الملك عبد الله والرئيس احمدي نجاد
التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران، مناطق الإشتباك غير المعلنة
شبكة راصد الإخبارية د. حسين خليل، الصباح
يمر الشرق الأوسط هذه الأيام بمرحلة تغيير جذرية تتحدى السياسات للدول الكبرى المؤثرة في رسم سياسة المنطقة، ولعدد من الدول الإقليمية. وتحدد أهم المنافسات الحاصلة بين إيران والسعودية المشهد الإستراتيجي للشرق الأوسط، فالتنافس بين هاتين الدولتين قديم، لكنه يكتسب أهمية خاصة الآن، اعتماداً على تطورات الأحداث الجارية، حيث يمكن لهذا التنافس أن يقوى في نقطة أو يضعف في أخرى على امتداد المنطقة، مشتملاً على دول كثيرة كمصر، البحرين، اليمن، العراق، فلسطين، لبنان، وسوريا. وطالما كان هذا التنافس منعكساً في الحياة السياسية لهذه البلدان الإقليمية حيث تمارس هاتان القوتان نفوذهما، وبشكل كبير.
لقد كانت السعودية وإيران في حالة تنافس منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 على الأقل. وقد اتخذ هذا التنافس أشكالاً مختلفة، تصرفت كل من السعودية وإيران كمتنافسين جديين بغرض النفوذ في الشرق الأوسط، خاصة في منطقة الخليج. وخلال الحرب العراقية - الإيرانية 1980 - 1988، اشتدّ التنافس عندما قدمت الرياض دعماً دبلوماسياً ومالياً قوياً إلى بغداد. وقد تقلبت طبيعة هذا التنافس بشكل هام وبارز في العقود الأخيرة، وقارب مستوى الحرب الباردة في السنوات التي تلت مباشرة الثورة الإسلامية، وغالباً ما يتغذى هذا التنافس بين الدولتين على الاختلافات والتباينات الإيديولوجية والجيوسياسية الهامة لكلا البلدين، والتي يمكن أن تصبح أكثر حسماً في زمن الاضطرابات الإقليمية.
السعودية تتوجس من فكرة توسع الديمقراطية
فالسعودية تحكمها ملكية إسلامية سنية بحتة ذات أجندة سياسية غالباً ما تركز على الاحتفاظ بالوضع القائم في منطقة الخليج. القيادة السعودية التي تعمل بشكل وثيق مع حكومات ملكية عربية خليجية أصغر منها لتحقيق هذا الهدف، لاعبة بعض الأحيان دور« الأخ الكبير صاحب النوايا الحسنة»، المتعجرف بعض الشيء، تبدو غير مرتاحة لفكرة توسع الديمقراطية الإقليمية، وتنظر بتوجس إلى إمكانية حلول حكومات راديكالية، ليبرالية، أو شعبية محل الحكومات الملكية أو الدول المحافظة الأخرى. إنّ العائلة المالكة السعودية غير مستعدة لتقاسم السلطة مع هيئات منتخبة في بلده، لذا فقد سعت للضغط على حكومات ملكية أخرى لرفض هذا الخيار، وبذلك تجنّب ما تعتبره الرياض نوعاً من المثال الخاطئ.
التزام إيران المتفاوت إزاء التبدلات الإقليمية
وعلى العكس من ذلك، نادراً ما تسعى إيران للدفاع عن الوضع الإقليمي القائم بما يتعلق بالحكومات الملكية الموالية للغرب، رغم أنها تحافظ على مستوى متفاوت من الالتزام إزاء التبدلات الثورية على امتداد الشرق الأوسط. هذا الالتزام مبني عادة على الظروف الإقليمية المسيطرة والسائدة، وعلى المستوى الذي يبدو فيه التغيير المحتمل في مختلف البلدان الشرق أوسطية مفيداً لطهران. ويكمن العامل الآخر المؤثر على السياسة الخارجية الإيرانية في وجود نزاعات مستمرة حول السلطة في طهران، حيث غالباً ما يعمل مختلف القادة وفق أهداف متقاطعة لأسباب مختلفة، والتي تشمل جهوداً فائقة البراعة والدهاء لإضعاف خصومهم ومنافسيهم السياسيين.
