|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 32077
|
الإنتساب : Mar 2009
|
المشاركات : 97
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
جعفر المالكي
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 20-09-2009 الساعة : 03:34 PM
لنتابع تكملة التفسير في الاية مدار البحث وانقاش
فحكم أولي الأمر في الطاعة حكم الرسول على ما يدل عليه الآية، و حكم التنازع هو الذي ذكره في الآية سواء في ذلك حضور الرسول كما يدل عليه الآيات التالية، و غيبته كما يدل عليه الأمر في الآية بإطلاقه، فالرد إلى الله و الرسول المذكور في الآية مختص بصورة تنازع المؤمنين كما يدل عليه قوله: تنازعتم، و لم يقل: فإن تنازع أولو الأمر، و لا قال: فإن تنازعوا، و الرد إلى الله و الرسول عند حضور الرسول هو سؤال الرسول عن حكم المسألة أو استنباطه من الكتاب و السنة للمتمكن منه، و عند غيبته أن يسأل الإمام عنه أو الاستنباط كما تقدم بيانه، فلا يكون قوله: فإن تنازعتم في شيء «إلخ» زائدا من الكلام مستغنى عنه كما ادعاه المستشكل.
فقد تبين من جميع ما تقدم: أن المراد بأولي الأمر في الآية رجال من الأمة حكم الواحد منهم في العصمة و افتراض الطاعة حكم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، و هذا مع ذلك لا ينافي عموم مفهوم لفظ أولي الأمر بحسب اللغة، و إرادته من اللفظ فإن قصد مفهوم من المفاهيم من اللفظ شيء و إرادة المصداق الذي ينطبق عليه المفهوم شيء آخر، و ذلك كما أن مفهوم الرسول معنى عام كلي و هو المراد من اللفظ في الآية لكن المصداق المقصود هو الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
قوله تعالى: «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول» إلى آخر الآية تفريع على الحصر المستفاد من المورد فإن قوله: أطيعوا الله «إلخ» حيث أوجب طاعة الله و رسوله، و هذه الطاعة إنما هي في المواد الدينية التي تتكفل رفع كل اختلاف مفروض، و كل حاجة ممكنة لم يبق مورد تمس الحاجة الرجوع إلى غير الله و رسوله، و كان معنى الكلام: أطيعوا الله، و لا تطيعوا الطاغوت، و هو ما ذكرناه من الحصر.
و توجه الخطاب إلى المؤمنين كاشف عن أن المراد بالتنازع هو تنازعهم بينهم لا تنازع مفروض بينهم و بين أولي الأمر، و لا تنازع مفروض بين أولي الأمر فإن الأول أعني التنازع بينهم و بين أولي الأمر لا يلائم افتراض طاعة أولي الأمر عليهم، و كذا الثاني أعني التنازع بين أولي الأمر فإن افتراض الطاعة لا يلائم التنازع الذي أحد طرفيه على الباطل، على أنه لا يناسب كون الخطاب متوجها إلى المؤمنين في قوله: فإن تنازعتم في شيء فردوه.
و لفظ الشيء و إن كان يعم كل حكم و أمر من الله و رسوله و أولي الأمر كائنا ما كان لكن قوله بعد ذلك: فردوه إلى الله و الرسول يدل على أن المفروض هو النزاع في شيء ليس لأولي الأمر الاستقلال و الاستبداد فيه من أوامرهم في دائرة ولايتهم كأمرهم بنفر أو حرب أو صلح أو غير ذلك، إذ لا معنى لإيجاب الرد إلى الله و الرسول في هذه الموارد مع فرض طاعتهم فيها.
فالآية تدل على وجوب الرد في نفس الأحكام الدينية التي ليس لأحد أن يحكم فيها بإنفاذ أو نسخ إلا الله و رسوله، و الآية كالصريح في أنه ليس لأحد أن يتصرف في حكم ديني شرعه الله و رسوله، و أولو الأمر و من دونهم في ذلك سواء.
و قوله: إن كنتم تؤمنون بالله، تشديد في الحكم و إشارة إلى أن مخالفته إنما تنتشىء من فساد في مرحلة الإيمان فالحكم يرتبط به ارتباطا فالمخالفة تكشف عن التظاهر بصفة الإيمان بالله و رسوله، و استبطان للكفر، و هو النفاق كما يدل عليه الآيات التالية.
