ملف من عدة حلقات عن الفتنة الطائفية في البحرين - متجدد
بتاريخ : 15-11-2011 الساعة : 04:48 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا موضوع من عدة حلقات يحكي ما كان يدور في الكواليس عن الفتنة الطائفية في البحرين اثناء الثورة الاخيرة و كيف انطلت على الكثير من البسطاء من اهل السنة
نشر في موقع مرآة البحرين
المقدمة
7مارس/ آذار 2011، تذكروا هذا التاريخ جيداً، ضموه لقائمة التواريخ المفصلية التي لا تُنسى. هذا التاريخ لا يقل أهمية عن تاريخ 14 فبراير، ولايقل خطورة عن تاريخ 17 فبراير أو 16 مارس. لقد دشن عنواناً جديداً من عناوين المرحلة، وأسس تشكيلاً جديداً، وخطاباً جديداً، وحضوراً جديداً، دشّن ساحة غريبة على المجتمع البحريني المسالم بطبعه، أسمت نفسها بـ(ساحة الشرفاء).
ما هي ساحة الشرفاء؟ ومتى ظهرت؟ وكيف تطوّر وجودها؟ ومن يديرها؟ وما هدفها؟ وما وظيفتها؟ وما خطابها؟ ومن خطبائها؟ وما الذي استحدثته في الساحة البحرينية؟ وعلى ماذا أسست؟ وما الذي أنجزته في شارعها؟ وهل هي مظهر آخر من مظاهر تجمع الفاتح، وما علاقتها به؟
تساؤلات حملتها معها مرآة البحرين، وهي تفتح ملف بحثها حول هذا المكان وهذا التجمع، وراحت تبحث عنها في سيناريو الأحداث الذي بدأ بها وانتهت إليه. عبر حلقات، ستحرص مرآة البحرين أن تضعكم في تسلسلها عبر رسم سيناريوها، موثقاً برصد الأحداث والوقائع والتداعيات التي بدأت منذ تاريخ 7 مارس 2011.
الحلقة الاولى
سيوف الكراهية - ساحة الشرفاء: قميص أبو الفتح
الشرف لا يجب أن يُكتسب، بل يجب فقط ألا يُفقد.
آرثر شوبنهاور
البداية..
المحتجون يعتصمون أمام مبنى المرفأ المالي يرفع كل منهم في يده مبلغ دينار واحد، بعد أن كشفت وثيقة رسمية عرضتها المعارضة، أن رئيس الوزراء ابتاع الأرض التي يقوم عليها المرفأ بسعر دينار واحد فقط. المحتجون في دوار اللؤلؤة تحركوا نحو المرفأ المالي وقاموا بالاعتصام منذ ساعات الصباح الأولى بمحاذاة شارع الملك فيصل بالعاصمة المنامة، وشيدوا خيمة، ورفعوا شعاراتهم المطالبة بإسقاط الحكومة.
الساعة الخامسة والربع عصراً، يتفاجأ المحتجون بسيارة سوداء اللون من نوع تويوتا برادو، تترك الطريق السالكة خلف المتجمهرين، وتشق طريقها وسطهم (1)، تقودها سيدة في العشرينيات من عمرها، يقول أحد الشهود: " فوجئنا بدخولها بيننا، كان واضحاً أنها تعمدت ذلك، ثم هاجمتنا بألفاظ نابية، البعض أدرك من فوره أن ذلك عمل متعمد بقصد الاستفزاز فتنحى من فوره، البعض رد عليها، صارت مشادة كلامية بينها وبين أحد المعتصمين فبصقت عليه، ما أثار حفيظة المحتجين.
من فورهم قام المنظمون وبعض الشباب بضبط المتجمهرين، ورددوا: سلمية سلمية، فردد الجميع ذلك. لكن المدعوة أمل أبو الفتح، الموالية للنظام، قامت بالتلويح بيدها على المعتصمين قائلة: مالت عليكم". أكثر من مقطع فيديو تم تنزيله على اليوتيوب، يظهر كيف عمل المتجمهرون على احتواء الاستفزاز وعدم الانجرار له، في واحد من هذه المقاطع، يظهر أحدهم وهو يقوم بإبعاد الجميع عن طريق السيارة صارخاً: فتنة طائفية فتنة طائفية . سرعان ما عمل المحتجون على تشكيل سلسلة بشرية من الجانبين لمنع أن يتعرض لها أحد، ولتسهيل مرور السيارة، بدورهما قام اثنان من المنظمين على التحرك أمام السيارة لإخلاء الطريق وتسهيل عبورها، لكنها داست الفرامل بقوة وصدمت المنظمين اللذين كانا يؤمنان لها الطريق، وأوقعتهما أرضاً، ولاذت بالفرار. الإصابتان كانتا متوسطتين، تم أخدهما من فورهما إلى المستشفى.
