الروايات العامة :
هذه الروايات تكشف أن كبار الصحابة كانوا أكثر حماساً من الثوار في الثورة
قيادات الرأي العام من كبار الصحابة وأمهات المؤمنين كاتنوا يحرضون الثوار على القدوم إلى المدينة
بعد أن توقفوا خارج المدينة..
للضغط على عثمان..
منها:
الرواية الأولى:
روى البلاذري (أنساب الأشراف – بنو عبد شمس ص 560): حدثني عمرو بن محمد عن قبيصة بن عقبة .... وقبله ابن سعد في الطبقات (3/ 65) أخبرنا قبيصة بن عقبة (هو السوائي ثقة من رجال الجماعة) عن سفيان (هو الثوري ثقة إمام من رجال الجماعة) عن أبي إسحاق (وهو السبيعي ثقة من رجال الجماعة) عن عمرو بن الأصم قال: (كنت فيمن أرسلوا من (جيش) ذي خشب، فقالوا لنا : سلوا أصحاب رسول الله واجعلوا علياً آخر من تسألونه أنقدم؟، قال: فسألناهم، فقالوا: أقدموا إلا علياً فإنه قال: لا آمركم فإن أبيتم فبيض سيفرخ).
ورواه البلاذري (ص 560) بسند آخر (حدثني أحمد بن هشام بن بهرام حدثنا وكيع عن الأعمش عن عبيد بن عمير ..) مختصراً ومقتصراً على قول علي (لا آمركم بالإقدام على عثمان فإن أبيتم فبيض سيفرخ)..
ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة (15/225) - بلفظ أطول من هذا قليلاً - عن وكيع حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن عمرو بن عبيد الخارفي قال : (كنت أحد النفر الذين قدموا فنزلوا بذي المروة فأرسلونا إلى نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأزواجه نسألهم : أنقدم أو نرجع؟ وقيل لنا: اجعلوا علياً آخر من تسألون، قال: فسألناهم فكلهم أمر بالقدوم ، فأتينا علياً فسألناه، فقال: سألتم أحداً قبلي؟ قلنا نعم: قال فما أمروكم به؟ قلنا: أمرونا بالقدوم، قال : لكني لا آمركم بيض فليفرخ)..
ورواه عمر بن شبة (3/1126) حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير (الحميدي) حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن الأصم ..باللفظ نفسه.
ورواها عمر بن شبة (3/1126) حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن عبد الله لفظ آخر طويل فيها زيادات مهمة ولفظ الرواية: (أنه وزياداً مرا على أهل مصر بذي خشب- وهذا يعني أنه لم يكن منهم- فقال: أتريدون أن أبلغ عنكم أصحاب رسول الله وأزواجه؟ فأرسلوهما إلى المدينة إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه واستشاروهم في القدوم على عثمان وأمروهما أن يجعلا علياً من آخر من يأتيانه......فأما علي فقال لهما: هل أتيتما أحداً قبلي؟ قالا: نعم أزواج رسول الله وأصحابك ، قال: فما أمروهم؟ قالا: أمروهم بالقدوم، قال علي: لكني لا آمرهم
بالقدوم ، ولكن ليبعثوا إليه من مكانهم فليستعتبوه، فإن أعتبهم فهو الذي يريدون وإن أبوا إلا أن يقدموا فبيض فليفرخوه ...) اهـ.
إسناد الرواية:
الرواية صحيحة الإسناد (بالمعنى العام أي قوية موثقة) كلهم ثقات وأما التابعي عمرو بن عبيد الخارفي فهو تابعي شاهد عيان وقد ذكره ابن حبان في الثقات وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل والبخاري في التاريخ الكبير ولم يذكروه بجرح وهو شاهد عيان وقد توبع من أحد رفاقه (عمرو بن عبد الله بن الأصم) وقد ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/242) ولم يذكر فيه جرحاً وهو من الرواة عن ابن مسعود في ذلك الوفد الذي أرسله الثوار من ذي خشب.
ويبقى هناك شك في أن عمرو بن عبيد هو عمرو بن الأصم لكن والد الأصم اسمه عبد الله ثم لو كانا واحداً فهو تابعي شاهد عيان لم يذكر بجرح وسكت عليه البخاري وابن أبي حاتم ومثل هذا يقبل حديثه لا سيما في الأخبار وإذا كان له شواهد (وستأتي).
متن الرواية:
1- وهؤلاء المرسلون (بفتح السين) أرسلهم الثوار من ذي خشب شمال المدينة ليسألوا رؤوس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أمهات المؤمنين (على الأقل) ولابد أن يكون في مقدمة هؤلاء علي وطلحة والزبير وعائشة وأمثالهم لأنهم قيادات الرأي في تلك الأيام.
2- فكلهم طلب من الثوار القدوم إلى المدينة للإنكار على عثمان إلا علياً لم يأمرهم بذلك.
3- وطلبهم قدوم الثوار دليل على أن الثوار في الجملة يقصدون الخير وأن رؤوسهم معروفة عند الصحابة وأن الصحابة يرون في قدومهم تحفيزاً لعثمان على تغيير سياساته المالية والسياسية فيما يخص الولاة وبيت المال والظلم الذي يجده الناس من مروان وابن أبي السرح وغيرهم من ولاة عثمان .
4- ويظهر أن هذه في القدمة الأولى لأن عثمان لما علم بهم أرسل إليهم علياً في جماعة من الصحابة ليعرف مطالبهم ويكونوا واسطة بينهم وبينه، فعرفوا مطالبهم وقدموها لعثمان ووعدهم عثمان ثم أثناء عودتهم إلى مصر جاء الكتاب المشئوم من مروان (كبير حاشية عثمان) يأمر والي مصر بقتل بعض رؤوس الوفد فعادوا وعرضوا الكتاب على الصحابة وهنا اكتمل السخط وتم حصار عثمان ومطالبته بالإعتزال أو تسليم مروان فكان الحصار إلى أن وقع قتل عثمان رضي الله عنه (من بعض الأعراب الذين أفسدوا جمال هذه المظاهرة التي تظهر كيفية المعارضة وأن الصحابة كانوا على تأييد إنكار المنكر ومحاسبة الحاكم وشدة مراقبة الأموال والولاة ) .
الرواية الثانية:
مارواه عمر بن شبة (..أنهم خرجوا غضباً لعثمان وتوبة مما صنعوا من خذلانه) (فتح الباري4/490 وقد ذكر الحافظ أنه سينقل من تاريخ البصرة لعمر بن شبة ما كان صحيحاً أو حسناً والكتاب مفقود واعتمادنا هنا على تصحيح ابن حجر).
الرواية الثالثة:ر
وى ابن عساكر ( ص220 من ترجمة عثمان) من طريق محمد بن إسماعيل (أظنه البخاري) عن سليمان بن حرب عن أبي هلال عن الحسن البصري قال: (عمل أمير المؤمنين عثمان ثنتي عشرة سنة لا ينكرون عليه من إمارته شيئاً حتى جاء فسقة فداهن والله في أمره أهل المدينة).
إسناد الرواية:
قوي إلى الحسن وهو شاهد عيان لكنه كان صغيراً.
متن الرواية:
قول الحسن السابق غير صحيح من حيث أنهم لم ينكروا على عثمان شيئاً طيلة خلافته فهذا يخالف ما تواتر في التواريخ وصحاح الأخبار، ولعل تصرف بعض الرواة في اللفظ فالرواة بصريون والبصرة كانت عثمانية، وهذه الرواية نموذج من الروايات العثمانية التي بقي التيار السلفي على حبها وتفضيلها ونشرها ، ولكن هذا لا يخدم الحقيقة، لأن التاريخ يحتاج بيان الخلل ولولا ذلك لما قال الله عز وجل عن الصحابة يوم أحد (قل هو من عند أنفسكم)، فالوقوف على الأخطاء منهج علمي بغض النظر عن مرتكب الخطأ وعذره.
لكن في متن الرواية (مداهنة أهل المدينة - وهم المهاجرون والأنصار- في أمر عثمان ) وهذا له شواهده من حيث وقوفهم في الجملة مع مطالب الثوار وإنكار بعض سياسيات عثمان.
الرواية الرابعة:
معاتبة عثمان للصحابة لأنهم في نظره (أذاعوا السيئة وكتموا الحسنة ) تاريخ دمشق ص 243.
والرواية مرسلة وأما متنها فهي واضحة أن الصحابة (يعني رؤوسهم ) كانوا يذيعون بعض أخطاء عثمان ليس من باب نشر السيئات لكنهم يتذاكرون أخطاء عثمان وفشت في المدينة والأمصار.
وهذا يعني أن الصحابة وخاصة كبارهم هم أقرب لمطالب الثوار من عثمان وإلا لما عاتبهم، كما أن في الرواية أن عثمان يعترف بأنها صدرت منه أخطاء سمها (سيئات)
واعتمد على أنه له سابقة وفضل وله سياسات وأعمال يجب ألا يغفلوها (مثل جمع الناس على المصحف الإمام وتوسعة المسجد وإقامة الحد على الوليد...) وكأن الصحابة يرون أن هذه السوابق والأعمال الحسنة لا تسوغ السكوت عن بعض السياسات الرئيسة من تخصيص القرابة الأموية بالولايات والأموال واللين في محاسبتهم على ما يرتكبونه من مظالم في حق الناس.
فعثمان والصحابة المخالفون له (وهم قيادات الرأي منهم) كل حسن النية فيما يفعل وعثمان تأول فأخطأ وهم أنكروا هذا التأويل ورأوه منكرا.
الرواية الخامسة:
رواية الأحنف المشهورة فإن فيها لفظاً أخفاه بعض المؤلفين وأظهره ابن شبة في تاريخ المدينة (3/1112) في قصة مساءلة عثمان للصحابة عن فضائله وقولهم (نعم ولكنك بدلت) وكرروها عند كل فضيلة يذكرها له، وكان الصحابة الذين سألهم عثمان الثلاثة علي وطلحة والزبير ومعهم سعد بن أبي وقاص. قال الذهبي (فرؤوا أنهم لا يخلصهم مما وقعوا فيه من توانيهم في نصرة عثمان إلا أن يقوموا في الطلب بدمه والأخذ بثأره ممن قتله). (تاريخ الإسلام 3/483) .
الرواية السادسة:
رواية طويلة روها ابن شبة في تاريخ المدينة (4/1149): حدثنا سليمان بن أيوب (صدوق) حدثنا أبو عوانة (ثقة) عن المغيرة بن زياد الموصلي (صدوق) عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري:
وغيرها من الروايات التي تفيد معارضة كبار أهل الرأي من الصحابة ونقدهم لسياسة عثمان بل استقدانهم للثوار.
الخلاصة:
عثمان بن عفان صحابي جليل من المهاجرين والمنفقين في سبيل الله وصهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحب بئر رومة وصاحب جيش العسرة وو....الخ لكنه أخطأ في بعض السياسات من تولية الأقرباء من بني أمية الذين كانوا سبب رئيس من أسباب الفتنة. والله يغفر لعثمان بسابقته وإنفاقه وفضله. هذا رأي أكثر أهل السنة أما الغلاة من الشيعة الذين لا يعترفون لعثمان بفضيلة وغلاة السلفية الذين لا يقرون لعثمان بخطيئة فليسوا بشيء.
الرواية السابعة : من الروايات العامة في معارضة مجاميع من الصحابة ..
وهذه فيها [اعتزال محمد بن مسلمة وخمسين من الأنصار]
وكشف لعمق المشكلة... وليست بهذه السباطة التي يصورها لنا البسطاء..
الرواية هي : رواية سفيان بن ابي العوجاء:
وهي من أهم الروايات..
هذه الرواية تبين لنا عبقرية الواقدي ، هذا المؤرخ المظلوم...
ولي بحث فيه وقد وثقه عشرة من كبار أهل الحديث.. وهو عندي أوثق من البخاري وأحمد
اقول هذا بعد أن علمت أن البخاري وأحمد رحمهما الله وسامحهما يتصرفان في الحديث ويغيران ويحذفان اشياء بخلاف الواقدي... وهو استاذ اساتذتهما!
وعلى كل حال ... نعم تعصب عليه بعض أهل الحديث كما تعصبوا على أبي حنيفة..
نذهب للرواية...
هذه الرواية أرجو أن تقرءؤوها بهدوء لأنها تكشف اصل المشكلةوملابساتها..
وهي صحيحة الإسناد.. وراويها شاهد عيان بل هو صحابي في قول..
وشواهدها ستأتي فقرة فقرة.. فلا يستعجل المستعجلون في الاستنكار كعادتهم حتى لا يتورطوا..
وهي رواية طويلة ولذلك سأجعلها في فقرات
لأن كل فقرة لها معنى ثمين يجب التوقف عنده..
والرواية رواها الطبري [ جزء 2 - صفحة 666- 667 ]
قال محمد بن عمر ( وهو الواقدي) :
حدثني عبدالله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه عن سفيان بن أبي العوجاء قال:
1- قدم المصريون القدمة الأولى
2- فكلم عثمان محمد بن مسلمة فخرج في خمسين راكبا من الأنصار فأتوهم بذي خشب
3- فردهم ورجع القوم
4- حتى إذا كانوا بالبويب ( على حدود الأردن والسعودية حالياً) وجدوا غلاما لعثمان معه كتاب إلى عبدالله بن سعد ( وهذا الكتاب فيه الأمر بقتل رؤوس القوم كما هو متفق عليه)!
5- فكروا فانتهوا إلى المدينة
6- وقد تخلف بها من الناس الأشتر وحكيم بن جبلة
7- فأتوا بالكتاب فأنكر عثمان أن يكون كتبه وقال هذا مفتعل!
8- قالوا فالكتاب كتاب كاتبك ( يعني مروان)؟
9- قال أجل! ولكنه كتبه بغير أمري!
10- قالوا فإن الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلامك؟
11- قال أجل ولكنه خرج بغير إذني !!
12- قالوا فالجمل جملك؟
13- قال أجل ولكنه أخذ بغير علمي!
14- قالوا ما أنت إلا صادق أو كاذب
15- فإن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقها
16- وإن كنت صادقا فقد استحققت أن تخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك لأنه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا من يقتطع مثل هذا الأمر دونه لضعفه وغفلته
17- (وزادوا) فقالوا له إنك ضربت رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحق عندما يستنكرون من أعمالك فأقد من نفسك من ضربته وأنت له ظالم
18- فقال الإمام يخطئ ويصيب فلا أقيد من نفسي لأني لو أقدت كل من أصبته بخطإ آتي على نفسي
19- قالوا إنك قد أحدثت أحداثا عظاما فاستحققت بها الخلع
20- فإذا كُلمت فيها أعطيتَ التوبة ثم عدتَ إليها وإلى مثلها!
21- ثم قدمنا عليك فأعطيتنا التوبة والرجوع إلى الحق ولامنا فيك محمد بن مسلمة وضمن لنا ما حدث من أمر فأخفرته فتبرأ منك وقال لا أدخل في أمره
22- فرجعنا أول مرة لنقطع حجتك ونبلغ أقصى الإعذار إليك نستظهر بالله عز وجل عليك
23- فلحقنا كتاب منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب
24- وزعمت أنه كتب بغير علمك وهو مع غلامك وعلى جملك وبخط كاتبك وعليه خاتمك!!
25- فقد وقعت عليك بذلك التهمة القبيحة مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في الحكم والأثرة في القسم والعقوبة للأمر بالتبسط من الناس والإظهار للتوبة ثم الرجوع إلى الخطيئة
26- ولقد رجعنا عنك وما كان لنا أن نرجع حتى نخلعك ونستبدل بك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يحدث مثل ما جربنا منك ولم يقع عليه من التهمة ما وقع عليك
27- فاردد خلافتنا واعتزل أمرنا فإن ذلك أسلم لنا منك وأسلم لك منا
28- فقال عثمان فرغتم من جميع ما تريدون
29- قالوا نعم
30- قال الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
31- أما بعد فإنكم لم تعدلوا في المنطق ولم تنصفوا في القضاء
32- أما قولكم تخلع نفسك فلا أنزع قميصا قمصنيه الله عز وجل وأكرمني به وخصني به على غيري!
