بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حميد شاكر
يتساءل الكثير حول ظاهرة انتشار التشيّع في العالم العربي والاسلامي هذه الايام ، لاسيما أولئك الذين يحاولون التساءل بصورة ماكرة ومخادعة
ومثيرة للفتن بين المسلمين ، فإن هذا الصنف من المتساءلين هم في حقيقتهم يدركون الكثير من حقيقة الجواب على مثل هذا السؤال ، الا انهم لمصالح سياسية واخرى نفعية يلوون عنق الحقيقة ليأتي الجواب بعيدا عن كل اشارة للحقيقة في سؤال : لماذا ينتشر التشيّع الاسلامي لمذهب اهل البيت في العالم العربي بالخصوص والاسلامي بالعموم هذه الفترة من الزمان ؟.
قال احدهم من وعاّظ السلاطين : بسبب الاموال الطائلة التي يستحصلها علماء الشيعة من المسلمين الشيعة باسم الخمس والزكاة ليشتروا بها ضمائر وتشيّع الكثير من اهل الفاقة والحاجة والعوز من المسلمين !؟.
آخرون قالوا : بسبب الادارة الاعلامية الناجحة من خلال الفضائيات العابرة للقارات يحاول الشيعة التبشير بمعتقداتهم الشيعية لغزوا العقليات الغير شيعية في الاسلام لادخالها في التشيع ، ويساعدهم في ذالك مئات المنابر الاعلامية التي تبث من السماء لتلعب او تسيطر على عقول اهل الارض من المساكين غير الشيعة !؟.
طبعا لاقصة شراء العقول بالاموال لتشييع الناس لاهل البيت هي صادقة من منطلق ان التشيّع الاسلامي اليوم وفي عالم تحكمه السلفية الظلامية التكفيرية المتخلفة عدوّة التشيّع هو مغرمٌ وليس مغنم ليقال ان هناك اغراءات مادية لاستقطاب اناس للتشيّع ، ولابسبب ان الشيعة يمتلكون ترسانة اعلامية فضائية اكبر واعظم من الاخرين في نشر المذهب هي الحقيقة في جواب لماذا ينتشر التشيّع بقوة في العالمين العربي والاسلامي هذه الايام؟!. ، وايضا من منطلق ان اموال البترول العملاقة ووسائل الاعلام الرهيبة موجودة بالفعل مع اعداء اهل البيت وشيعتهم المسلمين في هذا الزمن الرديئ ؟!.
وعليه هناك الكثير ممن يدرك حقيقة لماذا هذا التشيّع اليوم يطرح نفسه بقوّة أمام الشعوب العربية والاسلامية كعقيدة اكثر رونقا ونظافة وحجة وقوّة من باقي المدارس الاسلامية والمذاهب الفكرية التي تتحدث باسم الاسلام وتدعي حمل امانته للعالمين !.
والحقيقة ان للتشيّع الاسلامي اكثر من حقيقة تجعله من المدارس الاسلامية المقنعة لضمائر الاخرين والدافعة لهم الى اعتناق الفكر الشيعي على اساس انه الطريق الموصل للاسلام المحمدي الاصيل صلى الله عليه واله وسلم ، مع كل ما اثير حول هذا التشيّع من ضوضاء وغوغائية حاولت ان تقصي وتشوّه كل معالم الفكر الشيعي في اذهان المسلمين في التاريخ وحتى اليوم ، ولكن مع ذالك بقي التشيّع محافظا على جوهره الاصيل في الفكر وظاهره الانيق في الطرح والدعوة ، مما اثار غضب الحانقين على التشيّع اكثر فاكثر عندما استشعروا : انه كلما اوغلوا في اسقاط مدرسة التشيّع الاسلامية كلما زاد بريقها وارتفع شأنها وظهرت حجتها اكثر فاكثر !.