و قوله: ذلك خير و أحسن تأويلا أي الرد عند التنازع أو إطاعة الله و رسوله و أولي الأمر، و التأويل هو المصلحة الواقعية التي تنشأ منها الحكم ثم تترتب على العمل و قد تقدم البحث عن معناه في ذيل قوله تعالى: و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله إلا الله الآية: «آل عمران: 7» في الجزء الثالث من الكتاب.
قوله تعالى: «أ لم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك» إلى آخر الآية الزعم هو الاعتقاد بكذا سواء طابق الواقع أم لا، بخلاف العلم فإنه الاعتقاد المطابق للواقع، و لكون الزعم يستعمل في الاعتقاد في موارد لا يطابق الواقع ربما يظن أن عدم مطابقة الواقع مأخوذ في مفهومه و ليس كذلك، و الطاغوت مصدر بمعنى الطغيان كالرهبوت و الجبروت و الملكوت غير أنه ربما يطلق و يراد به اسم الفاعل مبالغة يقال: طغى الماء إذا تعدى ظرفه لوفوره و كثرته، و كان استعماله في الإنسان أولا على نحو الاستعارة ثم ابتذل فلحق بالحقيقة و هو خروج الإنسان عن طوره الذي حده له العقل أو الشرع، فالطاغوت هو الظالم الجبار، و المتمرد عن وظائف عبودية الله استعلاء عليه تعالى و هكذا، و إليه يعود ما قيل: إن الطاغوت كل معبود من دون الله.
و قوله: بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك، بمنزلة أن يقال: بما أنزل الله على رسله، و لم يقل: آمنوا بك و بالذين من قبلك لأن الكلام في وجوب الرد إلى كتاب الله و حكمه و بذلك يظهر أن المراد بقوله: «و قد أمروا أن يكفروا به» الأمر في الكتب السماوية و الوحي النازل على الأنبياء: محمد و من قبله (صلى الله عليه وآله وسلم).
و قوله: أ لم تر إلخ، الكلام بمنزلة دفع الدخل كأنه قيل: ما وجه ذكر قوله: أطيعوا الله و أطيعوا الرسول «إلخ» فقيل: أ لم تر إلى تخلفهم من الطاعة حيث يريدون التحاكم إلى الطاغوت؟ و الاستفهام للتأسف و المعنى: من الأسف ما رأيته أن بعض الناس، و هم معتقدون أنهم مؤمنون بما أنزل إليك من الكتاب و إلى سائر الأنبياء و الكتب السماوية إنما أنزلت لتحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، و قد بينه الله تعالى لهم بقوله: كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه: «البقرة: 213» يتحاكمون عند التنازع إلى الطاغوت و هم أهل الطغيان و المتمردون عن دين الله المتعدون على الحق، و قد أمروا في هذه الكتب أن يكفروا بالطاغوت، و كفى في منع التحاكم إليهم أنه إلغاء لكتب الله و إبطال لشرائعه.
و في قوله «و يريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا، دلالة على أن تحاكمهم إنما هو بإلقاء الشيطان و إغوائه، و الوجهة فيه الضلال البعيد.
قوله تعالى: «و إذا قيل لهم تعالوا» إلى آخر الآية، تعالوا بحسب الأصل أمر من التعالي و هو الارتفاع، و صد عنه يصد صدودا أي أعرض، و قوله: إلى ما أنزل الله و إلى الرسول، بمنزلة أن يقال: إلى حكم الله و من يحكم به، و في قوله: يصدون عنك، إنما خص الرسول بالإعراض مع أن الذي دعوا إليه هو الكتاب و الرسول معا لا الرسول وحده لأن الأسف إنما هو من فعل الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل الله فهم ليسوا بكافرين حتى يتجاهروا بالإعراض عن كتاب الله بل منافقون بالحقيقة يتظاهرون بالإيمان بما أنزل الله لكنهم يعرضون عن رسوله.
و من هنا يظهر أن الفرق بين الله و رسوله بتسليم حكم الله و التوقف في حكم الرسول نفاق البتة.
