تمهيد:
لقد جاءت الأحاديث الصحيحة مبشِّرة باثني عشر خليفة من قريش، لا يزيدون ولا ينقصون، عددهم كعدد نقباء بني إسرائيل، يكون الإسلام بهم قائماً عزيزاً منيعاً ظاهراً على مَن ناواه، ويكون الأمر بهم صالحاً، وأمر الناس بهم ماضياً...
ومع استفاضة تلك الأحاديث ووضوحها إلا أن علماء أهل السنة تحيَّروا في معرفة هؤلاء الخلفاء، ولم يهتدوا في هذه المسألة إلى شيء صحيح، فجاءت أقوالهم ـ على كثرتها ـ واهية ركيكة ضعيفة كما سيتضح قريباً إن شاء الله تعالى.
طرق حديث الخلفاء الاثني عشر:
1ـ أخرج البخاري وأحمد والبيهقي وغيرهم عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش(1).
قال البغوي: هذا حديث متّفق على صحّته(2).
2ـ وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة. قال: ثم تكلم بكلام خفي عليَّ. قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش(3).
3 ـ وأخرج مسلم أيضاً ـ واللفظ له ـ وأحمد عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً. ثم تكلم النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) بكلمة خفيت عليَّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)؟ فقال: كلهم من قريش(4).
4 ـ وأخرج مسلم أيضاً وأحمد والطيالسي وابن حبان والخطيب التبريزي وغيرهم عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش(5).
5 ـ وأخرج مسلم ـ واللفظ له ـ وأحمد وابن حبان عن جابر بن سمرة، قال: انطلقت إلى رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ومعي أبي، فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة. فقال كلمة صَمَّنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش(6).
6 ـ وأخرج مسلم ـ واللفظ له ـ وأحمد عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول: لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش...(7).
7 ـ وأخرج الترمذي وأحمد عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): يكون من بعدي اثنا عشر أميراً. ثم تكلم بشيء لم أفهمه، فسألت الذي يليني، فقال: قال: كلهم من قريش(8).
8 ـ وأخرج أبو داود حديث الخلفاء الاثني عشر بثلاثة طرق صحيحة(9).
قال في أحدها: سمعت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم تجتمع عليه الأمة. فسمعت كلاماً من النبي لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال: كلهم من قريش(10).
وقال في آخر: سمعت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. قال: فكبَّر الناس وضجّوا، ثم قال كلمة خفية. قلت لأبي: يا أبه، ما قال؟ قال: كلهم من قريش(11).
5 ـ وأخرج أحمد ـ واللفظ لغيره ـ، والحاكم في المستدرك، والهيثمي في مجمع الزوائد عن الطبراني في الأوسط والكبير والبزَّار، أن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة. وخفض بها صوته، فقلت لعمي وكان أمامي: ما قال يا عم؟ قال: كلهم من قريش(12).
6 ـ وأخرج أحمد في المسند، والهيثمي في مجمع الزوائد، وابن حجر في المطالب العالية، والبوصيري في مختصر الإتحاف، عن مسروق، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، فقال: هل حدَّثكم نبيَّكم كم يكون بعده من الخلفاء؟ قال: نعم، وما سألني عنها أحد قبلك وإنك لمن أحدث القوم سنًّا.
قال: يكونون عدّة نقباء موسى، اثني عشر نقيباً(13).
7 ـ وأخرج أحمد وأبو نعيم والبغوي عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش...(14).
8 ـ وأخرج أحمد بن حنبل في المسند ـ واللفظ له ـ، والحاكم النيسابوري في المستدرك عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) يقول في حجّة الوداع: لا يزال هذا الدين ظاهراً على من ناواه، لا يضرّه مخالف ولا مفارق، حتى يمضي من أمتي اثنا عشر أميراً، كلهم. ثم خفي من قول رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، قال: يقول: كلهم من قريش(15).
إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة(16).
مَن هم الخلفاء الاثنا عشر؟
لقد حاول علماء أهل السنة كشف المراد بالخلفاء الاثني عشر في الأحاديث السابقة، بما يتَّفق مع مذهبهم، ويلتئم مع معتقدهم، فذهبوا ذات اليمين وذات الشمال لا يهتدون إلى شيء.
وحاولوا جاهدين أن يصرفوا هذه الأحاديث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ويجعلونها في غيرهم ممن لا تنطبق عليهم الأوصاف الواردة فيها، فتاهوا وتحيَّروا، حتى ذهبوا إلى مذاهب عجيبة، وصدرت منهم أقوال غريبة، وأقرَّ بعضهم بالعجز، واعترف بعضهم بعدم وضوح معنى لهذه الأحاديث تركن إليه النفس.
قال ابن الجوزي في كشف المشكل: هذا الحديث قد أطلتُ البحث عنه، وتطلَّبتُ مظانّه، وسألتُ عنه، فما رأيت أحداً وقع على المقصود به...(17).
وقال ابن بطال عن المهلب: لم ألقَ أحداً يقطع في هذا الحديث ـ يعني بشيء معين(18).
اختلاف أهل السنة في الخلفاء الاثني عشر:
لقد كثرت أقوالهم في هذه المسألة، واختلفت آراؤهم اختلافاً عظيماً، وتضاربت تضارباً شديداً، ومع كثرة تلك الأقوال لا تجد فيها قولاً خالياً من الخدش والخلل، وأهم ما عثرت عليه من أقوالهم في هذه المسألة ثمانية أقوال، وإليك بيانها، وبيان ما فيها:
1 ـ رأي القاضي عياض والحافظ البيهقي:
قال القاضي عياض(19): لعل المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزَّة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره، والاجتماع على مَن يقوم بالخلافة، وقد وُجد فيمن اجتمع عليه الناس، إلى أن اضطرب أمر بني أمية، ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية، فاستأصلوا أمرهم(20).
قال ابن حجر العسقلاني: كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه، لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: ( كلّهم يجتمع عليه الناس)، وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته، والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، إلى أن وقع أمر الحَكَمين في صفِّين، فتسمَّى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين أمر، بل قُتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد: عمرُ بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك، اجتمع الناس عليه لما مات عمّه هشام، فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك...(21).
وهذا هو قول البيهقي(22) أيضاً في دلائل النبوة، حيث قال بعد أن ساق بعضاً من الأحاديث السابقة: وقد وُجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة كما أخبر في هذه الرواية، ثم ظهر ملك العباسية...(23).
ثم قال: والمراد بإقامة الدين ـ والله أعلم ـ إقامة معالمه وإن كان بعضهم يتعاطى بعد ذلك ما لا يحل(24).
أقـول:
1 ـ يرُدّ هذا القول وسائر أقوالهم ما رواه القوم عن سفينة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: الخلافة ثلاثون سنة، ثم تكون بعد ذلك ملكاً(25).
ولأجل هذا صرَّحوا بأن الخلافة عندهم منحصرة في أربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي استناداً إلى هذا الحديث، أو خمسة بضميمة عمر بن عبد العزيز(26)، فكيف صار غير هؤلاء خلفاء مع أن الحديث نصَّ على أن ما بعد ثلاثين سنة لا تكون خلافة، بل يكون ملك.
وفي سنن الترمذي: قال سعيد: فقلت له (أي لسفينة راوي الحديث): إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم. قال: كذبوا بنو الزرقاء، بل هم ملوك من شر الملوك.
وفي سنن أبي داود: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن علياً لم يكن بخليفة. قال: كذبت أستاه بني الزرقاء ـ يعني بني مروان(27).
وقال القاضي عياض وغيره في الجمع بين حديث سفينة وحديث الخلفاء الاثني عشر: إنه أراد في حديث سفينة خلافة النبوة، ولم يقيّده في حديث جابر ابن سمرة بذلك(28).
وقال الألباني: وهذا جمع قوي، ويؤيّده لفظ أبي داود: ( خلافة النبوة ثلاثون سنة )، فلا ينافي مجيء خلفاء آخرين من بعدهم، لأنهم ليسوا خلفاء النبوة، فهؤلاء هم المعنيون في الحديث لا غيرهم، كما هو واضح(29).
ويردّه: أن خلافة النبوة هذه لم يذكر لها علماء أهل السنة معنى واضحاً، واختلفوا في بيان المراد منها، فمنهم من قال بأن خلافة النبوة هي التي لا طلب فيها للملك ولا منازعة فيها لأحد(30). فعليه تخرج خلافة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) عن كونها خلافة نبوة، لمنازعة أهل الجمل وأهل النهروان ومعاوية وأهل الشام له(31)، مع أنهم ذكروا أن خلافته (عليه السلام) خلافة نبوة. وهذا تهافت واضح.
ومنهم مَن ذكر أن خلافة النبوة إنما تكون لمن عملوا بالسُّنَّة، فإذا خالفوا السنّة وبدّلوا السيرة فهم ملوك وإن تسمّوا بالخلفاء(32).
