إدريس هاني: القرضاوي يمارس التبييض
والشيعة ليسوا ضد ارادة الشعب السوري
حاوره: نورالدين لشهب
شبكة النبأ: كيف تلقيت دعوة القرضاوي لثلاثة مليون مسلم حاج للدعوة على إيران؟
هي فتوى جاءت في سياق مشحون بمؤشرات الفتنة، فالفتنة كما يقال هي نائمة لعن الله من أيقظها، ويشهد التّاريخ اليوم أن القرضاوي لا يأل جهدا في سبيل إيقاظها. فكيف توقظ الفتنة يا ترى؟ توقظ حين ينبري فقيه أو شيخ ويفتي بما يثير هذه الفتنة. فما قام به القرضاوي هو أنه حاول أن يستغل المنبر الديني وموقعه كشيخ مؤثر في شرائح من الحركات الإسلامية والإسلاميين لكي يقدم فتوى تثير الشغب. فهو تشغيب وراءه أهداف ومرامي سياسية. لأن القرضاوي لا يفتي فتاوى فقهية مجردة، بل إنّ فتاويه مدروسة من الناحية السياسية. وهو اليوم يأدي معزوفة الفصول الأربعة الطائفية.
وعموما أنا لم أتفاجأ من هذه الفتوى. فلقد كنت أراقب أداءه منذ سنوات واعتبرته شيخا طائفيا قبل سنوات.
* هل يتعلق الأمر بفتوى فقهية أم رأي سياسي؟
أنا أعتبر الفتوى سياسية. هو موقف سياسي، أو لعبة سياسية. سميها ما شئت لكنها لا تخرج عن حسابات السياسة.
* صادرة عن فقيه؟
نعم صادرة عن فقيه، فالقرضاوي يمارس التبييض الديني للمشاريع السياسية في المنطقة. كيف ذلك؟ فالإيرانيون ولأسباب ما لا تهمنا الآن، قالوا: لا بد أن نحيي مسيرة البراءة. والبراءة من المشركين هي نوع من الاحتجاج السلمي اعتاد أن يقوم به الحجيج الإيرانيون وغير الإيرانيين حينما ينهون مناسكهم. وهم يقصدون بها الاستكبار العالمي وأمريكا وإسرائيل وما شاكل ذلك. فالوضع صعب جدا فلا بد من تشغيب ولا بد من فتوى تضع العصا في العجلة. ولم يجدوا شخصا مناسبا أكثر من القرضاوي لتصدر عنه هذه الفتوى الصريحة في موقفها الطائفي الفاضح. بمعنى أنه يهدد الإيرانيين، ويريد أن يقول: لو أنكم تريدون أن تقوموا بهذه الأمور فنحن نستطيع أن نحول العالم الإسلامي إلى شذر مذر طائفي. لذلك فالقرضاوي الآن لو تتبعنا الخط البياني لخطابه منذ السنوات الأخيرة، سنكتشف أنه أصبح شيخا طائفيا.
وهذه الأمور اتضحت الآن وأصبحت واضحة، ففتواه لم تكن فتوى علمية لأن هناك فقهاء لم يفهموها، فالجميع فوجئ بها. لأنّ فيها خلط بين النزوع الطائفي والشّوفيني. فضلا عن أنها أساءت لملايين المسلمين الذين لا تهمّهم حسابات القرضاوي وولاءاته السياسية. حتى عامة الناس فوجئوا بهذا.. صحيح.
ولكن فتوى القرضاوي جاءت في سياق رد على دعوة الاحتجاج السلمي، وكان من المتوقع أن يكون هناك رد. فالطائفية مشروع لا ديني بديل عن أي مشروع يمكن أن يصدر من أي جهة، وعن إيران على وجه التحديد. فلم يعد من الممكن مواجهة إيران إلا بالتصعيد الطائفي. وهذا موقف استراتيجي أسّس له كارتر منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران. فهذه الفتوى لم تكن من عنده ولكنه مدفوع إليها باعتبار أن القرضاوي في النهاية موظف وليس حرا في إصدار فتواه، فهو مرتبط بأجهزة ومرتبط بدولة وليس حرا.
