|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77449
|
الإنتساب : Feb 2013
|
المشاركات : 320
|
بمعدل : 0.07 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الرحيق المختوم
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 6-5
بتاريخ : 25-05-2014 الساعة : 02:47 PM
اسمحوا لي أن أشرح لكم معنى الشكر جيدا. فلا تسمحوا لأنفسكم أن تكونوا بسطاء وتشكروا الله ببساطة وبدون تعمق. ما معنى شكرا لله؟ ولماذا تقول: إلهي شكرا لك؟ هل لأنه أنقذك من مرضك؟ طيب، من الذي أمرضك أساسا؟ اذهب وعاتب ربك وقل له لماذا أزعجتني وأنزلت عليّ المصائب؟ هل هديتني إلى طبيب جيّد فداواني؟ فلماذا أمرضتني أساسا؟ وهل قد هديتني إلى قاض جيد ليحكم بيني وبين خصمي؟ لماذا سمحت أن يتنازع الناس بينهم أساسا؟!
أتدرك ماذا أقول أخي العزيز؟! فإنك إن لم تدرك فلسفة الحياة وهي العناء وإن لم تع فلسفة وجودك وهو الكبد، عند ذلك كلما أعطاك الله ورزقك من نعم، لا تزال تشعر بأنك تطلب الله. إذ تقول: هو الذي خلقني فكان لابدّ له أن ينعم علي وإلا لمتّ من الجوع! عند ذلك كلما يقال لك اشكر ربك تقول: لماذا أشكره؟ لماذا أفقرني؟ ولماذا أمرضني؟ ولماذا أوقعني في مشاكل؟
إن لم تدرك فلسفة حياتك وهويتك لا تستطيع أن تشكر الله أبدا. فإن أراحك ونفّس عليك في خضمّ محن الدنيا وآلامها، تعتبرها لا شيء، ثم ينصرف ذهنك عنها إلى مشاكل حياتك وآلامك ومعاناتك. فهل يبقى لك حينئذ شيء باسم الأخلاق؟ وهل يمكن أن يتحدث معك أحد عن الله وشكر الله؟! وهل سوف تعبد الله وهذه رؤيتك عن الدنيا وأحداثها؟ وهل سوف تفهم لقاء الله حتى تشتاق إليه؟ وأساسا هل يبقى لك إمكان لإدراك المعارف المعنوية؟
لابدّ للإنسان أساسا أن يعيش حالة الشكر بكل وجوده. قال لي بعض الإخوة: إنك قد صعّبت الحياة في أبحاثك هذه، ولكن نحن لا نجد هذه المعاناة في حياتنا، فأقول له: إذن اشكر الله على هذه النعمة. وإذا سامحني أقول له كلمة جارحة وهي: «لم يجد الله فيك القابلية على تحمل البلاء والعناء فخفّفَ عليك، وإلا فلو كنت إنسانا راقيا ممتازا لما سمح الله لك أن تمضي حياتك بسلامات». وقد سبق أن قد قرأت عليكم في خصائص عباد الله الصالحين حيث يصفهم الله في حديث المعراج قائلا: «يَمُوتُ النَّاسُ مَرَّةً وَ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً مِنْ مُجَاهَدَةِ أَنْفُسِهِمْ وَ مُخَالَفَةِ هَوَاهُم»[بحار الأنوار/ج74/ص24]. فإن عرفت معنى الحياة الدنيا ودورها في فرض المعاناة على الإنسان، عند ذلك تشعر كم قد لطف بك الله وتفضّل عليك.
هل رأيت الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة حيث لا يستطيع أن يترك شكر الله؟ يبكي ويشكر ويصب الدموع ويشكر حتى أنه في آخر لحظات عمره وفي حفرة المذبح كان يعبّر عن شكره ورضاه قائلا «رضا بقضائك».
وصف حال مناجاة غير الشاكرين
لعلك تقول لي شيخنا فلنقيم جلسة دعاء ومناجاة. جيد جدا، ولكن نقيم الجلسة لمن؟ في البداية اذهب وابحث عن أناس شاكرين، وابحث عن من يشعر بالخجل من الله والذي لا يستطيع أن يمتلك نفسه من البكاء شكرا لله. وإلا فما الفائدة من المناجاة إن لم تكن بهذا الدافع ولم يصحبها هذا الشعور؟
إن بعض مناجاتنا أشبه شيء بتسليم طلباتنا لله سبحانه. فلسان حالنا عند الدعاء والمناجاة يقول: ربنا! يبدو أن حدث خطأ في تعاملك معنا، إذ لم تنظر إلينا في فلان قضية، وتركتنا وحدنا في فلان موقف، وفرضت علينا بعض الصعوبات في فلان حادث، ونغّصت عيشنا في ذلك اليوم. فكيف نتعامل معك يا إلهنا وماذا نقول لك؟ وإلى أين نفرّ منك؟ فقد كسرت قلوبنا وأنزلت دموعنا، فانظر كيف قد أبكيتنا! فحلّ مشكلتنا بعد ما بكينا أمامك وإلا فلن نأتيك بعد. فمثل هذا الكلام لا قيمة له، إذ ليس بمناجاة بل عتاب کما جاء في بعض أدعية المعصومين «َ فَإِنْ أَبْطَأَ عَنِّي عَتَبْتُ بِجَهْلِي عَلَيْكَ وَ لَعَلَّ الَّذِي أَبْطَأَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعَاقِبَةِ الْأُمُور»[دعاء الافتتاح]
وما أكثر هؤلاء الذين إن خلوا بربّهم لا يناجونه بل يعاتبونه، فلا تنظر إلی ظاهرهم إذ لا حول لهم على الله ولا تصل يدهم إلى الله، وإلا فقلوبهم قد ملئت عتابا.