وعليه تكون خلافة النبوة أكثر من ثلاثين سنة، لاتفاقهم على أن عمر بن عبد العزيز كان يعمل بالسنّة، ولعدّهم إياه من الخلفاء الراشدين، مع أنهم لم يذكروه من ضمن مَن كانت خلافتهم خلافة نبوة.
ومنهم من قال: إن المراد بالخلافة في حديث سفينة هي الخلافة الحقَّة أو المرضية لله ورسوله، أو الكاملة، أو المتصلة(33).
وعليه فتكون خلافة النبوة هي خلافة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وابنه الحسن (عليه السلام) فقط دون غيرهما.
ولو سلَّمنا أن خلافة الأربعة كانت مرضيّة لله ورسوله أو كاملة أو غير ذلك فلا بد أن يُضاف إليها عندهم خلافة عمر بن عبد العزيز، فتكون خلافة النبوة حينئذ أكثر من ثلاثين سنة.
والصحيح أن يقال في هذا الحديث على تقدير صحَّته: إن خلافة النبوة لا يمكن أن يراد بها إلا الخلافة التي كانت بنصّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمَن استخلفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأمة فهو خليفة النبي، وخلافته هي خلافة النبوة، ومَن لم يستخلفه واستخلفه الناس فهو خليفتهم، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استخلف عليّاً (عليه السلام).
وعليه يكون معنى حديث سفينة: إن خلافة النبوة ـ وهي خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ تستمر إلى ثلاثين سنة، ثم يتولى أمور المسلمين الملوك. وعدم تمكّن أمير المؤمنين (عليه السلام) من تولي أمور المسلمين، أو عدم اتّباع الناس له إلا النفر القليل لا يسلب عنه الخلافة بعد حكم الشارع المقدس بها ونصّه عليها، وهذا له نظائر كثيرة في الأصول والفروع لا تخفى(34).
وأما حديث الخلفاء الاثني عشر فهو بيان لعدد أئمة الهدى وخلفاء الحق وسادة الخلق المنصوبين من الله سبحانه، الذين لا يضرهم من ناواهم، ويكون الإسلام بهم عزيزاً، وبذلك يتّضح ألا منافاة بين الحديثين بهذين المعنيين.
2 ـ إن أكثر مَن ذكرهم لم يجتمع عليه الناس، فإن عثمان وإن تمَّت له البيعة واجتماع الناس في أول خلافته، إلا أن الأمور انتقضت عليه بعد ذلك حتى قتله الناس، وأما علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلم يجتمع عليه الناس من أول يوم في خلافته، وذلك لأن أهل الشام لم يبايعوه، وهم كثيرون، وخرج عليه طلحة والزبير وعائشة، فحاربهم في البصرة، ثم خرج عليه الخوارج فحاربهم في النهروان... وكل ذلك كان في أقل من خمس سنين.
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: علي رضي الله عنه... لم يجتمع الناس في زمانه، بل كانوا مختلفين، لم ينتظم فيه خلافة النبوة ولا الملك(35).
فعلى ذلك لا يكون علي (عليه السلام) من هؤلاء الخلفاء عندهم.
وأما يزيد بن معاوية فلم يبايعه الحسين بن علي (عليه السلام) وأهل بيته حتى قُتلوا في كربلاء، وخرج عليه أهل المدينة، وأخرجوا منها عامله وسائر بني أمية، فوقعت بينهم وبينه وقعة الحرة، وخرج عليه ابن الزبير في مكة واستولى عليها... فأي اجتماع حصل له !!؟.
3 ـ أن معاوية ومن جاء بعده من ملوك بني أمية وغيرهم لم يجتمع عليهم الناس، بل كانوا متغلِّبين على الأمَّة بالقوة والقهر، ومن الواضح أن هناك فرقاً بيِّناً بين اجتماع الناس على شيء وجمعهم عليه، فإن الاجتماع مأخوذ في معناه اختيار المجتمعين، وأما الجمع فمأخوذ فيه عدم الاختيار، والذي حصل لبني أمية هو الثاني، والمذكور في الحديث هو الأول، وهذا واضح معلوم لمن نظر في تاريخ بني أمية وسيرتهم في الناس.
وقد روي فيما يدلِّل ذلك الكثير، ومنه ما روي عن سعيد بن سويد، قال: صلى بنا معاوية بالنخيلة ـ يعني خارج الكوفة ـ الجمعة في الضحى، ثم خطبنا فقال: ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلّوا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأ تأمَّر عليكم، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون(36).
4 ـ أن الخلفاء حسبما ذكر في كلامه يكونون ثلاثة عشر لا اثني عشر، وهم:
1 ـ أبو بكر. 2 ـ عمر. 3 ـ عثمان. 4 ـ الإمام علي (عليه السلام). 5 ـ معاوية. 6 ـ يزيد بن معاوية . 7 ـ عبد الملك. 8 ـ الوليد. 9 ـ سليمان . 10 ـ عمر بن عبد العزيز. 11 ـ يزيد بن عبد الملك. 12 ـ هشام بن عبد الملك . 13 ـ الوليد بن يزيد.
قال ابن كثير: إن الخلفاء إلى زمن الوليد بن اليزيد أكثر من اثني عشر على كل تقدير(37).
2 ـ رأي ابن حجر العسقلاني:
قال ابن حجر العسقلاني: الأَولى أن يحمل قوله: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة) على حقيقة البَعْدية، فإن جميع من ولي الخلافة مِن الصدِّيق إلى عمر ابن عبد العزيز أربعة عشر نفساً، منهم اثنان لم تصح ولايتهما ولم تطل مدَّتهما، وهما معاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر نفساً على الولاء كما أخبر (صلى الله عليه [وآله] وسلم).
إلى أن قال: ولا يقدح في ذلك قوله: ( يجتمع عليه الناس )، لأنه يُحمَل على الأكثر الأغلب، لأن هذه الصفة لم تفقد إلا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير مع صحة ولايتهما، والحُكم بأن مَن خالفهما لم يثبت استحقاقه إلا بعد تسليم الحسن، وبعد قتل ابن الزبير، والله أعلم(38).
أقـول: على هذا القول يكون الخلفاء الاثنا عشر هم:
1 ـ أبو بكر. 2 ـ عمر. 3 ـ عثمان. 4 ـ الإمام علي (عليه السلام). 5 ـ الإمام الحسن (عليه السلام). 6 ـ معاوية. 7 ـ يزيد بن معاوية. 8 ـ عبد الله بن الزبير. 9 ـ عبد الملك. 10 ـ الوليد. 11 ـ سليمان. 12 ـ عمر بن عبد العزيز.
وقوله: (يجتمع عليه الناس) محمول على الأكثر الأغلب، يردّه أن مجيء التأكيد بـ (كل) في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كلّهم يجتمع عليه الناس) الدال بالنصّ على العموم يقدح في هذا القول.
هذا مع أن الصفة المذكورة ـ وهي اجتماع الناس ـ فُقدت في غير الحسن (عليه السلام) وابن الزبير كما مر آنفاً.
وقوله: (إن معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم لم تصح ولايتهما) يردّه أن يزيد بن معاوية إن كانت ولايته صحيحة كما قال، فنص يزيد على ابنه من بعده يصحِّح ولايته بلا ريب ولا شبهة وإن لم تطل مدّته. وإن كان التغلّب على أمور المسلمين يصحّح خلافة معاوية، فتغلّب مروان بعد ذلك مصحِّح لخلافته.
ثم إن جعله طول الولاية دليلاً على صحَّتها واعتبارها لا يمكن التسليم به، فإنه لم يقل به أحد، هذا مع أنه اعتبر ولاية الإمام الحسن (عليه السلام) التي دامت ستة أشهر، ولم يعتبر ولاية مروان بن الحكم التي دامت نفس المدة.
ومن الغريب أنه زعم أن عبد الملك بن مروان لم يثبت استحقاقه للخلافة إلا بعد قيامه على الخليفة الحق عنده آنذاك وهو عبد الله بن الزبير وقتله.
والذي يظهر من كلام ابن حجر أنه يرى أن كل أولئك الحكَّام كانوا متأهِّلين للخلافة مستحقّين لها، مع أن يزيد بن معاوية مثلاً لا يختلف المنصفون في عدم أهليته للخلافة وعدم استحقاقه لها، لأنه تولَّى ثلاث سنين: السنة الأولى قتل فيها الحسين (عليه السلام)، والسنة الثانية أباح فيها المدينة، والسنة الثالثة هدم فيها الكعبة... فكيف يكون من الخلفاء الذين يكون الإسلام بهم عزيزاً منيعاً قائماً؟!.
3 ـ قول ابن أبي العز شارح العقيدة الطحاوية:
قال ابن أبي العز الحنفي(39): والاثنا عشر: الخلفاء الراشدون الأربعة، ومعاوية وابنه يزيد، وعبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة، وبينهم عمر بن عبد العزيز ثم أخذ الأمر في الانحلال، وعند الرافضة أن أمر الأمَّة لم يزل في أيام هؤلاء فاسداً منغَّصاً، يتولّى عليه الظالمون المعتدون، بل المنافقون الكافرون، وأهل الحق أذل من اليهود. وقولهم ظاهر البطلان، بل لم يزل الإسلام عزيزاً في ازدياد في أيام هؤلاء الاثني عشر(40).
