان الخلفاء الامويين او العباسيين افضل ام المشايخ في الخلافة الاولى افضل ؟! طبعا سيجيبون ان المشايخ هم الافضل (كول لا !). فلماذا سمي المفضول بامير المؤمنين ولم يسم الافضل بذلك ؟ وبالتاكيد لم يكن المشايخ يسمون بذلك وانما كانوا ينادون يا خليفة رسول الله، كما هو مسجل في كتبهم.
ومن هنا اعطيت في كتابي تأريخ ما بعد الظهور هذه الفكرة في صفحة106. قال الشيخ علي القاري في المشرب الوردي في مذهب المهدي: (ومما يدل على افضليته ( اي المهدي (عليه السلام) ) ان النبي سماه خليفة الله، وابو بكر لايقال له الا خليفة رسول الله).
وقال البرزنجي في كتابه الاشاعة في اشراط الساعة: (وتقدم عن الشيخ (ابن عربي) في الفتوحات (يعني الفتوحات المكية) انه (يعني المهدي (عليه السلام)) في حكمه مقتفٍ اثر النبي (صلى الله عليه واله) لا يخطئ ابدا، ولا شك ان هذا لم يكن في الشيخين. وان الامور التسعة التي مرت (يعني من فضائل المهدي (عليه السلام)) لم تجتمع كلها في امام من ائمة الدين قبله). قال: (فمن هذه الجهة يجوز تفضيله عليهما وان كان لهما فضل الصحابة ومشاهدة الوحي والسابقة وغير ذلك والله اعلم).
ثالثا: من مختصات امير المؤمنين (عليه السلام) تزويجه بفاطمة الزهراء (سلام الله عليه) بنت رسول الله (صلى الله عليه واله). وهذا من الواضحات في التاريخ ويزداد وضوحا لو قلنا بانها البنت الوحيدة للنبي (صلى الله عليه واله) ولا اقل انها البنت الافضل والاهم للنبي (صلى الله عليه واله) ولا احد يستطيع ان ينكر ذلك.
رابعا: انه اول من آمن بالنبي (صلى الله عليه واله) نتيجة لتربيته اياه في بيته وفي عائلته وزقه العلم زقا. وكانا يصليان جماعة معام المؤمنين خديجة بنت خويلد بامامة النبي (صلى الله عليه واله) زمنا طويلا وردحا طويلا قبل ان يلتفت غيرهم الى الاسلام، اصلا قبل ان يعلن الاسلام. وفي ذلك روايات عديدة رواها مختلف المحدثين في مختلف المذاهب، منها ما عن عفيف الكلبي قال: كنت امرءا تاجرا فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لابتاع منه بعض التجارة وكان امرءا تاجرا فوالله اني لعنده بمنى اذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر الى الشمس فلما رأها قد مالت (يعني الزوال طبعا) قام يصلي ثم خرجت امرأة من الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه فصلت ثم خرج غلام حين رافق الحلم من ذلك الخباء فقام معه فصلى. قال: فقلت للعباس من هذا يا عباس ؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن اخي. قال فقلت: من هذه المرأة ؟ قال: امرأته خديجة بنت خويلد. قال فقلت: من هذا الفتى ؟ قال: علي بن ابي طالب ابن عمه. قال فقلت له: ما هذا الذي يصنع ؟ قال: يصلي وهو يزعم انه نبي ولم يتبعه على امره الا امرأته وابن عمه هذا الفتى وهو يزعم انه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. وكان عفيف وهو ابن عم الاشعث بن قيس يقول بعد ذلك وقد اسلم وحسن اسلامه : لو كان رزقني الله الاسلام يومئذ فاكون ثانيا مع علي (عليه السلام). وقد رواه بطوله احمد بن حبل في مسنده.
رابعا: مؤاخاة النبي (صلى الله عليه واله) يوم آخى بين المؤمنين والانصار. فعن مسند احمد بن حنبل عن سعيد بن المسيب ان رسول الله (صلى الله عليه واله) آخى بين الصحابة فبقي رسول الله وابو بكر وعمر وعلي. فآخى بين ابي بكر وعمر وقال لعلي انت اخي. صلوا على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد).
وبالاسناد عن عمر بن عبد الله عن ابيه عن جده ان النبي (صلى الله عليه واله) آخى بين الناس وترك عليا حتى بقي آخرهم لا يرى له اخا فقال : يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني. قال (صلى الله عليه واله) : ولمن تراني تركتك ؟ انما تركتك لنفسي انت اخي وانا اخوك.
صلوا على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد).
فان ذاكرك احد فقل انا عبد الله واخو رسول الله لا يدعيها بعدك الا كذاب.
صلوا على محمد وال محمد. (اللهم صل على محمد وال محمد).
خامسا: ان النبي (صلى الله عليه واله) امر بسد الابواب حول المسجد الحرام الا بابه. يعني باب امير المؤمنين (عليه السلام) وهو منزل الاسرة الشريفة (سلام الله عليها) علي وفاطمة والحسن والحسين.
فعن مسند ابن حنبل عن زيد ابن ارقم قال : كان لنفر من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله) ابواب شارعة في المسجد. فقال يوما : سدوا هذه الابواب الا باب علي. قال: فتكلم في ذلك الناس. قال: فقام رسول الله (صلى الله عليه واله) فحمد الله واثنى عليه ثم قال: اما بعد فاني امرت بسد هذه الابواب غير باب علي فقال فيه قائلكم ما سددت شيئا ولا فتحته ولكني امرت بشيء فاتبعته.
وبالاسناد عن ابن عمر قال: كنا نقول خير الناس ابو بكر ثم عمر وقد أوتي خصالا لئن يكون لي واحدة منها احب الي من حمر النعم: زوجه رسول الله (صلى الله عليه واله) بنته وولدت له وسد الابواب الا بابه في المسجد واعطاه الراية يوم خيبر. (اللهم صل على محمد وال محمد).
ومن مناقب الفقيه بن المغازلي عن عدي بن ثابت قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه واله) الى المسجد فقال: ان الله اوحى الى نبيه موسى (عليه السلام) ان ابن لي مسجدا طاهرا لا يسكنه الا موسى وهارون وابنا هارون (فموسى لم يكن عنده اولاد بل هارون كان عنده اولاد وهذا اكيد) واوحى الي ان ابن مسجدا طاهرا لا يسكنه الا انا وعلي وابنا علي. (اللهم صل على محمد وال محمد).
هذا ونحن لا نستطيع في خطبة او خطبتين استيعاب خصائص امير المؤمنين (عليه السلام) ولكن اود ان اشير الى خصيصة قلما يلتفت اليها احد وهو انه هو (سلام الله عليه) المؤسس لكثير من العلوم والفنون العقلية والانسانية وفعلا تفتخر كل مجموعة من الناس بنسبة مسلكهم الى امير المؤمنين وليس الى رسول الله (صلى الله عليه واله) كما هو الملحوظ منهم.
مع الالتفات بوضوح الى ان العلوم اليونانية والفارسية لم تكن قد ترجمت او جلبت الى البلاد الاسلامية في ذلك الحين (كول لا !) لا احد يستطيع ان يقول لا. ولم يكن لافلاطون ولا لارسطو اي ذكر في ذلك الحين. اذن فكل علم جاء به امير المؤمنين (عليه السلام) انما هو بتسديد من الله والهام حسب تلك الطاقة الضخمة العقلية والروحية التي يتصف بها (سلام الله عليه) والتي تفوق كل تصور، منها الفلسفة ويكفينا من ذلك خطبته المشهورة التي اخنارها الشريف الرضي (عليه الرحمة) لتكون اول خطب نهج البلاغة والتي يقول فيها: (اول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الاخلاص له وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه بشهادة كل صفة انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة ..) الى ان يقول: (ومن قال فيما فقد ضمنه ومن قال علاما فقد اخلى منه كائنا لا عن حدث موجود لا عن عدم مع كل شيء لا بمقارنة وغير كل شيء لا بمزايلة فاعل لا بمعنى الحركات والالة بصير اذ لا منظور اليه من خلقه متوحد اذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش بفقده انشاء الخلق انشاءا وابتدأه ابتداءا بلا روية اجالها ولا تجربة استفادها ولا حركة احدثها ولا همامة نفس اذ طلب فيها احال الاشياء باوقاتها ولائم بين مختلفاتها وغرز غرائزها والزمها اشباحها (يعني اجسامها) عالما بها قبل ابتدائها محيطا بحدودها وانتهائها عارفا بقرائنها واحنائها ..) الى آخر كلامه (سلام الله عليه). فليأتي الفلاسفة بشيء من هذا القبيل، بل هم متحيرون في تقسير كلامه (سلام الله عليه).
ومنها: العرفان وهو المعرفة بالله سبحانه بالمقدار الذي تطيقه النفس البشرية. وهو (سلام الله عليه) سيد العارفين وامير المؤمنين وامام المتقين. يكفينا في ذلك نفس الخطبة التي سمعناها. انه لو لم يعرف الله حق معرفته لما وصفه بهذه الصفات الجليلة. ونلاحظ عمليا ان كل الطرق الصوفية تنتهي بدعوى اصحابها انفسهم الى امير المؤمنين (عليه السلام).
ومنها: مسلك الزهد والاعراض عن الدنيا ونهج البلاغة طافح بالعديد من الخطب التي تذم الدنيا وتحذر الناس من شرها وحبها والقيد اليها. واما زهده فيكفيناقوله في بعض خطبه: (ولقد رقعت مدرعتي حتى استحييت من راقعها). وما ورد من احدى بناته قدمت له خبزا وخلا وملحا، فامرها برفع احد الادامين (بدون تعيين ولم يقل لها ارفعي واحد منها بالتعيين) وقال لها: اترضين ان يطول مقامي بين يدي الله سبحانه. من الخل والملح يطول مقامه بين يدي الله فكيف اذا اكل تمن وقيمة ؟! او كيف اذا اكل حرام حبيبي ؟!
ومنها: التصدي للقضاء الشرعي. فانه اول شخص تصدى له في الاسلام ووفر وقتا كافيا له ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه واله) كذلك، وانما كان يحل المشاكل بالتعاليم والكلمات، كما ان الجرائم والمشكلات لم تكن في عصره (صلى الله عليه واله) كثيرة بل كانت نادرة. وفي الحديث عن النبي (صلى الله عليه واله): اقضاكم علي. وعن عمر بن الخطاب: لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها ابو الحسن. حتى قيل: معضلة ولا ابا حسن لها. (اللهم صل على محمد وال محمد).
ومنها: الرياضيات. وهو علم الحساب، وقد وردت في ذلك روايات عديدة منها استخراج القاسم المشترك الاصغر بين الارقام العشرة كلها. فحين سُئل عن ذلك وكان راكبا فرسا فوقف لحظة ثم قال: اضرب عدد ايام سنتك في ايام اسبوعك. ثم نخس فرسه وذهب.
اقول : يراد بايام السنة 360 وبايام السبعة 7 طبعا. فيصير 360 × 7 =2520 وهو رقم ينقسم على كل الارقام العشرة بدون باقي. (اللهم صل على محمد وال محمد).
وفي تلك المسائل ما روي ان يهوديا جاء الى امير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا علي اعلمني اي عدد يتصحح فيه الكسور التسعة جميعا من غير كسر وكذلك من كل من كسوره التسعة الا من خمسة فيكون له كل من الكسور التسعة مصححا من غير كسر الا الثمن لربعه والربع لثمنه والسبع لسبعه والتسع لتسعه والثمن لثمنه (هو فهم السؤال دوخة ! بعد تعال جاوب). فقال (عليه السلام): ان اعلمتك تسلم ؟ قال: نعم. قال: اضرب اسبوعك في شهرك ثم ما حصل في سنتك تظفر بمطلوبك. (اللهم صل على محمد وال محمد).
يعني 7 × 30 × 360 =75600 وهو المطلوب كما شرحنا ذلك في كتابنا ما وراء الفقه.
وكذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سمعت ابن ابي ليلى يحدث اصحابه قال: قضى امير المؤمنين (عليه السلام) بين رجلين احتطبا في سفر فلما ارادا الغداء اخرج احدهما من زاده خمسة ارغفة واخرج الثالث ثلاثة ارغفة فمر بهما عابر سبيل فدعواه الى طعامهما فاكل الرجل معهما حتى لم يبق شيء فلما فرغوا اعطاهما المعتر بهما ثمانية دراهم ثواب ما اكله من طعامهما فقال صاحب الثلاث ارغفة لصاحب الخمسة: اقسمها نصفين بيني وبينك. وقال صاحب الخمسة: لا. بل يأخذ كل منا من الدراهم على عدد ما اخرج من الزاد. لان عدد ارغفتهم مجموعها ثماينة والدراهم المعطاة ايضا ثمانية فياخذ صاحب الخمسة خمسة وصاحب الثلاثة ثلاثة. فاتيا امير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك. فلما سمع مقالتهما قال لهما: اصطلحا فان قضيتكما دنية. فقالا: اقض بيننا بالحق. قال: فاعطى صاحب الخمسة سبعة دراهم واعطى صاحب الثلاثة درهما واحدا، وقال: اليس اخرج احدكما من زاده خمسة ارغفة والاخر ثلاثا. قالا: نعم. قال: اليس اكل ضيفكما معكما مثل ما اكلتما. قالا: نعم. قال: اليس اكل كل واحد منكما ثلاثة ارغفة غير ثلث. قالا: نعم. قال: اليس اكلت انت يا صاحب الثلاثة ثلاثة ارغفة غير ثلث واكلت انت يا صاحب الخمسة ثلاثة ارغفة غير ثلث واكل الضيف ثلاثة ارغفة غير ثلث اليس بقي لك يا صاحب الثلاثة ثلث رغيف من زادك (وهو الذي اكله الضيف طبعا) وبقي لك يا صاحب الخمسة رغيفان وثلث ( وهو ايضا الذي اكله الضيف) واكلت ثلاثة غير ثلث واعطاكما لكل ثلث رغيف درهما. فاعطى (امير المؤمنين) صاحب الرغيفين وثلث سبعة دراهم (يعني بقدر ما اكل منه) واعطى صاحب الثلاث ارغفة درهما.
وفي رواية اخرى ان شخصا مات وخلف محموعة من الابل واوصى ان يدفع نصفها لشخص وثلثها لشخص وتسعها لشخص وحين عدوا الجمال عرفوا انها سبعة عشر جملا وهي لا تقبل الكسور المشار اليها. فرفعوا الامر الى امير المؤمنين فامر بضم جمله الى هذه الجمال فاصبح المجموع ثمانية عشر جملا ثم دفع نصفها (تسعة) لصاحب لصاحب النصف وثلثها (ستة) لصاحب الثلث وتسعها (اثنين) لصاحب التسع وبقي جمله له. (اللهم صل على محمد وال محمد). لان تسعة زائد ستة زائد اثنين يساوي سبعة عشر وبقي الجمل الثامن عشر واسترجعه لنفسه.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *
صدق الله العلي العظيم


توقيع : ابو غدير الساعدي
اللهم عجل لوليك الفرج
من مواضيع : ابو غدير الساعدي 0 عجيبة غريبة !!!!؟؟
0 هل أسم الأمام علي "ع" ثقيل على عائشة ؟؟
0 المخالفة الجلية في نصرة سبط خير البرية
0 الأثبات الكبير لظلامة السبط البشير "ع"
0 أين ذهبت ( حي على خير العمل ) من الآذان ؟؟

الصورة الرمزية ابو غدير الساعدي
ابو غدير الساعدي
عضو برونزي
رقم العضوية : 64616
الإنتساب : Mar 2011
المشاركات : 324
بمعدل : 0.06 يوميا

ابو غدير الساعدي غير متصل

 عرض البوم صور ابو غدير الساعدي

  مشاركة رقم : 37  
كاتب الموضوع : ابو غدير الساعدي المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-03-2011 الساعة : 05:56 PM