33- ولكني أتوب وأنزع ولا أعود لشيء عابه المسلمون فإني والله الفقير إلى الله الخائف منه
34- قالوا إن هذا لو كان أول حدث أحدثته ثم تبت منه ولم تقم عليه لكان علينا أن نقبل منك وأن ننصرف عنك
35- ولكنه قد كان منك من الإحداث قبل هذا ما قد علمت ولقد انصرفنا عنك في المرة الأولى وما نخشى أن تكتب فينا ولا من اعتللت به بما وجدنا في كتابك مع غلامك وكيف نقبل توبتك وقد بلونا منك أنك لا تعطي من نفسك التوبة من ذنب إلا عدت إليه؟؟
36- فلسنا منصرفين حتى نعزلك ونستبدل بك
37- فإن حال من معك من قومك وذوي رحمك وأهل الانقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم حتى نخلص إليك فنقتلك أو تلحق أرواحنا بالله
38- فقال عثمان أما أن أتبرأ من الإمارة فإن تصلبوني أحب إلي من أن أتبرأ من أمر الله عز وجل وخلافته!
39- وأما قولكم تقاتلون من قاتل دوني فإني لا آمر أحدا بقتالكم فمن قاتل دوني فإنما قاتل بغير أمري
40- ولعمري لو كنت أريد قتالكم لقد كنت كتبت إلى الأجناد فقادوا الجنود وبعثوا الرجال أو لحقت ببعض أطرافي بمصر أو عراق
41- فالله الله في أنفسكم أبقوا عليها إن لم تبقوا علي فإنكم مجتلبون بهذا الأمر إن قتلتموني دم
42- قال ثم انصرفوا عنه وآذنوه بالحرب
43- وأرسل (عثمان) إلى محمد بن مسلمة (مرة أخرى) فكلمه أن يردهم
44- فقال ( محمد بن مسلمة): والله لا أكذب الله في سنة مرتين اهـ
التعليق:
السند صحيح
والرواية لا تحتاج إلى تعليق بل إلى قراءة متأنية والإحساس بالمشكلة كما هي..
وأذا فهمتموها فقد فهمتم فتنة عثمان..
فإن كل الروايات تدور حول ههذ الرواية ..
ستفهمون فتنة عثمان من أولها إلى أخرها.. أفضل مما فهمها كل هؤلاء الوعاظ ... وكتبة المسلسل..
ولو كتبها المسلسل بهذه الإشكاليات الحقيقية لفهم الناس كيف حدث الموضوع كله...
وللرواية شواهد كثيرة جداً
سنوردها في هذا العنوان مع الأيام..
لكن بعض الأخوة يزعمون أن كتابة القليل أفضل للتامل..
ومن كابر في القليل كابر في الكثير..
حتى يتماسك الموضوع في عقول عامة القراء ممن ليس من اهتمامهم التاريخ وقراءة الفتنة وأحداثها
فإنه يحسن لي أن أختار للقراء نماذج من سياقات المؤرخين الأحرار، ممن لا يرتضون إخفاء الحقائق، ولا يعني هذا أن كلامهم فوق النقد، وإنما هذه السياقات هي الأقرب غلى الحقيقة، وهي أولى من سياقات المتمذهبين الخداعين الملبسين كابن تيمية ومدرسته التي اختطفت أكثر عقول المسلمين، ولقنتهم السذاجة والخلط بين التاريخ والوعظ..
وكل الذين أختارهم سترون عقولهم في سياقاتهم، وهم مؤرخون مظلومون من التيار السلفين وطالما وصفوهم بأبشع الأوصاف، وكنت اصدقهم حتى وصلتني الاتهامات نفسها، فعرفت أن الصادق والمتفلت من التبعية هو الذي يحذرون منه غاية التحذير، لأنه أقرب غلى الحقيقة وهم يريدون التلبيس على الناس، وبما أن الله قد قال ( وكونوا مع الصادقين) فيجب أن نرفض تلك المظالم التي وصلت إلى هؤلاء المؤرخين، ونقبل على سياقاتهم اكثر من إقبالنا على أكاذيب سيف بن عمر وابن العربي ومحب الدين الخطيب وسائر السلفية المعاصرة..
اقرؤوا لتحفظوا أركان القصة وظروفها في السياقات هذه، وستجدونها أقرب غلى العقل والمنطق والدين..
لأن الدين لا يجعل الصحابة ملائكة، لا عثمان ولا الصحابة الثائرين عليه، مع شرعية المطالب في الجملة، واستيلاء الحاشية في الجملة ايضا..
ولا يستعجل المنكرون فإن كل فقرة من فقرات هذه الساياقات لها ما يدل عليها بأسانيد صحيحة كما ثبت من خلال استعراض مواقف طلحة وعائشة ..
السياق ألأول : سياق اليعقوبي ( 290هـ)
وهو مؤرخ مظلوم كالواقدي فماذا قال:
يقول في تاريخ اليعقوبي - (ج 1 / ص 170)
وكان عمال عمر، وقت وفاته:
1- سعد بن أبي وقاص على الكوفة، وقيل المغيرة،
2- وأبو موسى الأشعري على البصرة،
3- وعمير بن سعد الأنصاري على حمص،
4- ومعاوية بن أبي سفيان على بعض الشام،
5- وعمرو بن العاص على مصر،
6- وزياد بن لبيد البياضي على بعض اليمن،
7- وأبو هريرة على عمان،
8- ونافع بن الحارث على مكة،
9- ويعلى بن منية التميمي على صنعاء،
10- والحارث بن أبي العاص الثقفي على البحرين،
11- وعبد الله بن أبي ربيعة على الجند.
أيام عثمان بن عفان
[ الشورى وبيعة عثمان]
ثم استخلف عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وكان عبد الرحمن بن عوف الزهري، لما توفي عمر، واجتمعوا للشورى، سألهم أن يخرج نفسه منها على أن يختار منهم رجلاً، ففعلوا ذلك، فأقام ثلاثة أيام، وخلا بعلي بن أبي طالب، فقال: لنا الله عليك، إن وليت هذا الأمر، أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال: أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت. فخلا بعثمان فقال له: لنا الله عليك، إن وليت هذا الأمر، أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر.
فقال: لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر، ثم خلا بعلي فقال له مثل مقالته الأولى، فأجابه مثل الجواب الأول، ثم خلا بعثمان فقال له مثل المقالة الأولى، فأجابه مثل ما كان أجابه، ثم خلا بعلي فقال له مثل المقالة الأولى، فقال: إن كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى أجيري أحد. أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عني. فخلا بعثمان فأعاد عليه القول، فأجابه بذلك الجواب، وصفق على يده.
وخرج عثمان، والناس يهنئونه، وكان ذلك يوم الإثنين، مستهل المحرم، سنة أربع وعشرون، ومن شهور العجم في تشرين الآخر، وكانت الشمس يومئذ في العقرب ثلاث عشرة درجة، وزحل في الحمل إحدى وعشرين درجة وثلاثين دقيقة راجعا، والمشتري في الجدي أربع درجات وأربعين دقيقة، والمريخ في الميزان خمسين دقيقة، والزهرة في العقرب إحدى عشرة درجة راجعا، والرأس في الثور أربعا وعشرين درجة،
[ صعوده أعلى المنبر]
فصعد عثمان المنبر، فجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه رسول الله، ولم يجلس أبو بكر ولا عمر فيه، جلس أبو بكر دونه بمرقاة، وجلس عمر دون أبي بكر بمرقاة، فتكلم الناس في ذلك، فقال بعضهم: اليوم ولد الشر، وكان عثمان رجلاً حيياً فارتج عليه. فقام مليا لا يتكلم، ثم قال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام يشقق الخطب، وإن تعيشوا فسيأتيكم الخطبة. ثم نزل.
[ أول إنكار للصحابة في الليلة التي بويع فيها عثمان]
وروى بعضهم أن عثمان خرج من الليلة التي بويع له في يومها لصلاة العشاء الآخرة، وبين يديه شمعة، فلقيه المقداد بن عمرو، فقال: ما هذا البدعة! ومال قوم مع علي بن أبي طالب، وتحاملوا في القول على عثمان.
[ إنكار المقداد : من كبار أهل بدر ومن السابقين إلى لإسلام ]
فروى بعضهم قال: دخلت مسجد رسول الله، فرأيت رجلاً جاثياً على ركبتيه يتلهف تلهف من كان الدنيا كانت له فسلبها، وهو يقول: واعجباً لقريش، ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيهم، وفيهم أول المؤمنين، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس وأفقههم في دين الله، وأعظمهم غناء في الإسلام، وأبصرهم بالطريق، وأهداهم للصراط المستقيم، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي، وما أرادوا إصلاحاً للأمة ولا صواباً في المذهب، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة، فبعدا وسحقا للقوم الظالمين. فدنوت منه فقلت: من أنت يرحمك الله، ومن هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن عمرو، وهذا الرجل علي بن أبي طالب. قال فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال: يا ابن أخي! إن هذا الأمر لا يجري فيه الرجل ولا الرجلان. ثم خرجت
[ تصديق أبي ذر للمقداد، وتوقف ابن مسعود] فلقيت أبا ذر، فذكرت له ذلك، فقال: صدق أخي المقداد، ثم أتيت عبد الله بن مسعود، فذكرت ذلك له فقال: لقد أخبرنا فلم نال.
[ الهرمزان والإنكار الثاني للصحابة]
وأكثر الناس في دم الهرمزان وإمساك عثمان عبيد الله بن عمر، فصعد عثمان المنبر، فخطب الناس، ثم قال: ألا إني ولي دم الهرمزان، وقد وهبته لله ولعمر، وتركته لدم عمر.
فقام المقداد بن عمرو فقال: إن الهرمزان مولى لله ولرسوله، وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله. قال: فننظر وتنظرون.
ثم أخرج عثمان عبيد الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة، وأنزله دارا، فنسب الموضع إليه، كويفة ابن عمر، فقال بعضهم:
أبا عمرو عبيد الله رهن ... فلا تشكك بقتل الهرمزان
وافتتح المغيرة بن شعبة همذان، وكتب إلى عثمان أنه قد دخل الري وأنزلها المسلمين. وكانت الري قد افتتحت في حياة عمر، وقيل لم تفتح، ولكنها محاصرة، وافتتحت سنة أربع وعشرون.
[ رد الحكم بن أبي العاص]
وكتب عثمان إلى الحكم بن أبي العاص أن يقدم عليه، وكان طريد رسول الله، وقد كان عثمان لما ولي أبو بكر اجتمع هو وقوم من بني أمية إلى أبي بكر، فسألوه في الحكم، فلم يأذن له، فلما ولي عمر فعلوا ذلك، فلم يأذن له، فأنكر الناس إذنه له
وقال بعضهم: رأيت الحكم بن أبي العاص يوم قدم المدينة عليه فزر خلق، وهو يسوق تيسا، حتى دخل دار عثمان، والناس ينظرون إلى سوء حاله وحال من معه، ثم خرج وعليه جبة خز وطيلسان.
[ خلافه مع عمرو بن العاص]
وانتقضت الإسكندرية سنة خمس وعشرون، وحاربهم عمرو بن العاص، حتى فتحها وسبى الذراري، ووجه بهم إلى المدينة، فردهم عثمان إلى ذمتهم الأولى، وعزل عمرو بن العاص، وولى عبد الله بن أبي سرح، فكان ذلك سبب العداوة بين عثمان وعمرو. وقال عثمان لعمرو لما قدم: كيف تركت عبد الله بن سعد؟ قال: كما أحببت! قال: وما ذاك؟ قال: قوي في ذات نفسه، ضعيف في ذات الله. قال: لقد أمرته أن يتبع أثرك. قال: لقد كلفته شططا. واجتبى عبد الله مصر اثني عشر ألف ألف دينار، فقال عثمان لعمرو: درت اللقاح! قال: ذاك إن يتم يضر بالفصلان.
[ توسيع الحرم وسجن الصحابة]
ووسع عثمان في المسجد الحرام، وزاد فيه سنة ست وعشرون، وابتاع من قوم منازلهم، وأبى آخرون، فهدم عليهم، ووضع الأثمان في بيت المال، فصاحوا بعثمان، فأمر بهم للحبس. وقال: ما جراكم علي إلا حلمي، وقد فعل هذا عمر، فلم تصيحوا، وجدد أنصاب الحرم.
(قصة الوليد بن عقبة)
وفي هذه السنة افتتح عثمان بن أبي العاص الثقفي سابور. وفيها ولي الوليد بن عقبة بن أبي معيط الكوفة مكان سعد، وصلى بالناس الغداة، وهو سكران، أربع ركعات، ثم تهوع في المحراب، والتفت إلى من كان خلفه، فقال: أزيدكم؟ ثم جلس في صحن المسجد، وأتي بساحر يدعى بطروي من الكوفة، فاجتمع الناس عليه، فجعل يدخل من دبر الناقة ويخرج من فيها، ويعمل أعاجيب، فرآه جندب بن كعب الأزدي، فخرج إلى بعض الصياقلة، فأخذ منه سيفا ثم أقبل في الزحام وقد ستر السيف حتى ضرب عنقه، ثم قال له: أحي نفسك، إن كنت صادقا! فأخذه الوليد، فأراد أن يضرب عنقه، فقام قوم من الأزد، فقالوا: لا تقتل والله صاحبنا، فصيره في الحبس. وكان يصلي الليل كله، فنظر إليه السجان، وكان يكنى أبا سنان، فقال: ما عذري عند الله إن حبستك على الوليد يقتلك؟ فأطلقه، فصار جندب إلى المدينة، وأخذ الوليد أبا سنان فضربه مائتي سوط فوثب عليه جرير بن عبد الله، وعدي بن حاتم، وحذيفة بن اليمان، والأشعث بن قيس، وكتبوا إلى عثمان مع رسلهم، فعزله وولى سعيد بن العاص مكانه.
فلما قدم الوليد قال عثمان: من يضربه؟ فأحجم الناس لقرابته، وكان أخا عثمان لأمه، فقام علي فضربه، ثم بعث به عثمان على صدقات كلب وبلقين.
[ فتح أفريقية وثروتها]
وأغزى عثمان الناس إفريقية سنة سبع وعشرون، وعليهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فلقي جرجيس ودعاه إلى الإسلام، أو أداء الجزية، فامتنع، وكان جرجيس في جمع عظيم، ففض الله ذلك الجمع، فطلب جرجيس الصلح، فأبى عليه، وهزموه حتى صار إلى مدينة سبيطلة، والتحمت الحرب حتى قتل جرجيس، وكثرت الغنائم، وبلغت ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار.
وروى بعضهم أن عثمان زوج ابنته من مروان بن الحكم، وأمر له بخمس هذا المال. ووجه عبد الله بن سعد بن أبي سرح عبد الله بن الزبير إلى عثمان بالبشارة، فسار عشرين ليلة، حتى قدم المدينة، وأخبر عثمان، فصعد عثمان المنبر، فخبر به الناس.
[ النوبة]
ووجه عبد الله بن سعد جيشاً إلى أرض النوبة، فسألوا الموادعة والصلح على أن عليهم في كل سنة ثلاثمائة رأس، ويبعث إليهم مثل ذلك من الطعام والشراب، فكتب إلى عثمان بذلك، فأجابهم إلى ذلك. وافتتح معاوية بن أبي سفيان قبرس.
وفي هذه السنة بني عثمان داره، وبني الزوراء، ووسع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة تسع وعشرون، وحملت له الحجارة من بطن نخل، وجعل في عمدة الرصاص، وجعل طوله مائة وستين ذراعاً وعرضه مائة ذراع وخمسين ذراعا، وأبوابه ستة على ما كانت عليه على عهد عمر.
[ عزل أبي موسى عن البصرة وتولية ابن عامر ]
وعزل أبا موسى الأشعري، وولى مكانه عبد الله بن عامر بن كريز، وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة، فلما بلغ أبا موسى ولاية عبد الله بن عامر قام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه، ثم قال: قد جاءكم غلام كثير العمات والخالات والجدات في قريش، يفيض عليكم المال فيضاً.
[ فتوح ابن عامر]
فلما قدم ابن عامر البصرة وجه الجنود لفتح سابور وفسا ودارابجرد وإصطخر من أرض فارس، وعلى ذلك الجند الذي فتح إصطخر عبيد الله بن معمر التيمي، فقتل عبيد الله بن معمر في أصل مدينة إصطخر، فقام مكانه عمر بن عبيد الله حتى فتح المدينة، ثم سار عبد الله بن عامر بنفسه إلى إصطخر ووجه عبد الرحمن بن سمرة، وكانت له صحبة، إلى سجستان، فافتتح زرنج بعد نكبة شديدة.