أقول: الخلفاء الاثنا عشر على هذا القول هم:
1 ـ أبو بكر. 2 ـ عمر. 3 ـ عثمان. 4 ـ الإمام علي (عليه السلام). 5 ـ معاوية. 6 ـ يزيد بن معاوية. 7 ـ عبد الملك. 8 ـ الوليد. 9 ـ سليمان. 10 ـ عمر بن عبد العزيز. 11 ـ يزيد بن عبد الملك. 12 ـ هشام بن عبد الملك.
ويَرِد عليه ما قلناه في خلافة معاوية بن يزيد، وخلافة مروان بن الحكم، فراجعه.
ثم إن كل مَن نظر في تاريخ المسلمين يعلم أن الأمة لا تزال في ذلّ وهوان في زمن أكثر هؤلاء الخلفاء، وأقوال علماء أهل السنة تشهد بذلك وتصرح به، ولو لم يكن في زمانهم إلا قتل الحسين (عليه السلام) لكفى، كيف وقد أعلن بنو أمية سب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المنابر قرابة ستين سنة، وضُرِبت الكعبة حتى تهدّمت حيطانها، وأبيحت المدينة ثلاثة أيام، فوقع فيها من المخازي ما يندى له جبين التاريخ.
فإنهم كانوا يقتلون كل من وجدوه من الناس، وكانوا يسلبون كل ما وقع تحت أيديهم من الأموال، ووقعوا على النساء حتى قيل: إنه حبلت ألف امرأة من أهل المدينة من غير زوج. وقُتل من وجوه المهاجرين والأنصار سبعمائة، ومن سائر الناس عشرة آلاف، ولما دخل مسلم بن عقبة المدينة دعا الناس للبيعة على أنهم عبيد وخَدَم ليزيد بن معاوية، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء(41).
إلى غير ذلك مما يطول ذِكره.
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء: لو لم يكن من مساوئ عبد الملك إلا الحجَّاج وتوليته إياه على المسلمين وعلى الصحابة رضي الله عنهم، يهينهم ويذلّهم قتلاً وضرباً وشتماً وحبساً، وقد قتل من الصحابة وأكابر التابعين ما لا يُحصى، فضلاً عن غيرهم، وختم على عنق أنَس وغيره من الصحابة ختماً، يريد بذلك ذلَّهم، فلا رحمه الله ولا عفا عنه(42) .
وقال الذهبي في كتابه العِبَر: قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: الوليد بالشام، والحجَّاج بالعراق، وقُرَّة (بن شريك) بمصر، وعثمان بن حبان بالحجاز، امتلأت والله الأرض جوراً(43).
فهل كان الإسلام عزيزاً وفي ازدياد!!؟ وهل كان الناس عامة والمؤمنون خاصة في عز وكرامة، أم في ذلَّ ومهانة؟ الأمر معلوم وواضح، ولا ينكر ذلك إلا مكابر أو جاهل أو متعصب.
ويكفي قول سفينة المتقدم فيهم لما سأله سعيد فقال: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم. قال: كذبوا بنو الزرقاء، بل هم ملوك من شر الملوك.
4 ـ قول ابن كثير وابن تيمية:
وهو أن المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة، يعملون بالحق وإن لم تتوالَ أيامهم، ويؤيده ما أخرجه مُسدَّد في مسنده الكبير من طريق أبي بحر، أن أبا الجلد حدَّثه أنه لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة، كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، يعيش أحدهما أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة.
وعلى هذا فالمراد بقوله: (ثم يكون الهرج) أي الفتن المؤذنة بقيام الساعة، من خروج الدجال ثم يأجوج ومأجوج إلى أن تنقضي الدنيا(44).
قال ابن كثير: قد وافق أبا الجلد طائفة من العلماء، ولعل قوله أرجح لما ذكرنا، وقد كان ينظر في شيء من الكتب المتقدمة، وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: إن الله تعالى بشَّر إبراهيم بإسماعيل، وأنه ينميه ويكثِّره، ويجعل في ذرّيّته اثنا عشر عظيماً. قال شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية: وهؤلاء المبشَّر بهم في حديث جابر بن سمرة، وقرّر أنهم يكونون مفرّقين في الأمّة، ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا(45).
قال السيوطي: وعلى هذا فقد وُجد من الاثني عشر خليفة: الخلفاء الأربعة، والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، ويحتمل أن يُضم إليهم المهتدي من العباسيين، لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز، وكذلك الطاهر لما أوتيه من العدل، وبقي الاثنان المنتظران، أحدهما المهدي، لأنه من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)(46).
أقول: يفسد هذا القول أن الإمام عليًّا وابنه الإمام الحسن (عليهم السلام) ـ وهما من أهل البيت (عليهم السلام) ـ لم يعش واحد منهما ثلاثين سنة والآخر أربعين، وعليه فينبغي إخراجهما من جملة هؤلاء الاثني عشر.
قال ابن كثير: إن إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الاثني عشر خلاف ما نصَّ عليه أئمة السنة، بل والشيعة(47).
هذا مضافاً إلى أن عد السيوطي من هؤلاء الخلفاء ثلاثة من أهل البيت خلاف حديث أبي الجلد الذي أيَّدوا به قولهم.
ثم إن عد معاوية ممن يعمل بالهدى ودين الحق خلاف ما هو معلوم من حاله ومشهور من أفعاله، وحسبك أنهم اتَّفقوا على إخراجه من زمرة الخلفاء الراشدين، فجعلوهم أربعة أو خمسة، ولم يجعلوه منهم.
وأخرج مسلم في الصحيح عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ـ في حديث طويل قال: فقلت له ـ أي لعبد الله بن عمرو بن العاص ـ: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا، والله يقول (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً). قال: فسكت ساعة، ثم قال: أطعه في طاعة الله، واعصِه في معصية الله(48).
وأخرج الحاكم وصحَّحه على شرط الشيخين، عن عبادة بن الصامت، أنه قام قائماً في وسط دار عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محمداً أبا القاسم يقول: ( سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله، فلا تعتبوا أنفسكم)، فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك. فما راجعه عثمان حرفاً واحداً(49).
ثم إن إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهؤلاء الخلفاء إنما كان لفائدة عظيمة وغاية مهمة يريد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إيضاحها للأمة، وهي مبايعة هؤلاء الخلفاء، ومتابعتهم، والأخذ بهديهم دون غيرهم ممن لم يكن بهذه الصفة.
وعليه، فلو صحَّ هذا القول لما كان ثمة أي فائدة في بيان وجود اثني عشر خليفة يعملون بالحق في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة، وإن لم تتوالَ أيامهم، فكل خليفة يتولى أمور الناس لا يُعلم أنه منهم أم لا، فلا يُدرى هل يُبايَع ويُتابَع أم لا. ولا فائدة في ذكر العدد المجرد، القابل للانطباق على كل واحد يتولّى أمر الأمَّة إذا لم يتميّز هؤلاء الخلفاء بأعيانهم وأشخاصهم بحيث لا يدخل فيهم غيرهم.
والغريب من ابن كثير كيف رجَّح قول أبي الجلد بكونه ينظر في كتب أهل الكتاب، واستدل في هذه المسألة بحديث مذكور في التوراة، مع أنَّا لا نحتاج لإثبات مسألة مهمَّة كهذه بتوراة أو إنجيل محرَّفين، وعندنا أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تكفّلت ببيان هذه المسألة وغيرها.
وهذا دليل واضح على مبلغ التخبّط والحيرة التي وقع فيها أعلام أهل السنّة في هذه المسألة حتى التجأوا إلى ما لا يجوز الالتجاء إليه، واعتمدوا على ما لا يصح الاعتماد عليه.
ثم إن البيان الذي ذكره السيوطي لو سلَّمنا به فهو لا يزال ناقصاً، فإن الخلفاء الذين ذكرهم أحد عشر خليفة، فيبقي عليه ذكر الثاني عشر، فأين هو؟
5 ـ قول ابن الجوزي والخطابي(50):
وهو أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أشار إلى ما يكون بعده وبعد أصحابه، وأن حكم أصحابه مرتبط بحكمه، فأخبر عن الولايات الواقعة بعدهم، فكأنه أشار بذلك إلى عدد الخلفاء من بني أمية، وكأن قوله: (لا يزال الدين) أي الولاية إلى أن يلي اثنا عشر خليفة، ثم ينتقل إلى صفة أخرى أشد من الأولى، وأول بني أمية يزيد بن معاوية، وآخرهم مروان الحمار، وعدّتهم ثلاثة عشر، ولا يُعَد عثمان ومعاوية ولا ابن الزبير، لكونهم صحابة، فإذا أسقطنا مروان بن الحكم للاختلاف في صحبته، أو لأنه كان متغلِّباً بعد أن اجتمع الناس على ابن الزبير صحَّت العدة، وعند خروج الخلافة من بني أمية وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة حتى استقرت دولة بني العباس، فتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغيراً بيناً...(51)
أقول: لا يخفى ضعف هذا القول وركاكته، فإن أحاديث الخلفاء الاثني عشر وردت بلسان المدح لهم والبشارة بهم، ووصفتهم بأن الإسلام بهم يكون عزيزاً منيعاً قائماً، وقد تقدم مفصلاً أن حال هؤلاء ليس كذلك، ومنه يتضح أن هذه الأحاديث أجنبية عن أولئك الخلفاء وبعيدة كل البعد عنهم.