* من المستهدف بهذه الفتوى/ الرأي السياسي؟
المستهدف هو الاصطفافات في المنطقة، فكل فتاوى القرضاوي هي من حيث المقاصد ومن حيث نتائجها، تصب في مشروع "الناتو" والمشروع الصهيوني بالمنطقة. يعني كل فتاواه الأخيرة تصب في مشروع الاصطفافات في الشرق الأوسط.
* لماذا سكتت العربية السعودية على هذه الفتوى مع العلم أنها تهدد السلم بموسم الحج؟
هذه الفتوى في تقديري قد تزعج السعوديين، لأن نتائجها يمكن أن يدفع ثمنها السعوديون أكثر من غيرهم. ممكن أن تستثير الأقليات في السعودية. ويمكن أن تلهب المنطقة.
* تقصد الشيعة في المنطقة الشرقية للعربية السعودية..؟
نعم، نعم.. فهذا نوع من صبّ الزيت على النار. فهذه الفتوى تهدد الاستقرار المجتمعي في دول الخليج، وفي السعودية تحديدا، ولا أستبعد أن تكون هذه الفتوى مؤامرة على السعودية نفسها. فالقرضاوي بدأ يتهدد بمواقفه وفتاواه السياسية الاستقرار المجتمعي في الكثير من الدّول مثل الكويت والإمارات التي أصدرت مذكّرة اعتقال في حقّه؛ وهو اليوم يتهدد الاستقرار الاجتماعي في المملكة السعودية.
* كيف تحول القرضاوي من داعية إلى الوسطية والاعتدال والحوار بين الشيعة والسنة وله ابحاث في الدعوة إلى الحوار بين المذاهب الإسلامية، وزار إيران كثيرا وكان ضيفا مرحبا به، فكيف تحول الرجل من داعية للتسامح والتغافر بين المسلمين إلى داعية طائفي كما قلت أنت؟
أنا شخصيا لم أكن أثق في خطاب القرضاوي حول التسامح والتعددية وما شابه ذلك، كما كان يبثه القرضاوي ويتبناه، لماذا؟ لأني كنت دائما مع التجديد الجذري في الخطاب. بمعنى لست مع محاولة أن نركّب أفكارا موجودة ونضفي عليها بعض العناوين والمفاهيم ونتبناها من دون أن تكون لدينا قناعة عميقة بها. كنت أعتبر هذا من التدليس والخداع الذي مارسه شيوخ كثيرون في الإسلام، وجهات كثيرة محسوبة على الحركة الإسلامية. واليوم نكتشف بالفعل ما هي نتائج غياب التجديد الجذري. لأنه ليست المسألة أن نستعمل مفاهيم كبرى نخفي بها المواقف العميقة الاستئصالية لبعض الإسلاميين. ففي الملمات وفي المنعطفات الدقيقة في تاريخ المنطقة يطلع هؤلاء، ويراهم البعض أنهم قد ارتدّوا وهم في الحقيقة لم يرتدوا وإنما كشف عنهم الغطاء. فالقرضاوي لم يكن يحسم مع الكثير من الأمور. كان يحاول أن يبرر، ويحاول أن يعقلن أفكارا متطرفة جدا، وحتى تأصيلاته خفيفة في هذا الصدد لما ننظر إليها من منظور فقهي وأصولي وفلسفي نراها مهتزة جدا وهشة. فكل ما للقرضاوي من أفكار جميلة هي منقولة عن فقهاء مجددين سبقوه سواء في مصر أو غير مصر ويتبناه، ولكنه مُكن لكي يكون على عرش الدعوة لأسباب باتت اليوم معروفة، بحيث ساهم البترودولار في إعادة إنتاج القرضاوي من ذلك الرجل الشيخ الأزهري شبه المغمور الذي ينتقل من مصر إلى دولة خليجية فجأة يصبح أميرا، أي في مقام الأمير، وبالتالي قوة الفتوى هنا ليست صناعة فقهية محضة، ولكنها تدخل فيها حسابات أخرى من قبيل التمكين. فلماذا لم يمكّن هذا ولم يمكّن الآخر، يعني كان لدينا علماء كثيرون مروا دون أن يسمع بهم أحد، محمد الغزالي مثلا، ولكن لماذا القرضاوي فقط؟ لأن الرجل يُعاد إنتاجه بحسب الطلب. فالمنطقة دخلت في رهانات سياسية وسوف يكون له الكثير من الطلعات من هذا القبيل، وسوف نسمع منه الغرائب. وبما أنه في سنّ لم يعد يسيطر فيه على نفسه سنسمع منه أشياء لم نسمعها منه من قبل. بمعنى ستكون مواقف واضحة ومحددة ومكشوفة..
