|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77449
|
الإنتساب : Feb 2013
|
المشاركات : 320
|
بمعدل : 0.07 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الرحيق المختوم
المنتدى :
المنتدى العقائدي
وقفة عند أسرار الولاية 18
بتاريخ : 11-05-2013 الساعة : 08:30 AM
استخدام الولاية لأدوات السلطة على نطاق محدود
لابدّ لأي حكومة ومن أجل أن تتسنى لها إدارة شعبها وتحافظ على بقائها أن تستخدم خمس أدوات نسميها «أدوات السلطة». وهي: القوة القهرية والثروة والقانون والإعلام والعمل السياسي. نحن في هذا الفصل سوف نقف عند شأن هذه الأدوات في الحكومة الولائية وندرس نطاق استخدام الوليّ وقائد المجتمع لها. وفي سبيل اتضاح الحدود المعترف بها عند النظام الولائي في استخدام هذه الأدوات، لابدّ لنا أن نقارن أحيانا بين الأنظمة المتمظهرة بالديمقراطية الحاكمة على ما يسمّى بالبلدان المتطورة الغربية.
قبل الخوض في هذا البحث ينبغي أن نؤكد هنا بأن كلّ ما يدعو إلى الفخر والشرف في مفهوم الولاية إنما هو راجع إلى أسلوب الولاية في استخدام هذه الأدوات. يعني لا ندّعي أن الولاية لا تستخدم هذه الأدوات إطلاقا، بل ما ندعيه هو أنها لا تتعاطاها على سبيل الطغيان وبلا نطاق. فمن أجل اتضاح المعنى، لا بأس قبل الخوض في تفاصيل البحث، نلقي نظرة على الآية 112 من سورة هود المباركة التي أشار إليها النبي (ص) بأنها السبب في مشيبه.[1]
في هذه الآية المباركة، أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه بالاستقامة: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَن تَابَ مَعَكَ وَ لَا تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير). إنها في الواقع تبيّن منهج الولاية في عملها وحركتها. يقول الله سبحانه للنبيّه استقم كما أمرت، ومعنى هذه الاستقامة هو أن يكون النبيّ بصدد إكمال العمل الذي شرع به ويعدّ خطّته في سبيل استمرار هذه الحركة ودوامها. ولمن نال شيئا من السلطة هناك مئات الأساليب تتاح له حتى يستعين بها على إبقاء دولته ودوام حكومته، أما في هذه الآية يقول الله سبحانه ليس لك إلا أن تستمرّ على أساس ما أمرتك به.
من أجل اتّضاح المراد من «كما أمرت» افترضوا معلّما مندوبا من قبل وزارة التربية والتعليم إلى إحدى القرى لكي يتكلم مع أبناء القرية ويقنعهم بأي نحو كان على تأسيس مدرسة ودراسة أبنائهم فيها. بطبيعة الحال لم يعبأ به أحد في بادئ الأمر، ويزعم الجميع أنه إذا انشغل أبناؤهم بالدراسة سوف لا يعينونهم في المشاغل والأعمال، وقد يواجهونه بشدّة، ولكنه كان يتعامل معهم بالرأفة والتواضع، وبذلك استطاع أن يأخذ مأخذه في قلوبهم وينشئ المدرسة. وبعد مضيّ نيّف من السنين يبلغ عدد طلابها إلى مئتين طالب مثلا. فافترضوا بعد مضي عشر سنين من حصوله على المنصب والقدرة في تلك القرية، يأتي رجل من قرية أخرى ويبادر بشتمه والاستهزاء به، فإذا واجهه هذا المعلم بنفس تلك الابتسامة التي كان يواجه بها أبناء القرية في أيامه الأولى، فقد اتخذ موقفه بمقتضى «کما أمرت». أما إذا عاف ابتسامته الأولى وراح يواجهه بطريقة أخرى، فإنما قد طغى ولم يعمل بمقتضى «کما أمرت».
وكذلك الأمر بالنسبة للولاية، فلابدّ لها أن تمارس الولاية مثل هذا المعلم. فحتى لو كانت الولاية قادرة على استخدام ما ناشته يدها من أدوات في سبيل تعزيز حكومتها، بيد أنها ملزمة باستخدامها ضمن النطاق المسموح لها من قبل الله، وهو نطاق احترام كرامة الناس. ثم في ذيل هذه الآية يخاطب الله نبيه (ص) وأتباعه بقوله «ومن تاب معك» ويمنعهم من الطغيان؛ «ولا تطغوا»، ما يدلّ على أن قوله «کما أمرت» يحكي عن الاستقامة التي لا يصحبها طغيان.