وقوله: (إن حكم أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرتبط بحكمه في هذا الأمر) لا تدل عليه هذه الأحاديث ولا غيرها.
والعجيب في المقام أن الخطابي جعل أحاديث الخلفاء الاثني عشر مقصورة على بني أمية خاصة، مع أنها جاءت مادحة للاثني عشر مبشرة بهم، وغفل عن الأحاديث الصحيحة الأخرى التي دلَّت على ذم بني أمية وبني أبي العاص بأشد ما يكون الذم، وهي كثيرة جداً.
منها: ما دلَّ على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ساءه ملك بني أمية.
فقد أخرج الترمذي في السنن والسيوطي في الدر المنثور وغيرهما أن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) رأى بني أمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت (إنا أعطيناك الكوثر)... ونزلت (إنا أنزلناه في ليلة القدر .... ليلة القدر خير من ألف شهر) يملكها بنو أمية يا محمد. قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص(52).
وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد، والحاكم في المستدرك وصحَّحه، وابن حجر في المطالب العالية والبوصيري في مختصر الإتحاف وابن كثير في البداية والنهاية، وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) رأى في منامه كأن بني الحكَم(53) ينزون على منبره وينزلون، فأصبح كالمتغيظ، فقال: ما لي رأيت بني الحكَم ينزون على منبري نزو القردة؟ قال: فما رؤي رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) مستجمعاً ضاحكاً بعد ذلك حتى مات (صلى الله عليه [وآله] وسلم(54).
وأخرج السيوطي عن ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيب، قال: رأى رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) بني أمية على المنابر فساءه ذلك، فأوحى الله إليه: (إنما هي دنيا أُعطوها). فقرَّت عينه، وهي قوله (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) يعني بلاء(55).
ومنها: ما دلَّ على أن بني أميّة أبغض الناس إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقد أخرج الهيثمي والحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي، والبوصيري وحسَّنه، عن أبي برزة الأسلمي، قال: كان أبغض الأحياء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف(56).
ومنها: ما دلَّ على سوء فعلهم وعظم ضررهم إذا كثر عددهم.
فقد أخرج الحاكم والبوصيري وحسَّنه والهيثمي والبيهقي وابن حجر عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا بلغ بنو أبي العاص(57) ثلاثين رجلاً اتّخذوا مال الله دُوَلاً (58)، ودين الله دَغَلاً (59)، وعباد الله خَوَلاً (60)(61).
وفي رواية أخرجها الحاكم قال: إذا بلغت بنو أمية أربعين... (62)
ومنها: ما دلَّ على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعن بعض هؤلاء الخلفاء وهم في الأصلاب.
ومن ذلك ما أخرج الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي عن عبد الله بن الزبير، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعن الحكَم وولده (63).
واخرج الحاكم وصحَّحه عن عمرو بن مرة الجهني وكانت له صحبة أن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صوته وكلامه، فقال: ايذنوا له، عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم، وقليل ما هم، يشرفون في الدنيا، ويضعون في الآخرة، ذو مكر وخديعة، يعطون في الدنيا، وما لهم في الآخرة من خلاق (64).
ومنها: ما دلَّ على أن بعضهم أشر على هذه الأمة من فرعون لقومه، وهو الوليد بن عبد الملك، أو الوليد بن يزيد.
فقد أخرج أحمد في المسند، والهيثمي في مجمع الزوائد عن عمر، قال: وُلد لأخي أم سلمة زوج رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) غلام فسمَّوه الوليد، فقال النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم): سمّيتموه بأسماء فراعنتكم؟ ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، لَهُو أشر على هذه الأمة من فرعون لقومه (65).
قال ابن كثير: قال أبو عمر الأوزاعي: كان الناس يرون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد، لفتنة الناس به، حتى خرجوا عليه فقتلوه، وانفتحت على الأمة الفتنة والهرج (66).
أقول: سواء أكان هذا أم ذاك فكلاهما من الخلفاء الاثني عشر عندهم، فيكون واحد من هؤلاء الخلفاء أشر على هذه الأمة من فرعون.
ومنها: ما دلَّ على أن بعضهم جبابرة.
ومن ذلك ما أخرجه الهيثمي وابن كثير وغيرهما عن ابن وهب ـ في حديث ـ قال: وذكر مروان حاجة له ـ أي لمعاوية ـ فردَّ مروان عبد الملك إلى معاوية، فكلمه فيها، فلما أدبر عبد الملك قال معاوية (لابن عباس وكان جالساً معه على سريره): أنشدك بالله يا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ذكر هذا فقال: أبو الجبابرة الأربعة؟ فقال ابن عباس: اللهم نعم (67).
أقول: الجبابرة الأربعة هم أولاد عبد الملك، وهم: الوليد وسليمان ويزيد وهشام، وهم من الخلفاء الاثني عشر عندهم، فتدبَّر.
فهل يصح بعد النظر في هذه الأحاديث الصحيحة وغيرها أن يقال: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشَّر بهؤلاء الملوك من بني أمية، وأخبر أن الدين بهم يكون عزيزاً منيعاً صالحاً...
ثم إن الخطابي أخرج مروان بن الحكم من عداد هؤلاء الاثني عشر للاختلاف في صحبته، مع أن أقوال علماء أهل السنة تنص على عدم صحبته.
قال البخاري: لم يرَ النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) (68).
وقال ابن حجر: روى عن النبي، ولا يصح له منه سماع (69).
وقال أيضاً: لم أرَ من جزم بصحبته (70).
وقال الذهبي: لم يرَ النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لأنه خرج مع أبيه وهو طفل (71).
وقال النووي: لم يسمع النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ولا رآه، لأنه خرج إلى الطائف طفلاً لا يعقل حين نفى النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أباه الحكم، فكان مع أبيه بالطائف حتى استخلف عثمان فردَّهما (72).
وكذلك قال ابن الأثير في أسد الغابة وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهما (73).
ثم إن لازم إخراج مروان من عدّة هؤلاء الخلفاء لتغلّبه إخراج كل خلفاء بني أمية معه، لأن خلافتهم كانت بالتغلّب والقهر أيضاً كما هو معلوم.
على أنَّا إذا أخرجنا مروان من العدّة فلا بد أن ندخل إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ليتم العدد، مع أن إبراهيم هذا تولّى الملك سبعين ليلة، ثم خلع نفسه، وسلَّم الأمر إلى مروان بن محمد، وبايعه طائعاً (74).
وقوله: (وعند خروج الخلافة من بني أميّة وقعت الفتن العظيمة...) إلى آخر ما قاله، يفسده أن ما وقع من الحوادث والفتن في زمن هؤلاء الخلفاء من بني أمية أعظم وأشنع من الفتن الواقعة في زمن جملة من خلفاء بني العباس، كالمنصور والمهدي والهادي وهارون والمأمون والمعتصم، وهذا ظاهر معلوم.
6 ـ قول ابن حبَّان:
قال ابن حبَّان (75): معنى الخبر عندنا: أن مَن بعد الثلاثين سنة يجوز أن يقال لهم خلفاء أيضاً على سبيل الاضطرار وإن كانوا ملوكاً على الحقيقة، وآخر اثني عشر من الخلفاء كان عمر بن عبد العزيز، فلما ذكر المصطفى (صلى الله عليه [وآله] وسلم) الخلافة ثلاثين سنة وكان آخر الاثني عشر عمر بن عبد العزيز، وكان من الخلفاء الراشدين المهديين، أطلق على مَن بينه وبين الأربع الأول اسم الخلفاء...
ثم ساق كلاماً طويلاً ذكر فيه كل مَن تولّى، ولم يعيِّن من هم الاثنا عشر، إلا أنه ذكر الأربعة، ومعاوية، والإمام الحسن (عليه السلام)، ويزيد، ومعاوية ابن يزيد، وعبد الله بن الزبير، ومروان بن الحكم، وعبد الملك، والوليد، وسليمان، وعمر بن عبد العزيز، وهو آخرهم (76).
أقول: هؤلاء أربعة عشر نفساً، وهو قول فاسد على جميع الاحتمالات.
قال ابن كثير: وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز.
ثم أوضح ذلك بما حاصله: أنه إن أُدخل يزيد بن معاوية خرج عمر بن عبد العزيز، مع أن الأئمة عدّوه من الخلفاء الراشدين، وإن أعتُبر مَن اجتمعت الأمة عليه خرج علي وابنه الحسن، وهذا خلاف ما نصّ عليه أئمة السنة بل والشيعة، وخلاف ما دلَّ عليه نصّاً حديث سفينة، وقد بيَّنَّا دخول خلافة الحسن وكانت نحواً من ستة أشهر فيها أيضاً... إلى آخر ما قاله (77).