* كيف تفسر سكوت أبناء الحركة الإسلامية بالمغرب عن هذه الفتوى والتي فاجأت العوام؟
السبب يعود إلى "أبوية" القرضاوي على الحركة الإسلامية. فإنهم جعلوا منه أبا روحيا، وبذلك سكتوا برا بالوالد ولو أخطأ..
* ولكن القرآن الكريم يقاوم "الفكر الأوبوي" ونحن إزاء حركة تجعل القرآن مرجعها الأسمى.. أليس كذلك؟
طبعا إذا حكمنا بالمفهوم الديني الذي هو ضد الأبوية، ولكن نتحدث هنا عن الأبوية بالمعنى البطريركي، بمعنى أن تتبع الأب ولو أخطأ. ولكن ليس مجرد أنه أب روحي، ولكنه أب اقتصادي بالنسبة للحركة الإسلامية، فهو الذي يوفر لها الدعم وأشياء كثيرة، لأنها تدخل في المختبر القريب من القرضاوي وحاشيته. وهو الذي يسيطر على الأوضاع هناك في الكثير من المناطق العربية. ولذلك يرون أن الرد على القرضاوي فيه ردا على السياسات التي تقف وراء القرضاوي. لذلك يخافون ولا يملكون الشجاعة الكافية كي يواجهوا القرضاوي لأنهم مرتبطين به عضويا وبمشروعه... هم لا يتعاملون معه كصديق للحركة الإسلامية بل هم يذوبون فيه ويذوبون في المشروع الذي يذوب فيه القرضاوي نفسه..
* وكيف تفسر سكوت السعودية على المستوى الرسمي لاسيما أنها عاشت فتنة في موسم الحج عام 1979 مع جهينة العتيبي؟
ربما الأمور إلى حد الآن غامضة، وربما أن الأمر فيه تهديد للجانب الآخر من أجل إحداث توازن مطلوب لعله يوقف قرار الإيرانيين بحملة البراءة في الحج، كأنهم يريدون أن يقولوا للإيرانيين: هل تريدون الفتنة؟ وهم يعلمون أن الإيرانيين يتخوفون من الفتنة، لأنهم يعرفون موقفهم للتقريب من المذاهب ويزعجهم الخطابات الطائفية، وربما وجدوا في القرضاوي فرصة لهم، ولكن على المدى المتوسط. فهذا محرج بالنسبة لهذه الدولة، لأن المنطقة ليست خالصة لمذاهب وطوائف معينة، فهي مركبة ومتعددة..
* ألا يتحمل الشيعة أنفسهم جانبا من المسؤولية في إذكاء الحرب الطائفية؟
نعم، هناك حذر وتخوف في المنطقة لكل ما هو إيراني، نعم هذا موجود. ولكن نحن الآن نحاسب العناوين ونحاسب اللغة. كلام القرضاوي مثلا واضح في دعوته إلى الطائفية مثلا، الإيرانيون لا يتحدثون بعناوين طائفية. يتحدثون بعنوان أمة إسلامية. ولن تجدهم يتحدثون بهذا الكلام. فعلى مستوى اللغة سقط القرضاوي في الطائفية، والإيرانيون سجلوا هدفا لحسابهم..