الجمعة الحادية والثلاثون 23 رجب 1419
الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
اولا في ودي ان اعلن تمديد مدة المسابقة لاجل صنع النصب الذي يمثل صلاة الجمعة كما طلبنا قبل مدة. انا كنت وضعته الى آخر رجب والان يبقى منتظرا الى نصف شعبان انشاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
لا اله الا الله قبل كل احد و لا اله الا الله بعد كل احد و لا اله الا الله مع كل احد و لا اله الا الله يبقى ربنا ويفنى كل احد و لا اله الا الله تهليلا يفضل تهليل المهللين فضلا كثيرا قبل كل احد و لا اله الا الله تهليلا يفضل تهليل المهللين فضلا كثيرا بعد كل احد و لا اله الا الله تهليلا يفضل تهليل المهللين فضلا كثيرا مع كل احد و لا اله الا الله تهليلا يفضل تهليل المهللين فضلا كثيرا لربنا الباقي ويفنى كل احد و لا اله الا الله تهليلا لا يحصى ولا يدرى ولا ينسى ولا يبلى ولا يفنى وليس له منتهى و لا اله الا الله تهليلا يدوم بدوامه ويبقى ببقائه في سني العالمين وشهور الدهور وايام الدنيا وساعات الليل والنهار و لا اله الا الله ابد الابدين و لا اله الا الله ابد الابد ومع الابد مما لا يحصيه العدد ولا يفنيه الامد ولا يقطعه الابد وتبارك الله احسن الخالقين.
بالنسبة الى الصلوات سأقرأ الزيارة الرجبية فأنهم (المعصومون) (سلام الله عليهم) يسمعون في كل مكان وزمان كما يقول في الزيارة اشهد انك ترى مقامي وتسمع كلامي وهذا غير منحصر في الحضرات المباركات طبعا. وطبعا نحن ايضا في نقطة مباركة جدا هي مسجد الكوفة وهذا اكيد وهو موقف امير المؤمنين (سلام الله عليه).
اللهم صل على محمد وال محمد الحمد لله الذي اشهدنا مشهد اوليائه في رجب واوجب علينا من حقهم ما قد وجب وصلى الله على محمد المنتجب وعلى اوصيائه الحجب. اللهم فكما اشهدتنا مشهدهم فانجز لنا موعدهم واوردنا موردهم غير محللين عن ورد في دار المقامة والخلد والسلام عليكم اني قد قصدتكم واعتمدتكم بمسألتي وحاجتي وهي فكاك رقبتي من النار والمقر معكم في دار القرار مع شيعتكم الابرار والسلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار انا سآلكم وآملكم فيما اليكم التفويض وعليكم التعويض فبكم يجبر المهيض ويشفى المريض وما تزداد الارحام وما تغيض اني بسركم مؤمن ولقولكم مسلم وعلى الله بكم مقسم في رجعي بحوائجي وقضائها وامضائها وانجاحها وابراحها وبشؤوني لديكم وصلاحها والسلام عليكم سلام مودع ولكم حوائجه مودع يسأل الله اليكم المرجع وسعيه اليكم غير منقطع وان يرجعني من حضرتكم خير مرجع الى جناب ممرع وخفض عيش موسع ودعة ومهل الى حين الاجل وخير مصير ومحل في النعيم الازل والعيش المقتبل ودوام الاكل وشرب الرحيق والسلسبيل وعلٍ ونهل لا سأم منه ولا ملل ورحمة الله وبركاته وتحياته عليكم حتى العوض الى حضرتكم والفوز في كرتكم والحشر في زمرتكم ورحمة الله وبركاته عليكم وصلواته وتحياته وهو حسبنا ونعم الوكيل.
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
بعد يومين تقريبا تأتي الذكرى السنوية لوفاة الامام الكاظم (سلام الله عليه) فيحسن جدا التعرض الى بعض فضائله ومناقبه بمقدار ما هو متيسر وممكن بطيسعة الحال. وبالرغم من ان الاتجاه التحليلي لتاريخ الائمة هو الاوفق والاصلح مع الفهم الاجتماعي الحديث، الا انني اود اولا ان اروي روايتين جليلتين من فضائل الامام (عليه السلام) ومعجزاته فان فيهما عبر عظيمةفاذا وسع الوقت ذكرنا شيئا من التحليل بالمقدار الممكن.
قال في كشف الغمة الرحوم الاربلي الجزء الثالث صفحة 3: وقال خشنام بن حاتم الطائي قال: قال لي ابي حاتم قال: قال لي شقيق البلخي (رضي الله عنهم) خرجت حاجا في سنة تسع واربعين ومائة فنزلنا القادسية فبينما انا انظر الى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت الى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفردا فقلت في نفسي هذا الفتى من الصوفية يريد ان يكون كلا على الناس في طريقهم والله لامضين اليه ولاؤبخنه فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اجتنبوا كثير من الظن ان بعض الظن اثم. ثم تركني ومضى، فقلت في نفسي ان هذا الامر عظيم قد تكلم بما في نفسي ونطق باسمي وما هذا الا عبد صالح لالحقنه ولاسألنه ان يحللني فاسرعت في اثره فلم الحقه وغاب عن عيني. فلما نزلنا واقصة فاذا به يصلي واعضاءه تضطرب ودموعه تجري فقلت هذا صاحبي امضي اليه واستحله. فصبرت حتى جلي واقبلت نحوه فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتلُ ((واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)). ثم تركني ومضى. فقلت ان هذا الفتى لمن الابدال لقد تكلم على سري مرتين. فلما نزلنا زبالة اذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة (كأنما سطل مناسب مع حجم البئر) يريد ان ستقي ماءا فسقطت الركوة من يده في البئر وانا انظر اليه فرأيته وقد رمق السماء وسمعته يقول: انت ربي اذا ظمأت الى الماء وقوتي اذا اردت طعاما اللهم سيدي ما لي غيرها فلا تعدمنيها. قال شقيق فوالله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماءها فمد يده واخذ الركوة وملئها ماءا فتوضى وصلى اربعة ركعات ثم مال الى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب، فاقبلت اليه وسلمت عليه فرد علي السلام فقلت اطعمني من فضل ما انعم الله عليك.فقال: يا شقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فاحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة فشربت منها فاذا هو سويق وسكر فوالله ما شربت قط الذ منه ولا اطيب ريحا فشبعت ورويت وبقيت اياما لا اشتهي طعاما ولا شرابا. ثم اني لم اره حتى دخلنا مكة فرأيته ليلة الى جنب قربة الشراب في نفس الليلة قائما يصلي بخشوع وانين وبكاء فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قام فصلى الغداة وطاف بالبيت اسبوعا (يعني سبعا) فتبعته واذا له حاشية وموالٍ وهو على خلاف ما رأيته بالطريق ودار به الناس من حوله يسلمون عليه فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى ؟ فقال: هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) فقلت قد عجبت ان تكون هذه العجائب الا من هذا السيد. ولقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق في ابيات طويلة اقتصرت على نقل بعضها فقال:
سل شقيق البلخي عنه وما عاين منه وما الذي كان ابصر
قال لما حججت عاينت شخصا شاحب اللون ناحل الجسم اسمر
سائرا وحده وليس له زاد فما زلت دائما اتفكر
توهمت انه يسأل الناس ولم ادر ا
ثم عاينته ونحن نزول دون قيد على الكثيب الاحمر
يضع الرمل في الاناء ويشرب ثم ناديته وعقلي محير
اسقني شربة فناول منه فعاينته سويقا وسكر
فسألت الحجيج من يك هذا قيل هذا الامام موسى بن جعفر
(اللهم صل على محمد وال محمد).
ثم يقول المؤلف علي بن عيسى الاربلي (رحمه الله) قلت: القصة التي اوردها عن شقيق البلخي قد اوردها جماعة من ارباب التاليف والمحدثين. ذكرها الشيخ ابن الجوزي (رحمه الله) في كتابيه: اثارة العزم الساكن الى اشرف الاماكن ، وكتابه صفوة الصفوة. وذكرها الحافظ عبد العزيز الاخضر الجنابذي وحكى الي بعض الاصحاب ان القاضي ابن خلاد الرامهمرزي ذكرها في كتابه كرامات الاولياء.
الرواية الاخرى: ما روي عن محمد بن الفضل قال: اختلفت الرواية بين اصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء هو من الاصابع الى الكعبين ام من الكعبين الى الاصابع. فكتب علي بن يقطين وهو يومئذٍ احد الموالين للائمة والعاملين في قصر هارون الرشيد العباسي، فكتب ابن يقطين الى ابي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام): جعلت فداك ان اصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فاذا رأيت ان تكتب بخطك بما يكون عملي عليه فعلت انشاء الله. فكتب اليه ابو الحسن (عليه السلام): فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك ان تتمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك وتغسل يديك الى المرفقين ثلاثا وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر اذنيك وباطنهما وتغسل رجليك الى الكعبين ثلاثا ولا تخالف في ذلك الى غيره. فلما وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب مما رسم له فيه مما جميع العصابة على خلافه (يعني جميع الشيعة على خلافه). ثم قال: مولاي اعلم بما قال وانا ممتثل لامره. فكان يعمل في وضوءه على هذا الحد (يعني على هذا الشكل والاسلوب) ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لامر ابي الحسن (عليه افضل الصلاة والسلام). وسعي بعلي بن يقطين الى الخليفة العباسي وقيل انه رافضي مخالف لك. فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عند القول في علي بن يقطين والقرص له بخلافنا وميله الى الروافض ولست ارى في خدمته لي تقصيرا وقد امتحنته مرارا فما ظهرت منه على ما يقرص منه واحببت ان استبرء امره من حيث لا يشعر فيحترز مني. فقيل له: ان الرافضة يا امير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه ولا ترى غسل الرجلين فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوءه. فقال: اجل هذا الوجه يظهر به امره. ثم تركه مدة واناطه بشيء من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوءه وصلاته فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، فدعى الماء للوضوء فتوضأ كما تقدم (يعني كما علمه الامام (عليه السلام)) والرشيد ينظر اليه فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتى اشرف عليه بحيث يراه ثم ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة. وصلحت حاله عنده. وورد عليه (اي بعد هذه الحادثة) كتاب ابي الحسن موسى (عليه السلام) ابتداءا (يعني من دون سؤال سابق): من الان يا علي بن يقطين توضأ كما امر الله تعالى اغسل وجهك مرة فريضة ومرة اسباغا واغسل يديك من المرفقين كذلك (اي مرتين وليس ثلاثة) وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوءكفقد زال ما كنا نخاف عليك والسلام. (اللهم صل على محمد وال محمد).
لاحظوا .. انه لو كان قد شكك علي بن يقطين بما صدر اليه من الامام (عليه السلام) في كيفية الوضوء التي تخالف اجماع الشيعة لوقع في المحذور بكل تاكيد، ولكن انظروا الى مدى يقينه بالامام (عليه السلام) والتزامه بامره واطاعته له كالميت بين يدي الغسال وهكذا ينبغي ان يكون الانسان امام المعصومين وليس في حياتهم فقط بل دائما سبحان الله .. !
وهؤلاء المشككون موجودون في كل عصر للتشكيك بالمراجع عموما وبالسيد محمد الصدر خصوصا، وعدم حملهم على الصحة وعدم اطاعتهم الا بعد الاقتناع ولن يحصل الاقتناع بما هم فيه مشككون. ومن هنا سوف تفشل كثير من المصالح العامة والحقيقية بارجاف المرجفين وتشكيك المشككين. ولو انهم التفوا حول حوزتهم ووثقوا بامر مراجعهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم منهم امة مقتصدة وكثير منهم فاسقون.
ومن هذا يتضح ان كثيرا من القصص التاريخي التي هي ليست نصوصا فقهية بطبيعتها، بل كل القصص التاريخي وليس بعضه وغير القصص التاريخي ايضا يمكن ان يستفاد منها مفاهيم وعبرا واحكاما ومواعظ يستفاد منها في كل مجتمع وفي كل طبقة وفي كل عصر.
الا ان عددا منها خارج الخطوط الحمر كما يعبرون. ولو امكنني ان اشرحها لكم لشرحتها الا انني لا اتمكن غالبا في ذلك. وان لنا في ذلك اسوة بائمتنا وقادتنا المعصومين (سلام الله عليهم). ومن ذلك ما يروى عن الامام الجواد (عليه السلام) انه حين وصلت اليه الامامة بعد وفاة ابيه (سلام الله عليه) رقى المنبر وقال ما مضمونه: ( اني ساقول كلمة تدهش الاولين والاخرين)، ثم سكت هنيهة ثم ضرب بيده على فمه وقال كانه يخاطب نفسه: (اسكت كما سكت ابائك ) ونزل عن المنبر. وهو (سلام الله عليه) ليس ساكتا كالمراجع الصامتين، فانه رويت عنه روايات كثيرة من الحكم والاحكام والمواعظ. وانما هو صامت فيما تجب التقية فيه فقط وبالاسرار الالهية بطبيعة الحال التي يتحملها (عليه السلام). ويتصرف بمقدار ما هو ممكن او باقصى مقدار ممكن وكذلك ابائه (سلام الله عليه) حيث يقول (اسكت كما سكت اباؤك).
وفي رواية اخرى: ( لو اذن لنا بالكلام لزال الشك). يعني ان الكلام الحقيقي غير ماذون فيه، الامر الذي يسبب بقاء الشك في المجتمع. وهذا المعنى باب تفتح منه الف باب، وقابل للانطباق في كل مكان وزمان.
وعلى اي حال فان اشهر ما مر به الامام الكاظم (عليه السلام) هو السجون التي عاناها من قبل الظالمين في عصره. فقد استمر يتقلب في السجون مدة اربعة عشر سنة او اكثر، حتى مات في السجن ولم يشم نسيم الحرية طيلة حياته حيث قتلوه مظلوما مسموما، قتله سرجون عصره وفي كل عصر يوجد سرجون او سراجين على اية حال.
وانا قلت اكثر من مرة ان في كل شيء عبرة وموعظة. ونحن تكليفنا ان ننظر في العبر المستفادة من الاشياء ونمحصها، لا ان نغفل عنها ونهملها. كما قال الله تعال : ((وكاين من اية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون)). فلنحاول الان بمقدار الامكان استخلاص العبر والخلاصات التي يمكننا التوصل اليها من حصول السجن الطويل للامام الكاظم (عليه السلام) مع الالتفات بوضوح ان كل موعظة منها هو باب واسع يمكن ان ينطبق في كل مكان وزمان. وان قول القران وفعل المعصومين هو هداية لنا وكانه خاص بمجتمعنا ومكاننا وزماننا وان كان هو في نفس الوقت شاملا لغيرنا. ونفس هذا الشعور سيكون صادقا في اي مجتمع وفي اي زمان. وهذا من معجزات الاسلام على الحقيقة.
وما يمكن بيانه من العبر كما يلي:
اولا: ان اعتداء الدولة الظالمة يومئذ على الامام (عليه السلام)، احتقار له وتحدي له بصفته هو القائد الاهم والزعيم الاعظم لعدد مهم من المسلمين وطائفة ضخمة منهم مشهود لهم بالصحة والرجاحة. اذن فاحتقاره احتقار لها او الاعتداء عليه اعتداء عليها والتحدي له تحدي لها وليس على فرد واحد وان بدا في الظاهر هكذا، الا انه تحد لمذهب كامل في الاسلام.
ثانيا: انه بصفته من اولياء الله واصفيائه والمبلغين لاحكامه والحاملين الى البشرية هدايته ونوره. الا نسمع في زيارته: (يا نور الله في ظلمات الارض) (كول لا !). اذن، سيكون الاعتداء عليه والاحتقار له وتحديه اعتداءا على الله واحتقارا له وتحديا له والعياذ بالله وليس فقط على الطائفة.
ثالثا: ان الدولة حين سجنته وقتلته فقد حرمت المجتمع من علمه ولطفه وقيادته وما كان يقوم به من جهود وجهاد في سبيل تقويمه (اي تقويم المجتمع) وتنويره وحفظ شؤون شيعته ومواليه، والدولة في ذلك الحين ملتفتة الى ذلك، عالمة وعامدة لذلك مع شديد الاسف.
رابعا: ان ائمتنا (عليهم السلام) كانوا يقومون في حدود امكانهم المتاحة بكثير من الاعمال والاتصالات التي كانت الدولة في ذلك الحين تتحذر منها، وتعتبرها تحديا لسلطانها. والروايات في ذلك طافحة ومتوفرة ومتيسرة. ومن هنا كان من المنطقي ان تجد الدولة من جهة نظرها لزوم التخلص من هذا القائد والقائه في غياهب السجون ولا تخرجه الى ان يموت، لكي لا تبتلي بعمله وجهده وجهاده مرارا وتكرارا.
خامسا: اننا نعلم ان بلاء الدنيا كلما ازداد ازداد ثواب الاخرة لا محالة. ونعلم ان اشد الناس بلاءا في الدنيا هم الانبياء ثم الامثل فالامثل، وانه كلما ازدادا الانسان شهرة ازداد بلاءا وامتحانا وهذا ايضا فيه حكمة موجودة. ومن هنا كان لا بد ان يمر المعصومون (سلام الله عليهم) بفترات من البلاء على اختلاف ذلك فيما بينهم. فبينما يموت الامام الحسين (عليه السلام) قتلا، يموت الامام الحسن (عليه السلام) بالسم، ويموت الامام الكاظ (عليه السلام) بالسجن وهكذا .. وليس ذلك الا لعلو مقامهم وازدياد درجاتهم كما ورد في الحسين (عليه السلام): (ان لك عند الله درجات لا تنالها الا بالشهادة).
سادسا: انهم (سلام الله عليهم) تلقوا كل ذلك (اي من البلاء الدنيوي) بالرضا والتسليم من الله سبحانه وتعالى، بل بالحب والقبول كما لو كان هدية لطيفة تهدى لهم. وفيها دلائل وروايات احبائي، اليس قال امير المؤمنين (سلام الله عليه) حين ضرب في المحراب : (فزت ورب الكعبة). وقال الحسين (عليه السلام) في عرصة كربلاء : (هون ما نزل بي انه بعين الله). وقال ابو ذر وهو في الربذة حين اشتد به البلاء يخاطب الله جل جلاله : (اخنق خنقتك فانك تعلم اني احب لقائك) يعني ضيق علي بما تشاء.وقال الامام الكاظم (عليه السلام) في سجنه وهو الذي نتحدث عنه الان : (اللهم انك تعلم اني كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد).
سابعا: ان في ود المؤمن المتكامل ان يتوجه بقلبه الى الله تعالى وان يكثر ذكره وتتزايد عنده عبادته. وهذا ما لا تتوفر فرصته حين يكون الفرد في معمعة المجتمع وفي الاتصال الكثير بالناس وانما تحصل فرصة ذلك لدى الوحدة والابتعاد عن الناس. وكيف تحصل الوحدة وقد اوجب الله تعالى على المؤمن الامر بالمعروف وتبليغ الاحكام وهداية الناس، اذن فالوحدة في مثل ذلك والابتعاد بهذا المعنى حرام واقاط للطاعة الالهية في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهدايةالاخرين.واما اذا كان الانسان فسيكون فارغ الذمة من جانب الامر بالمعروف والتبليغ وسيكون مبتعدا عن المجتمع قهرا. اذن فالمؤمن يرى السجن من هذه الناحية نعمة ورحمة عليه لكي يتفرغ فيه لذكر الله وطاعته وعبادته كما سمعنا من الامام الكاظم (عليه افضل الصلاة والسلام) يقول : (اللهم انك تعلم اني كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد).
ثامنا: ان الحجة قائمة بوضوح ضد ساجنيه (كول لا ! سبحان الله) وضد الدولة التي سجنته لانها سجنت عبدا صالحا ووليا من اولياء الله وهم يعلمون ذلك طبعا، يككفيهم منذلك ما يرونه دائما منه من كثرة العبادة والتهجد وقيام الليل وصيام النهار حتى ان عددا من ساجنيه كخالد بن يحيى البرمكي وغيره حاولوا التخلص والتملص من مسؤولية سجنه لما يرونه من فضله وعلو شأنه، وهذا هو السبب الرئيسي فيما ارى في نقله من سجن الى سجن، لان كل واحد كان يقول انا ما علي طلعوه من سجني واذهبوا به الى مكان آخر. لان السجان كان يرفض استمرار سجنه عنده الى ان وصل الى سجن السندي بن شاهك (عليه اللعنة) الذي لم يكن يشعر بهذه المسؤولية قبحه الله ولعنه.
تاسعا: كان الفراشون والمباشرون له في السجن يصبحون اتقياء واولياء في ليلة وضحاها بهداية الامام (عليه السلام) وعمله حتى انه روي انهم جعلوا له امرأة خليعة لكي تخدمه فاصبحت في يوم واحد زاهدة وعابدة (اللهم صل على محمد وال محمد).
عاشرا: انه (اي الامام الكاظم (سلام الله عليه) ) تحرر من السجن الى الحرية الحقيقية بموته مظلوما وليس الى الدنيا كما هو العادة فيمن يطلق سراحهم . فانه اذا اطلق سراحه في الدنيا يكون قد خرج من سجن الى سجن (كول لا ! سبحان الله). لان الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافراما اذا ذهب الى ربه ومقاماته العليا فقد نال الحرية الحقيقية من اضيق السجون. ومن هنا ورد ان هارون العباسي ولا اريد ان اسميه (الرشيد)، لانه ليس برشيد،ليس برشيد، ليس برشيد. (اللهم صل على محمد وال محمد). ان هارون العباسي ارسل اليه يطلب منه مجرد الاعتذار لكي يطلق سراحه، فاجاب ما مضمونه : (قل له ان اي يوم يمضي فانه يقلل من ايام بلائي كما انه سيقلل من ايام سعادتك وملكك) اي سعادته بالخلافة والدنيا المستوثقة له.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *
صدق الله العلي العظيم