تأثير القضايا المذهبية على كلا البلدين
إيران بلد غير عربي وغير سني، وهذان العاملان مهمان في التفاعل الإيراني مع السعودية ودول عربية أخرى، وكثيراً ما تؤثر القضايا المذهبية على التوجهات السياسية لكلا البلدين، إذ لم يكن معروفاً عن السعودية مطلقاً التزامها القوي بالتنوع الديني حتى داخل المجتمع الإسلامي. في الواقع، إنّ المجتمع السعودي يعتنق، بغالبيته، صيغة محافظة ومتشددة للإسلام، معروفة عادة في العالم بالوهابية، رغم أنّ المنتمين لها يفضلون مصطلح الموحدين أو السلفيين. وبحسب ما يقول توماس هيغهامر، باحث في الإسلام السياسي، فإنّ علماء الدين السعوديين السائدين كانوا يعتبرون الناس من غير المذهب الوهابي غير مسلمين، وذلك على امتداد التاريخ القديم للمملكة.
رؤية السعوديين لغير الوهابيين
هذه المقاربة تغيرت في الخمسينات، عندما اجتمع المفتي الأعلى السعودي مع كبار الزعماء الدينيين غير الوهابيين من المجتمع العربي السني خارج السعودية. ورغم هذا الاختراق، فقد بقيت الرؤى السعودية للمسلمين الشيعة، في غالب الأحيان، مستنكرة في الزمن المعاصر. من هنا، فإنّ السعودية غالباً ما توصف بأنها ضد تفويض الشيعة، وإعطائهم سلطات واسعة على امتداد المنطقة، وهي قلقة من أن تتمكن الأقلية الشيعية لديها، والبالغ تعدادها مليونيْ نسمة، من البروز كمصدر صعوبات متكررة بالنسبة للحكومة.
إيران ترفض التفريق المذهبي قولًا وفعلًا
في المقابل، يميل القادة الإيرانيون الى رفض الفروقات بين السنة والشيعة في العلن، وهذا مقرون بالفعل أيضًا، إذ أن الجمهورية الإسلامية لم تميّز يوماً في دعمها لحزب الله «الشيعي»، ولحركة حماس في مقاومتهما للعدو الإسرائيلي. لا بل غالباً ما يعتبر القادة الإيرانيون بلدهم دولة إقليمية أساسية تقف كقائد هام للعالم الإسلامي. فمنذ قيام الثورة الإسلامية، تبنت إيران القضية الفلسطينية، ووقفت بوجه «إسرائيل»، ونادت بزوالها عن خريطة العالم. وفي خطوة لتعزيز نفوذها الإقليمي والإسلامي، فرضت طهران نفسها كقوة قيادية تدعم بكل إمكانياتها حركات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي في لبنان وفلسطين من خلال وسائل مختلفة. هذا الدعم الذي حقّق للبنان تحرير معظم أراضيه عام 2000، أجبر« إسرائيل» على الانسحاب من أراضٍ احتلتها دون قيد أو شرط، وذلك لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. وقد أسقط هذا الدعم أيضاً مقولة الجيش الذي لا يقهر، في إشارة إلى الجيش الإسرائيلي الذي مني بهزائم عدة مدوية، سواء في حروب غزة المتكررة، وآخرها عام 2012، أو إبان عدوان تموز على لبنان عام 2006.
السعودية «المعتدلة» تسوّق لمبادرة السلام العربية
أثناء ذلك، كانت الرياض، وعلى رأس ما يسمّى بفريق الإعتدال العربي المطالب بالتفاوض مع الدولة العبرية، وعدم جدوى المقاومة في تحرير الأرض، تسوّق لمبادرة السلام العربية المطروحة في قمة بيروت عام 2002، في مناسبات كثيرة ومحافل عديدة، معتبرة أنّ المقاومة ضد إسرائيل، في كل من لبنان وفلسطين، مغامرة غير محسوبة. هذه المبادرة التي ضربت بها «إسرائيل» عرض الحائط، وأحرجت الدول الداعمة والراعية للدولة العبرية والمتعاطفة معها في العالم. وفي محاولة لكسب الشارع الفلسطيني، قدمت المملكة مساعدات مالية للفصائل، لكن هذه المساعدات جاءت متفاوتة، وبشكل كبير، بين الأفرقاء، ولم ترقَ إلى المستوى المطلوب، فقد حازت السلطة الفلسطينية جلّ دعم المملكة المالي والسياسي.