* إذا عدنا إلى ما يجري في سوريا حاليا نجد شخصيات قومية ويسارية وإسلامية محسوبة على المذهب السني تناصر النظام السوري، بينما لا نجد هذه التنويعات الإيديولوجية في الجانب الشيعي تقف إلى جانب الجيش الحر ومع الثورة السوري، قد يرى الرائي أن الأمر يتعلق بحرب طائفية من الجانب الشيعي الذي يناصر نظام بشار الأسد، ما السر في ذلك؟
السّر في ذلك هو أن الجانب الآخر لا يتحدث بعنوان الطائفية. فالطرف الذي يرفض الدخول في هذه الحرب يقرأ الأمور قراءة سياسية. فهم يعتبرون أن هذا المشروع هو مشروع سياسي وأن هذه اللعبة في أساسها سياسية. ولا أحد يجبر الشيعة أن يتموقفوا في هذا الاتجاه أو ذاك. والشيعة منتشرون في العالم ولا أحد يجبرهم في اتخاذ موقف معين، وهم ليسوا مكرهين بإكراهات ربما الأطراف الأخرى مكرهة بها. وهم يعتبرون أن ليس من مصلحتهم أن تتحول سوريا إلى حرب أهلية، فهم يعتبرون الأمور هكذا، لأن الحرب الأهلية أول من يتلظى بها هم الأقليات، وهم يرون أن الأمر يتعلق بمشروع سياسي ولذلك فاصطفافاتهم هي سياسية. إن موضوع سوريا هو موضوع معقد جدا، وأي قراءة غير سياسية وإستراتيجية للموضوع تتيه بنا في متاهات لا يمكن أن تكون منطقية. فالأمر لا يتعلق بالأقلية الشيعية، فالمسيحيون بل الأغلبية السنية لو كانت مع الجيش الحر لسقط النظام. فالنظام كدولة أغلبيته سنة، وفي سوريا لا يوجد هذا الخطاب. ولا يوجد الخطاب الطائفي، لا في التعليم ولا في السياسة، بل بالعكس فيه بنود تجرم مثل هذه الخطابات والنعرات الطائفية. والسوريون يعرفون هذا جيد..
* ولكن الشيعة وتحديدا إيران تقف مع النظام السوري ضد الشعب في مطالبته بحريته..
لا أحد ضد مطالب الشعب السوري، ولا أحد قال وادعى أنه ضد المطالب الشعبية للشعب السوري. الكل يقول بأنّ على النظام السوري أن يستجيب لمطالب الشعب. لكن هم ضد مظاهر التسلح وضد المسلحين وضد التدخل الأجنبي، لأن هذا مرتبط بأجندات تعرفها هذه الدول جيدا. والأمر لا يتعلق بأفراد بل بدول تعرف طبيعة اللعبة ومن يقف وراءها وتتابعها باليومي. وهذا موضوع كبير فيه روسيا والصين وإيران. أي نصف العالم. هناك اصطفافات كبيرة، تنظر إلى الموضوع نظرة جيوستراتيجية ولا تنظر إليه نظرة طائفية. النظام السوري لا يعاقب اليوم على الديمقراطية التي تنكر لها المجتمع الدولي في كثير من دول العالم، بل تعاقب لأنها ظلت عقبة كؤود ضدّ مشروع الشرق الأوسط الجديد. تحارب لأنها ممانعة. فلو دخلت في صفقة حول ملف المقاومة لوجدوا حلاّ للموضوع فورا.