[ ينافس في الدنيا بين ابن عامر وسعيد بن العاص]
ولما ولي عثمان عبد الله بن عامر البصرة وولي سعيد بن العاص الكوفة كتب إليهما: أيكما سبق إلى خراسان، فهو أمير عليها. فخرج عبد الله بن عامر وسعيد بن العاص، فأتى دهقان من دهاقين خراسان إلى عبد الله بن عامر، فقال: ما تجعل لي إن سبقت بك؟ قال: لك خراجك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة.
فأخذ به على طريق مختصر إلى قومس، وعبد الله بن خازم السلمي على مقدمته، فسار إلى نيسابور. وأقام على المدينة، ولقيه عبد الله بن عامر، فافتتح نيسابور عنوة في سنة ثلاثون، وصالح أهل الطبسين على خمسة وسبعين ألفاً، ثم سار حتى صار إلى مدينة أبر شهر، فحاصرهم شهوراً، ثم فتحها وصالحهم، وكتب إلى أهل هراة، فكتبوا إليه: إن فتحت أبرشهر أجبناك إلى ما سألت، وبوشنج وبادغيس يومئذ إلى هراة، وكانت طوس ونيسابور إلى أبر شهر، ثم فتحها وصالحهم على ألف ألف درهم.
وبعث الأحنف بن قيس إلى هراة ومرو الروذ، فسار إلى هراة، فلقيه صاحبها بالميرة والطاعة، ثم سار إلى مرو الروذ، ففتحها عنوة، وفتح الطالقان والفارياب، وطخارستان، ولم يرجع إلى عبد الله بن عامر، حتى شرب من نهر بلخ.
وقال بعض أهل خراسان: وجه عبد الله بن عامر حين افتتح نيسابور بالجيوش فبعث الأحنف بن قيس إلى مرو الروذ، وبعث أوس بن ثعلبة التميمي إلى هراة، وبعث حاتم بن النعمان الباهلي إلى مرو، وعبد الله بن خازم السلمي إلى سرخس. ففتح القوم جميعاً ما بعثوا له خلا مرو، فإنها صالحت حاتماً على ألفي ألف ومائتي ألف أوقية وعلى أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم.
ولما فتح عبد الله بن عامر هذه الكور انصرف إلى عثمان، وخالف بين الترك والديلم، وكان قد صير خراسان أرباعاً، وولي قيس بن الهيثم السلمي على ربع، وراشد بن عمرو الجديدي على ربع، وعمران بن الفصيل البرجمي على ربع، وعمرو بن مالك الخزاعي على ربع، فلما رده عثمان وجه أمير ابن أحمد اليشكري إلى خراسان، فصار إلى مرو، فأناخ بها، ثم أدركه الشتاء وأدخله أهل مرو، وبلغه انهم يريدون الوثوب به، فجرد فيهم السيف حتى أفناهم، ثم قفل إلى عثمان، فلما رآه عثمان خوفه، فانصرف عنه مغضباً، وكان عثمان أنكر عليه قتل أهل مرو، ورجع عبد الله بن عامر إلى البصرة، ثم صار إلى كرمان، فأناخ بها فنالهم مجاعة شديدة، حتى كان الرغيف بدينار، ثم أتاه الخبر بأن عثمان قد حوصر، فانصرف، وخلف بخراسان قيس بن الهيثم ابن الصلت، فافتتح قيس طخارستان، وكان عثمان قد وجه حبيب بن مسلمة الفهري إلى أرمينية، ثم أردفه سلمان بن ربيعة الباهلي مدداً له، فلما قدم عليه تنافراً، وقتل عثمان وهم على تلك المنافرة.
وقد كان حبيب بن مسلمة فتح بعض أرمينية، وكتب عثمان إلى سلمان بإمرته على أرمينية، فسار حتى أتى البيلقان، فخرج إليه أهلها، فصالحوه ومضى حتى أتى برذعة، فصالحه أهلها على شيء معلوم.
وقيل إن حبيب بن مسلمة افتتح جرزان. ثم نفذ سلمان إلى شروان، فصالحه ملكها، ثم سار حتى أتى أرض مسقط، فصالح أهلها، وفعل مثل ذلك ملك اللكز وأهل الشابران وأهل فيلان، ولقيه خاقان ملك الخزر في جيشه، خلف نهر البلنجر، في خلق عظيم، فقتل سلمان ومن معه، وهم أربعة آلاف،
[ عزل حذيفة بن اليمان وتولية المغيرة]
فولى عثمان حذيفة بن اليمان العبسي، ثم صرفه، وولي المغيرة بن شعبة.
[ مهر ابنته من بيت المال]
وزوج عثمان ابنته من عبد الله بن خالد بن أسيد، وأمر له بستمائة ألف درهم، وكتب إلى عبد الله بن عامر أن يدفعها إليه من بيت مال البصرة.
[ دفع الصدقات إلى الحكم بن أبي العاص]
وحدث أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن يسار قال: رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة إذا أمسى آتاها عثمان، فقال له: ادفعها إلى الحكم ابن أبي العاص.
[ جوائز أهل بيته من بيت المال، وعزل عبد الله بن الأرقم عن بيت المال ]
وكان عثمان إذا أجاز أحداً من أهل بيته بجائزة جعلها فرضا من بيت المال، فجعل يدافعه ويقول له: يكون فنعطيك إن شاء الله، فألح عليه، فقال: إنما أنت خازن لنا، فإذا أعطيناك فخذ، وإذا سكتنا عنك فاسكت. فقال وجاء بالمفتاح يوم الجمعة وعثمان يخطب، فقال: أيها الناس زعم عثمان أني خازن له ولأهل بيته، وإنما كنت خازناً للمسلمين، وهذه مفاتيح بيت مالكم. ورمى بها، فأخذها عثمان، ودفعها إلى زيد بن ثابت.
وفي هذه السنة توفي أبو سفيان بن حرب، وصلى عليه عثمان وهي سنة إحدى وثلاثون. وأغزى عثمان جيشاً، أميرهم معاوية، على الصائفة سنة إثنان وثلاثون، فبلغوا إلى مضيق القسطنطينية، وفتحوا فتوحا كثيرة، وصير عثمان إلى معاوية غزو الروم على أن يوجه من رأى على الصائفة، فولى معاوية سفيان بن عوف الغامدي فلم يزل عليها أيام عثمان... لشيء شجر بينهما في خلافة عثمان.
[ خلافه مع عبد الرحمن بن عوف وهو الذي عقد له البيعة ]
وروي أن عثمان اعتل علة اشتدت به، فدعا حمران بن أبان، وكتب عهدا لمن بعده، وترك موضع الاسم، ثم كتب بيده: عبد الرحمن بن عوف، وربطه وبعث به إلى أم حبيبة بنت أبي سفيان، فقرأه حمران في الطريق فأتى عبد الرحمن فأخبره، فقال عبد الرحمن، وغضب غضباً شديداً: استعمله علانية، ويستعملني سراً. ونمى الخبر وانتشر بذلك في المدينة. وغضب بنو أمية، فدعا عثمان بحمران مولاه، فضربه مائة سوط، وسيره إلى البصرة. فكان سبب العداوة بينه وبين عبد الرحمن بن عوف.
ووجه إليه عبد الرحمن بن عوف بابنه، فقال له قل له: والله لقد بايعتك، وإن في ثلاث خصال أفضلك بهن: إني حضرت بدراً، ولم تحضرها، وحضرت بيعة الرضوان، ولم تحضرها، وثبت يوم أحد وانهزمت. فلما أدى ابنه الرسالة إلى عثمان قال له قل له:
أما غيبتي عن بدر، فإني أقمت على بيت رسول الله، فضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمي وأجري، وأما بيعة الرضوان، فقد صفق لي رسول الله بيمينه على شماله، فشمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من أيمانكم، وأما يوم أحد فقد كان ما ذكرت إلا أن الله قد عفا عني. ولقد فعلنا أفعالا لا ندري أغفرها الله أم لا.
[ عثمان والمبتوتة]
وكان عبد الرحمن قد أطلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبية لما اشتدت علته، فورثها عثمان، فصولحت عن ربع الثمن على مائة ألف دينار، وقيل ثمانين ألف دينار.
[ جمع القرآن]
وجمع عثمان القرآن وألفه، وصير الطوال مع الطوال، والقصار مع القصار من السور، وكتب في جمع المصاحف من الآفاق حتى جمعت، ثم سلقها بالماء الحار والخل، وقيل أحرقها، فلم يبق مصحف إلا فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود.
[ خلافه مع ابن مسعود، وقدومه المدينة مسيراً، وضربه ومنعه العطاء..الخ]
وكان ابن مسعود بالكوفة، فامتنع أن يدفع مصحفة إلى عبد الله بن عامر، وكتب إليه عثمان: أن أشخصه، إنه لم يكن هذا الدين خبالاً وهذه الأمة فساداً. فدخل المسجد وعثمان يخطب، فقال عثمان: إنه قد قدمت عليكم دابة سوء، فكلمه ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان، فجز برجله حتى كسر له ضلعان، فتكلمت عائشة، وقالت قولاً كثيراً، وبعث بها إلى الأمصار، وبعث بمصحف إلى الكوفة، ومصحف إلى البصرة، ومصحف إلى المدينة، ومصحف إلى مكة، ومصحف إلى مصر، ومصحف إلى الشام، ومصحف إلى البحرين، ومصحف إلى اليمن، ومصحف إلى الجزيرة، وأمر الناس أن يقرأوا على نسخة واحدة.
وكان سبب ذلك أنه بلغه أن الناس يقولون قرآن آل فلان، فأراد أن يكون نسخة واحدة، وقيل: إن ابن مسعود كان كتب بذلك إليه، فلما بلغه أنه يحرق المصاحف قال: لم أرد هذا.
وقيل: كتب إليه بذلك حذيفة بن اليمان، واعتل ابن مسعود، فأتاه عثمان يعوده، فقال له: ما كلام بلغني عنك؟ قال: ذكرت الذي فعلته بي، أنك أمرت بي فوطئ جوفي، فلم أعقل صلاة الظهر، ولا العصر، ومنعتني عطائي. قال: فإني أقيدك من نفسي فافعل بي مثل الذي فعل بك! قال: ما كنت بالذي أفتح القصاص على الخلفاء. قال: فهذا عطاؤك، فخذه. قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا غني عنه؟ لا حاجة لي به، فانصرف. فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتى توفي، وصلى عليه عمار بن ياسر، وكان عثمان غائباً فستر أمره. فلما انصرف رأى عثمان القبر، فقال: قبر من هذا؟ فقيل: قبر عبد الله بن مسعود. قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: ولى أمره عمار بن ياسر، وذكر أنه أوصى ألا يخبر به، ولم يلبث إلا يسيرا حتى مات المقداد، فصلى عليه عمار، وكان أوصى إليه، ولم يؤذن عثمان به، فاشتد غضب عثمان على عمار، وقال: ويلي على ابن السوداء! أما لقد كنت به عليماً.
[ خلافه مع أبي ذر وتسييره، وسبب ذلك]
وبلغ عثمان أن أبا ذر يقعد في مسجد رسول الله، ويجتمع إليه الناس، فيحدث بما فيه الطعن عليه، وأنه وقف بباب المسجد فقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الربذي، إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم، محمد الصفوة من نوح، فالأول من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد. إنه شرف شريفهم، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة وكالكعبة المستورة، أو كالقبلة المنصوبة، أو كالشمس الضاحية، أو كالقمر الساري، أو كالنجوم الهادية، أو كالشجر الزيتونية أضاء زيتها، وبورك زبدها، ومحمد وارث علم آدم وما فضل به النبيون، وعلي بن أبي طالب وصي محمد، ووارث علمه. أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها! أما لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولي الله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله، إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه، فأما إذ فعلتم ما فعلتم، فذوقوا وبال أمركم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وبلغ عثمان أيضاً أن أبا ذر يقع فيه، ويذكر ما غير وبدل من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنن أبي بكر وعمر، فسيره إلى الشام إلى معاوية، وكان يجلس في المسجد، فيقول كما كان يقول، ويجتمع إليه الناس، حتى كثر من يجتمع إليه ويسمع منه. وكان يقف على باب دمشق، إذا صلى صلاة الصبح، فيقول: جاءت القطار تحمل النار، لعن الله الآمرين بالمعروف والتاركين له، ولعن الله الناهين عن المنكر والآتين له.
وكتب معاوية إلى عثمان: إنك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر، فكتب إليه: أن احمله على قتب بغير وطاء، فقدم به إلى المدينة، وقد ذهب لحم فخذيه، فلما دخل إليه وعنده جماعة قال: بلغني أنك تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كملت بنو أمية ثلاثين رجلاً اتخذوا بلاد الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا. فقال: نعم! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. فقال لهم: أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك؟ فبعث إلى علي بن أبي طالب، فأتاه، فقال: يا أبا الحسن أسمعت رسول الله يقول ما حكاه أبو ذر؟ وقص عليه الخبر. فقال علي: نعم! قال: وكيف تشهد ؟ قال: لقول رسول الله: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر. فلم يقم بالمدينة إلا أياماً حتى أرسل إليه عثمان: والله لتخرجن عنها! قال: أ تخرجني من حرم رسول الله؟ قال: نعم، وأنفك راغم. قال: فإلى مكة؟ قال: لا! قال: فإلى البصرة؟ قال: لا! قال: فإلى الكوفة؟ قال: لا! ولكن إلى الربذة التي خرجت منها حتى تموت بها. يا مروان! أخرجه، ولا تدع أحداً يكلمه، حتى يخرج. فأخرجه على جمل ومعه امرأته وابنته، فخرج وعلي والحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر ينظرون، فلما رأى أبو ذر علياً قام إليه فقبل يده ثم بكى وقال: إني إذا رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أصبر حتى أبكي! فذهب علي يكلمه فقال له مروان: إن أمير المؤمنين قد نهى أن يكلمه أحد. فرفع علي السوط فضرب وجه ناقة مروان، وقال: تنح، نحاك الله إلى النار! ثم شيعة، فكلمه بكلام يطول شرحه، وتكلم كل رجل من القوم وانصرفوا، وانصرف مروان إلى عثمان، فجرى بينه وبين علي في هذا بعض الوحشة، وتلاحيا كلاماً، فلم يزل أبو ذر بالربذة حتى توفي.
ولما حضرته الوفاة قالت له ابنته: إني وحدي في هذا الموضع، وأخاف أن تغلبني عليك السباع. فقال: كلا إنه سيحضرني نفر مؤمنون، فانظري أترين أحداً؟ فقالت: ما أرى أحداً! قال: ما حضر الوقت، ثم قال: انظري، هل ترين أحداً؟ قالت: نعم أرى ركباً مقبلين، فقال: الله أكبر، صدق الله ورسوله، حولي وجهي إلى القبلة، فإذا حضر القوم فأقرئيهم مني السلام، فإذا فرغوا من أمري، فاذبحي لهم هذه الشاة، وقولي لهم: أقسمت عليكم أن برحتم حتى تأكلوا، ثم قضى عليه، فأتى القوم، فقالت لهم الجارية: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي، فنزلوا، وكانوا سبعة نفر، فيهم حذيفة بن اليمان، والأشتر، فبكوا بكاءً شديداً، وغسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه. ثم قالت لهم: إنه يقسم عليكم ألا تبرحوا حتى تأكلوا! فذبحوا الشاة، وأكلوا، ثم حملوا ابنته، حتى صاروا بها إلى المدينة.
[ خلافه مع عمار، وهمه بتسييره]
فلما بلغ عثمان وفاة أبي ذر قال: رحم الله أبا ذر! قال عمار: نعم! رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا، فغلظ ذلك على عثمان. وبلغ عثمان. عن عمار كلام، فأراد أن يسيره أيضاً، فاجتمعت بنو مخزوم إلى علي بن أبي طالب، وسألوه إعانتهم، فقال علي: لا ندع عثمان ورأيه. فجلس عمار في بيته، وبلغ عثمان ما تكلمت به بنو مخزوم، فأمسك عنه،
[ تسيير عبد الرحمن بن الحنبل]
وسير عبد الرحمن بن حنبل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القموس من خيبر، وكان سبب تسييره إياه أنه بلغه كرهه مساوئ ابنه وخاله، وأنه هجاه.
