إن أغلب الناس في تقييمهم للأشخاص، يعتمدون على القول، ولكن علياً (ع) يقول: (أيها الناس!.. من عرف من أخيه وثيقة في دين، وسداد طريق؛ فلا يسمعن فيه أقاويل الرجال.. أما إنه قد يرمي الرامي، وتخطئ السهام، ويحيل الكلام.. وباطل ذلك يبور، والله سميع وشهيد.. أما إنه ليس بين الباطل والحق إلا أربع أصابع، وجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه، ثم قال: الباطل أن تقول: سمعت، والحق أن تقول: رأيت).. ليس معنى ذلك أن الناس كلهم فسقة، ولكن (السيف قد ينبو، والجواد قد يكبو).
إنكثيراً من الأخبار مصدره قال: فلان، وقيل: كذا.. وفي خبر آخر قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)!..والغريب أن بعض الأقاويل، أو بعض التهم منقولة من الصحف، ولا يعلم من قائلها؛ فأين ذهب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}؟..
فإذن، إن وظيفة المؤمن عندما يسمع من أخيه كلمة سيئة؛ أن يعمل بهذه الروايات: ورد عن رسول الله (ص) قوله: (إحمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير).. وعن أمير المؤمنين (ع): (لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا)!.. وعن الصادق (ع): (إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا.. فإن أصبته، وإلا قل: لعل له عذرًا لا أعرفه).. ليس معنى ذلك أن يكون كالنعامة، يدس رأسه في الرمال، ويقول: ليس من صياد!..
إن الأب إذا سمع عن ابنه بعض التهم الخطيرة، فعليه ألا يعامله معاملة المتهم؛ لأن هذه دعوى.. بل يجب أن يحمله على البراءة، إلى أن يثبت العكس ما لم يدان.. ولكن في نفس الوقت، عليه أن يحذر فمادام هناك أقاويل.. إن كان الإنسان مما لا يعنيه أمره؛ فلا شأن له به.. ولكن إن كان يعنيه: كالولد، أو الزوجة، أو الأرحام، أو الأصدقاء.. فالإنسان لا ينسى النصيحة، ولو من باب التحذير.
إن مشكلتنا تكمن في أن الولد بعد أن ينحرف، نشكوه لزيد وعمرو، ونتكلم معه بقسوة.. بينما المؤمن إذا رأى في ولده بوادر مراهقة، أو محرمات معينة؛ يحاول أن يجتث القضية قبل التفاعل.. وبعبارة أخرى: يدخل إلى جوفه، وإلى قلبه؛ ليبنيه من الداخل؛ بدلا من الردع والضرب وغيره.
وعليه، فإن هناك وظيفتين -حسب الظاهر- مختلفتين، ولكنهما وظيفتان، وهما: الحمل على الأحسن، والحيطة والحذر.. فالحمل على الأحسن مع وجود هذه الأجواء المفسدة؛ أمر صعب.. ولكن المؤمن في نفس الوقت الذي لا يبالي فيه بكلام الآخرين، أيضاً عليه أن يحذر ويدفع البلاء قبل نزوله.
إن الإنسان عندما يحمل فعل أخيه على محمل حسن، ثم يتبين أنه فاسق فاجر، هو لم يخسر شيئا، يقول: يا رب، أنا حملته على محمل حسن، ثم تبين أن هذه التهمة صحيحة.. وأما العكس: إذا لم يحمله على محمل حسن، وتكلم عليه وأسقطه من الأعين، ثم تبينت براءته؛ فهنا الكارثة!.. يوم القيامة لا يقال: لِمَ لم تتكلم على فلان؟.. بل يقال: لمَ تكلمت على فلان، وأنت لست على يقين؟..
القاعدة العامة: إن الإنسان أثناء قيادته للسيارة، يأخذ الحيطة والحذر في كل شيء.. وفي التعامل مع الناس، أيضاً لابد من هذه الحيطة والحذر، فأمير المؤمنين (ع) قال لكميل بن زياد فيما قال: (يا كميل، أخوك دينك.. فاحتط لدينك بما شئت).