الجمعة الحادية والثلاثون 23 رجب 1419
الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
الله اكبر قبل كل احد و الله اكبر بعد كل احد و الله اكبر مع كل احد و الله اكبر يبقى ربنا ويفنى كل احد و الله اكبر تكبيرا يفضل تكبير المكبرين فضلا كثيرا قبل كل احد و الله اكبر تكبيرا يفضل تكبير المكبرين فضلا كثيرا بعد كل احد و الله اكبر تكبيرا يفضل تكبير المكبرين فضلا كثيرا مع كل احد و الله اكبر تكبيرا يفضل تكبير المكبرين فضلا كثيرا لربنا الباقي ويفنى كل احد والله اكبر تكبيرا لا يحصى ولا يدرى ولا ينسى ولا يبلى ولا يفنى وليس له منتهى والله اكبر تكبيرا يدوم بدوامه ويبقى ببقائه في سني العالمين وشهور الدهور وايام الدنيا وساعات الليل والنهار والله اكبر ابد الابدين ابد الابد ومع الابد مما لا يحصيه العدد ولا يفنيه الامد ولا يقطعه الابد وتبارك الله احسن الخالقين. اللهم يا اجود من اعطى ويا خير من سُئل ويا ارحم من استرحم اللهم صل على محمد واله في الاولين وصل على محمد في الاخرين وصل على محمد واله في الملاء الاعلى وصل على محمد واله في المرسلين اللهم اعط محمدا واله الوسيلة والفضيلة والشرف والرفعة والدرجة الكبيرة اللهم اني آمنت بمحمدا (صلى الله عليه واله) ولم اره فلا تحرمني في القيامة رؤيته وارزقني صحبته وتوفني على ملته واسقني من حوضه مشربا رويا سائغا هنيئا لا اظمأ بعدها ابدا انك على كل شيء قدير. اللهم اني آمنت بمحمد (صلى الله عليه واله) ولم اره فعرفني في الجنان وجهه. اللهم بلغ محمدا (صلى الله عليه واله) مني تحية كثيرة وسلاما.
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
طبعا نحن نعلم ان الدين الاسلامي وارد الى كل احد (كول لا !‍) وشاغل ذمة كل مسلم بل حتى الكفار لانهم مكلفون باصول ديننا وفروع ديننا ايضا على ما هو الصحيح من انهم مكلفون بالواجبات والمحرمات يعني مكلفون بالدخول الى الاسلام هذا باعتبار اصول الدين وكذلك هم مكلفون بامتثال اوامره ونواهيه باعتبار فروع الدين. نعلم ايضا وبكل وضوح انه كما ان تكليف الاسلام عام او قل ان شريعة الله عامة لكل البشر كذلك مسؤولية طاعته لازمة في كل الاعناق وان الموت شامل لكل الناس وان كل الناس يمرون بعد الموت بالحساب والعقاب والثواب وان من ينكر الحياة بعد الموت ويوم القيامة فهو ليس بمسلم.
وبالرغم من ان هذا من الضروريات الواضحات والتي لا يجهلها احد فيما احسب ولم يغفل عنها احد اكيدا مع ذلك كنا نجد ولا زلنا نجد ان عددا من طوائف المجتمع وطبقاته يتصرفون فعلا في حياتهم الدنيا كأنهم لا يشعرون باية مسؤولية دينية ولا بأي ثواب وعقاب، وكأنهم في غنى عن ذلك كله او كأنهم في عما وصمم عنه يتعمدون التماهل والعصيان والتجاهل. وكلها طبقات واضحة لدينا نعرفها جميعا ومن اوضحها اولئك الملتزمون بالحرام وعليه حياتهم وارزاقهم والعياذ بالله كالمغنين والممثلين وبائعي الخمور والمرابين والسافرات وآخرون. كما قال الله تعالى : ((لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم)).
وجملة من هذه النماذج يعتبر شجرة من اشجار الزقوم التي تنبت في قعر الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين، لانهم لا يقتصرون بالظلم على انفسهم بل يقومون من حيث يعلمون او لا يعلمون بتوزيع البغواية والضلال على الاف الناس وملايين الناس فهو كالشجرة المثمرة للحنظل ينبت فيها نبات كثير وحنظل كثير. مع العلم ان المسؤولية الحقيقية امام الله تعالى قد تتمثل في كلمة واحدة يسمعها منك غيرك، كلمة واحدة غير جيدة تضل بها صاحبك فيقال لك كسرته وعليك جبره، لانك ما دام اضللته فعليك مسؤولية هدايته (كول لا !). هذا في الكلمة الواحدة فكيف بمسؤولية الاضلال الكامل للفرد. وكيف وبالاولى مسؤولية اضلال كامل لطبقة من الناس او مجتمع من الناس. ويكون كما ورد من سنسنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة. فما اعظم العذاب الذي ينتظره هناك انه فوق كل تصور.
ولعل جملة منهم ممن لا يستحق التوبة او لا تؤثر فيه الكلمة الطيبة ولا يفيد فيه التحذير هذا موجود فعلا. ومن هنا قد نقول كما ربما يقول بعض الحوزة (انه لا امر لمن لا يطاع) ونسكت كما سكتت الحوزة التقليدية عموما.الا ان الكلام والموعظةمع ذلك اكثر انقيادا لله واكثر افراغا للذمة وسيقول لهم الله سبحانه وتعالى يوم القيامة اني قيضت لكم وارسلت لكم من ينبهكم بصراحة ويدفعكم بقوة نحو الهداية فلم تنتبهوا ولم تندفعوا فاخسأوا فيها ولا تكلمون.
ايها القوم الغافلون السادرون في مختلف اشكال الغي والنفاق انكم تعلمون ان الله موجود وهو الرقيب والحسيب وان باب التوبة مفتوحة ما دامت الحياة وان الاسلام حق وان طاعته واجبة وان الموت لاحقكم على كل حال وان جهنم ورائكم على كل حال فارحموا اجسادكم من النار فانكم لا تتحملون عذاب جهنم وتستغيثون حيث لا مغيث وانتم الان في فرصة التوبة والنزوع عن الحوبة والخلاص من غضب الله والاسراع الى رحمة الله والله سبحانه لا يريد لنا جميعا الا الخير والصلاح تأسفوا على نفوسكم التالفة وآرائكم السقيمة وافعالكم المريضة.
وفي حدود فهمي فان كل فرد بحسب خلقته الانسانية الاصيلة لنفسه فهو طالب للكمال ومحب للحق وميال الى التوبة والى الصلاح كما قال الله تعالى : ((فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم)). فالتفتوا الى فطرتكم واهتدوا بهدى ربكم وارحموا نفوسكم وعقولكم من الضلال واجسادكم من حريق النار.
وهناك طبقات من المجتمع دون من سبق ان ذكرناهم يعني ان نفهم عنهم انهم ليسوا متمرسين في الحرام في كل حياتهم وغير متلبسين في العصيان في كل اعمالهم واقوالهم بل نستطيع القول ان الاغلب فيهم ذلك. وهؤلاء يكونون اولى بتقبل التوبة والهداية والانابة واطاعة شريعة الله ونحن نتمنى للجميع كل خير وصلاح بل يريد الله تعالى ذلك وهو اولى من الجميع من كل الخلق. كما قال تعالى : ((تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخرة)) يعني يريد لكم الاخرة لا لنفسه فهو غني عن العالمين حبيبي ..
وطبقا لهذه الاية القرآنية قمت بتطبيق ذلك على عدد من فئات المجتمع وقد حصلت استجابة طيبة من كثير منهم وما ذلك الا لان الصفة الغالبة عليهم الخوف من الله والشعور بالمسؤولية فقد تاب الى الان اغلب السالكين فقد كتنوا من حيث يعلمون او لا يعلمون سالكون الى الشيطان فاصبحوا بالتوبة والانابة سالكون الى الله سبحانه ومطيعون له من حيث ما يريد منهم الاطاعة. وكذلك حين ناديت بلسان الشريعة وليس بلساني القاصر المقصر رؤوساء القبائل وقانون العشائر، اقبل عدد منهم الى طاعة الله جزاهم الله خيرا وشعروا بالمسؤولية الدينية الاسلامية جزاهم الله خير جزاء المحسنين والمتوقع من الاخرين منهم ان يستنوا بسنتهم وان يلتفتوا الى واقعهم وان يشعروا بمسؤوليتهم امام الله تعالى وامام دينهم وامام حوزتهم المقدسة. فالحوزة باتت قريبة من المجتمع تلقي الحوزة وتريد النتيجة (كول لا !).
واما الخدمة والسدنة فلم اعرف توبة اي واحد منهم ولم ار رجوع اي شخص فيهم مع شديد الاسف وانا اقول لهم انكم انما تتوبون الى الله لا الى الحوزة ولا الى السيد محمد الصدر وانما تطيبون بذلك اعمالكم واقوالكم واموالكم امام الله تعالى وهذا الخير كله لكم في الدنيا والاخرة فلماذا تأبون عنه وتنفون هداية الله سبحانه وتعالى وتفضلون سرقة اموال الامام (عليه السلام) ووقفياته والتغرير بالزائرين وغير ذلك تفضلونها على طاعة الله وطاعة المعصومين (عليهم السلام). وهل هذا الا طلب الدنيا والنفس الامارة بالسوء مع شديد الاسف.و على (يا الله) حال فلا زال المجال مفتوحا وليس للسيد محمد الصدر ان يغلق الفرصة مع ان الله تعالى فاتح لها فان فرصة التوبة موجودة ما دام الفرد في الحياة قبل ان تصل الروح الى البلعوم ويقول : ((رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون)).
وعلى هذا السياق الذي كنت فيه ولا زلت ملتزما به اوجه كلامي الى فئة اخرى من المجتمع نتوقع منها الخير والرجوع الى الصلاح والفلاح وهو موظفوا الدولة والعاملون فيها في اي عمل كانوا او اختصاص او رتبة او اهمية من وزراء ومدراء وعسكريين ومدنيين ومعلمين واطباء ومن مختلف مذاهب المسلمين حتى كناس البلدية على ما يعبرون.
فانهم بطبيعة الحال كسائر افراد المجتمع يتوقع الدين منهم ويتوقع الله منهم الصلاح والفلاح. ويتوقع المجتمع منهم العدل والانصاف ويتوقع منهم المؤمنون النجاة من عذاب النار. كما قال الله تعالى في ايات كتابه المجيد: ((واتل ما اوحي اليك من ربك لامبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظالمين نارا احاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا الذين امنوا وعملوا الصالحات انا لا نضيع اجر من احسن عملا اولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الانهار يحلون فيها من اساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق متكئين على الارائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا)).
وما اسهل وما احسن ان يلتفت الفرد من الضلال الى الايمان ومن الظلم الى العدل ومن الظلام الى النور. ولا ينبغي ان تلهيه المصالح الدنيوية والعلاقات الاجتماعية والامور السياسية عن مصالحه الحقيقية التي وجد لاجلها وولد لتحقيقها وهي الحصول على الثواب ورضا الله جل جلاله.
وقد كان الحال في العقود السابقة التي عشناها بما فيه العهد الملكي وغيره. يعيش الموظفون في بوتقة دنيوية خالصة، لا يفكرون فيها باخرة ولا بصلاة ولا بصيام ولا بخمس ولا بحج ولا باية طاعة. كأن حياتهم يجب ان تكون مقرونة بمثل ذلك وهم ملتفتون لامحالة الى الدين وواجباته لو تاملوا قليلا، الا ان الامر فيهم وكان المخاطب غيرهم. فيجب مثلا على رجال الدين ان يكونوا متدينين ولا يجب على رجال الدنيا ذلك ؟ وهم يعلمون كذب هذا الوهم الشيطاني. لان الله تعالى في القران الكريم يقول لرسوله : ((قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا)). وهم لامحالة وكل البشرية هم من الناس، اذن فهم مشمولون للرسالة المحمدية ولاصول دينها ولفروع دينها ومفاهيمها وليس انهم يجوز لهم ان يتركوا كتابهم وراء ظهورهم كانهم لايعلمون.
ولو كان الفرد منهم مخلصا للدنيا حقا لكان وجها، لانه عندئذ سيرحم الصغير ويوقر الكبير ويتعامل بالانسانية والتعطف، ولكنه كان لا يرى الا مصلحة ذاته ومقدار فعله وسعة بيته ومصلحة اسرته وبدون العناية بدين او دنيا خارج هذه الدائرة. ومن يصبح هكذا كائنا من كان حتى لو سيد محمد الصدر يصبح ادنى من الانعام واضل سبيلا كما انه اقسى من الوحوش واشد ظلما.
وعلى اي حال فباب التوبة مفتوح ويد الرحمة الالهية ممدودة لكي تتلقى اي واحد من البشر بالترحاب بما فيهم موظفوا الدولة من كبار وصغار. وهذا جيد لهم وليس لسواهم. وانا اجلهم في الوعي الذي هم فيه والرشد الذي يتصفون به ان يقفوا ضد مصالحهم الحقيقية وتعاليمهم الاخروية.
وانا اكرر كما قلت اكثر من مرة انكم ليس المطلوب منكم اتباع السيد محمد الصدر ولا الاقتراب منه ولا حسن الظن به وانما المطلوب في القرآن والاسلام هو اتباع تعاليم الله والتقرب اليه بالطاعات وحسن الظن به جل جلاله وهذا يكفي جدا وليذهب سيد محمد الصدر الى الجحيم.
كما انني في هذا المستوى من التفكير لا اطلب منكم تغير اديانكم او مذاهبكم وانما كونوا طيبين ومتورعين في الدين الذي تؤمنون به والمذهب الذي تؤمنون به فانه ليس هناك مذهب ولا دين يجيز شرب الخمر والسرقة والغش وتالظلم والاعتداء وتمرير المصالح الدنيوية وتفضيل الانانية. حاشا لله وحاشا لاديان الله كلها من هذه الامور. وانا قلت في خطبة سابقة ما مضمونه السؤال عما اذا كان عيسى (عليه السلام) شارب خمر او سارق او ظالم او اناني او كان موسى كذلك او كان ابراهيم كذلك او كان محمد (صلى الله عليه واله) كذلك ؟ حاشاهم جميعا طبعا. او كان سليمان الذي بنى هيكل سليمان المقدس في نظر اليهود كذلك؟ لا طبعا حاشاهم جميعا من كل ذلك. ام كانت هل كانت نساؤهم سافرات ومتعاملات مع الرجال بالسوء والفتنة ؟ يضعن المكياج في الشوارع والمشارع ويسرن في الاسواق ويطمعن في زخارف الدنيا ويشربن الخمر ويعشن على الربا ويكذبن ويأكلن لحم الاخرين بالغيبة والبهتان؟ حاشا لاولئك من ذلك.
والملحوظة الاخيرة انه لا ينبغي ان ييأس الفرد من نفسه ومن توبته باعتبار انه متمرس كثيرا في اصناف الحرام او عائش على المال الحرام فيكون يائسا من رحمة الله ، لا، لا يجوز. فكأنه يرى انه لا مجال لان تقبل توبته او يكون مشمولا لرحمة الله. كلا ثم كلا لمثل هذه الفكرة. لا تيأسوا من رحمة الله التي وسعت كل شيء فان الله واسع الرحمة سريع الرضا عطوف رؤوف باسط اليدين بالعطاء والسخاء فيجب ان لانقنط من رحمة الله او نييأس من عفوه وانما اللازم هو حسن الظن بالله والمبادرة الى طاعة الله ورضا الله وانما الذي ينبغي ان يفكر فيه الفرد انه لو بقي على حاله من العصيان ولو ليوم واحد او ساعة واحد فضلا عن الكثير فان الله تعالى شديد العقاب ومنتقم وانما يجني الفرد على نفسه ويكون من الهالكين والخاسرين ممن خسروا انفسهم فبادروا رحمكم الله الى طاعة الله الذي يذكر الذاكرين ويشكر الشاكرين ويزيد في ثواب المطيعين فان هذا هو الطريق الحق وما بعد الحق الا الضلال.
بسم الله الرحمن الرحيم
انا اعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * ان شانئك هو الابتر *
صدق الله العلي العظيم


توقيع : ابو غدير الساعدي
اللهم عجل لوليك الفرج
من مواضيع : ابو غدير الساعدي 0 عجيبة غريبة !!!!؟؟
0 هل أسم الأمام علي "ع" ثقيل على عائشة ؟؟
0 المخالفة الجلية في نصرة سبط خير البرية
0 الأثبات الكبير لظلامة السبط البشير "ع"
0 أين ذهبت ( حي على خير العمل ) من الآذان ؟؟

الصورة الرمزية ابو غدير الساعدي
ابو غدير الساعدي
عضو برونزي
رقم العضوية : 64616
الإنتساب : Mar 2011
المشاركات : 324
بمعدل : 0.06 يوميا

ابو غدير الساعدي غير متصل

 عرض البوم صور ابو غدير الساعدي

  مشاركة رقم : 38  
كاتب الموضوع : ابو غدير الساعدي المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-03-2011 الساعة : 05:57 PM


الجمعة الثانية والثلاثون 30 رجب 1419
الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
توجد هناك نقطتان اود قبل الدعاء ان ابينها لكم:
النقطة الاولى : اشتباه وقعت فيه في الخطبة السابقة. تتذكرون اني رويت بعض الروايات في فضائل موسى بن جعفر (سلام الله عليه). انا قلت في واحد من الروات خشنام ابن حاتم الطائي وهذا ليس بصحيح بل هو خشنام بن حاتم الاصل وليس ابن حاتم الطائي. والفرق بينهما ربما خمسمائة سنة او اكثر.
النقطة الثانية : اننا نعلم انه منذ سنين ربما عشرين سنة المشي الى كربلاء في زيارة الاربعين محل منع. الا انه لم يصدر اي منع في المشي في مناسبات اخرى. ففي الامكان استغلال اي مناسبة دينية رفيعة لاجل المشي الى كربلاء المقدسة. (اللهم صل على محمد وال محمد).
والان امامكم مناسبة جليلة هي زيارة نصف شعبان ليلا ونهارا من نصف شعبان. فلا تقصروا بالمشي الى كربلاء المقدسة من مدنكم جزاكم الله خيرا. (اللهم صل على محمد وال محمد).
اسثني من ذلك امرين:
اولا: المعممين يبقى بالنسبة لهم مستحبا وليس واجبا جزاهم الله خيرا. والاخر: من زاد في عمره على الخمسين عاما، يبقى بالنسبة اليه مستحبا وليس واجبا. وكذلك بالنسبة الى النساء يبقى لهن مستحبا وليس واجبا.
فلا تقصروا اذا لم يكن هناك ضرر وتحملوا شيئا من المشقة في سبيل الله . ونحن ايضا نعلم ونحس بان الوقت مناسب من حيث البرد والحر على اية حال.
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحانك ربنا ولك الحمد انت الذي بكلمتك خلقت جميع خلقك فكل مشيئتك اتتك بلا لغوب واثبت مشيئتك ولم تأن فيها لمؤنة ولم تنصب فيها لمشقة وكان عرشك على الماء والظلمة على الهواء والملائكة يحملون عرشك عرش النور والكرامة ويسبحون بحمدك والخلق مطيع لك خاشع من خوفك لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع فيها صوت الا صوتك حقيق بما لا يحق الا لك (يعني انت حقيق بما لا يحق الا لك) خالق الخلق ومبتدعه توحدت بامرك وتفردت بملكك وتعظمت بكبريائك وتعززت بجبروتك وتسلطت بقوتك وتعاليت بقدرتك فانت بالمنظر الاعلى فوق السماوات العلى كيف لا يقصر دونك علم العلماء ولك العزة احصيت خلقك ومقاديرك لما جل من جلال ما جل من ذكرك ولما ارتفع من رفيع ما ارتفع من كرسيك علوت على علو ما استعلى من مكانك كنت قبل جميع خلقك لا يقدر القادرون قدرك ولا يصف الواصفون امرك رفيع البنيان مفيء البرهان عظيم الجلال قديم المجد محيط العلم لطيف الخبر حكيم الامر احكم الامر صنعك وقهر كل شيء سلطانك وتوليت العظمة بعزة ملكك والكبرياء بعظم جلالك فسبحانك وبحمدك تباركت ربنا وجل ثناؤك. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونبيك افضل ما صليت على احد من بيوتات المسلمين صلاة تبيض بها وجهه وتقر بها عينه وتزين بها مقامه وتجعله خطيبا بمحامدك ما قال صدقته وما سأل اعطيته ولمن شفع شفعته واجعل له من عطائك عطاءا تاما وقسما وافيا ونصيبا جزيلا واسما عاليا على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا. اللهم صل على محمد وال محمد اجمعين.
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
قبل يومين كانت الذكرى السنوية للمبعث النبوي الشريف، حين بعث رسول الاسلام رحمة الى العالمين وهو موجود وحده في غار حراء (وان كان كانما يبدو حدثا بسيطا للناظر) فكان ذلك فاتحة الخير ومبدأ الهداية والعدالة للعالم كله منذ لك الحين الى يوم القيامة.
واود الان ان اذكر لكم بعض ما يتعلق بالمبعث النبوي خاصة لا بخصائص الرسول (صلى الله عليه واله) عموما، بل ما يخص المبعث. وهي امور عديدة ليس في الامكان حصرها ولا يسع الوقت لاكثرها ويحتاج استيعابها الى مجلد ضخم او اكثر. وانما نتعرض الان الى بعض النقاط فقط:
النقطة الاولى : ان هناك رواية معينة ومشهورة لدى الجماعة ولا اعتقد ان احدا منكم لم يسمع بها وموجودة في المنهج الدراسي التقليدي الرسمي، ومروية في كتبهم المعتمدة في قصة حصول المبعث لا تخلو من اشكال تاريخيا ومفهوميا. فيحسن ان نسمعها ونناقشها باختصار.
فعن عائشة ام المؤمنين انها قالت: اول ما بُدء به رسول الله (صلى الله عليه واله) من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب اليه الخلاء فكانوا يخلو (يعني ينفرد) بغار حراء فيتحنث فيه (اي يتعبد فيه) الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذلك ثم يرججع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاء الملك (جبرائيل (سلام الله عليه)) فقال : اقرء. فقال: ما انا بقاريء. فاخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني. فقال: اقرء. فقلت: ما انا بقاريء. قال: فاخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني. فقال: اقرء. فقلت: ما انا بقاريء. فاخذني فغطني الثالثةحتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني. فقال: اقرء باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرء وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم.
فرجع بها رسول الله (صلى الله عليه واله) يرجف فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني زملوني (اي لفوني) فزملوه حتى ذهب عنه الروع. فقال لخديجة واخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة : كلا ما يخزيك الله ابدا، انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتُكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق. فانطلقت خديجة حتى اتت ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة وكان امرءا قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني (يعني الكتابة العبراينة) فيكتب من الانجيل بالعبرانية ما شاء الله ان يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة : يا بن عم اسمع من ابن اخيك. فقال له ورقة: يا ابن اخي ماذا ترى؟ فاخبره رسول الله خبر ما رآه. فقال له ورقة : هذا الناموس الذي انزل الله على موسى يا ليتني اكون فيها جزعا، يا ليتني اكون فيها حيا، اذ يخرجك قومك. فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : اومخرجي هم. قال: نعم، لم يأتي رجل بمثل ما جئت به الا عودي وان يدركني يومك انصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة ان توفى وفت الوحي.
اقول : فمن هذا المنطلق لنا عدة ملاحظات:
الخطوة الاولى :ان نفهم بعض الالفاظ الواردة في هذا الحديث. واهمها اثنان:
احدهما : قوله: (فاخذني فغطني). ويمكن ان يكون من الغط في الماء وهو الدخول فيه. يعني ادخلني جبرائيل (عليه السلام) في الماء حتى بلغ مني الجهد.
ويمكن ان يكون من الغطاء وهو ينتج الظلمة فقد ادخله في الظلام حتى بلغ منه الجهد.
ويمكن ان يكون من الغطيط وهو شخير النائم. يعني اكمه حتى جعله يغط كغطيط النائم حتى بلغ منه الجهد.
ويمكن ان يكون مجازا من العصر والضغط. يعني ضغطني حتى بلغ مني الجهد، والظاهر ان هذا هو المعنى الاشهر.
وعلى اي حال فاللفظ هنا يفيد معنى الازعاج والايلام، وهو حسب السياق في الرواية يأتي كعقوبة على رفض رسول الله (صلى الله عليه واله) ان يقرء واعتذاره بقوله (ما انا بقاريء) يعني انا لا اعرف القراءة ولم اتدرب عليها، فانه (صلى الله عليه واله) كان اميا بحسب ظاهر المجتمع لم يقرء ولم يكتب.
ويمكن ان تكون الفاء في قوله (فغطني) اصلية وليست عاطفة ونقرأه (فَغَطَني) من فغط يفغط. الا انني بحث عن المعنى اللغوي في المصادر المتيسرة لهذه الكلمة فلم اجده. على انه يحتاج السياق الى فاء اخرى تكون عاطفة قبلها بان يقول (ففغطني) وليس في الحديث ذلك.
ثانيهما :قوله: (زملوني فزملوه) اي لفوني بالغطاء او غطوني به، كأنه يشعر ان الرعدة التي اخذته تشبه رعدة البرد. وقوله: (ثم ارسلني) يعني اطلق سراحه من تلك الحالة الاليمة.
الخطوة الثانية : انه من الواضح من الحديث ان ((اقرء باسم ربك الذي خلق)) نزلت قبل البسملة او بدون البسملة، وهو غير محتمل وخاصة ونحن نعتقد في مذهبنا بان البسملة جزء من هذه السورة كما هي جزء من كل سورة غير سورة براءة.
الخطوة الثالثة : انه لم يظهر من الحديث السبب في هذا الازعاج والايلام الذي حصل ثلاث مرات على رسول الله (صلى الله عليه واله) فانه كان صادقا فيما يقول ((ما انا بقاريء)) وليس كاذبا او مجرما وحاشاه لكي يعاقب. فان دل ذلك على شيء فانما يدل على عدم صدق الحديث نفسه. اليس كان في امكان جبرائيل (عليه السلام) ان يقول لاول مرة ((اقرء باسم ربك الذي خلق)) كما قال في المرة الثالثة ولا يحصل كل هذا الازعاج.
الخطوة الرابعة : اننا اذا تنزلنا وقبلنا انه يستحق العقوبة وحاشاه فكان يمكن الاقتصار على عقوبة خفيفقة او تنبيه بسيط وليس هذه الدرجة من الازعاج بحيث يقول: (حتى بلغ مني الجهد)، ويحصل ذلك ثلاث مرات.
الخطوة الخامسة : ان الملك لم يأتي بورقة او كتابة ليطلب من النبي (صلى الله عليه واله) ان يقرأها. اذن فليس هناك اي طلب للقراءة لكي يعتذر منه النبي انه ليس بقاريء لكي يعاقبه الملك على ذلك. بل من الواضح ان المراد بالقرآن او بالقراءة في هذا المورد هو مجرد التلفظ او القول يعني قل كما اقول. والمفروض ان النبي (صلى الله عليه واله) يسمع ويمكنه ان يعيد نفس الكلام بدون هذه المضاعفات. كما ان المفروض ان النبي (صلى الله عليه واله) بوعيه وعلو مستواه يفهم هذا المعنى وعدم وجود مورد للاعتذار، فكيف يكون اعتذاره مفهوما. فهذا يشكل نقطة ضعف اخرى في الحديث.
ولو قصد بقوله (ما انا بقاريء) يعني لا استطيع ان اردد معك هذه الالفاظ، لكان كاذبا وحاشاه.
ولو تنزلنا وقبلنا ان النبي (صلى الله عليه واله) لم يفهم ذلك فكان الانسب والاولى للملك ان يفهمه ذلك او يبدل تعبيره بما يؤدي المعنى المطلوب، لا ان يعاقبه ثلاث مرات.
الخطوة السادسة : انه بعد ان علم النبي (صلى الله عليه واله) ان هذا ملك مقرب وعلم قدسيته فلماذا يعصيه ويصر ثلاث مرات على عصيانه ؟ وكأنه لو استمر الحال على ذلك لعصاه مائة مرة او الف مرة، مع العلم انه يعلم انه ملك مقدس وان امره حق ومن امر الله جل جلاله اذن فسوف يعصي الله تعالى وحاشاه اكيدا.
الخطوة السابعة : اننا نتسائل هل ان النبي (صلى الله عليه واله) اكثر فهما ام خديجة بنت خويلد ام المؤمنين ام ورقة بن نوفل الشيخ النصراني ؟ لاشك ان النبي (صلى الله عليه واله) خير الخلق واعظم الخلق وافهم الخلق ولا ينبغي ان يختلف في ذلك اثنان، فكيف يكون هو الجاهل في تفسير هذه الحادثة كما هو منطوق الحديث ويكون العلم لدى غيره، بحيث يتوقف الامر على اخبار ورقة بن نوفل مع احترامي له.
الخطوة الثامنة : انه ينبغي ان يكون واضحا من الحديث ان النبي (صلى الله عليه واله) ساعتئذ لم يعلم ان هذا ملك وان هذا قرآن. وانما ذلك كان بلفظ الراوي وهو عائشة او باخبار ورقة بن نوفل. ومثل هذا الوضع والجهل غير محتمل على رسول الله (صلى الله عليه واله) كما هو واضح.
الخطوة التاسعة : ان المفروض بالنبي (صلى الله عليه واله) ان يعلم حقيقة الملك الذي ارسل اليه وكون موقفه حقا وهو مرسل من الله تعالى. فاذا كان ذلك اذن فسوف يعرف ان ما فعله الملك حسب منطوق الخبر حق ايضا، فلا يخشى منه ولا يعترض عليه ولا ان ينهار نفسيا منه.
الخطوة العاشرة : ان رسول الله (صلى الله عليه واله) ظهر في هذا الحديث "وحاشاه" جبانا محبا للحياة الدنيا جدا ضعيفا عن تحمل المشاق وحاشاه من كل ذلك. وهذا واضح من عدة فقرات من الحديث كقوله (فغطني حتى بلغ مني الجهد) وقوله (فرجع بها رسول الله (صلى الله عليه واله) يرجف فؤاده) وقوله لخديجة (لقد خشيت على نفسي). مع اننا نعلم انه اعلم واقوى من جبرائيل نفسهحتى انه في المعراج قال له جبرائيل ما مضمونه (تقدم وحدك لو تقدمت انملة لاحترقت) فتقدم النبي (صلى الله عليه واله) وحده حتى وصل الى ((قاب قوسين او ادنى)). (اللهم صل على محمد وال محمد).
فهلى استعمل النبي (صلى الله عليه واله) شيئا من هذه القوة في دفع هذا الازعاج والبلاء عن نفسه او بتحمله للبلاء بحيث لا يبلغ منه الجهد بهذه السهولة.
اذن فهذا الحديث مردود حتى لو قبلنا صحة سنده وهو بالتاكيد ليس بصحيح السند. وانما الامر باختصار اننا نقتصر على ما هو حق ونرفض ما هو باطل، وهو نزول الوحي عليه وارساله برسالة الاسلام لاولمرة فيغار حراء بالايات الاولى من سورة العلق بما فيها البسملة، والنبي (صلى الله عليه واله) تلقاها بعمق وسعة صدر وبشجاعة وتفهم وعلم بكونه مخاطبا من الله تعالى بطريق جبرائيل (عليه السلام) وانه رسول الله بدون حاجة الى مثل هذه التفاصيل المؤسفة.
النقطة الثانية : مما اريد ذكره مما هو مناسب مع المبعث النبوي الشريف ما يرتبط بقوله تعالى : ((قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الدين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين * ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين * ان الذين لا يؤمنون بايات الله لا يهديهم الله ولهو عذاب اليم * انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله واؤلئك هم الكاذبون *)).
ومن الواضح في هذه الايات ان النبي (صلى الله عليه واله) كان يتردد على رجل له علم وفهم لاجل احترامه والميل اليه، فاتهمه المرجفون وما اكثر المرجفين في الاجيالبانه يتعلم منه العلم ويعطيه نصوص القرآن وان النبي (صلى الله عليه واله) ينسبها الى الله تعالى كذبا. وقد اختلفت الروايات في اسم هذا الرجل ولا حاجة الى التعرف عليه شخصيا اكيدا. ويمكننا ان نتكلم في ذلك ضمن عدة نقاط :
النقطة الاولى : ان سياق الايات يحتوي على ذكر امرين مما ارجف به المرجفون ضد النبي (صلى الله عليه واله) احدهما هذا الذي سمعناه وسياتي الحديث عنه بعد قليل، والاخر قوله تعالى: ((واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون * قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين)).
ونحن نعلم ان كل تعاليم القرآن كل واحد منها يفتح منه الف باب. فيكون المفهوم من هذه الايات ليس صادرا عن النبي (صلى الله عليه واله) بشخصه، وانما هو مبلغ عن الله سبحانه. والاختلاف في الحقيقة مسند الى الله تعالى وهو يقول : ((واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل)).
والسر في ذلك حسب فهمنا ان هذا الاختلاف هو الاوفق بالحكمة والمصلحة، ولو لم يكن هذا الاختلاف موجودا لفسد الحال. لان اختلاف الحكم يتبع اختلاف الموضوع ولا معنى لحكم واحد على موضوعين واختلاف الموضوع متحقق باختلاف تقلبات المجتمع واراء الناس والمصالح العامة والخاصة به.
وهذا المعنى القرآني يلقي ضوءا على ما قد يقال ضد السيد محمد الصدر او غيره من اختلاف ارائه وتبدل قناعاته في الظاهر مع انها قد تكون في الحقيقة هي الاوفق في الحكمة والمصلحة لما قلنا الان من ان اختلاف الموضوع يستدعي اختلاف الحكم وان الفرد قد يحتاج الى مواقف متعددة في ازمنة متعددة وفي امكنة متعددة حسب ما يرى من المصلحة ولا ينبغي التشكيك والارتياب فيه. بل الامر اكثر من ذلك من حيث ان المبادرة الى الطاعة وحسن الظن بالحوزة والمرجعية منتج لعدد من النتائج الحسنة فانه مضافا الى تحقيق المصلحة العامة المطلوبة والمنشودة، فانه يكون اقرب الى تقارب القلوب وتحابب النفوس ووضوح الايمان في العقول كما قال تعالى فى نفس هذه الايات: ((ليثبت الذين امنوا وهدى وبشرى للمسلمين)).
النقطةالثانية : ان الله جل جلاله يجيب في قرآنه المجيد على كلام المرجفين وهو قولهم: ((انما يعلمه بشر))، يجيب بقوله: ((لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين)). فانه لا يخلو من احدى حالتين: اما ان يدعوا (اي المرجفون) انه يأخذ الفاظ القرآن من هذا الانسان. واما ان يدعوا انه يأخذ معانيه ويصبها النبي (صلى الله عليه واله) في القالب القرآني واللفظ القرآني. وكلا الامران باطلان، اما اخذه اللفظ القرآني من هذا الانسان فهو مستحيل لان لسانه اعجمي فهو غير قابل لمعرفة العربية الفصيحة بادنى درجاتها فضلا عن العربية بالمستوى الاعجازي في القران الكريم. وهذا الرجل ليس له علم باللغة والادب والبلاغة ونحوها وانما له مفاهيم دينية وعقلية فقط، فمن اين يمكنه ان يأتي بمثل نصوص القرآن.
وان كان مدعاهم انه يعطي المعاني للنبي (صلى الله عليه واله) والنبي هو الذي يصوغها باللفظ القرآني ثم يدعي نسبتها الى الله تعالى فهذا ما يجيب عليه بقوله: ((قل نزله روح القدس من ربك بالحق)) وبقوله: ((ان الذين لا يؤمنون بايات الله لا يهديهم الله)) فهذا امر يحتاج الى شيء من القناعة والايمان. وكيف تحصل القناعة والايمان من الجاهلين الكاذبين ((ان الذين لا يؤمنون بايات الله لا يهديهم الله)) واذا لم يهديهم الله لن يهتدوا ابدا. واما اذا حصلت القناعة والايمان فسوف نعرف ان كلا الشخصين (اعني هذا الرجل والنبي (صلى الله عليه واله)) غير قابلين في انفسهما لايجاد هذه النتيجة. فلا هذا الرجل يستطيع ان يعطي للنبي (صلى الله عليه واله) كل معاني القرآن على عمقها وسعتها وعلو مقامها ونحن نعلم ان القرآن يسير مع الناس والبشرية مسار الشمس والقمر وان علومه لا تنفد وان & مهما كان علمه ومهما كانت منزلته فيتعين ان تكون هذه المعاني العظيمة نازلة من العظيم الاعظم جل جلاله.
ولا ان النبي يستطيع بنفسه ان يأتي بالفاظ القرآن البلاغية والاعجازية وهذا دليله واضح جلي فانه (صلى الله عليه واله) خير الخلق وخير البشر وقد اوتي جوامع الكلم ومع ذلك فقد سمعنا خطبه وكلاماته وقد وصلت الينا كثير منها كخطبته في اول شهر رمضان وهي مشهورة. وقد جمع له الشريف الرضي (عليه الرحمة) كتابا كاملا في كلماته القصار او جوامع الكلم سماه المجازات النبوية ونسخته موجودة وان لم تكن كثيرة على اية حال. والمهم انه لم يكن فيها ما يشبه القرآن او يصل الى درجة بلاغته او حكمته وهذا مسلم وواضح لدى كل ذي عينين وكل ذي لب.
مضافا الى التحدي القرآني للبشرية من حين نزوله الى يوم القيامة. وتوجد نقطة لم يلتفت اليها احد وهي ان التحدي شاملحتى لشخص النبي (صلى الله عليه واله) (كول لا ! سبحان الله). لو لاحظناه منفصلا عن الوحي وكذلك شخص امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) وكل المفكرين والمتعمقين في البشرية في اي جيل او مكان او زمان ابتداءا من المعصومين وانتهاءا الى الحمال والزبال. لا احد يستطيع ان يأتي بمثل القرآن اطلاقا.
وليس هذا التحدي سهلا واعتباطيا لولا ان يصدر من الحكيم العليم والا فما اسهل لاي جيل او لاي علم او لاي عالم ان يكسر الحجة القرآنية بالاتيان بمثله او بافضل منه وحاشاه. ونحن نعلم ان هذا لم يكن ولن يكون فكيف يرجل واحد هو الذي كان يزوره الرسول (صلى الله عليه واله) في مكة بطبيعة الحال.
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد *
صدق الله العلي العظيم

