خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) الخالية من الألف
( حَمِدْتُ مَنْ عَظُمَتْ مِنَّتُهُ ، وَسَبَغَتْ نِعْمَتُهُ ،
وَسَبَقَتْ غَضَبَهُ رَحْمَتُهُ ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُهُ ،
وَنَفِذَتْ مَشيئَتُهُ ، وَبَلَغَتْ قَضِيَّتُهُ ،
حَمِدْتُهُ حَمْدَ مُقِرٍّ بِرُبوُبِيَّتِهِ ،
مُتَخَضِّعٍ لِعُبوُدِيَّتِهِ ، مُتَنَصِّلٍ مِنْ خَطيئَتِهِ ،
مُتَفَرِّدٍ بِتَوْحيدِهِ ، مُؤَمِّلٍ مِنْهُ مَغْفِرَةً تُنْجيهِ ،
يَوْمَ يُشْغَلُ عَنْ فَصيلَتِهِ وَبَنيهِ .
وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَرْشِدُهُ وَنَسْتَهْديهِ ،
وَنُؤْمِنُ بِهِ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ ،
وَشَهِدْتُ لَهُ شُهُودَ مُخْلِصٍ مُوقِنٍ ،
وَفَرَّدْتُهُ تَفَرُّدَ مُؤْمِن مُتَيَقِّنٍ ،
وَوَحَّدْتُهُ تَوْحيدَ عَبْدٍ مُذْعِنٍ ،
لَيْسَ لَهُ شَريكٌ في مُلْكِهِ ،
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ في صُنْعِهِ ،
جَلَّ عَنْ مُشيرٍ وَوَزيرٍ ،
وَعَنْ عَوْنِ مُعينٍ وَنَصيرٍ وَنَظيرٍ .
عَلِمَ فَسَتَرَ ،
وَبَطَنَ فَخَبَرَ ،
وَمَلَكَ فَقَهَرَ ، وَعُصِىَ فَغَفَرَ ،
وَحَكَمَ فَعَدَلَ ، لَمْ يَزَلْ وَلَنْ يَزوُلَ ،
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ،
وَهُوَ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ،
رَبٌّ مُتَعَزِّزٌ بِعِزَّتِهِ ، مُتَمَكِّنٌ بِقُوَّتِهِ ،
مُتَقَدِّسٌ بِعُلُوِّهِ ، مُتَكَبِّرٌ بِسُمُوِّهِ ،
لَيْسَ يُدْرِكُهُ بَصَرٌ ، وَلَمْ يُحِطْ بِهِ نَظَرٌ ،
قَوِىٌّ مَنيعٌ ، بَصيرٌ سَميعٌ ، رَؤُفٌ رَحيمٌ .
عَجَزَ عَنْ وَصْفِهِ مَنْ يَصِفُهُ ،
وَضَلَّ عَنْ نَعْتِهِ مَنْ يَعْرِفُهُ ، قَرُبَ فَبَعُدَ ،
وَبَعُدَ فَقَرُبَ ،
يُجيبُ دَعْوَةَ مَنْ يَدْعُوهُ ،
وَيَرْزُقُهُ وَيَحْبُوهُ ،
ذُو لُطْفٍ خَفي ، وَبَطْشٍ قَوِىٍّ ، وَرَحْمَةٍ مُوسَعَةٍ ،
وَعُقُوبَةٍ مُوجِعَةٍ ، رَحْمَتُهُ جَنَّةٌ عَريضَةٌ مُونِقَةٌ ،
وَعُقُوبَتُهُ جَحيمٌ مَمْدُودَةٌ موُبِقَةٌ .