* هناك من لام القرضاوي كونه داعية للشعوبية عندما تحدث عن الفرس في مقابل العرب، لكن هذه النزعة الشعوبية إن صح التعبير قد نجدها عند المراجع الشيعة أنفسهم بين ما هو فارسي وأفغاني وعربي، وتجلت هذه النزعة مع العلامة حسين فضل الله.. ولا أحد تحدث عنها؟
للأسف هذا كلام مردد وليس كلاما فقهيا، هذا الكلام إذا تبناه القرضاوي والشيوخ من أمثاله، هو كلام ليس تحقيقيا لأن إيران ليست فارسية كلها، فيها قوميات وأعراق، فالحديث هنا عن الطائفية والعرقيات محاولة للهروب من السؤال الجيوستراتيجي في المنطقة. فهم يهربون من هذا السؤال واستحقاقاته. المعارك والاصطفافات كلها ذات طبيعة جيوستراتيجية وليست مذهبية. فالمذهبيات والطائفية هي مجرد أوراق يتلاعب بها الطرف الضعيف، لأنه ليس من مصلحة إيران ولا سوريا أن يعزفوا على هذا الوتر. فالاصطفافات سياسية قبل أن تكون طائفية..
* ولكن هناك تصريحات من لدن بعض الشخصيات العراقية المحسوبة على الشيعة تفوح منها نتانة الطائفية، وتصريحات كثيرة تستفز المسؤولين العراقيين وتهدد النسيج الاجتماعي بالعراق والمنطقة..من قال هذا..؟
* المالكي يقول: هويتي شيعي أولا وعراقي ثانيا، مع العلم أن المالكي ينتمي إلى حزب سابق يصنف أن امتداده عربي... الآن يقول بهويته الشيعية ويستفز جمهور السنة قبل حلفائه السنة من العراقيين، ناهيك عن القنوات الفضائية التي ظهرت في السنين الأخيرة مستفزة لجمهور أهل السنة، وتجعل العوام منهم يعودون إلى الخطاب الطائفي للرد على هذه الاستفزازات..
شف.. ملامح الدولة في العراق لم تتضح بعد. هناك مسيرة طويلة أمام العراقيين ليصلوا إلى الهوية الكاملة للدولة العراقية الجديدة. ففي العراق لا يزال الكثير من الاختلالات والفوضى.. لكن... لكن، ثق تماما أن الدولة العراقية الآن والمالكي تحديدا، وهذا على مسؤوليتي طبعا، فالمالكي ليس طائفيا. المالكي وهو على رأس دولة القانون هو مع دولة العراق ودولة القانون. ولذلك هو تصدى لكل مظاهر التسلح في كل العراق وبدأ يحارب مظاهر التسلح في مناطق الشيعة قبل الشمال. طبعا فالإعلام تحدث كثيرا في الموضوع، ولكن المالكي كان دائما ضد الطائفية، وضد التقسيم وهو معروف عند العراقيين أنه رجل ضد الطائفية. ووقوفهم مع سوريا هو بسبب أنهم تأذوا كثيرا من المسلحين الذين كانت تبعثهم دول المنطقة العربية. ولهذا فلما كانت الحرب في ليبيا طلبوا من المالكي أن يسمح لبعض الطائرات القطرية أن تعبر سماء العراق فرفض، ورفض أيضا أن يمنح الحصانة للجنود الأمريكيين. قال لهم تريدون أن تستغلوا العراق للتدريبات في شأن سوريا، والمالكي رفض. هم جربوا الإرهاب، وأنا سمعت منه كلاما مباشرا في جلسة خاصة أنه رجل ضد التدخل الأجنبي. لا يريد أن يكون العراق طرفا في أي مؤامرة على دولة أخرى. وكان شجاعا ولم يستطع الأمريكيون أن يأخذوا منه حصانة للجنود الأمريكيين. العراقيون ضد الإرهاب وضد مظاهر التسلح وضد القاعدة. وهم يدركون أن القاعدة التي انتقلت من أفغانستان إلى العراق في وقت من الأوقات هي نفسها التي انتقلت إلى سوريا. كما يجب أن نعرف أن العراقيين مختلفين في هذا الموضوع. وهناك أناس ليسوا مع الدولة، لكنهم ضد الإرهاب. لقد تعبوا، ولكن المؤسف أن الإعلام المسيطر على الوضع، وعلى تفسير الأحداث وتقديمها بالصوت والصورة هو طرف في الحرب.