قوله تعالى: «فكيف إذا أصابتهم مصيبة» إلخ إيذان بأن هذا الإعراض و الانصراف عن حكم الله و رسوله، و الإقبال إلى غيره و هو حكم الطاغوت سيعقب مصيبة تصيبهم لا سبب لها إلا هذا الإعراض عن حكم الله و رسوله، و التحاكم إلى الطاغوت، و قوله: ثم جاءوك يحلفون بالله، اه حكاية لمعذرتهم أنهم ما كانوا يريدون بركونهم إلى حكم الطاغوت سوء، و المعنى - و الله أعلم -: فإذا كان حالهم هذا الحال كيف صنيعهم إذا أصابهم بفعالهم هذا وباله السيىء ثم جاءوك يحلفون بالله قائلين ما أردنا بالتحاكم إلى غير الكتاب و الرسول إلا الإحسان و التوفيق و قطع المشاجرة بين الخصوم.
قوله تعالى: «أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم» إلخ تكذيب لقولهم فيما اعتذروا به، و لم يذكر حال ما في قلوبهم، و أنه ضمير فاسد لدلالة قوله: «فأعرض عنهم و عظهم» على ذلك إذ لو كان ما في قلوبهم غير فاسد كان قولهم صدقا و حقا و لا يؤمر بالإعراض عمن يقول الحق و يصدق في قوله.
و قوله: و قل لهم في أنفسهم قولا بليغا أي قولا يبلغ في أنفسهم ما تريد أن يقفوا عليه و يفقهوه من مفاسد هذا الصنيع، و أنه نفاق لو ظهر نزل بهم الويل من سخط الله تعالى.
قوله تعالى: «و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله»، رد مطلق لجميع ما تقدمت حكايته من هؤلاء المنافقين من التحاكم إلى الطاغوت، و الإعراض عن الرسول، و الحلف و الاعتذار بالإحسان و التوفيق.
فكل ذلك مخالفة للرسول بوجه سواء كانت مصاحبة لعذر يعتذر به أم لا، و قد أوجب الله طاعته من غير قيد و شرط فإنه لم يرسله إلا ليطاع بإذن الله، و ليس لأحد أن يتخيل أن المتبع من الطاعة طاعة الله، و إنما الرسول بشر ممن خلق إنما يطاع لحيازة الصلاح فإذا أحرز صلاح من دون طاعته فلا بأس بالاستبداد في إحرازه، و ترك الرسول في جانب، و إلا كان إشراكا بالله، و عبادة لرسوله معه، و ربما كان يلوح ذلك في أمور يكلمون فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول قائلهم له إذا عزم عليهم في مهمة: أ بأمر من الله أم منك؟.
فذكر الله سبحانه أن وجوب طاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجوب مطلق، و ليست إلا طاعة الله فإنها بإذنه نظير ما يفيده قوله تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله الآية: «النساء: 80».
ثم ذكر أنهم لو رجعوا إلى الله و رسوله بالتوبة حين ما خالفوا الرسول بالإعراض لكان خيرا لهم من أن يحلفوا بالله، و يلفقوا أعذارا غير موجهة لا تنفع و لا ترضي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن الله سبحانه يخبره بحقيقة الأمر، و ذلك قوله: و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك إلى آخر الآية.
قوله تعالى: فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك إلخ، الشجر - بسكون الجيم - و الشجور: الاختلاط يقال: شجر شجرا و شجورا أي اختلط، و منه التشاجر و المشاجرة كأن الدعاوي أو الأقوال اختلط بعضها مع بعض، و منه قيل للشجر: شجر لاختلاط غصونها بعضها مع بعض، و الحرج الضيق.
و ظاهر السياق في بدء النظر أنه رد لزعم المنافقين أنهم آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع تحاكمهم إلى الطاغوت فالمعنى: فليس كما يزعمون أنهم يؤمنون مع تحاكمهم إلى الطاغوت بل لا يؤمنون حتى يحكموك «إلخ».