وَشَهِدْتُ بِبَعْثِ مُحَمَّدٍ رَسوُلِهِ ، وَعَبْدِهِ وَصَفِيِّهِ ،
وَنَبِيِّهِ وَنَجِيِّهِ ، وَحَبيبِهِ وَخَليلِهِ ،
بَعَثَهُ في خَيْرِ عَصْرٍ ، وَحينِ فَتْرَةٍ وَكُفْرٍ ،
رَحْمَةً لِعَبيدِهِ ، وَمِنَّةً لِمَزيدِهِ ، خَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ ،
وَشَيَّدَ بِهِ حُجَّتَهُ ، فَوَعَظَ وَنَصَحَ ، وَبَلَّغَ وَكَدَحَ ،
رَؤُفٌ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ ، رَحيمٌ سَخِيٌّ ،
رَضِىٌّ وَلِىٌّ زَكِىٌّ ، عَلَيْهِ رَحْمَةٌ وَتَسْليمٌ ،
وَبَرَكَةٌ وَتَكْريمٌ ،
مِنْ رَّبٍّ غَفوُرٍ رَحيمٍ ،
قَريبٍ مُجيبٍ .
وَصَّيْتُكُمْ مَعْشَرَ مَنْ حَضَرَنى بِوصِيَّةِ رَبِّكُمْ ،
وَذَكَّرْتُكُمْ بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ ،
فَعَلَيْكُمْ بِرَهْبَةٍ تَسْكُنُ قُلوُبَكُمْ ،
وَخَشْيَةٍ تُذْرى دُمُوعَكُمْ ،
وَتَقِيَّةٍ تُنْجيكُمْ قَبْلَ يَوْمِ يُبْليكُمْ وَيُذْهِلُكُمْ ،
يَوْمَ يَفوُزُ فيهِ مَنْ ثَقُلَ وَزْنُ حَسَنَتِهِ ، وَخَفَّ وَزْنُ سَيِّئَتِهِ ،
وَلْتَكُنْ مَسْئَلَتُكُمْ وَتَمَلُّقُكُمْ مَسْاَلَةَ ذُلٍّ وَخُضُوعٍ ،
وَشُكْرٍ وَخُشوُعٍ ،
بِتَوْبَةٍ وَتَوَرُّعٍ ،
وَنَدَمٍ وَرُجوُعٍ ،
وَلْيَغْتَنِمْ كُلُّ مُغْتَنِمٍ مِنْكُمْ صِحَّتَهُ قَبْلَ سُقْمِهِ ،
وَشَبيبَتَهُ قَبْلَ هَرَمِهِ ،
وَسَعَتَهُ قَبْلَ فَقْرِهِ ، وَفَرْغَتَهُ قَبْلَ شُغْلِهِ وَحَضَرَهُ قَبْلَ سَفَرِهِ ،
قَبْلَ تَكَبُّرٍ وَتَهَرُّمٍ وَتَسَقُّمٍ ،
يَمُلُّهُ طَبيبُهُ ، وَيُعْرِضُ عَنْهُ حَبيبُهُ ،
وَيَنْقَطِعُ غِمْدُهُ ، وَيَتَغَيَّرُ عَقْلُهُ .
ثُمَّ قيلَ هُوَ مَوْعُوكٌ وَجِسْمُهُ مَنْهوُكٌ ، ثُمَّ جُدَّ في نَزْعٍ شَديدٍ ، وَحَضَرَهُ كُلُّ قَريبٍ وَبَعيدٍ ، فَشَخَصَ بَصَرُهُ ، وَطَمَحَ نَظَرُهُ ، وَرَشَحَ جَبينُهُ ، وَعَطَفَ عَرينُهُ ، وَسَكَنَ حَنينُهُ ، وَحَزَنَتْهُ نَفْسُهُ ، وَبَكَتْهُ عِرْسُهُ ، وَحُفِرَ رَمْسُهُ ، وَيُتِمُّ مِنْهُ وُلْدُهُ ، وَتَفَرَّقَ مِنْهُ عَدَدُهُ ، وَقُسِمَ جَمْعُهُ ، وَذَهَبَ بَصَرُهُ وَسَمْعُهُ ، وَمُدِّدَ وَجُرِّدَ ، وَعُرِىَ وَغُسِلَ ، وَنُشِفَ وَسُجِّىَّ ، وَبُسِطَ لَهُ وَهُيِّىءَ ، وَنُشِرَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ ، وَشُدَّ مِنْهُ ذَقَنُهُ ، وَقُمِّصَ وَعُمِّمَ وَوُدِّعَ وَسُلِّمَ ، وَحُمِلَ فَوْقَ سَريرٍ ، وَصُلِّىَ عَلَيْهِ بِتَكْبيرٍ ، وَنُقِلَ مِنْ دُورٍ مُزَخْرَفَةٍ ، وَقُصُورٍ مُشَيَّدَةٍ ، وَحُجُرٍ مُنَجَّدَةٍ ، وَجُعِلَ في ضَريحٍ مَلْحُودٍ ، وَضيقٍ مَرْصوُدٍ ، بِلَبِنٍ مَنْضُودٍ ، مُسَقَّفٍ بِجُلْموُدٍ .