نعم مايميّز الفكرة الاسلامية الشيعية عن غيرها من المذاهب والاتجاهات والمدارس الاسلامية الاخرى او بعض هذه المميزات التي نراها جوهرية في لفت انظار غير الشيعة للتشيّع هو الاتي :
اولا : ان مدرسة التشيّع في الاسلام هي انعكاس صادق لمدرسة اهل بيت النبوة عليهم السلام ، والتي بدورها تعتبر الاسلام المحمدي الاصيل مرجعيتها الاولى والاخيرة في الاسلام ، وهذه الميزة للمدرسة الشيعية اختصت بها هذه المدرسة عن باقي المدارس الاسلامية الاخرى التي اهملت تراث ال محمد ص في الاسلام ، بل وسعت لتدميره ونفيه من الوجود لاعتبارات تاريخية سياسية كانت ترى هذه الاعتبارات السياسية ان اظهار وابراز هذا التراث الاسلامي لاهل البيت يشكل خطرا سياسيا محققا على نظم الحكم التاريخية ( الاموية ومن بعدها العباسية ومن بعدهما المنتمين لهما .... وهكذا ) ولهذا لم تألوا جهدا هذه السياسات المعادية لاهل البيت ع ، وكذا الطابور الخامس في الاسلام من وعاّظ سلطانهم بأن يلاحقوا كل شاردة وواردة لاهل البيت للتخلص منها والقضاء عليها ، وفي هذه اللحظة انبرى التشيّع والشيعة والموالين والمحبين للاسلام واهل بيت النبي ص الى لملمت شتات تراث علم ال محمد ، ووجهات نظرهم الاسلامية ومدرستهم الفكرية الدينية ، وحفظها والاستناد والارتكان اليها ، ومن ثم جعلها المرجعية العظمى للاسلام الشيعي الموجود الان !.
صحيح : ان المرجعية الاسلامية الشيعية اليوم هي مرجعية مميزة عن باقي المذاهب التي لم تدخر نصيبا وحظا من تراث وعلم واسلام ال محمد الطيبين الطاهرين ، مما يجعل من التشيّع ميزة بين باقي المذاهب الاسلامية التي انساقت وراء التوجهات السياسية التاريخية والحاضرة التي لم ولن ترغب بتبنى مدرسة اهل البيت عليهم السلام كمرجعية اسلامية مختلفة عن ما الفوه من اديان وتوجهات ومذاهب هي بعيدة ان لم نقل مناقضة لفكر واسلام اهل بيت النبوة والرسالة المحمدية الاطهار ، وعليه من يريد اليوم معرفة الاسلام المحمدي العلوي المنتمي لاهل البيت فلايمكن له ايجاده في اي مدرسة اسلامية غير مدرسة التشيّع الاسلامية التي ترجع الى تراث كامل حفظته بدماء منتسبيها لاهل بيت النبوة ، بينما لم تكلف المدارس الاسلامية الاخرى نفسها نقل حديث او اكثر عن اهل البيت عليهم السلام الذي ملؤا الدنيا علما وفقها وعقيدة وحكمة !.
ثانيا : بعدما قررت المدرسة الشيعية ان تؤمن بمرجعية اهل البيت الاسلامية ، التي ترى ان الاسلام هو مرجعيتها وشرعيتها في الوجود ، انطبعت هذه المدرسة بالمزاج الاسلامي المحمدي الاصيل في جميع توجهاتها العقدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية ايضا ، بحيث ان الثورة الحسينية في مدرسة اهل البيت عليهم السلام اتخذت مناحي وامزجة مختلفة تماما عن جميع ماتحمله باقي المدارس الاسلامية الموالية لغير منهجية ال البيت الاسلامية ، فهنا نحن امام مدرسة تشيّع تعلن بصريح العبارة : انها مع المظلوم ضد الظالم ، وانها لاتعترف بشرعية اي حاكم اذا لم يكن العدل بنود البيعة والعقد لحكمه !، ومثل هذه الرؤية التي تستقي منهجيتها السياسية من الثورة الحسينية مباشرة عند اهل البيت عليهم السلام ، قد طبعت وصبغت المدرسة الشيعية والى الابد انها في موقع المعارضة للظلم منها لموقع مساندة السلطان ، وهذا ماجعل المدرسة الشيعية ودائما هي في حالة صدام وتوتر مع نظام الدولة والسياسة الظالم القائم ، بعكس باقي المذاهب الاسلامية الاخرى التي اتخذت جانب النفعية مع السلطان الجائر والدفاع عنه والاصطفاف الى جانبه في سبيل استحصال حطام من الدنيا قليل ، ومن ثم التبرير له ولسلطانه وطلب الشرعية لوجوده واجبار الناس على الخضوع لولاية الامر له !.