ليس لدينا إعلام عربي يقدم الصورة بموضوعية. عندنا إعلام طرف في الحرب. وحين يكون الإعلام طرفا في الحرب تضيع الصورة، وتضيع الحقائق..
* مثقفون عراقيون يتحدثون عن الاحتلال الاجتماعي للإيرانيين بالعراق، فإن كانت أمريكا احتلت العراق عسكريا فإن إيران احتلت البلد اجتماعيا إلى درجة أن بعض الكتاب العراقيين في الإعلام باتوا يتحدثون عن التشيع الصفوي الغريب عن تربة العراق في مقابل التشيع العلوي..؟
شف، حينما تكون هناك دول ضعيفة ما تزال تبحث عن نفسها، فأكيد ستتأثر بالجوار. الإيرانيون لهم علاقة مميزة مع العراق. وهذا بحكم الاستحقاق التاريخي والثقافي والجغرافي. لا تنس أن الحدود الإيرانية العراقية طويلة جدّا. التداخل الديني والثقافي والعرقي موجود. فهناك عراقيون من أصول إيرانية، وفيه إيرانيون من أصول عراقية. لو كنا نتحدث بهذه اللغة كان أولى أن نحاسب بأنه يوجد على رأس هرم الدولة الإيرانية عراقيون كثير. فلماذا لا نتحدث عن اختراق عراقي لدولة إيران؟ فكثير من الأسماء حكمت في إيران هم عرب أو عراقيون. فالإيرانيون يفهمون العراقيين أكثر من غيرهم.
ويتعاملون معهم من حيث العلاقات الاجتماعية والثقافية والتبادل إلى غير ذلك. فيه سياحة مشتركة بين المجتمع الإيراني والعراقي. هذه عوامل تؤهل إيران أن تكون أكثر نفوذا في العراق كما تؤهل العراق إلى أن يكون أكثر الدول العربية نفوذا في إيران. أما تركيا أو غيرها من الدول لا تمتلك كل هذه العناصر لتكون أكثر نفوذا. لذلك تلجأ إلى التدخل المتعصب كأن يزور مسؤولون أتراك إقليم كردستان دون أن يعلموا بذلك الحكومة المركزية بالعراق. هناك محاولة انتهاك السيادة الوطنية للعراق من قبل الأتراك.
فإيران لا تفعل هذا لأنها تتعامل مع دولة العراق كشركاء وهي تفهمهم كثيرا وتستعمل اللغة التي يفهمونها، وبالتالي هي علاقات تاريخية قديمة، وهذا ما يزعج الآخرين عندما يدخلون للعراق ويجدون البضائع الإيرانية وزوار إيرانيين، فهذه زيارة سياحية وهؤلاء قرويون مساكين يذهبون للسياحة منذ سنين وقرون.. والعراقيون خرجوا من استراتيجية استعداء الجيران، ولذلك هم الآن بصدد ترتيب علاقاتهم مع كل دول الجوار بما فيها الدول العربية. وسياستهم الجديدة قائمة تشبه ما حاولت السياسة التركية الوصول إليه. فهي مبنية على سياسة العمق الاستراتيجي كما أصل له أوغلو القائم على تصفير المشكلات مع الجيران. أنا أعتقد أن تركيا لم تنجح في هذا بينما ستنجح فيه العراق. وأعتبر أن العراق هو المؤهل لتطبيق العمق الاستراتيجي وهو يتحرك في سبيل تصفير المشكلات مع الجيران...
