بسم الله الرحمن الرحيم اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى ابائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك ياارحم الراحمين .
النشوء الشيعي في سوريا
لا تتوفر إحصاءات دقيقة لعدد الشيعة في سورية عند قيام دولة سورية الوطنية عام 1919، ولا يبدو واضحاً كيف أصبح الشيعة جزءاً من النسيج الاجتماعي الدمشقي، فللشيعة وجود في دمشق، وهم الأقلية الشيعية المدنية الوحيدة في سورية، وباقي الشيعة ـ على الضآلة الشديدة لعددهم ـ مشتتون في بعض الأرياف، قرب دمشق وحلب. وقد يكون مفيداً للغاية البحث في السجلات العدلية العثمانية المحفوظة في تركيا لمعرفة أعدادهم وأوضاعهم في ظل الدولة العثمانية فيما إذا كانت هناك أساساً وثائق تدل على وجودهم في دمشق أو في المناطق التي تدخل الآن ضمن الحدود السورية.
في "حي الأمين" و"الجورة" (يسمى الآن: حي جعفر الصادق)، وعلى مقربة من الجامع الأموي الكبير في دمشق وداخل المدينة القديمة الأثرية حيث الأزقة المغلقة والحواري الضيقة يقيم شيعة دمشق، في منطقة تفصل بين الأقليتين اليهودية والمسيحية، وهي المنطقة الوحيدة التي يوجد فيها أقليات دينية في دمشق. وفي منطقة المهاجرين في جبل قاسيون في دمشق يقيم الشيعة في حي "زين العابدين" بمنطقة المهاجرين، ويطلق عليهم أهالي دمشق وصف "المتاولة"، أو "الأرفاض"، وهي أوصاف تدل على نبذ المجتمع الدمشقي لهم.
ويشير بعض الباحثين إلى أن في جوار دمشق، وتحديداً في الغوطة قرية "عين ترما" وقرية "راوية" (في"الدقانية"، وفيها مقام السيدة زينب الصغرى)، دخلها التشيع في القرن الثامن للهجرة.
في ريف حلب قرية "نُبُّل" الصغيرة يقطن بعض الشيعة، ولطالما كانت هذه القرية موضع حساسية المجتمع المديني الحلبي، وهو مجتمع معروف بتعصبه الاجتماعي فضلاً عن الديني، وفي إدلب كان يقطن بعض الشيعة قرية "الفوعة"، وفي حمص في "حي البياضة"، وفي قريتي (الحميدية، وأم العمد) يرجع الوجود الشيعي فيهما إلى القرن الرابع الهجري على أقل تقدير
وحسب الإحصاءات الرسمية فإن نسبة الشيعة إلى عدد السكان في سورية كانت في عام 1953 تمثل 0.4 % من سكان سورية، وهذا يؤكد أن الطائفة الشيعية كانت صغيرة للغاية. وقد طغى على المجتمع الشيعي حالة من الانغلاق الشديد، حتى أنه لم يكن قادراً على الإسهام الجيد في المجال العام؛ لا ثقافياً ولا اجتماعياً ولا سياسياً حتى الستينيات حتى و فد عليه الشيخ "محسن الأمين الحسيني" من جبل عامل في لبنان، ليواجه هذا الانغلاق وما صحبه من تصورات دينية سقيمة، ويبث فيهم روح الحياة.
انشغل الشيخ الأمين بتصحيح "الانحرافات" التي أصابت الفكر الشيعي الاثنا عشري في دمشق، وأسس لهذا الغرض "المدرسة العلوية" لإحياء التعاليم الدينية الشيعية "الصحيحة" ومواجهة "الانحرافات" الأخلاقية التي يجلبها العصر، وهي أول مدرسة شيعية في سورية للتعليم الديني، ما تزال المدرسة قائمة إلى اليوم، وهي معروفة باسم (المدرسة المحسنية).
توفي الشيخ محسن الأمين عام 1952، ودفن في "الحضرة الزينبية" مخلفاً وراءه طائفة بدأت تدب فيها الحياة، متحفزة للمشاركة في المجال العام بعد أن كانت مغلقة على نفسها، يعلوها غبار مئات السنين من التاريخ المطوي؛ لهذا السبب يحظى السيد محسن الأمين لدى الشيعة السوريين باحترام كبير، فهم مدينون له بإحياء الطائفة، وتكريماً له يطلق على أحد الأحياء التاريخية التي يقطنها الشيعة اسم "حي الأمين".
في الستينيات شارك الشيعة في الحكومة في الفترة (شباط/فبراير 1966- تشرين الثاني/نوفمبر 1970) عبر حقيبة وزارية واحدة، وعلى أية حال لم يُسجّل للشيعة قبل هذا التاريخ أي مشاركة سياسية، في وقت كان الدروز والمسيحيون والعلويون يسهمون بقوة في الحكومات وانقلابات الجيش، وبرز منهم ضباط كبار لعبوا درواً مهماً في تاريخ سورية في مرحلة ما بعد الاستقلال
حتى ذلك الوقت لم تكن هناك تغيرات ديمغرافية ملحوظة للوجود الشيعي في سورية، وباستثناء بعض حالات التحول (الاستبصار) الفردية في حلب وإدلب وربما في ريف درعا وغيرها، فإنه لا يوجد تقدم شيعي بالمعنى المنظم ولا بالمعنى السياسي، كانت المسألة في ذلك الوقت مجرد قناعات نادرة دينية ومذهبية صرفة
وصول علماء الشيعة الى سوريا :
في مطلع السبيعينيات لجأ إلى سورية عدد من رجال الدين الشيعة هرباً من بطش النظام العراقي إلى دمشق كان من بينهم الشيخ "حسن مهدي الحسيني الشيرازي"، الذي عانى في السجون العراقية إلى أن تمكن من الخروج إلى سورية بعد لأيٍ. أقام الشيرازي في قرية سنية بجوار مقام كان لا يزال غير معروف بشكل واسع في ذلك الوقت، هو مقام السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، الذي أصبح فيما بعد أشهر مقامات الشيعة وربما أهمها بعد النجف وكربلاء، وأسس حسن مهدي الشيرازي عام 1976 حوزة علمية للتعليم الديني، عُرفت بـ"الحوزة الزينبية"، وهي أول حوزة للتعليم الديني (العالي) للشيعة في سورية.
تعتبر الحوزة الزينبية الآن أهم الحوزات العلمية في سورية وأكثرها نشاطاً وتأثيراً، وطلابها من لبنان، وشيعة السعودية والخليج، والأردن، والعراق، وسورية، وباكستان، وأفريقيا، وأفغانستان، وكان الشيرازي المناضل الأصولي والمبشر يرى أن "سورية هي بوابة إلى العالم العربي وإلى العالم بأسره؛ فهي كانت ولا زالت جسراً بين العالمين الإسلامي والعربي". فاستثمر الشيرازي هذا الموقع الاستراتيجي بإنشاء الحوزة العلمية في السيدة زينب، واليوم يرى الشيعة أن "يوم افتتاح الحوزة [كان] فتحاً للشيعة ولعلمائهم؛ حيث استطاعوا أن ينفتحوا على العالم فعبر هذه الحوزة أنشئت حوزات في السعودية وأفريقيا ولبنان، حيث استطاعت أن توجد تياراً من العلماء يقومون بأعمال التثقيف والتعليم [الديني الشيعي] في مختلف المدن السورية".