من الشاكر؟ هو الذي جاء إلى الدنيا ليغرق في بلاياها ومحنها، وسلّم إلى هذه السنّة ووطن نفسه على تحمل الآلام والمصائب، ثم ينظر إلى حياته وإلى النعم التي أنعمها الله عليه وإلى ما نفّس الله عليه بالنعم ورفع المحن وتخفيف المصائب، فيشكر الله ويحمده.
ثلاثة أحزان سلبية يصاب بها الإنسان، لابد أن يجتنب عنها
عندما ينزل الله عليك نعمة من نعمه، يحب أن تتمتع وتهنأ بها، إذ أنت تحتاجها و هي من رزقك. يحب الله أن ترتاح في حياتك وتتمتع بنعمك. ويعزّ على الله أن ينزل علينا الصعاب والبلايا بلا مهلة واستراحة وتنفيس. (فإنَّ مَع العُسرِ یُسراً * إنَّ مع العُسر یُسراً) [الانشراح/5، 6] فمع كل محنة وعسر، يأتيك بيسر، فعندما ينعم الله عليك بنعمة لا تحزن على ماضيك وما فات، ولا تقلق على المستقبل، بل كن سعيدا بما أنعم الله عليك.
اترك الماضي، فكان لابدّ أن تأتيك بلاياه وقد مرت وذهبت مصائبه بحمد الله. وكذلك سوف تأتيك بلايا المستقبل قطعا مهما قلقت منها فاخضع لهذا القانون ولا تقلق ولا تشغل فكرك بما جرى وما سيجري بل اشعر بالسعادة واغتبط بما رزقك الله واشكره. فهل من الصواب أن تحزن في أيام رفاهك ونعمتك؟!
الإنسان يحزن بثلاثة أنواع من الحزن:
الأول: يحزن على أحزانه الماضية والفائتة. أريد هنا أن أدعو بدعاء ولكن أجدكم غير متسلحين إذ لا ترفعون إيديكم. فقد روي عن نبينا(ص): «إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين»[نهج الفصاحة/ص294]. طبعا لا أريد أن أجبركم على رفع يديكم، ولكني محتاج إلى دعائكم وأرى أن عدد المؤمنين الحاضرين هنا في هذا المسجد أكثر من الأربعين، فإذا رفعوا أيديهم يستجاب الدعاء إن شاء الله، وسوف أحصل أنا المسكين شيئا من دعائكم.
اللهم لا تجعلنا ممن يحزن على مشاكله وبلاياه. وبودّي أن أكرر دعاءنا السابق لأهميته. اللهم لا تجعلنا ممن يحقد على من ظلمه وآذاه.
الثاني: يحزن على أحزانه المستقبليّة والقادمة. أيها الإنسان المسكين المخدوع بإبليس! لقد رزقك الله نعما فقد حان وقت ارتياحك والشعور بالسعادة الآن ولكنّك تبدّل الشعور بالراحة إلى القلق من المستقبل. إللهم أخرج من قلوبنا الحزن والقلق على المستقبل.
الثالث: هذا الإنسان المسكين إما يحزن على ما فات، وإما يحزن على ما سيأتي، وإما يحزن على الحاضر. يعني يحصل على نعمة من الله، ولكن يقايس بينه وبين الغير وهذا ما يسمّى بالحسد. وهذا النوع من الحزن أمرّ وأتعس من النوعين السابقين.
خذ حصّتك وتنعّم بها ولا تقارن بينك وبين غيرك. فكن برزقك وقسمك «راضیا قانعا وفي جميع الأحوال متواضعا». فلو كان الله أراد أن يكلمنا لقال: أنا لم أفرض عليك هذه الأحزان الثلاثة. أنا قلت إني سأبليك بمصائب ومحن ولكن لا بهذه الآلام التعيسة والسخيفة، فلماذا أنت تصعّب على نفسك الحياة أكثر من صعوبتها الحقيقية؟! أنا قلت لأبلوك بمختلف البلايا والبأساء والضراء ولكن كل هذه المعاناة لا تخلو من الحلاوة والجمال، فلماذا تسلب جمالها وتزيدها مرارة؟ أنا قد حرقت قنفات بيتك فقط، فلماذا تصبّ البنزين على بيتك وتحرق البيت برمته؟! أنا قلت: سأفرض عليك بعض العسر، ولكن سأجعل مع كل عسر يسرا، فلماذا تخرب اليسر والنعم التي أنعمتها عليك؟ فكلما امتحنتك بمحنة وبلاء استقبله بصبر جميل، وكلما أنعمت عليك نعمة فاشعر بالسعادة. ثم اشكرني على النعم التي رزقتها بحيث تنسى الآلام والمحن وتغفل عنها.
كيف نكون كذلك؟
إللهم نحن نتكلم ونتحدث بهذه المعارف، فاجعلنا هكذا واجعل حياتنا هكذا. ماذا نفعل وما هو الطريق، إذ لا يصبح الإنسان هكذا بالكلام وحسب.
لابدّ أن نعاشر الأخيار والأبرار ونعاشر الصالحين ونعاشر أهل البيت(ع). يجب أن نكثر من الذهاب إلى جلسات ذكر مصائب أهل البيت(ع) وننادي الحسين كثيرا وننادي عليا كثيرا. إن وجود هذه العترة الطاهرة نور وله تأثير قوي جدا يترك أثره علينا من مسافة ألف وأربعمئة سنة. وأنتم بحمد الله تحظون بالقابلية والاستعداد الجيد لتعاشروا أهل البيت وتأنسوا بصحبتهم.
السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة
|
|
|
|
|