البعض حاول إظهار الحادث على أن الجانية " تعرضت لمضايقات وكلام بذيء بسبب وجود صورة لأحد القادة السياسيين في البلاد على إحدى نوافذ السيارة " كما صرح بذلك جارها لصحيفة الوسط، لكن جميع اللقطات التي تم تصويرها من جميع الجهات تظهر أنه لم تكن هناك أية صورة على سيارتها أصلاً، ما يجعل من زعم التعرض لها هي تحديداً من بين كافة السيارات التي كانت تعبر ذهاباً وإياباً غير مقنع. وفيما قال البعض إنها كانت خائفة ومرتبكة من التجمهر الكبير الذي كان يحيط بها من الجانبين، ويبرر الدهس الذي قامت به أنه بسبب ارتباكها، فإن صوراً ملتقطة لها تظهر الفتاة بعكس ما وصفت به من الارتباك، فهي كانت تشاكس المتجمهرين، وتلوّح عليهم بيدها بحركة تقصد الإهانة وهي تقول: مالت عليكم، ثم تمضي بوجه يحمل الكثير من الاحتقار والإزدراء، ولو كانت تشعر بالخوف والارتباك لما تمكنت من فعل ذلك.
في منتديات مملكة البحرين الموالية للنظام، كتبت إحدى المشاركات "محد يقدر يقول الصج الا اللي كان في مكان الحادث بالضبط، اما احنا سواء شيعة او سنة ما نقدر نحلل على كيفنا ولكن مع وجود الفيديو والصور الحالية الواضح انها كانت السبب، ولا احد يدافع عنها لان يبين كانت مقهورة على البحارنة و مظاهراتهم ومن القهر دعمت الشباب الموجودين والقهر اللي فيها ما يبرر لها انها تدوسهم مهما كان لانهم بشر وحرام قتل النفس بهاي الطريقة، انا سنية ومب راضية بالمسيرات الزايده اللي ما لها معنى بس ما اجوف له داعي انها تأشر لهم بيدها وبحركة ( مالت عليكم ) وبعدين تدوسهم بهذي الطريقة حرااااام، اتمنى ان ما تعمدت تدوسهم لان لو اثبتوا هالشي راح تنسجن اكيد الصور والفيديو تبين انها لم تتعرض للضرب ولكن هي الغلطانة والله العالم "
قبل أن تصل أبو الفتوح بيتها، كان اسمها كاملاً ورقم هاتفها وعنوان منزلها في منطقة البسيتين، قد انتشر بالكامل عبر وسائل التواصل المجتمعي. أما كيف حدث هذا وبهذه السرعة، فذلك أمر فيه شيء من الغرابة؟ من الذي سرب المعلومات بهذه السرعة؟ وما الهدف من تسريب هذه المعلومات؟ "ما أنا متأكد منه أن هذه المعلومات انتشرت عبر الهواتف الذكية لأنها وصلتني، فكان نشر عنوان الفتاة بمثابة الإشارة إلى الذهاب إلى بيتها" يقول أحد سكنة منطقة البسيتين.
(أبو الفتوح) التي دَهَسَت، لا من قامت بدهسهم، هي من توجهت من فورها إلى شرطة محافظة العاصمة، لا لتقرّ بجنايتها في دهس مواطنين اثنين كانا يفسحان لها الطريق لتعبر بسلام، بل لتقدم بلاغاً عن اعتداء المتجمهرين عليها وإتلاف أجزاء من سيارتها، الأمر الذي -حسب زعمها- أصابها بالخوف على سلامتها. مدير عام شرطة محافظة العاصمة صرّح بذلك، وأضاف أنه تم تحرير محضر بالواقعة، وأنه قد تبين إصابة شخصين من المتجمهرين أثناء محاولة الفتاة التحرك بسيارتها (صحيفة الوسط 8 مارس 2011). إلا أن أي إجراء لم يتخذ ضد الجانية، لم يتخذ حتى منذ ذلك التصريح، وفي الحقيقة، لم يطالب بذلك أي من المواطنين المدهوسين، الذين لم يقبلا أن تتعرض فتاة في مجتمعهما لأي نوع من الأذى، واحتسبا دهسهما عند الوطن، وعند درء الفتنة الطائفية التي كانت تُشم ريح تتعمد تأجيجها.
الأمر لم يقف بالمحتجين عند التغاضي عن حادثة الدهس والبصق والإهانة، بل أنهم قاموا في اليوم التالي الثلثاء (8 مارس/ آذار 2011)، بإرسال باقة ورد إلى أبو الفتوح، مفترضين منها عدم القصد فيما قامت به من فعل الدهس، ومعربين عن إبقائهم على الأصل الذي يربط بين الجميع في هذا الوطن مهما اختلفت الآراء والتوجهات السياسية، وتأكيداً على الوحدة، ورفض الشقاق والخلاف والكراهية، أن تأخذ طريقها بين أبناء الوطن الواحد، فيما قام آخرون بالاتصال بأبو الفتوح من أجل تطييب الخواطر، كي لا يعلق في النفس ما يفرق بين أبناء الوطن الواحد.