تشييع الطائفة العلوية
بقي العلويون في عزلة وعقائدهم توغل في كنف الأسرار والأساطير، ولم تدب اليقظة في الطائفة إلا مع مطلع القرن الهجري الثالث عشر (نهاية القرن التاسع عشر الميلادي) وعند بدايات ظهور الدولة الوطنية، إلا أن جذور اليقظة قد تعود إلى سنة (1271ﻫ/1854م) عندما وقّع خمسة عشر من زعماء العشائر العلوية اتفاق "إلغاء العشائرية" بعد أن بقيت عهداً طويلاً في صراع وتنافس مريرأن أي جماعة دينية عندما تريد الانخراط في العالم الجديد والخروج من عزلتها وفي الوقت نفسه تود أن تحافظ على هويتها فإنها تولِّد حركات إصلاح ديني، هي في جوهرها حركة لمواجهة تحديات العصر والبحث عن أسباب البقاء والاستمرار.
عودة الفرع إلى أصله
هذا ما حصل ربما في الطائفة العلوية مع بدء ظهور مصلحين دينيين في نهاية القرن التاسع عشر، وبافتتاح أول مسجد في جبل العلويين "في (بيت الشيخ يونس – صافيتا)؛ الذي شرع في ابتنائه كل من ... الشيخ غانم ياسين والشيخ عبد الحميد أفندي – الذي نُسب إليه آنئذ أعمال سياسية فنفي إلى طرابزون وتزوج منها وعاد مكرماً -، ثم أتم الجامع المذكور ... المرحوم الشيخ ياسين يونس والشيخ سليم الغانم سنة 1286هـ [1869م]. وقد قام المرحوم الشيخ ياسين – الآنف الذكر – بإمامة الجامع طيلة حياته وخلفه ولده الولي العلاّمة الشيخ محمد ياسين"، وذلك في وقت كان العلويون يمتنعون عن إعمار المساجد في جبالهم.
أخذت يقظة العلويين بالنُّمو حتى قام الشيخ "علي عباس" و"افتتح في أواخر الحرب الكونية [الأولى] مدرسة في قرية العنازة بانياس جمعت أكثر من مائة وعشرين طالباً وستة معلمين كلهم علويون" درس فيها أصول الدين واللغة. بدأت في هذه الفترة – على ما يبدو – تصعد أفكار الإصلاح الديني باتجاه الفكر الشيعي الإمامي، ففي فتوى لأحد زعماء الطائفة النصيرية الكبار (وهو من المنخرطين في الإصلاح الديني) "الشيخ سليمان الأحمد" في مسألة جواز الجمع بين البنت وعمتها أو خالتها في ذمة رجل واحد، ويلاحظ في الفتوى – التي صدرت في أوائل العشرينيات المنصرمة – ثلاثة أمور غاية في الأهمية: أولها التأكيد على أن المذهب الإمامي الجعفري "هو الأصل"، والطائفة العلوية النصيرية "فرع منه" وعليه فإن رجوع الطائفة إليه "في أصول الفقه وفروعه هو الواجب الحق الذي لا مندوحة عنه".
وفي عام 1938 وقَّع أحد عشر من رجال الدين العلويين وشخصياتهم البارزة جواباً على سؤال عن عقيدة العلويين، جاء فيه ـ على لسانهم ـ أن "مذهبنا في الإسلام هو مذهب الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام)" ، وهذه الوثيقة التاريخية تمثل ثاني بيان جماعي يُعلن فيه زعماء دينيون علويون انتساب الطائفة العلوية النصيرية إلى الشيعة الجعفرية، وهو بمنزلة إيذان بانتشار الدعوة الشيعية وتحولها إلى ظاهرة في الطائفة.
انتشار دعوة الأصل الشيعي والعودة للأصل في أوساط العلويين بلغت حداً دفع بالشيخ عبد الرحمن الخيِّر ـ الذي نشط في بناء المساجد والحسينيات ـ إلى تأسيس "الجمعية الخيرية الإسلاميّة الجعفرية" في اللاذقية سنة 1950، والتي ستكون قاعدة فيما بعد للنشاط الشيعي الجديد في الطائفة في عهد حافظ الأسد وما بعده.
وخلال عام 1952 وبعد مناقشات طويلة ومراجعات لشيوخ من الطائفة مع المفتي العام استمرت 20 يوماً في دمشق استصدر العلويون مرسوماً تشريعياً رقم 3 في 15 حزيران/يونيو، ينص على تأليف "لجنة خاصة بالجعفريين من علمائهم في مركز محافظة اللاذقية قوامها ثلاثة أشخاص من العلماء الجعفريين ويضاف إليهم شخص واحد من كل قضاء عندما يتعلق البحث في قضائه" وقراراً من مفتي الجمهورية السورية (رقم 8) في 27 أيلول/سبتمبر 1952، وتألفت اللجنة بموجب هذا المرسوم من علماء الطائفة العلوية، وقامت بفحص من تقدم إليها من شيوخ جعفريين، وأجازت بعضهم وسمحت لهم بارتداء الكسوة الدينية المنصوص عليها في المرسوم التشريعي.
بدأ المصلحون الدينيون العلويون المنشدّون بقوة لفكرة الأصل الشيعي ينسجون علاقاتهم مع المراجع الدينية الشيعية، وقد جذبت هذه العلاقات المراجع الشيعية في العراق وإيران لاستكشاف الحركة الدينية الجديدة في جبل العلويين النصيريين، وقد يكون أوائل رجال الدين الذين زاروا الجبل واطلعوا على أحوال الطائفة الشيخ محمد جواد مغنية سنة 1961 (رجل الدين الشيعي اللبناني المعروف)، والذي تحدَّث لمرجعه "آية الله السيد محسن الحكيم" ـ بعد زيارته ـ عما شاهد ولمس من "المصلحين"، و"عن المصلِّين والمؤمنين حقاً بكل ما في معنى الإيمان [الشيعي] الصحيح"( .
في الفترة بين 3-7 شعبان 1392/نوفمبر 1972 زار رجل الدين الشيعي حسن الشيرازي ـ المبشر الأصولي الذي سيكون له فيما بعد دور تاريخي في التشيُّع العلوي ـ لأول مرة جبل العلويين، "على رأس وفد من العلماء بأمر من سماحة الإمام المجدد المرجع الديني ... السيد محمد الشيرازي (قده)" ، وذلك لـ"إجلاء الهوية الدينية للعلويين، مساهمة منه في إزاحة الضباب التاريخي الذي يلفُّهم"، الذي كان "منذ توليه مقام المرجعية يفكر في قضية العلويين، باعتبارهم جزءاً من العالم الشيعي الذي يشعر بمسؤولية عنه.