وَهيلَ عَلَيْهِ حَفَرُهُ ، وَحُثِيَ عَلَيْهِ مَدَرُهُ ،
وَتَحَقَّقَ حَذَرُهُ ، وَنُسِىَ خَبَرُهُ ،
وَرَجَعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَصَفِيُّهُ ، وَنَديمُهُ وَنَسيبُهُ ،
وَتَبَدَّلَ بِهِ قَرينُهُ وَحَبيبُهُ ،
فَهُوَ حَشْوُ قَبْرٍ ، وَرَهينُ قَفْرٍ ،
يَسْعى بِجِسْمِهِ دوُدُ قَبْرِهِ ،
وَيَسيلُ صَديدُهُ مِنْ مَنْخَرِهِ ،
يَسْتَحقُ تُرْبُهُ لَحْمَهُ ،
وَيَنْشَفُ دَمَهُ ،
وَيَرُمُّ عَظْمَهُ حَتّى يَوْمِ حَشْرِهِ ،
فَنُشِرَ مِنْ قَبْرِهِ حينَ يُنْفَخُ في صُورٍ ،
وَيُدْعى بِحَشْرٍ وَنُشُورٍ ،
فَثَمَّ بُعْثِرَتْ قُبوُرٌ ، وَحُصِّلَتْ سَريرَةُ صُدُورٍ ،
وَجييءَ بِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِدّيقٍ وَشَهيدٍ ،
وَتَوَحَّدَ لِلْفَصْلِ قَديرٌ ، بِعَبْدِهِ خَبيرٌ بَصيرٌ .
فَكَمْ مِنْ زَفْرَةٍ تُضْنيهِ ،
وَحَسْرَةٍ تُنْضيهِ ، في مَوْقَفٍ مَهوُلٍ ،
وَمَشْهَدٍ جَليلٍ ،
بَيْنَ يَدَيْ مَلِكٍ عَظيمٍ ،
وَبِكُلِّ صَغيرٍ وَكَبيرٍ عَليمٍ ،
فَحينئذٍ يُلْجِمُهُ عَرَقُهُ ،
وَيُحْصِرُهُ قَلَقُهُ ، عَبْرَتُهُ غَيْرُ مَرْحُومَةٍ ،
وَصَرْخَتُهُ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ ،
وَحُجَّتُهُ غَيْرُ مَقْبوُلَةٍ ،
وبَرزتْ صَحيفَتُهُ ،
وَتُبِينتْ جَريدَتُهُ ،
فنَظَرَ في سُوءِ عَمَلِهِ ،
وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ عَيْنُهُ بِنَظَرِهِ ،
وَيَدُهُ بِبَطْشِهِ ، وَرِجْلُهُ بِخَطْوِهِ ،
وَفَرْجُهُ بِلَمْسِهِ ، وَجِلْدُهُ بِمَسِّهِ ،
فَسُلْسِلَ جيدُهُ ، وَغُلَّتْ يَدُهُ ،
وَسيقَ فَسَحِبَ وَحْدَهُ ، فَوَرَدَ جَهَنَّمَ بِكَرْبٍ وَشِدَّةٍ ،
فَظُلَّ يُعَذَّبُ في جَحيمٍ ،
وَيُسْقى شَرْبَةٌ مِنْ حَميمٍ ،
تَشْوى وَجْهَهُ ، وَتَسْلَخُ جِلْدَهُ ،
وَتَضْرِبُهُ زِبْنِيَةٌ بِمَقْمَعٍ مِنْ حَديدٍ ،
وَيَعوُدُ جِلْدُهُ بَعْدَ نُضْجِهِ كَجِلْدٍ جَديدٍ ،
يَسْتَغيثُ فَتُعْرِضُ عَنْهُ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ ،
وَيَسْتَصْرِخُ فَيَلْبَثُ حَقْبَةً يَنْدَمُ .