الدولتان في تنافس على فلسطين ولبنان
وبالرغم من استضافة الأخيرة لأكثر من لقاء مصالحة بين حركتي فتح وحماس بعد نزاع داخلي على السلطة، عقب إقالة اسماعيل هنية من رئاسة الحكومة، انحدر النفوذ السعودي لدى حماس بشكل ثابت في السنوات الأخيرة، وحلّ مكانه، بشكل كامل تقريباً، النفوذ الإيراني في ظل الإنجازات الهائلة للمقاومة في وجه «إسرائيل». واليوم، لا تزال كل من إيران والسعودية في تنافس قوي على الساحة الفلسطينية، وكل يحاول فرض سياسته ورؤيته لحل القضية الفلسطينية. كذلك هو الحال في لبنان، حيث الإنقسام السياسي بات هذه الأيام عامودياً حتى العظم، فطهران والرياض تدعمان بوضوح حلفائهما من طرفي الصراع القائم في وجه الطرف الآخر، في صورة أخرى من صور التنافس بين البلدين.
ايران والسعودية وقلق التوتر المذهبي في الكويت
و خلال الحرب العراقية - الإيرانية، تزايدت التوترات بين إيران والبلدان العربية الخليجية، وعلى رأسها المملكة السعودية، عندما تمّ اعتبار عدد من الشيعة متعاطفون محتملون مع جهود إيران لتشجيع المعارضة المسلحة ضد حكومات سنية معادية لإيران. وكانت التوترات السنية - الشيعية مقلقة في الكويت بشكل خاص، إذ لدى الكويت ما بين 30 - 40 بالمئة من السكان الشيعة، وقد زعمت بعض القيادات الشيعية أنّ مجتمعهم يواجه مشاكل تمييز مستمرة.
السعودية وقادة اليمن بوجه إيران والحوثيين
وبقي التوتر على حاله بين الطرفين طوال عهد المحافظين في طهران. وبالرغم من أنّ التنافس قد خفت الى حد ما في عهد الرئيس الإيراني الإصلاحي محمد خاتمي «1997 - 2005»، إلّا أنّه عاد واشتد إبان الفترة الرئاسية لمحمود أحمدي نجاد، وسجلت العلاقات السعودية - الإيرانية تراجعاً خطيراً بسبب وجود خلافات جدية بشأن الصراع الأخير بين الحكومة اليمنية والأقلية الحوثية في اليمن، حيث يعيش الحوثيون في محافظة صعدة في الجزء الشمالي من تلك البلاد. وقد اتهم كل من القادة اليمنيين والسعوديين، مراراً وتكراراً، إيران بدعم المتمردين الحوثيين، وتقديم التمويل والتدريب، إضافة إلى المساعدات المادية. كما يدعي اليمن أنّ هذا الدعم مقدم إما مباشرة من قبل إيران أو من خلال مجموعات تابعة لها، لكن لم يتم إثبات التهم اليمنية بتورط إيران بالدعم المادي والتدريب. وربما تكون هذه التهم مبنية، في الحد الأدنى، على واقع أنّ المتمردين هم من الشيعة، رغم أنّهم شيعة زيديون وليسوا اثني عشرية كالموجودين في إيران.