[ صفة عثمان]
وكان عثمان جواداً وصولاً بالأموال، وقدم أقاربه وذوي أرحامه، فسوى بين الناس في الأعطيه وكان الغالب عليه مروان بن الحكم بن أبي العاص، وأبو سفيان بن حرب، وعلى شرطة عبد الله بن قنفذ التيمي، وحاجبه حمران ابن أبان مولاه.
[ مجموع أخطاء عثمان]
ونقم الناس على عثمان بعد ولايته بست سنين، وتكلم فيه من تكلم، وقالوا:
1- آثر القرباء،
2- وحمى الحمى،
3- وبنى الدار،
4- واتخذ الضياع والأموال بمال الله والمسلمين،
5- ونفى أبا ذر صاحب رسول الله، وعبد الرحمن بن حنبل،
6- وآوى الحكم بن أبي العاص، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح طريدي رسول الله،
7- وأهدر دم الهرمزان، ولم يقتل عبيد الله بن عمر به،
8- وولي الوليد بن عقبة الكوفة، فأحدث في الصلاة ما أحدث، فلم يمنعه ذلك من إعاذته إياه،
9- وأجاز الرجم، وذلك أنه كان رجم امرأة من جهينة دخلت على زوجها، فولدت لستة أشهر، فأمر عثمان برجمها، فلما أخرجت دخل إليه علي بن أبي طالب فقال: إن الله عز وجل يقول: وحمله وفصاله ثلاثون شهراً، وقال في رضاعه حولين كاملين، فأرسل عثمان في أثر المرأة، فوجدت قد رجمت وماتت. واعترف الرجل بالولد.
[ بداية الثورة]
وقدم عليه أهل البلدان فتكلموا، وبلغ عثمان أن أهل مصر قدموا عليهم السلاح، فوجه إليهم عمرو بن العاص وكلمهم، فقال لهم: إنه يرجع إلى ما تحبون، ثم كتب لهم بذلك وانصرفوا، فقال لعمرو بن العاص: اخرج فأعذرنى عند الناس، فخرج عمرو،
[ خطبة عمرو بن العاص : في الدفع عن عثمان.. ووصفه لعمر : بالأحول الأعسر]
فصعد المنبر، ونادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس حمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر محمداً بما هو أهله، وقال: بعثه الله رأفة ورحمة، فبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، أفليس ذلك كذلك؟
قالوا: بلى. فجزاه الله خير ما جزى نبيا عن أمته،
ثم قال: وولي من بعده رجل عدل في الرعية، وحكم بالحق، أفليس ذلك كذلك؟
قالوا: بلى! فجزاه الله خيراً.
قال: ثم ولي الأعسر الأحول ابن حنتمة، فابدت له الأرض أفلاذ كبدها، وأظهرت له مكنون كنوزها، فخرج من الدنيا، وما أنبل عصاه، أفليس ذلك كذلك؟
قالوا: بلى! فجزاه الله خيراً.
قال: ثم ولي عثمان، فقلتم، وقال، تلومونه ويعذر نفسه، أفليس ذلك كذلك؟
قالوا: بلى!
قال: فاصبروا له، فإن الصغير يكبر والهزيل يسمن، ولعل تأخير أمر خير من تقديمه. ثم نزل، فدخل أهل عثمان عليه فقالوا له: هل عابك أحد بمثل ما عابك به عمرو؟
فلما دخل عليه عمرو قال: يا ابن النابغة! والله ما زدت إن حرضت الناس علي.
قال: والله لقد قلت فيك أحسن ما علمت، ولقد ركبت من الناس، وركبوها منك، فاعتزل إن لم تعتدل! فقال: يا ابن النابغة قمل درعك مذ عزلتك عن مصر.
[ قصة وفد مصر وظفرهم بالكتاب]
وسار الركب الذين قدموا من مصر، فلما صاروا في بعض الطريق، إذا براكب على جمل، فأنكروه، ففتشوه، فوجدوا معه صحيفة من عثمان إلى خليفته عبد الله بن سعد: إذا قدم عليك النفر، فاقطع أيديهم وأرجلهم، فقدموا واتفقوا على الخروج، وكان من يأخذون عنه محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، وكنانة بن بشر، وابن عديس البلوي، فرجعوا إلى المدينة
[ خلافه مع عائشة]
وكان بين عثمان وعائشة منافرة وذلك أنه نقصها مما كان يعطيها عمر ابن الخطاب، وصيرها أسوة غيرها من نساء رسول الله، فإن عثمان يوماً ليخطب إذ دلت عائشة قميص رسول الله، ونادت: يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبل، وقد أبلى عثمان سنته! فقال عثمان: رب اصرف عني كيدهن إن كيدهن عظيم.
[ الحصار، وتأليب الثلاثة]
وحصر ابن عديس البلوي عثمان في داره، فناشدهم الله، ثم نشد مفاتيح الخزائن، فأتوا بها إلى طلحة بن عبيد الله، وعثمان محصور في داره، وكان أكثر من يؤلب عليه طلحة والزبير وعائشة
،
[ عثمان يتهم معاوية ]
فكتب إلى معاوية يسأل تعجيل القدوم عليه، فتوجه إليه في اثني عشر ألفاً، ثم قال: كونوا بمكانكم في أوائل الشام، حتى آتي أمير المؤمنين لأعرف صحة أمره، فأتى عثمان، فسأله عن المدة، فقال: قد قدمت لأعرف رأيك وأعود إليهم فأجيئك بهم. قال: لا والله، ولكنك أردت أن أقتل فتقول: أنا ولي الثأر. ارجع، فجئني بالناس! فرجع، فلم يعد إليه حتى قتل.
[ ذم عائشة لعثمان]
وصار مروان إلى عائشة، فقال: يا أم المؤمنين! لو قمت فأصلحت بين هذا الرجل وبين الناس، قالت قد فرغت من جهازي، وأنا أريد الحج. قال: فيدفع إليك بكل درهم أنفقته درهمين، قالت: لعلك ترى أني في شك من صاحبك؟ أما والله لوددت أنه مقطع في غرارة من غرائري، وإني أطيق حمله، فأطرحه في البحر.
[ مقتل عثمان]
وأقام عثمان محاصراً أربعين يوماً. وقتل لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثون، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وقيل ست وثمانين سنة،
وكان الذين تولوا قتله: محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، وابن حزم، وقيل كنانة بن بشر التجيبي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعبد الرحمن ابن عديس البلوي، وسودان بن حمران، وأقام ثلاثاً لم يدفن، وحضر دفنه حكيم بن حزام، وجبير بن مطعم، وحويطب بن عبد العزى، وعمرو بن عثمان ابنه. ودفن بالمدينة ليلاً في موضع يعرف بحش كوكب، وصلى عليه هؤلاء الأربعة. وقيل لم يصل عليه، وقيل أحد الأربعة قد صلى عليه، فدفن بغير صلاة.
وكانت أيامه اثنتي عشرة سنة، وحج عثمان بالناس أيامه كلها إلا السنة الأولى، وهي سنة أربع وعشرون، فإنه حج بالناس عبد الرحمن بن عوف، والسنة التي قتل فيها، فإنه حج بالناس عبد الله بن عباس، وهي سنة خمس وثلاثون، وكان له من الولد الذكور سبعة: عمرو وعمر وخالد وأبان والوليد وسعيد وعبد الملك.
صفة عثمان بن عفان:
وكان عثمان بن عفان مربوعاً، حسن الوجه، رقيق البشرة، كثير اللحية، عظيمها، أسمر، عظيم الكرادس، بعيد ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس، أسنانه مشدودة بالذهب، يصفر لحيته.
وكان عمال عثمان:
1- على اليمن يعلى بن منية التميمي.
2- وعلى مكة عبد الله بن عمرو الحضرمي،
3- وعلى همذان جرير بن عبد الله البجلي.
4- وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفي،
5- وعلى الكوفة أبا موسى الأشعري،
6- وعلى البصرة عبد الله بن عامر بن كريز،
7- وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
8- وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان بن حرب.
وكان الفقهاء في أيام عثمان أمير المؤمنين:
علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبا موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وأبا الدرداء، وأبا سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وسلمان بن ربيعة الباهلي
وهذا سياق ابن الأثير في كتابه المشهور الكامل في التاريخ - (ج 2 / ص 14)
وابن الأثير من كبار مؤرخي أهل السنة، وهو اقدم من ابن كثير والذهبي ونحوهم ممن غسلوا أدمعة الناس بالتغطية على الحقائق... وسياق ابن الأثير وإن كان فيه بعض التعصب السني إلا أنه خفيف جداً.. فقد روى ما صرحت به الروايات الصحيحة في الجملة...
يقول ابن الأثير:
ذكر مقتل عثمان
وقد ذكرنا سبب مسير الناس إلى قتل عثمان، وقد تركنا كثيراً من الأسباب التي جعلها الناس ذريعة إلى قتله لعلل دعت إلى ذلك، ونذكر الآن كيف قتل وما كان بدء ذلك وابتداء الجرأة عليه قبل قتله.
فكان من ذلك:
1- أن إبلاً من إبل الصدقة قدم بها على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف، فأخذها وقسمها بين الناس وعثمان في الدار.
2- قيل: وكان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق جبلة بن عمرو الساعدي، مر به عثمان وهو في نادي قومه وبيده جامعة، فسلم فرد القوم، فقال جبلة: لم تردون على رجل فعل كذا وكذا؟ ثم قال لعثمان: والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه الخبيثة: مروان وابن عامر وابن سعد، منهم من نزل القرآن بذمه وأباح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دمه، فاجترأ الناس عليه، وقد تقدم قول عمرو بن العاص له في خطبته.
3- قيل: وخطب يوماً وبيده عصا كان النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر يخطبون عليها، فأخذه جهجاه الغفاري من يده وكسرها على ركبته اليمنى فرمي في ذلك المكان بأكلة.
4- وقيل: كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم إلى من بالآفاق منهم: إن أردتم الجهاد فهلموا إليه فإن دين محمد، صلى الله عليه وسلم، قد أفسده خليفتكم فأقيموه. فاختلفت قلوب الناس على ما تقدم ذكره، وجاء المصريون، كما ذكرنا، إلى المدينة، فخرج إليهم علي ومحمد بن مسلمة، كما تقدم، فكلماهم فعادوا ثم رجعوا، فلما رجعوا انطلق إليهم محمد بن مسلمة فسألهم عن سبب عودهم، فأخرجوا صحيفة في أنبوبة رصاص وقالوا: وجدنا غلام عثمان بالبويب على بعير من إبل الصدقة، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه هذه الصحيفة يأمر فيها بجلد عبد الرحمن بن عديس وعمرو بن الحمق وعروة بن البياع وحبسهم وحلق رؤوسهم ولحاهم وصلب بعضهم.
5- وقيل: إن الذي أخذت منه الصحيفة أبو الأعور السلمي، فلما رأوه سألوه عن مسيرة وهل معه كتاب فقال: لا. فسألوه في أي شيء هو، فتغير كلامه، فأنكروه وفتشوه وأخذوا الكتاب منه وعادوا وعاد الكوفيون والبصريون. فلما عاد أهل مصر أخبروا بذلك محمد بن مسلمة وقالوا له: قد كلمنا علياً ووعدنا أن يكلمه، وكلمنا سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فقالا: لا ندخل في أمركم. وقالوا لمحمد ابن مسلمة ليحضر مع علي عند عثمان بعد الظهر، فوعدهم بذلك، فدخل علي ومحمد بن مسلمة على عثمان فاستأذنا للمصريين عليه، وعنده مروان، فقال: دعني أكلمهم. فقال عثمان: اسكت فض الله فاك! ما أنت وهذا الأمر؟ اخرج عني! فخرج مروان: وقال علي ومحمد لعثمان ما قال المصريون، فأقسم بالله: ما كتبته ولا علم لي به. فقال محمد: صدق، هذا من عمل مروان، ودخل عليه المصريون فلم يسلموا عليه بالخلافة، فعرفوا الشر فيهم، وتكلموا فذكر ابن عديس ما فعل عبد الله بن سعد بالمسلمين وأهل الذمة والاستئثار في الغنائم، فإذا قيل له في ذلك قال: هذا كتاب أمير المؤمنين. وذكروا شيئاً مما أحدث بالمدينة، وقالوا له: وخرجنا من مصر ونحن نريد قتلك فردنا علي ومحمد ابن مسلمة وضمنا لنا النزوع عن كل ما تكلمنا فيه، فرجعنا إلى بلادنا فرأينا غلامك وكتابك وعليه خاتمك تأمر عبد الله بجلدنا والمثلة بنا وطول الحبس.
6- فحلف عثمان أنه ما كتب ولا أمر ولا علم. فقال علي ومحمد: صدق عثمان. قال المصريون:فمن كتبه؟ قال: لا أدري. قالوا: فيجترأ عليك ويبعث غلامك وجملاً من الصدقة وينقش على خاتمك ويبعث إلى عاملك بهذه الأمور العظيمة وأنت لا تعلم؟ قال: نعم. قالوا: ما أنت إلا صادق أو كاذب، فإن كنت كاذباً فقد استحققت الخلع لما أمرت به من قتلنا بغير حق، وإن كنت صادقاً فقد استحققت أن تخلع نفسك لضعفك عن هذا الأمر وغفلتك وخبث بطانتك، ولا ينبغي لنا أن نترك هذا الأمر بيد من تقطع الأمور دونه لضعفه وغفلته، فاخلع نفسك منه كما خلعك الله! فقال: لا أنزع قميصاً ألسنيه الله، ولكني أتوب وأنزع. قالوا: لو كان هذا أول ذنب تبت منه قبلنا، ولكنا رأيناك تتوب ثم تعود ولسنا منصرفين حتى نخلعك أو نقتلك أو تلحق أرواحنا بالله تعالى، وإن منعك أصحابك وأهلك قاتلناهم حتى نخلص إليك. فقال: أما إن أتبرأ من خلافة الله فالقتل أحب إلي من ذلك، وأما قولكم تقاتلون من منعني فإني لا آمر أحداً بقتالكم، فمن قاتلكم فبغير أمري قاتل، ولو أردت قتالكم لكتبت إلى الأجناد فقدموا علي أو لحقت ببعض أطرافي. وكثرت الأصوات واللغط.
7- فقام علي فخرج وأخرج المصريين ومضى علي إلى منزله، وحصر المصريون عثمان، وكتب إلى معاوية وابن عامر وأمراء الأجناد يستنجدهم ويأمرهم بالعجل وإرسال الجنود إليه. فتربص به معاوية، فقام في أهل الشام يزيد بن أسد القسري جد خالج بن عبد الله القسري فتبعه خلق كثير، فسار بهم إلى عثمان، فلما كانوا بوادي القرى بلغهم قتل عثمان فرجعوا. وقيل: بل سار من الشام حبيب بن مسلمة الفهري، وسار من البصرة مجاشع بن مسعود السلمي، فلما وصلوا الربذة ونزلت مقدمتهم صراراً بناحية المدينة أتاهم قتل عثمان فرجعوا، وكان عثمان قد استشار نصحاءه في أمره، فأشاروا عليه أن يرسل إلى علي يطلب إليه أن يردهم ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه إمداده. فقال: إنهم لا يقبلون التعلل، وقد كان مني في المرة الأولى ما كان. فقال مروان: أعطهم ما سألوك وطاولهم ما طاولوك، فإنهم قوم بغوا عليك ولا عهد لهم. فدعا علياً فقال له: قد ترى ما كان من لناس ولست آمنهم على دمي، فارددهم عني فإني أعطيهم ما يريدون من الحق من نفسي وغيري. فقال علي: الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك، ولا يرضون إلا بالرضا، وقد كنت أعطيتهم أولاً عهداً فلم تف به فلا تغرني هذه المرة فإني معطيهم علك الحق. فقال: أعطهم فوالله لأفين لهم. فخرج علي إلى الناس فقال لهم: أيها الناس إنكم إنما طلبتم الحق وقد أعطيتموه وقد زعم أنه منصفكم من نفسه. فقال الناس: قبلنا فاستوثق منه لنا فإنا لا نرضى بقول دون فعل. فدخل عليه علي فأعلمه فقال: اضرب بيني وبينهم أجلاً فإني لا أقدر على أن أرد ما كرهوا في يوم واحد. فقال علي: أما ما كان بالمدينة فلا أجل فيه وما غاب فأجله وصول أمرك. قال: نعم، فأجلني فيما في المدينة ثلاثة أيام، فأجابه إلى ذلك، وكتب بينهم كتاباً على رد كل مظلمة وعزل كل عامل كرهوه، فكف الناس عنه، فجعل يتأهل للقتال ويستعد بالسلاح واتخذ جنداً، فلما مضت الأيام الثلاثة ولم يغير شيئاً ثار به الناس، وخرج عمرو بن حزم الأنصاري إلى المصريين فأعلمهم الحال، وهم بذي خشب، فقدموا المدينة وطلبوا منه عزل عماله ورد مظالمهم. فقال: والله لتفعلن أو لتخلعن أو لتقتلن. فأبى عليهم وقال: لا أنزع سربالاً سربلنيه الله. فحصروه واشتد الحصار عليه، فأرسل إلى علي وطلحة والزبير فحضروا، فأشرف عليهم فقال: يا أيها الناس اجلسوا. فجلسوا المحارب والمسالم. فقال لهم: يا أهل المدينة أستودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي، ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم ويجمعكم على خيركم؟ أتقولون إن الله لم يستجب لكم وهنتم عليه وأنتم أهل حقه؟ أم تقولون: هان على الله دينه فلم يبال من ولي الدين لم يتفرق أهله يومئذ؟ أم تقولون: لم يكن أخذٌ عن مشورة إنما كان مكابرة فوكل الله الأمة إذا عصته ولم يشاوروا في الإمامة؟ أم تقولون: إن الله لم يعلم عاقبة أمري! وأنشدكم بالله أتعلمون لي من سابقة خير وقدم خير قدمه الله لي ما يوجب على كل من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها! فمهلاً لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إيمانه، أو قتل نفساً بغير حق، فإنكم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف أبداً.