لكن شمول حكم الغاية أعني قوله: حتى يحكموك «إلخ» لغير المنافقين، و كذا قوله بعد ذلك: «و لو أنا كتبنا عليهم» إلى قوله: «ما فعلوه إلا قليل منهم» يؤيد أن الرد لا يختص بالمنافقين بل يعمهم و غيرهم من جهة أن ظاهر حالهم أنهم يزعمون أن مجرد تصديق ما أنزل من عند الله بما يتضمنه من المعارف و الأحكام إيمان بالله و رسوله و بما جاء به من عند ربه حقيقة، و ليس كذلك بل الإيمان تسليم تام باطنا و ظاهرا فكيف يتأتى لمؤمن حقا أن لا يسلم للرسول حكما في الظاهر بأن يعرض عنه و يخالفه، أو في باطن نفسه بأن يتحرج عن حكم الرسول إذا خالف هوى نفسه، و قد قال الله تعالى لرسوله: لتحكم بين الناس بما أراك الله: «النساء: 105».
فلو تحرج متحرج بما قضى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن حكم الله تحرج لأنه الذي شرفه بافتراض الطاعة و نفوذ الحكم.
و إذا كانوا سلموا حكم الرسول، و لم يتحرج قلوبهم منه كانوا مسلمين لحكم الله قطعا سواء في ذلك حكمه التشريعي و التكويني، و هذا موقف من مواقف الإيمان يتلبس فيه المؤمن بعدة من صفات الفضيلة أوضحها: التسليم لأمر الله، و يسقط فيه التحرج و الاعتراض و الرد من لسان المؤمن و قلبه، و قد أطلق في الآية التسليم إطلاقا.
و من هنا يظهر أن قوله: فلا و ربك إلى آخر الآية، و إن كان مقصورا على التسليم لحكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحسب اللفظ لأن مورد الآيات هو تحاكمهم إلى غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع وجوب رجوعهم إليه إلا أن المعنى عام لحكم الله و رسوله جميعا، و لحكم التشريع و التكوين جميعا كما عرفت.
بل المعنى يعم الحكم بمعنى قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كل سيرة سار بها أو عمل عمل به لأن الأثر مشترك فكل ما ينسب بوجه إلى الله و رسوله بأي نحو كان لا يتأتى لمؤمن بالله حق إيمانه أن يرده أو يعترض عليه أو يمله أو يسوءه بوجه من وجوه المساءة فكل ذلك شرك على مراتبه، و قد قال تعالى: و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون: «يوسف: 106».
قوله تعالى: «و لو أنا كتبنا عليهم» إلى قوله: «ما فعلوه إلا قليل منهم» قد تقدم في قوله: و لكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا: «آية: 46 من السورة» إن هذا التركيب يدل على أن الحكم للهيئة الاجتماعية من الأفراد و هو المجتمع، و أن الاستثناء لدفع توهم استغراق الحكم و استيعابه لجميع الأفراد، و لذلك كان هذا الاستثناء أشبه بالمنفصل منه بالمتصل أو هو برزخ بين الاستثنائين: المتصل و المنفصل لكونه ذا جنبتين.
على هذا فقوله «ما فعلوه إلا قليل منهم» وارد مورد الإخبار عن حال الجملة المجتمعة أنهم لا يمتثلون الأحكام و التكاليف الحرجية الشاقة التي تماس ما يتعلق به قلوبهم تعلق الحب الشديد كنفوسهم و ديارهم، و استثناء القليل لدفع التوهم.
فالمعنى: و لو أنا كتبنا أي فرضنا عليهم قتل أنفسهم و الخروج من ديارهم و أوطانهم المألوفة لهم ما فعلوه أي لم يمتثلوا أمرنا، ثم لما استشعر أن قوله: ما فعلوه يوهم أن ليس فيهم من هو مؤمن حقا مسلم لحكم الله حقيقة دفع ذلك باستثناء القليل منهم، و لم يكن يشمله الحكم حقيقة لأن الإخبار عن حال المجتمع من حيث إنه مجتمع و لم تكن الأفراد داخلة فيه إلا بتبع الجملة.
و من هنا يظهر أن المراد قتل الجملة الجملة و خروج الجملة و جلاؤهم من جملة ديارهم كالبلدة و القرية دون قتل كل واحد نفسه، و خروجه من داره كما في قوله تعالى: فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم: «البقرة: 54»، فإن المقصود بالخطاب هو الجماعة دون الأفراد.