* دعنا من الحديث عن الدول والمصالح المتشابكة، نحن بصدد الحديث عن شخصيات جاءت من الدعوة إلى الوحدة والتسامح والحوار والمشروع الحضاري وإلى غير ذلك من العناوين البراقة سواء لدى الشيعة أم السنة، الناس الذين عاشوا في المنافي والبطش على عهد صدام بالنسبة للشيعة أو الآخرين الذين عاشوا في ظل القمع والإقصاء والتهميش والسجون لدى السنة، فهذه الأفواه المتمضمضة بدأت تنطق بالضلال والسفه للأسف لشديد وتقسم، ليس الأمة إلى كانتونات طائفية وغيتوهات عرقية، بل فرقت الأرحام من الأسر والعوائل، وهذه الأيادي المتوضئة بدأت تبطش بالناس، وقد بدأت المصيبة الطائفية من العراق... المشكل يتحمله الإسلاميون لدى السنة والشيعة على حد سواء، هناك أفعال وردود أفعال موغلة في الوحشية من تقتيل على الهوية وتكفير وتسفيه، انظر إلى المواقع الالكترونية والمنتديات وكذلك الفضائيات التي تناسلت في السنين الأخيرة... كيف الحل؟
الحل يجب أن نفهم أننا ندفع ضريبة التخلف... نحن متخلفون ونعيش ضريبة التخلف. يجب أن نعترف بهذا. كلنا في التخلف شرق، كلنا جميعا. الجميع متخلف ويتقاسم هذا التخلف التاريخي والانحطاط التاريخي لدى المسلمين، كل بقدره وفي كل الاتجاهات. ليس لدينا هنا ملائكة وهناك شياطين، إذا أردنا أن نخرج من التوزيع الطائفي والعرقي.. نحاول الحديث عن عقل عربي وعقل مسلم يعيش حالة الانحطاط. وبالتالي هناك خطاب مثالي للأمة. فمفهوم الأمة أصبح إشكاليا. نتحدث عن الأمة ولكن ليس في الواقع شيئا اسمه الأمة. فيه أقطاب ومشاريع ومصالح وصراعات وكأن هذه الأطر لم تعد تكفي فنريد المزيد من التجزئة ومزيد من الصراع وإذكاء التناقض بين مكونات صغيرة جدا. كل ما في الأمر عندما تغيب الرؤية الحضارية والنهضوية والرؤية الإصلاحية والسياسية... وهذا كله تؤطره الرؤية السياسية. وعندما تغيب هذه الأمور فلا نتفاجأ بأن كل ما لدينا سيتحول إلى خناجر وسيوف في خاصرتنا. يعني ما كان بإمكانه أن يكون ويشكل عنصر فراغ في الحضارة الإسلامية، سيتحول إلى عامل هدم. يعني أن التعددية نفتخر بها في المجتمعات المتقدمة، ولكن التعددية يمكن أن تتحول إلى مسألة خطيرة، بمعنى أننا حين نتخلف نجد أن كل العوامل ستعمل ضدنا.
فلذلك أن نبحث في الحل بين الطوائف والأعراق فهذا لا يكفي، لأن العالم طبيعته هكذا. هذا قدر الجغرافيا الإسلامية، ولكن هل نحن نفكر بالفعل سياسيا؟ أنا لا أعتقد أن السياسة تفعل دورا خطيرا في هذا الاتجاه. السياسة هي التي تفرقنا والسياسة هي التي تجمعنا. فلو حصلت الإرادة السياسية سوف تتوحد هذه الأمة. إنّ كل ما نشاهده اليوم هو مجرد تحريك لـ "الكومبارس"، ولكن حينما يتخذ القرار السياسي كل هذا ينتهي. يعني كل الأزمة السياسية في المنطقة يستتبعها هذا النوع من النعرات. وحينما تبحث السياسة لها عن حل وتقترب من الحل تهدأ الأمور. وأعتقد أن السياسة هي المسؤول عن كل شيء. فالسياسة هي التي تحرك والسياسة هي التي تجمع.