التقى الشيرازي بعدد من شيوخهم، وفي 24 شعبان 1392ﻫ اجتمع عدد كبير من شيوخ العلويين (74 سوريون، و6 لبنانيون) بدعوة من الشيرازي وقرروا إصدار بيان ينسب العلويين للشيعة الجعفرية الاثنى عشرية، ويؤكد على أن "التسمية: (الشيعي والعلوي) تشير إلى مدلول واحد، وإلى فئة واحدة هي الفئة الجعفرية الإمامية الاثنا عشرية". طبع البيان في طرابلس لبنان بعد ثلاثة أشهر من هذا الاجتماع، في (ذي القعدة 1392ﻫ/ الموافق لـ كانون الثاني/ديسمبر من عام 1972م)، وقدم له الشيرازي بفتوى تتضمن أيضاً التصريح بأن العلويين شيعة.
بعد خمسة وثلاثين عاماً من آخر بيان أصدره زعماء دين علويون يوضحون انتمائهم فقهياً وعقدياً للشيعة الجعفرية، يأتي هذا البيان ـ شأن عريضة 27 آب 1936 للخارجية الفرنسية.
التشيُّع العلوي النصيري
نشط حسن الشيرازي ـ منذ ذلك الحين وحتى تاريخ مقتله سنة 1981 ـ في الجبل العلوي بشكل لم يسبق له مثيل من نشاط الملالي الشيعة (الإيرانيين أو العراقيين) على الأراضي السورية، فإضافة إلى الدروس والمحاضرات التي كان يحرص على إلقائها ولا يدع مناسبة دينية واجتماعية للطائفة إلا ويشارك فيها فقد قام - وبمساعدة بعض شيوخ الطائفة المتحمسين لعودة الأصل النصيري إلى شيعيته (من أمثال الشيخ "فضل غزال") - ببناء بعض المساجد والحسينيات في اللاذقية ومنطقة الساحل السوري.
وبلغ احتفاء الشيرازي وتحمُّسه لتشييع الطائفة العلوية حداً جعله يؤسس حوزة علمية في مسجد "الإمام جعفر الصادق" الذي يقع في مقرّ "الجمعية الجعفرية" (التي كان قد أسسها الشيخ عبد الرحمن الخيِّر سنة 1950) في مدينة اللاذقية، باسم "حوزة الإمام الصادق"، وذلك بعد تأسيسه للحوزة الزينبية، لتكون قاعدة تبشيرية في الساحل السوري، على أساس أن خريجي هذه الحوزة الجديدة ينتقلون إلى الحوزة الزينبية لإكمال دراستهم، استمرت هذه الحوزة بضعة سنوات، ودرس فيها مجموعة من خطباء المساجد، لكن الشيرازي عدل عن الفكرة ويبدو أنها لم تكن مجدية كما كان يأمل فالعلويون لم يهبوا أفواجاً إلى مذهب الإمام جعفر الصادق عليه السلام .
يحظى الشيرازي باحترام خاص لدى التيار الشيعي في الطائفة العلوية؛ فهم يرون أنه لعب دوراً مهماً في تبيض صورة العلويين لدى الشيعة وعموم المسلمين، وساعد الطائفة على إخراجها من عزلتها، فقد عمل الشيخ ميدانياً مع أبناء الطائفة ولم يكتف بالتصريحات والبيانات.
قدوم الشيعة من العراق :
بعد "انتفاضة الجنوب" الشيعي في العراق عام 1991 قدم عدد كبير من المهاجرين العراقيين معظمهم من النشطاء الحركيين وقياداتهم، واستوطنوا "حي الأمين" و"السيدة زينب"، أسهم هذا في بث النشاط الشيعي على نحو غير مسبوق، فقد خصص التلفزيون السوري الرسمي في عام 1992 حلقة أسبوعية (يوم الجمعة) للواعظ الشيعي العراقي "عبد الحميد المهاجر"، الذي كان ناشطاً من قبل في العمل التبشيري بشكل شبه علني، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يظهر في التلفزيون السوري، ولم يكن السوريون السُّنة يخفون حنقهم من هذا الدرس، فقد شعروا أن الفضاء الديني السني انتهك بقوة عندما سُمح لشيخ شيعي بوعظ جموع الأكثرية السنية، وما أن أصبح المهاجر وجهاً معروفاً لدى السوريين حتى ذهب يطوف أرجاء سورية يبين مذهب التشيع.
في هذا الوقت أيضاً كان العراقي الشيعي "علي البدري" (الذي توفي 1998) ناشطاً في المدن والقرى السورية (على وجه الخصوص: حلب، وحمص، والحسكة والقامشلي والرقة واللاذقية ودير الزور، وأريافها)، يفتتح العديد من الحسينيات والمكتبات الشيعية فيها (مثل: الحسينية التي أقيمت قرب جامع عمر الفاروق في دمشق.)
بدأت حركة تشييع واضحة تنمو وتتجه إلى القرى والأرياف، وإلى طلاب العلوم الدينية بشكل خاص، فالعروض بالدراسة في قم أصبحت تنهال على كل من يقترب من المؤسسات الشيعية، بدءاً من المستشارية الإيرانية، وصولاً إلى أصحاب المكتبات الشيعية في السيدة زينب يشاركون في هذه العروض الدراسية لكل سوري يهتم بالفكر الشيعي، ولكن قليلون أؤلئك الذين استجابوا لهذه العروض، فقد كانت شبه محصورة في الأوساط المثقفة ثقافة دينية وأوساط طلبة العلوم الدينية.
تشيُّع العمال
بعد اتفاق الطائف بدأت العمالة السورية بالتدفق إلى لبنان بشكل غير مسبوق، وجزء كبير من هذه العمالة ـ التي كانت تحمل الكفاءة المهنية بدرجات متدنية وتعاني من بطالة مزمنة في بلدها ـ عمل في الجنوب اللبناني، كان بين هؤلاء الآلاف من الأكراد، وبينهم مئات من الأكراد "البدون" الذين حرموا الجنسية السورية في إحصاء الحسكة الاستثنائي عام 1962، سمحت الإقامة الطويلة واللقاء اليومي بين العمالة السورية والمجتمع الشيعي اللبناني باحتكاك غير مسبوق مع السوريين، ربما لم يكن يحلم به مبشرو الشيعة من قبل.
أدى هذا الاحتكاك إلى تشيُّع عدد كبير من العمال السوريين، خصوصاً من الأكراد "البدون" .