البحرين بين «درع الجزيرة» وطهران
وبلغ هذا التنافس ذروته على خلفية تدخل قيادة السعودية في البحرين في آذار 2011 فيما سمّي« بدرع الجزيرة»، ومساعدة النظام البحريني بسحق الحراك الشعبي المطالب بإصلاحات سياسية في البلاد، والذي قامت به المعارضة الشيعية التي تتهمها الحكومة بتلقي الدعم الكامل من طهران. كما أدت التهم المضادة حول البحرين إلى تصعيد حقيقي في الخطاب العدائي ما بين إيران ومجلس التعاون الخليجي. ففي نيسان 2011، أًصدر وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي بياناً قالوا فيه إن الدول الأعضاء في المنظمة« قلقة بعمق بشأن التدخل الإيراني»، معتبرين أنّ طهران« تنتهك سيادة »دول مجلس التعاون الخليجي. وقد ردت السعودية، سابقاً، على الانتقادات الإيرانية للتدخل السعودي في البحرين بالتصريح بأنّ الإتهامات الإيرانية« غير مسؤولة»، وتحتوي على«مزاعم باطلة وتهجمات صارخة ضد المملكة السعودية». كذلك، فقد دعا وزير الخارجية الكويتي محمد صباح الصباح إيران الى« تغيير في السلوك».
وتشكل البحرين مركزًا هامًا للصراع السياسي السعودي - الإيراني، هذه الدولة الصغيرة تحكمها عائلة ملكية سنية، رغم أنّهم يشكلون في الحد الأقصى 35 بالمئة من السكان. إنّ قرب البحرين الشديد من السعودية غالباً ما كان يجعل الرياض تولي اهتماماً خاصاً بها، فالسعوديون يشككون باستمرار بالنوايا الإيرانية بخصوص البحرين، بسبب أكثريتها السكانية الشيعية. كما أن البحرين متصلة بالسعودية بواسطة جسر الملك فهد الذي يبلغ طوله 16 ميلاً، حيث يمكن للنشاط السياسي هناك أن يجد صداه في كل المملكة. ويرحّب ملك البحرين دائمًا بالدعم السعودي بما في ذلك المساعدات المالية، وهو لا يولي أية أهمية للخط الاستقلالي الذي يمكن رؤيته في بعض دول الخليج الصغيرة والأغنى، وأبرزها قطر، ولا يرى أي مانع في اندماج مملكته مع المملكة السعودية في حال تزايد ضغط المعارضة في الشارع.
أما إيران، فهي تتطلع إلى إعادة توحيد الجزيرة مع الوطن الإيراني بعدما سلخت عنه إبان الإستعمار البريطاني، شأنها شأن الجزر الثلاث التي تدعي كل من إيران والإمارات العربية المتحدة الملكية عليها.
وبالتالي، فإنّ هذه المسالة تشكل أيضاً نقطة تنافس بين طهران والرياض. ومن المرجح أن يشتد التنافس على نحو متزايد بين الرياض وطهران في المستقبل القريب. وهكذا، سيكون صناع السياسة ومسؤولي الإستخبارات في العالم، بالمقابل، بحاجة لأن يكونوا واعين جيداً إلى ما ستؤول إليه أحداث المنطقة نتيجة هذا التنافس بين البلدين.
العراق: «أمن» طهران و«بوابة الخليج» للرياض
إنّ مستقبل العراق يشكل هاجسًا أساسيًا بالنسبة لكل من السعودية وإيران، فهزيمة المشروع الأميركي هناك قد أضعف الدور السعودي إلى حد كبير، في حين زاد نفوذ طهران، وهذا ما بدا واضحاً في السنوات الأخيرة. واليوم، وفي غمرة الحديث عن انسحاب الجيش الأميركي من العراق، ستعود مسألة التنافس السعودي - الإيراني لتطفو من جديد، فبعد سحب الولايات المتحدة لما تبقى من قواتها العسكرية من العراق، سيكون من الصعب على السعودية وحكومات ملكية خليجية سنية أخرى البقاء سلبية إذا ما استمرت إيران بتقديم الدعم للحكومة العراقية الحالية، وللقوى الشيعية في البلد. لذلك، فإنّ الولايات المتحدة تعمل إلى جانب السعودية لاحتواء النفوذ الإيراني بحيث تنظر الرياض إلى العراق على أنه البوابة الشرقية للخليج العربي، وخط الدفاع الأول بوجه العدو القادم من الشرق، في حين تراه طهران البعد الأمني والجيوسياسي لها.