[ ردهم عليه/ المسالم والمحارب: وهو في الكامل وفي جمهرة خطب العرب أيضاً]
قالوا: أما ما ذكرت من استخارة الناس بعد عمر ثم ولوك فإن كل ما صنع الله خيرة، ولكن الله جعلك بلية ابتلى بها عباده، وأما ما ذكرت من قدمك وسلفك مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقد كنت كذلك وكنت أهلاً للولاية، ولكن أحدثت ما علمته ولا نترك إقامة الحق عليك مخافة الفتنة عاماً قابلاً،
وأما قولك: إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة، فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت، قتل من سعى في الأرض فساداً، وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شيء من الحق ومنعه وقاتل دونه، وقد بغيت ومنعت وحلت دونه وكابرت عليه ولم تقد من نفسك من ظلمت، وقد تمسكت بالإمارة علينا، فإن زعمت أنك لم تكابرنا عليه فإن الذين قاموا دونك ومنعوك منا إنما يقاتلون لتمسكك بالإمارة، فلو خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال معك!
فسكت عثمان ولزم الدار وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم، فرجعوا إلا الحسن بن علي وابن عباس ومحمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير وأشباهاً لهم، واجتمع إليه ناس كثير،
فكانت مدة الحصار أربعين يوماً، فلما مضت ثماني عشرة ليلة قدم ركبان من الأمصار فأخبروا بخبر من تهيأ إليهم من الجنود وشجعوا الناس
فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه كل شيء حتى الماء. فأرسل عثمان إلى علي سراً وإلى طلحة والزبير وأزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، إنهم قد منعوني الماء فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا ماء فافعلوا.
فكان أولهم إجابة علي، وأم حبيبة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، فجاء علي في الغلس فقال: يا أيها الناس إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، فلا تقطعوا عن هذا الرجل الماء ولا المادة، فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي!
فقالوا: لا والله ولا نعمة عين! فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت ورجعت،
وجاءت أم حبيبة على بغلةٍ لها مشتملة على إداوة فضربوا وجه بغلتها
فقالت: إن وصايا بني أمية عند هذا الرجل، فأحببت أن أسأله عنها لئلا تهلك أموال الأيتام والأرامل.
فقالوا: كاذبة، وقطعوا حبل البغلة بالسيف، فنفرت وكادت تسقط عنها، فتلقاها الناس فأخذوها وذهبوا بها إلى بيتها.
فأشرف عثمان يوماً فسلم عليهم ثم قال: أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة بمالي ليستعذب بها فجعلت رشائي فيها كرجل من المسلمين؟
قالوا: نعم. قال: فلم تمنعوني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر؟ ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أني اشتريت أرض كذا فزدتها في المسجد؟ قيل: نعم. قال: فهل علمتم أن أحداً منع أن يصلي فيه قبلي؟
ثم قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال عني كذا وكذا؟ أشياء في شأنه.
ففشا النهي في الناس يقولون: مهلاً عن أمير المؤمنين. فقام الأشتر فقال: لعله مكر به وبكم.
وخرجت عائشة إلى الحج واستتبعت أخاها محمداً فأبى
فقالت: والله لئن استطعت أن يحرمهم الله ما يحاولون لأفعلن.
فقال له حنظلة الكاتب: تستتبعك أم المؤمنين فلا تتبعها وتتبع ذؤبان العرب إلى ما لا يحل؟ وإن هذا الأمر إن صار إلى التغالب غلبك عليه بنو عبد مناف.
ثم رجع حنظلة إلى الكوفة وهو يقول:
عجبت لما يخوض الناس فيه ... يرومون الخلافة أن تزولا
ولو زالت لزال الخير عنهم ... ولاقوا بعدها ذلاً ذليلا
وكانوا كاليهود وكالنصارى ... سواء كلهم ضلوا السبيلا
وبلغ طلحة والزبير ما لقي علي وأم حبيبة فلزموا بيوتهم وبقي عثمان يسقيه آل حزم في الغفلات.
فأشرف عثمان على الناس فاستدعى ابن عباس فأمره أن يحج بالناس، وكان ممن لزم الباب، فقال: جهاد هؤلاء أحب إلي من الحج. فأقسم عليه فانطلق.
قال عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة: دخلت على عثمان فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على بابه، فمنهم من يقول: ما تنتظرون به؟ ومنهم من يقول: انظروا عسى أن يراجع. قال: فبينما نحن واقفون إذ مر طلحة فقال: أين ابن عديس؟ فقام إليه فناجاه ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحداً يدخل على عثمان ولا يخرج من عنده.
فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة، اللهم اكفني طلحة فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم علي! والله إني لأرجو أن يكون منها صفراً وأن يسفك دمه!
قال: فأردت أن أخرج فمنعوني حتى أمرهم محمد بن أبي بكر فتركوني أخرج.
8- وقيل: إن الزبير خرج من المدينة قبل أن يقتل عثمان، وقيل: أدرك قتله.
9- ولما رأى المصريون أن أهل الموسم يريدون قصدهم وأن يجمعوا ذلك إلى حجهم مع ما بلغهم من مسير أهل الأمصار قالوا: لا يخرجنا من هذا الأمر الذي وقعنا فيه إلا قتل هذا الرجل فيشتغل الناس عنا بذلك. فراموا الباب فمنعهم الحسن وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان وسعيد بن العاص ومن معهم من أبناء الصحابة واجتلدوا، فزجرهم عثمان وقال: أنتم في حلٍ من نصرتي، فأبوا، ففتح الباب لمنعهم، فلما خرج ورآه المصريون رجعوا فركبهم هؤلاء وأقسم عثمان على أصحابه ليدخلن فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين، فقام رجل من أسلم يقال له نيار بن عياض، وكان من الصحابة، فنادى عثمان، فبينا هو يناشده أن يعتزلهم إذ رماه كثير بن الصلت الكندي بسهم فقتله.
فقالوا لعثمان عند ذلك: ادفع إلينا قاتله لنقتله به.
قال: لم أكن لأقتل رجلاً نصرني وأنتم تريدون قتلي.
فلما رأوا ذلك ثاروا إلى الباب، فلم يمنعهم أحد منه، والباب مغلق لا يقدرون على الدخول منه، فجاؤوا بنار فأحرقوه والسقيفة التي على الباب، وثار أهل الدار، وعثمان يصلي قد افتتح طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى... فما شغله ما سمع، ما يخطىء وما يتتعتع، حتى أتى عليها، فلما فرغ جلس إلى المصحف يقرأ فيه، وقرأ: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) آل عمران: 173، فقال لمن عنده بالدار: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد عهد إلي عهداً فأنا صابر عليه، ولم يحرقوا الباب إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه، فأحرج على رجل أن يستقتل أو يقاتل، وقال للحسن: إن أباك الآن لفي أمر عظيم من أمرك فأقسمت عليك لما خرجت إليه. فتقدموا فقاتلوا ولم يسمعوا قوله، فبرز المغيرة بن الأخنس بن شريق، وكان قد تعجل من الحج، في عصابة لينصروا عثمان وهو معه في الدار، وارتجز يقول:
قد علمت ذات القرون الميل ... والحلي والأنامل الطفول
لتصدقن بيعتي خليلي ... بصارمٍ ذي رونقٍ مصقول
لا أستقيل إذ أقلت قيلي
وخرج الحسن بن علي وهو يقول:
لا دينهم ديني ولا أنا منهم ... حتى أسير إلى طمار شمام
وخرج محمد بن طلحة وهو يقول:
أنا ابن من حامى عليه بأحد ... ورد أحزاباً على رغم معد
وخرج سعيد بن العاص وهو يقول:
صبرنا غداة الدار والموت واقف ... بأسيافنا دون ابن أروى نضارب
وكنا غداة الروع في الدار نصرةً ... نشافههم بالضرب والموت نائب
وكان آخر من خرج عبد الله بن الزبير فكان يحدث عن عثمان بآخر ما كان عليه،
وأقبل أبو هريرة والناس محجمون فقال: هذا يوم طاب فيه الضرب! ونادى: (يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار) غافر: 41،
وبرز مروان وهو يقول:
قد علمت ذات القرون الميل ... والكف والأنامل الطفول
أني أروع أول الرعيل ... بغارةٍ مثل القطا الشليل
فبرز إليه رجل من بني ليث يدعى النباع ( هو عروة بن شييم الليثي)، فضربه مروان وضرب هو مروان على رقبته فأثبته وقطع إحدى علباويه، فعاش مروان بعد ذلك أوقص
وقام إليه عبيد بن رفاعة الزرقي ليدفف عليه، فقامت فاطمة أم إبراهيم بن عدي، وكانت أرضعت مروان وأرضعت له، فقالت: إن كنت تريد قتله فقد قتل، وإن كنت تريد أن تلعب بلحمه فهذا قبيح! فتركه وأدخلته بيتها، فعرف لها بنوه ذلك واستعملوا ابنها إبراهيم بعد. ونزل إلى المغيرة بن الأخنس بن شريق رجلٌ فقتل المغيرة، قال: فلما سمع الناس يذكرونه قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال له عبد الرحمن بن عديس: ما لك؟ فقال: رأيت فيما يرى النائم هاتفاً يهتف فقال: بشر قاتل المغيرة بن الأخنس بالنار، فابتليت به.
واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها ودخلوها من دار عمرٍو بن حزم إلى دار عثمان حتى ملؤوها ولا يشعر من بالباب،
وغلب الناس على عثمان وندبوا رجلاً يقتله، فانتدب له رجل، فدخل عليه البيت فقال: اخلعها وندعك. فقال: ويحك! والله ما كشفت امرأة في جاهلية ولا إسلام ولا تغنيت ولا تمنيت ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولست خالعاً قميصاً كسانيه الله تعالى حتى يكرم الله أهل السعادة ويهين أهل الشقاوة! فخرج عنه
فقالوا: ما صنعت؟
فقال: والله لا ينجينا من الناس إلا قتله ولا يحل لنا قتله.
فأدخلوا عليه رجلاً من بني ليث فقال له: لست بصاحبي لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، دعا لك أن تحفظ يوم كذا وكذا ولن تضيع.
فرجع عنه وفارق القوم.
ودخل عليه رجل من قريش فقال له: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استغفر لك يوم كذا وكذا فلن تقارف دماً حراماً. فرجع وفارق أصحابه.
وجاء عبد الله بن سلام ينهاهم عن قتله فقال: يا قوم لا تسلوا سيف الله فيكم، فوالله إن سللتموه لا تغمدوه! ويلكم! إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة، فإن قتلتموه لا يقوم إلا بالسيف. ويلكم! إن مدينتكم محفوفة بالملائكة فإن قتلتموه ليتركنها. فقالوا: يا ابن اليهودية ما أنت وهذا! فرجع عنهم.
وكان آخر من دخل عليه ممن رجع محمد بن أبي بكر، فقال له عثمان: ويلك أعلى الله تغضب؟ هل لي إليك جرم إلا حقه أخذته منك؟ فأخذ محمد لحيته وقال: قد أخزاك الله يا نعثل! فقال: لست بنعثل ولكني عثمان وأمير المؤمنين، وكانوا يلقبون به عثمان. فقال محمد: ما أعنى عنك معاوية وفلان وفلان! فقال عثمان: يا ابن أخي فما كان أبوك ليقبض عليها. فقال محمد: لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك، والذي أريد بك أشد من قبضي عليها! فقال عثمان: أستنصر الله عليك واستعين به! فتركه وخرج.
وقيل: بل طعن جبينه بمشقص كان في يده. والأول أصح.
قال: فلما خرج محمد وعرفوا انكساره ثار قتيرة وسودان بن حمران والغافقي، فضربه الغافقي بحديدة معه وضرب المصحف برجله، فاستدار المصحف واستقر بين يديه وسالت عليه الدماء، وجاء سودان ليضربه، فأكبت عليه امرأته واتقت السيف بيدها، فنفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت، فغمز أوراكها وقال: إنها لكبيرة العجز! وضرب عثمان فقتله.
وقيل: الذي قتله كنانة بن بشر التجيبي. وكان عثمان رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة يقول له: إنك تفطر الليلة عندنا. فلما قتل سقط من دمه على قوله تعالى: (فسيكفيكهم الله) البقرة: 137.
ودخل غلمة لعثمان مع القوم لينصروه، وكان عثمان قد أعتق من كف يده منهم، فلما ضربه سودان ضرب بعض الغلمان رقبة سودان فقتله،
ووثب قتيرة على الغلام فقتله،
وانتهبوا ما في البيت وخرجوا ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى،
فلما خرجوا وثب غلام عثمان على قتيرة فقتله،
وثار القوم فأخذوا ما وجدوا حتى أخذوا ما على النساء،
وأخذ كلثوم التجيبي ملاءةً من على نائلة، فضربه غلام لعثمان فقتله،
وتنادوا: أدركوا بيت المال ولا تسبقوا إليه، فسمع أصحاب بيت المال كلامهم وليس فيه إلا غرارتان، فقالوا: النجاء فإن القوم إنما يحاولون الدنيا! فهربوا، وأتوا بيت المال فانتهبوه وماج الناس.
وقيل: إنهم ندموا على قتله. وأما عمرو بن الحمق فوثب على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات، قال: فأما ثلاث منها فإني طعنتهن إياه لله تعالى، وأما ستفلما كان في صدري عليه. وأرادوا قطع رأسه فوقعت نائلة عليه وأم البنين فصحن وضربن الوجوه.
فقال ابن عديس: اتركوه.
وأقبل عمير ابن ضابىء فوثب عليه فكسر ضلعاً من أضلاعه وقال: سجنت أبي حتى مات في السجن.
وكان قتله لثماني عشر خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين يوم الجمعة، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً، وقيل: إلا ثمانية أيام، وقيل: بل كان قتله لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقيل: بل قتل أيام التشريق وكان عمره اثنتين وثمانين سنة، وقيل: ثمانياً وثمانين سنة، وقيل: تسعين سنة، وقيل: خمساً وسبعين سنة، وقيل: ستاً وثمانين سنة.
ذكر الموضع الذي دفن فيه ومن صلى عليه
قيل: بقي عثمان ثلاثة أيام لا يدفن، ثم إن حكيم بن حزام القرشي وجبير ابن مطعم كلما علياً في أن يأذن في دفنه، ففعل، فلما سمع من قصده بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله وغيرهم، وفيهم الزبير والحسن وأبو جهم بن حذيفة ومروان، بين المغرب والعشاء، فأتوا به حائطاً من حيطان المدينة يسمى حش كوكب، وهو خارج البقيع، فصلى عليه جبير بن مطعم، وقيل: حكيم بن حزام،
وقيل: مروان، وجاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه ثم تركوهم خوفاً من الفتنة. وأرسل علي إلى من أراد أن يرجم سريره ممن جلس على الطريق لما سمع بهم فمنعهم عنه، ودفن في حش كوكب.
فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بذلك الحائط فهدم وأدخل في البقيع وأمر الناس فدفنوا أمواتهم حول قبره حتى اتصل الدفن بمقابر المسلمين.
وقيل: إنما دفن بالبقيع مما يلي حش كوكب.
وقيل: شهد جنازته علي وطلحة وزيد بن ثابت وكعب بن مالك وعامة من ثم من أصحابه. قال: وقيل لم يغسل وكفن في ثيابه اهـ.
سياق المسعودي عن عثمان وأخباره
باستثناء ما أفردناه مثل :
عثمان وأبي ذر .. فقد أفرد في ( بحث الكبار وعثمان وسنذكره منفرداً لطوله)
عثمان وعمار.. وقد أفرد في ( بحث الكبار وعثمان وسنذكره منفرداً لطوله)
ذكر نسبه ولمع من أخباره وسيره
نسبه وأولاده
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، ويكنى بأبي عبد اللهّ وأبي عمرو، والأغلب منهما أبو عبد اللهّ، و أمه أرْوَى بنت كريز بن جابر بن حبيب بن عبد شمس، وكان له من الولد: عبد اللهّ الأكبر، وعبد اللهّ الأصغر، أمه ما رقية بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبان، وخالد، وسعيد، والوليد، والمغيرة، وعبد الملك، وأم أبان، وأم سعيد، وأم عمرو، وعائشة، وكان عبد اللهّ الأكبر يلقب بالمطرف لجماله وحسنه. وكان كثير التزوج، كثير الطلاق، وكان أبان أبْرَصَ أحْوَلَ، قد حمل عنه أصحابُ الحديث عدة من السنن، وولي لبني مروان مكة وغيرها. وكان سعيد أحْوَلَ بخيلاً. وقتل في زمن معاوية وكان الوليد صاحب شراب وفتوة ومُجُون. وقتل أبوه وهو مخلَّقُ الوجه سكران عليه مُصَبَّغات واسعة. وبلغ عبد اللّه الأصغر من السن ستاً وسبعين عاماً (! كذا وهو خطأ والصواب ستاً أو سبعة أعوام). فنقره ديك في عينه، فكان ذلك سبب موته، وعبد الملك مات صغيراً ولا عقب له.
صفاته
وكان عثمان في نهاية الجود والكرم والسماحة والبذل في القريب والبعيد. فسلك عمالُه وكثير من أهل عصره طريقته، وتأسَّوْا به في فعله. وبنى فيداره في المدينة وشيدها بالحجر والكِلْس، وجعل أبوابها من الساج والعَرْعَر واقتنى أموالاً وجناناً وعيوناً بالمدينة.
الثروة في عهد عثمان:
ثروته (ثروة عثمان)
وذكر عبد الله بن عتبة :
أن عثمان يوم قتل كان له عند خازنه من المال
1- خمسون ومائة ألف دينار
2- وألف ألف درهم،
3- وقيمة ضياعه بوادي القُرَى وحُنَيْن وغيرهما مائة ألف دينار،
4- وخلف خَيْلاً كثيراً وإبلاً.
ثروة الزبير بن العوام
وفي أيام عثمان اقتنى جماعة من الصحابة الضِّيَاعَ والحور:
منهم الزبير بن العوام، بنى داره بالبصرة، وهي الكوفة في هذا الوقت - وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة - نزلها التجار وأرباب الأموال وأصحاب الجهاز من البحريين وغيرهم، وابتنى أيضاً دوراًً بمصر والكوفة والإسكندرية، وما ذكرنا من دوره وضياعه فمعلوم غير مجهول إلى هذه الغاية(!!!).
وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار،
وخلف الزبير ألف فرس،
وألف عبد وأمة،
وخططاً بحيث ذكرنا من الأمصار.
ثروة طلحة بن عبيد اللّه
وكذلك طلحة بن عبيد اللّه التيمي:
ابتنى داره بالكوفة المشهورة به هذا الوقت، المعروفة بالكُنَاسة بدار الطلحيين،
وكان غلته من العراق كل يوم ألف دينار، وقيل أكثر من ذلك،
وبناحية الشراة أكثر مما ذكرنا،
وشيد داره بالمدينة وبناها بالآجرِّ والجِصِّ والساج.
ثروة عبد الرحمن بن عوف
وكذلك عبد الرحمن بن عوف الزهري:
ابتنى داره ووسعها، وكان على مربطه مائة فرس،
وله ألف بعير،
وعشرة آلاف شاة من الغنم،
وبلغ بعد وفاته رُبُعُ ثمنِ مالِهِ أربعةً وثمانين ألفاً.
ثروة قوم من الصحابة
وابتنى سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق، فرفع سمكها، ووسع فضاءها، وجعل أعلاها شُرُفَاتِ.
وقد ذكر سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت حين مات خلف الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس، غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار.
وابتنى المقداد داره بالمدينة في الموضع المعروف بالجرف على أميال من المدينة وجعل أعلاها شرفات، وجعلها مجصَّصة الظاهر والباطن.
ومات يعلى بن منية، وخلف خمسمائة ألف دينار، وديوناً علم الناس، وعقارات، وغير ذلك من التركة ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار.
وهذا باب يتسع ذكره ويكثر وصفه، فيمن تملك من الأموال في أيامه ،
ولم يكن مثل ذلك في عصر عمر بن الخطاب، بل كانت جادة واضحة وطريقة بينة.
وحج عمر فأنفق في ذهابه ومجيئه إلى المدينة ستة عشر ديناراً، وقال لولده عبد اللّه: لقد أسرفنا في نفقتنا في سفرنا هذا.
ولقد شكا الناس أميرهم بالكوفة سعد بن أبي وقاص - وذلك في سنة إحدى وعشرين - فبعث عمر محمد بن مسلمة الأنصاري حليف بني عبد الأشهل، فحرق عليه باب قصر الكوفة، وعرضه في مساجد الكوفة يسألهم عنه؛فحمده بعضهم، وشكاه بعض،
فعزله وبعث إلى الكوفة :
عمار بن ياسر على الثغر،
وعثمان بن حُنَيْف على الخراج،
وعبد اللّه بن مسعود على بيت المال، - قلت: دلائل توبة عمر، فكل الثلاثة من هؤلاء-
وأمره أن يعلم الناس القرآن ويفقههم في الدين وفرض لهم في كل يوم شاة، فجعل شطرها وسواقطها لعمار بن ياسر والشطر الأخر بين عبد اللّه بن مسعود وعثمان بن حنيف، فأين عُمر ممم ذكرنا؛ وأين هو عما وصفنا؟.
عمال عثمان
وقدم على عثمان عمه الحكم بن أبي العاص وابنه مروان وغيرهما من بني أمية - والحكم هو طريد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الذي غَرَّبه عن المدينة، ونفاه عن جواره - وكان عماله جماعة منهم الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيْط على الكوفة، وهو ممن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار، وعبد اللهّ بن أبي سَرْح على مصر، ومعاوية بن أبي سفيان على الشام، وعبد اللهّ بن عامر على البصرة، وصَرَفَ عن الكوفة الوليد بن عُقْبة، وولاها سعيد بن العاص.
مروج الذهب - (ج 1 / ص 306) الوليد بن عقبة..
الوليد بن عقبة
وكان السبب في صرف الوليد بن عقبة وولاية سعيد - على ما روي - أن الوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه ومغنيه من أول الليل إلى الصباح، فلما آذنه المؤذنون بالصلاة خرج متفضِّلا في غَلائله، فتقدَّمَ إلى المحراب في صلاة الصبح، فصلى بهم أربعاً، وقال: أتريحون أن أزيدكم؟ وقيل: إنه قال في سجوده وقد أطال: أشرب واسقني، فقال له بعض من كان خلفه في الصف الأول: ما تزيد لازادك اللّه من الخير. واللهّ لا اعجب إلا ممن بعثك إلينا والياً وعلينا أميراً، وكان هذا القائل عتاب بن غيلان الثقفي.
وخطب الناس الوليد فحصبه الناس بحصباء المسجد، فدخل قصره يترنح، ويتمثل بأبيات لتأبط شَرّاً:
ولست بعيداً عن مدام وقَيْنة ... ولا بصفا صلد عن الخير معزل
ولكنني أروي من الخمر هامتي ... وأمشي المَلاَ بالساحب المتسلسل
وفي ذلك يقول الحطيئة:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه ... أن الوليد أحَقُّ بالعذر
نادى وقد تَفَتْ صلاتهم ... أ أزيدكم؟ ثَمِلاً وما يدريً
ليزيدهم أخرى، ولو قبلوا ... لقرنت بين الشفع والوتر
حبسوا عنانك في الصلاة، ولو ... خَلَّوْا عنانك لم تزل تجري
وأشاعوا بالكوفة فعله، وظهر فسقه ومداومته على شرب الخمر، فهجم عليه جماعة من المسجد منهم أبو زينب بن عوف الأزدى وجندب زهير الأزدي وغيرهما، فوجدوه سكران مضطجعاً على سريره لا يعقل، فأيقظوه من رقدته، فلم يستيقظ، ثم تقايأ عليهم ما شرب من الخمر، فانتزعوا خاتمه من يده وخرجوا من فوْرِهم إلى المدينة، فأتوا عثمان بن عفان، فشهدوا عنده على الوليد أنه شرب الخمر، فاقال عثمان: وما يريكما أنه شرب خمرا؟ فقالا: هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية، وأخرجا خاتمه فدفعاه إليه، فزجَرَهما ودفع في صدروهما، وقال: تنحَّيَا عني، فخرجا من عنده وأتيا علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وأخبراه بالقصة، فأتى عثمان وهو يقول: دفعت الشهود، وأبطلت الحدود، فقال له عثمان: فما ترى؟ قال: أرى أن تبعث إلى صاحبك فتحضره فإن أقاما الشهادة عليه في وجهه ولم يدْرَأ عن نفسا بحجة أقمت عليه الحد، فلما حضر الوليد دعاهما عثمان: فأقاما الشهادة عليه ولم يُدل بحجة فألقى عثمان السوط إلى علي، فقال علي لابنه الحسن: قم يا بني فأقم عليه ما أوجب الله عليه، فقال: يكفينيه بعض من ترى، فلما نظر إلى امتناع الجماعة عن إقامة الحد عليه تَوَقِّياً لغضب عثمان لقرابته منه أخذ علي السوط ودنا منه، فلما أقبل نحوه سبه الوليد، وقال: يا صاحب مكس، فقال عقيل بن أبي طالب وكان ممن حضر: إنك لتتكلم يا ابن أبي مُعَيْط كأنك لا تحري من أنت، وأنت علج من أهل صَفّورية - وهي قرية بين عكاء واللَّجُون، من أعمال الأردن، من بلاد طبرية، وكان ذكر أن أباه كان يهوديَاَ منها - فأقبل الوليد يَروغُ من علي، فاجتذبه علي فضرب به الأرض، وعلاه بالسوط، فقال عثمان: ليس لك أن تفعل به هذا، قال: بل وشراً من هذا إذا فسق ومنع حق الله تعالى أن يؤخذ منه.
سعيد بن العاص
مروج الذهب - (ج 1 / ص 307) سعيد بن العاص..
سعيد بن العاص:
وولي الكوفة بعده سعيد بن العاص، فلما دخل سعيد الكوفة واليَاَ أبى أن يصعد المنبر حتى يُغْسَل، وأمر بغَسْلِهِ،
وقال: إن الوليد كان نجسأ رجساً، فلما أتصلت أيام سعيد بالكوفة ظهرت منه أمور منكرة، فاستبد بالأموال، وقال في بعض الأيام أو كتب به عثمان:
إنما هذا السواد قطين لقريش،
فقال له الأشتر، وهو مالك بن الحارث النخعي:
أتجعل ما أفاء اللّه علينا بظلال سيوفنا ومراكز رماحنا بستاناً لك ولقومك؟
ثم خرج إلى عثمان في سبعين راكباً من أهل الكوفة فذكروا سوء سيرة سعيد بن العاص، وسألوا عَزْلَه عنهم، فمكث الأشتر وأصحابه أياماً لا يخرج لهم من عثمان في سعيد شيء، وامتدت أيامه بالمدينة،
وقدم عَلَى عثمان أمراؤه من الأمصار
منهم عبد اللهّ بن سعد بن أبي سَرْح من مصر
ومعاوية من الشام
وعبد اللّه بن عامر من البصرة
وسعيد بن العاص من الكوفة،
فأقاموا بالمدينة أياماً لا يردهم إلى أمصارهم، وكراهة أن يرد سعيداً إلى الكوفة، وكره أن يعزله، حتى كتب إليه مَنْ بأمصارهم يَشكون كرة الخراج وتعطيل الثغور، فجمعهم عثمان وقال: ما ترون؟
فقال معاوية: أما أنا فراض بي جندي،
وقال عبد اللّه بن عامر بن كريز: ليكفك امرؤ ما قبله أكْفِكَ ما قبلي،
وقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح: ليس بكثير عزل عامل للعامة وتولية غيره،
وقال سعيد بن العاص: إنك إن فعلت هذا كان أهل الكوفة هم الذين يولون ويعزلون،
وقد صاروا حلقاً في المسجد ليس لهم غير الأحاديث والخوض،
فجهزهم في البعوث حتى يكون هَمُّ أحدهم أن يموت على ظهر دابته،
قال: فسمع مقالته عمرو بن العاص فخرج إلى المسجد، فإذا طلحة والزبير جالسان في ناحية منه،
فقالا له: تعالى إلينا، فصار إليهما،
فقالا: ما وراءك؟
قال: الشر، ما ترك شيئاً من المنكر إلا أتى به وأمره به،
وجاء الأشتر فقالا له: إن عاملكم الذي قمتم فيه خطباء قد رد عليكم وأمر بتجهيزكم في البعوث وبكذا وبكذا ،
فقال الأشتر: واللهّ لقد كنا نشكو سوء سيرته وما قمنا فيه خطباء، فكيف وقد قمنا؟!
وايْمُ اللّه على ذلك لولا أني أنفدْتُ النفقة وأنضيت الظهر لسبقته إلى الكوفة حتى أمنعه دخولها،
فقالا له: فعندنا حاجتك التي تقوم بك في سفرك
قال: فأسلفاني إذاً مائة ألف درهم،
قال: فأسلفه كل واحد منهما خمسين ألف درهم، فقسمها بين أصحابه، وخرج إلى الكوفة فسبق سعيداً، وصعد المنبر وسَيفه في عنقه ما وضعه بعد،
ثم قال: أما بعد، فإن عاملكم الذي أنكرتم تعدية وسوء سيرته قد رد عليكم، وأمر بتجهيزكم في البعوث، فبايعوني على أن لا يدخلهاَ،
فبايعه عشرة آلاف من أهل الكوفة
وخرج راكباً متخفياً يريد المدينة أو مكة، فلقي سعيداً بواقصة فأخبره بالخبر، فانصرف إلى المدينة،
وكتب الأشتر إلى عثمان:
أنا والله ما منعنا عاملك الدخول لنفسد عليك عملك، ولكن لسوء سيرته فينا وشدة عذابه، فابعث إلى عملك مَنْ أحببت،
فكتب إليهم: انظروا من كان عاملكم أيام عمر بن الخطاب فولوه،
فنظروا فإذا هو أبو موسى الأشعري، فولَوْهُ.
بدء الطعن على عثمان وسببه
وفي سنة خمس وثلاثين كثر الطعن على عثمان رضي الله عنه، وظهر عليه التنكير لأشياء ذكروها من فعله: منها:
1- ما كان بينه وبين عبد الله بن مسعود، وانحراف هُذَيْل عن عثمان من أجله
2- ومن ذلك ما نال عمار بن ياسر من الفتن والضرب، وانحراف بني مخزوم عن عثمان من أجله.
3- ثم ذكر قصة الوليد بن عقبة..
4- وقصة أبي ذر..
5- وقصة عمار ..