قوله تعالى: «و لو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم و أشد تثبيتا» في تبديل الكتابة في قوله: و لو أنا كتبنا عليهم، بالوعظ في قوله: ما يوعظون به إشارة إلى أن هذه الأحكام الظاهرة في صورة الأمر و الفرض ليست إلا إشارات إلى ما فيه صلاحهم و سعادتهم فهي في الحقيقة مواعظ و نصائح يراد بها خيرهم و صلاحهم.
و قوله: لكان خيرا لهم أي في جميع ما يتعلق بهم من أولاهم و أخراهم، و ذلك أن خير الآخرة لا ينفك من خير الدنيا بل يستتبعه، و قوله: «و أشد تثبيتا» أي لنفوسهم و قلوبهم بالإيمان لأن الكلام فيه، قال تعالى: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت الآية: «إبراهيم: 27».
قوله تعالى: «و إذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما» أي حين تثبتوا بالإيمان الثابت، و الكلام في إبهام قوله: «أجرا عظيما» كالكلام في إطلاق قوله: «لكان خيرا لهم».
قوله تعالى: «و لهديناهم صراطا مستقيما» قد مضى الكلام في معنى الصراط المستقيم في ذيل قوله: اهدنا الصراط المستقيم: «الحمد: 6» في الجزء الأول من الكتاب.
قوله تعالى: «و من يطع الله و الرسول» إلى قوله: «حسن أولئك رفيقا» جمع بين الله و الرسول في هذا الوعد الحسن مع كون الآيات السابقة متعرضة لإطاعة الرسول و التسليم لحكمه و قضائه، لتخلل ذكره تعالى بينها في قوله: و لو أنا كتبنا عليهم «إلخ» فالطاعة المفترضة طاعته تعالى و طاعة رسوله، و قد بدأ الكلام على هذا النحو في قوله: أطيعوا الله و أطيعوا الرسول الآية.
و قوله: فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم، يدل على اللحوق دون الصيرورة فهؤلاء ملحقون بجماعة المنعم عليهم، و هم أصحاب الصراط المستقيم الذي لم ينسب في كلامه تعالى إلى غيره إلا إلى هذه الجماعة في قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم: «الحمد: 7»، و بالجملة فهم ملحقون بهم غير صائرين منهم كما لا يخلو قوله: «و حسن أولئك رفيقا» من تلويح إليه، و قد تقدم أن المراد بهذه النعمة هي الولاية.
و أما هؤلاء الطوائف الأربع أعني النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين فالنبيون هم أصحاب الوحي الذين عندهم نبأ الغيب، و لا خبرة لنا من حالهم بأزيد من ذلك إلا من حيث الآثار، و قد تقدم أن المراد بالشهداء شهداء الأعمال فيما يطلق من لفظ الشهيد في القرآن دون المستشهدين في معركة القتال، و أن المراد بالصالحين هم أهل اللياقة بنعم الله.
و أما الصديقون فالذي يدل عليه لفظه هو أنه مبالغة من الصدق، و من الصدق ما هو في القول، و منه ما هو في الفعل، و صدق الفعل هو مطابقته للقول لأنه حاك عن الاعتقاد فإذا صدق في حكايته كان حاكيا لما في الضمير من غير تخلف، و صدق القول مطابقته لما في الواقع، و حيث كان القول نفسه من الفعل بوجه كان الصادق في فعله لا يخبر إلا عما يعلم صدقه و أنه حق، ففي قوله الصدق الخبري و المخبري جميعا.
فالصديق الذي لا يكذب أصلا هو الذي لا يفعل إلا ما يراه حقا من غير اتباع لهوى النفس، و لا يقول إلا ما يرى أنه حق، و لا يرى شيئا إلا ما هو حق فهو يشاهد حقائق الأشياء، و يقول الحق، و يفعل الحق.
و على ذلك فيترتب المراتب فالنبيون و هم السادة، ثم الصديقون و هم شهداء الحقائق و الأعمال، و الشهداء و هم شهداء الأعمال، و الصالحون و هم المتهيئون للكرامة الإلهية.
و قوله تعالى: «و حسن أولئك رفيقا» أي من حيث الرفاقة فهو تمييز، قيل: و لذلك لم يجمع، و قيل: المعنى: حسن كل واحد منهم رفيقا، و هو حال نظير قوله: ثم نخرجكم طفلا: «الحج: 5 «.
|
|
|
|
|