الجمعة الثانية والثلاثون 30 رجب 1419
الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحانك لا اله الا انت الواسع الذي لا يضيق البصير الذي لا يظل النور الذي لا يخمد. سبحانك لا اله الا انت الحي الذي لا يموت القيوم الذي لا يهين الصمد الذي لا يطعم. سبحانك لا اله الا انت ما اعظم شانك واعز سلطانك واعلى مكانك واشرف ملكك. سبحانك لا اله الا انت ما ابرك وارحمك واحلمك واعظمك واعلمك واسمحك واجلك واكرمك واعزك واعلى & واسمعك وابصرك. سبحانك لا اله الا انت ما اكرم عفوك واعظم تجاوزك. سبحانك لا اله الا انت ما اوسع رحمتك واكثر فضلك. سبحانك لا اله الا انت ما انعم الائك واسبغ نعمائك. سبحانك لا اله الا انت ما افضل ثوابك واجزل عطائك. سبحانك لا اله الا انت ما اوسع حجتك واوضح برهانك. سبحانك لا اله الا انت ما اشد اخذك واوجع عقابك. سبحانك لا اله الا انت ما اشد مكرك وامكن كيدك. سبحانك لا اله الا انت تسبح لك السماوات السبع والارضون السبع. سبحانك لا اله الا انت القريب في علوك المتعالي في دنوك المتداني دون كل شيء من خلقك. سبحانك لا اله الا انت القريب قبل كل شيء والدائم مع كل شيء والباقي بعد فناء كل شيء. اللهم صل على المصطفى محمد والمرتضى علي والزهراء فاطمة والزكي الحسن والشهيد الحسين والسجاد علي والباقر محمد والصادق جعفر والكاظم موسى والرضا علي والجواد محمد والهادي علي والعسكري الحسن والمهدي محمد ائمتي وسادتي وقادتي بكم اتولى ومن اعدائكم اتبرء في الدنيا والاخرة.
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
ينبغي ان تكون ذكرى المبعث النبوي الشريف سببا لان يبعث في نفوسنا الشعور باهمية هذا المبعث وباهمية مضمونه الكريم وهو دين الاسلام العظيم وقدسيته الجليلة ونوره الوضاء واخوته العالية. قال تعالى: ((انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله)) وقال: ((المؤمنون بعضهم اولياء بعض)). والاسلام هو دين الوحدة والاخوة والتماسك والرحمة والانسانية واللطف والتعاطف على مختلف المستويات التي يمكن ان نعرض المهم منها فيما يلي:
المستوى الاول : وحدة الحوزة العلمية واخوة اعضائها والمشاركين فيها بالهدف المشترك وتجاه العدو المشترك وفي الفكر المشترك مهما تباعدت بعض المصالح والاهواء والاساليب. وهذا واقع لا مناص منه ومطبق فعلا فاننا جميعا في الحوزة يد واحدة وروح واحدة كلنا يعمل لمصلحة الدين وكلنا يقول وكلنا يتصرف في حدود استطاعته وفهمه باتجاه الهدف المشترك وهو عز الدين وعز الاسلام وارتفاع وعظمة كلمة التوحيد في كل زمان ومكان وتكثير طاعات الله سبحانه في البشرية وتقليل معاصيه بين البشر وكلنا يد واحدة ضد من ناوان وعادانا لان من عاى الحوزة فقد عادى الدين ومن كاد للحوزة فقد كاد للدين ومن اعتدى على الحوزة فقد اعتدى على الدين وليس على هؤلاء الناس باشخاصهم بطبيعة الحال.
والحوزة واحدة في كل زمان ومكان لانها تتوحد بوحدة العاطفة والعلم والعمل والهدف اكيدا وكله واحد بحسب توفيق الله تعالى فليس هناك حوزات متباينة او مختلفة في ما بينها في النجف وفي قم وفي سوريا وفي لبنان وفي خراسان وفي البحرين وفي القطيف وفي الاحساء وفي باكستان وفي الهند وفي غيرها من بلاد الله. بل كلهم رجل وقلب واحد ويد واحدة وعلم واحد لمصلحة الدين وشريعة سيد المرسلين وضد العدو المشترك الموجود ضدنا في كل جيل وفي كل مكان وزمان (كول لا سبحان الله !).
المستوى الثاني : وحدة المؤمنين في المذهب الواحد مهما تكثرت اعمالهم وطبقاتهم ومستوياتهم وعواطفهم فانهم ما داموا يشعرون باهمية الدين واهمية ولاية امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) وعصمة القادة الائمة المعصومين (سلام الله عليهم) فهذا يكفي تماما لان يكون الفرد مندفعا نحو طاعة الله متحمسا نحو الهدف المشترك واقفا ضد العدو المشترك منجزا مصلحته العادلة الشخصية والاجتماعية مبتدعا عن الذنوب والعيوب والموبقات ومن لم يكن كذلك فنتمنى ان يكون كذلك في اقرب وقت وبحسن توفيق الله وتسديده.
المستوى الثالث : الاخوة في الاسلام وهي الاهم والاتم لانها تشكل حجر الزاوية في المبعث النبوي الشريف لان المبعث مبعث الاسلام والاخوة في الاسلام هي الرئيسية لان القرآن واحد والنبي واحد والقبلة واحدة والدين واحد والهدف واحد وان اغلب الاختلافات بين علماء الاسلام طبيعي وموجود بين اي تفكيرين او اي مفكرين وليس ذلك بعيب ولا يشكل نقصا حقيقيا ولا ينبغي ان يكون سببا للعداء والمكر والتضارب والتحارب والعياذ بالله وانما الهدف مشترك والعمل مشترك والعدو مشترك وخاصة ونحن نعيش في اغلب العصور بل كلها مسيس الحاجة الى ذلك لتكالب الاعداء ضد الاسلام ومكرهم من داخلهم ومن خارجهم وبيده السلاح والمال والتخطيط والاعداد الكامل، في حين نجد المسلمين والمخلصين عزلا من كل ذلك وهذا هو الامتحان الالهي الاتم والاكمل ليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.
ومثل هذا الظرف وهو الظرف الدائم والمستمر وربما لمئات السنين يعطينا وجوب الشعور بالوحدة والتماسك وقوة الايمان لكي نستطيع ان نتبع المؤامرات ونكفى اكثر ما هو مستطاع من الشدائد والمظالم التي يريدها لنا العدو المشترك المتمثل في الثالوث المشؤوم وهو الاستعمار الاسرائيلي الامريكي البريطاني قبحهم الله.
والامر هنا كما قال احد اعضاء دار التقريب بين المذاهب الاسلامية الذي كان مؤسسة مهمة في مصر القاهرة الذي كان موجودا الى عهد قريب اما الان فغير موجود. حيث قال ما مضمونه انه ليس المراد في هذه المرحلة من العمل والتفكير ان نجعل الشيعين سنيين او نجعل السنيين شيعين وانما المهم هو التمسك بالدين المشترك وهو الاسلام والقيام ضد العدو المشترك وهو الكفر والالحاد المتمثل بالاستعمار وانصار الاستعمار.
وبطبيعة الحال فان مجرد التفكير في هذه الوحدة قلبيا وعقليا له مرحلة مهمة وجيدة ونافعة تكفي في نتائجها عدم توجيه الحقد والعداء ضد بعضنا البعض والعياذ بالله من مختلف مذاهب الاسلام وانما اختصاص توجيه الحقد والعداء ضد من هو اهل لذلك وهو العدو المشترك المتمثل بالكفر والاستعمار. ويقول المثل انا وابن عمي ضد الغريب كما يقول المثل في عادات العشائر انه قد تكون قبيلتان متعاديتين فيما بينهما وتقاطعتين بشدة الا انهما حين يجابههم العدو المشترك وتغير عليهما قبيلة ثالثة يكونان يدا واحدة وعمل واحد وقلب واحد تجاه هذا العدو المشترك فاذا دفعوه واستراحوا عادوا الى العداء من جديد فيما بينهما.
ومن الواضح اننا لم ندفع العدو المشترك الى الان بل لا زال في تزايد ومرارة ولا اقل ان يحذر كل واحد منا مهما كان مذهبه ومهما كان عمله ومهما كانت طبقته ان يحذر من ان يكون معينا ضد نفسه وضد اسلامه بيد او لسان مهما كان قليلا او كثيرا.
يضاف الى ذلك الى ان عمل بعض المذاهب ضد بعضها كما يحدث الان من الوهابين مع شديد الاسف كما قد يفترض حدوثه من اية جهة كانت يكون بكل تاكيد عمل مبرمج وموجه في مصلحة الاستعمار ولا يستفيد من ذلك ولا يفرح به الا العدو المشترك واسرائيل من حيث نعلم او لا نعلم. بينما لا يستاء العدو المشترك الا من التحابب والتعاون والالفة بين المؤمنين والمسلمين ونحن مأمورون في القرآن الكريم ان نسيء الى قلوبهم كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم : ((ولا تطأون موطئا يغيض الكفار الا كتب لكم به عمل صالح)). اذن فالاخوة مطلوبة في الاسلام على كل حال. وهذا بطبيعة الحال ليس من طرف واحد بل من كل العاطفة وليس كلامي هذا استجداءا للعاطفة لاننا لا نخاف من غير الله سبحانه وتعالى وانما هو لاقامة الحجة والفات النظر لمن يريد ان يستجيب الى داعي الله ونصوص الكتاب الكريم والسنة الشريفة ويكون ذلك في مصلحتهم اولا وفي مصلحة الاسلام ثانيا ودفعا للعدو المشترك ثالثا. وهذا لا يعني من ناحية اخرى عدم اهمية الحفاظ على المذهب والعناية بمصالحه ومصالح طائفته فان هذا ضروري ايضا امام الله سبحانه وتعالى لانه الحق الذي نؤمن به لكن ينبغي ان يكون عمل اي مذهب او قل عمل اي مسلم بحيث لا يضر بالمذاهب الاخرى تحصيلا للوحدة الاسلامية والتكاتف المحمدي او قل يجب الا يعمل اي مسلم عملا يفيد به الاستعمار ويوجد به الفرقة والازعاج في المجتمع الاسلامي ومن عمل ذلك فعليه لعنة الله والاملائكة والناس اجمعين حتى لو كان هو السيد محمد الصدر نفسه.
المستوى الرابع : الشعور بالوحدة والتضامن مع الثورة الفلسطينية المجيدة التي كانت ولا زالت تعطي سيل الشهداء انتصارا للحق المغتصب واحتجاجا على الظلم المكثف والاجحاف الحقيقي الموجود في تلك البلاد المسلمةمن قبل مستعمريهم اليهود.
والملاحظ بوضوح ان فكر الثورة الفلسطينية قد مر ميدانيا بتطور وتكامل ملحوظ. فبينما كان عند بدءه قبل حوالي عشرين سنة او اكثر فكرا علمانيا دنيويا لا يريد اكثر من ازالة الحكم الغاشم الظالم في بلاده ولا يفكر في البديل وفي شكل الدولة الجديدة التي يسعى من اجلها حتى كان اكثرهم شيوعين في زمن وجود ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي وكان بعضهم يميل الى الديمقرطية الرأسمالية وبالتالي كانوا مختلفين وليس لهم هدف محدد وحقيقي، الا انهم تطوروا بكل تاكيد مع تطور الفكر الاسلامي العالمي فاصبح اكثرهم او الاتجاه الاشهر فيهم اتجاها اسلاميا دينيا لطيفا جزاهم الله خير جزاء المحسنين. واصبحوا يجاهدون ويستشهدون حقيقة في سبيل الله ومضادة لاعداء الله وذلك بعد ان اتسعت التجارب الدينية وازدادت الكتب الدينية ووسائل الاعلام الاسلامية. فرأى الجيل المتأخر منهم ان الحق الصحيح انما هو في الدين وان الحل الصيص انما هو في الدين وليس من المعقول ان اليهود يحاربوننا كيهود ونحن نحاربهم كعرب او كشيوعين او كرأسماليين وانما يقابل اليهودية الاسلام ليس الا.
والاسلام هو دين الشهادة ودين الاخرة ودين العدل ودين الجهاد وليس في المسالك الاخرى ذلك. والاتجاهات الفكرية الاخرى ليس فيها الا الخداع والضلال.
فنحن نعلن من هنا تأييدا لمجل الحركة الفلسطينية والثورة الفلسطينية ونخص بالتأييد منهم اولئك الذين يشعرون بمسؤوليتهم الاسلامية وعاطفتهم الدينية وهم الاعم الاغلب فيما اعتقد وننصح الباقين منهم الى ان يميلوا الى هذا الطريق ويلتفتوا الى الدين الحق فيصلحوا بذلك دنياهم وآخرتهم ولا تغرنهم الشعارات البراقة التي لا تفيد في الواقع الا الابقاء على اسرائيل وقوتها كما ثبت ذلك ولا زال يثبت بالتجارب المستمرة.
هذا ولو استطعنا من موقعنا هذا ان نمد الثورة الفلسطينية بالفكر اولا وبمال والرجال ثانيا بالشكل الذي نضمن ان فيه رضا الله سبحانه وتعالى فعلنا. ويوجد بعض الاشخاص القلائل خلال السنين المتأخرة ممن يسأل عن تكليفه الشرعي بالمشاركة في الثورة الفلسطينية او العمل ضد العدو الغاشم هناك، ومثل هذا الفرد لا ينبغي نهيه او تثبيط عزمه وشل ارادته بل ينبغي دفعه وتأييده ونصحه بالالتحاق بعد ان يحرز بطبيعة الحال اخلاص القيادة التي يريد الانتماء اليها منهم.
ومن الواضح دينيا ان الثورة الفلسطينية وان كانت هي ثورة الشعب الفلسطيني الا انها ثابتة في ذمم المسلمين جميعا بمختلف مذاهبهم واتجاهاتهم ودولهم لكي يكونوا يدا واحدة وتعاونين دوما على الفعالية والجهاد ضد اعداء الله والاسلام، كما ورد في السنة الشريفة : (المسلمون يسعى بذمتهم ادناهم) يعني يسعي كلهم حتى ادناهم، افضهم وادناهم جميعا وهم يد على من سواهم. اي انهم يد واحدة وقوة واحدة وجبهة واحدة وخندق واحد ضد كل الاعداء المتربصين والكفار المعاندين كما قال تعالى : ((ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئا يغيض الكفار ولا ينالون من عدو نيلا الا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون)). وقال الله تعالى : ((ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)). ثم يبين في الاية الاخرة التي بعدها ان هذا الوعد خاص بالخاص من الناس وليس عاما لكل احد فمن هؤلاء الموعودون قال : ((التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين)). وكما قال الله تعالى : ((أُذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز)). ثم يبين الله تعالى كذلك في الاية الاخرى ان هذا الوعد خاص غير عام فمن هؤلاء الموعودون قال جل جلاله : ((الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور)).
فلننظر نحن ولينظر المسلمون ولينظر الفلسطينيون وكل الناس الى انطباق نصائح الله عليهم، فان لم يجدو ذلك فعسى ان يرجعوا الى انفسهم ويعيدوا النظر في سلوكهم وافكارهم وافعالهم لكي ينالوا التأييد الالهي الحقيقي الذي هو اعلى واسمى من تأييد كل الخلق من تأييد سيد محمد الصدر بطبيعة الحال لكي نكون جميعا مصداقا لقوله تعالى : ((ادعوني استجب لكم)) وقوله تعالى : ((ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم)) ولكن متى يتحقق الدعاء الحقيقي لله حتى يستجاب ومتى يتحقق النصر الحقيقي لدين الله حتى ينصرنا الله الا بحسن توفيق الله وعندئذ لن يقف امامنا وامامكم اي عدو مهما كان.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحد ربك واستغفره * انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم


توقيع : ابو غدير الساعدي
اللهم عجل لوليك الفرج
من مواضيع : ابو غدير الساعدي 0 عجيبة غريبة !!!!؟؟
0 هل أسم الأمام علي "ع" ثقيل على عائشة ؟؟
0 المخالفة الجلية في نصرة سبط خير البرية
0 الأثبات الكبير لظلامة السبط البشير "ع"
0 أين ذهبت ( حي على خير العمل ) من الآذان ؟؟

الصورة الرمزية ابو غدير الساعدي
ابو غدير الساعدي
عضو برونزي
رقم العضوية : 64616
الإنتساب : Mar 2011
المشاركات : 324
بمعدل : 0.06 يوميا

ابو غدير الساعدي غير متصل

 عرض البوم صور ابو غدير الساعدي

  مشاركة رقم : 39  
كاتب الموضوع : ابو غدير الساعدي المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-03-2011 الساعة : 05:59 PM


الجمعة الثالثة والثلاثون 7 شعبان 1419
الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد واسمع دعائي اذا دعوتك واسمع ندائي اذا ناديتك واقبل علي اذا ناجيتك فقد هربت اليك ووقفت بيد يديك مستكينا لك متضرعا اليك راجيا لما لديك ثوابي وتعلم ما في نفسي وتخبر حاجتي وتعرف ضميري ولا يخفى عليك شيء ولا يخفى عليك امر منقلبي ومثواي ومااريد ان ابدء به من منطقي واتفوه به من طلبتي وارجوه لعاقبتي وقد جرت مقاديرك علي يا سيدي فيما يكون مني الى اخر عمري من سريرتي وعلانيتي وبيدك لا بيد غيرك زيادتي ونقصي ونفعي وضري الهي ان حرمتني فمن ذا الذي يرزقني وان خذلتني فمن ذا الذي ينصرني. الهي اعوذ بك من غضبك وحلول سخطك. الهي ان كنت غير مستأهل لرحمتك فانت اهل ان تجود علي بفضل سعتك الهي كأني بننفسي واقفة بين يديك وقد اظلها حسن توكلي عليك فقلت ما انت اهله وتغمدتني بعفوك. الهي ان عفوت فمن عفوت اولى منك بذلك وان كان قد دنى اجلي ولم يدنني منك عملي فقد جعلت الاقرار بالذنب اليك وسيلتي. الهي قد جرت على نفسي بالنظر لها فلها الويل ان لم تغفر لها. الهي لم يزل برك علي ايام حياتي فلا تقطع برك عني في مماتي. الهي كيف آيس من حسن نظرك لي بعد مماتي وانت لم تولني الا الجميل في حياتي. اللهم صل على محمد وال محمد وصل على الحسين المظلوم الشهيد قتيل العبرات واسير الكربات صلاة نامية زافية مباركة يصعد اولها ولا ينفد آخرها افضل ما صليت على احد من اولاد الانبياء والمرسلين يا رب العالمين. اللهم صل على الامام الشهيد المقتول المظلوم المخذول والسيد القائد والعابد الزاهد الوصي الخليفة الامام الصديق الطهر الطاهر الطيب المبارك والرضي المرضي والتقي الهادي المهدي الزاهد الذائد المجاهد العالم امام الهدى سبط الرسول وقرة عين البتول صلى الله عليه واله وسلم. اللهم صل على سيدي ومولاي كما عمل بطاعتك ونهى عن معصيتك وبالغ في رضوانك واقبل على ايمانك غير قابل فيك عذرا سرا وعلانية يدعو العباد اليك ويدلهم عليك وقام بين يديك يهدم الجور بالصواب ويحيي السنة بالكتاب فعاش في رضوانك مكدودا ومضى على طاعتك وفي اوليائك مكدوحا وقضى اليك مفقودا لم يعصك في ليل ولا نهار بل جاهد فيك المنافقين والكفار. اللهم فاجزه خير جزاء الصادقين الابرار. وباعث عليهم العذاب ولقاتليه العقاب فقد قاتل كريما وقتل مظلوما ومضى مرحوما يقول انا ابن رسول الله محمد وابن من زكى وعبد فقتلوه بالعمد المعتمد قتلوه على الايمان واطاعوا في قتله الشيطان ولم يراقبوا فيه الرحمن.
((يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون * واطيعوا الله واطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين)).
قبل يومين أو ثلاثة كانت الذكرى السنوية لميلاد الإمام ابي عبد الله الحسين سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة (عليه افضل الصلاة والسلام) فلا ينبغي ان تمر هذه الجمعة دون ذكره والاخذ بطرف من فضائله.
وبالرغم من ان الحادثة الاشهر للامام الحسين (عليه السلام) هو واقعة الطف كأنه خلق من اجلها وخلقت من اجله وهي لا شك اعظم حوادث الإسلام أو التاريخ بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله) والى عصر الظهور. الا انني اريد في هذه الخطبة ان اتجاوز ذلك إلى تلك الفضائل والخصائص التي لا ترتبط بهذه الواقعة مباشرةلان المناسبة التي نعيشها الان هي مناسبة ولادته وهي مناسبة فرح وليست مناسبة حزن على اية حال وان كان قد ورد عنهم (عليهم السلام) : (وافراحنا احزاننا). وقوله : (يفرح هذا الفرح بعيدهم ونحن اعيادنا ماتمنا).
قالوا وفد اعرابي الى المدينة (يعني المدينة المنورة طبعا) فسئل عن اكرم الناس بها فدل على الحسين (عليه السلام) فدخل المسجد فوجده مصليا فوقف بازائه وانشأ:
لم يخب الان من رجاك ومن حرك من دون بابك الحلقة
انت جواد وانت معتمد ابوك قد كان قاتل الفسقة
لولا الذي كان من اوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة
قال : فسلم الحسين وقال: ياقنبر هل بقي من مال الحجاز شيء ؟ قال: نعم اربعة الاف دينار. فقال: هاتها قد جاء من هو احق بها منا. ثم نزع برديه ولف الدنانير بها واخرج يده من شق الباب حياءا من الاعرابي وانشأ:
خذها فاني اليـك معـتذر واعلم باني عليك ذو شفقة
لو كان في سيرنا الغداة عصا امست سمانا عليك مندفقة
لكن ريب الزمان ذو غير والكف مني قليلة النفقة
قال : فاخذها الاعرابي وبكا. فقال له: لعلك استقللت ما اعطيناك. قال: لا ولكن كيف ياكل التراب جودك. وهو المروي عن الحسن بن علي (سلام الله عليهما) ايضا.
اقول هنا بعض الايضاحات يحسن التعرض لها باختصار:
اولا: من الرواية ان الحسين (عليه السلام) انشا الابيات على البديهة فان كان الاعرابي قد حضر ابياته فان الحسين لم يحضرها قطعا. وقول الشعر مروي بالتواتر عن اعدد من المعصومين (عليهم السلام). وديوان امير المؤمنين (عليه السلام) مشهور، وهو وان كان كل واحد منه (اي كل واحد من اشعاره) ضعيف السند الا ان مجموعه متواتر.كما ان الشعر مروي عن عدد مهم من علمائنا (قدس الله اسرارهم) كالشريف المرتضى والشريف الرضي والشيخ البهائي والسيد الحبوبي وغيرهم كثير. ومع ذلك يقول المتزمتون من الحوزة الشريف ينافي وضع وحال رجال الدين والحوزة والمرجعية ويضر بهم. وهذا باطل قطعا لان فيه اسوة بالمعصومين (عليهم السلام) وكما ان لنا اسوة حسنة برسول الله (صلى الله عليه واله) بنص القرآن كذلك لنا اسوة حسنة بالمعصومين (عليهم السلام) من اهل بيته، ومن جملة اعمالهم القطعية اليقينية هو قول الشعر. ولئن كان رسول الله (صلى الله عليه واله) لا يقول الشعر كما قال الله تعالى : ((وما علمناه وما ينبغي له)) فانه ايضا كان اميا بحسب الظاهر لا يقرأ ولا يكتب فعل علينا ان نكون كذلك اميين. ان هذه الصفات صفات خاصة به لمصالح عامة ترتبط برسالته وهي ليست شاملة للمعصومين (عليهم السلام) حتى ولا لامير المؤمنين (عليه السلام) فضلا عن غيرهم من الناس لوضوح ان امير المؤمنين لم يكن اميا بينما رسول الله كان اميا ظاهرا وامير المؤمنين واضح انه في اعلى درجات القراءة والكتابة. لوضوح ان للمعصومين ايضا اسوة برسول الله (صلى الله عليه واله) (كول لا !) مع انهم كانوا يقرأون الشعر وكانوا يقرأون ويكتبون قطعا ولم يكونوا اميين مثله. اذن فهاتان الصفتان ليس فيها اسوة برسول الله (صلى الله عليه واله) لا للمعصومين ولا لغيرهم ولا يشملها اطلاق الاية الكريمة. وبالاخرة ما من عام الا وقد خص. بل كان فيها اسوة مع المعصومين (سلام الله عليهم) ولو كان في هاتين الصفتين اسوة برسول الله (صلى الله عليه واله) لكان المعصومون احق بها وبفعلها وبتنفيذها ولم يفعلوا اكيدا.
مضافا الى امكان تفسير الشعر المنفي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) بالباطل يعني نفي الباطل عنه والشعور الوهمي وليس الشعر الذي نعرفه وهو المراد بقوله تعالى : ((الشعراء يتبعهم الغاوون)) فليس كل الشعراء يتبعهم الغاوون وانما المبطلون واهل الباطل يتبعهم الغاوون وكلهم هكذا طبعا.
كما قد نسب اليه بيت من الشعر وهو قوله حين ادميت او جرحت اصبعه في احدى الغزوات:
ما انت الا اصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
فاذا كان لا يعلم الشعر اطلاقا اذن لا يصدر منه ولا بيت شعر واحد.
هذا مضافا الى ما في الشعر من فوائد جمة دينية ودنيوية وقد كان اغلب شعر المعصومين (عليهم السلام) موعظة وحكم وتخويف وترغيب وهو اشد تأثيرا في النفس من النثر بلا شك.
واما كون الشعر فيه مفاسد فهذا صحيح غير ان ذلك ناشيء من عدم تورع الشعراء او بعض الشعراء في الحقيقة ومن تورطهم في الحرام واطاعتهم لانفسهم الامارة بالسوء. ويمكن للفرد الشاعر المتورع ان يتجنب كل ذلك في شعره ويقصره على طاعة الله ودين الله والامور النافعة كما فعل المعصومون (سلام الله عليهم). ولذا نسمع احد الشعراء يقول وهي ابيات معروفة ربما اكثركم سامعيها :
ما الشعر الا شعور تهيج فيه العواطف
وخيره ما تراه عن الحقيقة كاشف
ثانيا: من الامور التي اريد التنبيه عليها في تلك الرواية انه قال:
لم يخب الان من رجاك ومن حرك من دون بابك الحلقة
يعني دق بابك وقصدك لان الجرس الكهربائي لم يكن موجودا في ذلك الزمن وانما كانت هنالك حلقة من حديد معلقة بالباب فاذا اراد احدهم ان يدق الباب حركها ليسمع من في داخل الدار. وقال:
لولا الذي كان من اوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة
فاوائلكم يعني الجيل السابق لكم يقصد رسول الله (صلى الله عليه واله). اي لولا هدايته لدينه لكانت الجحيم علينا منطبقة وهذا صحيح جزاه الله خير. ومنطبقة اي مغلقة وفيه اشارة إلى قوله تعالى: ((انها عليهم نار مؤصدة)) اي مغلقة.
وقول الحسين (عليه السلام) :
لو كان في سيرنا الغداة عصا امست سمانا عليك مندفقة
لان الإنسان العاجز يستعمل العصى في سيره ولولا العصى فانه لا يتمكن من السير فتكون العصى هنا كناية عن التمكن المالي انه لو كانت عندنا زيادة لاعطيناك وعندئذ امست سمانا عليك مندفقة، اي ماطرة بالعطاء.
ولا يخفى توقيت الشطر الاول بالغداة والثاني بالمساء لانه قال:
لو كان في سيرنا الغداة عصا امست سمانا عليك مندفقة
لان المساء متأخر عن الصباح وكذلك العطاء متأخر عن التمكن لانه مترتب عليه ومعلول له. وهي التفاتة ادبية لطيفة ولان اغلب المطر ينزل ليلا كما هو مجرب وانا ملاحظه كثيرا.
وفي رواية اخرى انه اي الحسين (عليه السلام) ساير انس بن مالك فاتى قبر خديجة الكبرى (رضوان الله عليها) فبكى ثم قال لانس : اذهب عني. قال انس: فاستخفيت عنه فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا:
يارب يارب انت مولاه فارحم عبيد اليك ملجاه
ياذا المعالي عليك معتمدي طوبى لمن كنت انت مولاه
طوبى لمن كان خادما ارقا يشكوا إلى ذي الجلال بلواه
وما به علة ولا سقم اكثر من حبه لمولاه
إذا اشتكى بثه وغصته اجابه الله ثم لباه
إذا ابتلى بالظلام مبتهلا اكرمه الله ثم ناداه
فنودي بشعر من نفس الوزن والقافية :
لبيك عبدي انت في كنفي وكلما قلت قد علمناه
صوتك تشتاقه ملائكتي فحسبك الصوت قد سمعناه
دعاك عندي يجول في حجبي فحسبك الستر قد سفرناه
لو هبت الريح في جوانبه خر صريعا لما تغشاه
سلني بلا رغبة ولا رهب ولا حساب اني انا الله
ويعتبر هذا الشعر من الحديث القدسي وهو كل ما روي عن الله تعالى مباشرة من القول والكلام غير القرآن الكريم. وهذا منه بطبيعة الحال.
ومما يروى عن الحسين (عليه السلام) من الشعر في الموعظة:
لان تكن الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب الله اعلى وانبل
وان تكن الابدان للموت انشئت فقتل امرء والله بالسيف افضل
وان تكن الارزاق قسما مقدرا فقلة حرص المرء في الكسب اجمل
وان تكن الاموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل
وكذلك قوله:
اغن عن المخلوق بالخالق تسد على الكاذب والصادق
واسترزق الرحمن من فضله فليس غير الله من رازق
من ضن ان الناس يغنونه فليس بالرحمن بالواثق
او ضن ان المال من كسبه زلت به النعلان من حالق
اي من اعلى فهو خاطيء في تفكيره فالمال ليس من كسبه بل من رزق الله تعالى. ومن ذلك قوله:
ناديت سكان القبور فأُسكتوا واجابني عن صمتهم ترب الحصى
قالت اتدري ما فعلت بساكني مزقت لحمهم وخرقت الكسى
وحشوت اعينهم ترابا بعدما كانت تاذى باليسير من القذى
اما العظام فانني مزقتها حتى تباينت المفاصل والشوى
وفي كتاب البداية والنهاية لابي الفدا بن كثير الدمشقي ج8 ص204 قال: فصل شيء من فضائله (اي من فضائل الحسين (عليه السلام)) روى البخاري من حديث شعبة ومهدي بن ميمون عن محمد بن ابي يعقوب سمعت ابن ابي نعيم قال سمعت عبد الله بن عمر وسئله رجل من اهل العراق عن المحرم يقتل الذباب فقال: اهل العراق يسئلون عن قتل الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله) هما ريحانتاي من الدنيا.
وفي خبر نحوه ان رجلا من اهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب. فقال ابن عمر: انظروا الى اهل العراق يسألون عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت محمد (صلى الله عليه واله) وذكر تمام الحديث ثم قال حسن صحيح.
وقال الامام احمد بسنده عن ابي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : من احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضني، يعني حسنا وحسينا.
وقال الامام احمد بسنده عن ابي هريرة قال : نظر النبي (صلى الله عليه واله) الى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال : انا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم. تفرد به الامام احمد.
وقال الامام احمد بسنده عن ابي هريرة قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه واله) ومعه حسنا وحسين هذا على عاتقه الواحد وهذا على عاتقه الخهر وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى الينا فقال له رجل: يا رسول الله والله انك تحبهما. فقال: من احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضني. تفرد به احمد.
وقال ابو يعلى الموصلي بسند انه سمع انس بن مالك يقول: سُئل رسول الله (صلى الله عليه واله) اي اهل بيتك احب اليك. قال: الحسن والحسين. قال: وكان يقول: ادعوا لي ابني. فيشمهما ويضمهما اليه. وكذا رواه الترمذي.
وقال الامام احمد بسنده عن انس ان رسول الله (صلى الله عليه واله) كان يمر ببيت فاطمة ستة اشهر اذا خرج الى صلاة الفجر فيقول : الصلاة يا اهل البيت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا. ورواه الترمذي ايضا.
واخرج الترمذي بسنده عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : حسين مني وانا من حسين احب الله من احب حسينا، حسين سبط من الاسباط. ثم قال الترمذي هذا حديث حسن.
وعن يعلى بن مرة ان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال : الحسن والحسين سبطان من الاسباط.
وقال الامام احمد حدثنا ابو نعيم بسنده عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة. ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وغيره عن يزيد بن ابي زيد وقال حسن صحيح واخرجه النسائي من حديث مروان بن معاوية الفزاري به.
وقال الامام احمد بسنده عن ابي سابط قال: دخل حسين بن علي المسجد فقال جابر بن عبد الله : من احب ان ينظر الى سيد شباب اهل الجنة فلينظر الى هذا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه واله). تفرد به احمد.
وقوله تفرد به احمد لان ما رواه احمد بن حنبل في مسنده من فضائل اهل البيت (عليهم السلام) وفضائل المعصومين (سلام الله عليهم) اكثر بكثير مما رواه غيره. واما الباقون منهم فكانوا شحيحين من هذه الناحية وهذا ينتج ان ما تفرد به احمد هذه الصفة لا تكون نقطة ضعف له وانما هي نقطة ضعف في الحقيقة للاخرين ممن مؤلفي الصحاح الذين تركوا اكثر فضائل اهل البيت (سلام الله عليهم).
وقال الامام احمد حدثنا سليمان …. الى ان يقول ان رجلا اخبره انه رأى النبي (صلى الله عليه واله) يضم اليه حسنا وحسينا ويقول : اللهم اني احبهما فاحبهما.
وبسنده عن ابي هريرة قال: كنا نصلي مع رسول الله (صلى الله عليه واله) العشاء فاذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فاذا رفع رأسه اخذهما اخذا رفيقا فيضعهما على الارض فاذا عادا عاد حتى قضى صلاته اقعدهما على فخذيه. قال: فقمت اليه فقلت: يا رسول الله اردهما الى امهما. قال: فبرقة برقة (يعني حصل نور) فقال لهما : الحقا بامكما. قال: فمكث ضوءها حتى دخلا على امهما.
وقد روي هذا الحديث باكثر من سند واحد عن ابي هريرة وبسند آخر عن علي (عليه السلام) قال: دخل علي رسول الله (صلى الله عليه واله) وانا نائم فاستسقى الحسن او الحسين (يعني طلبا الماء). فقام رسول الله (صلى الله عليه واله) الى شاة لنا كي يحلبها فدرت فجاءه الاخر فنحاه فقالت فاطمة : يا رسول الله كأنه احبهما اليه. قال : لا ولكنه استسقى قبله. ثم قال : اني واياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة.ورواه ابو داود الطيالسي عن علي (عليه السلام) ايضا.
وقال المدائني جرى بين الحسن والحسين كلام فتهاجرا (هكذا تقول مصادرهم على اية حال) فلما كان بعد ذلك اقبل الحسن الى الحسين فاكب على رأسه يقبله فقام الحسين فقبله ايضا وقال (اي الحسين) : ان الذي منعني من ابتداءك بهذا اني رأيت انك احق بالفضل مني فكرهت ان انازعك ما انت احق به مني.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم

الجمعة الثالثة والثلاثون 7 شعبان 1419
الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
الهي ان كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب جاءك املي. الهي كيف انقلب من عندك بالخيبة محروما وقد كان حسن ظني بجودك ان تقلبني بالنجاة مرحوما. الهي وقد افنيت عمري في شرة السهو عنك وابليت شبابي في سكرة التباعد منك. الهي فلم استيقظ ايام اغتراري بك وركوني الى سبيل سخطك. الهي وانا عبدك وبن عبديك قائم بين يديك متوسل بكرمك اليك. الهي انا عبد اتنصل اليك مما كنت اواجهك به من قلة استحيائي من نظرك واطلب العفو منك اذ العفو نعت لكرمك. الهي لم يكن لي حول فانتقل به عن معصيتك الا في وقت ايقظتني لمحبتك وكما اردت ان اكون كنت فشكرتك بادخالي في كرمك ولتطهير قلبي من اوساخ الغفلة عنك. الهي انظر الي نظر من ناديته فاجابك واستعملته بمعونتك فاطاعك يا قريبا لا يبعد عن المغتر به ويا جوادا لا يبخل عمن رجا ثوابه. الهي هب لي قلبا يدنيه منك شوقه ولسانا يرفع اليك صدقه ونظرا يقربه منك حقه. الهي ان من تعرف بك غير مجهول ومن لاذ بك غير مخذول ومن اقبلت عليه غير مملول. الهي ان من انتهج بك لمستنير وان من اعتصم بك لمستجير. يا الهي فلا تخيب ظني من رحمتك ولا تحجبني من رأفتك. اللهم صل على محمد وال محمد. السلام عليك يا حجة الله وبن حجته. السلام عليك يا قتيل الله وبن قتيله. السلام عليك يا ثار الله وبن ثاره. السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والارض. اشهد ان دمك سكن في الخلد واقشعرت اظلة العرش وبكى له جميع الخلائق وبكت له السماوات السبع والارضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى وما لا يرى. اشهد انك حجة الله وبن حجته واشهد انك قتيل الله وبن قتيله واشهد انك ثار الله وبن ثاره واشهد انك وتر الله الموتور في السماوات والارض واشهد انك قد بلغت ونصحت ووفيت واوفيت وجاهدت في سبيل ومضيت للذي كنت عليه شهيدا مستشهدا وشاهدا وشهودا. انا عبد الله ومولاك وفي طاعتك والوافد اليك التمس كمال المنزلة عند الله وثبات القدم في الهجرة اليك والسبيل الذي لا يختلج دونك من الدخول في كفالتك التي امرت بها. من اراد الله بدأ بكم بكم يبين الله الكذب وبكم يباعد الله الزمان الكلب وبكم فتح الله وبكم يختم وبكم يختم الله وبكم يمحو الله ما يشاء ويثبت وبكم يفك الذل من رقابنا وبكم يدرك الله ثرة كل مؤمن يطلب بها وبكم تنبت الارض اشجارها وبكم تخرج الارض ثمارها وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها وبكم يكشف الله الكرب وبكم ينزل الله الغيث وبكم تسبح الارض التي تحمل ابدانكم وتستقر جبالها عن مراسيها ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم وتصدر من بيوتكم والصادر عما فصل من احكام العباد. لعنة امة قتلتكم ولعنة امة خالفتكم وامة جحدت ولايتكم وامة ظاهرت عليكم وامة شهدت ولم تستشهد. الحمد لله الذي جعل النار ماواهم وبئس ورد الواردين وبئس الورد المورود والحمد لله رب العالمين.
((يا ايها الذين آمنوا ان من ازواجكم واولادكم عدو لكم فاحذروهم وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم * انما اموالكم واولادكم فتنة والله عنده اجر عظيم * فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيرا لانفسكم * ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون * ان تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم *))
الان ندخل في ما نستطيع بيانه من فضل الحسن والحسين (عليهما السلام) ومنزلتهما العظيمة عند الله مع التركيز على ما هو محل الحديث وهو فضل الحسين (عليه السلام) بالخوص.
وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) انه قال: (انهما امامان قاما أو قعدا). والامام هو القدوة والمرشد والقائد والموجه. وقوله: (قاما) اي قاما بالمسئولية وتولوا اعباء الامامة فعلا كما يمكن ان يفسر قيامهما بالسيف وهو الثورة باللغة الحديثة. فيكون القيام اشارة إلى ثورة الحسين (عليه السلام) والقعود اشارة إلى صلح الحسن (عليه السلام) مع معاوية كانه قال: (قاما كما قام الحسين (عليه السلام) أو قعدا كما قعد الحسن (عليه السلام)). فان فعلهما على اي حال فعل امام مفترض الطاعة لا يجوز الاعتراض عليه وهو مطابق للحكمة والمصلحة الواقعية.
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) انه قال عنهما (سلام الله عليهما) : (انهما ولداي من صلب علي (عليه السلام)). يعني ان الولادة الظاهرية أو الجسدية وان كانت من صلب علي (عليه السلام) الا ان الولادة الواقعية أو المعنوية انما هي من رسول الله (صلى الله عليه واله) ولذا كان ينادى كل منهما على مدى حياتهما يبن رسول الله .
وهذا على وجه الحقيقة المعنوية وليس على وجه المجاز فاذا اضفنا إلى ذلك وحدة النورين محمد وعلي أو قل نور محمد ونور علي عليهما السلام في العالم الاعلى كما هو المفهوم من قوله تعالى: ((وانفسنا وانفسكم)). إذن، يكون اولاد علي هم اولاد رسول الله (صلى الله عليه واله) الا ان هذا مما لا يمكن اخذه على اطلاقه الا في اولاد الزهراء (سلام الله عليها) وهما الحسن والحسين (سلام الله عليهما) ولربما المحسن (رضوان الله عليه) لانهما من ناحيتها أيضاً يرتبطان بنسب رسول الله (صلى الله عليه واله) دون سائر اولاد امير المؤمنين وهم كثيرون. الا انه ليس فيهم من ينادى أو يجوز ان ينادى يبن رسول الله الا الحسن والحسين.
كما ان هذا هو ظاهر قوله تعالى: ((قل تعالوا ندعو ابنائنا وابنائكم ونسائنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم)). فانه لم يكن مصداق الابناء بضرورة التاريخ الا الحسن والحسين (عليهما السلام) فكما نفهم من انفسنا وانفسكم وحدة محمد وعلي، نفهم أيضاً كون الحسن والحسين ابنا رسول الله (صلى الله عليه واله). والملحوظ ان عنوان الابناء مقدم في الاية على العنوانين الاخرين لانه قال: ((قل تعالوا ندعو ابنائنا وابنائكم ونسائنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم)) كانما اخر الانفس تواضعا لانه هو المامور ان يقول: ((قل تعالوا ندعو ابنائنا.. ..))
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) أيضاً بالتواتر انه قال عن الحسن والحسين: ((انهما سيدا شباب اهل الجنة)). فاذا علمنا كما هو واضح ان كل اهل الجنة شباب أو قل شبان وان كل من يدخل الجنة يعطيه الله سبحانه وتعالى عمر الشاب اكراما له لان عمر الشيخوخة صعب ومكروه للناس فيعطيه عمر الشباب لاجل اكرامه واسعاده في الجنة اذن فلا يمكن ان يوجد شيخ في الجنة ليصدق على بعضهم كما قيل (انهما سيدا شيوخ اهل الجنة) أو (سيدا كهول اهل الجنة) بل كلهم شبان حتى المعصومين (سلام الله عليهم) بل هم اولى بهذه الصفة من غيرهم لانهم احق بالسعادة في الجنة والاكرام من الله سبحانه وتعالى.
ونحن نعلم من ناحية اخرى ان الجنة طبقات ودرجات وفيها المتدني نسبيا وفيها العالي قال تعالى: ((في جنة عالية قطوفها دانية)). وهذا يدل على ان هناك جنة دانية أيضاً. فيكون معنا كونهما (سلام الله عليه) سيدا شباب اهل الجنة :
اولا: انهما سيدان لكل اهل الجنة لان كلهم شبان ولا يحتمل ان نفهم من هذا التعبير وجود صنف اخر يعني الكهول.
ثانيا: انهم الاعلى درجة على الاطلاق في الجنة لان معنى السيادة (سيدا شباب اهل الجنة) والعظمة في الجنة هو ذلك. لا يستثنى من ذلك احد على الاطلاق الا ثلاثة فقط هم جدهما رسول الله (صلى الله عليه واله) وابوهما امير المؤمنين (عليه السلام) وامهما فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ولا يستثنى من ذلك حتى المعصومين من أولاد الحسين عليهم السلام، بل حتى الانبياء السابقين على الإسلام. فانهم كلهم في الجنة وكلهم شبان والحسن والحسين سادتهم جميعا بحسب إطلاق هذه الرواية فضلا عن غيرهم بطبيعة الحال.
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله)كما سمعنا في الخطبة السابقة طرفا منه من طرق الفريقين : (انهما سبطان من الأسباط). والسبط هو ابن البنت وهما ابنا بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) نسبا الا ان هذا وان كان صحيحا الا انه ليس كل المقصود من الرواية إذ يكفي في ذلك ان يقول: (انهما سبطا رسول الله) او (سبطاي).
واما قوله (من الاسباط) فيعني معنا اخر زائدا على ذلك. لان الاسباط مذكورون في القرآن الكريم وهذا ينتج عدة نتائج منها :
اولا: ان لكل نبي من اولي العزم وصي وكذلك لمحمد (صلى الله عليه واله) وصي وهو علي (عليه السلام) فليست الوصاية للنبي امرا غريبا بل هو الحال المعتاد الذي عليه كل الانبياء السابقين.
ثانيا: ان بعض الانبياء السابقين من اولي العزم كابراهيم (عليه السلام) له اسباط. ولاسباطه صفات جليلة مذكورة في القرآن فتكون نفس تلك الصفات ثابتة للحسن والحسين لانها صفات اسباط الانبياء ايا كانوا كمفهوم كلي ينطبق عليهما وعلى غيرهما.
والمشهور بين المفسرين ان المراد بالاسباط هم اولاد يعقوب. وهو قابل للمناقشة من اكثر من جهة :
1/ ان السبط هو ابن البنت وهذا لا يصدق على هؤلاء سواء من جهة نسبتهم إلى يعقوب لانهم اولاده الصلبيين. ولا من جهة نسبتهم إلى إبراهيم لانه جدهم لابيهم وليس جدهم لامهم معروفا أو مهما ليفتخروا به او ينتسبوا اليه. الا ان نقول ان يعقوب متزوج من ابنة اسماعيل عمه فيكون اولاده احفادا واسباطا لابراهيم (عليه السلام) في نفس الوقت، فيصدق عليهم الاسباط في الجملة على اي حال. الا ان هذا لم يثبت اولا، كما اننا نعلم ان يعقوب متزوج من زوجتين أو اكثر فيبقى الاسباط مختصين وحسب المشهور كذلك مختصين باولاد احداهما وهي الاولى أو الكبيرة. وهذا معناه ان يوسف وبنيامين (عليهما السلام) الذين هما اولاد الزوجة الثانية ليسا من الاسباط مع انه بكل تاكيد هما افضل الاخوة على الاطلاق كما انهما اصغرهم بطبيعة الحال.
2/ ان هؤلا وهم اولاد الزوجة الاولى ليعقوب (عليه السلام) غدروا باخيهم يوسف الذي هو من الزوجة الثانية. والحادثة يقينية ومروية تفصيلا في القرآن الكريم ويقول عن كلامهم: ((إذ قالوا ليوسف واخوه احب إلى ابينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه ارضا يخلوا لكم وجه ابيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين)). وعندئذ بدات المؤامرة إلى ان انتهت، فالذي يفعل هكذا هل هو رجل صالح !
والمهم ان مثل هؤلاء الذين اضروا باخويهما وبابيهما لا يمكن ان يتصفوا بالصفات الجليلة المذكورة في القرآن للاسباط قال تعالى: ((واوحينا إلى إبراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط)). وقال جل جلاله: ((وما انزل على إبراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط)). وعلى اي حال فلابد ان يكون المراد بالاسباط في هذه الايات غيرهم.
نعم هناك دليلان محتملان مستفادان من القرآن الكريم يستدل به للمشهور وان المراد بالاسباط هم هؤلاء من اولاد يعقوب:
اولا: هذه الايات التي قراناها قبل قليل إذ يقول: ((واوحينا إلى إبراهيم واسماعيل ويعقوب والاسباط)). فيقرن بين اسماء هؤلاء والاسباط ولا نعرف ممن يقرب إلى هؤلاء الا اولاد يعقوب (عليه السلام). الا ان هذا دليل ضني كما هو معلوم وليس هو قطعيا وليس هناك ظهور قرآني في ذلك.
ثانيا: قوله تعالى: ((وقطعناهم اثنتي عشر اسباطا امما)). والضمير في قطعناهم يعود إلى اولاد يعقوب الذين هم بنوا اسرائيل فيتعين ان يكون اولادهم هم الاسباط. وجوابه:
1/ ما عرفناه من ان الاسباط هم اولاد البنت ولا يصدقون على اولاد الاولاد على الحقيقة الا مجازا.
2/ انه قال في هذه الاية ((اسباطا امما)) فالمراد من الاسباط هنا الذرية الكثيرة التي حصلت لهم خلال الاجيال حتى اصبحت كل مجموعة منهم امة من الناس وكان مجموعهم امم. وليس الملحوظ في هذه الاية مجرد الانتساب إلى يعقوب (عليه السلام) في انطباق معنى الاسباط. وعلى اية حال فسواء كانوا هؤلاء هم الاسباط ام لم يكونوا فاننا نجد للاسباط على واقعهم في علم الله، نجد مدحا وتعظيما في القرآن الكريم وقد ثبت بالحديث الشريف المروي لدى الفريقين ان الحسن والحسين من الاسباط فمن هذه الناحية يكونان اوضح في هذه الصفة من اولاد يعقوب وكذلك هما اوضح من جهة كونهما سبطا رسول الله (صلى الله عليه واله) حقيقة ونسبا.
ومن مزاياه (سلام الله عليـه) انه من اصحـاب الكساء الخمسة بعـد الالـتفات إلى بعض النقاط:
النقطة الاولى : ان حديث الكساء اجمالا بحسب المعنى مروي من طرق الفريقين وليس فقط عندنا.
النقطة الثانية : اننا اشرنا في الشذرات إلى ان اصحاب الكساء هم خير الخلق على الاطلاق حتى المعصومين التسعة من اولاد الحسين (سلام الله عليهم). فلا يفضل الامامين الحسنين (عليهما السلام) من البشر احد الا الثلاثة الاخرين من اصحاب الكساء وهم جدهما وابوهما وامهما (سلام الله عليهم).
النقطة الثالثة : اننا نسمع في حديث الكساء انه يقول: (فلما اكتملنا جميعا تحت الكساء اخذ ابي رسول الله (صلى الله عليه واله) بطرفي الكساء واومأ بيده اليمنى إلى السماء وقال اللهم ان هؤلاء اهل بيتي وخاصتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم انا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم ومحب لمن احبهم انهم مني وانا منهم فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليهم واذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)). هذه اشارة واضحة إلى الاية الكريمة.
ثم يقول رسول الله (صلى الله عليه واله) ضمن الحديث الشريف: (والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل اهل الارض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا الا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة واستغفرت لهم إلى ان يتفرقوا.. ) إلى ان يقول (ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل اهل الارض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا وفيهم مهموم الا وفرج الله همه ولا مغموم الا وكشف الله غمه ولا طالب حاجة الا وقضى الله حاجته فقال علي (عليه السلام) إذن والله فزنا وسعدنا وكذلك شيعتنا فازوا وسعدوا في الدنيا والاخرة ورب الكعبة).
ومن فضائله (سلام الله عليه) الحديث الشريف المستفيض عن رسول الله (صلى الله عليه واله) والمروي بطرق الفريقين : (حسين مني وانا من حسين). وهذا معنى مروي بالنسبة إلى كل اصحاب الكساء وقد سمعنا قبل قليل في حديث الكساء قوله (صلى الله عليه واله) : (انهم مني وانا منهم)). وورد في الزهراء (عليها السلام) أيضاً عن رسول الله (صلى الله عليه واله) : (انها مني وانا منها وانها ام ابيها) وهي من اصحاب الكساء بطبيعة الحال.
وحقيقة ذلك من الاسرار الالهية التي لا يطلع عليها الا خاصة الخاصة ولكن فهمها ممكن ان يكون على عدة وجوه منها:
الوجه الاول : ان كون الحسن والحسين من رسول الله (صلى الله عليه واله) واضح لانتسابهم بالنسبة الحقيقية وكذلك انتساب الزهراء الى رسول الله (صلى الله عليه واله) واضح لانتسابها بالنسبة الحقيقية. واما كون النبي منهم فباعتبارهم سببا لنشر دينه وعلو الإسلام بجهادهم وجهودهم بما فيهم الحسين (عليه السلام) بتضحياته العظيمة والجليلة في واقعة الطف التي لولاها لمات دين الإسلام وانمسخت شريعة الله فقد احياها (سلام الله عليه) بمقتله وشهادته وبهذا صدق ان رسول الله (صلى الله عليه واله) من الحسين لان استمرار دينه حقيقة بسببه وكذلك الباقون من اصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن (عليهم السلام) بمشاركاتهم المهمة في نصرة الدين.
الوجه الثاني : انه لا تكون طاعة الا بطاعة الادنى فلا تكون طاعة الله الا بطاعة النبي (صلى الله عليه واله) ولا تكون طاعة النبي الا بطاعة الحسين (عليه السلام) وكذلك لا تكون طاعة الائمة (عليهم السلام) الا بطاعة العلماء والحوزة ولا تكون طاعة الحوزة الا بطاعة الوكلاء والمبلغين وهكذا فتكون طاعة الوكلاء هي طاعة الحوزة وطاعة الحوزة هي طاعة المعصومين وطاعة المعصومين هي طاعة رسول الله وطاعة رسول الله هي طاعة الله تعالى. فيكون من ضمن ذلك بل من اهم تطبيقاته ومصاديقه هو ان طاعة رسول الله (صلى الله عليه واله) بطاعة الحسين (عليه السلام) او قل ان طاعة الحسين هي طاعة رسول الله ومنه قزله تعالى : ((من اطلع الرسول فقد اطاع الله)).
الوجه الثالث : ان هذا الحديث (حسين مني وانا من حسين) مبني على المجاز والمجاز صحيح في اللغة بل هو الاتجاه الاغلب فيها وهو الاتجاه الاجمل فيها والادق تعبيرا والاكثر حسنا ادبيا حين لا يقوم التعبير الحقيقي به وذلك لمدى التقارب والتعاطف الواقعي بين رسول الله (صلى الله عليه واله) وهؤلاء الاربعة الباقون من اصحاب الكساء (عليهم السلام) بما فيهم الحسين (عليه السلام).
ومن مميزاته وصفاته الخاصة (سلام الله عليه) ماروي فعلا في مصادرنا ومعاش فعلا في اذهاننا ان الله تعالى جعل العلم من ذريته والاستجابة تحت قبته والشفاء في تربته. وكل هذه الامور قطعية ومجربة ما عدا ما خرج بدليل كما يعبرون لوجود المانع الشديد عن تطبيق هذه القاعدة على بعض الافراد بحيث يكون تطبيقها مخالفا للحكمة والا فمقتضى القاعدة تطبيقها على الجميع من المستحقين من البشر باستجابة الدعوة تحت قبته والشفاء من تربته.
وهنا ينبغي الاشارة باختصار إلى انه ليس كل دعاء فهو مستجاب وان الله تعالى قال : ((ادعوني استجب لكم ووعده الحق )) الا ان هذا لا ينطبق حسب الرغبة والشهوة ودعاوى النفس الامارة بالسوء بل لا ينطبق الا عندما يعلم الله سبحانه وتعالى بصدق النية وصدق التوجه وصدق الانقطاع الى الله سبحانه وعندئذٍ حاشا لله عز وجل ان يخلف وعده بالاجابة فاذا انضم الى ذلك بعض الامور الرئيسية المهمة عند الله عز وجل كما في الدعاء تحت قبة الحسين (عليه السلام) كان ذلك اولى بالاستجابة واعظم للاجر واعلى في الدنيا والاخرة.
والمعروف ان هذه الامور الثلاثة قد وهبت للحسين (عليه السلام) من الله سبحانه بازاء شهادته وتضحيته العظيمة التي لا مثيل لها في التاريخ البشري. مضافا الى امور اخرى كثيرة من اهمها درجات الاخرة التي نسمع عنها في الحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه واله) : (لك مقامات لن تنالها الا بالشهادة)). وقد مشى (سلام الله عليه) في هذا الطريق بهمة وطيبة قلب ولم يقصر طرفة عين.
بسم الله الرحمن الرحيم
انا انزلناه في ليلة القدر * وما ادراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من الف شهر * نتزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر * سلام هي حتى مطلع الفجر *
صدق الله العلي العظيم