تشيع مئات العمال السوريين، وتأثر بالتشيع ربما أضعافهم، ونتيجة لهذه الحركة التبشيرية التي بدأت تدب في أرجاء سورية بدأ الشيعة السوريون (الأصليون) يقومون بنشاطات شيعية علنية ربما للمرة الأولى، في المدرسة المحسنية (في حي الأمين بدمشق)، مع حرص شديد لدعوة الشخصيات والرموز الدينية السنية من أهالي البلد لحضورها، ونشطت جمعياتهم بالحركة، فبدأت جمعية "النجمة المحمدية" بعقد "مجلس السيدة زينب" في الخامس عشر من رجب عام 1993، وأصبح ينعقد بشكل سنوي منذ ذلك التاريخ.
بناء المقامات الشيعية :
باستثناء ضريح "السيدة زينب" وبعض مقامات آل البيت و"شهداء كربلاء" في باب الصغير و"مشهد النقطة في حلب، لم يكن للشيعة أي مقام آخر يتبع لوصايتهم، فجميع المقامات تابعة لوزارة الأوقاف، حتى المقامات التي كانت تحت رعاية استثنائية من قبل مواطنينن شيعة، إلا أنها كانت تابعة رسمياً لوزارة الأوقاف ومديرياتها.
بدأ الشيعة ينقبون عن مقامات مندثرة لآل البيت لإحيائها، وكان الشيعة قد اكتشفوا نهاية السبعينات وعلى نحو مفاجئ عدداً من المقامات "المهمة" والمهملة، مثل "مقام السيدة زينب"، و"مقام السيدة رقية" في حي العمارة الجوانية حارة الأشراف، ومقام الصحابي "حجر بن عدي الكندي" في قرية عدرا في ريف دمشق، التي تتبع للإشراف السني، ، وظاهرة المقامات لدى الشيعة ليست ظاهرة عادية، فالفكر الشيعي يهتم بالتاريخ .
وعلى أية حال ما إن انتهى عقد الثمانينات حتى دخل الشيعة في الأوقاف التي تضمنت "مقاماتهم" المكتشفة. وفي هذه المدة بنيت الأضرحة وتم اقتلاع ما يجاورها من أبنية، ففي حي العمارة الجوانية ـ مثلاً ـ كانت البيوتات الدمشقية العريقة في حارة الأشراف (سادة آل البيت السنة) والمجاورة لمقام "السيدة رقية" تتعرض للخراب من أجل إقامة مبنى ضخم لـ "مقام السيدة رقية"، يتضمن مدرسة ومسجداً كبيراً، وما انتهى إعماره حتى نهاية عام 1990.
الحوزة الدينية في سوريا :
حتى عام 1995 لم يكن في سورية سوى حوزتين، الأولى "الحوزة الزينبية" أنشئت سنة 1976، والثانية: "حوزة الإمام الخميني" انشئت عام 1981، وحتى عام 1991 لم تكن أي من الحوزتين تابعة للوزارة، ووفقاً لنص الخطاب الذي أرسله نائب رئيس الجمهورية لشؤون التربية والتعليم "الدكتور زهير مشارقة" في 2 حزيران/يونيو 1988 إلى وزير الأوقاف "عبد المجيد الطرابلسي" فإن الحوزتين لا تتبعان لوزارة الأوقاف، وإنما ألحقتا بالأوقاف ـ وسائر المؤسسات الشيعية التعليمية والدينية ـ في كانون الثاني/يناير 1991 وفق ما يثبته خطاب آخر من نائب الرئيس "مشارقة" إلى الوزير نفسه، ينص على "أن الحسينيات والحوزات تتبع وزارة الأوقاف إشرافاً عليها، شأنها شأن الهيئات الإسلامية الأخرى، وتمارس وزارة الأوقاف صلاحيتها كاملة على الحسينيات والحوزات".
وبدءاً من عام 1995 شهدت "السيدة زينب" تشييد وتأسيس عدد من الحوزات لتبدو كما لو أنها تسير لتصبح مدينة "قم"سورية! ففي الفترة ما بين 1995-2000 تأسس ما يزيد عن خمس حوزات علمية، ولا يبدو واضحاً لم تأسست هذه الحوزات بين عامي 1995-1996 بل ورُخص في العام نفسه لجمعيات ثقافية شيعية، وجُمِّدَ تأسيس الحوزات بعد ذلك ولم يستأنف حتى عام 2001!
شهدت الفترة هذه (1990-2000) وفود أعداد كبيرة من المهاجرين العراقيين الشيعية كانعكاس لظروف الحصار الدولي المفروض على العراق، وانعكاس لبطش النظام العراقي اثر "انتفاضة الجنوب الشيعي (1991)، لكن أعدادهم حتى نهاية التسعينيات لم تكن من الكثرة بحيث تضاهي الزوار الإيرانيين، لكن العراقيين كانوا مقيمين، في حين كان الإيرانيون زواراً لا يلبثوا أن يرحلوا بعد وصولهم بأيام.
انخرط طلاب العلوم الدينية من العراقيين الشيعة في الحوزات العلمية القائمة في "السيدة زينب" وساهموا في تأسيس حوزات وحسينيات جديدة، وأموا وأداروا حسينياتها، ووفقاً لشهادة "مختار البغدادي" مدير "حوزة المصطفى" فإنه "بعد استقرار جمع كبير من الأخوة العراقيين في بلاد الشام، وبالذات في منطقة السيدة زينب (عليها السلام) ومن مختلف الكفاءات والمحافظات العراقية تبلورت جملة من التصورات في أذهان العلماء والمتصدين للقضية الدينية في ضرورة بناء المؤسسات الدينية التي تتبنى مسؤولية بناء شخصية الإنسان المؤمن بناءً تخصُّصيِّاً".
وبدأت معالم السوق والمحال التجارية تتلون بالصبغة العراقية منذ نهاية التسعينيات، أي بعد الحظر الذي فرض على العراق إثر عملية ثعلب الصحراء في عهد الرئيس كلينتون، والذي يقوم على مبدأ "النفط مقابل الغذاء" والدواء طبعاً، وبكل مقتضيات البيئة الاجتماعية والاقتصادية الشيعية العراقية صبغت الأزقة الرئيسية للسيدة زينب، وذلك بجوار الحضور الإيراني المحصور في إطار انتشار اللغة وتجارة السياحة الدينية، ولتلبية الاحتياجات المتزايدة لمركز ديني تعليمي بدأ عدد كبير من المكتبات تنشأ لتسويق الكتب الدينية والحوزوية التعليمية في الشارع الرئيسي للسيدة زينب، وسرعان ما ظهرت ـ بطبيعة الحال ـ بعض دور النشر الشيعية في سورية (مثل: مكتبة دار الحسنين).
الشيعة اليوم في سوريا
العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسورية كانت ضرورة ملحة للطرفين، إلا ان تعزيز هذه العلاقات تم داخل سورية وعلى الاراضي السورية، وليس داخل إيران أو على الاراضي الإيرانية. واليوم الغالبية العظمي من المشروعات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية بين الطرفين تمر عبر دمشق، أو تقام داخل سورية، التي باتت قبلة للسياحة الدينية الإيرانية. ومع ارتفاع عدد السياح الإيرانيين للمناطق الدينية السورية الى ما بين 500 ألف ومليون شخص سنويا، اقيمت العشرات من الحوزات العلمية الشيعية في مدن سورية، كما أنشئت العشرات من المراكز الثقافية والتعليمية الإيرانية. فقد أثارت الأنشطة الإيرانية، بالذات الانفاق الإيراني لتجديد وبناء المزارات الشيعية قلقا في سورية من انتشار مظاهر التشيع. فجمعية آل البيت التي يرأسها السفير الإيراني السابق في دمشق محمد حسن أختري، كانت ناشطة في سورية. وأدت أنشطة الجمعية، التي تتبع مباشرة مكتب المرشد الأعلى لإيران آية الله خامنئي ومنوط بها تخطط وتمويل مراكز شيعية حول العالم، الى اتساع في الحوزة العلمية في دمشق، حتى باتت ثالث أكبر حوزة في العالم بعد حوزة قم في إيران وحوزة النجف في العراق. واليوم يوجد في سورية نحو 500 حوزة علمية وحسينيات تتوزع على المدن المختلفة، يدرس بها الآلاف من رجال الدين الإيرانيين. فيما تدشن جمعية آل البيت لبنك اسلامي وتلفزيون ومؤسسة نقد اسلامية من اجل دعم العلاقات بين البلدان الاسلامية. حول نشاطات جميعية آل البيت يقول المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، علي صدر الدين البيانوني، لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة الحقيقية في نشر التشيع، ليست أن عددا من الناس صاروا شيعة، لكن نشر التشيع يثير اشكالات داخل المجتمع السوري. عندما ينقل اناس من السنة الى الشيعة، هذا يثير ويستفز العلماء السنة وأهل السنة، ويحدث اشكالات داخل نسيج المجتمع السوري. أنا اعرف ان بعض القرى صار فيها خلافات كبيرة نتيجة محاولات التشيع.. تقارير عديدة تحدثت عن دعم إيراني غير محدود لحركة التشيع في داخل سورية. هناك محاولة لإيجاد مراكز ثقافية لنشر التشيع في سورية في مختلف المحافظات والمدن التي لم تكن تعرف هذه الحالة من قبل». ويوضح البيانوني ان سبب نشر التشيع سياسي وديني مذهبي معا، موضحا: «هناك سبب ديني مذهبي وهناك سبب سياسي. المد الإيراني في سورية لم يقتصر على موضوع التشيع في الحقيقة. هناك نشاط ثقافي ونشاط خيري. فالنفوذ الشيعي في سورية ليس نفوذا مذهبيا فقط، وانما هو نفوذ سياسي واجتماعي ومذهبي وعسكري ايضا. هناك بناء حسينيات للأقلية الشيعية في قرى حلب وإدلب وللقرى المتشيعة حديثا في جسر الشور وبعض القري الأخرى. في إذاعة دمشق ينقل الأذان احيانا من مقام السيدة زينب او السيدة رقية على الطريقة الشيعية ايضا، اى يضاف «حي على خير العمل» بعد قول (حي على الصلاة وحي على الفلاح). وهذا لم يكن معهودا من قبل في سورية».
لكن محمد حبش مسؤول لجنة العلاقات الإيرانية ـ السورية بالبرلمان السوري يقلل من حجم هذه المخاوف. وقال حبش لـ«الشرق الأوسط»: «في الحقيقة الثورة الإيرانية جاءت منذ 29 عاما. ومنذ 29 عاما هناك علاقات استراتيجية بين سورية والثورة الإيرانية. والإيرانيون موجودون وينشطون في سورية منذ 29 عاما. ولم يحدث شيء من هذه المخاوف. نحن نعيش في سورية ونشاهد ما يصنعه الإيرانيون، ولا يوجد اى مخاطر من هذا النوع الذي يتحدثون عنه. تغيير التركيبة الديمغرافية للناس لا تتم عن طريق التبشير كما يظن البعض. نعم الإيرانيون يقومون ببعض الأنشطة يجددون بعض المزارات. لكن في سورية لا توجد هذه الحساسية الموجودة عند البعض من مزارات أهل البيت. لدينا في سورية مزارات قائمة مثل أبن عربي والشيخ خالد النقشبندي، لم نهدم مزاراتنا. عندما يقوم الشيعة بأموال إيرانية ببناء مزار السيدة رقية أو مزار سكينة بنت الحسين او عمار بن ياسر، فهذا لا يزعج السوريين، هذا يفرحهم لانهم يشعرون أن واجبهم هو بناء هذه المزارات. وهذه المزارات ستنشأ من حولها بالتأكيد ادارات، وبالتالي حلقات علمية ومراكز دراسات وبحوث. هذا كله لا يزعج السوريين. نحن الذين نعمل في الحقل الإسلامي والذين نصعد المنابر ونلتقي بالسنة والشيعة في سورية لا نشعر أن هناك استياء من هذه الاشياء. بالطبع عندما نعلم أن أحدا ما يأتي بأموال خارجية ليقنع انسانا بأن يغير مذهبه، بالتأكيد هذا سيكون عملا سيئا، لكن منذ 29 عاما ونحن نسمع مثل هذه الدعاوى. ولم يحدث أكثر من حالات فردية جدا، كان من الممكن ان تحصل حتى لو لم يكن هناك شيء اسمه ثورة اسلامية. ما يجري في سورية من إعادة اهتمام بالمزارات الدينية ذات الخلفية الشيعية، نحن نعتبره امرا عاديا، فهناك تعاطف هائل في سورية مع أهل البيت بين الشيعة والسنة والمذاهب الاخرى». لا تخضع جمعية آل البيت الإيرانية في دمشق لاشراف اي جهة في سورية، تتبع فقط لسلطات السفير الإيراني في سورية، وعبرها يتم تمويل بناء الحسينيات والحوزات العلمية. وهذا التمويل ايضا لا يخضع لإشراف السلطات السورية بل يتم كليا تحت اشراف السفارة الإيرانية في دمشق، وربما من هنا تأتي صعوبة تحديد حجم إنفاق جمعية آل البيت داخل سورية. ويقول عبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري حافظ الأسد لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «هناك شخصيات تأتي من طهران سواء مشايخ او دعاة، يأتون الى السفارة الإيرانية. السفارة الإيرانية ترتب لهم برنامجهم. الخط الذين ساروا فيه هو انه يوجد في سورية بعض قبور للصحابة ممن كانوا مقربين من سيدنا على ابن ابي طالب (كرم الله وجهه). الايرانيون بدأوا يهتمون بهذه القبور، عند كل قبر يقيمون مقاما، وينشئون بجانب المقام حسينية. بدأت العملية بهذه الطريقة. كلما كان هناك أثر لشخص له علاقة بآل البيت في أي مدينة، يذهبون الى هذه المدينة ويقيمون مقاما، فصار في سورية عدد كبير من المقامات. بالاضافة في دمشق يوجد حي الست زينب، يأتي الزوار الإيرانيون، والشيعة من كل مكان للزيارة. وكانت هناك مجموعة كبيرة من اللاجئين العراقيين لسورية بينهم رجال دين أقاموا عددا من الحسينيات». في دمشق اليوم وبالذات في المناطق التي توجد بها مزارات لآل البيت يظهر الوجود الإيراني بشكل يومي، فالزائرون دائمون، والسلع الإيرانية في كل مكان، والعملة الإيرانية عملة متداولة بين الزائرين الإيرانيين والمحلات التي يملكها إيرانيون في منطقة السيدة زينب والسيدة رقية. وقال مصدر سوري تحدث لـ«الشرق الأوسط» شريطة عدم الكشف عن هويته «ن اللاجئين العراقيين والإيرانيين في منطقة السيدة زينب (12 كم جنوب دمشق) هم الأكثرية اليوم. وتابع: «في السيدة زينب، من الصعب التمييز بين الزوار الإيرانيين أو العراقيين وبالأخص النساء ما لم يسمع بأي لغة يتحدثن.. مقام السيدة زينب يؤمه أكثر من ستمائة ألف زائر إيراني سنويا بحسب الأرقام الرسمية الإيرانية، فيما الأرقام المتداولة تشير إلى ضعفي هذا الرقم، ويتضمن أيضا زوار من العراق ولبنان وباكستان ودول الخليج.. إلا أن النسبة الغالبة هي للعراقيين الذين باتوا من سكان المنطقة والإيرانيون هم الزوار الدائمون لمقام السيدة زينب، ويزداد عددهم في المناسبات كمولد السيدة ووفاتها وذكرى عاشوراء وأربعين الحسين، ففي الأيام التي تصادف تلك المناسبات من الصعب جداً الحصول على غرفة شاغرة للإيجار سواء كان في فندق أو شقة. فالمنطقة يوجد فيها ما لا يقل عن 200 ألف نسمة، في حين أن عدد قاطنيها المسجلين لا يتجاوز عشرة آلاف نسمة» خارج منطقة السيدة زينب، يمكن مشاهدة الزوار الإيرانيين بكثافة في سوق العمارة خلف الجامع الأموي في المدينة القديمة وعلى نحو أقل في شارع الأمين ومنطقة البحصة والحلبوني التي تكثر فيها فنادق الدرجة الثالثة والثانية، ما يشير إلى أن أغلب الزوار هم من الطبقة الوسطى وما دون، ويأتون بهدف زيارة العتبات المقدسة، غالبا في ذكرى عاشوراء. اما فندق الشرق في الحلبوني الشهير تاريخيا بالأوريان بالاس والذي شهد عدة اجتماعات للزعماء السوريين إان الاستقلال وخلا فترات الانقلابات، فتحول اليوم إلى فندق غالبية نزلائه من الإيرانيين. أما مرقد السيدة رقية الذي شهد خلال تاريخه الطويل عدة توسعات، أولها في الفترة الأيوبية ومن ثم في زمن العثمانيين ثلاث مرات، فبقي مقاما صغيرا يؤمه العشرات من سكان المنطقة إلى أن شهد التوسع الأكبر والأهم منذ نحو عقدين، بتمويل من إيران، لتبلغ مساحة البناء الجديد نحو 4000 م، منه 600 متر مربع صحن وفضاء واسع وبقية البناء يؤلف الرواق والحرم والمسجد المجاور للضريح.
مليون زائر سنويا إلى "السيدة زينب عليها السلام "
تستقطب بلدة السيدة زينب التي تبعد حوالي خمسة عشر كيلومترا جنوب شرقي العاصمة السورية دمشق مئات الآلاف من الزوار سنويا لزيارة ضريح حفيدة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم زينب بنت عليعليهما السلام .وتشهد البلدة نمواً سكانيا كبيراً جراء استقرار كثيرين من الزوار وقدوم بعض أبناء المدن السورية الأخرى بحثا عن فرص عمل ضمن أعمال تجارية مزدهرة خدمة لأولئك الزوار.
وليست هناك أرقام دقيقة عن عدد السياح والزائرين لمقام السيدة زينب ، إلا أن محمود الشيخ المدير الإداري في مقام السيدة زينب يشير خلال حديثه أن 50 في المئة من عدد السياح في سوريا يقصدون السيدة زينب فيما يقدر الشيخ طه عددهم ما بين 700 ألف إلى 800 ألف سنويا و تشير مصادر قريبة من البلدية إلى أن العدد يصل إلى مليون زائر سنويا.
ويقول الشيخ إن مجموعات الزيارة تأتي بشكل رئيسي من إيران وتتركز خلال شهري تموز/ يوليو وآب/أغسطس ويلفت إلى غياب كبير للزوار خلال الشتاء عازيا ذلك إلى انتظام المدارس والجامعات في شتى دول العالم في هذه الفترة، لكنه يضيف أن الزيارات لا تنقطع نهائياً خلال الشتاء مشيرا إلى قدوم أعداد من الشيعة اللبنانيين خصوصا خلال الموسم الشتوي.
ويؤكد العاملون في المكاتب العقارية ومكاتب السفريات في منطقة السيدة زينب بدورهم تلك المؤشرات العامة . ويقدر سليمان" 32 عاما" العامل في مكتب تجاري في البلدة عدد الزوار يوميا في تلك الأشهر بحوالي أربعة آلاف شخص فيما تنخفض المعدلات خلال بقية أشهر العام ما عدا المناسبات الكبيرة كعاشوراء حيث يحيي الزوار ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي عليه السلام كل عام في شهر محرم وهو بداية العام الهجري .
ويقول السفير الإيراني في سوريا الشيخ الدكتور سيد احمد موسوي إن كل سائح إيراني ينفق في المتوسط أكثر من ألفي دولار. وأكد السفير موسوي في حديث لوكالة الأنباء الألمانية أن سوريا تستقبل ما لا يقل عن 400 ألف سائح إيراني سنويا وذلك في ضوء العلاقات السورية الإيرانية التي يصفها بالجيدة .
ويبلغ حجم التبادل الاقتصادي السوري الإيراني وفق الأرقام الرسمية المعلنة أقل من 800 مليون دولار في العام بينما يبلغ حجم الاستثمارات الإيرانية في سوريا حوالي ثلاثة مليارات دولار معظمها في الصناعة والمقاولات والسياحة التجارية .
ويقول عدد من أهالي السيدة زينب أن تزايد السياح و تلك الأعداد فرضت على القائمين على المقام إجراء توسعات متتالية للمقام .
وأشار الشيخ إلى وجود مجموعة كبيرة من المشاريع للتوسعة. وأضاف "هناك مشروع ضخم للتوسعة من الشمال والشرق والجنوب فيما يتعذر التوسع غربا بسبب الطريق الدولي بين دمشق ومحافظة السويداء تبعد عن دمشق حوالي 110 المار قرب المقام" . ويضيف المسئول الإداري أن الأعمال بدأت من جهة الشمال حيث استملكت الأراضي وبني مرآب والصحن الشمالي للمقام قيد التشطيب حاليا ويؤكد انه يوجد أيضا مشروع لتوصيل المياه إلى المقام وبناء خزانات أرضية عملاقة وربطها بمجموعات وشبكات ضخ كما سيتم تشييد مشروع ضخم بالتعاون مع مجموعة العقيلة الكويتية لبناء أبراج سكنية لخدمة الزوار تتضمن أسواق تجارية ومرآب وأبنية متكاملة.
ويقول احد مخاتير المنطقة أن عدد العراقيين الشيعة وصل إلى أكثر من 200 ألف في بعض الأحيان ويؤكد حسام وهو صحفي سكن المنطقة أن كل شيء متوفر في منطقة السيدة زينب من مأكل ومشرب وملبس إلا أن الخدمات من قبل البلديات تكاد تكون غائبة ويشير إلى معاناة زوار وقاطني هذه المنطقة كغيرها من المناطق السورية التي لم توفر لها الحكومة السورية التحسينات المطلوبة رغم تزايد عدد سكان المنطقة إلى أكثر من الضعفين خلال العشرين سنة الأخيرة، إذ كل شيء لا يزال على حاله تقريبا وعلى سبيل المثال فإن عدد أفراد شرطة المخفر الذي يتابع شؤون المنطقة هو نفسه تقريبا وعدد كوادر الدوائر الرسمية ازداد قليلا دون أن تلبي هذه الزيادة حاجة المنطقة .
خليط سكاني
الخليط السكاني يضم جنسيات مختلفة وخاصة الإيرانيين الذين يصل عددهم سنويا إلى حوالي نصف مليون زائر فيما استقر عشرات الآلاف من العراقيين في حي خاص بهم سمي باسمهم . واستفاد كثيرون من مكوثهم الطويل فأسسوا تجارتهم وأعمالهم الخاصة في حي العراقيين. والحي مكتظ بالبشر وتفاصيل حياتية يومية تجعله وكأنه جزء من العراق .. أطعمة ومقاهي وأسماء أطباء ومحلات تجارية ومكاتب سفريات تؤمن النقل من السيدة زينب إلى كل مدن العراق وبالعكس.
وأبناء الجنسيات الأخرى يحضرون إلى السيدة زينب لكن بنسب أقل وبعضهم ذاب في المجتمع المحيط. وقال حسين " 23 عاما " وهو باكستاني الجنسية أنه ولد في هذه المنطقة ولا يعرف من باكستان إلا الصور وما يحدثه والده عنها. وأضاف أن العائلة استقرت في السيدة زينب بناء على رغبة والده رجل الدين والمدرس في إحدى الحوزات.ولا يمكن تمييز حسن عن أقرانه من الشباب في المنطقة بشكله ولباسه وحتى هويته.
وكانت ولادة السيدة زينب في السنة الخامسة للهجرة والرسول محمد هو من اسماها زينب وتعني كلمة زينب أصل الشجرة. وتقول بعض المصادر أن التقدم الشيعي ازداد في السنوات الأخيرة في سوريا لكن الحكومة السورية تنفي ذلك.
وتزدان جدران مقام السيدة زينب بزخارف إسلامية رائعة الجمال واكتست قبب جوامع المقام والجدران والأبواب في معظمها باللون الأزرق وتشوب بعضها خيوط مطلية بماء الذهب وفسيفساء إيرانية وآيات قرآنية باللغة العربية بالخط الفارسي والأرض من الرخام الفاخر.
بان الشيعة ينتشرون في مدن عديدة في سوريا منها :
1- في مدينة الرقة للشيعة مركز كبير عند قبرعمار بن ياسر ( رض) وهذه الأرض في الأصل كانت مقبرة للمسلمين تدعى مقبرة عمار بن ياسر أو مقبرة أويس في المركز المذكور تقام الاحتفالات الكثيرة في المناسبات المختلفة واستغلال هذه التجمعات التي يحضرها كثير من عوام المسلمين لتشييعهم بشتى الوسائل حتى صار عدد الشيعة يقدر بالمئات.
أهم القبائل التي بدأ التشيع يدب فيها قبيلة ( البوسرايا ) قسم منهم يقطنون الرقة، وكثير منهم يسكنون الشميطية بين الرقة ودير الزور، وكان الذي شجّع الشيعة على دعوة أفراد هذه القبيلة ادعاؤها أنها من آل البيت فتزعم أن نسبها يعود إلى الحسين بن علي .
ومن الشخصيات الشيعية هناك في الرقة:
أبو علي البهبهاني هو المسؤول عن توزيع الكتب وتنسيق الدعوة في مركز الشيعة في المدينة، وقد طلع أخيراً في مقابلة في التلفزيون السوري كعلامة على التسهيلات التي تُبذل لنشر التشيع.
عبد الرزاق حليب متشيع داعية نشط تشيّع على يديه كثير من موظفي دائرة مالية الرقة بحكم عمله جابياً في هذه الدائرة.
عائلة الصليبي أثرياء عندهم صيدلية وبعض المحلات التجارية وسط المدينة يتشيعون وهم في الأصل سنة من قبيلة الحليبين التي تدّعي انتسابها لآل البيت ومن هنا دُخِل عليها.
محمد أحمد الصالح طبيب جراحة عامة من قبيلة البوسرايا متشيع.
علاء الشوّاخ الشعيبي دكتور في الأدب العربي من قبيلة البوسرايا
عبد المجيد السراوي من دعاتهم وخطبائهم ويهتم بتوزيع منشورات لحزب الله.
المدعو حقي وهو قاض لدى المحاكم الوضعية في الرقة.
حمد الحمد مدرس فلسفة من عشيرة البياطرة.
أما في الطبقة فقد تم بناء مسجد فاطمة الزهراء وحسينية وكلية الدعوةوالاجتهاد .
وفي مزرعة حطين القريبة من الطبقة تم بناء مجمع الزهراء باشراف عبدالمجيد السراوي .
وفي تل ابيض تم بناء حسينية باشراف عريف النصار.
الشيعة في ادلب :
ثمة قرية كبيرة جداً في إدلب متشيعة بالكامل والتشيع فيها قديم وهي الفوعة، وهناك قرية أخرى فيها تشيع كثير هي (معرة مصرين) فعائلة الرحّال وهم طائفة كبيرة في القرية كلهم شيعة . وفي منطقة جسر الشغور توجد قرية تدعى (زرزور) أهلها متشيعون,وتم بناء جامعة جعفرية ولازالت في طورالبناء…
من دعاتهم الحاج حسن السيد من زرزور مؤلف كتاب (محب وموال لمحمد والآل) وشاعرهم في الفوعة المسمى شاعر أهل البيت إبراهيم محمد جواد.
الشيعة في حمص :
حي البيّاضة في حمص يكثر فيه الشيعة وفيها شارع يسمى شارع إيران ولهم في هذا الحي مسجد كبير وعليه علم أسود. وقرية الحَمِيْدية غير بعيد من حمص أهلها شيعة.
أما في الساحل فإن الشيعة الإيرانيين والعراقيين ينشطون ثمة جداً طمعاً بتحويل أهل الساحل إلى عقيدة الإمامية .
الشيعة في دير الزور :
أهم القبائل والقرى المتشيعة: قرية حطلة قرب مدينة دير الزور سكانها من قبيلة البَكّارة فخذ البوبدران التي تدعي أن نسبها يعود إلى محمد الباقر من آل البيت مما سهل مهمة الشيعة عندهم حتى كثر التشيع في هذه القبيلة في القرية المذكورة وغيرها بحيث تُقدَر نسبة المتشيعين في حطلة بحوالي ثلث السكان .
وفي جديد عقيدات تم بناء حسينية آل البيت بإشراف حسين الحاضر بدعم من الحوزة في دمشق .
وفي حويجة صقر مسجد علي الهادي بإشراف الحوزة الزينبية وتمويل زينب بنت محمد علي .
وفي منطقة الشدادي الواقعة بين الحسكة ودير الزور بإشراف احمد الثلاج وتمويل من عائلة معرفي_الكويت وفي دير الزور في قرية ابوخشب تم بناء حسينية موسى الكاظم بإشراف يوسف كردوش .
لنشاط الشيعي في درعا`
لقد تجلى نشاط الشيعة في أذرعات ببناء مسجد للقوم في شارع كورنيش المطار الحي الغربي في نفس البلدة وقد كان إنجاز هذا المسجد وتدشينه سريعاً (سنة1421هـ) بشكل لافت للنظر وميّزوه بأضواء خضر ليخالف ما عداه. والأذان فيه حيّ على خير العمل مع ترديد لا إله إلا الله مرتين في نهايته. وإمام المسجد شيعي عراقي وكذلك الخطيب. وأشهر العائلات المتشيعة هناك عائلة الصيدلي وعائلة العيثروني وعائلة أم مجير والأولى غنّية وفيهم متعلمون أطباء ومهندسون وهذه العائلات كانت فيما سلف تستعمل التَقِيَّة في تعاملها مع المسلمين ثمّ أظهرت التشيع فجأة لاسيما بعد بناء مسجدهم في المدينة. داعية الشيعة في درعا هو المدعو الغزالي من قرية قرفا. وثمة دعاة آخرون كأبي جعفر العراقي وغيره. وبصرى من أعمال درعا يوجد فيها تشيع. كما لوحظ لحزب الله اللبناني نشاط في هذه المناطق.
وفي منطقة الصعوة الواقعة بين الرقة ودير الزور تم بناء حسينية الرسول الأعظم ومسجد الإمام الجواد ومسجد الإمام الحجة المنتظر ! بإشراف رابح عايد شاهين وتمويل من الكويتية بدرية إبراهيم العبدالله وكذلك في منطقة زغير جزيرة مسجد وحسينية فاطمة الزهراء وكذلك زغير الديرتم بناء حسينية وجامع الإمام المهدي بإشراف احمد عايد الوكاع وفي منطقة الكبرتم بناء حسينية وجامع بإشراف فرحان المنصور. اللهم عرفني نفسك فانك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك, اللهم عرفني رسولك فانك ان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك, اللهم عرفني حجتك فانك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني, اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني
شكرا لك عزيزي صديق المشاعر على الموضوع القيم عن الشيعة في بلدي سورية ، ولكن اسمح لي أن أضيف بعض المعلومات التاريخية والحالية من واقع التشيع في سورية وملخصها في بضعة سطور:
1 - إن أول بذور التشيع في سورية الحالية قد بذرها الصحابي الجليل (أبو ذر الغفاري) رضي الله عنه عندما نفاه عثمان بن عفان الأموي إلى الشام حيث استطاع هذا الصحابي العظيم أن يعي الناس في جبل عامل وحولها حتى أطراف دمشق بأحقية أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو الأمر الذي أفزع الطليق معاوية وجعل يراسل ابن عمه عثمان ليعيد نفيه إلى الربذة .
2 - البذرة الثانية للتشيع جاءت من قبل الصحابي الشهيد العظيم (حجر بن عدي الكندي) رضي الله عنه عندما وقف مع أصحابه السبعة في وجه الطليق معاوية لعنه الله ، فخيره الأخير بين التبرؤ من أمير المؤمنين علي عليه السلام أو ذبح ابنه فاختار الكندي التضحية بابنه ثم استشهد وأصحابه السبعة في قرية مرج عذراء التي تسمى حاليا (عدرا) وما زال مقامه موجودا لليوم .
3 - لكن الجذور الراسخات للتشيع لآل محمد عليهم السلام قد انغرست مع موكب الإباء موكب سبايا كربلاء سلام الله عليهم أجمعين بعد مسير طويل في بلاد الإسلام حتى وصلوا إلى دمشق الفيحاء وما جرى بعد ذلك من وقائع تعلمونها أكثر مني .
4 - ومع انتقال اضطهاد التشيع من بلاد الشام إلى بلاد الرافدين وجد شيعة علي عليه السلام تربة خصبة في بلاد الشام حيث ما إن ضعفت قوة الدولة العباسية في بلاد المسلمين حتى انتشر التشيع في هذه الأرض خصوصا شمال سورية التي قامت فيها الدولة الحمدانية الممتدة من حلب إلى الموصل .
5 - بعد الاحتلال العثماني الطوراني لسورية والمجازر التي ارتكبها المجرم (سليم الأول) بتحريض من أمه (ليونا) اليهودية اليونانية ، بقي الشيعة مطمورين أعواما عديدة حتى العقود الأخيرة من العهد العثماني بعد النهضة الكبيرة لشيعة علي عليه السلام في دمشق وما حولها .
وقد ذكرت عزيزي صديق المشاعر أن الشيعة في سورية كانت نسبتهم عام 1918 لا تتخطى 5 في الألف ، لكن هذه النسبة ارتفعت عام 1961 ووصلت إلى 3 % ، وخلال الخمسة والأربعين عاما الماضية حصلت نهضة كبيرة وارتفع عدد الشيعة حتى تجاوزت النسبة 10 % حاليا .
لكن المشكلة في الوقت الحالي عزيزي هي أن الكثير من إخوتنا الشيعة الدمشقيين يرون أنهم هم فقط شيعة علي (عليه السلام) في كل الوطن السوري مع العلم أن الشيعة في بعض المحافظات كما في محافظتي اللاذقية يفوقون نظراءهم في دمشق .
الحقيقه الكلمات مو كافيه للرد على هذا الموضوع الاكثر من رائع اخ تشرين الحقيقة كفيت ووفيت مشكوووووووووووور حبي وجعلك الله من الثابتين على الولايه والايمان انا بالحقيقة رحت مرات عديده الى سوريا والتقيت بناس شيعه هناك حقيقة هم اناس اكثر من رائعين وتحبهم اول ما تتكلم معهم يارب يوفقهم ويعلي كلمتهم امين.