نعم من هنا كان اختلاف مدرسة التشيّع على اساس انها مدرسة مظلومين وطلاّب عدل وانصاف ورافضي ظلم واستبداد في جانبها السياسي ، وعُرف عن باقي المذاهب الاسلامية انها مدارس سياسة وسلطان ودفاع عن طبقة حكم ، وتبرير لاستمرار حكوماتهم مهما كان شكلها او انتهاج سبل السياسة فيها ، ومهما كان لونها او اختلاف انماط نظمها الحاكمة القائمة في الوجود !.
ثالثا : ان مدرسة التشيّع الاسلامية مدرسة تقوم على الحجج العقلية والاسلامية الصريحة في الدفاع عن معتقداتها الدينية والسياسية والفقهية والاجتماعية ايضا ، اي ان لكل فكرة اسلامية شيعية سواء كانت في التوحيد والنبوة والامامة والمعاد او العدل ، فان مرجعيتها لابد ان تكون الاسلام ( كتاب وسنة وتراث اهل البيت ع ) ، واي شيئ ليس له جذر اسلامي او عقلي فكري فالمدرسة الشيعية رافضة له على المطلق ( ولذالك سمو رافضة ) ، ومثل هذه المواقف تعطي قوّة اقناع للضمير الاسلامي العام ان توفرت الاجواء والمناخاة الهادئة للحوار بين الشيعة الاسلاميين وغيرهم ، وهذا هو بالضبط مايدفع اعداء التشيّع الاسلامي دوما للبحث عن اثارة الغوغائية حول التشيّع مرّة بالافتراء والكذب وخلق الاساطير على معتقداهم ، ومرة بتكفيرهم وسفك دمائهم ، ومرة بتحريم قراءة كتبهم وافكارهم او الالتقاء والتحاور معهم ، ومرة باغراء السلاطين بهم لتحجيم تحركهم !.
ان قضية شيعية ( مثلا ) كالامامة فأن المدرسة الشيعية الاسلامية ضليعة في دراستها وبحثها حسب الاصول الاسلامية الشرعية ، ومثل هذه البحوث التي تطرحها المدرسة الشيعية الاسلامية ، وخصوصا في قضية خلافة الرسول الاعظم محمد ص ، وماتثيره من اشكالات عميقة ودقيقة في الفكر الاسلامي ، وما تفتقر اليه باقي المدارس الاسلامية غير الشيعية من حجج اسلامية وفكرية يدعم من مواقفها وارائها الضعيفة أمام الرأي الشيعي ، كل هذا جعل من المدرسة الاسلامية الشيعية مدرسة تحمل من الخطورة على معتقدات الاخرين الدينية مايلجأها الى انتهاج العنف والتصفية والاسكات والتكفير ضد التشيّع لضمان عدم ترويج ومناقشة الفكر والحجج والسجالات التي تطرحها مدرسة التشيع الاسلامية بهذا الصدد السياسي المختص فقط بقضية الامامة ، فما بالك ان فسح الطريق وثنيت الوسادة لفكر المدرسة الشيعية بالمحاورة والنقاش والحرية في الكلام امام ماتطرحه باقي المدارس الاسلامية الاخرى من حجج ومناقشات ومجادلات وحوار حيّ وفاعل وجذّاب ؟.