7 ـ رأي المهلب:
نُسب إلى المهلَّب (78) أنه قال: الذي يغلب على الظن أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن، حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميراً. قال: ولو أراد غير هذا لقال: (يكون اثنا عشر أميراً يفعلون كذا... )، فلما أعراهم من الخبر عرفنا أنه أراد أنهم يكونون في زمن واحد.
قال ابن حجر: وهو كلام مَن لم يقف على شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة، وقد عرفت من الروايات التي ذكرتها من عند مسلم وغيره أنه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم، وهو كون الإسلام عزيزاً منيعاً. وفي الرواية الأخرى صفة أخرى، وهي أن كلهم يجتمع عليه الناس كما وقع عند أبي داود.
إلى أن قال: ولو لم يرِد إلا قوله: كلهم يجتمع عليه الناس (لكفى) فإن وجودهم في عصر واحد عين الافتراق، فلا يصح أن يكون المراد (79).
8 ـ قول أبي الحسين بن المنادي (80):
فإنه قال في الجزء الذي جمعه في المهدي: يحتمل في معنى حديث: (يكون اثنا عشر خليفة) أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فقد وجدت في كتاب دانيال: إذا مات المهدي مَلَكَ بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده، فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً، كل واحد منهم إمام مهدي.
ثم ساق رواية رواها أبو صالح عن ابن عباس، ورواية أخرى عن كعب بهذا المعنى (81).
قال ابن حجر: الوجه الذي ذكره ابن المنادي ليس بواضح، ويعكِّر عليه ما أخرجه الطبراني من طريق قيس بن جابر الصدفي، عن أبيه، عن جدّه رفعه: (سيكون من بعدي خلفاء، ثم من بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ثم يؤمّر القحطاني، فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه)، فهذا يرِد على ما نقله ابن المنادي من كتاب دانيال، وأما ما ذكره عن أبي صالح فواهٍ جداً، وكذا عن كعب (82).
أقول: الذي ذكره ابن المنادي ليس بظاهر البتة من أحاديث الخلفاء الاثني عشر المتقدمة، بل الظاهر منها خلافه، فإن الخطاب في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يكون عليكم اثنا عشر خليفة) إنما هو لصحابته الباقين بعده، ولأنهم فهموا ذلك علا الضجيج الذي حال دون سماع جابر بن سمرة باقي كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولو كان الأمر مرتبطاً بغيرهم ويقع في آخر الزمان لما كان ثمة ما يثير مشاعرهم إلى هذا الحد.
هذا مضافاً إلى أن أحاديث آخر الزمان لم تذكر هؤلاء الخلفاء الاثني عشر الذين ذكرهم ابن المنادي في كلامه، اللهم إلا ما ورد في كتاب دانيال، وهو كتاب إن صحَّ فلعل المراد بيان أن ثمة اثني عشر ملكاً يكونون بعد المهدي، غير الاثني عشر الذين يكونون بعد زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
هذه بعض أقوالهم التي وقفت عليها في هذه المسألة، وهي كلها كما رأيت ضعيفة واهية، لا يمكن الأخذ بها بحال.
جميع روايات حديث الإثنا عشر خليفة
فيه علامات وأوصاف على هؤلاء الإثناعشر
فوصفهم بأنهم جميعاً :
( خلفاء) و ( أمراء)
وأن الدين والإسلام في زمانهم:
( عزيز ) و ( قائم) و ( أمرهم ماضٍ)
ومن صفتهم:
( اجتماع الناس عليهم)
وهذا لايتوافر أبداً
فيمن تزعمون أنهم أئمة اثناعشر منصّبين من قبل الله تعالى
كما ينصب الأنبياء سواءً بسواء
فعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بقي خليفة خمس سنين
والحسن بن علي - رضي الله عنه - بقي خليفة ستة أشهر
والعشرة الباقون لم يكن منهم خليفة واحد ولو للحظةٍ واحدةٍ
وكان عصرهم عصر تقيّة وخوفٍ لا عصر منعة وعزّة وقوّة
و هؤلاء الخلفاء الاثني عشر (عند أهل السنة)
هم كما في شرح العقيدة الطحاوية ...
للامام القاضي علي بن علي بن ابي العز رحمه الله تعالى...
بتحقيق د /عبد الله التركي وشعيب الاناؤوط...
طبعة مؤسسة الرسالة
ما نصه :..
(...والاثنا عشر : الخلفاء الراشدون الاربعة ومعاوية وابنه يزيد وعبد الملك بن مروان وأولاده الاربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز.)
راجع :
شرح العقيدة الطحاوية ص 736
وإن قلتي كيف يكون يزيد بن معاوية من هؤلاء الخلفاء..؟
قلنا لكِ:
ليس في الحديث تزكية لهؤلاء الخلفاء والأمراء..!
وهو لم يكفر ولم ينتقل عن الملة..!
واهل السنة لايكفرون بالمعصية ولو كانت كبيرة..!
لقوله تعالى :" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"
ومذهب اهل السنة والجماعة...هو:
الصبر على جور الأئمة...
وقد جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
تأمر بالصبر على جور الائمة وظلمهم ومنها:
ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من رأى من أميره شيئاً يكرهه
فليصبر فانه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية"
الخلفاء الاثنا عشر هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام):
بعد أن تبين بطلان الأقوال السابقة كلها نقول:
إن الخلفاء الاثني عشر الذين بشَّر بهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأحاديث المتقدمة هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ويدل على ذلك أمور:
1 ـ أن هذه الأحاديث نصَّت على العدد المعيَّن ـ أي الاثني عشر ـ وهو عدد أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، بلا زيادة ولا نقيصة، فلا نحتاج لأن نتكلَّف إسقاط بعض أو ضم بعض آخر.
ولا يصح أن يراد بهم ملوك بني أمية أو ملوك بني العباس كلهم، لأنهم يزيدون على هذا العدد بكثير، ولا أن يُراد بعضهم دون بعض، لأنه لا ترجيح في البين، لأن أحوالهم متقاربة، وسِيَرهم متشابهة، مع أن كل واحد منهم لا تنطبق عليه الأوصاف المذكورة في الأحاديث كما مرَّ مفصَّلاً.
2 ـ أن الأحاديث المذكورة أشارت إلى أوصافهم، فأوضحت أن الدين يكون بهم عزيزاً منيعاً قائماً، وأن أمر الناس يكون بهم صالحاً ماضياً، وهذا لا يتحقق إلا إذا تولى أمر المسلمين من يرشدهم إلى الحق، ويدلّهم على الهدى، ويحملهم على الخير، ويكون اتّباع الناس له سبباً لسعادتهم في الدنيا ولفوزهم في الآخرة.
ولا يختلف المسلمون في أن الإسلام يكون عزيزاً منيعاً قائماً، وأمر الناس يكون ماضياً صالحاً بأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين أجمعت الأمة على أنهم عصمة للأمة من الضلال، وأمان لها من الفرقة والاختلاف، فإن أهل السنة لا يختلفون في ورعهم وتقواهم وعلمهم، وأن الناس لو اتبعوهم لما ضلو، ولو اجتمعوا عليهم لما افترقوا، فلذا قلنا بأن الأمة أجمعت واجتمعت عليهم.
وأما غيرهم ـ ولا سيما بنو أمية ـ فإن الأمة لم تنل بولايتهم إلا التفرق والوقوع في الفتن والمهالك، وهو واضح لا يحتاج إلى بيان.
3 ـ قد قلنا فيما تقدم أن الغاية من ذِكر هؤلاء الخلفاء في هذه الأحاديث هي الحث على اتّباعهم والاهتداء بهم، وحديث الثقلين وغيره من الأحاديث قد أوضحت أن الذين يلزم اتّباعهم والاهتداء بهم هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فتكون هذه الأحاديث مبيِّنة للمراد بالخلفاء الاثني عشر في تلك الأحاديث. ولا سيما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أطلق لفظ (الخليفة) على العترة النبوية الطاهرة كما في بعض طرق حديث الثقلين، حيث قال: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرَّقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض.
ولعل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كلهم من قريش) فيه نوع إشارة إلى هؤلاء الخلفاء، فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أراد أن يوضح هؤلاء الأئمة وينص عليهم بأعيانهم حال الضجيج بينه وبين ذلك، فاكتفى بالإشارة عن صريح العبارة.
وليس من البعيد أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أوضح هذا الأمر ونص على هؤلاء الأئمة من عترته أو من بني هاشم، إلا أن يد التحريف عبثت بهذه الأحاديث رعاية لمآرب أعداء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحُكَّام وغيرهم.