توقيع : ابو غدير الساعدي
اللهم عجل لوليك الفرج
من مواضيع : ابو غدير الساعدي 0 عجيبة غريبة !!!!؟؟
0 هل أسم الأمام علي "ع" ثقيل على عائشة ؟؟
0 المخالفة الجلية في نصرة سبط خير البرية
0 الأثبات الكبير لظلامة السبط البشير "ع"
0 أين ذهبت ( حي على خير العمل ) من الآذان ؟؟

الصورة الرمزية ابو غدير الساعدي
ابو غدير الساعدي
عضو برونزي
رقم العضوية : 64616
الإنتساب : Mar 2011
المشاركات : 324
بمعدل : 0.06 يوميا

ابو غدير الساعدي غير متصل

 عرض البوم صور ابو غدير الساعدي

  مشاركة رقم : 40  
كاتب الموضوع : ابو غدير الساعدي المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-03-2011 الساعة : 06:02 PM


الجمعة الرابعة والثلاثون 14 شعبان 1419
الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
(قفوا جميعا لكي نرفع ايدينا بالدعاء).
(كل فقرة قولوا يا الله).
بسم الله الرحمن الرحيم (يا الله)
يا من اذا سأله عبد اعطاه (يا الله) واذا امل ما عند بلغه مناه (يا الله) واذا اقبل عليه اقبل عليه وادناه (يا الله) واذا جاهره بالعصيان ستر ذنبه وغطاه (يا الله) واذا توكل عليه احسبه وكفاه (يا الله) الهي من ذا الذي نزل بك ملتمسا قراك فما قريته (يا الله) ومن ذا الذي اناخ بباك مرتجيا نداك فما اوليته (يا الله) ايحسن ان ارجع عن بابك بالخيبة مصروفا (يا الله) ولست اعرف سواك مولى بالاحسان موصوفا (يا الله) كيف ارجوا غيرك (يا الله) والخير كله بيدك (يا الله) وكسف اؤمل سواك (يا الله) والخلق والامر لك (يا الله) ءاقطع رجائي منك (يا الله) وقد اوليتني ما لم اسأله من فضلك (يا الله) ام تفقرني الى مثلي (يا الله) وانا اعتصم بحبلك (يا الله) يا من سعد برحمته القاصدون (يا الله) ولم يشقى بنقمته المستغفرون (يا الله) كيف انساك ولم تزل ذاكري (يا الله) وكيف الهو عنك وانت مراقبي (يا الله) الهي بذيل كرمك اعلقت يدي (يا الله) ولنيل عطاياك بسطت املي (يا الله) فاخلصني بخالصة توحيدك (يا الله) واجعلني من صفوة عبيدك (يا الله) يا من كل هارب اليه يلتجي (يا الله) وكل طالب اياه يرتجي (يا الله) يا خير مرجو (يا الله) ويا اكرم مدعو (يا الله) ويا من لا يرد سائله (يا الله) ولا يخيب آمله (يا الله) يا من بابه مفتوح لداعيه (يا الله) وحجابه مرفوع لراجيه (يا الله) اسألك بكرمك ان تمن علي من عطائك (يا الله) بما تقر به عيني (يا الله) ومن رجائك (يا الله) بما تطمئن به نفسي (يا الله) ومن اليقين (يا الله) بما تهون به علي مصيبات الدنيا (يا الله) وتجلو به (يا الله) عن بصيرتي غشوات العمى (يا الله) برحمتك يا ارحم الراحمين (يا الله).
(الان نصلي على محمد وال محمد ونخص بالذكر مولانا صاحب الزمان (عليه افضل الصلاة والسلام) فكلما اقول فقرة قولوا يا صاحب الزمان).
اللهم صل على محمد وال محمد (يا صاحب الزمان) سلام على ال ياسين (يا صاحب الزمان) السلام عليك يا داعي الله (يا صاحب الزمان) ورباني اياته (يا صاحب الزمان) السلام عليك يا باب الله (يا صاحب الزمان) وديان دينه (يا صاحب الزمان) السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه (يا صاحب الزمان) السلام عليك يا حجة الله ودليل ارادته (يا صاحب الزمان) السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه (يا صاحب الزمان) السلام عليك في آناء ليلك واطراف نهارك (يا صاحب الزمان) السلام عليك يا بقية الله في ارضه (يا صاحب الزمان) السلام عليك يا ميثاق الله الذي اخذه ووكده (يا صاحب الزمان) السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه (يا صاحب الزمان) السلام عليك ايها العلم المنصوب (يا صاحب الزمان) والعلم المصبوب (يا صاحب الزمان) والغوث والرحمة الواسعة (يا صاحب الزمان) وعدا غير مكذوب (يا صاحب الزمان) السلام عليك حين تقوم (يا صاحب الزمان) السلام عليك حين تقعد (يا صاحب الزمان) السلام حين تقرأ وتبين (يا صاحب الزمان) السلام عليك حين تصلي وتقنت (يا صاحب الزمان) السلام عليك حين تركع وتسجد (يا صاحب الزمان) السلام حين تهلل وتكبر (يا صاحب الزمان) السلام حين تحمد وتستغفر (يا صاحب الزمان) السلام عليك حين تصبح وتمسي (يا صاحب الزمان) السلام عليك في الليل اذا يغشى (يا صاحب الزمان) والنهار اذا تجلى (يا صاحب الزمان) السلام عليك ايها الامام المأمون (يا صاحب الزمان) السلام عليك ايها المقدم المأمول (يا صاحب الزمان) السلام عليك بجوامع السلام (يا صاحب الزمان) ورحمة الله وبركاته (يا صاحب الزمان).
بسم الله الرحمن الرحيم
((ان الله لعن الكافرين واعد لهم سعيرا خالدين فيها ابدا لا يجدون وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا اطعنا الله واطعنا الرسولا وقالوا ربنا انا اطعنا ساداتنا وكبراءنا فاضلوما السبيلا ربنا اتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا يا ايها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)).
غدا يوم النصف من شهر شعبان وهو ليله ويومه لهما فضل عظيم عند الله سبحانه. ومن المناسبات الاكيدة لزيارة الحسين (عليه السلام) كما ان المشهور انه يوم ولادة الامام المهدي (عليه السلام) ومن هنا يحسن التعرض الى بعض الخصائص التي تخص الامام المهدي (عليه السلام). وبهذه العجالة اريد التعرض الى الحديث المشهور وهو ان الانتفاع به حال غيبته كالانتفاع بالشمس اذا غيبها السحاب. وهذا معنى مروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) فعن جابر بن يزيد الجعفي قال سمعت جابر بن عبد الله الانصاري يقول: لما انزل الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه واله) ((يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم)). قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن اولي الامر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك.فقال (عليه واله السلام) : هم خلفائي من بعدي يا جابر وائمة الهدى بعدي اولهم علي بن ابي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابرفاذا لقيته فأقرأه عني السلام ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي وكنيي حجة الله في ارضه وبقيته في عباده محمد بن الحسن بن علي ذلك الذي يفتح الله عز وجل على يديه مشارق الارض ومغاربها وذلك الذي يغيب عن شيعته واوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بامامته الا من امتحن الله قلبه للايمان. قال جابر: فقلت: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال : اي والذي بعثني بالحق انهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وان علاها سحاب يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه الا عن اهله …. الى آخر الخبر.
واود التعليق باختصار على بعض فقرات هذا الحديث :
اولا : ان تعداد الائمة (عليهم السلام) من قبل رسول الله (صلى الله عليه واله) بل حتى لو كان فرضا عن جابر بن عبد الله الانصاري (هذا خطاب لواحد يقول احتمال ان كون هذا التعداد كذبا)، فلربما هذا لم يحدث وكان بعض هؤلاء عقيما مثلا او انه ما او قتل قبل ان يولد له ولد وهكذا .. مع ان هذه السلسلة المباركة قد حدثت فعلا وهو موجودون بنفس هذا التسلسل بضرورة التاريخ. وهذا معناه ان جابر بن عبد الله كان واثقا من روايته عن رسول الله (صلى الله عليه واله) وكان رسول الله (صلى الله عليه واله) واثقا من الهام الله تعالى له ووحيه اليه جل جلاله. والمهم انها فعلا قد تحققت بلمس اليد.
ثانيا : انه يعبر عن الامام المهدي بـ(سميي وكنيي) يعني ان اسمه يشبه اسمي وهو محمد وكنيته تشبه كنيتي وهو ابو القاسم فان ابا القاسم كما هو من كنى رسول الله (صلى الله عليه واله) كذلك هو من كنى صاحب الزمان عجل الله فرجه.
ثالثا : انه (صلى الله عليه واله) قال في الحديث : (يفتح اللخ عز وجل على يديه مشارق الارض ومغاربها). اقول: يعني كل وجه الكرة الارضية وماذا يستطيع رسول الله (صلى الله عليه واله) ان يعبر في ذلك الحين الذي كان اغلب اجزاء الكرة الارضية مجهولا بحيث يكون التعبير بما يفهمه الناس ولا يستوحشون منه طبقا لقانون (كلم الناس على قدر عقولهم) الا ان يقول مشارق الارض ومغاربها.
رابعا : انه (صلى الله عليه واله) قال : (لا يثبت فيها (اي في عصر الغيبة) على القول بامامته الا من امتحن الله قلبه للايمان). اقول: لوضوح انه لو كان في النفس اقل ضعف او في الايمان اقل تدني او في القلب اقل وسوسة فان الامر سيكون صعب الاستهلاك بالنسبة الى الفرد وسوف تطرأ عليه الشبهات وتغيره الاهواء وترمي به الريح في مكان سحيق ولا يبقى على الثبات الحقيقي لليقين بالامامة الا من امتحن الله قلبه للايمان. وفي حديث آخر ما مضمونه: (ان الله تعالى علم ان اولياءه لا يشكون ولو علم انهم يشكون لما غيب الله عنهم وليه طرفة عين).
والمهم اننا جميعا انشاء الله بين مؤمن فعلا وبين من يكون في طريقه الى الايمان والمهم هو الاخلاص الذي ينفي الشك ويجعل للفرد همة الى الاسلام بكل تفاصيله سواء في اصول الدين او فروعه.
خامسا : انه (صلى الله عليه واله) قال : (يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه الا عن اهله). اقول : لان هذا النوع من التنبوء طويل الامد لم يكن مستساغا تجاه ضعف النفوس وضحالة المستويات يومئذٍ. ومن هنا كانت تعاليم المذهب بالمعنى الدقيق الذي نفهمه الان لا تصل الا الى الاوحدي من الناس ومن هنا توهم بعضهم في محمد بن الحسن ذي النفس الزكية انه هو المهدي وتزهم بعضهم ذلك في الامام الكاظم (عليه السلام) وفي الامام الرضا (عليه السلام). حتى ان دعبل الخزاعي (عليه الرحمة) الذي ذكر المهدي (عليه السلام) في قصيدته المشهورة سأله الامام الرضا (عليه السلام): فهل تدري من هذا الامام ومتى يقوم ؟ قلت : لا. الا انني سمعت يا مولاي بخروج امام منكم يملء الارض عدلا. فقال : يا دعبل الامام بعدي محمد ابني ومن بعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره ولو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملء الارض عدلا كما ملئت جورا.
فنرى ان الامام (عليه السلام) اخبر دعبل باسماء الائمة المعصومين (عليهم السلام) بعده وكان دعبل لا يعرفهم. فالمهم ان الصيغة الاساسية للمذهب كما نعرفها الان لم تكن معطاة الا للقليل من الناس القريبين من المعصومين. واما دعبل فقد قصده من بعيد ولم يكن منهم.
ومن جملة نتائج ذلك حصول الانقسامات في اهل المذهب الواحد كالزيدية والاسماعيلية والفطحية والواقفية او الواقفة وغيرهم وكذلك حصلت فرصة لجعفر بن علي الذي قد يسمى بالكذاب ان يجلس للمبايعة للامامة بعد اخيه الحسن العسكري (عليه السلام) ولو كان الناس واعين حقيقة لاصول المذهب لما ذهب اليه احد. وهذا كله ناشيء من كتمان الصيغة الاساسية :
اولا : لعدم تحمل كثير من الناس لتفاصيلها يومئذٍ.
ثانيا :للتقية من الاعداء.
ثالثا : للاختبار للجميع من حيث يرى من يفحص عن دينه ويدقق فيه او من يهمل ذلك.
رابعا : ما سمعناه عن الامام الجواد (عليه السلام) حين قال: (اسكت كما سكت اباؤك)، يخاطب نفسه طبعا. وقول احد المعصومين (عليهم السلام): (لو اذن لنا بالكلام لزال الشك).
خامسا : قول امير المؤمنين (عليه السلام) بحسب الرواية : (لا يزيد تفرق الناس عني وحشة). اقول : ان من يذهب عن الايمان وعن الجادة الحق، فانه يذهب حسب استحقاقه الى النار. وفي بعض الروايات ان رسول الله (صلى الله عليه واله) كان في مرضه الاخير الذي توفي فيه وكان عنده عبد الله بن العباس او العباس نفسه، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : حيثما يكون علي فكن. قال : يا رسول الله اذهب فاخبر الناس ؟ قال : لا، يفعل الله ما يشاء.
وعلى اي حال فان هذا الحديث الذي نتكلم عنه في ان المهدي حال غيبته كالشمس اذا غيبها السحاب مروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) كما هو مروي عن عدد من المعصومين (عليه السلام) كما هو مروي عن المهدي نفسه (عليه السلام) فيما خرج من توقيعاته خلال غيبته الصغرى.
اسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) ان يوصل كتابا سألت فيه عن مسائل اشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): اما ما سألت عنه ارشدك الله وثبتك من امر المنكرين لي من اهل بيتنا وبني عمنا فاعلم انه ليس بين الله وبين احد قرابة ومن انكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام) واما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل اخوة يوسف (سلام الله عليه) واما اموالكم فلا نقبلها الا لتطهر فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع فما اتنا الله خير مما اتاكم واما ظهور الفرج فانخ الى الله تعالى ذكره وكذب الوقاتون واما قول من زعم ان الحسين (عليه السلام) لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال واما الحوادث فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم واما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن ابيه من قبل فانه ثقتي وكتابه كتابي … الى ان يقول: واما علة ما وقع من الغيبة فان الله عز وجل يقول ((لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسوءكم)) انه لم يكن احد من ابائي الا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه واني اخرج حين اخرج ولا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي واما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا غيبها السحاب عن الابصار واني لامان لاهل الارض كما ان النجوم امان لاهل السماء فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ولا تكلفوا علم ما قد كفيتم واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج والسلام عليك يا اسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى.
اقول : واود ان اعلق باختصار على بعض فقرات هذه الرواية:
اولا : قال (عليه السلام) : (من امر المنكرين من اهل بيتنا وبني عمنا فاعلم انه ليس بين الله وبين احد قرابة ومن انكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام)) يعني طبقا لقوله تعالى: ((انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فلا تسألني عما ليس لك به علم)).
ثانيا : قوله : (واما اموالكم فما نقبلها الا لتطهر) يعني ليس في دفع الحقوق الشرعية اي خسارة وان كان ظاهرا كذلك الا انه الربح بعينه والبركة الحقيقية. اما ثواب الاخرة فواضح لكل عمل يقصد به المكلف امر الله تعالى ورضاه. واما في الدنيا فنحن موعودون فعلا ومجرب حقيقة وكثيرا بتنامي المال وزيادته بالانفاق الشرعي منه سواء كان مستحبا كالصدقة او واجبا كالزكاة والخمس ويضاعف الله لمن يشاء. مضافا الى التطهير المشار اليه في الرواية لان قال : (لتطهر) فان الاموال مهما كان حالها فانها تجمع من مختلف الناس ممن لا يدفع الزكاة او لا يدفع الخمس او حصل عليها بمعاملة باطلة او بارث لا يستحقه وغير ذلك كثير فتكون دفع الحقوق الشرعية تطهيرا ويبقى ما عندك حلالا مأذونا به بالولاية العامة المعطاة للمعصوميت (سلام الله عليهم).
ثالثا : انه قال : (واما ظهور الفرج فانه الى تعالى ذكره) يعني ليس لي ولا لاحد من خلقه وانما هو منوط بالله سبحانه و(كذب الوقاتون) فليس من حق احد ان يعطي وقتا معينا او ان يسأل عن وقته كما الان بعض الناس قالوا ان وقت الظهور قريب فانه كذب ومما لا دليل عليه.
رابعا : قوله : (واما الحوادث الواقع ةفارجعوا فيها الى رواة احاديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم) وظاهر (الحوادث الواقعة) هو الامور المستجدة او المسائل المستحدثة وان كان بحسب الواقع يعم كل الحوادث كما هوز واضح لان كل الحوادث الواقعة هي من الحوادث الواقعة. فيكون هذا الحديث الشريف من ادلة الولاية العامة، والظاهر من (رواة حديثنا) الذين يجب الرجوع اليهم ليس الحديث اللفظي وهو السنة الشريفة ليختص الامر بالرواة لها وانما يراد بالحديث مضمونه ومعانيه فيعم الفتوى والحكم بالولاية.
خامسا : قوله (عليه السلام) : (فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ولا تكلفوا (يعني لا تتكلفوا) ما قد كفيتم) يعني ما لم تكن مسؤوليته في ذمتكم. وهذا نحو مما سمعناه من انه احد الائمة (عليه السلام) : (لو اذن لنا بالكلام لزال الشك)، لان ظروف التصريح بالحق بتفاصيله الحقيقية والكثيرة غير متيسرة غالبا وضعف النفوس موجود والمرجفون الذين يحاولون التغليط موجودون باستمرار اذن فلا ينبغي التصريح بكل ما يعرفون (عليهم السلام) من التفاصيل.
سادسا : قوله (عليه السلام) : (واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج) وذا نحن نقول: اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه واجعلنا من اصحابه وانصاره وارزقنا خيره ورضاه في حال غيبته وعند ظهوره (قولوا آمين) (آمين).
غير انه ورد في السنة الشريفة ما مضمونه: (اللهم ارزقني من الرضا حتى بقضائك والتسليم بقدرك بحيث لا احبت عجيل ما اخرت ولا تاجيل ما قدمت) مع الالتفات الى ان تعجيل الظهور لو حصل لما كان في المصلحة لان الله تعالى انما يختار الظهور في الوقت المناسب له فلو حصل اسرع من ذلك لما كان في الوقت المناسب.الا انه مع ذلك يمكن حمل هذا الامر بالتعجيل على وجوه من الصحة:
الوجه الاول : ان الله تعالى قادر على تعجيل الوقت المناسب للظهور
الوجه الثاني : ان الله تعالى قادر على اعطاءه النصر علىكل حال وان لم يكن الوقت مناسبا.
الوجه الثالث : شد المحبين والموالين بالامام (عليه السلام) عاطفيا وتذكره دائما.
الوجه الرابع : دعم النفوس الضعيفة التي تشعر بقلة الصبر مع شدة انواع البلاء الدنيوي وان افضل من يستجار به بعد الله سبحانه هو امامنا الفعلي وقائدنا الحي الحقيقي الامام المهدي (عليه السلام). ونكمل في الخطبة الثانية انشاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين *
صدق الله العلي العظيم