كان هذا ما بدر من جانب المحتجين الذين تعرضوا للإهانة والبصق والدهس على يد فتاة اقتحمت بسيارتها عمداً وسط المتجمهرين، فعلوا ذلك من أجل الإبقاء على الوحدة أصلاً غير قابل للمساومة في هذا الوطن، فكيف كان الأمر في الجانب الآخر؟ وماذا كان ينتظر هناك عند مدخل منطقة البسيتين؟
هل كان اقتحام الفتاة لاعتصام المتجمهرين عند مرفأ البحرين المالي مصادفة أم أنه حدث مُدبّر؟ هل هو تصرّف شخصي أم مفتعل؟ كيف نفسَّر انتشار بيانات الفتاة كاملة مع عنوانها ورقم هاتفها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد أقل من 30 دقيقة من وقوع الحدث؟ من الذي قام بنشر البيانات كاملة بهذه السرعة؟ ومن يملكها غير وزارة الداخلية؟ وما الهدف من وراء ذلك النشر؟ لا يمكن الجزم بالإجابة على أي من الأسئلة السابقة لأنها متعددة الأوجه، لكن الحدث الذي ينتظرنا في هذه الحلقة، يكشف لنا عن بعض هذه الأوجه.
تناولنا في الحلقة السابقة ، رد فعل المعتصمين المباشر والفوري، على شتم الفتاة ودهسها لاثنين من المنظمين. كان رد الفعل باقة من الورد، واتصال هاتفي لتأكيد إبقاء الأخوة ودرء الفتنة الطائفية. بالمقابل تساءلنا عما ينتظرنا في الطرف الآخر.
خلال ساعة واحدة من الحدث الذي وقع بين الساعة الخامسة والنصف والسادسة مساء، كانت الرسائل الهاتفية والالكترونية تنادي بـ(فزعة أهل السنّة) للدفاع عن (ابنة الطائفة). الفزعة شملت كل من منطقة البسيتين التي تقطنها الفتاة، والمحرق والرفاع وقلالي والمناطق الأخرى المحسوبة على الطائفة السنية. الرسائل تدّعي أن الشيعة (هاجموا) فتاة مرت (مصادفة) عند المرفأ، بسبب وضعها (صورة للقيادة) على سيارتها، وأنها (ارتبكت) فدهست، وأن (الشيعة) يعتزمون الهجوم على بيتها بعد أن نشروا عنوانها. وضعنا بين قوسين الكلمات التي ظهر ضعف صدقها في الحلقة السابقة. من خلال هذه الفزعة، بدا واضحاً أن تهييجاً طائفياً متعمداً كان يُعد له. ولأن الجماهير لا تعبأ بتقصي الحقائق بقدر ما تستجيب للشحن، فقد كان الهياج هو رد الفعل المباشر من الجماهير المشحونة طائفياً أصلاً. "بدأ التجمع يزداد عند الساعة التاسعة مساء، مع الكثير من الإشاعات بأن حافلتين من الدوار قصدتا البسيتين وأن الشرطة أرجعتهما، فكثر تجمع حاملي الهراوات والسكاكين، وصارت الساحة كأنها مدخل للمنطقة" ينقل لمرآة البحرين أحد قاطني منطقة البسيتين قريباً من الساحة.
كيف كان شكل هذا التجمع؟ شاهدة عيان من سكنة المنطقة وتنتمي إلى المذهب السني، تصف لمرآة البحرين ما شهدته بالكامل: "كنتُ في سيارتي عائدة إلى بيتي الذي يقع في منطقة البسيتين. عند المدخل تيبَّست مكاني واجمة وصرخت: ما هذا؟ أكثر من 1000 شخص يحملون السيوف والسواطير والأسياخ الحديدية والألواح الخشبية ويرفعونها كمن يستعد للهجوم على عدو في حرب، منظر لم أره في حياتي من قبل، كانت السيوف ذات سطح عريض ولامع، بدت جديدة ومتشابهة وكأنها صُنعت على يد حدّاد واحد وأحضرت للتو وتم توزيعها، تساءلت في نفسي من أين أتى الناس بكل هذه السيوف المتشابهة دفعة واحدة؟ كانت تلمع في يد الصبية كأنها سهام من شر". ثم تضيف "كانوا يصرخون بطريقة هستيرية، ويقومون بتفتيش السيارات التي تأتي عند مدخل البسيتين، يفتشونها واحدة واحدة بحثاً عن شيعي يخطر من هنا. حركة السيارات توقفت تقريباً لشدة الازدحام. رحت أطالع في وجوه المسلحين وأتفرس فيها جيداً، لم أصدق ما أرى، بينهم جيراننا وأبناء جيراننا، صبية أراهم كل يوم يسيرون نحو مدارسهم مرتبين مهندمين، الليلة يحملون سيوفاً أطول من أعمارهم، تفرّست في وجوههم لأصدق ما أرى، لم تكن وجوههم تشبههم، كانت كراهية خالية من الوجه، كراهية تكفي وحدها أن تحرق بلداً، من أين أتت كل هذه الكراهية؟ كنت أرتجف ".