من هنا، تسعى إيران إلى التخلص من النفوذ الأميركي في المنطقة الذي وصل إلى حدودها بعد سقوط نظام صدام حسين، باعتبار أنّ الولايات المتحدة عدو إيران الأخطر. وبما أنّ الهواجس السعودية الأساسية قد تشمل إجراءات الحكومة العراقية في المناطق السنية، والإجراءات ضد المسؤولين السنة، كما حصل أخيراً مع نائب الرئيس السني، وكما حصل من احتجاجات ضد الحكومة في محافظة الأنبار وغيرها من المناطق السنية، فسيكون عليها تحريض السنة في البلاد، ودعمهم لزيادة الاحتجاجات، والمطالبة بدور أكبر في السلطة، وربما يصل الأمر لإضطرابات مسلحة مما يزيد الوضع الحالي سوءاً.
طهران تحتضن الثورة المصرية
لقد أدخلت موجة الأحداث الأخيرة في المنطقة، والتي عرفت باسم الربيع العربي، هواجس جديدة لكل من السعودية وإيران، وجعلتهما يأخذانها بعين الاعتبار ضمن إطار عمل أولوياتهما الإقليمية. لم يكن أي من مصالح الحكومتين الحيوية معنياً بنتيجة النزاع في تونس حيث بدأ الربيع العربي، إلا أن القيادتين أصبحتا مهتمتين بهذه الأحداث بشكل خاص ما إن انتشرت الاضطرابات لتصل الى مصر.
وبينما راقبت السعودية طرد الرئيس المصري حسني مبارك برعب، رأت القيادة الإيرانية بعض الفرص المحتملة في احتضان الثورة المصرية، ودعمها لإعادة مصر إلى الحظيرة العربية والإسلامية، معولة بدور لها في دعم القضية الفلسطينية، هذه القضية التي تعتبرها طهران قضية العرب والمسلمين المركزية. إضافة إلى ذلك، تتطلع طهران إلى دور مصري بارز يؤمّن لها نوعاً من فك العزلة الدولية المفروضة عليها لما لمصر من تأثير بالغ على بعض الدول. فعقب إزاحة مبارك عن السلطة، طلبت القيادة الإيرانية من مصر القيام بـ«خطوة شجاعة» لجهة إعادة تثبيت العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وأبدى وزير الخارجية المصري آنذاك نبيل العربي حسن النية إزاء هذا العمل، وصرح في نيسان 2011 قائلاً« يستحق الشعبان المصري والإيراني علاقات تعكس تاريخيهما وحضارتيهما، شريطة أن تكون مبنية على أساس الاحترام المتبادل لسيادة كل منهما، وعدم التدخل بأي نوع من الشؤون الداخلية».
وتفاعلت الرياض، بشكل متوقع، مع صدمة هذه المقترحات، وبعد وقت قصير من تصريح العربي، ضغطت السعودية على مصر للحد من أي تقارب قد يحصل مع إيران، مع الإشارة الى زيادة مفاجئة في حالة العداء ما بين طهران ودول مجلس التعاون الخليجي عقب التدخل السعودي في البحرين في آذار2011. وفي نيسان 2011، اجتمع رئيس الوزراء المصري عصام شرف مع الملك السعودي عبد الله في الرياض لإجراء مناقشات شاملة للقضايا الإقليمية الأساسية حيث شدد الملك بوضوح على هواجس مجلس التعاون الخليجي بشأن إيران. أما قرار الرياض في أواخر أيار منح مصر 4 مليارات دولار بشكل قروض ومنح فقد أصبح، وبسرعة، حافزاً للقاهرة لدرس الأولويات السعودية، خاصة في ضوء العائدات السياحية المصرية المتضائلة، وتوقف الاستثمارات الغربية الخاصة في الاقتصاد المصري. ويواصل البَلدان جهودهما لتحسين علاقاتهما مع مصر ما بعد مبارك حالياً، إذ لا تزال كل من إيران والسعودية غير واثقتين من الكيفية التي قد تتطور بها أسس السياسة الخارجية المصرية، ويشجع كلاهما القاهرة على الاقتراب منها أكثر.