الجمعة الرابعة والثلاثون 14 شعبان 1419
الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين
انا سوف اقرأ الدعاء وقولوا (يا الله).
الهي ان قل زادي في المسير اليك (يا الله) فلقد حسن ظني بالتوكل عليك (يا الله) وان كان جرمي قد اخافني من عقوبتك (يا الله) فان رجائي بالامن من نقمتك (يا الله) وان كان ذنبي قد عرضني لعقابك (يا الله) فقد آذنني حسنثقتي بثوابك (يا الله) وان انامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك (يا الله) فقد نبهتني المعرفة بكرمك والائك (يا الله) وان اوحش ما بيني وبينك فرط العصيان والطغيان (يا الله) فقد آنسني بشرى الغفران والرضوان (يا الله) اسألك (يا الله) بسبحات وجهك وبانوار قدسك (يا الله) وابتهل اليك (يا الله) بعواطف رحمتك (يا الله) ولطائف برك (يا الله) ان تحقق ظني بما اوله من جزيل اكرامك (يا الله) وجميل انعامك (يا الله) في القربى منك (يا الله) والزلفى لديك (يا الله) والتمتع بالنظر اليك (يا الله) وها انا متعرض لنفحات روحك وعطفك (يا الله) ومنتجع غيث جودك ولطفك (يا الله) فار من سخطك الى رضاك (يا الله) هارب منك اليك (يا الله) راجٍ احسن ما لديك (يا الله) معول على مواهبك (يا الله) مفتقر الى رعايتك (يا الله) الهي (يا الله) ما بدأت به من فضلك فتممه (يا الله) وما وهبت لي من كرمك فلا تسلبه (يا الله) وما سترته علي (يا الله) بحلمك فلا تهتكه (يا الله) وما علمته من قبيح فعلي (يا الله) فاغفره (يا الله) الهي استشفعت بك اليك (يا الله) واستجرت بك منك (يا الله) اتيتك طامعا في احسانك (يا الله) راغبا في امتنانك (يا الله) مستسقيا وابل طولك (يا الله) مستمطرا غمام فضلك (يا الله) طالبا مرضاتك (يا الله) قاصدا جنابك (يا الله) واردا شريعة رفدك (يا الله) ملتمسا سني الخيرات من عندك (يا الله) وافدا الى حضرة جمالك (يا الله) مريدا وجهك (يا الله) طارقا بابك (يا الله) مستكينا لعظمتك (يا الله) وجلالك (يا الله) فافعل بي ما انت اهله (يا الله) من المغفرة والرحمة (يا الله) ولا تفعل بي ما انا اهله (يا الله) من العذاب والنقمة (يا الله) برحمتك يا ارحم الراحمين (يا الله).
(الان في كل فقرة قولوا يا صاحب الزمان مرة اخرى)
اللهم صل على محمد وال محمد (يا صاحب الزمان) السلام على الحق الجديد (يا صاحب الزمان) والعالم الذي علمه لا يبيد (يا صاحب الزمان) السلام على محيي المؤمنين (يا صاحب الزمان) ومبير الكافرين (يا صاحب الزمان) السلام على مهدي الامم (يا صاحب الزمان) وجامع الكلم (يا صاحب الزمان) السلام على خلف السلف (يا صاحب الزمان) وصاحب الشرف (يا صاحب الزمان) السلام على حجة المعبود (يا صاحب الزمان) وكلمة المحمود (يا صاحب الزمان) السلام على معز الاولياء (يا صاحب الزمان) ومذل الاعداء (يا صاحب الزمان) السلام على وارث الانبياء (يا صاحب الزمان) وخاتم الاوصياء (يا صاحب الزمان) السلام على القائم المنتظر (يا صاحب الزمان) والعدل المشتهر (يا صاحب الزمان) السلام على السيف الشاهر (يا صاحب الزمان) والقمر الزاهر (يا صاحب الزمان) والنور الباهر (يا صاحب الزمان) السلام على شمس الظلام (يا صاحب الزمان) والبدر التمام (يا صاحب الزمان) السلام على ربيع الانام (يا صاحب الزمان) ونظرة الايام (يا صاحب الزمان) السلام على صاحب الصمصام (يا صاحب الزمان) وفلاق الهام (يا صاحب الزمان) السلام على الدين المأثور (يا صاحب الزمان) والكتاب المسطور (يا صاحب الزمان) السلام على بقية الله في بلاده (يا صاحب الزمان) وحجته على عباده (يا صاحب الزمان) المنتهى اليه مواريث الانبياء (يا صاحب الزمان) ولديه موجود اثار الاصفياء (يا صاحب الزمان) السلام على المؤتمن على السر (يا صاحب الزمان) والولي للامر (يا صاحب الزمان) السلام على المهدي الذي وعد الله عز وجل به الامم (يا صاحب الزمان) ان يجمع به الكلم (يا صاحب الزمان) ويلم به الشعث (يا صاحب الزمان) ويملء به الارض قسطا وعدلا (يا صاحب الزمان) ويمكن له (يا صاحب الزمان) وينجز به وعد المؤمنين (يا صاحب الزمان) اشهد يا مولاي (يا صاحب الزمان) انك والائمة من ابائك (يا صاحب الزمان) ائمتي ومواليي (يا صاحب الزمان) في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد (يا صاحب الزمان) اسالك يا مولاي يا صاحب الزمان (يا صاحب الزمان) ان تسأل الله تبارك وتعالى (يا صاحب الزمان) في صلاح شأني (يا صاحب الزمان) وقضاء حوائجي (يا صاحب الزمان) وغفران ذنوبي (يا صاحب الزمان) والاخذ بيدي (يا صاحب الزمان) في ديني ودنياي وآخرتي (يا صاحب الزمان) لي ولاخواني (يا صاحب الزمان) واخواتي المؤمنين والمؤمنات كافة (يا صاحب الزمان) انه غفور رحيم (يا صاحب الزمان).
بسم الله الرحمن الرحيم
((ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتولت وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين)).
نكمل الان ما بدأناه في الخطبة الاولى.
الوجه السابع : انه قال (عليه السلام) في الحديث الشريف : (واما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا غيبها السحاب عن الابصار واني لامان لاهل الارض كما ان النجوم امان لاهل السماء). فهو يمثل وجوده الشريف بالشمس ومنافعه بنورها المشرق ويمثل الغيبة بالسحاب الذي قد يحجب الشمس عن الابصار. ولكنه معذلك لايمنعها عن التأثير ولا يمكن ان يمنعها عن ارسال منافعها الى الارض في سلامة الانسان والحيوان والنبات وغير ذلك. ومن الواضح انه خلال الغيبة لا يوجدتعرف على شخصه الكريم ولايوجد بين احد وبينه كلام وسؤال وجواب.
ومن هذه الناحية اثيرت الشبهة في عدم الانتفاع به حال غيبته كأن الانتفاع منحصر بالسؤال والجواب والتصدي للعمل المكشوف والمعروف مع ان هذا باطل قطعا كما سنسمع في الوجوه التالية:
اولا : ما بينه بنفسه (سلام الله عليه) من وجه الاستفادة حال الغيبة بقوله: (واني لامان لاهل الارض كما ان النجوم امان لاهل السماء) اما كونه امانا لاهل الارض فهذا ما يحصل بمجرد وجوده الشريف على الارض اذ يدفع الله به كثير من البلايا المحتملة والممكنة برحمة الله تعالى وحسن رعايته له ولنا والا فالذنوب التي ترتكب على وجه الارض تستحق عقابا شديدا جدا بحيث كانت العقوبات التي تأتي قبل الاسلام على الامم المذنبة من الطوفان والخسف والقذف وغيرها انما هي على ذنوب اقل من الذنوب التي يرتكبها البشر في هذه العصور المتأخرة. كيف ونحن نسمع قوله تعالى ((ولو يؤاخذ الله الناس بذنوبهم ما ترك عليها من دابة)) يعني لاهلك كل الارض ومن عليها من انسان وحيوان. ولكنه جل جلاله لا يفعل ذلك لعدة امور في حكمته منها احترام اوليائهما فيه وجود الامام المهدي (عليه السلام) حيا على وجه الارض وكذلك ببركة وجود المعصومين ومراقدهم (سلام الله عليهم) وقد سمعنا في الحكمة انه (لولا شيوخ ركع واطفال رضع وبهائم ركع لصب البلاء على اهل الارض صبا)). وطبعا فان الامام (عليه السلام) اولى من يكون بهذه الصفة القدسية.
واما كون النجوم امان لاهل السماء فاوضح تفسير لها مستفاد من قوله تعالى : ((ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين)) وقوله عن لسان الجن والشياطين : ((وانا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا)) وبالتالي فان الجن والشياطين ممنوعون من الوصول الى السماء وازعاج اهلها والسبب في ذلك بنص الاية هو الشهاب والشهب صادرة عن النجوم واجزاء منفصلة عنها لا محالة فتكون النجوم سببا لامان اهل السماء من الشياطين والمردة فكلما صعد شيطان طرد وضرب بالشهاب فنزل.
ثانيا : انه (سلام الله عليه) ليس فقط يندفع به البلاء كما قلنا في النقطة الاولى بل يحصل به الخير والنعماء وتستمطر ببركته السماء ويستجاب به الدعاء. وفي الزيارة: (وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها وبكم تنبت الارض اشجارها وبكم تخرج الارض ثمارها وبكم ينزل الله الغيث). واذا رأيت شخصا طيب القلب نير الوجه مرتاح له فانك تقول عنه انه تستمطر به السماء. ونسمع قول ابي طالب (عليه الرحمة والرضوان) في مدح النبي (صلى الله عليه واله): وابيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للارامل
فالمعصومون (عليهم السلام) مصدر الخير والبركة والعطاء لاهل الارض جميعا متمثلين بوجودهم الفعلي ووارثهم الحقيقي بقية الله في ارضه الامام المهدي (عليه السلام).
ثالثا : انه (عليه السلام) المنقذ لمن استجار به في حال الضرورات والبلاء المستحكم والقصص كثيرة في انقاذ اشخاص عديدين جدا خلال التاريخمن مهالك حقيقية. وسمعت بخبر مطول يذكر انواع الاستجارة باشخاص المعصومين (عليه السلام) وواحد منهم يستجار به لدى الفقر وآخر يستجار بع لدى المرض .. وهكذا، ثم يقول ما مضمونه واستجر بالمهدي اذا وصل السيف الى هنا (يشير الى رقبته).
رابعا : ان له الولاية التكوينية على العالم شأنه في ذلك شأن المعصومين الاخرين من ابائه ولولا وجوده لانقطعت هذه الولاية وحاشا لله من ذلك. ونحن نسمع في الزيارة انه يقول عن اهل بيت العصمة : (ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم وتصدر عن بيوتكم والصادر مما فصل من احكام العباد)).
ونحن المذنبون القاصرون المقصرون نجهل شكل لك التصرف وهذه العناية المقدسة لانها اعلى بكثير من فهمنا وادراكنا.
خامسا : ما ورد انه لولا وجود الامام في اي عصر لساخت الارض باهلها او بمن عليها وهي روايات مستفيضة ومعتبرة وقد اخرجها الشيخ الكليني (عليه الرحمة) في الكافي وغيره. وهو نحو من الحفظ لاهل الارض ويمكن ايضا ان نفسر به قوله (عليه السلام) : (واني امان لاهل الارض) يعني من امثال هذه الامور المهلكة.
سادسا : اننا في تاريخ الغيبة الكبرى عرضنا اطروحتين لمفهوم الغيبة والظاهر ان اغلبكم مسبوقين بها. احداهما اطروحة خفاء الشخص والاخرى اطروحة خفاء العنوان. والمراد من اطروحة خفاء الشخص ان يكون الشخص موجودا قريبا منا مثلا الا انه مختفي لا نراه بالقدرة الالهية وهذا هو الاسلوب المرتكز للمتشرعة في فهم الغيبة وان الامام الغائب انما هو مختفي بهذا المعنى. يقابل ذلك اطروحة خفاء العنوان والمراد بها ان يكون الشخص مرأيا ومعروفا الا انه معروف بغير اسمه الحقيقي وصفته الواقعية، فمثلا نقول هذا الحاج سعيد الخياط واني رأيته وكلمته ونحو ذلك في حين يكون هو المهدي (عليه السلام) ويحرم عليه (المهدي (سلام الله عليه) ) ان يكشف عن صفته الواقعية التي انه هو المهدي الا ان يأذن الله تعالى له بالظهور.
ويمكن ان نتصور له خلال الغيبة عدة اسماء من هذا القبيل وعدة اعمال اقتصادية او غيرها وعدة اماكن يسكن فيها يعني انه يسكن في كل مدة في مدينة او منطقة ونحو ذلك وقلنا هناك ان الغيبة لا تتوقف لا تتوقف على اطروحة خفاء الشخص دائما كما عليه ارتكاز المتشرعة وخاصة بعد ان جاءت الاجيال المتأخرة عن الغيبة الصغرى وهي لا تعرف شخص الامام ولا تميز وجهه عن غيره بطبيعة الحال فهو يستطيع ان يعيش بحرية طبقا لاطروحة خفاء العنوان بدون ان يلتفت اليه احد ويستحيل ان يتعرف عليه احد حتى امريكا واسرائيل. ويؤيد ذلك ما ورد من انه يطأ بسطهم ويحضر مواسمهم ويحضر الحج ويزور ابائه المعصومين (عليهم السلام) كما يؤيد ذلك ما ورد من انه (عليه السلام) اذا ظهر قال جماعة من الناس انا رأيت هذا الشخص او كنت قد رأيته. يعني رأه بدون ان يعرفه طبعا ولو كان قد عرفه في حال غيبته بحقيقته لما قال ذلك بطبيعة الحال. والمهم الان انه (سلام الله عليه) بهذه الشخصية الظاهرية او الثانوية التي يخفي بها حقيقته يستطيع ان يعمل الكثيرة المناسبة مع مصلحة والمرضية لرب العالمين كيف لا وهو يعلم بينه وبين الله حقيقة نفسه كما يعلم (سلام الله عليه) بالوجه الحقيقي للمصلحة في اي مكان وزمان وبهذا ونحوه قوله (عليه السلام) في رواية الاحتجاج للطبرسي بما مضمونه القريب: (انه لولا عتايتنا بكم لاصطلمكم الاعداء ولاخذتكم اللئواء).
سابعا : اننا لو تنزلنا عن ذلك امكن التمسك بما دل من الاخبار على وجود بعض المتصلين بالامام خلال الغيبة ممن يعرفه على حقيقته وان كانوا مجهولين لنا تماما ويؤيد ذلك ما قاله علماؤنا (عليهم الرحمة) من ان الذي يحجب عن الامام هو الذنوب ومن يحجب عن الامام هو المذنب فمن كان لا ذنب له فالامام غير محجوب عنه كما يؤيده ما ورد من قولهم : (وما بثلاثين من وحشة يعني ان هناك ثلاثين نفر من كل جيل او في كل جيل يتصلون به يستأنس بهم ويرفعون وحشته وهو ساكن بعيدا عن مدن الظالمين ومجتمع الكفار والمنافقين كما هو وارد في اخبار اخرى.
فالمهم انه (سلام الله عليه) يستطيع ان ييستغل اتصال هؤلاء به ومعرفتهم اياه وتشرفهم بخدمته في توسيطهم لنفع المجتمع بالشكل الذي يعرقه هو من المصلحة وبالشكل الذي هم يطيقونه ويستطيعونه من الاعمال والاقوال.
ثامنا : ما قاله بعض اساتذتنا (قدس سره) كاطروحة من اننا يمكن ان نقول ان كل عمل من اعمال الخير العام وكل مصلحة نافعة للمجتمع يكون هو (عليه السلام) المؤثر فيها والواضع للحجر الاساسي لها باللغة الحديث لو صح التعبير وذلك باشعار معين من قبله او تصرف خاص مهما كان بسيطا لكنه يعلم انه سوف يتطور ويكون بهذا الشكل من السعة والخير لكثير من الناس او لكل الناس.
تاسعا : ما ذكرناه في تاؤيخ الغيبة الكبرى من ان الغيبة الكبرى تتضمن طول العمر المتزايد للامام (عليه السلام) وطول العمر يقتضي طبعا لا محالة مواكبة كثير من الاجيال من البشرية مما يتيسر له خلال ذلك الاطلاع علىالكثير من التجارب والاراء والفلسفات والاطلاع ايضا على نقاط الضعف للانظمة والحكام والاتجاهات الباطلة والدول الكافرة الامر الذي ييسر له ثقافة عامة ومعمقة تفيده جدا بالانتصار عند ظهوره باعتباره تطبيقا لتلك الخبرات التي كان قد اكتسبها من مرور الاجيال خلال عمره الطويل الشريف.
وهذه وجهة نظر طيبة لو اقتصرنا على مستواها الا انها بطبيعة الحال مبنية على تصور معين للمعصومين وبالتالي للامام المهدي نفسه (عليه افضل الصلاة والسلام) بحيث يستفيد من التجارب الدنيوية ويحصل مضمونا متزايدا خلال عمره الطويل وهذا يعني انه لولا هذه التجارب ولولا عمره الطويل لفشل حال ظهوره ولم يكتب له النصر. وهذا فيه فائدة القول بضرورة الحصول الغيبة وطول العمر للامام (عليه السلام) لانه مما يتوقف عليه انتصاره وكل ما يتوقف عليه انتصاره فهو لازم بحسب الحكمة الالهية لان ظهوره وعد والله لا يخلف الميعاد الا ان تصور الامام بهذا المستوى الدنيوي المتدني بحيث يستفيد من التجارب وتحصل له خبرة جديدة لم تكن حاصلة من قبل مخالفة لما نعرفه من استغناء الامام وكل المعصومين فردا فردا عن كل ذلك بوجوده النوراني العالي الشأن المدعم بالتسديد الالهي وبالنظر الرباني وبه يستغني عن الدنيا وما فيها ومن فيها. نعم طول العمر مفيد بالنسبة اليه فيما سميناه بتكامل ما بعد العصمة من حيث ان الكمال لا متناهي الدرجات وكلما يصل الفرد مرحلة منه يستحق المرحلة التي بعدها وهذا شامل حتى للمعصومين بالذات (عليهم السلام) وحيث نعلم ان الدار الدنيا دار تكامل او هي الدار الانسب له اذن فطول العمر للمؤمن (نفترض اي مؤمن) يقتضي زيادة حسناته وقلة سيئاته وزيادة توبته وخشوعه وبالتالي يؤدي الى تكامله المعنوي المستمر فكيف بالمعصوم (عليه السلام) وكلما كان العمر اطول كان ذلك اعمق واوضح كلما في الامر ان هذا لا يحدث لسائر الناس لان في زيادة العمر صعوبات ومسؤوليات ونتائج كثيرة وعجيبة وغريبة لا يتحملها الفرد ولا يتحملها المجتمع مضافا الى انها تكون في الفرد زيادة في عيوبه وذنوبه ويكون الموت له خلاصا من الذنوب والعيوب والبلاء ومبادرة الى الحصول على الثواب.
ونكتفي بهذا المقدار من المصالح لضيق الوقت، لاننا ينبغي في نهاية الخطبة ان نشير الى موضوع لا يخلو اهمية من اهمية وهو ان المؤمنين جزاهم الله خير جزاء المحسنين استجابوا للدعوة التي وجهتها لانجاز مجسم او نصب يرمز الى صلاة الجمعة وقد وصلتنا كثيرا من هذه الصور والنصب. وهذه الاستجابة بشارة خير تدل على الحق والصلاح من عدة جهات اهمها اثنان من جهة العلة ومن جهة المعلول.
اما من جهة العلة والسبب فلوضوح همتهم في ذلك ورغبتهم اليه وتحمسهم له لانهم يجدون فيه خدمة والنفع لشريعة سيد المرسلين وشعيرة من شعائر المذهب جزاهم الله خير جزاء المحسنين.
واما من جهة المعلول فقد ظهر بوضوح ما كان خافيا على الكثيرين وهو وجود طاقات مخزونة لدى الكثير من الافراد تحتاج في انجازها وتفجيرها والاستفادة منها الى فرصة متاحة وانه بمجرد ان اتيحت هذه الفرصة بادر المؤمنون لابراز قابلياتهم ومقدراتهم في هذا الصدد وبالتاكيد فان في المجتمع طاقات مخزونة في كثير من الجهات والاختصاصات كل ما في الامر انها لم تكن تستغل في مصلحة الدين وانما هي مقتصرة لمصالح الدنيا مع شديد الاسف. والسبب الرئيسي في ذلك مضافا الى صعوبة الوقت كما يعبر ون عدم وجود حافز ديني لهم للعمل بابراز طاقاتهم وقابلياتهم لان المسلك التقليدي للحوزة وهو السكوت والاعراض عن المجتمع لا يهتم بذلك كما هو واضح وانا لله وانا اليه راجعون.
والان ينبغي اعلان امرين:
الامر الاول : انه سيكون المعرض لهذه النصب في مدرسة البغدادي التي هي محل دراسة جامعة الصدر الدينية ويستمر المعرض من اليوم السادس عشر من شهر شعبان الحالي يعني يوم السبت ليلا الى اليوم الخامس عشر من شهر رمضان اذا بقيت الحياة وان ذهبت الحياة فسوف اذهب وضميري مرتاح ويكفي ان في موتي شفوة وفرحا لاسرائيل وامريكا وهذا غاية الفخر في الدنيا والاخرة. والدعوة عامة للجميع لمشاهدة المعرض في الساعات المحددة له واذا اراد بعض الفنانين المشاركين في انجاز هذه النصب الحضور في هذا المعرض لايضاح افكارهم للاخرين فاهلا وسهلا بهم.
الامر الثاني : اننا نجعل مسابقة جديدة ومضمونها بسيط وهو نظم قصيدة شعرية بمناسبة شهر رمضان المبارك وصومه وعبادته بالشروط التالية :
1- ان تكون باللغة الفصيحة لا العامية.
2- ان لا تقل عن عشرة ابيات ولا حد لا اكثرها.
3- ان تقدم الينا من الان الى آخر شهر رمضان في عيد الفطر.
4- ان لا يكون فيها اسم السيد محمد الصدر اطلاقا.
واننا نعطي للفائزين الخمسة الاوائل جوائز للتبرك بعونه سبحانه وتعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم


توقيع : ابو غدير الساعدي
اللهم عجل لوليك الفرج
من مواضيع : ابو غدير الساعدي 0 عجيبة غريبة !!!!؟؟
0 هل أسم الأمام علي "ع" ثقيل على عائشة ؟؟
0 المخالفة الجلية في نصرة سبط خير البرية
0 الأثبات الكبير لظلامة السبط البشير "ع"
0 أين ذهبت ( حي على خير العمل ) من الآذان ؟؟
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 06:06 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية