وقف اوباما خطيبا في تركيا يعلن أن أمريكا ليست في حرب مع الإسلام، وأن تركيا مهمة لأمريكا وللعالم لتجسير الهوة بين الغرب والعالم الإسلامي، وأن علاقته مع المسلمين لن تقتصر على مكافحة الإرهاب فحسب (أي أن الحرب على الإرهاب ستستمر)،
وأنه يسعى للحوار، حتى يكاد يظن المتابع كأن السياسة الأمريكية قد تغيّرت وتحولت عن المصالح التي تحددها الرأسمالية نحو القيم الإنسانية.
لا يخفى على المتابع السياسي أن السياسة الأمريكية تقوم على أسس راسخة تحددها مؤسسات الحكم التي يشترك في صياغتها رجالات الحزبين:
الجمهوري والديمقراطي، وهي ليست ارتجالية يتحكم بها شخص الحاكم وتتغير بتغيّر شخصه، وإن كانت أساليب الحاكم تتغير فإن تلك الأسس السياسية لا تتغير في نظام حكم يقوم على مبدأ رأسمالي ديمقراطي.
وفي هذا المناخ السياسي لا تختلف إدارة اوباما عن إدارة بوش، ولن تختلف، وإن اختلفت ألوان الوجوه وأسماء الأشخاص. فخلال إدارة بوش تصدّر مطلب تلميع صورة أمريكا العديد من التقارير والدراسات الإستراتيجية التي أعدتها مراكز الاستراتيجيات الأمريكية، و اقترحت الكثير من الدراسات أن تتجمّل أمريكا لإغراء المسلمين، بل إنها أوصت بالسعي لحل الدولتين، والذي يمكن أن يراه المسلمون كعدل، من أجل تغيير الانطباع عن عدم عدالة السياسية الأمريكية الخارجية.
إذاً، فمحاولات مد الجسور وتحسين الصورة واجتذاب المسلمين، وإن كانت أكثر بروزا، لدى اوباما، إلا أنها امتداد لتوصيات ومحاولات سابقة. تحركات اوباما وخصوصا زيارته الأخيرة لتركيا، تندرج ضمن سياق هذه التوصيات التي صدرت خلال إدارة بوش، مما يؤكد أن سياسة الثاني لا يمكن أن تكون إلا امتدادا للأول وما كان في عهدة من توجهات وتوصيات.
وخلال إدارة بوش كان الحديث صريحا عن صراع الأفكار بين الرأسمالية والإسلام السياسي، حيث ركّز بوش وحاشيته على أن أمريكا في حالة "حرب أفكار"، وأن السلاح الأمريكي فيها هو ترويج
"مبادئ الحرية والكرامة الإنسانية"، ويبين فيها أن أمريكا تتطلع لتشكيل العالم لا أن تتشكل بحسبه، وأن تؤثر في الأحداث بدل أن تكون تحت رحمتها. وقد طرحت تلك الإستراتيجية عدة محاور منها تعزيز التحالفات من أجل هزيمة الإرهاب العالمي. بكل تأكيد، كلا الرجلين يحمل مشروع الحرب على الإرهاب (كما أكّد اوباما أنه لن يقتصر على هذا المشروع)، واوباما لا زال يحتل العراق وأفغانستان ويقصف قبائل المسلمين في باكستان، بل إنه قد أبقى وزير الدفاع الأمريكي غيتس في منصبه مما يؤكد أن السياسة الحربية لاوباما تسير على نفس الخطى العسكرية السابقة التي ينفذها غيتس
(لحد الان على اقل تقدير).
لذى اعتقد ان قادم الايام سيكشف فيما اذا كان قدوم اوباما للبيت الابيض محاولة لتلميع صورة امريكا او ان اوباما هو كارزما حقيقية تحمل في جعبتها الكثير مما سيبهر العالم ويخلده التاريخ.