السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
ناتي الان يا جاهل في طعنك في الانبياء واذ تذكر كيف طعنت في رسول الله وجعلتك تلعق الارض
اقتباس :
|
(فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه
عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفرلي فغفر له
إنه هو الغفور الرحيم )
فلا أدري كيف أصبح موسى رسولاً وهو قد ظلم نفسه!!!
|
قال عزّ من قائل: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُليْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذا مِنْ عَدُوِّه فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمتُ نَفْسِي فَاغْفِر لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ)
ويذكر القرآن تلك القصة في سورة الشعراء بصورة موجزة ويقول سبحانه
أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُركَ سِنينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الكَافِرينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)
وتدلّ الآيات على أنّ موسى (عليه السلام) ورد المدينة عندما كان أهلها غافلين عنه، إمّا لاَنّه ورد نصف النهار والناس قائلون، أو ورد في أوائل الليل، وإمّا لغير ذلك، فوجد فيها رجلين كان أحدهما إسرائيلياً والآخر قبطياً يقتتلان، فاستنصره الذي من شيعته على الآخر، فنصره، فضربه بجمع كفه في صدره فقتله، وبعدما فرغ من أمره ندم ووصف عمله بما يلي:
1. (هذا من عمل الشيطان) .
2. (رب إنّي ظلمت نفسي) .
3. (فاغفر لي فغفر له) .
4. (فعلتها إذاً وأنا من الضّالّين) .
وهذه الجمل الاَربع تعرب عن كون القتل أمراً غير مشروع، ولاَجل ذلك وصفه تارة بأنّه من عمل الشيطان، وأُخرى بأنّه كان ظالماً لنفسه، واعترف عند فرعون بأنّه فعل ما فعل وكان عند ذاك من الضالّين ثالثاً، وطلب المغفرة رابعاً.
أقول: قبل توضيح هذه النقاط الاَربع نلفت نظر القارىَ الكريم إلى بعض ما كانت الفراعنة عليه من الاَعمال الاِجرامية، ويكفي في ذلك قوله سبحانه: (إِنَّ فِرْعَونَ عَلا فِي الا ََرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ويَسْتَحْىِ نِساءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدينَ)(1) ، ولم يكن فرعون قائماً بهذه الاَعمال إلاّ بعمالة القبطيين الذين كانوا أعضاده وأنصاره، وفي ظل هذه المناصرة ملكت الفراعنة بني إسرائيل رجالاً ونساءً، فاستعبدوهم كما يعرب عن ذلك قوله سبحانه: (وتِلْكَ نِعمَةٌ تَمُنُّها عَلَىَّ أنْ عَبَّدتَّ بنِى إسْرائيل)(2) ولمّا قال فرعون لموسى: (ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) واستعلى عليه بأنّه ربّاه وليداً منذ أن ولد إلى أن كبر... أجابه موسى بأنّه هل تمن على بهذا وقد عبدت بني إسرائيل؟
وعلى ذلك فقتل واحد من أنصار الطغمة الاَثيمة التي ذبحت مئات بل الآف الاَطفال من بني إسرائيل واستحيوا نساءهم، لا يعد في محكمة العقل والوجدان عملاً قبيحاً غير صحيح، أضف إلى ذلك أنّ القبطي المقتول كان بصدد قتل الاِسرائيلي لو لم يناصره موسى كما يحكي عنه قوله: (يقتتلان) ، ولو قتله القبطي لم يكن لفعله أىّ رد فعل، لاَنّه كان منتمياً للنظام السائد الذي لم يزل يستأصل بني إسرائيل ويريق دماءهم طوال سنين، فكان قتله في نظره من قبيل قتل الاِنسان الشريف أحد عبيده لاَجل تخلّفه عن أمره.