ثم قال
مروج الذهب - (ج 1 / ص 311)
ولما كان سنة خمس وثلانين :
سار مالك بن الحارث النخعي من الكوفة في مائتي رجل
وحكيم بن جبلة العبدي في مائة رجل من أهل البصرة
ومن أهل مصر ستمائة رجل عليهم عبد الرحمن بن عديس البَلَويً،
وقد ذكر الواقدي وغيره من أصحاب السير أنه ممن بايع تحت الشجرة،
إلى آخرين ممن كان بمصر
مثل عمرو بن الحمق الخزاعي
وسعد بن حُمْرَان التُّجِيبي، ( قلت: إنما هو سودان بن حمران )
ومعهم محمد أبي بكر الصديق،
- وقد كان تكلم بمصر، وَحرضَ الناس على عثمان لأمر يطول ذكره كان السبب فيه مروان بن الحكم-!!!
فنزلوا في الموضع المعروف بذي الخشب
فلما علم عثمان بنزولهم بعث إلى علي بن أبي طالب فأحضره، وسأله أن يخرج إليهم ويضمن لهم عنه كل ما يريدون من العدل وحسن السيرة،
فسار علي إليهم، فكان بينهم خطب طويل، فأجابوه إلى ما أراد وانصرفوا،
فلما صاروا إلى الموضع المعروف بحسمى إذا هم بغلامِ على بعير وهو مُقْبِل من المدينة، فتأمًلُوه فماذا هو ورش غلام عثمان، فقرَرُوه، (قلت: لعثمان نحو ألف عبد، لم أجد اسمه .. ولم يستقصهم أحد.. واقرب الناس لاسمه راشد مولى عثمان محدث)..
فأقَرً وأظهر كتابأ إلى ابن أبي سَرْح صاحب مصر وفيه إذا قدم عليك الجيشُ فاقطع يد فلان، واقتل فلاناً، وافعل بفلان كذا، واحْصَى كثر مَنْ في الجيش، وأمر فيهم بما أمر
وعلم القوم أن الكتاب بخط مروان،
فرجعوا إلى المدينة،
واتفق رأيهم ورأي مَنْ قدم من العراق،
ونزلوا المسجد وتكلموا،
وذكروا ما نزل بهم من عُمّالهم،
ورجعوا إلى عثمان فحاصروه في داره،
ومنعوه الماء، فأشرف على الناس
وقال: ألا أحد يسقينا؟
وقال: بم تستحلُّون قتلي وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحلُّ دم آمري مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس " ؟ والله ما فعلت ذلك في جاهلية أو إسلام،
فبلغ عليّاً طلبه للماء، فبعث إليه بثلاث قِرَبٍ ماء،
فما وصل إليه ذلك حتى خرج جماعة من موالي بني هاشم وبني أمية، وارتفع الصوت، وكثر الضجيج، وأحْدَقُوا بداره بالسلاح
وطالبوه بمروان، فأبى أن يخلِّيَ عنه،
وفي الناس بنو زُهْرة لأجل عبد اللّه بن مسعود لأنه كان من أحلافها،
وهذيل لأنه كان منها،
وبنو مخزوم وأحلافها لعمار،
وغِفَار وأحلافها لأجل أبي ذر،
وتَيْم بن مرة مع محمد بن أبي بكر،
وغير هؤلاء ممن لا يحمل كتابنا ذكره،
فلما بلغ عليَاَ أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين مع مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته، وأمرهم أن يمنعوه منهم، وبعث الزبير ابنه عبد الله، وبعث طلحة ابنه محمداً، وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم إقتداء بمن ذكرنا، فصدُوهم عن الدار،
فرمى من وصفنا بالسهام، واشتبك القوم،
وجُرح الحسن،
وشُبئَ قنبر،
وجرح محمد بن طلحة،
فخشي القوم أن يتعصب بنو هاشم وبنو أمية،
فتركوا القوم في القتال على الباب،
ومضى نفر منهم إلى دار قوم من الأنصار فتسوَّرُوا عليها،
وكان ممن وصل إليه محمد بن أبي بكر ورجلان آخران،
وعند عثمان زوجته، وأهُله؛ ومواليه مشاغيل بالقتال،
فأخذ محمد بن أبي بكر بلحيته،
فقال: يا محمد، واللّه لو رآك أبوك لساءه مكانك فتراخت يده،
وخرج عنه إلى الدار،
ودخل رجلان فوجداه فقتلاه،
وكان المصحف بين يديه يقرأ فيه، فصعدت امرأته فصرخت وقالت:
قد قتل أمير المؤمنين،
فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما من بني أمية،
فوجده قد فاضت نفسه رضي الله عنه،
فبكوا، فبلغ ذلك علياً وطلحة والزبير وسعداً وغيرهم من المهاجرين والأنصار، فاسترجع القوم، ودخل عليّ الدار، وهو كالواله الحزين،
وقال لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟
ولَطَم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة، ولعن عبد اللّه بن الزبير،
فقال له طلحة: لا تضرب أبا الحسن، ولا تشتم، ولا تلعن، لو دَفَعَ إليهم مروان ما قتل،
وهرب مروان وغيره من بني أمية،
وطُلِبُوا ليقتلوا فلم يوجدوا،
وقال علىِ لزوجته نائلة بنت الفراقصة:
مَنْ قتله وأنتِ كنت معه؟
قالت: دخل إليه رجلان وقصت خبر محمد بن أبي بكر،
فلم ينكر ما قالت، وقال: واللهّ لقد دخلت عليه وأنا أريد قتله، فلما خاطبني بما قال خرجْت، ولا أعلم بتخلف الرجلين عني، واللّه ما كان لي في قتله من سبب، ولقد قتل وأنا لا أعلم بقتله.
وكانت مدة ما حوصر عثمان في داره تسعاً وأربعين يوماً، وقيل: أكثر من ذلك.
مروج الذهب - (ج 1 / ص 312)
وقتل في ليلة الجمعة لثلاث بقين من في الحجة،
وذكر أن أحد الرجلين كنانة بن بشر التجيبي، ضربه بعمود على جبهته،
والأخر منهما سعد بن حُمْرَان المرادى، ضربه بالسيف على حبل عاتقه فَحلَّه.
وقد قيل: إن عمرو بن الحمق طعنه بسهام تسع طعنات،
وكان فيمن مال عليه عمير بن ضابىء البرجمي التميمي، وخضخض سيفه في يطنه.
مدفنه
ودفن على ما وصفنا في الموضع المعروف بحش كوكب،
وهذا الموضع فيه مقابر بني أمية، ويعرف أيضاً بحلة،
وصلى عليه جُبَير بن مطعم وحكيم بن حزام وأبو جَهْم بن حذيفة.
ولما حوصر عثمان كان أبو أيوب الأنصاري رضي اللّه عنه يصلّي بالناس،
ثم امتنع، فصلى بهم سهل بن حُنَيْف،
فلما كان يوم النحر صلّى بهم علي،
وقيل: إن عثمان قتل ومعه في الدار من بني أمية ثمانية عشر رجلا
منهم مروان بن الحكيم.
ما قيل فيه من الرثاء
وفي مقتله تقول زوجته نائلة بنت الفرافصة:
ألا إنَ خير الناس بعد ثلاثة ... قتيلُ التجيبيِّ الذي جاء من مصر
ومالِيَ لا أبكي وتبكي قرابتي ... وقد غيبوا عني فضول أبي عمرو
وقال حسان بن ثابت
- فيمن تخلف عنه وخَذَله من الأنصار وغيرهم، وأعان عليه وعلى قتله، واللّه أعلم بما قاله، من أبيات:
خذلَتْهُ الأنصار إذ حضر المو ... تَ وكانت ولاية الأنصار
مَن عَذِيري من الزبير ومن طلـــــــحة إذ جاء أمر له مقدار
فتولى محمد بن أبي بكر............... عياناً، وخلفه عمارأ
في شعر له طويل يذكر فيه غير من ذكرنا،
وينسبهم إلى التمالؤ على قتله، والرضا بما فُعل به، واللّه أعلم،
وكان حسان عثمانياً منحرفاً عن غيره، وكان عثمان إليه محسناً،
وهو المتوعد للأنصار في قوله في شعره:
يا ليْتَ شعري وليت الطير تخبرني ... ما كان شأن علي وابن عفانا
لَتَسْمَعُنّ وشيكا في ديارهمُ ... اللّه أكبر، يا ثارات عثمانا
وكان عثمان رضي اللهّ عنه كثيراً ما ينشد أبياتاً قالها ويطيل ذكرها
لا تعْرف لغيره، منها:
تفنى اللذافة مِمَّنْ نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الإثم والعار
يلقى عواقب سوء من مغبتها ... لاخير في لذة من بعدها النار
وكان الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيْط أخا عثمان لأمه ،
فسمع في الليلة الثانية من مقتل عثمان يندبه، وهو يقول:
بني هاشم، إنا وما كان بيننا ... كصَدْع الصفا ما يومِضُ الدهْر َشاعِبُه
بني هاشم، كيف الهَوَادة بيننا ... وسيف ابن أرْوَى عندكم وحرائبه
بني هاشم، ردوا سلاح ابن أختكم ... ولاتنهبوه، لاتحلّ مناهبهْ
غدرتم به كيما تكونوا مكانه ... كما غدرت يوماً بكسرى مَرَازبُه
وهي أبيات:
فأجابه عن هذا الشعر، وفيما رَمَى به بني هاشم ونسبه إليهم،
الفضلُ بن العباس بن عتبة بن أبي لهب فقال:
فلا تسألونا سيفكم؛ إن سيفكم ... أضِيعَ، وألقاه لَوَر الرَّوْع صاحبه
سلوا أهل مصر عن سلاح ابن أختنا ... فهم سلبوه سيفه وحرائبه
وكان وليَّ الأمر بعد محمد ... علي، وفي كل المواطن صاحبه
علي ولي اللّه أظهر دينه ... وأنت مع الأشْقَيْنَ فيما تحاربه
وأنت امرؤ من أهل صفواء نازح ... فمالك فينا ممت حميم تعاتبه
وقد أنزل الرحْمت أنك فاسق ... فمالك في الإسلام سهم تطالبه
قال المسعودي رحمه اللهّ:
ولعثمان أخبار وسير ومآثر حسان،
قد أتينا على ذكرها في كتابنا أخبار الزمان والكتاب الأوسط، وكذلك ما كان في أي أمه من الكوائن والأحداث والفتوح والحروب مثل الروم وغيرهم واللهّ ولي التوفيق، وصلى اللّه علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
العثمانية عند المسعودي:
مروج الذهب - (ج 1 / ص 314)
وقعد عن بيعته جماعة عثمانية لم يروا إلا الخروج عن الأمر:
منهم سعد بن أبي وقاص، (قلت: الراجح أنه بايع، ولكن اعتزل القتال من عهد عثمان)
وعبد اللّه بن عمر، وبايع يزيد بعد ذلك والحجاج لعبد الملك بن مروان،
ومنهم قُدَامَةُ بن مظعون، (؟ المجلود في الخمر، صهر عمر، هل كان حياً؟)
وأهبان بن صيفي، (هذا في البصرة.. مغمور).. ليست له صحبة شرعية
وعبد الله بن سلام، (لا يعرف ببيعة ولا غيرها)
والمغيرة بن شعبة الثقفي، (نعم بايع ثم غدر)
وممن اعتزل من الأنصار:
كعب بن مالك،( اعتزل)
وحسان بن ثابت، وكانا شاعرين، (والشاعر شاعر وكان عثمانيين)
وأبو سعيد الخُدْرِي، (الراجح أنه بايع وحضر النهروان على الأقل)
ومحمد بن مسلمة حليف بني عبد الأشْهَل، (هذا صحيح اعتزل )
ويزيد بن ثابت – زيد- ، (اعتزل)
ورافع بن خديج، (الراجح أنه مع علي)
ونعمإن بن بشير (هذا كان مع معاوية) .. ليست له صحبة شرعية
و فضالة بن عبيد، (كان في الشام) كيف يغفل المسعودي عن مثل هذا..
وكعب بن عجرة (يظهر أنه كان مع علي) ثم هل هو أنصاري؟
ومَسْلَمة " بن خالد (مخلد)، هذا من أصحاب معاوية .. مغمور ليست له صحبة..
في آخرين ممن لم نذكرهم من العثمانية
من الأنصار وغيرهم من بني أمية وسواهم.
وانتزع علي أملاكاً كان عثمان أقطعها جماعةً من لمسلمين، وقَسَّم ما في بيت المال على الناس، ولم يُفَضِّلْ أحداً على أحد، وبعثت أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى أخيها معاوية بقميص عثمان مخضَّباً بدمائه مع النعمان بن بشير الأنصاري، واتصلت بيعة علي بالكوفة وغيرها من الأمصار، وكان أهل الكوفة أسرع إجابة إلى بيعته، وأخذ له البيعة علىِ أهلها أبو موسى الأشعري، حتى تكاثر الناس عليه، وكان عليها عاملاَ لعثمان.
بنو أمية عند علي
وأتاه جماعة ممن تخلف عن بيعته من بني أمية:
منهم سعيد بن العاص،
ومروان بن الحكم،
والوليد بن عُقْبة بن أبي مُعَيْط،
فجرى بينه وبينهم خطب طويل،
وقال له الوليد: أنا لم نتخلف عنك رغبة عن بيعتك، ولكنا قوم وَتَرَنَا الناسُ، وخفنا على نفوسنا، فعذرنا فيما نقول واضح، أما أنا فقتلتَ أبي صبراً، وَضربتني حداً، وقال سعيد بن العاص كلاماً كثيراً،
وقال له الًوليد: أما سعيد فقتلت أباه، وأهنت مَثْو
وأمَّا مروان فإنك شتمت أباه، وعبت عثمان في ضَمِّه إياه.
وقد ذكر أبو مخنف لوط بن يحيى :
أن حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنعمان بن بشير - قبل نفوذه بالقميص - أتوا عليا ًفي آخرين من العثمانية
فقال كعب بن مالك:
يا أمير المؤمنين (!! هذه بيعة) ، ليس مسيئَاَ مَنْ عتب، وخير كفر ما محاهُ عذر، في كلام كثير، ثم بايع وبايع من ذكرنا جميعاً.
عمرو بن العاص
وقد كان عمرو بن العاص انحرف عن عثمان لانحرافه عنه وتوليته مصر غيره، فنزل الشام، فلما اتصل به أمر عثمان وما كان من بيعة علي، كتب إلى معاوية يهزُّه ويشير عليه بالمطالبة بدم عثمان،
وكان فيما كتب به إليه: ما كنت صانعاً إذا قشرت من كل شيء تملكه فاصنع ما أنت صانع،
فبعث إليه معاوية، فسار إليه،
فقال له معاوية: بايعني، قال: لا واللهّ لا أعطيك من ديني حتى أنال من دنياك،
قال: سَلْ، قال: مصر طُعْمَة.
فأجابه إلى ذلك، وكتب له به كتاباً؛
وقال عمرو بن العاص في ذلك:
مُعَاويَ لا أعطيك ديني ولم أنَل ... به منك دنيا؛ فانْظُرَنْ كيف تصنع
فإن تعطني مصر افأرْبِحْ بصفقة ... أخذتَ بها شيخاً يضر و ينفع
....
وقال:
مروج الذهب - (ج 1 / ص 322) جرير والأشعث واليان لعثمان عزلهما علي..
وبعث إلى الأشعث بن قيس يعزله عن أذربيجان وأرمينية، وكان عاملاً لعثمان عليها، وصرف عن همدان جرير بن عبد اللّه البجلي، وكان عاملاً لعثمان، فكان في نفس الأشعث على عليّ ما ذكرنا من العزل.