دعم متبادل بين إيران وسوريا
أمّا سوريا، الحليف العربي الأقرب لإيران، فقد حافظت إيران على علاقات جيدة معها على مدى أكثر من ثلاثة عقود، منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية. فبعد إنتصار الثورة الإسلامية، قدمت سوريا، إلى جانب ليبيا برئيسها القذافي، الدعم الكلامي والدبلوماسي لطهران خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية. وكان أحد العوامل الهامة في تعزيز ودعم العلاقة المستمرة بين الدولتين إستعداد إيران المعلن لتقديم الدعم لسوريا في أية مواجهة مستقبلية مع «إسرائيل»، كما وأنّ سوريا قامت بتأمين خط إمداد لحركات المقاومة المدعومة من إيران ضد «إسرائيل» في كل من لبنان وفلسطين. في حين كانت ولا تزال سوريا وإيران تشعران بالإرتياب، وعدم الثقة بسياسة الولايات المتحدة في المنطقة. وعقب الأحداث المسلحة في سوريا عام 2011، أخذت إيران تراقب الوضع بحذر كبير لا يخلو من الخوف، كما أعرب القادة الإيرانيون والسوريون مراراً بأنّ العلاقة بين بلديهما تاريخية وإستراتجية لا يمكن فكها مهما كانت الظروف.
أما العلاقة السورية مع الرياض فمختلفة. حيث حافظت السعودية، كملكية إسلامية متشددة، على تقليد طويل من عدم الثقة تجاه سوريا الجمهورية العلمانية. وفي الوقت نفسه، فإنّ السعودية ليس لديها الكثير من الأمور المشتركة مع الحكومة السورية، والتي تتخطى مسألة العروبة. وفي الآونة الأخيرة، كانت السعودية وإيران بحاجة لدرس الكيفية التي ستؤثر بها الاضطرابات في سوريا على مصالحهما. فطهران هي التي ستخسر أكثر بسقوط النظام السوري الحالي، وهذا واضح، وهي في الغالب تقف إلى جانب حليفها السوري، ولن تسمح بأي حال بسقوط نظام الرئيس الأسد. لقد كانت سياسة الانفراج السعودية السابقة مع دمشق هامة، إلا أنّ الرياض لم تعتبر يوماً نظام الأسد «العلوي» حليفاً لها، ويتوقع أن تكون مسرورة برؤية طهران تخسر أهم شريك عربي لديها إذا ما سقط هذا النظام، ووصل السلفيون إلى السلطة. لذلك فهي تقوم، مع بعض الدول الخليجية، بدعم مالي هائل للمسلحين السوريين والّذين تتشكل أغلبيتهم من السنة السلفيين. أما من الناحية السلبية، ففي حال الإطاحة بنظام الأسد، وعدم وصول الإسلاميين للحكم، فإنّ الرياض، والتي تملك نظرة قاتمة بشأن الهيجان الثوري والديمقراطيات العربية، ستسعى بالتأكيد الى الحفاظ على مستوى عال من النفوذ لدى أية حكومة ما بعد الحكومة البعثية.
إيران والسعودية والتوجّه الإقليمي
وأخيراً، يعرض مشهد هذا« الربيع العربي» أيضاً احتمالية الإطاحة بحكومات مختلفة أخرى تتخطى تلك التي كانت في تونس، مصر، وليبيا، ما يخلق فجوات بالإمكان استغلالها من قبل دول مختلفة قد تحاول التكيف مع حكومات ما بعد الثورة أو الاستفادة من الفوضى الحاصلة. فالسعودية ودول خليجية صغيرة أخرى قلقة من الإطاحة بأية حكومة ملكية عربية، ولهذه الغاية، أظهر مجلس التعاون الخليجي اهتماماً بتقديم العضوية الكاملة لحكومتين ملكيتين عربيتين ليستا جزءاً من المنظمة هما الأردن والمغرب، رغم أنهما، جغرافياً، ليستا جزءاً من الخليج. ويمكن لعضوية كهذه أن تكون مربحة لدعم وتعزيز الملكيات التي لا تمتلك الكثير من الثروات. أما إيران، فإنها تسعى لتوسيع قوتها في الخليج، والتأثير على دول عربية خليجية للتقليل من علاقاتها العسكرية مع الغرب أو إلغائها.