إذا وقفت على ذلك، فلنرجع إلى توضيح الجمل التي توهم المستدل بها
انّ قتل القبطي كان عملاً ناجماً عن العجلة في محاولة تدمير العدو، ولو أنّه كان يصبر على مضض الحياة قليلاً لنبذ القبطي مع جميع زملائه في اليم من دون أن توجد عاقبة وخيمة، كما قال سبحانه: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمينَ)(2)
2. وبذلك يعلم مفاد الجملة الثانية التي هي من إحدى مستمسكات المستدل أعني قوله: (ربِّ إنّي ظلمت نفسي) ، فإنّ الكلام ليس مساوقاً للمعصية ومخالفة المولى، بل هو كما صرح به أئمة اللغة وقدمنا نصوصهم عند البحث عن عصمة آدم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه، وقد عرفت أنّ عمل موسى كان عملاً واقعاً في غير موقعه، وخاطئاً من جهتين: من جهة أنّه ساقه إلى عاقبة مرة، حيث اضطر إلى ترك الاَهل والدار والديار، ومن جهة أُخرى أنّه كان عملاً ناشئاً من الاستعجال في إهلاك العدو بلا موجب، ولاَجل تينك الجهتين كان عملاً واقعاً في غير محله، فصح أن يوصف العمل بالظلم، والعامل بالظالم، والذي يعرب عن ذلك إنّه جعله ظلماً لنفسه لا للمولى، ولو كان معصية لكان ظلماً لمولاه وتعدياً على حقوقه، كما هو الحال في الشرك فإنّه ظلم
وهذا بخصوص نبي الله موسى وهو معصوم من الخطا وانتم حاربكم الله فقط تطعنون في الانبياء
واما نبي الله ادم عليه السلام
إنّ النهي ينقسم إلى قسمين: مولوي وإرشادي، والفرق بين القسمين بعد اشتراكهما غالباً في أنّ كلاً منهما صادر عن آمر عال إلى من هو دونه، هو أنّه الآمر قد ينطلق في أمره ونهيه من موقع المولوية والسلطة، متخذاً لنفسه موقف الآمر، الواجبة إطاعته، فيأمر بما يجب أن يطاع، كما أنّه ينهى عمّـا يجب أن يُجتنب، فعند ذلك يترتب الثواب على الطاعة، والعقاب على المخالفة، وهذا هو شأن أكثر الاَوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنّة.
وقد ينطلق في ذلك من موقع النصح والاِرشاد، والعظة والهداية، من دون أن يتخذ لنفسه موقف الآمر، الواجبة طاعته، بل يتخذ لنفسه موقف الناصح المشفق، القاصد لاِسعاد المخاطب وإنجائه من الشقاء، وعند ذلك يترك انتخاب أحد الجانبين للمخاطب ذاكراً له ما يترتب على نفس العمل من آثار خاصّة من دون أن تترتب على ذات المخالفة أيّة تبعة.
وإن شئت قلت: إنَّ نفس العمل والفعل ذو آثار طبيعية ومضاعفات تترتب عليه في كل حين وزمان، من دون فرق بين فاعل وآخر، فيذكر المولى العالم
بعواقب الاَعمال وآثار الاَفعال، بما يترتب على ذات العمل من سعادة وشقاء، فيجعل المخاطب في موقف العالم بآثار الشيء ويترك اختيار أحد الطرفين إليه، حتى يكون هو المختار في العمل، فإن اتبع نصحه وإرشاده فقد نجا عما يترتب على العمل من الهلاك والخسران، وإن خالفه تصيبه المضاعفات التي تكمن في ذات العمل.
ولتوضيح ذلك نأتي بمثال
إنّ الطبيب إذا وصف دواء لمريض وأمره بتناول ذلك الدواء والاجتناب عن أُمور أُخرى، فلو قام المريض بالطاعة والامتثال، تترتب عليه الصحة والعافية، وإن خالف أمر الطبيب لم يترتب على تلك المخالفة سوى المضاعفات المترتبة على نفس العمل، وذلك لاَنّ الطبيب لم يكتب له تلك الوصفة إلاّ بما أنّه طبيب ناصح ومعالج مشفق.
ومثل ذلك ما إذا قال سبحانه: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) بعدما أمر الناس بواجبات ونهى عن أُمور، فلو خالف المكلّف وترك الواجب كالصلاة والصوم وارتكب المنهيات كالكذب والغيبة، فقد خالف عندئذ أمرين:
1. الاَمر بالصلاةوالصوم.
2. الاَمر بإطاعة الله ورسوله.
فلا يترتب على تينك المخالفتين سوى عقاب واحد لا عقابان، وذلك لاَنّ الاَمر الثاني لم يكن أمراً مولوياً، بل كان أمراً إرشادياً لا يترتب على مخالفته سوى ما يترتب على مخالفة الاَمر الاَوّل، وذلك لاَنّ المفروض أنّ الآمر لم يتخذ لنفسه عند الاَمر بإطاعة الله ورسوله، موقف الآمر الواجب الطاعة، بل أمر بلباس النصح والاِرشاد.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ مخالفة النهي عن الشجرة إنّما تعدّ معصية بالمعنى المصطلح إذا كان النهي مولوياً صادراً عنه سبحانه على وجه المولوية، لا أمراً إرشادياً وارداً بصورة النصح، والقرائن الموجودة في الآيات تشهد بأنّه إرشادي، لا يترتب على مخالفته سوى ما يترتب على ذات العمل من الآثار الوضعية والطبيعية، لا مولوي حتى يترتب عليه وراء تلك الآثار، عقاب المخالفة وموَاخذة التمرّد، وإليك هذه القرائن:
1. لو كان النهي عن الشجرة نهياً مولوياً يجب أن يرتفع أثره بعد التوبة والاِنابة، مع أنّا نرى أنّ الاَثر المترتب على المخالفة بيى على حاله رغم توبة آدم وإنابته إلى الله سبحانه، وهذا دليل على أنّ الخروج عن الجنّة والتعرّض للشقاء والتعب، كان أثراً طبيعياً لنفس العمل، وكان النهي لغاية صيانة آدم (عليه السلام) عن هذه الآثار والعواقب، كما إذا نهى الطبيبُ المصابَ بمرض السكر عن تناول المواد السكرية.