نَعوُذُ بِرَبٍّ قَديرٍ ،
مِنْ شَرِّ كُلِّ مَصيرٍ ،
وَنَسْأَلُهُ عَفْوَ مَنْ رَضِىَ عَنْهُ ،
وَمَغْفِرَةَ مَنْ قَبِلَهُ ،
فَهُوَ وَلِىُّ مَسْأَلَتى ،
وَمُنْجِحُ طَلِبَتى ،
فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ تَعْذيبِ رَبِّهِ جُعِلَ في جَنَّتِهِ بِقُرْبِهِ ،
وَخُلِّدَ في قُصوُرٍ مُشَيَّدَةٍ ، وَمُلْكِ بِحُورٍ عينٍ وَحَفَدَةٍ ،
وَطيفَ عَلَيْهِ بِكُؤُسٍ اُسْكِنَ في حَظيرَةِ قُدُّوسٍ ،
وَتَقَلَّب في نَعيمٍ ، وَسُقِىَ مِنْ تَسْنيمٍ ،
وَشَرِبَ مِنْ عَيْنٍ سَلْسَبيلٍ ،
وَمُزِجَ لَهُ بِزَنْجَبيلٍ ،
مُخْتَمٍ بِمِسْكٍ وَعَبيرٍ مُسْتَديمٍ لِلْمُلْكِ ، مُسْتشْعِرٍ لِلسُّرُرِ ،
يَشْرَبُ مِنْ خُموُرٍ ، في رَوْضٍ مُغْدِقٍ ، لَيْسَ يُصَدَّعُ مِنْ شُرْبِهِ ، وَلَيْسَ يُنْزَفُ .
هذِهِ مَنْزِلَةُ مَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ،
وَحَذَّرَ نَفْسَهُ مَعْصِيَتَهُ ،
وَتِلْكَ عُقُوبَةُ مَنْ جَحَدَ مَشيئَتَهُ ،
وَسَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ مَعْصِيَتَهُ ،
فَهُوَ قَوْلٌ فَصْلٌ ، وَحُكْمٌ عَدْلٌ ، وَخَبَرٌ قَصَصٌ قَصٌّ ،
وَوَعْظٌ نَصٌّ : تَنْزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميدٍ ، نَزَلَ بِهِ رُوحُ قُدُسٍ مُّبينٍ عَلى قَلْبِ نَبِيّ مُهْتَدٍ رَشيدٍ ، صَلَّتْ عَلَيْهِ رُسُلٌ سَفَرَةٌ ، مُكَرَّمُونَ بَرَرَةٌ ، عُذْتُ بِرَبٍّ عَليمٍ ، رَحيمٍ كَريمٍ ،
مِنْ شَرِّ كُلِّ عَدُوٍّ لَعينٍ رَجيمٍ ،
فَلْيَتَضَرَّعْ مُتَضَرِّعُكُمْ وَ لْيَبْتَهِلْ مُبْتَهِلُكُمْ ،
وَلْيَسْتَغْفِرْ كُلُّ مَرْبوُبٍ مِنْكُمْ لي وَلَكُمْ ، وَحَسْبي رَبّي وَحْدَهُ ) .
هل من عاقل يا شيعه