ويشهد لذلك أنها رُويَت هكذا في بعض كتب القوم، كما في ينابيع المودة وغيره، عن جابر بن سمرة، قال: كنت مع أبي عند النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، فسمعته يقول: بعدي اثنا عشر خليفة. ثم أخفى صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟ قال: قال: كلهم من بني هاشم (83).
والحاصل أن صلاح هؤلاء الأئمة، وحسن سيرتهم، وطيب سريرتهم، وأهليتهم للإمامة العظمى والخلافة الكبرى مما لا ينكره إلا مكابر أو متعصب.
أما أهلية الإمام أمير المؤمنين وولديه الحسن والحسين (عليهم السلام) للإمامة والخلافة فهي واضحة لا تحتاج إلى بيان، ومع ذلك فقد أقرَّ بها وبأهلية غيرهم من الأئمة بعض علماء أهل السنة.
قال الذهبي: فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالجنة رضي الله عنه نُحِبّه ونتولاه... وابناه الحسن والحسين فسبطا رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) وسيدا شباب أهل الجنة، لو استُخلفا لكانا أهلاً لذلك (84).
وقال في ترجمة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): وكان له جلالة عجيبة، وحقَّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى، لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه، وكمال عقله(85).
وقال في ترجمة الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): وكان أحد مَن جمع بين العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة(86).
وقال في ترجمة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة، لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضي الله عنه (87).
وقال في الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): كبير القدر، جيّد العلم، أولى بالخلافة من هارون (الرشيد)(88).
وقال في ترجمة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): وقد كان علي الرضا كبير الشأن، أهلاً للخلافة(89).
وقال ابن تيمية في ضمن ردّه على من قال بإمامة الأئمة الاثني عشر دون غيرهم لِما امتازوا به من الفضائل التي لم يحزها غيرهم: إن تلك الفضائل غايتها أن يكون صاحبها أهلاً أن تُعقد له الإمامة، لكنه لا يصير إماماً بمجرد كونه أهلاً، كما أنه لا يصير الرجل قاضياً بمجرد كونه أهلاً لذلك.
ثم قال: إن أهلية الإمامة ثابتة لآخرين كثبوتها لهؤلاء، وهم أهل أن يتولّوا الإمامة، فلا موجب للتخصيص، ولم يصيروا بذلك أئمة(90).
وكلامه واضح في الاعتراف بأهلية هؤلاء الأئمة الاثنا عشر (عليهم السلام) للخلافة، ولو كان بوسعه إنكار أهليتهم للخلافة لأنكرها كما أنكر كثيراً من الأحاديث الصحيحة في كتابه منهاج السنة.
هذا ما عثرت عليه من إقرار علماء أهل السنة بأهلية هؤلاء الأئمة، ولولا قلة المصادر لدي لعثرت على أكثر من ذلك، ولعل الباحث المتتبّع يجد المزيد، إلا أن فيما ذكرناه كفاية، فإن علماءهم مع إقرارهم بأهلية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) للخلافة لم يتّفقوا على إدخال الخلفاء الثلاثة الأوائل في الخلفاء الاثني عشر، فضلاً إثبات أهليتهم وأهلية غيرهم، وهذا دليل واضح على أن كل ما قالوه لصرف هذه الأحاديث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إنما كان ظناً وتخرّصاً لا يغنيان عن الحق شيئاً.
شبهة وجوابها:
قد يقول قائل: إن أئمة أهل البيت لم يتولوا أمور المسلمين وإن كانوا أهلاً لذلك، فلا يصدق عليهم أنهم خلفاء بمجرد أهليتهم للخلافة، كما أن القاضي لا يصدق عليه أنه قاض بمجرد كونه أهلاً للقضاء ما لم يتولّ القضاء، فكيف صار هؤلاء الأئمة هم الخلفاء الاثني عشر؟
والجواب:
لمَّا دلَّت النصوص الصحيحة على أن الخلفاء الاثني عشر هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وأنهم هم الذين يجب اتّباعهم ومبايعتهم وطاعتهم دون سواهم. فحينئذ لا يجوز العدول عنهم، ومبايعة من عداهم، لأن ذلك تبديل لحكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورَدٌّ لقوله، وإبطال لأمره.
على أن انصراف أكثر الناس عنهم لا يصيّرهم رعيّة، ولا يصير غيرهم أئمة وخلفاء، كما أن انصراف أكثر الناس عن الاعتقاد بنبوّة النبي لا يبطل نبوّته. قال تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرَة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلَّ ضلالاً مبيناً)[سورة الأحزاب: الآية 36].
ولا ريب في أن ثمة فرقاً بين القاضي المنصوب وبين مَن له أهلية القضاء، فإن الأول يسمَّى قاضياً، والآخر لا يسمَّى بذلك، إلا أن هذا أجنبياً عما نحن فيه، فإن الأئمة قد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهم ونصَّ عليهم، فهُم خلفاء لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سمَّاهم بذلك، وإن لم يبايعهم الناس أو يقرّوا لهم بالخلافة. وحال هؤلاء حال من نصَّبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للقضاء فأبى الناس، فإنه يكون قاضياً شاء الناس أم أبوا، وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.
ثم إن الأئمة (عليهم السلام) قاموا بأمور الإمامة خير قيام، فبيّنوا الأحكام، وأوضحوا شرائع الإسلام، ونفوا عن الدين تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين، وردّوا شبهات المُضلّين، فجزاهم الله خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين. والنبوة فضلاً عن الإمامة لا تتقوم باتباع الناس أو بخلافهم، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان رسولاً نبيا وهو في مكة لم يؤمن به إلا قليل، والإمام كذلك.
شبهة أخرى وجوابها:
وقد يقول قائل: إن بعض الأحاديث الصحيحة دلّت على أن أولئك الخلفاء كلّهم يجتمع عليه الناس، مع أن أئمة أهل البيت لم يجتمع عليهم أحد، حتى أمير المؤمنين (عليه السلام) اختلف الناس في زمانه، فكيف يكونون هم الأئمة المعنيين في تلك الأحاديث؟
والجواب:
إذا كان المراد باجتماع الناس عليهم هو ما فهمه بعض علماء أهل السنة من الاتفاق على البيعة، فهذا لا ينطبق على أي واحد ممن تولّوا أمر الناس، حتى أبي بكر وعمر، فإن أبا بكر تمَّت له البيعة في سقيفة بني ساعدة وأكثر المهاجرين كانوا غائبين عنها، وأما عمر فكانت خلافته بنص أبي بكر لا باجتماع الناس، حتى قال بعضهم لأبي بكر: ما أنت قائل لربّك إذا سألك عن تولية عمر علينا وقد ترى غلظته... (91)، وأما غيرهما ممن جاء بعدهما فقد بيَّنّا أنهم لم يجتمع عليهم الناس بهذا المعنى.
وعليه فإن كان المراد من اجتماع الناس هذا المعنى فهو لا ينطبق على أحد، فيكون هذا الحديث باطلاً، فحينئذ لا مناص من القول بأن المراد من اجتماع الناس في الحديث هو اجتماعهم على صلاح هؤلاء الخلفاء، وحسن سيرتهم، وطيب سريرتهم، والاجتماع بهذا المعنى متحقق في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) دون غيرهم، فهُم وحدهم الذين اتفق الشيعة وأهل السنة على اتّصافهم بذلك، فيكون هذا المعنى هو المراد في الحديث، لوجود مصاديق له دون المعنى الأول.
قال الدهلوي (92): وقد عُلم أيضاً من التواريخ وغيرها أن أهل البيت ولا سيما الأئمة الأطهار من خيار خلق الله تعالى بعد النبيين، وأفضل سائر عباده المخلصين والمقتفين لآثار جدّهم سيد المرسلين(93).
ويمكن أن نقول: أن اللام في (الناس) لاستغراق الصفات، فيكون المراد بهم الكُمَّل من الناس، لا سواد الناس الهمج الرعاع، الذين ينعقون مع كل ناعق، أتباع سلاطين الجور وأئمة الضلال، فإنهم لا قيمة لهم، ولا عبرة بخلافهم.
والكُمَّل من الناس اجتمعوا على بيعة هؤلاء الأئمة خلفاء للأمّة دون غيرهم، وفيهم بحمد الله كفاية للدلالة على صدق الحديث.
وبعد كل هذا البيان يتّضح أن الخلفاء الاثني عشر الذين بشَّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهم أمّته، ووصفهم بأن الإسلام يكون بهم عزيزاً منيعاً قائماً، وأمر الناس يكون بهم صالحاً ماضياً؟ وكلهم تجتمع عليه الأمة، لا يمكن أن يكونوا هم أولئك الخلفاء الذين ذكروهم، وكانت أيامهم مملوءة بالفتن والهرج والاختلاف، ولياليهم كلها خمر ومجون، وانتهاك لحرمات الله، وعبث بأحكام الله، وما إلى ذلك مما هو معلوم، فإن الأمة لم تجنِ من ولاية هؤلاء خيراً.
وحينئذ لا مناص من الجزم بأن الخلفاء الاثني عشر هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين حث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على اتّباعهم والتمسك بهم.