2. انّ الآيات الواردة في سورة "طه" تكشف النقاب عن نوعية هذا النهى، وتصرح بأنّ النهي كان نهياً إرشادياً لصيانة آدم (عليه السلام) عمّـا يترتب عليه من الآثار المكروهة والعواقب غير المحمودة، قال سبحانه: (فَقُلْنَا يا آدمُ إنَّ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى* إنّ لَكَ ألاّ تَجُوعَ فِيهَا ولا تَعْرَى* وَأَنَّكَ لا تَظْمَوَا فِيهَا ولاَ تَضْحَى)(1) فإنّ قوله سبحانه: (فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى) صريح في أنّ أثر امتثال النهى هو البقاء في الجنّة، ونيل السعادة التي تتمثل في قوله: (إنّ لَكَ ألاّ تَجُوعَ فِيهَا ولا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَوَا فِيهَا
ولاَ تَضْحَى) وانّ أثر المخالفة هو الخروج من الجنّة والتعرض للشقاء الذي يتمثل في الحياة التي فيها الجوع والعرى، والظمأ وحرّ الشمس، كل ذلك يدلّ على أنّه سبحانه لم يتخذ لدى النهي موقف الناهي، الواجبة طاعته، بل كان ينهى بصورة الاِرشاد والنصح والهداية، وانّه لو خالفه لترتب عليه الشقاء في الحياة والتعب فيها.
3. انّه سبحانه ـ بعد ما أكل آدم وزوجته من الشجرة وبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة ـ ناداهما: (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُمَا عَدُوّ مُبِينٌ)(1)
فإنّ هذا اللسان، لسان الناصح المشفق الذي أرشد مخاطبه لمصالحه ومفاسده في الحياة، ولكنه خالفه ولم يسمع قوله، فعندئذ يعود ويخاطبه بقوله: ألم أقل لك... ألم أنهك عن هذا الاَمر ؟
4. انّه سبحانه يبيّـن أنّ وسوسة الشيطان لهما لم يكن إلاّ لاِبداء ما وُرى عنهما من سوءاتهما حيث يقول: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِىَ لَهُمَا مَا وُرِىَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءاتِهِمَا)(2)
وهذا يكشف عن أنّ ما يترتب على الوسوسة ومخالفة آدم (عليه السلام) بعدها لم يكن إلاّ إبداء ما وُرى عنهما من السوأة، الذي هو أثر طبيعي للعمل من دون أن يكون له أثر آخر من ابتعاده عن لطفه سبحانه، وحرمانه عن قربه، الذي هو أثر المخالفة للخطابات المولوية.
5. انّه سبحانه يحكي أنّ وسوسة الشيطان لهما كانت بصورة النصح
والاِرشاد حيث قال: (وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) .(1) وهذا يكشف عن أنّ خطابه سبحانه إليهما كان بصورة النصح أيضاً، وهذا واضح لمن له أدنى إلمام بأساليب الكلام.
فهذه القرائن وغيرها الموجودة في الآيات الواردة حول قصة آدم (عليه السلام) تدل بوضوح على أنّ النهي في هذا المقام كان نهياً إرشادياً لا مولوياً، وكان الهدف تبقية آدم (عليه السلام) بعيداً عن عوامل الشقاء والتعب، ولكنّه لم يسمع قول ناصحه فعرّض نفسه للشقاء، وصار مستحقاً لاَن يخاطب بقوله سبحانه: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعضٍ عدُوّ وَلَكُمْ فِي الاََرْضِ مُسْتَقَرّ وَمَتاعٌ إِلَى حِين)(2) وقوله سبحانه: (قال اهْبِطَا مِنْهَا جَميعَاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدوّ)(3)
أضف إلى ذلك أنّ الظرف الذي تلقّى فيه آدم هذا النهي، (النهي عن الاَكل من الشجرة) لم يكن ظرف تكليف حتى تعد مخالفته عصياناً لمقتضاه، فإنّ ظرف التكليف هو المحيط الذي هبط إليه مع زوجته بعد رفض النصح، أمّا ذلك المحيط فكان معداً لتبصير الاِنسان بأعدائه وأصدقائه، ودورة تعليمية لمشاهدة نتائج الطاعة وآثار المخالفة، أىّ ما يترتب على قبول قوله سبحانه من السعادة، وما يترتب على قبول قول إبليس من الشقاء، وفي مثل ذلك المحيط لا يعد النهي ولا الاَمر تكليفاً، بل يُعد وسيلة للتبصير وتحصيل الاستعداد لتحمّل التكاليف في المستقبل، وكانت تلك الدورة من الحياة دورة إعدادية لاَبى البشر وأُمّهم، حتى يلمس الحقائق لمس اليد.