مروج الذهب - (ج 1 / ص 309)
ومن ذلك ما فعل بأبي ذر ، وهو أنه حضر مجلسه ذات يوم فقال عثمان: رأيتم من زكى ماله هل فيه حق لغيره؟ فقال كعب: لا يا أمير المؤمنين، فدفع أبو ذر في صد كعب، وقال له: كذبت يا ابن اليهودي، ثم تلا: " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " الآية - فقال عثمان: أترون بأساً أن نأخذ مالاً من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينو بنا من أمورنا ونعطيكموه؟ فقال كعب: لا بأس بذلك، فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب وقال: يا ابن اليهودي ما أجراك على القول في ديننا! فقال له عثمان: ما أكثر أذاك لي! غَيبْ وجهك عني فقد آذيتنا، فخرج أبو ذر إلى الشام، فكتب معاوية إلى عثمان: إن أبا ذر تجتمع إليه الجموع، ولا آمن أن يفسدهم عليك، فإن كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك، فكتب إليه عثمان بحمله، فحملَه على بعير عليه قَتَب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به، حتى أتوا به المدينة وقد تسلّخت بواطن أفخاذه وكاد أن يتلف، فقيل له: إنك تموت من ذلك، فقال: هيهات لن أموت حتى أنفى، وذكر جوامع ما ينزل به بعد، ومن يتولى دفنه، فأحسن إليه عثمان في داره أياماً، ثم دخل إليه فجلس علىِ ركبتيه وتكلم بأشياء، وذكر الخبر في ولد أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلاَ اتخذوا عباد اللهّ خَوَلاً، ومًر في الخبر بطوله وتكلم بكلام كثير، وكان في ذلك اليوم قد أتى عثمان بتركة عبد الرحمن بن عوف الزهري من المال، فنثرت البِدر حتى حالت بين عثمان وبين الرجل القائم، فقال عثمان: إني لأرجو لعبد الرحمن خيراً؛ لأنه كان يتصدق، ويَقْرِي الضيف، وترك ما ترون، فقال كعب الأحبار، صدقت يا أمير المؤمنين، فشال أبوذر العصا، فضرب بها رأس كعب، ولم يشغله ما كان فيه الألم وقال: يا ابن اليهودي تقول لرجل مات وترك هذا المال: إن الله أعطاه خير الدنيا وخير الأخرة، وتقطع على اللهّ بذلك، وأنا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما يسرني أن أموت وأدع ما يزن قيراطا " فقال له عثمان: وَارِعنِّي وجهك، فقال: أسير إلى مكة، قال: لا واللّه، قال: فتمنعني من بيت ربي أعبده فيه حتى أموت؟ قال: أي واللّه، قال: فإلى الشام، قال: لا واللهّ قال البصرة؟ قال: لا واللهّ، فاختر غير هذه البلدان، قال: لا واللهّ ما أختار غير ما ذكرت لك، ولو تركتني في دار هجرتي ما أردتُ شيئاً من البلدان، فَسَيِّرْنِي حيث شئت من البلاد، قال: فإني مسيرك إلى الرَبَذَةِ، قال: الله كبر، صدق رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم قد أخبرني بكل ما أنا لاقٍ، قال! عثمان: وما قال لك. قال: أخبرني بأني أمنِع عن مكة والمدينة وأموت بالرَبَذَةِ، ويتولى مواراتي نفر ممن يَردُون من العراق نحو الحجاز، وبعث أبو ذر إلى جمل له فحمل عليه امرأته - وقيل: ابنته - وآمر عثمان أن يتجافاه الناس حتى يسير إلى الربذة، فلما طلع عن المدينة ومروان يسير عنها طلع عليه علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ومعه ابناهُ الحسن والحسين وعقيل أخوه وعبد اللّه بن جعفر وعمار بن ياسر، فاعترض مروان فقال: يا على إن أمير المؤمنين قد نهى الناس أن يصحبوا أبا ذر في مسيره ويشيعوه، فإن كنت لم تدر بذلك فقد أعلمتك، فحمل عليه علي بن أبي طالب بالسوط وضرب بين أذني راحلته، وقال: تَنَحَّ نحاك اللّه إلى النار، ومضى مع أبي ذر فشيعه ثم ودَّعه وانصرف، فلما أراد علي الانصراف بكى أبو ذر، وقال: رحمكم اللّه أهل البيت، إذا رأيتك يا أبا الحسن وولدك ذكرت بكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا مروان إلى عثمان ما فعل به علي بن أبي طالب، فقال عثمان: يا معشر المسلمين من يعذرني من علي؟: رد َّرسولي عما وجَّهته له، وفعل كذا، واللهّ لنعطينه حقه، فلما رجع علي استقبله الناس، فقالوا له: إن أمير المؤمنين عليك غضبان لتشييعك أبا ذر، فقال علي: غَضَبَ الخيل على اللُّجُم.
فلما كان بالعشي جاء إلى عثمان، فقال له: ما حملك على ما صنعت بمروأن ولم اجترأت عليً ورددت رسولي وأمري؟ قال: أما مروان فإنه استقبلني يردني فرددته عن ردي، وأما أمرك فلم أردَّهُ، قال عثمان: ألم يبلغك أني قد نهيت الناس من أبي نر وعن تشييعه؟ فقال علي: أوكل ما أمرتنا به من شيء نرى طاعة اللهّ والحق في خلافه أتبعنا فيه أمرك؟ باللّه لا نفعل، قال عثمان: أقِدْ مروان، قال: ومم أقيده؟ قال: ضربت بين أذني راحلته وشتمته، فهو شاتمك وضارب بين أذني راحلتك قال علي: أما راحلتي فهي تلك فإن أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فليفعل. وأما أنا فواللّه لئن شتمني لاشتمنَّكَ أنت مثلها بما لا أكذب فيه ولا أقول إلا حقاً. قال عثمان: ولم لا يشتمك إذا شتمته، لله ما أنت عندى بأفضل منه؛! فغضب علي بن أبي طالب وقال: ألي تقول هذا القول؟ وبمروان تعدلني؟ فأنا والله أفضل منك، وأبى أفضل من أبيك، وامي أفضل من أمك، وهذه نَبْلِي قد نَثَلْتُهَا، وهلَم فانثل بنبلك، فغضب عثمان واحمر وجهه، فقام ودخل داره، وانصرف علي، فاجتمع إليه أهل بيته،ورجال من المهاجرين والأنصار.
فلما كان من الغد واجتمع الناس إلى عثمان شكا إليهم علياً وقال: إنه يعيبني ويُظَاهر من يعيبني، يريد بذلك أبا ذر وعمار بن ياسر وغيرهما، فدخل الناس بينهما حتى اصطلحا وقال له علي: والله ما أردت بتشييع أبي ذر إلا الله تعالى.
وقد كان عمار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان ودخل داره ومعه بنو أمية فقال أبى سفيان: أفيكم أحد من غيركم؟ وقد كان عدي، قالوا: لا، قال يا بني أمية، تَلَقَفُوِهَا تلقُفَ الكرة، فوا لذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرَنَ إلى صبيانكم وراثة، فانتهره عثمان، وساءه ما قال، ونمي هذا القول إلى المهاجرين والأنصار وغير ذلك الكلام فقام عمار في المسجد فقال: يا معشر قريش، أما إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم ههنا مرة وهنا مرة فما أنا بآمِنٍ من أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله وقام المقداد فقال: ما رأيت مثل ما أودى به أهل هذا البيت بعد نبيهم، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وما أنت وذاك يا مقداد بن عمرو؟ فقال: إني واللّه لأحبهم لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم، وإن الحق معهم وفيهم، يا عبد الرحمن أعجب من قريش - وإنما تطوُلُهم على الناس بفضل أهل هذا البيت - قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده من أيديهم أما ولايم الله يا عبد الرحمن لو أجد على قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إياهم مع النبي عليه الصلاة والسلام يوم بدر، وجرى بينهم من الكلام خطب طويل قد أتينا على ذكره في كتابنا أخبار الزمان في أخبار الشوَرَى والدار.
نقد مسلسل الحسن واحسين (7) جواب الثوار على احتجاج عثمان
كثيراً ما يعرض لنا السلفيون والنواصب والعثمانية حجج عثمان على الثوار
وأنه ينشدهم الله أليس كذا وكذا ... فيقولون : اللهم نعم..
ثم يواصلون الثورة!
ونحن نجلس مدهوشين..!
فإذا كانوا قد اعترفوا بكل ما قال فلماذا يستمرون في الثورة؟
إلا أنه مع التدقيق في التاريخ سنجد للثوار إجابات على عثمان..
ولكن التاريخ لأن معظمه أموي الهوى فإنه يقطع الروايات ويبترها ولا يعطي رأي الطرف الآخر..
ومن اكبر الظلم زعم التاريخ الأموي أن الثوار على عثمان من الغوغاء..
واكثر ظلماً منه الزعم بأنهم أتباع لرجل يهودي نكرة!
لا يعرف له حسب ولا نسب ولا علم ولا فضيلة..
أما الإنصاف فيقول
إن الثورة عامة ، ليس التابعي أسرع فيها من الصحابي
ولا المتدين من الأعرابي
ولا السابقين من اللاحقين..
ثورة عارمة عامة لم يخالف فيها إلا بنو أمية والمستفيدون من ولايات عثمان وأعطياته غفر الله له ورحمه..
إنها ثورة حقوقية لم يعكر صفوها إلا تلك النهاية المأساوية لعثمان
هذه النهاية شوهت كل شيء..
ولو أن الصحابة أوجدوا لهم نظاماً سياسياً لما كان الحل في قتل عثمان
لكن النقص من طبيعة البشر..
وعلى كل الأحوال:
فهذه بعض إجابات الثوار التي يهملها غلاة السلفية والنواصب من قديم..
فلا يعرضون إلا حجج عثمان ومروان ومعاوية والوليد وسعيد وابن عامر وابن أبي السرح
أما حجج المهاجرين والأنصار وأهل بدر وصلحاء التابعين وأشراف الأمصار.. فلا تجدها إلا بعد البحث..
وهذه منها:
الرواية الأولى: رواية يوسف بن عبد الله بن سلام..
وهو من الموالين لعثمان نسبياً لأن أباه عبد الله بن سلام كان موالياً..
ومع ذلك فروايته قوية المعنى، معقولة متكاملة لا تشعر بشيء محذوف..
وهو شاهد عيان إذ كان عمره يومئذ نحو ثلاثين سنة.
ففي تاريخ الطبري - (ج 3 / ص 424)
قال محمد: وحدثني الزبير بن عبدالله عن يوسف بن عبدالله بن سلام قال:
أشرف عثمان عليهم وهو محصور وقد أحاطوا بالدار من كل ناحية
فقال :
أنشدكم بالله عزوجل هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن يخير لكم وأن يجمعكم على خيركم؟
فما ظنكم بالله؟
أتقولون لم يستجب لكم وهنتم على الله سبحانه وأنتم يومئذ أهل حقه من خلقه وجميع أموركم لم تتفرق؟
أم تقولون هان على الله دينه فلم يبال من ولاه والدين يومئذ يعبد به الله ولم يتفرق أهله فتوكلوا أو تخذلوا وتعاقبوا؟
أم تقولون لم يكن أخذ عن مشورة وانما كابرتم مكابرة فوكل الله الامة إذا عصته، لم تشاوروا في الامام ولم تجتهدوا في موضع كراهته؟
أم تقولون لم يدر الله ما عاقبة أمري فكنت في بعض امري محسنا ولأهل الدين رضى فما أحدثت بعد في أمري ما يسخط الله وتسخطون مما لم يعلم الله سبحانه يوم اختارني وسربلني سربال كرامته؟
وأنشدكم بالله هل تعلمون لي من سابقة خير وسلف خير قدمه الله لي وأشهدنيه من حقه وجهاد عدوه حق على كل من جاء من بعدي أن يعرفوا لي فضلها
فهلا لا تقتلوني فانه لا يحل إلا قتل ثلاثة رجل زنى بعد إحصانه أو كفر بعد إسلامه أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها
فانكم إن قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ثم لم يرفعه الله عزوجل عنكم إلى يوم القيامة ولا تقتلوني فانكم إن قتلتموني لم تصلوا من بعدي جميعا أبدا ولم تقتسموا بعدي فيئا جميعا أبدا ولن يرفع الله عنكم الاختلاف أبدا
[ جواب الثوار]
قالوا:
أما ما ذكرت من استخارة الله عز وجل الناس بعد عمر رضى الله عنه فيمن يولون عليهم ثم ولوك بعد استخارة الله فان كل ما صنع الله الخيرة ولكن الله سبحانه جعل أمرك بلية ابتلى بها عباده
وأما ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانك قد كنت ذا قدم وسلف وكنت أهلا للولاية ولكن بدلت بعد ذلك وأحدثت ما قد علمت
وأما ما ذكرت مما يصيبنا إن نحن قتلناك من البلاء فانه لا ينبغي ترك إقامة الحق عليك مخافة الفتنة عاما قابلا
وأما قولك إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت
قتلُ من سعى في الارض فسادا
وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه
وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه
وقد بغيت
ومنعت الحق
وحلت دونه وكابرت عليه أن تقيد من نفسك من ظلمتهم عمدا
وتمسكت بالامارة علينا وقد جرت في حكمك وقسمك
فان زعمت أنك لم تكابرنا عليه وأن الذين قاموا دونك ومنعوك منا إنما يقاتلون بغير أمرك
فانما يقاتلون لتمسكك بالامارة فلو أنك خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال دونك اهـ
تأملواها وستجدون فيها من المعاني والمعلومات ما لا تحتاجون إلى التنبيه عليه..
موقف الإمام علي بن أبي طالب من عثمان بن عفان
وردت فيه روايات كثيرة جداً..
وسأختار تلك الروايات الأقوى إسناداً والأطول متوناً حتى تشرح القصة وملابساتها..
وسنجد موقفه يشبه موقف الزبير إلا أنه أكثر شعبية وعلماً وأضبط لنفسه من الزبير
فالزبير رجل غاضب سريع في اتخاذ القرارات..
الرواية الأولى: رواية عبد الرحمن بن الأسود:
الطبري (2/660)
قال محمد بن عمر وحدثني شرحبيل بن أبي عون عن أبيه قال سمعت عبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث يذكر مروان بن الحكم قال: قبح الله مروان خرج عثمان إلى الناس فأعطاهم الرضا وبكى على المنبر وبكى الناس حتى نظرت إلى لحية عثمان مخضلة من الدموع وهو يقول اللهم إني أتوب إليك اللهم إني أتوب إليك اللهم إني أتوب إليك والله لئن ردني الحق إلى أن أكون عبدا قنا لأرضين به إذا دخلت منزلي فادخلوا علي فوالله لا أحتجب عنكم ولأعطينكم الرضا ولأزيدنكم على الرضا ولأنحين مروان وذويه
قال فلما دخل أمر بالباب ففتح ودخل بيته ودخل عليه مروان فلم يزل يفتله في الذروة والغارب حتى فتله عن رأيه وأزاله عما كان يريد فلقد مكث عثمان ثلاثة أيام ما خرج استحياء من الناس وخرج مروان إلى الناس فقال شاهت الوجوه ألا من أريد ارجعوا إلى منازلكم فإن يكن لأمير المؤمنين حاجة بأحد منكم يرسل إليه وإلا قر في بيته
قال عبدالرحمن : فجئت إلى علي فأجده بين القبر والمنبر وأجد عنده عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وهما يقولان صنع مروان بالناس وصنع
قال فأقبل عليَّ عليٌّ فقال: أحضرت خطبة عثمان
قلت نعم
قال : أفحضرت مقالة مروان للناس؟
قلت نعم
قال علي :
عياذ الله يا للمسلمين إني إن قعدت في بيتي قال لي – يعني عثمان- تركتني وقرابتي وحقي
وإني إن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان، فصار سيقة له يسوقه حيث شاء، بعد كبر السن وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عبدالرحمن بن الأسود فلم يزل حتى جاء رسول عثمان ( أي إلى علي): ائتني
فقال علي بصوت مرتفع عال مغضب : قل له ما أنا بداخل عليك ولا عائد
قال فانصرف الرسول
قال فلقيت عثمان بعد ذلك بليلتين خائبا فسألت ناتلا غلامه من أين جاء أمير المؤمنين؟
فقال كان عند علي
فقال عبدالرحمن بن الأسود فغدوت فجلست مع علي عليه السلام
فقال لي جاءني عثمان البارحة فجعل يقول : إني غير عائد وإني فاعل ( يعني غير عائد إلى مطاوعة مروان وسأفعل ما يرضي الناس)
قال فقلت له ( يعني علي قال لعثمان) : أبعد ما تكلمت به على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطيت من نفسك ثم دخلت بيتك وخرج مروان إلى الناس فشتمهم على بابك ويؤذيهم؟
قال فرجع (عثمان) وهو يقول : قطعت رحمي وخذلتني وجرأت الناس علي!
فقلت ( القائل علي): والله إني لأذب الناس عنك ولكني كلما جئتك بهنة أظنها لك رضا جاء ( مروان) بأخرى فسمعتَ قول مروان عليّ واستدخلت مروان
قال ثم انصرف إلى بيته
قال عبدالرحمن بن الأسود:
فلم أزل أرى عليا منكبا عنه لا يفعل ما كان يفعل إلا أني أعلم أنه قد كلم طلحة حين حصر في أن يدخل عليه الروايا وغضب في ذلك غضبا شديدا حتى دخلت الروايا على عثمان اهـ ..