إلا أنَّا نتساءل: هل خفي على أعلام أهل السنة هؤلاء الخلفاء الذين وصفهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأوضح الصفات التي بها امتازوا عن سواهم؟ أم أنهم أخفوا بيان ذلك للناس؟
إن زعم خفاء هذه المسألة يرجع في واقعه إلى الطعن في نبي الأمة (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتقصير في بيان هذه المسألة المهمة حتى خفيت على علماء الأمة، وهذا لا يصدر من مسلم، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يتحدَّث بالأحاجي والألغاز ولا سيما في أهم المسائل الدينية، وهي مسألة الإمامة والخلافة.
إذن، لماذا خفيت هذه المسألة عن علماء أهل السنة؟ أو لماذا أخفوها؟
هذه أسئلة تدور، وتحتّم على أهل السنة أن يجيبوا عليها إجابات علمية صحيحة ليست مبتنية على الظن والتخمين والاحتمالات التي لا تغني من الحق شيئاً.
(وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)[سورة البقرة: 146].
1- صحيح البخاري ج 9 ص 101 كتاب الأحكام باب 51، مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 90، ص 95، دلائل النبوة ج 6 ص 519.
2- شرح السنة ج 15 ص 31.
3- صحيح مسلم ج 3 ص 1452 كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش.
4- صحيح مسلم ج 3 ص 1452 كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش. مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 98، ص 101. سلسلة الأحاديث الصحيحة ج 1 ص 651، قال الألباني: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
5- صحيح مسلم ج 3 ص 1453 كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش. مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص90 ص 100. مسند أبي داود الطيالسي ص 105، ص 180، مشكاة المصابيح ج 3 ص 1687 وقال التبريزي: متفق عليه. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ج 8 ص 230.
6- صحيح مسلم ج 3 ص 1453 كتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش. مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 98، ص 101. وفي ص 96 قال: عزيزاً منيعاً ظاهراً على من ناواه، لا يضره من فارقه أو خالفه. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ج 8 ص 230.
7- صحيح مسلم ج 3 ص 1453 كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش. مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 86، ص 88، ص 89. سلسلة الأحاديث الصحيحة ج 2 ص 690.
8- سنن الترمذي ج4 ص 501 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 92، ص 94، ص 99، ص 108.
9- صححها الالباني في صحيح سنن أبي داود ج 3 ص 807.
10- سنن أبي داود ج 4 ص 106 كتاب المهدي. وهذا الحديث ذكره البيهقي في دلائل النبوة ج 6 ص 520 والألباني في صحيح الجامع الصغير ج 2 ص 1274 بعين لفظه، وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة، ص 518 بلفظ متقارب.
11- سنن أبي داود ج 4 ص 106 كتاب المهدي. وذكره الخطيب في تاريخ بغداد ج 2 ص 126، وأخرجه أحمد في المسند ج 5 ص 98، ص 99 وفيه: ثم لغط القوم وتكلموا. وفي نفس الصفحة: فجعل الناس يقومون ويقعدون.
12- مسند أحمد ج 5 ص 97، ص 107 إلا أن فيه: لا يزال هذا الأمر صالحاً. المستدرك ج 3 ص 618. مجمع الزوائد ج 5 ص 190 قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح. ورواه عن جابر في ص 191 وقال: رجاله ثقاة.
13- مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 398، مجمع الزوائد ج 5 ص 190، المطالب العالية ج 2 ص 197. مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ج 6 ص 436. وهذا الحديث حسنه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ج 13 ص 181، وابن حجر الهيتمي في تطهير الجنان واللسان، ص 313، والسيوطي في تاريخ الخلفاء، ص8، والبوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ج 6 ص 436.
14- مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 398. حلية الأولياء ج 4 ص 333. شرح السنة ج 15 ص 30 قال البغوي: هذا حديث صحيح.
15- مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 87، ص 88، ص 90. المستدرك ج 3 ص 617.
16- راجع المعجم الكبير للطبراني ج 2 ص 195 وما بعدها، ح 1791 ـ 1801، 1808، 1809، 1841، 1849 ـ 1852، 1875، 1876، 1883، 1896، 1923، 1936، 1964، 2007، 2044، 2059 ـ 2063، 2067 ـ 2071، 2073.
17- كشف المشكل ج 1 ص 449 وذكر ابن حجر هذه العبارة في فتح الباري ج 13 ص 181.
18- المصدر السابق ج 13 ص 180.
19- قال السيوطي في طبقات الحفاظ، ص 468: القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض العلامة عالم المغرب أبو الفضل اليحصبي السبتي الحافظ، ولد سنة 476 هـ، وأجاز له أبو علي النسائي، وتفقه وصنف التصانيف التي سارت بها الركبان كـ (الشفا) و (طبقات المالكية) و (شرح مسلم)، و(المشارق) في الغريب، و (شرح حديث أم زرع... وبعد صيته، وكان إمام أهل الحديث في وقته، وأعلم الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم. ولي القضاء سبتة ثم غرناطة، ومات ليلة الجمعة سنة 544 هـ بمراكش.
20- المصدر السابق ج 13 ص 180.
21- المصدر السابق ج 13 ص 182.
22- قال السيوطي في طبقات الحفاظ ص 433: البيهقي الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي صاحب التصانيف، ولد سنة 384 هـ، ولزم الحاكم وتخرج به، وأكثر عنه جداً، وهو من كبار أصحابه، بل زاد عليه بأنواع العلوم. كتب الحديث وحفظه من صباه، وبرع وأخذ في الأصول، وانفرد بالإتقان والضبط والحفظ، ورحل... وعمل كتباً لم يسبق إليها (كالسنن الكبرى)، و (الصغرى)، و(شعب الإيمان)، و (الأسماء والصفات)، و (دلائل النبوة) وغير ذلك مما يقارب ألف جزء. مات سنة 458 هـ بنيسابور، ونقل في تابوت إلى بيهق (بتصرف).
23- دلائل النبوة ج 6 ص 520.
24- المصدر السابق ج 6 ص 521.
25- أخرجه أبو داود في سننه ج4 ص 211 ح 4646، 4647، والترمذي في سننه ج 4 ص 503 وقال: هذا حديث حسن، وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ج 9 ص 48، والحاكم في المستدرك ج 3 ص 71، ص 145، وأحمد في المسند ج 5 ص 220، ص 221، والبيهقي في دلائل النبوة ج 6 ص342 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ج 3 ص 879، وسلسلة الأحاديث الصحيحة ج 1 ص 742 ح 459، ونقل تصحيحه عن الحاكم والذهبي وابن حبان وابن حجر وابن جرير الطبري وابن تيمية، ونقل عنه اعتماد الإمام أحمد عليه، وأنه متفق عليه بين الفقهاء وعلماء السنة. ورد الالباني على من ضعف الحديث كابن خلدون في تاريخه، وأبي بكر بن العربي في العواصم من القواصم، ثم قال: فقد تبين بوضوح سلامة الحديث من علة قادحة في سنده، وأنه صحيح محتج به.
26- قال السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص 183: عمر بن عبد العزيز بن مروان، الخليفة الصالح أبو حفص، خامس الخلفاء الراشدين. وقال الذهبي في كتابه العبر ج 1 ص 91: في رجب [ سنة إحدى ومائة ] توفي الإمام العادل أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن عبد العزيز. وأخرج أبو داود في سننه ج 4 ص 207: عن سفيان الثوري أنه قال: الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز.
27- سنن أبي داود ج 4 ص 210. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ج 3 ص 879.
28- فتح الباري ج 13 ص 180.
29- سلسلة الأحاديث الصحيحة ج 1 ص 748.
30- هذا القول للطيبي، نقله في عون المعبود ج 12 ص 388.
31- ذهب إلى ذلك ابن أبي العز حيث قال: إن زمان علي لم ينتظم فيه الخلافة ولا الملك. وستأتي كلمته قريباً. وقال الطيبي كما في عون المعبود ج 12 ص 388: إن الخلافة في زمن عثمان وعلي رضي الله عنهما مشوبة بالملك.
32- ذكر ذلك الإمام البغوي في شرح السنة ج 14 ص 75، والمناوي في فيض القدير ج 3 ص 509.
33- هذا القول للملا علي القاري في مرقاة المفاتيح ج 9 ص 271.
34- منها: أن وصف الرسالة والنبوة لا يرتفع عن النبي والرسول بسبب عدم اتباع الناس له، وصاحب المال أو المتاع لا يحكم بصيرورة المال لغيره بمجرد عدم تمكنه من التصرف فيه، وتمكن غيره منه، وهو واضح معلوم.
35- شرح العقيدة الطحاوية ص 473.
36- البداية والنهاية ج 8 ص 134.
37- المصدر السابق ج 6 ص 255.
38- المصدر السابق ج 13 ص 182.
39- قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب ج 6 ص 326: صدر الدين محمد بن علاء الدين علي بن محمد بن أبي العز الحنفي الصالحي، اشتغل قديماً ومهر ودرس وأفتى وخطب بحسبان مدة، ثم ولي قضاء دمشق في سنة 779 هـ، ثم ولي قضاء مصر بعد ابن عمه، فأقام شهراً ثم استعفى ورجع إلى دمشق على وظائفه، ثم بدت منه هفوة فاعتقل بسببها، وأقام مدة مقتراً خاملاً إلى أن جاء الناصري، فرفع إليه أمره فأمر برد وظائفه، فلم تطل مدته بعد ذلك، وتوفي في سنة 792 هـ (بتصرف).
40- شرح العقيدة الطحاوية ص 489.
41- نقلنا ذلك باختصار من كتاب البداية والنهاية ج 8 ص 224، راجع لسان الميزان ج 6 ص 294، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 61 ـ 80 هـ .
42- تاريخ الخلفاء ص 176.
43- العبر في خبر من غبر ج1 ص 85.
44- البداية والنهاية ج 6 ص 256، فتح الباري ج 13 ص 182.
45- البداية والنهاية ج 6 ص 256.
46- تاريخ الخلفاء ص 10.
47- البداية والنهاية ج 6 ص 255.
48- صحيح مسلم ج 3 ص 1472. كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول.
49- المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 357.
50- قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 17 ص 23: الإمام العلامة الحافظ اللغوي أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي صاحب التصانيف، ولد سنة بضع وعشرة وثلاثمائة. أخذ الفقه على مذهب الشافعي عن القفال الشاشي وغيره، وحدث عنه الحاكم النيسابوري والإمام والإسفراييني وغيرهما. قال السلفي: وأما أبو سليمان الشارح لكتاب أبي داود فإذا وقف منصف على مصنفاته واطلع على بديع تصرفاته في مؤلفاته تحقق إمامته وديانته فيما يورده وأمانته، وكان قد رحل في الحديث وقراءة العلوم وطوف، وألف في فنون العلم وصنف.. توفي ببست سنة 388 هـ (بتصرف).
51- فتح الباري ج13 ص 181.
52- سنن الترمذي ج 5 ص 445. الدر المنثور ج 8 ص 596. البداية والنهاية ج 6 ص 248.
53- الحكم هو الحكم بن أبي العاص الأموي والد مروان بن الحكم وعم عثمان بن عفان، طرده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونفاه من المدينة إلى الطائف، ولعنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولعن من في صلبه، توفي في خلافة عثمان.
54- مجمع الزوائد ج 5 ص 243، قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة. المستدرك ج 4 ص 480 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ورمز له الذهبي بـ ( م ) أي على شرط مسلم. المطالب العالية ج 4 ص 332. مختصر إتحاف السادة المتقين ج 10 ص 505 وقال: رواه أبو يعلى ورواته ثقات. البداية والنهاية ج 6 ص 248.
55- الدر المنثور ج 5 ص 310. البداية والنهاية ج 6 ص 248. وراجع إن شئت تاريخ بغداد ج 9 ص 44، معجم الطبراني الكبير ج 2 ص 92.
56- المستدرك ج4 ص 481 قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه البويصري في مختصر إتحاف السادة المتقين ج 9 ص 202، وروى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ( وشر قبائل العرب بنو أمية)، قال البويصري: رواه أبو يعلى الموصلي بإسناد حسن. مجمع الزوائد ج 10 ص 71 وقال: رواه أحمد وأبو يعلى... وكذلك الطبراني، ورجالهم رجال الصحيح غير عبد الله بن مطرف بن الشخير وهو ثقة.
57- هم الحكم وابنه مروان وأولادهما.
58- أي يتداولونه فيما بينهم.
59- قال ابن الأثير في النهاية ج 2 ص 123: أي يخدعون به الناس، وأصل الدغل الشجر الملتف الذي يكمن أهل الفساد فيه...
60- أي خدم وعبيد.
61- المستدرك ج 4 ص 480. مجمع الزوائد ج 5 ص 243 إلا أنه قال: بنو أبي الحكم. وقال: رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف، وحديثه حسن. دلائل النبوة ج 6 ص 507. مختصر إتحاف السادة المتقين ج 10 ص 505 وقال: رواه أبو يعلى بسند صحيح. المطالب العالية ج 4 ص 332. البداية والنهاية ج 6 ص 248.
62- المستدرك ج 4 ص 379.
63- المصدر السابق ج 4 ص 481 وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
64- المستدرك ج 4 ص 481 وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
65- مسند أحمد بن حنبل ج1 ص 18، مجمع الزوائد ج 5 ص 240 وقال: رواه أحمد وإسناده حسن.
66- البداية والنهاية ج 6 ص 247.
67- مجمع الزوائد ج 5 ص 243. وقال: رواه الطبراني، وفيه أبن لهيعة وفيه ضعف، وحديثه حسن. البداية والنهاية ج 6 ص 247.
68- ميزان الاعتدال ج 4 ص 89.
69- تهذيب التهذيب ج 10 ص 83.
70- الإصابة ج 3 ص 477.
71- التجريد ج 2 ص 69.
72- تهذيب الأسماء اللغات ج 2 ص 87.
73- اُسد الغابة ج 4 ص 348، الاستيعاب ج 3 ص 425.
74- تاريخ الخلفاء، ص 204.
75- قال السيوطي في طبقات الحفاظ، ص 374: أبن حبان الحافظ العلامة أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن معاذ... التميمي البستي صاحب التصانيف، سمع النسائي والحسن بن سفيان وأبا يعلى الموصلي، وولي قضاء سمرقند، وكان من فقهاء الدين وحفاظ الآثار، عالماً بالنجوم والطب وفنون العلم. صنّف المسند الصحيح و(التاريخ) و(الضعفاء). قال الخطيب: كان ثقة نبيلاً فهماً. وقال ابن الصلاح: ربما غلط الغلط الفاحش. مات في شوال سنة 354 هـ.
76- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ج 8 ص 227.
77- البداية والنهاية ج 6 ص 255.
78- هو أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أبي صفرة اسيد بن عبد الله الاسدي الأندلسي، مصنف شرح صحيح البخاري . قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 17 ص 579: كان أحد الأئمة الفصحاء الموصوفين بالذكاء... ولي قضاء المرية، وتوفي في سنة 435 هـ (بتصرف).
79- المصدر السابق ج 13 ص 180.
80- قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 15 ص 361: الإمام المقرئ الحافظ أبو الحسين، أحمد بن جعفر بن المحدث أبي جعفر محمد بن عبيد الله بن أبي داود بن المنادي البغدادي صاحب التواليف. ولد سنة 257 هـ تقريباً، وتوفي سنة 336 هـ . قال الداني: مقرئ جليل غاية في الإتقان، فصيح اللسان عالم بالآثار، نهاية في علم العربية، صاحب سنة، ثقة مأمون (بتصرف). قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج 4 ص 69: كان صلب الدين، شرس الأخلاق، فلذلك لم تنتشر عنه الرواية، وقد صنف أشياء وجمع.
81- فتح الباري ج 13 ص 181.
82- المصدر السابق ج 13 ص 182.
83- ينابيع المودة ج 3 ص 104.
84- سير أعلام النبلاء ج 13 ص 120.
85- المصدر السابق ج 4 ص 398. وذكر أهليته للخلافة أيضاً في ج 13 ص 120.
86- المصدر السابق ج 4 ص 402. وكذلك في ج 13 ص 120.
87- تاريخ الإسلام: حوادث ووفيات سنة 141 ـ 160 هـ، ص 93. سير أعلام النبلاء ج 13 ص 120.
88- سير أعلام النبلاء ج13 ص 120.
89- المصدر السابق ج 9 ص 392.
90- منهاج السنة النبوية ج4 ص 213. قول ابن تيمية هذا يدل على انه لم يكن في وسعه أن يجحد فضل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأهليتهم للإمامة، ولو كان ذلك في وسعه لأنكر ما وسعه الإنكار، لإنه كان في مقام المناظرة مع خصمه لا في مقام المجاملة. وتنظيره الإمام بالقاضي مغالطة واضحة، والصحيح أن ينظر بالقاضي المنصوب من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنه يكون قاضياً وإن جحده كثير من الناس، ومع نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على خلافتهم لا يضرهم من خالفهم ولا من ناواهم. وقوله: (فلا موجب للتخصيص) غير صحيح، لأن التخصيص حاصل بالنصوص الصحيحة الآمرة بالتمسك بأهل البيت دون غيرهم، فلا سبيل للعدول عنهم إلى غيرهم.
91- الطبقات الكبرى ج 3 ص 199، تاريخ الخلفاء ص 62، الصواعق المحرقة ج 1 ص 254.
92- قال محب الدين الخطيب في ترجمته في مقدمة مختصر التحفة الاثني عشرية: كبير علماء الهند في عصره شاه عبد العزيز الدهلوي (1159 ـ 1239) أكبر أنجال الإمام الصالح الناصح شاه ولي الله الدهلوي، وكان شاه عبد العزيز يعد خليفة أبيه ووارث علمه.
93- مختصر التحفة الاثني عشرية ص 55.