إن استطعنا أن نجسّد منهج الولاية في إدارة المجتمع لجميع أهل العالم، سوف يتلهّف جميع الناس في مختلف أرجاء العالم إلى هذا المفهوم. وبالمناسبة إن سبب مظلومية جميع أولياء الله على مرّ التاريخ راجع إلى أسلوب استخدامهم لأدوات القوة. و سوف يظهر إمام زماننا (عج) بعد ما يأمن المظلومية بالرغم من استخدامه لأدوات القوة على نطاق محدود.
1ـ القوة القهرية
واحدة من أدوات القوة التي هي في متناول الحكّام ليديروا بها المجتمع هي سياسة القوة واستخدام القوة القهرية. طبعا أصبح هذا الأسلوب اليوم غير ممكن للاستخدام الواسع. اليوم حتى أشرس الطواغيت لم يعد قادرا على استخدام هذه الأداة بلا قيد وحدود. كان استخدام هذا الأسلوب أيسر سابقا. ففي الأزمنة الماضية كان إذا تمرّد أحد على رأي الملك يلقى بيد الجلّاد، أما الآن فباتت هذه الأساليب غير ميسورة. طبعا لا تزال بعض الحكومات تتعاطى هذا الأسلوب بلا أيّ حدّ وقيد حفاظا على أريكتها، أمّا في ما يسمى بالبلدان الديمقراطية الغربية، فلم يعد الاستخدام المطلق لهذا الأسلوب أمرا متعارفا.
ولا شكّ في أن الولاية لن تستخدم هذه الأداة بلا قيد وحدود، كما أن في صدر الإسلام لم يتعاطَ النبيّ (ص) ولا أمير المؤمنين (ع) هذه الأداة على نطاق غير محدود. فباعتبار أن هذا الموضوع ليس محلا للنزاع ولا ينادي به أحد في عالمنا اليوم، نكتفي بذكر مثال واحد عن سيرة حكومة أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
بعد هلاك يزيد، تآمر مروان بن الحکم على «معاوية بن يزيد» واتكأ على أريكة الحكم. وبعد فترة من الزمن وعندما قُتل مروان على يد زوجه، تقلّد الخلافة ابنُه «عبد الملك». فعيّن عبد الملك حجاج بن يوسف الثقفي واليا على العراق. فكانت قد خرجت في تلك الفترة بعض الاحتجاجات ضدّ الحكومة في «رامهرمز»، بيد أن أهل الكوفة لم يكونوا مستعدّين لمواجهة المحتجّين وكانوا قد تخلفوا عن جيش مهلّب ورجعوا إلى الكوفة. فاتّجه الحجّاج صوب الكوفة وارتقى منبر الكوفة منذ وصوله مباشرة فخطب بأهلها وقال: «...إني لأرى رؤوساً قد أينعت و حان قطافها , و إني لأنظر إلى الدماء بين العمائم و اللحى... إن أمير المؤمنين عبد الملك نشر كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرها عوداً و أصلبها مكسراً, فوجهني إليكم...» إلى أن قال: «و الله لتسقيمن على سبيل الحق أو لأدعن لكل رجل منكم شغلاً في جسده أو لأهبرنكمبالسيف هبراً يدع النساء أيامى , و الولدان يتامى...». بعد ثلاثة أيام من خطبته جاءه رجل كبير وقال له: "إني شيخ كبير عليل، وهذا ابني حنظلة وليس في بني تميم رجل أشدّ منه ظهرا وبطشا فإن رأيت أن تخرجه مكاني فافعل». فأمر الحجاج بضرب عنقه فضربوا عنقه. بعد ذلك تطايرت عصاة الجيوش إلى جيش مهلّب ولم يتخلف عنه حتى رجل واحد. شاهد الكلام هو أنه ألم يستطع أمير المؤمنين (ع) أن يستخدم هذا الأسلوب في تجييش الجيش ضدّ معاوية؟ فلا شكّ في أن أمير المؤمنين (ع) كان يعرف نفسية أهل الكوفة جيدا،[2] بيد أن الولاية لا تستخدم أيّة أداة من أدوات القوّة بلا قيد وحدود.
يتبع إن شاء الله...
[1]شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید، ج11، ص213.
[2] حيث قال لهم أمير المؤمنين (ع) في كلام يخاطب فيه أهل الكوفة: «عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم، وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا، وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا، ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف، وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي...» (الاحتجاج، لأحمد بن علي الطبرسي، ج1، ص256)
|
|
|
|
|