على اي حال في الخلاصة نريد القول : ان اسباب انتشار الفكر والمدرسة والمذهب الشيعي اليوم في عالمنا العربي والاخر الاسلامي هو ليس الا كون هذه الفكرة اولا انها فكرة متصلة بمدرسة اهل البيت الذي يحترمهم المسلمون جميعا بقوّة الا انهم لايرون من تراثهم اي شيئ يذكر في كتب المسلمين غير الشيعة ، ولهذا وفرت المدرسة الشيعية النافذة الجديدة بالنسبة للمسلمين للاطلاع على وجهة النظر الاسلامية الاخرى المتمثلة في مدرسة اهل البيت عليهم السلام !.
وكذالك عندما يقال ثانيا : ان مدرسة التشيّع الاسلامية ولانطباعها بتراث اهل البيت عليهم السلام وخصوصا بالثورة الحسينية العظيمة قد اعطت الانطباع لدى جميع المسلمين انها مدرسة المظلوم ضد الظالم ومدرسة العدل ضد الجور ، ولهذا رأى الانسان العربي وكذا الاسلامي اليوم وهو يعيش في فرن ملتهب من الفساد والظلم والجور السياسي في بلده ، ان هذه المدرسة الشيعية الاسلامية هي الاقرب اليه ولمطالبه ولتطلعاته من باقي المدارس والمذاهب الاسلامية التي تقف الى جانب الظلم والدكتاتورية والفساد باسم وجوب طاعة اولي الامر والخضوع لهم ، ومثل هذه الافكار في باقي المدارس الاسلامية التي بدلا من مناصرة المظلوم هي تنتصر للظالم ضد المظلوم ، مثل هذه الافكار هي مايدفع جميع المسلمين لاعادة النظر في ايمانهم ومعتقداتهم والتحوّل بها من مدرسة الظلم والدكتاتورية الى مدرسة المظلومين وطالبي العدالة والمساواة بين البشر !.
نعم ثالثا : مضافا لعاملي اهل البيت عليهم السلام ومدرسة العدل ضد الجور ، يتبقى للمدرسة الشيعية الاسلامية انها مدرسة رونقها انها تمتلك حجة وعقل وفطرة قريبة من داخل الانسان ، وهذا سبب ايضا اصيل في دخول الناس افواجا في التشيّع الاسلامي اليوم مع ان هناك مخاطر كبيرة في الاعلان عن هذا التحول لاي فرد عربي او اسلامي ، الا انه ومع ذالك عندما تأتي المدرسة الفكرية بافكار كلها فطرة وعقل واقناع وايمان مضافا لذالك حجة وبرهان وجدل ، فاي انسان امامها بين قرارين اما السماح لقلبه ان يختار ، او التفكير بالعواقب والهروب للامام وافتعال الغوغائية ضد الشيعة والتشيّع ، ولحد هذا الوقت اسلوب الهروب الى الامام هو السائد في عالمنا العربي والاسلامي امام التشيّع ، ولكن المستقبل يقول غير ذالك بالتأكيد ، فكل فكرة ومدرسة ومنهج ودين يحمل في داخله الفطرية والحجة والبرهان والحرية والرحمة ، فهو حتما المنتصر في القادم من الايام ، وحال هذه المدرسة وبهذه المميزات لاتختلف عن الاسلام العظيم نفسه الذي جاء في زمن الشرك والظلم والمصالح والظلمات ليجابه باعتى هجمة وحرب شرسة حاولت الهروب الى الامام لكنها في نهاية المطاف خضعت للاسلام باعتباره دين الفطرة والحجة والعقل والايمان !.
وهكذا التشيّع الاسلامي كما نراه في نهاية الطريق ، انه المدرسة التي سيقف على شاطئ بحرها الكبير جميع الناجين من الغرق في بحر الظلمات الاسود الذي يناصر الظلم على العدل والجور على المساواة والكراهية على الحب !.