يتبيّن من خلال هذه الآية أنّ الذي يريد التأسّي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجب أن يرجو الله واليوم الآخر وأن يذكر الله ذكراً كثيراً، وليس المراد من الذكر القراءة لجملة من الأذكار والأوراد والتلفّظ بها باللسان فحسب، فإنّ مثل هذا الذكر ذكر ناقص، وإنّما هو حضور الله سبحانه لدى المرء، واستحضار عظمته في قلبه حين الذكر، ليؤتي الذكر أكله وفائدته المرجوة منه، التي تمهّد لحضور الله في قلب المرء في جميع أوقات حياته، فلا يبرح يذكر الله سبحانه ويصبح ممن قال الله فيهم: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ "آل عمران/191 ".
1- الأمر بالذكر:
لقد شدّد الله سبحانه على مسألة ذكر الله، وأمر عباده بالقيام به تضرعاً وخيفة حين الغفلة والنسيان، والغدوّ والآصال،
فقال تعالى: ﴿إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ "الكهف /24 "،
وقال تعالى : ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِين﴾ "الأعراف/205 "،
وذلك لتأصير العلاقة بينهم وبينه، وإضفاء روح الأمن والأمان والاطمئنان في نفوسهم،
حيث أنّ ذكر الله سبحانه مصدر اطمئنان للقلوب المؤمنة ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب﴾ "الرعد /28 ".
2- مواطن ذكر الله :
لقد ذكرت الآيات القرآنية مواضع ومواطن أمرت فيها بذكر الله سبحانه وهذه هي:
2- عند فعل الذنب: وهذه صفة من صفات المؤمنين والمتقين الذين إذا ما غفلوا وفعلوا فاحشة، تذكروا مباشرةً وبادروا إلى التوبة والاستغفار. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ "آل عمران/135 ".
5- عند ملاقاة العدو: وذكر الله في هذه الحالة موجب للثبات في مواجهته "العدو ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾ "الأنفال/45 ".
6- عند الأمان: فعند ذهاب أيّ خطر أحدق بالإنسان وزواله، عليه أن يذكر الله سبحانه شكراً على ما أولاه من هذه النعمة الجسيمة. وذلك أنّ الإنسان لا يملك دفع الضرّ عن نفسه. قال تعالى: ﴿فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُون﴾ "البقرة/239 ".
7- في جميع الحالات والأوقات: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ "آل عمران/191 ".